نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب

نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب0%

نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 312

نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد الرصافي المقداد
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: الصفحات: 312
المشاهدات: 44153
تحميل: 6153

توضيحات:

نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 312 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44153 / تحميل: 6153
الحجم الحجم الحجم
نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب

نعم لقد تشيّعت وهذا هو السبب

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تراثنا، رغم أنّه منسوب إلى سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال: لعلّ ذلك راجع إلى الإهمال الذي لاقاه فكر أهل البيت عليهم‌السلام ، من أتباع خطّ الأنظمة التي حمت رقاب أسلافنا.

وأومأت إليه برأسي موافقاً على عزوه، وواصلت البحث عن الكتب من خلال ما توحي به عناوينها، ومن خلال تصفّحي لتلك المؤلّفات، وقفت على شدة اهتمام أصحابها بتدوين كلّ الأدعية التي سُمعت من بيت مهبط الوحي ومختلف الملائكة.

ولقد تتبّع، هؤلاء العلماء الأفذاذ وغيرهم كلّ تلك الكنوز العظيمة، واستطاعوا أنْ يخرجوا ذلك كلّه في كتب تحتوي على أعمال وعبادات وآداب حَوْل كامل، من مسنونات ومستحبات وتعقيبات، تسهيلاً وتمكيناً للراغبين في اتّباع آثار النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قفز إلى ذاكرتي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدعاء مخّ العبادة». ووقفت على حقيقة أطلّت عليّ من خلال صفحات الأدعية التي كنت أتأمّل فيها تقول: إنّني كنتُ أعبدُ الله سبحانه وتعالى بلا مخّ وبلا روح أيضا.

والتفتّ إلى كتاب آخر استدرجني عنوانه، كأنّما ينادي أعماق روحي: للإمام الخميني الراحل رضي‌الله‌عنه وطيّب ثراه، تركتُ ما في يدي وانهمكت فيه تصفّحا وقراءة سريعة في فهرسه وبعض أبوابه، فتملّكتني حيرة، وأخذتني دهشة، ربّاه.. ما هذا ؟ أيّ دين هذا ؟ وأيّ نوع من الناس هؤلاء..؟ ولماذا حال حائل بيننا وبين هذه الخيرات والنعم العميمة ؟

أهكذا كان يصلّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الكرام ؟ أهذه هي فعلاً أدعية أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لا شكّ أنّ الذي دعاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بباب مدينة علومه وأهل بيته عليهم‌السلام ، أقدر على استيعاب الدين الإسلاميّ، وتقديم شعائره بالشكل الصحيح

٢٨١

من غيرهم، وانتقلت تلك المعارف، والتطبيقات إلى ذريتهم وشيعتهم من بعدهم.

سألت عن اللغة التي كتب بها الإمام الخميني كتابه. فقيل لي: إنّها لغة العرفان، ومنطق العارفين، وكلامه هو تعبير عن تجلّيات للروح من مقام القرب، ليست متاحة إلّا للذين أناخوا رحالهم في فناء الزهد والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد رأيت أنْ أنقل إليكم نبذة من كلامه، ( ثمّ أخرج من بين طيّات ثيابه ورقة )، يقول قدس‌سره في بيان المعاني الروحيّة والأسرار العرفانيّة لسنن التكبيرات الست التي تسبق تكبيرة الإحرام عند سفر العبد إلى ملكوت العزة وفناء الطاعة:

«فأنت يا أيّها السالك إلى الله، والمجاهد في سبيل الله، إذا أقمت الصلب في محضر القرب، وأخلصت النيّة في جانب العزلة، وصفيّت قلبك ودخلت زمرة أهل الوفاء، فهيىء نفسك لدخول الباب، واطلب إجازة فتح الأبواب، وتحرّك من منزل الطبيعة، وارفع حجابها الغليظ، بالتمسّك بمقام الكبرياء، وارمه وراء ظهرك، وكبّر وادخل الحجاب، وارفعه إلى الوراء، وارفع الحجاب الثالث، فقد وصلت إلى منزل القلب، فقف واقرأ الدعاء المأثور «اللهمّ أنت الملك الحقّ المبين، لا إله إلّا أنت، سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت» (1) ، واسلب المالكيّة عن غير الحقّ، واحصر مطلق التصرّفات بتلك الآيات المقدّسة، كي لا تحسب نفسك رافعا للحجاب، ولائقا لتكبير الحقّ، فإنّه أكبر منْ أن يوصف.

ثمّ اقصر الألوهيّة على الحقّ، واطلب غفران ذنوبك، ثمّ ارفع الحجاب الرابع والخامس وارمه إلى الخلف، وكرّر التكبير، وافتح عين قلبك حتّى تسمع النداء، فإنْ ظهر في قلبك حلاوة المحضر، ولذّة الورود أو هيبة الحضور وعظمته، فاعلم أنّه قد صدرت رخصة الورود من جانب الغيب، فقل في مجال الخوف والرجاء

_________________

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 304.

٢٨٢

والابتهال والتبتل والتذرّع «لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهديّ من هديت، عبدك وابن عبدك بين يديك، منك وبك ولك وإليك، لا ملجأ ولامنجاً ولا مفرّ منك إلّا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك وحنانيك سبحانك ربّ البيت الحرام» (1) . وتفكّر في حقائق هذه الأذكار الشريفة، فإنّ فيها أبوابا من المعارف، وفي نفس الوقت فيها أدب الحضور. وبعد تسبيح الحقّ، وتنزيه مقامه المقدّس، عن جواز التوصيف، ارفع الحجاب السادس وكبّر، فإنّ رأيتك لائقاً، فارفع الحجاب السابع، وهو اللطيفة السابعة، وإلّا فقف واقرع باب إحسان الحقّ، واعترف عن القلب بإساءتك وقل «يا محسن قد أتاك المسىء» وتوجه بأن تكون صادقا حقيقة، وإلّا فكن حذرا وخائفا من النفاق في محضر ذي الجلال، ثمّ بعد ذلك ارفع الحجاب السابع، وارمه وراءك برفع اليد، وقل تكبيرة الإحرام، واعرف نفسك محرومة عن الغير، فقد دخلت حرم الكبرياء، فقل: «وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض...» (2) واعلم بأنّك على خطر عظيم، وهو النفاق في أوّل العبادة، في محضر عالم السرّ والخفيّات. وإذا رأيت نفسك عارياً عن هذه المقامات، فالكاتب المحجوب عن كلّ كمال ومعرفة، والمقيّد بعلائق الدنيا، وحبّ النفس والمشغول بالشهوة والغضب، فلا تفضح نفسك في محضر الحقّ والملائكة المقرّبين، واعترف بنقصك وعجزك، وكن على خجل من قصورك واحتجابك، وادخل بانكسار القلب والانفعال والخجلة واقرأ الأذكار على لسان الأولياء فإنّك لست لائقاً لها، لأنّه ما لم تترك نفسك والعالمين، لم تكن صادقاً في هذه الأقوال، وما لم تُسلّم تسليماً حقيقيّاً بين يدي الله، لم تكن مسلماً، وما دمت رائياً نفسك، لم تخرج عن حدود الشرك، وما لم تكن فانياً مطلقاً في جناب الحقّ

_________________

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 304.

(2) من لا يحضره الفقيه 1: 304.

٢٨٣

لم تستطع أنْ تقول: «إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين» (1) ، فإن لم تجد نفسك بطل هذا الميدان، فلا تدخل في صفّ أهل المعرفة أصلاً، ولا توجب خجلتك عند الأحرار، فعن الصادق عليه‌السلام قال: «فإذا كبّرت فاستصغر ما بين السموات العلا والثرى دون كبريائه، فإنّ الله تعالى إذا اطّلع على قلب العبد وهو يكبّر، وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال: يا كاذب أتخدعني ؟ وعزّتي وجلالي لأحرمنّك حلاوة ذكري، ولأحجبنّك عن قربي، والمسارّة بمناجاتي» (2) .

اختبر أنت قلبك حين صلاتك، فإنْ كنت تجد حلاوتها، وفي نفسك سرورها وبهجتها، وقلبك مسرور بمناجاته، وملتذّ بمخاطباته، فاعلم أنّه قد صدقك في تكبيرك له، وإلّا فقد عرفت من سلب لذّة المناجاة، وحرمان حلاوة العبادة، إنّه دليل على تكذيب الله لك وطردك من بابه» (3) . وهكذا أخذت أتتبع الدرر التي حرمنا منها سنين عديدة فكانت تهزّ أعماقي واستوقفني كلام بليغ، قاله الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، لرجل حجّ البيت الحرام، رأى منه عُجباً في نفسه، ويقيناً بقبول حجّه فسأله الإمام عليه‌السلام : «أحججت يا شبلي ؟.

قال: نعم، يا ابن رسول الله.

فقال عليه‌السلام : أنزلت الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فحين نزلت الميقات، نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة ؟

_________________

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 304.

(2) مستدرك الوسائل 4: 96.

(3) سرّ الصلاة: 123 - 127.

٢٨٤

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك، نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين اغتسلت، نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت.

ثمّ قال عليه‌السلام : تنظفت وأحرمت، وعقدت بالحجّ ؟

قال: نعم.

قال: فحين تنظّفت وأحرمت، وعقدت الحجّ، نويت أنّك تنظفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين أحرمت، نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ.

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين عقدت الحجّ، نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله ؟

قال: لا.

قال له عليه‌السلام : ما تنظفت، ولا أحرمت ولا عقدت الحجّ.

قال عليه‌السلام له: أَدَخلت الميقات، وصلّيت ركعتي الإحرام ولبّيت ؟؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فحين دخلت الميقات، نويت أنّك بنيّة الزيارة ؟

قال: لا.

٢٨٥

قال عليه‌السلام : فحين صليت الركعتين، نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين لبّيت، نويت أنّك نطقت لله سبحانه بكلّ طاعة، وصمتَ عن كلّ معصية ؟

قال: لا.

قال له عليه‌السلام : ما دخلت الميقات، ولا لبّيت، ثمّ قال عليه‌السلام له: أَدخلت الحرم، ورأيت الكعبة وصلّيت ؟.

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فحين دخلت الحرم، نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين، من أهل ملّة الإسلام ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين وصلت مكّة، نويت بقلبك أنّك قصدت الله ؟.

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صليت.

ثمّ قال عليه‌السلام : طفت بالبيت، ومسست الأركان وسعيت ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علّام الغيوب ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت.

ثمّ قال عليه‌السلام له: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم عليه‌السلام ، وصلّيت به ركعتين ؟

٢٨٦

قال: نعم.

فصاح عليه‌السلام صيحة كاد يفارق الدنيا، ثمّ قال: آه، آه. ثمّ قال عليه‌السلام : من صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين، ولا تضيّع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقبض الحرام، نظير أهل الآثام.

ثمّ قال عليه‌السلام : نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، أنّك وقفت على كلّ طاعة، وتخلّفت عن كلّ معصية ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فحين صلّيت ركعتين، نويت أنّك بصلاة إبراهيم عليه‌السلام ، وأرغمت بصوتك أنف الشيطان ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه الركعتين.

ثمّ قال عليه‌السلام له: أأشرفت على بئر زمزم، وشربت من مائها ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : نويت أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما أشرفت عليها، ولا شربت مائها.

قال: أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : نويت أنّك بين الرجاء والخوف ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما سعيت ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة.

٢٨٧

ثمّ قال عليه‌السلام : خرجت إلى منى ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : نويت أنّك أمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما خرجت إلى منى.

ثمّ قال له: أوقفت الوقفة بعرفة ؟ وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله سبحانه عند الميل والحجرات ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : هل عرفت بموقفك بعرفة، معرفة الله سبحانه أمر العارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك، واطّلاعه على سريرتك وقلبك ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : نويت بطلوعك جبل الرحمة، أن الله يرحم كلّ مؤمن ومؤمنة، ويتولى كلّ مسلم ومسلمة ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فنويت عند نمرة أنّك لا تأمر حتّى تأتمر، ولا تزجر حتّى تنزجر، قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنّها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر السماوات ؟.

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات.

ثمّ قال عليه‌السلام : مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك ركعتين، ومشيت

٢٨٨

بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فحين صلّيت ركعتين، نويت أنّها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كلّ عسر، وتيسّر كلّ يسر ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما مشيت بين العلمين، ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت أن لاتعدل عن دين الحقّ يميناً وشمالاً، لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى، نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية وجهل، وثبت كلّ علم وعمل ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما مررت بالمشعر الحرام، نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى، والخوف لله عزّ وجلّ ؟

قال: لا.

قال عليهما‌السلام : فما مررت بالعلمين، ولا صلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام.

ثمّ قال عليه‌السلام : وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة ؟

قال: نعم.

قال عليه‌السلام : فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار، أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك ؟

قال: لا.

٢٨٩

قال: فعندما رميت الجمار نويت أنّك رميت عدوّك إبليس، وغضبته بتمام حجّك النفيس ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما حلقت رأسك، نويت أنّك تطهّرت من الأدناس، ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أمّك ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما صلّيت في مسجد الخيف، نويت أنّك لا تخاف إلّا الله عزّ وجلّ وذنبك، ولا ترجو إلّا رحمة الله تعالى ؟

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما ذبحت هديك، نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع، بما تمسّكت به من حقيقة الورع، وأنّك اتّبعت سنّة إبراهيم عليه‌السلام ، بذبح ولده، وثمرة فؤاده، وريحانة قلبه.

قال: لا.

قال عليه‌السلام : فعندما رجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة، نويت أنّك أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته، وتمسّكت بودّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى الله تعالى ؟

قال: لا.

قال له زين العابدين عليه‌السلام : فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت نسكك، ولا صلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإفاضة، ولا تقرّبت، فإنّك لم تحجّ، فطفق الشبليّ يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ويقين» (1) .

_________________

(1) مستدرك الوسائل 10: 167.

٢٩٠

فالعبادة عند صفوة الله وأحبّائه، ليست وسيلة للتواصل مع الخالق، وأداء شكره على نِعَمه فقط، بل هي جوهر وجودهم وأساس خلقتهم؛ لذلك يستحيل علينا تقليد الأطهار تقليداً باطنياً، بل قد يصعب علينا تقليدهم حتّى في الظاهر؛ لأنّهم أرواح زكيّة وطينة طيّبة، تفوقنا تلبية واستجابة.

وتوجّه أهل البيت عليهم‌السلام وأدعيتهم وصلواتهم في محاريب العبادة إلى الله تعالى لم يكن مسبوقاً من أحد، سوى معلّمهم الأكبر، سيّد بيتهم، وعلم هداهم، النبيّ محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتح لهم الباري تعالى باب رحمته في خمس صلوات مفروضة، جملة ركعاتها 17 ركعة، فعظّموه بضعفها نوافل، جملة ركعاتها 34 ركعة، وإذا مجموع عدد ركعات صلواتهم المفروضة والمسنونة قد أربى على 51 ركعة، زادتها رونقاً وتقوى، تأملاتهم، واعتكافاتهم، وتوجّهاتهم، ومناجاتهم للباري تعالى، خالقهم والمنعم عليهم.

قررت أنْ اشتري كلّ تلك العناوين وآخذها معي، ولمّا لم يكن معي المال الكافي، استقرضت صديقي، فأقرضني لإتمام بقيّة حساب كتبي المقتناة.

وعدت إلى بيتي بتلك الكنوز التي لا تقدّر بثمن، ثمّ عكفت عليها قراءة وتمحيصاً، ولم يمرّ يوم وأنا بين تلك الكتب الثمينة التي اقتنيتها، أتنقل من كتاب إلى آخر من معين إلى سلسبيل، ومن ماء روي إلى ماء فرات، تبيّنت حقيقة أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ومقامهم ومكانتهم وعلومهم، فوجدت أنّ العبادة قد أناخت برحلهم، وحطّت في رباطهم، ووطّنت نفسها على التسليم لهم ببلوغ منتهى رضا الربّ تبارك وتعالى فيها، ووقفت على أنّ الإسلام الذي قدّمه أهل البيت عليهم‌السلام للأمّة الإسلاميّة، نقلاً عن جدّهم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو الإسلام الصافي الذي لم تشبه شائبة التحريف، ولا مسّته أيدي المزوّرين، الدين الخاتم الحقّ الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتركه لأهل بيته الطاهرين، باعتبارهم وعاته

٢٩١

وحفظته والقائمين به صدقاً وعدلاً، فلم أتردّد في موالاتهم، واتّباعهم، ومحبّتهم، والإيمان إيماناً جازماً بأنّهم الأئمّة الهداة، الذين بفضلهم حافظ الدين على نقاوته، وتواصل عطائه رغم كلّ المحاولات التي أرادت القضاء عليه، وذلك دليل آخر على ربّانيّة هؤلاء الأطهار، وشيطانيّة محاربيهم، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.

٢٩٢

الحلقة الثامنة والعشرون والأخيرة

شيّعتني فطرتي وكتاب المراجعات

ما إن أتمّ عمار إفادته، وأدلى بشهادته، حتّى أخذت الكلمة، فشكرت جميع من حضر من الإخوة، على ما أبدوه من شهادات لله تعالى، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأهل البيت عليهم‌السلام ، وللمسلمين الذين ما يزالون بعيدين عن منهاج أهل البيت عليهم‌السلام ، وللتاريخ الذي لم يرق إليه الدنس، متوّجاً جملة الإفادات بإفادتي أنا أيضاً فقلت:

عرفت الإسلام صغيراً في كنف عائلتي المحافظة، القادمة من تخوم شطّ الجريد، ومن فطناسة، إحدى القرى الصحراويّة النائية من ولاية قبلي، فكنت أُصلّي وأصوم بأمر وإرشاد وتوجيه من أبي وأمّي.

منذ أنْ بدأتُ أدرك، وفي سنواتي الأولى في المدرسة الابتدائيّة، كنت أتردّد على بيت أحد رفاق الدراسة، الذي كانت تشدّني إلى بيت أسرته، صورة ملكت عليّ جميع أحاسيسي، وشدّتني إلى عالم من الخيال والتأمّل، فكنت أسرح معها بعيداً في عالم ذلك الفارس العظيم الذي كُتب إلى جانب صورته، عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، على فرس أبيض قد نطّ برجليه الأماميّتين في الفضاء وهو يوجّه ضربته القاضية إلى فارس آخر، كتب عليه رأس الغول، وقد سالت الدماء منه.

انطبعت تلك الصورة في أعماق نفسي؛ لأنّني قد وجدت أخيراً ما يلامس الحكايات التي كانت جدّتي لأمّي رحمها الله تحكيها لي، ولأخوتي، عن سيّدنا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومعاركه الحاسمة مع رأس الغول - وقد علمت فيما بعد أنّه عمرو بن ودّ، وأن المعركة كانت غزوة الخندق -

٢٩٣

جدّتي كانت تُكبر الإمام عليه‌السلام وتصفه بحيدرة الأحمر - نسبة إلى ندرة مثيله، كندرة الكبريت الأحمر - وحكاياتها كلّ ليلة من ليالي الصيف أو الشتاء لا تنتهي، وكنّا نأوي إليها بعد العشاء، فتحكي لنا عن ذلك الرجل العظيم، وتروي قصصاً من بطولاته، فنرهف لها السمع، ونسكن حولها كأنّنا كبار عاقلون، وكأنّ البيت لم يعد يحوي أطفالاً لا يهدؤون من اللهو واللعب والعبث.

يمكن اعتبار أنّ جدتي هي التي عرّفتني بالإمام عليّ عليه‌السلام ، وتحديداً عرّفتني بجانب الرجولة والبطولة فيه، وكانت الصورة التي شاهدتها متزامنة مع فترة الحكايات عنه، فكنت أستغلّ الفرصة كلّما قصدت بيت رفيق الدراسة، لأمكث أكبر وقت ممكن أمام تلك الصورة المعبّرة.

كبرتُ وكبرت معي أحلامي وآمالي، ولم يكبر تديّني لسبب لم أفهمه إلّا بعد أنْ تشيّعت لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، واعتنقت إسلامهم، وهو أنّ التديّن الوراثي قاصر عن تقديم الحجج والأدلّة والبراهين المؤيّدة لهذه العقيدة، أو تلك الشعيرة، ممّا أثّر سلباً على المتدينين بالوراثة، فعجزوا عن الدفاع عن عقائدهم أمام ادّعاءات خصومهم من أتباع الأفكار الماديّة والعلمانيّة.

ومع انتمائي العقائديّ الذي غلب عليه الطابع الوراثيّ، أخذت عن والدي الكريم، أعزّه الله وأبقاه، روحيّة الثورة والحماسة والشجاعة والرجولة والكرم، وهي خصال شهد له بها القريب والبعيد، حتّى أصبح مضرب مثل من عايشه عن قرب.

وقد كانت تلك الخصال دافعاً لوالدي - الذي ترّبى يتيماً - في مقاومة الاستعمار الفرنسي، والانخراط في سلك الثوّار، وحمل السلاح دفاعاً عن البلاد والقيم والمبادىء التي تربى عليها، فعن والدي أخذت تلك الخصال، وبه اقتديت، وكانت بذرة رفض الظلم وعدم الخضوع والاستكانة له، هي التي ميّزت

٢٩٤

شخصيّتي، وهي التي كان لها الأثر البالغ في نموّ الحس الإنساني في داخلي، وتحوّلت البذرة إلى شجرة مورقة ضاربة العروق في أعماق عقلي وقلبي وكياني، وأينعت ثمارها في ضميري قناعة لا تتزحزح أبداً من أنّ الظلم والظالمين ليس لهم مكان في شخصي وفي حياتي؛ لذلك فإنّني أتقرّب إلى الله تعالى بكرههم وبغضهم والبراءة منهم، ومقارعتهم لو أجد لهم قوّة.

ومرّت الأيام وفارقت مدينة قابس سنين طويلة، وعصفت بي ظروف عديدة، يطول المقام بذكرها وشرحها؛ إذا إنّها كانت تتعلّق برفض الظلم، ومقارعة الظالمين.

عدت إلى مدينة قابس سنة 1980 بعد أن فارقتها سنة 1963، كأنّما قُدّر لي أنْ أعود إلى أجواء الصورة التي كنت شاهدتها في صغري، وأجواء حكايات جدّتي رحمها الله عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكأنّما قدّر لتلك البقعة أنْ تكون، منطلق الرؤية والتصوّر الجديد عن الإمام عليه‌السلام .

كنتُ أعرف جيّداً أنّ لي بها ابن عمّ، وكان أوّل عمل قمت به عند وصولي، التوجّه إليه، فاستقبلني ورحّب بي، وأعلمته بأنّني جئت أبحث عن عمل يناسب اختصاصي، ولم يدم بحثي طويلاً، إذ سرعان ما وجدت عملاً في إحدى شركاتها الكبرى.

باشرت عملي بحمد الله تعالى، وكان عليّ أن أتزوّج سريعاً، فقد بلغت من العمر 27 سنة، وتزوّجت في صيف تلك السنة مودّعاً العزوبيّة، واستقررت في بيت مستقلّ أنا وزوجتي، تقاسمت فيه معها تقلّبات الزمن وابتلاءات قضاء وقدر الله تعالى، ورزقنا ذرية طيبة، والحمد له على نعمائه التي لا تحصى.

في أحد الأيّام، قصدت بيت ابن عمّي، ولمّا انتهيت إليه، حدّثني قائلاً: هل تعرف شيئاً عن الشيعة ؟ فأجبته بالنفي. فقال: لقد كنت ذهبت منذ مدة إلى مدينة

٢٩٥

قفصة ( مدينة تقع غرب مدينة قابس، وتبعد عنها 146 كلم، تمتاز بمناخ جبليّ صحراويّ يغلب عليه البرد الشديد في الشتاء، والحرارة المرتفعة في الصيف ) لمقابلة الشيخ التيجاني السماوي، والتعرّف على المذهب الشيعيّ الذي اعتنقه منذ سنوات، عن طريق أحد الإخوة العراقيين، وعاد إلى تونس وهو يدعو الناس إليه.

فقلت له: وهل أخذت فكرة جيّدة عن التشيّع منه ؟

فقال: لقد تناقشت معه حول عدد من المسائل، ولكنّني لم أقتنع بكلامه، فعدت منه مشوّش الفكر متشكّكاً، على أمل البحث.

قلت: وكيف يتسنّى لك ذلك وكتب الشيعة غير موجودة عندنا ؟

قال: القضيّة ليست متعلّقة بكتب الشيعة؛ لأنّ ما احتجّ به الشيخ التيجاني عليّ لم يخرج من دائرة السنّة التي أنتمي إليها، فكتب الصحاح والمدوّنات الروائية السنيّة الأخرى هي المصادر التي كان يحتجّ بها عليّ ( سكت قليلا ثمّ قال ): لقد أرسل إليّ الشيخ التيجاني السماوي منذ أيام كتابين، الأوّل: هو كتاب المراجعات للسيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي رضي‌الله‌عنه ، والثاني: كتاب دلائل الصدق للشيخ المظفر رضي‌الله‌عنه ، ولدي الآن رغبة في مطالعتهما، فهل ترافقني في التعرّف على هذا الفكر ؟ فوافقته على الفور، وجرت إجابتي على لساني كأنّما هناك شيء يدفعها إلى الموافقة دفعاً.

بدأت جلسات مطالعة كتاب المراجعات، فإذا هو كتاب يحتوي على لقاءات ومراسلات جرت بين السيّد عبد الحسين وشيخ جامع الأزهر في تلك الفترة، والمدعو بالشيخ سليم البشري، يعني أنّه حوار ونقاش بين عالمين: الأوّل: شيعيّ عراقيّ المولد، لبناني النشأة، ينحدر نسبه إلى الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهما‌السلام ، والثاني: مصريُّ النشأة والمولد، قُلّد مشيخة الأزهر الشريف في

٢٩٦

تلك الفترة من الزمن، كان لقاءهما الأوّل في القاهرة، وتعدّدت للودّ الذي نشأ بينهما، والرابطة التي اتفقت رغبتهما على إنشائها فيما بعد للتقريب بين المدارس الفقهيّة الإسلاميّة؛ والتأسيس لروح الأخوّة الإسلاميّة في شكل رابطة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، هذه التي نتمنى أنْ تعمّ كافّة علماء الأمّة الإسلاميّة؛ لتجني من ورائها وحدة الكلمة والصف.

كان الحوار علميّاً إلى أبعد الحدود، وكان الشرط الذي وضعه شيخ الأزهر، هو الاستدلال على أحقيّة الإمام عليّ عليه‌السلام على إمامته العامّة، وولايته لأمور المسلمين التي قلّده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إياها، من خلال اعتماد النصوص الصحيحة المدوّنة عند أهل السنّة في كتبهم المشهورة، باعتبار أنّ قراءة نفس تلك النصوص من المنظور السنّي، لم تسفر إلّا على نتيجة مخالفة تماماً لما وصل إليه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم.

بدأنا في قراءة المراجعات، مراجعة مراجعة، فكنت كلّما انقضى الزمن المخصّص للمطالعة، إلّا وغادرت بيت ابن عمّي متلهّفاً إلى الموعد القادم، ورأيتني في تلك الأيّام أكثر تحفّزاً وأشدّ حماسة، وأدقّ موعداً، وأرهف حسّاً من قبل، ولم نأتِ على آخر صفحات كتاب المراجعات، إلّا وتيقنت تمام اليقين، بأحقيّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في قيادة الأمّة الإسلاميّة، بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

استطاع صاحب كتاب المراجعات، أنْ يثبت من خلال النصوص التي استدلّ عليها من مصادر أهل السنّة، أحقيّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في الإمامة العامّة، باعتباره المؤهّل الأوحد لقيادة الأمّة الإسلاميّة، وليكون المرجع للأول، في ما يتعلق بالأحكام الشرعيّة، ممّا دفع بشيخ جامع الأزهر، إلى الاعتراف بتوضيحات السيّد، والإقرار بنتيجة البحث المتداول بينهما في مسألة الإمامة، من حيث كون الإمامة رديف النبوّة، ودورها يتجاوز إطار الحكومة، ليشمل مقام

٢٩٧

حفظ التشريع الإسلاميّ، ووجوب التعيين فيها على الله تعالى، ضرورة تطلبتها مرحلة ما بعد النبوّة، وبيان ذلك على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجب، يندرج في إطار التبليغ الموكّل به، وقد نصّ المولى على ذلك، وبلّغ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الأمّة، ونصّب عليّاً عليه‌السلام في منصرفه من حجّته المعروفة بحجّة الوداع، يوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة، في موضع يسمّى غدير خمّ، قبل أسابيع قليلة من وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قام قبل ذلك بنفسه بتهيئة وإعداد الإمام عليّ عليه‌السلام لتلك المهمّة الجسيمة، فربّاه وعلّمه ورعاه وأحاطه بعنايته الفائقة، ممّا أثار حفيظة المناوئين، وأشعل حسد وبغض عدد من الصحابة لعليّ عليه‌السلام ، ولمّا رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوه الناس ومن خلال أفعالهم ما قذف به صدأ قلوبهم من كراهيّة وحسد وحقد على عليّ وأهل بيته عليهم‌السلام ، حذّرهم تحذيراً شديداً في أكثر من مناسبة، وبعد كلّ ظهور لذلك الإحساس البغيض، من ذلك أنّه قال لبريدة الأسلمي: «لا تقع في عليّ، فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي» (1) وزوّجه سيّدة نساء العالمين عليها‌السلام ، بعد أنْ ردّ كلّ من طلبها للزواج، عندما جاءه أمر الوحي بذلك، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لم يكن عليّ، لما كان لفاطمة كفؤ» (2) وهو الوحيد الذي لم يتأمّر عليه أحد عدا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما تأمّر هو عليه‌السلام على البقيّة من الصحابة في مواطن عديدة، وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بغلق كافّة الأبواب المشرّعة على المسجد إلّا بابه وباب عليّ وفاطمة، وقد احتجّ منهم من احتجّ على ذلك القرار لكنّه أجابهم بأن الله سبحانه وتعالى أمره بذلك (3) ، وعزل ابن أبي قحافة من إمارة الحجّ وإرسال عليّ عليه‌السلام بدله أميراً دليل على أنّ مسألة الإمارة لا يصلح لها أحد

_________________

(1) مسند أحمد 5: 356، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 5: 262.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي: 107، ينابيع المودّة 2: 286، واللفظ للأوّل.

(3) سنن النسائي 5: 118، مسند أحمد 1: 175 و 4: 369، المستدرك على الصحيحين 3: 125.

٢٩٨

وعليّ عليه‌السلام موجود (1) ، فكانت كلّ تلك الأعمال والإشارات والبيانات، تعريفاً بمقام عليّ عليه‌السلام ، وتهيئة للمسلمين بقبوله إماماً وقائداً وعَلَماً عليهم، يسلك بهم طريق الرشاد، ويهديهم سواء السبيل.

ومهّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لعملية تسليم السلطة لعلّي عليه‌السلام من بعده، بشكل يُهيىء الأمة لتقبل ذلك، بالنصّ على أفضليته، وأحقيّته بمنصب الإمامة، ولياقته بموضع القيادة، على رأس هرم السلطة، وخصائصه التي يتميز بها عن غيره، في عدد من الأحاديث المتّفق على صحّتها، ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي» لمّا تركه خليفة له على المدينة، وخرج لغزوة تبوك، تحسّباً من مؤامرة المنافقين.

لكنّ الأمّة أبت أن تسمع وتطيع، وحصل لها ما حصل لبني إسرائيل، عندما تجاهلوا تعيين موسى لهارون أخاه خليفة له عليهم، واستضعفوه وكادوا يقتلونه كما صرّح بذلك القرآن الكريم.

ومن المراجعات انتقلنا إلى مطالعة كتاب دلائل الصدق، للشيخ المظفر قدس‌سره ، فترسّخت قناعاتي، وتجذّر إيماني بحقيقة أهل البيت عليهم‌السلام ، وصحّة عقيدتهم، ونقاوة أركانها، وسلامة بناءها، ودقّة تحليلها للمسائل، وإجاباتها المنطقيّة على الإشكالات المطروحة، وردودها المفحمة على الطاعنين، فأعلنت تشيّعي، وأظهرت عقيدتي في الوسط الذي كنت أعيش فيه، وتحملت المسؤوليّة في نشر الإسلام المحمّدي، الذي نقله أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام الاثني عشر، عن جدّهم النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان ذلك منطلقاً فعليّاً وبداية مثمرة للدعوة إلى التشيّع الإمامي الاثني عشري، فلم تمرّ سنوات قليلة حتّى أصبح التشيّع متواجداً داخل أسوار الجامعة التونسيّة، ومنه إلى الأُسر والقرى والمدن، رغم قلّة الموارد، وضيق ذات

_________________

(1) انظر سنن الترمذي 4: 339، سنن النسائي 5: 128، مسند أحمد 1: 151.

٢٩٩

اليد، من أن تفي بكلّ متطلّبات الدعوة، من تنقل وشراء للكتب، وطبع للدراسات وتوزيعها على الراغبين في مطالعة الفكر النيّر، لمن أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً...

خاتمة المطاف

الآن وبعد أن انتهينا من جميع إفادات الإخوة الكرام، يمكننا أنْ نلخّص الأسباب التي دعت الإخوة الحاضرين إلى اعتماد إسلام أهل البيت عليهم‌السلام ، والتشيّع لهم، وترك ما دونه من أسلام منسوب إلى الصحابة، وما هو في حقيقته، غير خليط من حقّ وباطل أسّسه الطغاة من بني أميّة على مدى أكثر من قرن، سهر على غرسه حكّامهم في أجيال الأمّة، فنشأ سوادهم على ذلك، والناس على دين ملوكهم.

وبتتبعنا للحجج التي دفعت بهؤلاء الباحثين إلى اعتبار أنّ الإسلام الشيعيّ الاماميّ الاثني عشري هو الإسلام المحمّدي الصحيح، الذي لم تشبه شائبة التحريف، ولا أصابه نزق الظالمين، نجد أنّ تلك الحجج قد انقسمت في مجموعها إلى محورين أساسيّين: المحور النقلي والمعبّر عنه بالروائي، حيث اعتمد علماء المسلمين الشيعة فيه على النصوص التي هي عند مخالفيهم، كأساس أوّل في الاحتجاج، وهي مقسّمة بدورها إلى قسمين:

القسم العقائدي

وقد أعطى للتوحيد حقيقته، من حيث ذات الله تعالى المقدسة وصفاته ووضعها موضعها، وقد سلك مسلكاً تنزيهيّاً واضحاً، نفى عنه كلّ ما ادّعاه غيرهم من تحقّق رؤيته في الدنيا والآخرة، ومصاحبته إلى الجنّة، وأعطوه حقّه في العدل، بينما نسبه غيرهم إلى الظلم.

٣٠٠