الإمام السجاد (عليه السلام) والنهوض الحضاري

قال تعالى: ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ 1.
صبي في السابعة أو الثامنة من عمره رآه عبد الله بن المبارك يسير في ناحية من الحاج بلا زاد ولا راحلة، فتعجب منه! فتقدم إليه سائلا: مَعَ مَنْ قَطَعْتَ الْبَرَّ؟ فأجاب: مَعَ الْبَارِّ.
فقال له: أَيْنَ زَادُكَ وَرَاحِلَتُكَ؟ فأجاب: زَادِي تَقْوَايَ وَرَاحِلَتِي رِجْلايَ وَقَصْدِي مَوْلاي.
هذا هو الإمام السجاد (عليه السلام)، وكأنه يعد من حوله بل ومن يراه للدور الذي ينتظره أثناء إمامته، وقبل الولوج في هذا الموضوع ينبغي التمهيد بأمور ثلاثة:
الأول: الإسلام دين الحضارة والتقدم والازدهار، والمسلمون الأوائل هم من بنى وأسس وعمل بجد وإخلاص على تشييد تلك الحضارة على الأسس والمبادئ التي جاء بها الذكر الحكيم والنبي (صلى الله عليه وآله) العظيم والصفوة المصطفين من أهل بيته (عليهم السلام)، ونحن إذا ما أصغينا إلى ما صدر عنهم في التعلم والتعليم والتنظيم والعقلانية وحسن التدبير والسعي والجد والمثابرة والعمل والحركة والنشاط والحيوية والتعاون والتكامل وغيرها.. فإننا نجدها كتلة من الحضارة، والاستماع الواعي لها يفجر الطاقات الخيرة في الإنسان ويدفع به نحو التقدم الحضاري البناء، والنمو المتكامل فيها.
الثاني: تمكّن الأمويون من السيطرة على السلطة السياسية، واعتمدوا السيف والقهر والإذلال والتجويع والاستئثار لتثبيت أركانها، خصوصا وأن هذا النمط الجديد لم يكن مقبولا لدى أركان الأمة وأعلامها، نظراً لتعارضه مع الأسس التي قامت عليها الدولة الإسلامية.
ولتثبيت سلطة السيف كان لا بد من تدعيمها بشرعية الزيف المتمثلة بوعاظ السلاطين وفقهاء البلاط والوضاعين المفترين على الله وعلى رسوله.
وتمكنوا من تحريف المسيرة الحضارية للأمة والتخلي عن القيم الحضارية في الدين الإسلامي، كالعدل والمساواة والحرية.
ولتمييع الأمة ومنعها من التفكير والمقارنة بين ما كان صحيحاً من الدين وما هو باطل مفترى على الدين وأهله، عمدوا إلى سياسة التجويع من خلال الاستئثار والتفريق في العطاء، وإشاعة اللهو والطرب والمجون، حتى أن مكة المكرمة والمدينة المنورة لم تسلما من هذا الفعل الشنيع.
قال المؤرخ المسعودي: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب، وقرود وفهود، ومنادمة على الشرب.. وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب.
وقد أدى ذلك إلى بروز أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وخلقية داخل المجتمع المسلم.
الثالث: إن جريمة كبيرة كحجم جريمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وسبي نسائه ما كانت لتحدث لو أن الأمة تتمتع بالحياة والإباء والإرادة، فشخصية عظيمة ذاتاً وعريقة نسباً كالحسين (عليه السلام) ليس بمقدور أحد بمن فيهم هرم السلطة الأعلى أن يتخذ قراراً بالاعتداء عليها والمساس بها، فضلا عن قتلها والتمثيل بها والتنكيل بالتابعين لها من النساء والأطفال بالسبي والتعذيب، إلا إذا أصبحت الأمة جسداً بلا روح وبلا عزيمة وبلا منعة.
وسط هذه الأوضاع المضطربة والتحديات المتنوعة، جاء دور الإمام السجاد (عليه السلام) ليقوم مسيرة الأمة الحضارية ويصلح حال أبنائها، وقد استخدم أساليب وطرق متنوعة تنتهي إلى إيجاد وتفعيل عوامل النهوض الديني في الأمة الإسلامية، وذلك بالآتي:
أولا: تركيز القيم الأخلاقية والروحية.
أُسست حضارة الإسلام على القيم الأخلاقية والروحية، وكان المحور السائد في تلك القيم هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهذه القيمة وإن كانت تصنف في البعد العقيدي، إلا أن آثارها الحقيقية وتطبيقاتها الخارجية تنعكس على سريرة الإنسان وصفاته، وعلى سلوكه وأفعاله، وعلى علاقاته ومعاملاته مع الآخر، بغض النظر عن كونه بشراً أو حيواناً أو حتى جمادا، فيعطي كل ذي حق من هذه الأصناف حقه مع مراعاة المنزلة والرتبة والمكانة، بل والقرب أو البعد أيضا.
ولذا نجد أن الأنبياء جميعاً توجهوا إلى أقوامهم بالدعوة إلى عبادة الله، فنبي الله نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم (عليهم السلام) وغيرهم كثير حملوا على عاتقهم هذه الدعوة، وكانت هي الأساس والمحور في حركتهم.
﴿ ... قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ... ﴾ 2.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ 3.
وعبادة الله لا تعني مجرد أداء الطقوس الدينية المعبر عنها بالعبادات كالصلاة والصيام والحج وما إلى ذلك، وإنما تعني أولا وبالذات الخضوع المطلق لله سبحانه وتعالى، وهذا يتضح لنا من خلال التأمل والتفكر في فقرات الآية التالية لفقرة: (اعْبُدُواْ اللّهَ)، فمثلا في آيات سورة الأعراف أُتبعت بقوله جل اسمه: ﴿ ... مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ... ﴾ 2، والإله هو المعبود، والمراد من هذه الفقرة بيان حصرية الخضوع لله سبحانه وتعالى، إذ لا إله ولا معبود سواه، ولازم ذلك تجنب الخضوع للنفس أو الشيطان أو الطاغوت أو غيرهم.
وقال السيد الخوئي (قدس سره) في بيان معاني العبادة واستعمالاتها في القرآن الكريم: العبادة في اللغة تأتي لأحد معانٍ ثلاثة:
الأول: الطاعة، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ 4، فإن العبادة المنهي عنها في الآية المباركة إطاعته.
الثاني: الخضوع والتذلل، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ 5، أي خاضعون متذللون، ومنه أيضا إطلاق المعبد على الطريق الذي يكثر فيه المرور.
الثالث: التأله، ومنه قوله تعالى: ﴿ ... قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ... ﴾ 6، وإلى المعنى الأخير ينصرف هذا اللفظ في العرف العام إذا أُطلق دون قرينة.
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري (قدس سره): والعبادة خضوع خاص ناشئ عن الاعتقاد بأن للمعبود عظمة، ولا يحيط بها العقل في المعبود الحقيقي، لعدم وصول إدراك إلى عظمته فضلا عن ذاته.
والإمام السجاد (صلوات الله عليه) الذي يشكل الامتداد للرسالة، عمل على ترسيخ هذه القيمة (عبادة الله) من خلال التربية الخاصة، وبث الدعاء المليء بالشحنات المعرفية والروحية، الموجهة لإيقاظ مكامن الخير في الإنسان وإخماد شرر الشر فيه وإنقاذه من عبادة العبيد إلى عبادة الإله العلي القدير.
ووصول الإنسان إلى هذا المستوى يرفع من مقامه ويحسن من أدائه، فيشعر بالمساواة بينه وبين بني جنسه، أبيضهم وأسودهم، حاكمهم ومحكومهم، صغيرهم وكبيرهم، عربيهم وأعجميهم، فلا تفاضل بين هؤلاء إلا بالتقوى، ولا يتقدم أحد من أبناء الأمة على أحد إلا بالعلم والكفاءة.
قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ 7.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِنَّ النَّاسَ مِنْ آدَمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مِثْلُ أَسْنَانِ الْمُشْطِ، لا فَضْلَ لِلْعَرَبِيِّ عَلَى الْعَجَمِيِّ وَلا لِلأَحْمَرِ عَلَى الأَسْوَدِ، إِلا بِالتَّقْوَى.
من أدعية الإمام في الصحيفة السجادية:
اللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِي، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطَايَا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلامُ) إِذَا تَوَفَّيْتَنِي.
وَاعْصِمْنِي مِنْ أَنْ أَظُنَّ بِذِي عَدَمٍ خَسَاسَةً، أَوْ أَظُنَّ بِصَاحِبِ ثَرْوَةٍ فَضْلا، فَإِنَّ الشَّرِيفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طَاعَتُكَ، وَالْعَزِيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبَادَتُكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَمَتِّعْنَا بِثَرْوَةٍ لا تَنْفَدُ، وَأَيِّدْنَا بِعِزٍّ لا يُفْقَدُ، وَاسْرَحْنَا فِي مُلْكِ الأَبَدِ، إِنَّكَ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ.
إِلَهِي؛ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْوَاجِبِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي أَمَرْتَ رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِهِ، وَبِجَلالِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي لا يَبْلَى وَلا يَتَغَيَّرُ، وَلا يَحُولُ وَلا يَفْنَى، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُغْنِيَنِي عَنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ بِعِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَكَيْدِهِ وَمَكَايِدِهِ، وَمِنَ الثِّقَةِ بِأَمَانِيِّهِ وَمَوَاعِيدِهِ وَغُرُورِهِ وَمَصَايِدِهِ، وَأَنْ يُطْمِعَ نَفْسَهُ فِي إِضْلالِنَا عَنْ طَاعَتِكَ وَامْتِهَانِنَا بِمَعْصِيَتِكَ، أَوْ أَنْ يَحْسُنَ عِنْدَنَا مَا حَسَّنَ لَنَا، أَوْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْنَا مَا كَرَّهَ إِلَيْنَا. اللَّهُمَّ اخْسَأْهُ عَنَّا بِعِبَادَتِكَ، وَاكْبِتْهُ بِدُءوبِنَا فِي مَحَبَّتِكَ، وَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِتْراً لايَهْتِكُهُ، وَرَدْماً مُصْمِتاً لا يَفْتُقُهُ.
ثانيا: وعي الحق ومعرفته.
الحضارة لغة تعني الإقامة في الحضر، وضدها الإقامة في البادية.. وورد في اللغة أن الحضارة والحضرة هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار، ومساكن الديار، والتي يكون لهم بها قرار.
وهذا التعريف وإن كان فيه تسامحا بينا، وخصوصا إذا ما قورن بما اصطلحوا عليه، إلا أن يقال أن الأمر سهل، خصوصا إذا ما أخذنا ما جاء في هذا التعريف بلوازمه، إذ أن لازم ذلك البعد المعنوي والتقدم المادي والإطار القانوني الجامع المنظم للعلاقة بين الجميع التي تعتمد أساس الحق والواجب للجميع وعليهم.
وإذا كان الحق منك وإليك ركن ركين في النهوض الحضاري، فمعرفته والوعي بأهمية وجوده تكون مقدمة لذلك.
وقد عمل الإمام زين العابدين (عليه السلام) على بث الوعي في مجال الحقوق لجميع شرائح الأمة، بل وأشمل من ذلك، ومراجعة سريعة لرسالة الحقوق للإمام (عليه السلام) توقفك على ذلك وأكثر.
ثالثا: العدالة الاجتماعية طريق التعاون والتكامل.
يحمل الإنسان في داخله نزعة تحثّه نحو المزيد من السمو والتقدم والتكامل، فيتطلع لأن يكون في المواقع المتقدمة وربما الأولى، ويطمح لأن يكون الأول في المال أو العلم أو المكانة الاجتماعية أو السياسية.
ومما لا شك أن أمراً كهذا يحتاج إلى بذل جهود كبيرة، يصرف معظمها في أمور لا ترتبط بالمقصد المنشود بشكل مباشر، وإن كانت تدخل فيه من باب المقدمات، ولكنها غير المباشرة، والأمثلة في مجتمعنا كثيرة تعرف باستدعاء الذاكرة.
ومع أن هذا يثير في نفس الإنسان حالة من التحدي للواقع المعاش، وتجاوز العقبات فيه، بالسعي الحثيث والجد والاجتهاد والدخول في حلبة التنافس بتصميم وعزيمة نحو الفوز والنجاح والتقدم.. إلا أن هناك منهجاً أخصر يجمع بين التعاون والتنافس وصولا إلى التكامل، وهذا المنهج هو العدالة الاجتماعية، والتي تترجم بتكافؤ الفرص والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه.
قال تعالى: ﴿ ... فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ... ﴾ 2.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ 8.
وقال الإمام السجاد (عليه السلام): اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ، فِي بَسْطِ الْعَدْلِ.
وحيث أن العمل على تثبيت قواعد العدل الاجتماعي في الأمة يقتضي رفع الظلم والحيف عنهم، فقد عمل الإمام (عليه السلام) مع أبيه (عليه السلام) في مقارعة الظلم الأموي في كربلاء وما تلاها من أحداث في كل من الكوفة والشام، وأعد أبناءه لمقارعة الظلم والبغي والعدوان.
رابعا: الدعوة إلى العمل الصالح بدلا من العمل للمصالح.
الأنا والذاتية أياً كانت وإلى أي تنتمي شخصية، عائلية، عشائرية، أو فئوية حزبية، أو قومية، وطنية، عرقية، كلها تفسد العمل الصالح وتحوله إلى خانة العمل للمصالح، والمصلحة ليست مرفوضة بالمطلق، والمرفوض منها هو ما يدخل في إطار المتاجرة بالدين أو قضايا الأمة، كالإستئكال والاستغلال بهما لمسائل تعود بالنفع إلى غيرهما.
ولعل أحد الأسباب المهمة في تقديم الإيمان على العمل الصالح في العديد من الآيات الكريمة، هو لكي يكون الدين والإيمان به هو المرتكز الأساس والداعي الأهم للعمل الصالح في أي مجال من مجالات الحياة.
وما عدا ذلك قد يصنف في خانة الفساد أو الإفساد والعياذ بالله.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ 9.
وفي الصحيفة السجادية وعلى لسان الإمام السجاد (عليه السلام) مرت هذه المسألة بصيغ ومطالب مختلفة ومتعددة، كالنية ومجالس الصالحين وصالح الأعمال وجالس الصالحين.. وهكذا، وليس المقصود منه سوى ربط الإنسان وما ينتج عنه من عمل بالله سبحانه وتعالى.
قال الإمام السجاد (عليه السلام): وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ عَمَلًا نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إِلَيْكَ.
وفي المقابل مقاومة الفساد والمفسدين، إذ لا يمكن أن يجتمع الإصلاح والفساد معاً وفي مكان واحد وزمان واحد.
قال تعالى: ﴿ ... وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ 2.
ومصاديق الفساد المنهي عنه كثيرة ومتنوعة، وهي تتسع لتشمل كل ما يمكن أن يقع حاجزاً أو عقبة في طريق النهوض الحضاري للأمة 10.

______________

    1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 85 و 86، الصفحة: 161.
    2. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 85، الصفحة: 161.
    3. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 36، الصفحة: 271.
    4. القران الكريم: سورة يس (36)، الآية: 60، الصفحة: 444.
    5. القران الكريم: سورة المؤمنون (23)، الآية: 47، الصفحة: 345.
    6. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 36، الصفحة: 254.
    7. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 9، الصفحة: 459.
    8. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 8، الصفحة: 108.
    9. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 9، الصفحة: 209.
    10. ...كلمة سماحة الشيخ محمد حسن الحبيب في حديث الجمعة، مسجد الإمام الرضا (ع)، السعودية.