مثير الأحزان

مثير الأحزان0%

مثير الأحزان مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 127

مثير الأحزان

مؤلف: مدرسة الإمام المهدي (عج)
تصنيف:

الصفحات: 127
المشاهدات: 100430
تحميل: 4784

توضيحات:

مثير الأحزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 127 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100430 / تحميل: 4784
الحجم الحجم الحجم
مثير الأحزان

مثير الأحزان

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

شذرات من الاحاديث القدسيّة

وأقوال الرسول الامين والائمّة المعصومين عليهم السلام

في شأن سيّد الشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام وعظمته وشرف زيارته وعزائه

الحديث القدسيّ «حد يث اللوح » برواية « فاطمة الزهراء » عليها السلام :

يا محمّد وجعلت حسيناً خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة واعطيته مواريث الانبياء ، فهو سيّد الشهداء [ أما أنّه سيّد الشهداء من الاوّلين والآخرين في الدنيا والاخرة وسيّد شباب أهل الجنّة أجمعين ] وجعلته كلمتي الباقية في عقبه ، اخرج منه تسعة أبرار هداة اطهار.

الرسول الاعظم : إنّ الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.

حسين منّي وأنا من حسين * حسين باب من ابواب الجنّة * إنّ الحسين بن عليّ في السموات أعظم ممّا هو في الارض * اسمه مكتوب عن يمين العرش : إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة والعروة الوثقى.

يا زين السموات والارض * يا بنيّ أنت شهيد آل محمّد.

الامام أمير المؤمنين عليه السلام : بأبي وأُمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة * سيقتل عطشاناً بطفّ كربلاء * تبكي عليه السماء والارض * يا عبرة كلّ مؤمنز

الامام الحسن بن عليّ عليه السلام : لا يوم كيومك يا اباعبدالله.

الامام الحسين بن علي عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، لايذكرني مؤمن إلّا بكى * ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ، وإنمّا خرجت لطلب الاصلاح في امّه جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله.

الامام السجّاد عليه السلام : أنا ابن من قتل «صبرا ً » وكفى بذلك فخراً.

الامام الباقر عليه السلام : إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل

٤

الامامة في ذرّيّيته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائرية جائياً وراجعاً من عمره.

السلام عليك وعلى الارواح التي حلّت بفنائك ، عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار.

الامام الصادق عليه السلام : وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة والعمى والشكّ والارتياب الى باب الهدى من الردى.

السلام عليك يا ثارالله وابن ثاره ، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السموات والارض ، أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش وبكت له جميع الخلائق وبكت له السموات السبع والارضون السبع ...

الامام الكاظم عليه السلام : من زار قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

الامام الرضا عليه السلام : إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا.

الامام الجواد عليه السلام : ما بكت السماء إلّا على يحيى بن زكريّا والحسين بن عليّ عليه السلام.

الامام الهادي عليه السلام : السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وجاهدت في سبيل الله حتّى أتاك اليقين ، فصلّى الله عليك حيّاً وميّتاً.

الامام العسكري عليه السلام : علائم الايمان خمسة : صلاة الخمسين «و.یارئ الاربع ين » والتختّم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

الامام الحجّة بن الحسن « عجّل الله فرجه الشريف » : وأُقيمت لك المآتم في أعلى علّيين ، ولطمت عليك الحور العين.

السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحيّ

« أبطحي »

٥

٦

وعن علي قال : زارنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فعملنا له خزيرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعباً من لبن وصفحة من تمر ، فأكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأكلنا معه ، ثمّ وضّات رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فمسح رأسه وجبهته بيده ، ثم استقبل القبلة فدعا بما شاء ، ثمّ أكبّ لى الارض بدموع غزيرة ، يفعل ذلك ثلاث مرّات ، فتهيبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن نسأله فوثب الحسين على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبكى ، فقال له : بأبي وأمي ما يبكيك؟

قال : يا أبت رأيتك تصنع شيئاً ما رأيتك تصنع مثله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

يا بنيّ سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله قط ، وإن حبيبي جبريل عليه السلام أتاني وأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتّى.

فأحزنني ذلك ، ودعوت الله تعالى لكم بالخيرة.

من كتاب وفاء الوفا ، بأخبار دار المصطفى ص 468

لنور الدين علي بن احمد السمهودي ، المصري ، المدني المتوفى في عام 911 هـ

٧

ترجمة المؤلف

[ابن نما صاحب مثير الاحزان]

تمهيد :

الحلة : مدينة من مدن العراق الشهيرة ، وحاضرة مهمة ، وهي واقعة على ضفتي نهر الفرات قرب آثار (بابل القديمة). وقد كانت هذه المدينة على عهد (الدولة المزيدية) التي قامت بضواحيها 403 ـ 545 هج‍ من أجمل مدن العراق بهجة ، وأطيبها تربة ، وأنقاها هواء ، وأحسنها مناخا ، وكان قد مصرها أحد أمراء (الدولة البويهية) الامير العربي صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي الملقب بسيف الدولة وذلك في شهر محرم سنة 495 للهجرة «وهو غير سيف الدولة بن حمدان ممدوح المتنبئ الذي كان في ذلك العهد أحد ملوك الشام» بعد أن ولي إمرة المزيدية سنة 479 هج‍ بعد وفاة أبيه منصور بن دبيس الاسدي «كما حدث عنه ابن الاثير في كامله».

وقد وصفها (صفى الدين الحلي شاعر الجزيرة) بقوله :

ما حلة ابن دبيس

إلا كحصن حصين

للقلب فيها قرار

وقرة للعيون

إن أصبح الماء غورا

جاءت بماء معين

وحولها سور طين

كأنه طور سنين

وكانت أرضها قبل أن ينزل بها سيف الدولة مرتفعة ، ذات أكمات وفيها بعض الغارات ، تأوى إليها الحيوانات المفترسة وغيرها من الوحوش

ولما نزل بها سيف الدولة (في التاريخ المذكور) هو وقومه ، أحدث فيها المباني الحجرية ، وأنشأ فيها الدور الفاخرة ، وعمر فيها القصور الفخمة ، وقد تأنق أصحابه بمثل ذلك ، فقصدها التجار والزراع ، وأمها العلماء والفقهاء ، وتوطن بها الشعراء والادباء.

فأصبحت على عهد سيف الدولة مهد النهضة الفكرية ، وكعبة العلم والفلسفة ،

٨

واللغة والشعر والادب ، وموردا عذبا سائعا لانتهال العلوم الدينية ، والفلسفية والعربية ، وغيرها من العلوم الاسلامية ، والاداب العربية الراقية

وقد حدث عنها الدكتور البصير في (نهضته) بقوله :

«وكانت الحلة مركز نهضة ثقافية عظيمة بزغت شمسها في أوائل القرن السادس للهجرة ، وما زالت مشرقة حتى أوائل القرن العاشر ، حيث انتقلت الثقافة الاسلامية إلى كربلاء ، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى النجف الذي لم يزل مركزا عظيما من مراكز الثقافة العربية الاسلامية » اه‍.

وقد نبغ في الحلة فريق عظيم ، من العلماء والفقهاء والاطباء والفلاسفة والادباء والشعراء ما لا يحصون عدا لكثرتهم ، فطبقت شهرتهم الذائعة الافاق ، وخدموا العلوم الاسلامية والفنون والاداب العربية ، خدمات جلى ، تذكر فيشكرون عليها.

وقد ذكر الخونساري في كتابه (الروضات) نقلا عن بعض الرواة الثقاة منهم الشيخ مرزا عبد الله الاصبهاني الافندي في كتابه (رياض العلماء) ما مضمونه أنه عاش في الحلة خمسمائة مجتهد في قرن واحد ، فضلا عن سائر القرون ، وهذا الاحصاء دليل من الادلة الواضحة الناصعة التي تثبت لنا رواج سوق العلم والادب والثقافة الاسلامية في هذه المدينة التاريخية في القرون المتقدمة ، وممن نبغ فيها من أساطين علماء الامامية في القرن السابع الهجري (آل نما) (1) وهي الاسرة العلمية الدينية القديمة الكريمة التي ظهرت ولمعت في الحلة واشتهر من أعلامها (1) هبة الله بن نما جد نجيب الدين (2) وجعفر بن نما والد المترجم (3) وعلي بن نما عمه وغيرهم كثير.

أما المقصود بهذه الترجمة من تلك الاسرة الكريمة المعروفة الحلية المولد والمسكن والنشأة ، والربعية الحسب والنسب هو صاحب المقتل المعروف (بمثير الاحزان).

__________________

(1) نما مثلثة النون مخففة الميم أو بكسر الاول وتخفيف الثاني : هو إسم رجل جد صاحب الترجمة.

٩

«محمد بن جعفر»

هو نجم الملة والدين الملقب (بنجيب الدين) والمكنى (بأبي ابراهيم) محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي الربعي (نسبة إلى قبيلة ربيعة العربية الشهيرة في التأريخ).

ولد في الحلة سنة 567 ه‍ ونشأ نشأة علمية ودرس على أبيه وعلى غيره من الاعلام المعاصرين له منهم فخر الدين محمد بن إدريس الحلي العجلي ، والشيخ محمد بن المشهدي وله الرواية عنهم.

وأخذ عنه الشيخ سديد الدين والد العلامة ، والسيد أحمد بن طاووس الحسني ورضي الدين بن طاووس الحسني وغيرهم.

وقال المحقق الكركي عنه : (وأعلم العلماء بفقه أهل البيت الشيخ الفقيه السعيد الاوحد محمد بن نما الحلي).

وقال المحدث المجلسي في إجازات البحار عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي صاحب اللمعة الدمشقية قال كتب ابن نما الحلي إلى بعض الحاسدين له :

أنا ابن نماء إن نطقت فمنطقي

فصيح إذا ما مصقع (1) القوم أعجما (2)

وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة

بسطت لها كفا طويلا ومعصما

بنى والدي نهجا إلى ذلك العلا

بأفعاله كانت إلى المجد سلما

كبنيان جدي جعفر خير ماجد

فقد كان بالاحسان والفضل مغرما

وجد أبي الحبر الفقيه أبي البقا

فما زال في نقل العلوم مقدما

يود أناس هدم ما شيد العلى

وهيهات للمعروف أن يتهدما

__________________

1 ـ المصقع : الخطيب البليغ.

2 ـ أعجما : لم يفصح.

١٠

يروم حسدوي نيل شأوي (1) سفاهة

وهل يقدر الانسان يرقى إلى السما؟

منالي بعيد ويح نفسك فابتدء

فمن للاجداد مثل التقي (نما)؟

فظهرت من هذه الابيات المذكورة التي أرسلها إلى حساده ومناوئيه عظمة نفسه ، وروحيته القدسية ، ومنزلته الروحانية وترفعه عن المساوي.

والدنايا ، توفي سنة 645 هج‍ النجف كما حدث عنه صاحب نخبة المقال في تأريخه ودفن بها.

وخلّف له آثارا علمية مفيدة قيمة أشهرها كتاب (مثير الاحزان) وهو الكتاب المعروف الذي مثل فيه مؤلفه واقعة الطف العظيمة التي رن صداها في أجواء العالم الشرقي والغربي منذ القرن الاول للهجرة حتى القرن الرابع عشر ، ولا يزال يتجدد صداها ، وتعاد ذكرياتها المؤلمة ، ومؤاساتها المحزنة على مر الايام ، وتوالي الزمن.

عبد المولى الطريحي

__________________

1 ـ الشأو : الغاية في السبق.

١١

١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الكاشف لعباده اسرار مراده ، الواصف نفسه في كتابه بانجاز ميعاده ، الراقم (1) على جباه البشر محتوم اشقائه واسعاده ، الذي اشرق قلوب اوليائه بنور هدايته ، وفتق اذهانهم لاقتفاء معرفته ، فخفيت عن بصائرهم حقيقه ذاته ، وظهرت لابصارهم بدائع مصنوعاته ، وحارت في احكام قدره افكار الالباء (2) ، وقصرت وصف مقدس ذاته الفاظ البلغاء ، وباعد اولياءه دار الاثام ، وقربهم الى دار السلام فتنافسوا في الوصول الى الراد ، وتناصلوا (3) بالسبق الى سلطان المعاد ، بما اريهم من آياته ومعجز رسله ورسالاته ، فخرجوا من اصداء القلوب ، ووعثاء (4) الذنوب ، الى مراد علام الغيوب ، فكان كاشفا للاسرار ، رافعا للاستار ، مزيلا للحجاب عن المورد المستعذب المستطاب ، دالا على الهداية الكبرى ، ناشرا أعلام المسرة والبشرى ، فدعاهم حينئذ الى طاعته ، لجهاد من صرف عن سنن سنته ، وتجلى لهم من مطالع بصائرهم ، فغسلوا بماء الصفا كدر ضمائرهم ، فعزفت (5) نفوسهم ، عن الدخول في حزب اهل الضلال ، واشتاقوا الى حرب جيش القتال ، باقتحام الاهوال ، فيالها نعمه اهدت الى انصار الله جل جلاله مسرة ، والقت على أعينهم قرة ، فنهضوا الى لقاء العدو بشفاه

__________________

1 ـ الراقم : الكاتب.

2 ـ الالباء : الاذكياء.

3 ـ تناضلوا : تسابقوا ، والمناضلة : المسابقة بالسهام.

4 ـ الوعثاء : المشقة والتعب.

5 ـ عزفت : انصرفت.

١٣

ظامية الى ارتشاف مرن السعادة ، وارواح تايقة الى الشهادة ، فرحين بانعقاد بيعهم الرابح ، يوم تريق الجوائز والمنائح ، وعلموا انهم لن يصلوا الى خلعه السنية ، إلا بخلع الحياة ولبس المنية فبذلوا النفوس لقاء العدو ومجاهدته ، والمبالغة في قتاله ومجالدته وفي هذه الرتبة العالية ، والبيعة الغالية ، تنافس أهل الطفوف ، في احتمال الحتوف ، والصبر على نقط الرماح وشكل السيوف.

وكانوا كما قلت شعرى هذا وصفا لحالهم في نزالهم :

لهم جسوم بحر الشمس ذائبة

وانفسن جاورت جنات باريها

كأن مفسدها بالقتل مصلحها

أو أن هادمها بالسيف بانيها

فيا ذوى البصائر والافهام ، ويا ارباب العقول والاحلام اظهروا شعار الاحزان ، والبسوا الجزع على سادات الايمان ، واقتدوا بالرسول ، في محبة بني الزهراء البتول ، وتعظيم ذوى القربى فقد وعده ، جل جلاله لعظمهم باحسن العقبى.

ولقد كشفت امية سره ، المضروب على سبطه بهتك حرمته ورهطه (1) ، ونقضوا ما برمه ، وحلوا من عقد الدين ما أحكمه.

وانا مورد من نظمى هذه الابيات ، في صفه هذه الحركات.

يا أمة نقضت عهود نبيها

وغدت مقهقرة على الاعقاب

كنتم صحابا للرسول وإنما

بفعالكم نبتم عن الاصحاب (2)

ونبذتم حكم الكتاب (3) على جهالة

ودخلتم في جمله الاحزاب

بؤتم بقتل السبط واستحللتم

دمه بكل منافق كذاب

فكما تدينوا قد تدانوا مثله

في يوم مجمع محشر وحساب

فكم يومئذ من كبد مقروحة ، ودموع مسفوحة ، ولاطمة خدها ، ومستندبة جدها ، وناشرة شعرها ، وهاتكة سترها ، وقد ذل الايمان ، وقل الاعوان ، وعطلت

__________________

1 ـ في النسخة النجفية : « ورهبة ».

2 ـ الاصحاب : الانق ياد.

3 ـ لا تتناسب هذه الكلمة مع الوزن الشعري ، والاصح عدمها.

١٤

المراتع بفراقهم ، وهصرت (1) الاغصان بانتشار اوراقهم ، واظلم الاسلام بعد اشراقه ، وأمر الدين بعد حلو مذاقه ، فلو كان للنبى وابنته عين تنظر الى الشهيد من عترته ، والاطائب من اسرته ، وجثثهم عن الثياب عارية ، وجوارح الطير إليها هاوية ، وافواه الوحوش لوجوههم هاشمة (2) ، وثغور الاعداء لما حل بهم باسمة ، والاجساد الطاهرة مرملة بالتراب ، مجردة (3) عن الاسلاب ، فلا قرح ذلك قلبه ، واذاب بانهمال الدموع غرته ، ونح (4) ايها المحب لال الرسول ، نوح الفاقدة الثكول ، وابك بالدموع السجام ، على ائمة الاسلام ، لعلك تواسيهم بالمصاب ، باظهار الجزع والاكتئاب ، والاعلان بالحنين والانتحاب ، فواخيبة من جهل فضلهم ، وقد ذكر جل جلاله في كتابه العزيز نبلهم ، لانهم الادلة على النجاة في المعاد ، الهداة الى طرق الرشاد.

ولقد احسن الشاعر بقوله

اضلوا في مفارز طمسوا الاعلام (منها) (5) بفاحش التمويه

واراقوا دم الادلة فالقوم الى الحشر في ضلال وتيه

وقد قلت في ابياتى هذه ما ينبه الغافل على شرفهم وفي الجنة على علو غرفهم :

ان كنت في آل الرسول مشككا

فاقرا هديت النص في القرآن

فهو الدليل على علو محلهم

وعظيم علمهم وعظم الشان

وهم الودائع للرسول محمد

بوصية نزلت من الرحمن

فاسعدوني بالنياحة والعويل ، واندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل ، واسكبوا العبرات على الغريب القتيل. فليتني اذود عنهم خطوب الحمام. وادر مواقع تلك الالام. وارفع بنفسى عن نفوسهم. واكون فداء شيخهم ورئيسهم. حتى اقضي حق جدهم المرسل. واحول بينهم وبين القدر المنزل.

__________________

1 ـ الهصر : يقرب من الكسر.

2 ـ الهشم : الكسر والتقطيع.

3 ـ في النسخة الحجرية خ ل «من».

4 ـ ف ي النسخة الحجرية خ ل «فنح».

5 ـ من النسخة الحجرية.

١٥

فقد رويت عن والدى رحمة الله عليه ان الصادق (ع) قال من ذكرنا عنده في مجلس فقد غيبنا بشطر كلمة أو فاضت عيناه رحمة لنا ورقة لمصابنا مثل جناح بعوضة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر (1) .

وكان زين العابدين (ع) يقول ايما مؤمن ذرفت عيناه لقتل الحسين (ع) حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها احقاباً.

وايما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (ع) وحزنا على ما مسنا من الاذى من عدونا بوأه منزل صدق.

وايما مؤمن مسه فينا اذى صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار (2) .

ورويت عن الائمة الصادقين (ع) قالوا من بكى أو ابكى غيره ولو واحدا ضمنا له على الله الجنة ومن لم يتات له البكاء فتباكى فله الجنة (3) .

__________________

1 ـ أخرج نحوه في البحار : 44 / 289 ح 20 ، والوسائل : 10 / 391 ح 1 عن المحاسن : 1 / 63 ح 110 ، وفي البحار المتقدم / 284 ح 20 عن كامل الزيارات : 103 ح 8.

2 ـ أخرجه في البحار : 44 / 281 ح 14 عن تفسير القمي : 616 وثواب الاعمال ص 47 ح 108 وكامل الزيارات : 100 ح 1 واللهوف : ص 5 ، وأخرجه في الوسائل : 10 / 392 ح 3 عن تفسير القمي وثواب الاعمال وكامل الزيارات.

3 ـ أخرج قريباً منه في البحار : 44 / 288 عن اللهوف ص 5.

١٦

[ لماذا وضع هذا الكتاب؟ ]

وقال جعفر بن محمد بن نماء مصنف هذا الكتاب ان الذي بعثني على عمل هذا المقتل انى رايت المقاتل قد احتوى بعضها على الاكثار والتطويل. وبعضها على الاختصار والتقليل. فهى بين طويل مسهب (1) . وقصير قاصر عن الفوايد غير معرب (2) . والنكت فيها قليلة. ومرابعها من الطرف والغرائب محيلة (3) .

فوضعت هذا المقتل متوسطا بين المقاتل. قريبا من يد المتناول. لا يقصى لملالة وهذر. ولا يجفى لنزارة وقصر. ترتاح القلوب الى عذوبة الفاظه. ويوقظ الراقد من نومة وإغماظه. وتسرح النواظر في رياضه وينبه الغافل. عن هذا المصاب والذاهل عن الجزع والاكتئاب.

واودعته ما أهمله كثير من المصنفين. واغفلته خواطر المؤلفين.

وسميته « مثير الاحزان » أو « منير سبل الاشجان ».

ورتبته على ثلاث مقاصد.

فإن كنتم أيها السامعون قد فاتكم شرف تلك النصرة. وحرمتم مصادمة خيول تلك الكسرة. فلم تفتكم ارسال العبرة. على السادة من العترة. ولبس شعار الاحزان على الاسرة. والرغبة الى الله جل جلاله في المكافاة يوم الحساب. وتوفير قسطنا من الثواب. انه الكريم الوهاب.

__________________

1 ـ الاسهاب : اطالة قد تبلغ الملل.

2 ـ غير معرب : غير بين.

3 ـ محيلة : قفراء.

١٧

المقصد الاول

على سبيل التفصيل للاحوال السابقة لقتال آل الرسول عليهم السلام

[ مولد الحسين]

كان مولد الحسين عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقيل الثالث منه وقيل أواخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث وقيل : [ لثلاث أو] (1) لخمس خلون من جمادي الاولى سنة أربع من الهجرة.

وكانت مدة حمله ستة أشهر ولم يولد لستة سواه وعيسى وقيل يحيى بن زكريا عليهم السلام (2) .

ولما ولد هبط جبرئيل عليه السلام ومعه ألف ملك يهنؤنه النبي صلى الله عليه وآله بولادته (3) .

وجاءت به فاطمة عليها السلام الى النبي فسر وسماه حسينا.

وقد روي عن زوجة العباس بن عبد المطلب وهي ام الفضل لبابة بنت الحارث قالت رايت في النوم قبل مولده كان قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله قطعت ووضعت في حجري فقصصت الرؤيا على رسول الله (ص) فقال ان صدقت رؤياك فإن فاطمة ستلد غلاما وادفعه اليك لترضعيه.

__________________

1 ـ ليس في البحار.

2 ـ عنه البحار : 44 / 202 ، وأخرج صدره في ص 199 ح 16 عن مقاتل الطالبيين ص 51 ، وص 200 ح 18 عن اعلام الورى : ص 214 ، وص 200 ح 19 عن كشف الغمة : 2 / 40 ، وص 201 عن مصباح المتهجد ص 574.

3 ـ أخرج نحوه في البحار : 43 / 243 ح 18 عن أمالي الصدوق ص 118 ح 8 وكامل الزيارات ص 66.

١٨

فجرى الامر على ذلك فجئت به يوما فوضعته في حجره (1) فبال فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه وآله فقرصته فبكى.

فقال كالمغضب مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد اوجعت ابني ، [قالت] (2) فتركته ومضيت لاتيه بماء فجئت فوجدته صلى الله عليه وآله يبكى.

فقلت مم بكاؤك يا رسول الله؟

فقال ان جبرئيل أتاني فاخبرني ان امتي تقتل ولدى هذا (3) .

وحدث ابن أبي ليلى عن اخيه عن عيسى بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء الحسين يحبو حتى صعد على صدره فبال فابتدرنا لنأخذه فقال (ص) ابني ابني ثم دعا بماء فصبه عليه (4) .

قال اصحاب الحديث فلما اتت على الحسين سنة كاملة هبط على النبي (ص) اثنا عشر ملكا على صور مختلفة احدهم على صورة بني آدم يعزونة ويقولون انه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطى مثل أجر هابيل ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ولم يبق ملك إلا نزل الى النبي (ص) يعزونه والنبي (ص) يقول اللهم اخذل خاذليه واقتل قاتليه ولا تمتعه بما طلبه.

وعن اشعث بن عثمان عن أبيه عن انس بن أبي سميم قال سمعت رسول (ص) [ يقول] (5) ان ابني هذا يقتل بارض العراق فمن ادركه منكم فلينصره.

فحضر انس مع الحسين كربلاء وقتل معه.

ورويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش عن شيخه أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزى عن رجاله عن عائشة قالت دخل الحسين على النبي (ص)

__________________

1 ـ في البحار : حجري.

2 ـ من البحار.

3 ـ عنه البحار : 44 / 246 ح 46.

4 ـ أخرج نحوه في البحار : 43 / 296 ح 57 عن المناقب : 3 / 226.

5 ـ من البحار.

١٩

صلّى الله عليه وآله وهو غلام يدرج فقال أي عائشة الا اعجبك لقد دخل علي ألفا ملك ما دخل علي قط فقال أن ابنك هذا مقتول وان شئت اريتك من تربته التي يقتل بها فتناول ترابا احمر فاخذته ام سلمه فخزنته في قارورة فاخرجته يوم قتله (1) وهو دم.

وروى مثل هذا عن زينب بنت جحش.

وعن عبد الله ابن يحيى قال دخلنا مع علي (ع) الى صفين فلما حاذى نينوا نادى : « صبرا أبا عبد الله » (2) فقال دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان فقلت بابى انت وامى يا رسول الله ما لعينيك تفيضان اغضبك احد قال لا بل كان عندي جبرئيل فاخبرني ان الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك ان اشمك (3) من تربته قلت نعم فمد يده فاخذ قبضة من تراب واعطانيها فلم املك عيني ان فاضتا (4) واسم الأرض كربلاء فلما اتت عليه سنتان خرج النبي صلى الله عليه وآله (مع سفر) (5) الى سفر فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشط الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين.

(فقيل ومن يقتله قال رجل يقال له يزيد) (6) وكانى انظر [ إليه و] (7) الى مصرعه ومدفنه [ بها ، وكأنّي أنظر على أقناب المطايا وقد أهدي رأس ولدي الحسين الى يزيد لعنه الله ، فوالله ما ينظر أحد الى رأس الحسين ويفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه ، وعذّبه الله عذاباً أليماً ] (8) .

فرجع عن سفره [مغموما ً مهموماً كئيباً ] (9) حزينا (وصعد وخطب ووعظ والحسن والحسين بين يديه) (10) .

__________________

1 ـ في الاصل : قتله.

2 ـ في البحار : (يا عبدالله).

3 ـ في الاصل : (أشم).

4 ـ في النسخة الحجرية : فاضت : خ.

5 ، 6 ـ أثبتناه من الاصل وليس في البحار.

7 ، 8 ، 9 ـ من البحار.

10 ـ في البحار : (فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس).

٢٠