أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين10%

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 378

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169910 / تحميل: 9711
الحجم الحجم الحجم
أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

أمّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المترجم

منذ أن خلق الله - تبارك وتعالى - آدم عليه‌السلام وحواء كانت ثمة فوارق بينهما حيث خلق الله كل لغايته وهو الذي خلق كل شيء فقدر وهدى....

ومنذ أن هبط آدم عليه‌السلام وحواء وكان ثالثهم على الأرض إبليس - لعنه الله - وأخذ ذرية النبي وزوجه تتكاثر على الأرض سعى إبليس ليفسد بينهم، ويزين لهم، ويقلب لهم المفاهيم، ويريهم المصلحة مفسدة والمفسدة مصلحة، وابناء آدم وبنات حواء منهم من تبع إبليس عالماً عامداً، ومنهم من غرته أمانيه فانزلق في صراط الجحيم، وراح يهوى إلى الحضيض، ويلتهب كلّ يوم في لظى الأمنيات من جديد، ويغمس رأسه في ألوان الشهوات يتلذذ بها، ويأبى أن ينيط الغشاوة عن عينه لئلا تذوب أحلامه التي قد يتصورها برداً يطفى عنه سعير الشهوات.

هكذا انحدر خط الضلال وهو يجرف كلّ ما يجد في طريقه، ويحاول جرجت المتفلّتين من خط الهدى، وصار تلاميذ إبليس يتفوقون على استاذهم أحياناً ( فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) حيث أخذوا ينظرون لسقوطهم ويعرضونه في زي الأصالة والضرورة والتجدد والتطور ومماشاة عامل الزمن والانسجام مع الجغرافيا، وصار حرام عادة وسنة اجتماعية يستسيغها الطبع المريض، تماماً كما

٥

يستسيغ المعتاد الافيون، فارتفعت الصرخات تنادي كلّ يوم بجديد، تحت شعار جديد، وفي إطار جديد، تحفه الزخارف والمؤثرات بما يناسب ذلك العصر.

وكانت المرأة منذ اليوم الأول لحركة الضلال سلاحاً وضحية، ولطالما انخدعت بالكلمات التي تناغي فيها المواقع التي صورها لها المضللون أنها نقاط ضعف وإنها بؤرة حقارة وأنها... فوثبت لتخلق المستحيل في الفعال، وتقف أمام التحدي بكل ما أمكن وما لم يمكن! لتثبيت للآخرين أنها كما صورها المضللون... تستحق الذات لتستجيب لللذات، وتخالف الطبيعة والفطرة التلي فطرها الله عليها لتقول: أنا كما أنتم... ثم ماذا؟

إنها نسيت أنّ الله خلقها وزوّدها بما تحتاج، وشرع لها من الدين أحكاماً وقوانين، ووضع لها مناهج كاملة لإعدادها وتربيتها وحفظ مصالحها ورعاية شؤونها ورقيها وبناء كيانها.

ويمكننا مشاهدة المرأة الحرة الكريمة السعيدة من خلال نتاج التربية الإسلامية الرائعة التي قدمها لنا المجتمع في صدر الإسلام من نساء رباهن الوحي وتأدبن بآداب النبوة.

كما أنّ ثمو نموذج منحط عاصر عهد الرسول، بل وعاش في بيت الوحي ومختلف الملائكة إلّا أنّه ظل يصغي بوجوده إلى الشيطان ويأبي الانفعال بمواعظ النبي الكريم، ولقد ضرب الله مثلاً لكلتا الطائفتين.

فهذه خديجة بنت خويلد أُم المؤمنين الأولى - صلوات الله عليها - تعيش مع النبي وتبقى ذكرى حلوة تنهمر لها دموع سيد الكائنات كلما ذكرت عنده فيقول: خديجة ومن مثل خديجة؟! وهكذا دخلت قلب أشرف خلق الله....

إنها عاشت الرسالة تجسيداً.. قولاً وفعلاً وروحاً ومعنى، وفي لحظات عمرها الأخيرة، وهي تشد الرحال إلى المليك المقتدر، إلى حيث قصرها الذي وعدها الله

٦

من قصب لا لغوب فيه ولا نصب، يدخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول لها: بلغي شريكتك مريم ابنة عمران عني السلام: فتتبسم في وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول: بالرفاء يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك أُم البنين عليها‌السلام حيث كانت تقدّم أبناء الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام على أبنائها وهي التي علمتهم أن لا سواء بينكم وبين الحسن والحسين وزينب، فموتوا دونهم، ولا تقولوا أن أبانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ... وقدمتهم بكلّ سخاء لتنال بذلك رضا الله ورضا نبيه، وتكون مبيضة الوجه غداً يوم القيامة بين يدي فاطمة الزهراء عليها‌السلام ....

فليس للغيرة موضع في حياة هؤلاء النسوة؛ لأنهن يقطعن رحلة العمر في ظلال الشريعة التي أرادها لهن الله - جلّ وعلا - وقد حرم عليهن الغيرة وقال على لسان نبيه والأئمة الطاهرين أنّ «غيرة الرجل إيمان» و «غيرة المرأة كفر» وأنذ الغيرة في المرأة من الحسد... الحسد.. الذي أخرجها من الجنة من قبل وهبط بها وبزوجها إلى دار الابتلاء والامتحان والسعي والكد والكدح في سبيل تأمين العيش في الدنيا وفي الآخرة أمان.

بخلاف الانموذج الآخر حيث عاشت تقول في كلّ مرة: «ما غرت من امرأة كما غرت من خديجة» ولطالما كانت تصايح «فاطمة عليها‌السلام » لإنها كانت ابنة من يحبها زوجها؛ أو لأن فيها شبهاً من أُمها، وكان النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله يتذكر بها أيام أُمها، ولطالما تنقّصت من «خديجة» أمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصفتها بأنها عجوز، وحاولت أن تلصق بها ما لربما تحسبه يهوّن من شأنها، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدافع عنها ويقابلها بما لا ترتاح له، فيقول لها: «صدقتني حيث كذبني الناس، وآوتني حيث طردني الناس، وأعطتني حيث منعني الناس، ورزقني الله منها الولد وجعلكن عقيماً».

وحاربت أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونصبت لهم العداء وقالت: «لا تدخلوا بيتي من لا أحب» تقصد بذلك ريحانة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قال في حقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٧

إني أحبه وأحبّ من يحبه وأبغض من يبغضه، وقال: إنه سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه وعدم لمن عاداه.

وهتكت ستر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرجت تحارب إمام زمانها لتستريح من لهيب الغيرة الذي كان يصهر كيانها وهي ترى علياً أمير المؤمنين عليه‌السلام زوج الصديقة المحبوبة، والمقدّم على غيره حيث يناجيه زوجها من دونها ومن دون غيرها... ومن ثم جرتها الغيرة المشؤومة للتشكيك في عدالة سيد المرسلين وأعدل الخلق أجمعين حيث تخرج - ليلة النصف من شعبان - لتبحث عنه في سواد الليل البهيم وتظن - والعياذ بالله - أنه تركها في ليلتها وخرج إلى بعض نساءه، فتجده صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجداً في مسجده الشريف.

فيما نرى أُم البنين عليها‌السلام تزف أولادها الأربعة إلى أعراس المنية وهي تعلم أنهم سيسبحون كالأقمار في غدير الدماء، وتودّع الحسين عليه‌السلام وزينب عليها‌السلام الذين قدمتهما على نفسها وأولادها امتثالاً لأمر الله، وتتعامل مع الحسين باعتباره الإمام المفروض عليها طاعته، ومع أنها سرحت قلبها معهم وبقيت ترفرف بروحها على ساحة المعركة وتتسقط أخبارهم من القدمين، ويا ليتها كانت حاضرة فترى مفاخرهم وبطولاتهم فيهون عليها الخطب، ولربما كان أهون عليها من تحمل الفراق... وتحمل معاناة الانتظار ومناشدة الركبان.

لقد خرجت عائشة بعد وفاة النبي وهتكت حرمته وخالفت أمر ربه وكابرت صريح القرآن، وقعدت أُم البنين عليها‌السلام عن الخروج مع الإمام المعصوم عليه‌السلام لأنها أصغت بإذن المؤمن المطيع لقوله تعالى: ( وقرن في بيوتكنّ ) وهي تعتقد أنّ الله أمرها من خلال هذه الآية باعتبارها زوجة سيد الوصيين بما أمر به نساء سيد المرسلين، ولعل هذا هو السبب أو جزء السبب من وراء بقاءها في المدينة وصبرها على مضض وتركها الخروج مع الركب الحسيني....

٨

إنها لم تخرج بجسدها إلى كربلاء إلّا أنها أخرجت أفلاذ كبدها واقترن اسمها من خلال موقف أبناءها بقضية الطف، وصار اسمها مقروناً باسم الحسين وثورته، ومن اقترن اسمه باسم الحسين عليه‌السلام بأي شكل من الأشكال ولأي سبب من الأسباب كتب له الخلود حتى أنك لا تكاد تسمع لباقي نساء أمير المؤمنين عليه‌السلام ذكر إلّا في ظلال ذكر أُم البنين عليها‌السلام ....

* * *

وليس ثمة «صدفة» تتحكم في الكون والحياة، فكلّ شيء عنده بمقدار، وقد ورد في الحديث - كما في الخصال - أنّ الأسماء تنزل من السماء، فلا شك أنّ لهذه السيدة العظيمة خصيصة خصها الله بها حتى اختار لها هذا الاسم المبارك وجعلها تشارك الصديقة في اسمها، قال الكجوري في الخصائص الفاطمية:

«الحمد لله الذي جعل اسم فاطمة في كلّ بيت من بيوت هذه الأُمة سبباً للبركة ونزول الرحمة، وستبعث الفواطم - غداً يوم القيامة - من التراب رافعات الرؤوس فخراً ومباهاة، لأنهن أُمهات السيد المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيمات فاطمة الزهراء عليها‌السلام فيقلن فاطمة أفضل منّا، ونحن أفضل من باقي النساء لشبه اسمنا باسمها، وفي هذا الاشتراك الاسمي مزية فوق مزايا ورتبة فوق الرتب... فإذا نودي يوم القيامة «فاطمة» قام ما لا يحصى عدداً من النساء، ولما كان الاسم الشريف «فاطمة» يتضمن معنى الشفاعة، فكيف ترضى السيدة أن تحترق المرأة وهي في عصمتها وسمّيتها، فتكرم لاسمها وتنال الشفاعة وتنجو من أهوال المحشر...».

لقد جعل الله سميت فاطمة الزهراء وأُم أشباب أمير المؤمنين عليه‌السلام باباً من أبواب رحمته، ما قصدها أحد إلّا ونال قصده، وما توجه بها إلى الله - عزّ وجل - متوجه إلّا أعطى سؤله، ومن شاء فليتوسل إلى الله بها ليعلم صدق ذلك.

٩

وما ذاك على الله بعزيز فإن الله - تعالى - خلق الخلق من أجل محمد وآل محمد «صلوات الله عليهم أجمعين» وقد ذابت هذه المخدرة المكرمة في ولائها لهم، وتمسكت بهداهم، وأقتدت بآثارهم حتى صارت من أولياء الله المقربين عنده وعندهم، فارتفعت إلى أعلى عليين من خلال سبيل الكمال الذي رسمه الله لها ولجميه خلقه، فكانت أُم البين عليها‌السلام من السابقين في هذا الميدان حتى صارت اذا جاء عريض عند أهل البيت عليهم‌السلام وعند بارئهم.

وبالرغم من أنها كانت ولا زالت من أبواب الله، وأنها كانت ولا زالت من أبرز أعلام نساء التاريخ، إلّا أنّ من المؤسف له، فإن التاريخ لم يعطها حقها - كما هو شأنه مع الأبرار - فإنك لا تكاد تعثر في المصادر عن شيء فيه تفصيل عن حياة هذه الكريمة عن تاريخ ولادتها... طفولتها... شبابها... كم هو عمرها يوم دخلت بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ... تفاصيل حياتها مع زوجها ومع أبناء رسول الله... فإنها لا شك كانت زوجة مثالية رغم أنها لم تكن معصومة كفاطمة عليها‌السلام ، ولا ريب أنها كانت من أبرز مصاديق «عمال الله في الأرض» وفق روايات أهل البيت عليهم‌السلام وأدبياتهم الخاصة بالحياة الزوجية... فكيف عاشت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ؟!

وهكذا تفاصيل حياتها مع أبنائها - كأُم - ربت أفضل نموذج يمكن أن يقدمه القرآن والعترة الطاهرة من الذرية الصالحة... وكيف عاشت بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعد واقعة الطف؟!

تغافل المؤرخون والرواة عن متابعة تفاصيل حياة امرأة تعد لوحدها «أمة» و «مدرسة» متكاملة للأجيال، وخاضوا في جزئيات حياة حفنة من السفلة والأوغاد... ولعل من جملة الأسباب الكامنة وراء ذلك:

أنها كانت زوجة أمير المؤمنين عليه‌السلام ... عاشت في كنفه وفي ظل بيت ضم من قبلها فاطمة عليها‌السلام ومن ثم ضم الحسن والحسين وزينب، ومن غمرته أنوار الشمس تضاءل شعاعه مهما كان نيّراً...

١٠

وأنها كانت من المخدرات المستورات ولا يمكن للراوي والمؤرخ أن يخرق خدرها ويتصيد أخبارها، فكيف يروى لنا التاريخ قصة محجوبة لا تصل العيون إلى ظلها وأشباح شخصها؟!

أضف إلى أنها لم تكن من بنات الطواغيت الذين يطبل لهم المؤرخ المتملق أو الراوي المتزلّف، ودخلت بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي ظلمه التاريخ في كلّ تفاصيل حياته وبكلّ ما يمت إليه بصلة من قريب أو بعيد «وقد أخفى العدو فضائله حنقاً وحسداً وأخفاها محبه خوفاً وخرج من بين ذين وذين ما طبق الخافقين»، وأُم البنين عليها‌السلام وأبناؤها مفردة من المفردات المنسوبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام .

ولهذا حاول المؤلف أن يستوعب حياة هذه المحجوبة المستورة بالرغم من العوائق والعراقيل وندرة النصوص، فكان كتابه من بين ما رأيت مما كتب في أُم البنين عليها‌السلام أكثر شمولية وسعة واستيعاباً، ولربما كان هذا سبب حدى بالمؤلف للاستطراد أحياناً والجنوح بعيداً عن الموضوع الذي ألّف الكتاب لأجله.

ولما كان هذا اللون من الاستطراد بعيد عن ذوق القارئ العربي من جهة وشرود بذهنه عن الموضوع بالكلية اضطررنا إلى حذفه وحذف المكرر من المطالب والقصص التي تكررت دون مبرر.

ولربما استبدلنا بعض القصص والروايات في مواضع محدودة بغيرها مما هو أنسب وأوثق وأجمل.

وأضفنا على الكتاب في عدة مواضع داخل الفصول وأضفنا إليه بعض العناوين والمطالب من قبيل «شريكات أُم البنين عليها‌السلام » وبعض مراثي أُم البنين وغيرها.

وقد استأذنت في ذلك كله المؤلف حفظه الله ورعاه، وهو من المؤلفين المعروفين والموالين لأهل البيت عليهم‌السلام فجزاه الله خيراً عن أُم البنين عليها‌السلام وعن ابنائها المستشهدين بين يدي الحسين وعن زوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام .

١١

ولا يفوتني أن أتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لأخي العزيز الفاضل الماجد السيد محمد تقي الهاشمي صاحب «دار الكتاب الاسلامي» على ما قدمه بكل سخاء وما بذله من جهد وعناء ومتابعة في سبيل ترجمة هذا الكتاب وطبعه وتقديمه للقراء.

وأشكر ولدي البار السيد حسن أشرف حفظه الله ووفقه لكلّ خير وأقرّ عينه بزوجه وولده على ما بذله من جهد ومثابرة لصف حروف الكتاب وإخراجه بهذه الحلة الشيقة الجميلة.

فجزاهم الله عن جدّهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وعمهم أبي الفضل العباس واخوانه وأُمهم أُم البنين عليها‌السلام .

ونسأل الله الرؤوف الرحيم أن يرزقنا حبّ أُم البنين، وحبّ أبناءها وزوجها أمير المؤمنين وزوجه البتول وذريتهما المعصومين وجدّهم سيد المرسلين، ويرزقنا والبراءة من أعدائهم ويغفر لنا ولوالدينا ومن ولدا ولجميع المؤمنين والمؤمنات ويعجل فرج قائمهم ويجعلنا من جنده وحزبه ألا إن حزب الله هم المفلحون.

سيد علي جمال أشرف

٢٠ / ٧ / ١٤٢٣

١٢

الفصل الأول

الهوية الشخصية

١٣

الهوية الشخصية

اسمها: فاطمة (١) .

كنيتها: أم البنين (٢) .

والأصل في هذه الكنية أنّ العرب تكني بها المرأة التي تلد ثلاثة أولاد فما فوق، وقد يكنى بعضهم ابنته، وهي في الطفولة، بهذه الكنية مجازاً على سبيل التفاؤل لهن بالبنين، كما كانوا يكنونهن بأمثال ذلك «كأم الخير» و «أم الكرام».

وقد تغلب الكنية حتى ينسى الاسم تماماً، كما حدث «لأم أيمن» و «أم سلمة» وكذلك حدث «لأم البنين» (٣) .

أبوها: حزام (٤) .

__________________

(١) عمدة المطالب: ٣٥٦، أعلام النساء لكحالة ٤ / ٤٠ تنقيح المقال ٣ / ٧٠، إبصار العين: ٢٥، أعيان الشيعة ٧ / ٤٢٩، أدب الطف ١ / ٧٢.

(٢) مروج الذهب ٣ / ٦٣، تاريخ الطبري ٣ / ٣٩٣، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٣، الفصول المهمة ١٤١ - ١٤٢، السلسلة العلوية: ٨٨، المناقب لابن شهر آشوب ٣ / ٣٠٤، كشف الغمة ١ / ٤٤١.

(٣) أنظر: أم البنين للسيد السويج: ١٢.

(٤) بحار الأنوار ٤٥ / ٣٧، مقاتل الطالبيين: ٨١ وغيرها.

١٤

أمها: ثمامة (١) ، وقيل: ليلى (٢) .

زوجها: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

أولادها: الشهداء الأربعة: العباس، عبد الله، جعفر، عثمان.

قبرها: في البقيع - المدينة المنورة.

* * *

__________________

(١) مقاتل الطالبيين: ٨٢، إبصار العين: ٢٥، أدب الطف ١ / ٧٢.

(٢) عمدة الطالب: ٣٥٦.

١٥

الفصل الثاني

ولادتها عليها‌السلام

١٦

ولادتها عليها‌السلام

لم يحدد المؤرخون تاريخ ولادتها عليها‌السلام ، بيد أنّهم ذكروا أن تاريخ ولادة ابنها الأكبر العباس عليه‌السلام كانت في السنة السادسة والعشرين من الهجرة (١) .

__________________

(١) تنقيح المقال ٢ / ١٢٨.

١٧

الفصل الثالث

الانتماء

١٨

(١) الانتماء

ينتهي نسب أُم البنين عليها‌السلام إلى جعفر بن كلاب زعيم هوزان ورئيسها في عصره.

وكانت هوزان تقطن في الطرف الجنوبي من مكة ويمتد نفوذها إلى حدود اليمن، مما جعل قسماً منهم يعيش البداوة وقسماً يعيش الحضرين، إلّا أنّهم اتفقوا جميعاً على عبادة الأوثان.

وكان بينهم وبين سكان مكة عداوات قديمة أدّت إلى نشوب الحرب بينهم مراراً، وقد اشترك في أحدها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمه أبو طالب عليه‌السلام - ضد هوازن -، وقتل في أخرى «خويلد» والد خديجة عليها‌السلام أم المؤمنين وزوجة النبي الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فلما كان فتح مكة أمر رسول الله أن يطهر المسلمون أطراف مكة من الأصنام، فلمّا سمعت هوازن بذلك أقبلت بكل قبائلها وساقت معها نساءها وأموالها في عشرين ألف، واستعدت للحرب دفاعاً عن أصنامها، وهي تنوي أن تسيطر على مكة وتستريح من قريش، فخرجوا عن بكرة أبيهم.

فلما بلغ خبرهم إلى أهل مكة أصابهم الذعر، واضطربت قريش لمعرفتها بشجاعة هوزان وأقدام أبطالها، وهم يعلمون أنّ سيوف هوزان أخطر من صواعق السماء.

فاجتمع المسلمون جميعاً من أسلم منهم قبل الفتح وبعده، ونبذوا الخلافات،

١٩

ووحّدوا صفوفهم للوقوف أمام سيول هوازن الجارفة، سيما وأنّهم سمعوا أنّ هوازن أقبلت بقضها وقضيضها، ورجالها ونساءها وأموالها، فهي إذن عازمة على الموت أو الدخول إلى مكة فاتحة منتصرة.

فخرج المسلمون وقريش - وكانوا زهاء ألفي رجل - حتى إذا بلغوا «حنين»، وهو وادي يقع بين الطائف ومكة، باغتتهم هوازن، حيث كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه، فما راع المسلمون إلّا كتائب الرجال، فانهزموا جميعاً - إلّا عليّاً عليه‌السلام -.

فقتل منهم كثير تحت السنابك والأرجل، وهوازن تشدّد القبضة عليهم وتحاصرهم وترميهم من كل مكان، وليس للمسلمين عليهم سبيل؛ لأنهم في أسفل الوادي والعدو من فوقهم، فسيطر عليهم الرعب، وارتبك الموقف، واضطرب الرجال، ولم يكن همّ أحدهم إلّا النجاة بنفسه.

وهكذا استمرت المعركة لصالح هوازن، ولم يصمد أمامهم إلّا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين، وثلّة قليلة ممن باعوا أرواحهم، واستصغروا أنفسهم في جنب الله.

وبالرغم من المقاومة المستميتة لهذه العصابة المؤمنة فانّ العدو استمر في التوغل بين صفوف المسلمين، فلم يجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بداً، فنادى برفيع صوته يخاطب المهاجرين والأنصار: إلى أين تفرون؟! لقد نصركم الله في مواطن كثيرة مع قلّة العدد، اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله، ارجعوا فان الله ناصركم...

ثم نظر إلى الناس ببعض وجهه فأضاء كأنّه القمر، ثم نادى: أين ما عاهدتم عليه الله؟ فاسمع أولهم وآخرهم، فلم يسمعها رجل إلّا رمى بنفسه إلى الأرض، فانحدروا حتى لحقوا العدو، وامتلأت قلوبهم بالأمل لوعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصادق المصدق، حيث وعدهم بالنصر، واستعادوا رباطة جأشهم، والتأمت صفوفهم حتى طردوا من المضيق، ونقلوا المعركة إلى «أوطاس»، وهناك أنزل الله عليهم النصر فغلبوا عدوهم وأسروهم وغنموا أموالهم.

٢٠

ومن ثم أعتق النبيب صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان في سهمه إكراماً لمرضعته «حليمة السعدية» التي كانت من «هوازن» وردّ عليهم أموالهم، تبعه على ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفعل بعض الصحابة ما فعله النبي ووصيه، ثم تبعهم المسلمون جميعاً.

فلما رأى رجال هوازن هذا الوفاء والعفو والمرؤة والخلق السامي في المسلمين دخلوا الاسلام أفواجاً، واستأذنوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في العودة، فأذن لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان فيهم «مالك بن عوف» قائدهم المقدام، وزعيمهم الشجاع، فأسلم وصار ذا صيت في جهاده من أجل رفع راية الدين الحنيف (1) .

كانت أُم البنين عليها‌السلام من نساء هذه القبيلة، حيث نشأت في بيت عرف رجاله بالشجاعة والكرم والسخاء، وكان لهم حظ وافر في العلم والمعرفة.

* * *

__________________

(1) انظر غزوة حنين: قصص الراوندي 350 الفصل 10، تفسير القمي 1 / 285 وما بعدها غزوة حنين، البحار 21 / 149، باب 28.

٢١

(2) أسرتها

هي فاطمة (1) بنت حزام (2) بن خالد بن ربيعة بن وحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

وأمها: ثمامة (3) من آل سهل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب.

1 - وأمها: عمرة بنت الطفيل فارس قرزل ابن مالك الأجزم رئيس هوزان بن جعفر بن كلاب.

2 - وأمها: كبشة بنت عروة الرحال ابن عتبة جعفر بن كلاب.

3 - وأمها: أم الخشف بنت أبي معاوية فارس الهوازن ابن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عار بن صعصعة.

4 - وأمها: فاطمة (4) بنت جعفر بن كلاب.

5 - وأمها: عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب جدة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (5) .

__________________

(1) في تاريخ الخميس 2 / 317 «وايس» بدل «فاطمة».

(2) في الاصابة 1 / 37 والمعارف لابن قتيبة: 92: «حرام» بالراء المهملة.

(3) في عمدة الطالب: «ليلى».

(4) في الأغاني: «خالدة».

(5) قال في عمدة الطالب 357: «وأمها فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناف».

٢٢

6 - وأمها: آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.

7 - وأمها: بنت جحدر بن ضبيعة الأغر ابن قيس بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار، جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

8 - وأمها: بنت مالك بن قيس بن ثعلبة.

9 - وأمها: بنت ذي الرأسين وهو خشيش بن أبي عاصم بن سمح بن فزارة (1) .

10 - وأمها: بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن نفيض بن الربت بن غطفان (2) .

هذا ما ذكره أبو الفرج في «المقاتل» من جدات أم البنين عليها‌السلام ، ومنه عرفنا آباءها وأخوالها، ويعرفنا التاريخ أنهم فرسان العرب في الجاهلية، ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد، حتى أذعن لهم الملوك، وهم الذين عناهم عقيل بن أبي طالب بقوله: «ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس» (3) .

أبو البراء عامر بن مالك:

فانّ من قومها أبا براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب جدّ ثمامة والدة أم البنين، وهو الجد الثاني لأم البنين، قيل له: «ملاعب الأسنة» لفروسيته وشجاعته، لقبه بذلك حسان لمارآه يقاتل الفرسان وحده وقد أحاطوا به قال: ما هذا إلّا ملاعب الأسنة.

__________________

(1) في قاموس اللغة: «خشين بن لاي» وفي تاج العروس: «لابى بن عصيم».

(2) أنظر: مقاتل الطالبيين: 87 ترجمة عبد الله بن علي عليه‌السلام .

(3) العباس عليه‌السلام للسيد المقرم: 127.

٢٣

وقيل: إن أوس بن حجر قال فيه (1) :

يلاعب أطراف الأسنة عامر

فراح له حظ الكتائب أجمع

وهو الذي استعانه ابن أخيه عامر بن الطفيل على منافرة علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص لما تفاخرا على أن يسوق كلّ منهما مائة ناقة تكون لمن يحكم له، ووضع كل منهما رهناً من أبنائهم على يد رجل من بني الوحيد - فسمي الضمين إلى اليوم، وهو الكفيل -.

ولما استعانه عامر دفع اليه نعليه وقال له: استعن بهما في منافرتك فاني قد ربعت بهما أربعين مرابعاً.

والمرباع ما يأخذه الرئيس من ربع الغنيمة دون أصحابه خالصاً لنفسه وذلك عندما كانوا يغزون في الجاهلية (2) .

وهذا النعلان من مختصات الرئيس التي يخرج بها في الأيام الخاصة، وإلّا فلا مزية لهما حتى يستعين بهما على المنافرة.

عامر بن الطفيل:

ومنهم: عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وهو أخو عمرة، الجدة الأولى لأم البنين.

كان عامر أسود أهل زمانه، وأشهر فرسان العرب بأساً ونجدة، وأبعدها اسماً، حتى بلغ أن قيصر إذا قدم عليه قادم من العرب قال: ما بينك وبين عامر بن الطفيل؟ فان ذكر نسباً عظم عنده وأرفده وإلّا أعرض عنه.

__________________

(1) رسالة ابن زيدون بهامش الصفدي على لامية المعجم 1 / 130.

(2) أنظر: قصة المنافرة مفصلة: الأغاني 16 / 283 وما بعدها.

٢٤

وفد عليه علقمة بن علاثة فانتسب له، فقال له قيصر: أنت ابن عم عامر بن الطفيل؟ فغضب علقمة.

ثم إنّه دخل على ملك الروم، فقال له: انتسب، فانتسب له، فقال الملك: أنت ابن عم عامر بن الطفيل، فغضب وخرج عنه (1) .

عروة الرحال:

ومنهم: عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب، والد كبشة، الجدة الثانية لأم البنين عليها‌السلام .

كان وافداً على الملوك، ولد قدر عندهم، ومن هنا سمي الرحال، وهو الذي أجاز لطيمة النعمان التي كان يبعث بها كل عام إلى «سوق عكاظ»، فقتله البراض بن قيس الكناني واستاق العير، وبسببه هاجت «حرب الفجار» بين حي «خندف» و «قيس» (2) .

الطفيل فارس قرزل:

ومنهم: الطفيل فارس قرزل، وهو والد عمرة، الجدة الأولى لأم البنين.

كان معروفاً بالشجاعة والفروسية، وهو أخو ملاعب الأسنة، وربيعة، وعبيدة، ومعاوية بنو جعفر بن كلاب.

يقال لأمهم: «أم البنين» وإياها عنى لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب لما وفد بنو جعفر على النعمان بن المنذر، وكان سميره الربيع بن زياد العبسي، فتهموه بالسعي عليهم، فلما غدوا على النعمان كان معهم لبيد، وهو أصغرهم،

__________________

(1) سمط اللئالي 2 / 890، مجمع الأمثال 2 / 23.

(2) بلوغ الأرب 1 / 142.

٢٥

فرأوا النعمان يأكل مع الربيع فقال لبيد:

يا واهب الخير الجزيل من سعه

نحن بنو أم البنين الأربعه

ونحن خير عامر بن صعصعه

المطعمون الجفتة المدعدعه

الضاربون الهام وسط الخيضعه

اليك جاوزنا بلاداً مسبعه

تخبر عن هذا خبيراً فاسمعه

مهلاً أبت اللعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمعه

وأنّه يولج فيها أصبعه (1)

يولجها حتى يواري أشجعه

كأنما يطلب شيئاً ضيعه (2)

فلم ينكر عليه النعمان ولا أحد من العرب؛ لأنّ لهم شرفاً لا يدافع؛ ولذلك طرد النعمان الربيع عن مسامرته وقال له:

شرد برحلك عني حيث شئت ولا

تكثر علي ودع عنك الأباطيلا

قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً

فما اعتذارك في شيء إذا قيلا (3)

إلى هنا تعرّفنا على قبيلة أم البنين عليها‌السلام وشخصيات أسرتها، فلننظر الآن كيف تزوج أمير المؤمنين عليه‌السلام هذه المرأة العظيمة؟

* * *

__________________

(1) إلى هنا من شواهدا المغني للسيوطي: 68.

(2) الزيادة من جمهرة الأمثال للعسكري 2 / 118 رقم 1362 «قولهم: قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذبا».

(3) العباس للمقرم: 125 - 131.

٢٦

الفصل الرابع

إلتآم الجوهرتين

٢٧

الزواج

بعد أن توفيت ريحانة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيدة نساء العالمين البتول، شهيدة في سبيل الله ودفاعاً عن الولاية والامامة، وكان مصاب بضعة المصطفى قد هدّ ركنه عليه‌السلام - دعى أمير المؤمنين عليه‌السلام أخاه عقيلا - وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم وقال له:

انظر لي إمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب، من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة؛ لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً، ينصر ولدي هذا، وأشار إلى الحسين عليه‌السلام يواسيه في طف كربلاء (1) .

وذلك مراد أمير المؤمنين عليه‌السلام من البناء على إمرأة ولدتها الفحولة من العرب، فان الآباء لابد وأن تعرق في البنين ذاتياتها وأوصافها. فاذا كان المولود ذكراً بانت فيه هذه الخصال الكريمة، وإن كانت أنثى بانت في أولادها. وإلى هذا أشار صاحب الشريعة الحقة بقوله: «الخال أحد الضجيعين فتخيروا لنطفكم».

وقد ظهرت في أبي الفضل الشجاعتان:

__________________

(1) أنظر: بطل العلقمي للمظفر 1 / 97 - 98، تنقيح المقال للمامقاني 2 / 128.

٢٨

1 - الهاشمية: التي هي الأربى والأرقى من ناحية أبيه سيد الوصيين وأمير المؤمنين عليه‌السلام .

2 - العامرية: من ناحية أمه أم البنين (1) .

وعلى هذا رضى الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذا الخيار وبعث أخاه عقيلاً ليخطب له أم البنين عليها‌السلام من أبيها.

مهمة عقيل عليه‌السلام :

كان عقيل عليه‌السلام أخو الامام علي عليه‌السلام نسابة معروفاً، وله في علم الأنساب باع طويل.

وكان - يومها - للشاعر والقصاص والنسابة وصاحب السيف والكاهن والعراف موقع خاص؛ لندرتهم وشدّة الحاجة لتخصصاتهم، وكان الناس يرجعون اليهم وينفذون قولهم، ويكنون لهم احتراماً خاصاً، وهم قليلون معدودون في الغالب، فمثلاً اشتهر أمير المؤمنين عليه‌السلام بضربات سيفه، واشتهر امرؤ القيس بشعره وقصائده، واشتهر عقيل عليه‌السلام بخبرته وحفظه في الأنساب ومعرفته بالعرب وأيامها وقبائلها.

لذا دعاه أمير المؤمنين ذات يوم وقال له:

اختر لي إمرأة ولدتها الفحول من العرب، من ذوي البيوت والحسب والنسب؛ لتلد لي غلاماً شجاعاً فارساً رشيداً.

فقلّب عقيل قبائل العرب ظهراً لبطن، وفكر قدّراً، وفحص ونقّر، وجاس ديار أنساب العرب ودرس أخلاقهم وطباعهم حتى اختار له «فاطمة»، والتي سميت فيما بعد بأم البنين عليها‌السلام ، فعرضها على الامام أمير المؤمنين ذاكراً صفاتها وخصال أهلها وقبيلتها، فأمره الامام عليه‌السلام أن يخطبها من أهلها.

__________________

(1) العباس للمقرم: 127.

٢٩

الخطبة:

مضى عقيل بن أبي طالب عليهما‌السلام في مهمته بأمر أخيه أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى ورد بيت حزام بن خالد ضيفاً على فراش كرامته، وكان خارج المدينة...

فقال له عقيل: جئتك بالشرف الشامخ والمجد الباذخ.

فقال حزام: وما هو يابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال: جئتك خاطباً.

قال: من لمن؟

قال عقيل: أخطب ابنتك الحرة فاطمة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام علي بن أبي طالبل بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

فلما سمع حزام هشّ وبشّ ثم قال: بخ بخ بهذا النسب الشريف والحسب المنيف، لنا الشرف الرفيع والمجد المنيع بمصاهرة ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبطل الاسلام وقاسم الجنة والنار، ولكن - يا عقيل - أنت جدّ عليم ببيت سيدي ومولاي، إنه مهبط وحي، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وأنّ مثل أمير المؤمنين عليه‌السلام حسنة، حتى تكون صالحة لشأنه العالي ومقامه السامي، وإنّ ابنتنا من أهل القرى والبادية، وأهل البادية غير أهل المدينة، ولعلها غير صالحة لأمير المؤمنين عليه‌السلام .

فقال عقيل: يا حزام إنّ أخي يعلم بكلّ ما قلته، وأنّه يرغب في التزويج بها.

فقال حزام: إذاً تمهّل حتى أسأل عنها أمها - ثمامة بنت سهل - هل تصلح لأمير المؤمنين عليه‌السلام أم لا؟ فانّ النساء أعلم ببناتهن من الرجال في الأخلاق والآداب.

الرؤية الصادق:

قام حزام من محلّه وجاء ليسأل، فلما قرب من المنزل واذا هو يرى فاطمة

٣٠

جالسة بين يدي أمها، وهي تمشط رأسها، وفاطمة تقول: يا أماه إنّي رأيت في منامي رؤيا البارحة.

فقالت لها أمها: خير رأيت - يا بنية - قصيها عليّ.

فوقف حزام في مكانه بحيث يسمع الصوت ولا يراه أحد.

فقالت فاطةم لأمها: إني رأيت فيما يرى النائم؛ كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية، وكانت السماء صاحية، والقمر مشرقاً، والنجوم ساطعة، وأنا أفكر في عظمة خلق الله، من سماء مرفوعة بغير عمد، وقمر منير، وكواكب زاهرة، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه، وإذا أرى كأنّ القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري، وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك، واذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضاً في حجري، وقد أغشى نورهم بصري، فتحيرت في أمري مما رأيت، واذا بهاتف قد هتف بي، أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص، وهو يقول:

بشراك فاطمة بالسادة الغرر

ثلاثة أنجم والزاهر القمر

أبوهم سيد في الخلق قاطبة

بعد الرسول كذا قد جاء في الخبر

فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها؟!

فقالت لها أمها: يا بنية؛ إن صدقت رؤياك، فانك تتزوجين برجل جليل القدر، رفيع الشأن، عظيم المنزلة عند الله، مطاع في عشيرته، وترزقين منه أربعة أولاد، يكون أولهم وجهه كأنّه القمر، وثلاثة كالنجوم الزواهر.

فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول:

هذا عقيل بن أبي طالب جاء يخطب ابنتك للامام علي عليه‌السلام وقد استمهلته حتى أسألك عن ابنتك؛ هل تجدين فيها كفاءة بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ؟

٣١

واعلمي أن بيته بيت الوحي والنبوة، والعلم والآداب والحكمة، فان تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلّا فلا.

فقالت زوجته ذات القلب المفعم بالولاء للامامة:

يا حزام إنّي - والله - ربيتها وأحسنت تربيتها، وأرجو الله العلي القدير أن يسعد جدّها، وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فزوجها به (1) .

فأقبل حزام على ابنته يهنئها ويشركها في فرحته:

يهنيك فاطمة بالفارس البطل

نعم القرين أمير المؤمنين علي عليه‌السلام

من للأنام إمام حجة وولي

للمؤمنين أمير والغدير جلي

من لي بزوج كعلي عليه‌السلام ؟

لمّا سمعت أم البنين عليها‌السلام أنها خطبت لأمير المؤمنين غمرها السرور وطار قلبها بالفرح والحبور، وتناثر عرق الحياء على محياها كاللؤلؤ على صفيحة النور، واختارت السكوت فلم تحرك لسانها، وجنانها يتدفق بالكلمات تعبيراً عن فرحتها بهذا الزواج السعيد....

أجل؛ كيف لا تفرح ولا تغمرها السعادة؟! وهي ترى الحياء في عيني علي عليه‌السلام وسلطان الاسلام في يديه، والاستقامة والعدالة في خطواته، ونور الهداية المحمدية في قلبه؟!... وإنّ في هذه الزيجة المباركة فخراً عميماً، وشرفاً عظيماً، وسعادة لم تخيب، لها ولأهلها وعشيرتها جميعاً.

لقد أقسمت أم البنين عليها‌السلام أنها ستكون كالأم الرؤوم للحسنين عليهما‌السلام ، فدخلت إلى بيت العصمة تحمل معها عالماً من المحبة والمودة والحنان.

* * *

__________________

(1) أنظر: مولد العباس محمد علي الناصري: 35 وما بعدها.

٣٢

هكذا كانت أُم البنين:

وهكذا خطبها عقيل، ثم أجرى النكاح وكالة عن أخيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فاستعدت أم البنين فاطمة بنت حزام للرحيل إلى بيت الإمام عليه‌السلام .

ولما دخل بها الامام عليه‌السلام وجدها إمرأة ذات عقل وإيمان وأدب، ورأى فيها ما أسرّه من الحسن والجمال والهيئة والكمال، حيث كانت أم البنين عليها‌السلام من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، كما كانت فصيحة بليغة لسنة ورعة ذات زهد وتقى وعبادة.

وبلغ من عظمها ومعرفتها وتبصرها بمقام أهل البيت عليهم‌السلام أنها لما دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما، وتلقي اليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب، وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما وتخضع لهما كالأم الحنون.

ولا بدع في ذلك فانها ضجيعة شخص الايمان، قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره، واستفادت من معارفه، وتأدبت بآدابه، وتخلقت بأخلاقه (1) .

أم البنين هي تلك المرأة التي كان يريدها علي عليه‌السلام ، إمرأة وقور، تقعد في بيتها وتربي له رجالاً أشاوس، وفرسان أقوياء من أمثال أبي الفضل العباس عليه‌السلام الذي ضرب المثل الأعلى في الشجاعة والمواساة والاقدام والوفاء، وخاض لجج الموت، واقتحم غمرات الحروب، وجال بين صفوف الأعداء في ساحات الوغى منذ بدايات شبابه، وهو لا يهاب الموت، ولا يعبأ بوميض السيوف ورؤوس الحراب الخاطفة كالبرق.. كان قلبه أشدّ من زبر الحديد أمام الأعداء.

* * *

__________________

(1) العباس للمقرم: 133.

٣٣

الفصل الخامس

صفات النساء الممدوحات

٣٤

صفات

النساء الممدوحات

لقد علّم أمير المؤمنين عليه‌السلام البشرية جمعاً الموازين التي على أساسها تنتخب الزوجة، فلا بأس بالقاء نظرة على جملة من الآداب والأحكام الاسلامية الرائعة في هذا المجال.

هكذا فلتكن المرأة التي تتبع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام :

روى المرحوم العلامة الفيض الكاشاني في الوافي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

إن خير نسائكم: الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة (1) مع زوجها، الحصان (2) على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل (3) كتبذل الرجل (4) .

__________________

(1) التبرج: اظهار الزينة.

(2) الحصان: العفيفة.

(3) التبذل: ترك التصاون.

(4) الكافي 5 / 324، ج 1، وسائل الشيعة 20 / 29 ح 24942 باب 6.

٣٥

وعن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : خير نسائكم الخمس،

قيل: وما الخمس؟

قال: الهينة، اللينة، الموايتة، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمض حتى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمال الله، وعامل الله لا يخيب.

إذن فثمة عشر صفات ممدوحة في المرأة:

1 - الولود.

2 - العفيفة.

3 - العزيزة في أهلها.

4 - الذليلة مع بعلها.

5 - المتبرجة مع زوجها.

6 - الحصان على غيره.

7 - التي تسمع قول زوجها.

8 - التي تطيع أمره.

9 - التي إذا خلا بها بذلت له ما يريد منها.

10 - التي إذا غاب عنها زوجها حفظته.

هذا بالاضافة إلى الصفات الأخرى المذكورة في الحديثين المذكورين وغيرهما من الأحاديث الشريفة (1) .

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بشرار نسائكم؟: الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم، الحقود، التي لا تتورع من القبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه

__________________

(1) انظر للمزيد وسائل الشيعة، جزء: 20.

٣٦

إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، واذا خلا بها بعلها تمنعت منه (1) كما تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل منه عذراً، ولا تغفر له ذنباً.

وعن الصادق عليه‌السلام قال: أغلب الأعداء للمؤمن زوجة السوء (2) .

وعنه عليه‌السلام أيضاً قال: كان من دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعوذ بك من إمرأة تشيبني قبل مشيبي (3) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً (4) .

وقال عليه‌السلام : اعلموا أن السوداء إذا كانت ولوداً أحبّ إليّ من الحسناء العاقر (5) .

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر اليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله (6) .

وفي رواية: وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة (7) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : اختاروا لنطفكم فانّ الخال أحد الضجيعين (8) .

في رواية أخرى: تخيروا لنطفكم فان الابناء يشبهون الأخوال.

وفي المثل المعروف: ابن الحلال أشبه بالخال.

__________________

(1) الكافي 5 / 325 ح 1، الفقيه 3 / 247 ح 1176، وسائل الشيعة 20 / 33 ح 24957 باب 7.

(2) الفقيه 3 / 247 ح 1170، وسائل الشيعة 20 / 25 ح 24937 باب 4.

(3) الكافي 5 / 326 ح 3، وسائل الشيعة 20 / 34 ح 24960 باب 7.

(4) الكافي 5 / 324 ح 4، التهذيب 7 / 404 ح 1615، الفقيه 3 / 243 ح 1156، وسائل الشيعة 20 / 6 ح 24948 باب 6.

(5) الفقيه 3 / 248 ح 1178، وسائل الشيعة 20 / 54 ح 25017 باب 15.

(6) الكافي 5 / 327 ح 1، التهذيب 7 / 240 ح 1047، الفقيه 3 / 246 ح 1168، المقنعة: 76، وسائل الشيعة 20 / 40 ح 24979 باب 9.

(7) الكافي 5 / 327 ح 6، وسائل الشيعة 20 / 42 ح 24982 باب 9.

(8) الكافي 5 / 332 ح 2، وسائل الشيعة 20 / 48 ح 24999 باب 13.

٣٧

وقال تعالى: ( قَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ) (1) قيل: المراد بالتقديم طلب الولد الصالح والسعي في حصوله (2) . أي اطلبوا المرأة التقية الصالحة لتلد لكم أولاداً صالحين.

فقد روي: وانظر في أي نصاب تضع ولدك فان العرق دساس (3) .

والمرأة وعاء ينبغي أن يتلطف الرجل ويدفق في اختياره؛ لئلا تضيع أتعابه وتذهب ذريته أدراج الرياح.

قال الله تعالى: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) (4) ...

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إياكم وخضراء الدمن (5) .

إنطلاقاً من هذه الحكم دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام أخاه عقيلاً ليختار له امرأة ولدتها الفحولة، من ذوات البيوت المعروفة بالشجاعة والخلق السامي، فكانت النتيجة اختيار زبدة المخدرات، والدرة المصفاة «أمّ البنين» عليها أفضل الصلوات، التي انجبت له قمر بني هاشم واخوته النجباء، الذين طبقت شهرتهم الآفاق، وصاروا قبلة للمجاهدين والأحرار، وبزوا رجال العلم والعرفان، وسبقوا في طريق الخير والحق واليقين (6) .

أجل؛ لقد صار زواج أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذه الخصوصيات مثلاً يحتذى به المسلمون، ودرساً يلقنهم مستوى التدقيق في أمر الزواج، والالتزام بآداب الشريعة

__________________

(1) سورة البقرة: الآية 223.

(2) بحار الأنوار 78 / 74 باب 4.

(3) شرح نهج البلاغة 12 / 116.

(4) سورة البقرة: الآية 223.

(5) وسائل الشيعة 20 / 48 ح 25001 باب 14.

(6) انظر الخصائص العباسية (للكلباسي الاصفهاني): 82.

٣٨

الغراء؛ لينالوا سعادة الدارين وخير الدنيا والدين، ويستفيدوا أولاداً صالحين باعتبارهم ثمار عمر الزوجين، والسرّ في خلودهما وبقاء نسلهما، وامتدادها الطبيعي في النشأتين.

بيد أنّ الناس لربما أعرضو عن تعاليم أئمة المؤمنين، وأقدموا على ما يريدون من منطلق الجهل لا الدين، فيتسامحون في أمر الزواج ويتساهلون، فينطلقون - في قضايا الزواج - بدوافع الشهوة، وينظرون إلى الجمال والمال، ويغفلون عن بقاء النسل، وامتداد الآباء في الأبناء، وتقديم الأولاد الصالحين للمجتمع البشري ليكونوا لهم ذخراً في العالمين.

فلو أنّ فلاحاً أراد أن يزرع الشعير لبذل جهده، وأنفذ ما في وسعه في تطهير الأرض وإعدادها، واختيار البذرة وطريقة بذرها وسقيها ورعايتها؛ كي تعطيه النتيجة المطلوبة، وتحقق له الغاية المرغوبة، ولكن - وللاسف الشديد - قد يغفل الانسان بالكامل عن الظروف التي يريد أن ينثر فيها بذور الانسان الذي جعله الله العلة الغائية للموجودات، وخلق من أجله الكون والمخلوقات، والمرأة حرث كما سماها القرآن حيث قال تعالى:

( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

فالمرأة حرث الرجل ومزرعته، ينثر فيها بذر الانسانية، فلا ينبغي له التهاون في أمرها: غير أنّ من المؤسف أن تجد من لا يهتم بطهارة المحل، وقد يقيض الله له امرأة عفيفة طاهرة فينصرف عنها الرجل - والعياذ بالله - ويتورط بالارجاس والخبائث وتسريح النظر في غير ما أحل الله.

__________________

(1) سورة البقرة: الآية 223.

٣٩

تأثير الظروف على الجنين:

وقد لا يهتم بالظروف التي ينثر فيها بذره من زمان أو مكان أو غيرها، والحال أنّ كل هذه الظروف لها أثر فعال على النطفة ونشؤها وحياة المتولد منها.

فلربما كان الجماع في بعض الأوقات ينتج نطفة يتولد منها شقي يبغض الدين وأهله، كما لو جامع أهله وهي حائض، فقد ورد أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال عن ابن ملجم (قاتله): إنّ أمه حملت به وهي حائض.

ولربما أدى الجماع في بعض الأوقات إلى خروج الولد ناقصاً، أو سيء الخلق، أو شقي، أو قاسي القلب، كما لو جامع أهله ليلة عيد الأضحى أو ليلة النصف من شعبان.

ولربما كان الجماع في بعض الأوقات أو الحالات سبباً لخروج الولد أعمى القلب بخيل اليد، كما لو جامع أهله وهي حامل وهو على غير وضوء.

فقد ورد عنهم عليهم‌السلام : «إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا وأنت على وضوء فانه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد..» (1) .

لأنّ نطفة المؤمن محترمة، فلا ينبغي له أن يقارب زوجته إلا بعد الطهارة، تماماً كما ينبغي له الوضوء إذا أراد دخول المسجد و «المؤمن أعظم حرمة من الكعبة» (2) .

وروي عنهم عليهم‌السلام : لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلألوئها إلّا أن ترجي ستراً فيستركما، فانه إن قضي بينكما ولد لا يزال في بؤس وفقر حتى يموت.

__________________

(1) المصدر نفسه.

(2) الخصال 1 / 27 باب المؤمن أعظم حرمة من الكعبة ح 95 وما بعده، مشكاة الأنوار: 83 الفصل الرابع 193 في آداب المعاشرة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378