موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام20%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147582 / تحميل: 5356
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ليس في دنيا الإسلام كارثة مدمّرة امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا كحادثة السقيفة ، فقد أولدت الأحقاد ، وأجّجت نار الفتن بين المسلمين ، وفتحت أبواب الطمع والتهالك على السلطة بين الزعماء.

إنّ جميع ما عاناه السادة المعظّمون من أهل البيت : يستند أوّلا وبالذات إلى مؤتمر السقيفة التي تعمّد أعضاؤها على الغضّ من شأنهم ، ومعاملتهم معاملة عادية تتّسم بالكراهة والحقد عليهم ، متناسين ما ألزمه الله تعالى بمودّتهم ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ، وما حثّ عليه النبيّ ٦ في لزوم مودّتهم ، وتعظيم شأنهم ، فلم يرعوا لاهتمام النبي بهم ، فأقصوهم عن مركز الحكم وعن جميع ما يتعلّق بالدولة الإسلامية التي أنشأها جدّهم الرسول ، وقامت على أكتاف أخيه وباب مدينة علمه ، لقد آلت الخلافة الإسلامية ـ مع الأسى والأسف ـ إلى بني أميّة فأمعنوا في ظلم العترة الطاهرة وإبادتها ، وما كارثة كربلاء الخالدة في دنيا الأحزان إلاّ من تبعات السقيفة ، ورحم الله الإمام كاشف الغطاء إذ يقول :

تالله ما كربلا لو لا سقيفتهم

ومثل هذا الفرع ذاك الأصل أنتجه

إنّ الأحداث الجسام التي فزع منها المسلمون كإباحة مدينة النبيّ ٦ ، وحرق الكعبة ، وتسلّط الأشرار المارقين عن الدين على رقاب المسلمين أمثال بسر بن أرطاة ، والمغيرة بن شعبة ، وزياد بن أبيه ، وعبيد الله بن زياد وأمثالهم من الخونة

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

١٠١

المجرمين الذين أمعنوا في ظلم المسلمين ، وأغرقوهم في المآسي والخطوب كلّها قد نجمت من السقيفة ، وما يرتبط بها من أحداث.

ولسنا في البحث عن السقيفة خاضعين للمؤثّرات المذهبية ، نعوذ بالله أن نخضع لغير الحقّ ، وأن نكتب ما تمليه علينا العواطف التقليدية ، وإنّما نكتب هذه البحوث على ضوء الدراسة العلمية التي اقتبسناها من الوثائق التاريخية ، وحلّلنا أبعادها بأمانة وإخلاص ، وفيما اعتقد أنّ كلّ من يتأمّل في أحداث السقيفة يؤمن بأنّها غير طبيعة وأنّها دبّرت لصرف الخلافة عن أهل البيت.

وعلى أي حال فلا بدّ لنا من وقفة قصيرة للبحث عن هذا الحادث المروع الذي ابتلي فيه المسلمون كأشدّ وأقسى ما يكون الابتلاء ، وفيما يلي ذلك :

البواعث المؤتمر السقيفة

وعقد الأنصار في اليوم الذي توفّي فيه رسول الله ٦ مؤتمرا في سقيفة بني ساعدة ، ضمّ الجناحين منهم الأوس والخزرج ، تداولوا فيه شئون الخلافة ، وأن لا تخرج من حوزتهم ، ولا يكونوا تبعا لزعامة المهاجرين من قريش وتحت نفوذهم.

والشيء الذي يدعو إلى التساؤل لما ذا سارعوا إلى عقد مؤتمرهم بهذه السرعة الخاطفة ، والرسول لم يغيبه عن عيون القوم مثواه ، وأكبر الظنّ أنّ أسباب ذلك تتلخّص بما يلي :

أوّلا : إنّ الأنصار قد استبان لهم بصورة مكشوفة لا خفاء فيها على تصميم المهاجرين من قريش للاستيلاء على الحكم بعد النبيّ ٦ وصرفه عن الإمام أمير المؤمنين ، ويدعم ذلك :

١ ـ إنّ المهاجرين من قريش أعلنوا رفضهم الكامل لبيعة الإمام يوم غدير خمّ ، فقد قالوا : لقد حسب محمّد أنّ هذا الأمر قد تمّ لابن عمّه وهيهات أن يتمّ ، وتناقلت

١٠٢

حديثهم معظم الأوساط في يثرب.

٢ ـ امتناع قادة المهاجرين من الالتحاق بجيش اسامة خوفا أن يتمّ الأمر للإمام بعد وفاة النبيّ ٦ ويفلت الزمام منهم ، ولم يكن يخفى على الأنصار ذلك.

٣ ـ قيام بعض المهاجرين بالحيلولة بين النبيّ وبين ما رآه من الكتابة التي تضمن لامّته السعادة في جميع الأحقاب والآباد ـ على حدّ تعبيره ـ فقد رموه بالهجر ، وهو طعن مؤسف في شخصية الرسول ٦ ، فامتنع بأبي وأمّي من الكتابة التي تهدف إلى النصّ الصريح على خلافة الإمام أمير المؤمنين ٧ .

ثانيا : إنّ الأنصار كانوا على يقين لا يخامره شكّ أنّ المهاجرين من قريش كانوا حاقدين على الإمام ؛ لأنّه قد وترهم ، وحصد رءوس أعلامهم ، وقد أعلن ذلك عثمان بن عفّان ، فقد قال للإمام :

ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين رجلا كأنّ وجوههم شنوف الذهب تصرع آنافهم قبل شفاههم (١) .

أرأيتم كيف صوّر عثمان لوعة القرشيّين على فتيانهم وفرسانهم الذين أبادهم الإمام في يوم بدر وأبادتهم القوّات المسلّحة في الجيش الإسلامي وكانت قريش ترى أنّ الإمام ٧ هو الذي وترها ، فهي تطالبه بذحلها ويقول الكناني من شعراء قريش محرّضا لها على الوقيعة بالإمام :

في كلّ مجمع غاية أخزاكم

جذع أبرّ على المذاكي القرّح

لله درّكم ألما تذكروا

قد يذكر الحرّ الكريم ويستحي

هذا ابن فاطمة (٢) الذي أفناكم

ذبحا بقتلة بعضه لم يذبح

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٩ : ٢٢.

(٢) فاطمة بنت أسد أمّ الإمام أمير المؤمنين ٧ .

١٠٣

أين الكهول وأين كلّ دعامة

في المعضلات وأين زين الأبطح (١) ؟

وروى ابن طاوس عن أبيه أنّه قال للإمام زين العابدين :

ما بال قريش لا تحبّ عليّا؟

فأجابهم الإمام :

لأنّه أورد أوّلهم النار ، وألزم آخرهم العار (٢) .

لقد كان بغض القرشيّين للإمام ٧ مكشوفا وغير خفي على أحد ، وخاف الأنصار من استيلاء المهاجرين على دست الحكم فينزلون بهم الضربات القاصمة لولائهم للإمام ٧ ومودّتهم له.

ثالثا : إنّ الأنصار كانوا العمود الفقري للقوّات الإسلامية ، وقد أشاعوا الحزن والحداد في بيوت القرشيّين ، ومن المؤكّد أنّ القرشيّين كانوا يحقدون أشدّ الحقد على الأنصار ، وأنّهم لا يألون جهدا في الانتقام منهم ، فلذا سارعوا في عقد مؤتمرهم خشية من المهاجرين ، يقول الحبّاب بن المنذر وهو من مفكّري الأنصار :

لكنّنا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم واخوانهم (٣) .

وتحقّق ما تنبأ به الحبّاب ، فإنّه لم يكد ينتهى حكم الخلفاء القصير الأمد حتى آل الحكم إلى الأمويّين فسعوا جاهدين في إذلالهم والتنكيل بهم. وقد أمعن معاوية في قهرهم وظلمهم ، ولمّا ولي الأمر بعده يزيد جهد على الوقيعة بهم فأباح دماءهم وأموالهم وأعراضهم في واقعة الحرّة المحزنة التي لم يشاهد التاريخ لها نظيرا في فظاعتها وقسوتها.

رابعا : إنّ النبيّ ٦ استشفّ من وراء الغيب ما تعانيه الأنصار من بعده من

__________________

(١) و (٣) حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٢٣٥.

(٢) معجم الشيوخ ـ ابن الاعرابي ٤ : ١٦.

١٠٤

جهد وبلاء ، فقال لهم : « ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض » فخافوا كأشدّ ما يكون الخوف ، فلذا بادروا إلى عقد مؤتمرهم ليكونوا بمأمن من الاثرة والجهد.

وفيما أحسب أنّ هذه العوامل بعض الأسباب التي أدّت إلى عقد الأنصار مؤتمرهم في سقيفة بني ساعدة.

خطاب سعد :

ولمّا عقد الأنصار مؤتمرهم في السقيفة انبرى سعد بن عبادة زعيم الخزرج إلى افتتاح مؤتمرهم ، وكان مريضا لا يتمكّن أن يجهر بكلامه ، وإنّما كان يقول : فيبلغ بعض أقربائه مقالته ، وهذا نصّ كلامه :

يا معشر الأنصار ، لكم سابقة في الدين ، وفضيلة في الإسلام ليست لأحد من العرب ، إنّ محمّدا ٦ لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به إلاّ قليل ، ما كانوا يقدرون على منعه ، ولا على إعزاز دينه ، ولا على دفع ضيم حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصّكم بالنعمة ، ورزقكم الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والاعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشدّ الناس على عدوّه ، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا ، فدانت لرسوله بأسيافكم العرب ، وتوفّاه الله وهو عنكم راض ، وبكم قرير العين استبدّوا بهذا الأمر دون الناس فإنّه لكم دونهم (١) .

وحفل خطاب سعد بالاشادة بإيمان الأنصار وبسالتهم وحمايتهم للإسلام ، وأنّه قام على سوقه عبل الذراع مفتول الساعد بفضل جهادهم ونصرتهم له ، فهم

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٢. تاريخ الطبري ٣ : ٣٠٧.

١٠٥

الذين حموه أيام غربته ومحنته فإذن هم أولى بالنبيّ ، وأحقّ بمركزه ومقامه ، فإنّ من كان عليه العزم فهو أولى بالغنم.

وكان من بنود هذا الخطاب التنديد بالقرشيّين الذين ناهضوا النبيّ ٦ وناجزوه الحرب ، حتى اضطرّ إلى الهجرة إلى يثرب ، وما آمن به من قومه إلاّ فئة قليلة لم تتمكّن من حمايته والذبّ عنه وبذلك فلا حقّ للقرشيّين في الخلافة ولا نصيب لهم بها.

المؤاخذة على سعد :

وتناسى سعد في خطابه المصيبة العظمى التي دهمت المسلمين وهي موت سيّد الكائنات ، فلم يشر إليها بقليل ولا بكثير ، ولم يعزّ الأنصار بهذا الخطب المروع ، كما تناسى في خطابه العترة الطاهرة التي هي وديعة النبيّ في امّته ، وعديلة القرآن الكريم ، ولم يتعرّض لسيّد المسلمين وإمام المتّقين الإمام أمير المؤمنين ٧ الذي هو باب مدينة علم النبيّ ، ومن كان منه بمنزلة هارون من موسى ، فقد تجاهله سعد بالمرّة ، ونسى البيعة له يوم غدير خمّ ، فدعا لنفسه وقومه.

لقد أخطأ سعد إلى حدّ بعيد ، ولا مبرّر له في عقد مؤتمره ، فقد أخلد للامّة الفتن والمصاعب ، وألقاها في شرّ عظيم ، ومن ذلك اليوم عانت العترة الطاهرة ألوانا قاسية من الكوارث والخطوب ، وآلت الخلافة إلى الطلقاء وأبنائهم فاتّخذوها مغنما ووسيلة لنيل شهواتهم ورغباتهم ، ولم يعد للامّة أي ظلّ لمصالحها طيلة الحكم الأموي والعباسي.

وعلى أي حال فقد لاقى سعد جزاء عمله ، فإنّه لم يكد يستقرّ الحكم القصير الأمد إلى أبي بكر حتى جهد في ملاحقته ، وفرض الرقابة عليه حتى اضطرّ إلى الهجرة إلى الشام ، فتبعه خالد بن الوليد مع صاحب له ، فكمنا له ليلا وطعناه وألقياه في البئر ، وتحدّثوا أنّ الجنّ هي التي قتلته وأوردا على لسانها شعرا تفتخر فيه بقتله وهو :

١٠٦

نحن قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

ومن الغريب أنّ دبلوماسية الحكم في ذلك العصر استخدمت الجنّ في أغراضها السياسية ، وقد آمن بذلك البسطاء والسذّخ من غير وعي للأهداف السياسية.

ضعف نفسية الأنصار :

ولم تكن للأنصار إرادة صلبة ولا عزم ثابت ، فقد منوا بالضعف والوهن والتخاذل ، فكانوا بعد خطاب زعيمهم سعد متخاذلين ، فقد أخذ بعضهم يقول لبعض : فإنّ أبى المهاجرون من قريش ، وقالوا : نحن المهاجرون وأصحابه الأوّلون وعشيرته وأولياؤه فعلام تنازعون هذا الأمر بعده ..

وانبرت طائفة منهم فقالوا :

فإنّا نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا ..

وأظهرت هذه المحاورة ضعفهم وانهيار عزائمهم وخوفهم من المهاجرين من قريش ، وثار سعد حينما رأى منهم هذه الروح الانهزامية فقال لهم :

هذا أوّل الوهن (١) .

أجل إنّ هذا أوّل الوهن وآخره ، فقد تنازلوا للقرشيّين وشاركوهم في الأمر في حين أنّ الساحة قد خلت من كلّ قرشي ، وقد دلّ هذا على عدم نضوجهم السياسي وعدم عمقهم ، فإنّهم قد أحاطوا مؤتمرهم بكثير من الكتمان ليسبقوا الأحداث ويظفروا بالحكم قبل أن يعلم المهاجرون من قريش ، فقد ظلّوا قابعين في هذا الصراع الفارغ فأضاعوا عليهم الفرصة ، فقد دهمهم المهاجرون وسيطروا على

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٢.

١٠٧

الوضع ، واستلموا الحكم بمهارة فائقة كما سنبيّن ذلك.

اختلاف الأنصار :

وشيء بالغ الأهميّة في انهزام الأنصار وعدم سيطرتهم على الموقف هو ما منوا به من الصراع القبلي بين الأوس والخزرج ، فقد كانت بينهما أحقاد وضغائن منذ عهد بعيد ، وشاعت بينهما الفتن والحروب ، وكان آخر أيام حروبهم هو ( يوم بغاث ) وكان ذلك قبل أن يهاجر النبيّ ٦ إليهم ، ولمّا حلّ في ديارهم جهد على نشر المحبّة والوئام فيما بينهم ، ولكن لم تزل الأحقاد كامنة في نفوسهم ، وقد ظهرت بشكل سافر يوم السقيفة ، فإنّه حينما عزموا على مبايعة سعد حقد عليه خضير بن أسيد زعيم الأوس ، فقال لقومه :

لئن ولّيتموها ـ أي الخلافة ـ سعدا عليكم مرّة واحدة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر (١) .

وحكى ذلك مدى الحقد المستحكم في نفوس الأوس للخزرج ، فإنّ سعدا إذا ولي الحكم مرّة واحدة تكون له فضيلة على الأوس وتفوّق عليهم ، وفعلا فقد انبرى مع قومه فبايع أبا بكر ولولاه لما تمّ الأمر له.

ومضافا إلى الأحقاد بين الأوس والخزرج إنّ بعض أبناء الخزرج الذين هم من أسرة سعد كانوا يحقدون عليه ، فهذا بشير بن سعد الخزرجي انبرى فبايع أبا بكر.

فذلكة عمر :

وشيء خطير بالغ الأهمّية قام به عمر لتجميد الأوضاع وإيقاف أيّة عملية تؤدّي إلى انتخاب خليفة على المسلمين ، فإنّ صاحبه أبا بكر لم يكن في يثرب عند

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٤.

١٠٨

وفاة النبيّ ٦ وإنّما كان في السنح (١) ، فبعث خلفه من يأتي به على وجه السرعة ، وانطلق عمر وهو يجوب في شوارع المدينة ، وقد شهر السيف ويلوّح به وينادي بصوت عال :

إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله ٦ قد مات ، والله! ما مات ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران والله ليرجعنّ رسول الله ٦ فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممّن أرجفوا بموته ...

وجعل لا يمرّ بأحد يقول مات رسول الله إلاّ خبطه بسيفه وتهدّده وتوعّده (٢) .

وذهل الناس وساورتهم موجات من الشكوك والأوهام ، فلا يدرون أيصدّقون مزاعم عمر بحياة النبيّ وأنّه لم يمت وهي من أعزّ أمانيهم ، ومن أروع أحلامهم ، أم يصدّقون ما عاينوه من جثمان النبيّ ٦ وهو مسجّى بين أهله لا حراك فيه.

ويستمرّ عمر يجول في الأزقّة والشوارع وهو يبرق ويرعد حتى أزبد شدقاه ، وهو يتهدّد بقتل من أرجف بموت النبيّ وبقطع يده ، ولم يمض قليل من الوقت حتى أقبل أبو بكر فانطلق معه إلى بيت النبيّ فكشف الرداء عن وجهه فتحقّق من وفاته ، فخرج إلى الناس وأخذ يفنّد مزاعم عمر ، وخاطب الجماهير التي أخرسها الخطب وذهلها المصاب قائلا :

من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، وتلا قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ

__________________

(١) السنح : محل يبعد عن المدينة بميل ، وقيل : هو أحد عواليها ، ويبعد عنها بأربعة أميال.

(٢) حياة الإمام الحسين بن علي ٨ ١ : ٢٤١ ، نقلا عن شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد.

١٠٩

ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) وصدق عمر بسرعة مقالته ، وراح يقول : فو الله ما هو إلاّ إذا سمعتها فعقرت حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي ، وقد علمت أنّ رسول الله ٦ قد مات (٢) .

نظرة وتأمّل :

ولم تكن الحادثة بسيطة وساذجة ، فقد حفّت بالغموض ويواجهها عدّة من التساؤلات وهي :

١ ـ إنّ القرآن الكريم أعلن بصراحة ووضوح أنّ كلّ إنسان لا بدّ أن يسقى كأس المنية ، سواء أكان نبيّا أم غيره ، قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) (٣) ، وقال تعالى في خصوص نبيّه : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) .

وهذه الآيات الكريمة تتلى في وضح النهار وفي غلس الليل ، فهل خفيت على أبي حفص ولم يسمعها ، وهو يصاحب رسول الله ٦ ويماسيه ، ويسمع منه ما يتلوه من كتاب الله.

٢ ـ إنّ عمر بالذات كان متفائلا بموت النبيّ ٦ ، فقد قال لاسامة بن زيد

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٢١٩.

(٣) العنكبوت : ٥٧.

١١٠

حينما ولاّه النبيّ على الجيش الذي فيه عمر وأبو بكر : مات رسول الله وأنت عليّ أمير ، وهذا يدلّ بوضوح على أنّه كان مطمئنّا بوفاته ، مضافا إلى أنّ النبيّ ٦ في أيامه الأخيرة قبل مرضه وبعده قد نعى نفسه إلى المسلمين.

٣ ـ إنّ عمر هو الذي حال بين النبيّ ٦ وبين ما رامه من الكتابة التي ضمن فيها أن لا تضلّ امّته في جميع الأحقاب والآباد ، فقال له : حسبنا كتاب الله ، وقال :

إنّ النبيّ يهجر ، ومن المؤكّد انّه إنّما قال ذلك بعد الاعتقاد بوفاته ، ولو كان يحتمل أنّ النبيّ لا يموت في مرضه لما قال ذلك.

٤ ـ إنّ سكوت عمر وهدوء ثورته الجامحة حينما جاء أبو بكر وأعلن وفاة النبيّ ، فصدّقه ولم يناقشه ، فإنّه يقضي على اتّفاق مسبق بينهما في ذلك.

٥ ـ إنّ حكم عمر بأنّ رسول الله ٦ سوف يرجع إلى الأرض ويقطع أيدي رجال وأرجلهم ممّن ارجفوا بموته لا يخلو من مناقشة ، فإنّ تقطيع الأيدي والأرجل والحكم بالاعدام إنّما هو على الذين يخرجون عن دين الله أو يسمعون في الأرض فسادا ، والذهاب إلى موت الرسول لا يوجب ذلك قطعا.

٦ ـ إنّ حكم أبي بكر بأنّ من كان يعبد محمّدا فإنّه قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت لا يخلو من النظر ؛ لأنّه لم يؤثر عن أي أحد من المسلمين أنّه كان يعبد محمّدا واتّخذه ربّا يعبده من دون الله ، وإنّما أجمع المسلمون على أنّه عبد الله ورسوله اختاره الله لوحيه ، واصطفاه لرسالته ..

هذه بعض الملاحظات التي تحوم حول هذه الحادثة ، وقد ذكرناها في كتابنا ( حياة الإمام الحسين ٧ ).

مداهمة الأنصار :

وبينما كان الأنصار في سقيفتهم يدبّرون أمرهم ويتداولون الرأي في شئون

١١١

الخلافة ويحدّدون موقفهم من المهاجرين من قريش إذ خرج من مؤتمرهم ـ وهم لا يشعرون ـ عويم بن ساعدة الأوسي ، ومعن بن عدي حليف الأنصار ، وكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول الله ٦ ومن أعضاء حزبه ، كما كانا من ألدّ أعداء سعد ، فانطلقا مسرعين صوب أبي بكر ، وأحاطاه علما بما جرى ، وفزع أبو بكر وعمر وسارعا نحو السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وجماعة من المهاجرين ، فكسبوا الأنصار في ندوتهم ، وذعر الأنصار وأسقط ما بأيديهم ، وغاض لون سعد وخاف من خروج الأمر منهم ، وذلك لعلمه بضعف الأنصار وتصدّع وحدتهم ، وفعلا فقد فشل سعد وانهارت جميع مخطّطاته.

خطاب أبي بكر :

وبعد أن داهم المهاجرون ندوة الأنصار أراد عمر أن يفتح الحديث معهم فنهره أبو بكر ، وذلك لعلمه بشدّته ، وهي لا تنجح في مثل هذا الموقف الملبّد بالضغائن والأحقاد ، الأمر الذي يستدعي الكلمات الناعمة لكسب الموقف ، فانبرى أبو بكر فخاطب الأنصار وقابلهم ببسمات فيّاضة بالبشر قائلا :

نحن المهاجرين أوّل الناس إسلاما ، وأكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأمسّهم برسول الله ٦ .

وأنتم اخواننا في الإسلام ، وشركاؤنا في الدين ، نصرتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تدين العرب إلاّ لهذا الحيّ من قريش ، فلا تنفسوا على اخوانكم المهاجرين ما فضّلهم الله به ، فقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعنى عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجرّاح (١) ـ.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٦٢.

١١٢

دراسة وتحليل :

ومني خطاب أبي بكر بكثير من التساؤلات ، كان منها ما يلي :

١ ـ إنّه لم يعن بصورة مطلقة بوفاة النبيّ ٦ التي هي أعظم كارثة مدمّرة فجع بها المسلمون ، فكان الأجدر به ـ فيما يقول المحقّقون ـ أن يعزّي الحاضرين بوفاة المنقذ العظيم الذي برّ بدين العرب ودنياهم ، ويدعوهم إلى الالتفاف حول جثمانه حتى يواروه في مقرّه الأخير ، ويعودوا بعد ذلك إلى عقد مؤتمر عامّ يضمّ المسلمين لينتخبوا عن إرادتهم وحرّيتهم من يرضونه خليفة لهم ـ على فرض أنّ رسول الله ٦ لم يعهد إلى الإمام ٧ بولاية العهد ـ.

٢ ـ إنّ هذا الخطاب قد حفل أوّلا وأخيرا بطلب الامرة والسلطان ، وقد عرض أبو بكر على الأنصار التنازل عن الخلافة ومنحها للمهاجرين ومنّاهم عوض ذلك أن تكون لهم الوزارة ، إلاّ أنّه من المؤسف لمّا تمّ له الأمر لم يقلّدهم أي منصب من مناصب الدولة وأقصاهم عن جميع مراتب الحكم.

٣ ـ وتجاهل خطاب أبي بكر بالمرّة حقّ الاسرة النبوية التي هي عديلة القرآن ، أو كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى ، حسبما تواترت الأخبار بذلك عن النبيّ ٦ .

وكان الأجدر بأبي بكر التريث بالأمر حتى يتمّ تجهيز النبيّ ٦ ، ويؤخذ رأي عترته الطاهرة في الخلافة حتى تحمل طابعا شرعيا ، ولا يحدث انقسام بين صفوف المسلمين ، ولا توصم بيعته بأنّها فلتة وقى الله المسلمين شرّها ـ كما يقول عمر ـ ، وعلّق الإمام شرف الدين على إهمال العترة الطاهرة وعدم أخذ رأيّها في بيعة أبي بكر بقوله :

لو فرض أنّ لا نصّ بالخلافة على أحد من آل محمّد ٦ ، وفرض كونهم غير

١١٣

مبرزين في حسب أو نسب أو أخلاق أو جهاد أو علم وعمل أو ايمان أو إخلاص ، ولم يكن لهم السبق في مضامير كلّ فضل ، بل كانوا كسائر الصحابة ، فهل كان مانع شرعي أو عقلي أو عرفي يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول الله ٦ ، ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقّتا حتى يستتبّ أمر الخلافة.

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين وهم وديعة النبيّ لديهم ، وبقيّته فيهم ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (١) ؟

أليس من حقّ هذا الرسول الذي يعزّ عليه عنت الامّة ، ويحرص على سعادتها وهو الرءوف بها الرحيم لها أن لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به ، والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر (٢) .

٤ ـ إنّ الحجّة التي استند إليها أبو بكر في أحقّية المهاجرين للخلافة هي أنّهم أمسّ الناس رحما برسول الله ٦ ، وأقربهم إليه ، وبهذه الحجّة تغلّب على الأنصار ، وممّا لا ريب فيه أنّ هذا الملاك متوفّر في أهل البيت فهم ألصق الناس به ، وأمسّهم رحما به ، و قد عرض لذلك الإمام أمير المؤمنين ٧ بقوله :

احتجّوا بالشّجرة ، وأضاعوا الثّمرة .

وأثر عنه أنّه خاطب أبا بكر بقوله :

فإن كنت بالشّورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) النصّ والاجتهاد : ٧.

١١٤

وقال الإمام ٧ في حديث له :

« والله! إنّي لأخوه ـ أي أخو النبيّ ـ ، ووليّه ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، فمن هو أحقّ به منّي ...؟ ».

والتفت المتكلّمون من الشيعة إلى هذه الجهة ، يقول الكميت في إحدى روائعه :

بحقّكم أمست قريش تقودنا

وبالقذّ منها والرديفين نركب

وقالوا ورثناها أبانا وأمّنا

وما ورثتهم ذاك أمّ ولا أب

يرون لهم فضلا على الناس واجبا

سفاها وحقّ الهاشميّين أوجب (١)

وعلى أي حال فقد أعرض القوم عن أهل البيت عامدين أو غير عامدين ، فواجهت الامّة منذ ذلك اليوم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها أعنف المشاكل وأقسى ألوان الخطوب.

٥ ـ إنّ أبا بكر في خطابه رشّح لقيادة الامّة عمر وأبا عبيدة بن الجراح ، وكان ذلك منه التفاتة بارعة ، فقد جرّد نفسه من الأطماع السياسية ، وغزا نفوس الأنصار ، وملك عواطفهم ومشاعرهم ، وقد أجابه عمر بلباقة :

لا يكون هذا وأنت حيّ ، ما كان أحد ليؤخّرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله ٦ ...

وعلّق بعض المحقّقين على مقالة عمر بقوله : لا نعلم متى أقامه رسول الله ٦ ، أو دلّل عليه ، وقد كان مع بقيّة المهاجرين جنودا في سرية أسامة ، ولو كان قد رشّحه للخلافة لأقامه معه في يثرب ، وما أخرجه إلى ساحات الجهاد.

__________________

(١) الهاشميات : ٣١ ـ ٣٣.

١١٥

هذه بعض الملاحظات التي تواجه خطاب أبي بكر.

فوز أبي بكر بالحكم :

وكسب الموقف أبو بكر في خطابه السالف الذي أثنى فيه على الأنصار ، فقد منّاهم بالوزارة ، وأزال ما في نفوسهم ما كانوا يحذرونه من استبداد المهاجرين بالحكم ، إلاّ أنّ بعض الأنصار شجب البيعة لأبي بكر ، فردّ عليه عمر بعنف قائلا :

هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله! لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وولي امورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى الحجّة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمّد وامارته ونحن أولياؤه وعشيرته؟ إلاّ مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورّط في هلكة ..

وليس في هذا الكلام شيء جديد سوى أنّ المهاجرين من قريش أولى بالرسول لأنّهم من أسرته القرشية ، وإذا أخذوا الحكم بهذه الحجّة وسيطروا على الموقف بها فإنّ عليّا أولى لأنّه من صميم الاسرة النبوية بالاضافة إلى جهاده وجهوده في سبيل الإسلام ، يقول الأستاد محمّد الكيلاني :

إنّه احتجّ عليهم ـ أي على آل النبيّ ـ بقرابة المهاجرين للرسول ، ومع ذلك فقد كان واجب العدل يقضي بأن تكون الخلافة لعليّ بن أبي طالب ما دامت القرابة اتّخذت سندا بحيازة ميراث الرسول ، لقد كان العبّاس أقرب الناس إلى النبيّ ، وكان أحقّ الناس بالخلافة ، ولكنّه تنازل بحقّه هذا لعليّ ، فمن هنا صار لعليّ الحقّ وحده في هذا المنصب (١) .

وعلى أي حال فإنّ عمر لم ينته من كلامه حتى ردّ عليه الحبّاب بقوله :

__________________

(١) أثر التشيّع في الأدب العربيّ : ٥.

١١٦

يا معشر الأنصار ، املكوا عليكم أمركم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليهم هذه الامور ، فأنتم ـ والله! ـ أحقّ بهذا الأمر منهم ؛ فإنّه بأسيافكم ، دان الناس لهذا الدين من دان ممّن لم يكن يدين ، أنا جذيلها المحك ، وعذيقها المرجب ، أنا شبل في عرينة الأسد والله! لو شئتم لنعيدنها جذعة ، والله! لا يرد أحد عليّ ما أقول إلاّ حطّمت أنفه بالسيف ».

وحفل هذا الخطاب بالعنف والتهديد ، والدعوة إلى الحرب ، وإجلاء المهاجرين ـ الذين لا يتجاوز عددهم الأصابع ـ عن يثرب ، كما حفل بالاعتزاز بنفس المتكلّم والافتخار بشجاعته ، وردّ عليه عمر بغيظ قائلا :

إذا يقتلك الله ...

فردّ عليه الحبّاب :

بل إيّاك يقتل ..

وخاف أبو بكر من تطوّر الأحداث فهدأ الموقف وبادر أعضاء حزبه بسرعة خاطفة فبايعوه ، وكان أوّل من بايعه عمر وبشير وأسيد بن خضير وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة ، وكان من أشدّهم حماسا واندفاعا لبيعته عمر وخالد بن الوليد ، واشتدّ هؤلاء في حمل الناس وإرغامهم على مبايعة أبي بكر ، وجعل عمر يجول ويصول ويدفع الناس دفعا إلى البيعة ، ومن أبى علاه بدرته ، وسمع الأنصار يقولون :

قتلتم سعدا ...

فاندفع يقول بعنف :

اقتلوه قتله الله ، فإنّه صاحب فتنة ..

١١٧

وكادوا يقتلون سعدا ، وهو مزمن وجع ، وحمل إلى داره وهو وجع قد انهارت آماله وتبدّدت أحلامه وضاعت أمانيه.

وانتهت البيعة لأبي بكر بهذه السرعة ، فأقبل به حزبه يزفّونه إلى مسجد رسول الله ٦ زفاف العروس إلى بيت زوجها (١) ، وقد علا منهم التكبير والتهليل ، وكان النبيّ ٦ مسجّى في فراش الموت لم يغيبه عن عيون القوم مثواه ، وقد انشغل الإمام أمير المؤمنين ٧ بتجهيزه ، ولمّا علم بيعة أبي بكر تمثّل بقول القائل :

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا

ويطغون لما غال زبد غوائل (٢)

وعلى أي حال لقد تمّت البيعة لأبي بكر بهذه الكيفيّة التي اهمل فيها رأي الاسرة النبوية ورأي خيار الصحابة أمثال الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وسلمان الفارسي وغيرهم من أعلام الإسلام.

هزيمة الأنصار :

وأفل نجم الأنصار وانهارت قواهم ، وعراهم الذلّ والهوان ، وقد حكى حسّان ابن ثابت خيبة آمالهم بقوله :

نصرنا وآوينا النبيّ ولم نخف

صروف الليالي والبلاء على وجل

بذلنا لهم أنصاف مال أكفّنا

كقسمة أبسار الجزور من الفضل

فكان جزاء الفضل منّا عليهم

جهالتهم حمقا وما ذاك بالعدل (٣)

وتعرّضت الأنصار للمحن والخطوب في كثير من عهود الخلفاء والملوك ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٢ : ٨.

(٢) المصدر السابق : ٥.

(٣) المصدر السابق ٦ : ١٠ ـ ١١.

١١٨

وكان ذلك جزاء ما اقترفوه في حقّ العترة الطاهرة ، فهم الذين فتحوا الباب لظلمهم والاعتداء عليهم.

ابتهاج القرشيّين :

وابتهجت الاسر القرشية بحكومة أبي بكر واعتبرته فوزا ساحقا لهم ، وقد عبّر عن مدى فرحها وسرورها أبو عبرة القرشي بقوله :

شكرا لمن هو للثّناء حقيق

ذهب اللجاج وبويع الصدّيق

من بعد ما زلّت بسعد نعله

ورجا رجاء دونه العيّوق

إنّ الخلافة في قريش ما لكم

فيها وربّ محمّد معروق (١)

وحكى هذا الشعر سرور القرشيّين البالغ بحرمان الأنصار من الخلافة ، كما أظهر عمرو بن العاص سروره وفرحه ببيعة أبي بكر ، ولم يكن في يثرب وإنّما كان في سفر له ، فلمّا قدم وسمع بالبيعة قال :

قل لأوس إذا جئتها

وقل إذا ما جئت للخزرج

تمنّيتم الملك في يثرب

فأنزلت القدر لم تنضج (٢)

لقد عمّت الفرحة الكبرى جميع القرشيّين ببيعة أبي بكر ، فقد تخلّصوا من حكومة الأنصار وحكومة الاسرة النبوية.

موقف أبي سفيان :

وأعلن أبو سفيان معارضته لحكومة أبي بكر ، ومضى إلى الإمام ٧ يحفّزه على فتح باب الحرب على أبي بكر ، ويعده بنصره إن نهض لاسترداد حقّه يقول له :

__________________

(١) الموفّقيات : ٨٠. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ٨.

١١٩

إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من اموركم. أين المستضعفان؟

أين الأذلاّن عليّ والعبّاس؟ ..

ما بال الأمر في أقلّ حيّ من قريش؟ ثمّ قال للإمام :

ابسط يدك ابايعك ، فو الله! لئن شئت لأملأنّها عليه خيلا ورجالا ، وتمثّل بشعر المتلمّس :

ولن يقيم على خسف يراد به

إلاّ الأذلاّن عير الحيّ والوتد

هذا على الخسف مربوط برمّته

وذا يشجّ فلا يبكي له أحد

وقال أبو سفيان :

وأضحت قريش بعد عزّ ومنعة

خضوعا لتيم لا بضرب القواضب

فيا لهف نفسي للذي ظفرت به

وما زال منها فائزا بالرغائب (١)

ولم يكن موقف أبي سفيان متّسما بالإخلاص والولاء للإمام ، فهو العدوّ الأوّل للإسلام وللمسلمين ، ولم تكن تخفى على الإمام دوافعه ، فلم يستجب له ونهره وأغلظ له في القول قائلا :

« والله! ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك والله! طالما بغيت للإسلام شرّا ، لا حاجة لنا في نصيحتك » (٢) .

وراح أبو سفيان يشتدّ لإثارة الفتنة بين المسلمين ، ويدعو الإمام إلى إعلان الثورة على حكومة أبي بكر ، وكان ينشد هذه الأبيات :

__________________

(١) الأغاني ٦ : ٣٥٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ما أراك إلّا قد جمعت خيانةً وغشّاً للمسلمين »(١) .

مسالة ٦٨٢ : إذا قال له إنسان : اشتر لي ، فلا يعطه(٢) من عنده وإن كان الذي عنده أجود ، لأنّه إنّما أمره بالشراء ، وهو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال لك الرجل : اشتر لي ، فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيراً منه »(٣) .

وسأل إسحاقُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا ، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال : « لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً )(٤) وإن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده »(٥) .

مسالة ٦٨٣ : إذا قال التاجر لغيره : هلمّ أحسن إليك‌ ، باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أحسن بيعك ، يحرم عليه الربح »(٦) .

ويكره الربح على المؤمن ، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٦١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٥.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فلا يعطيه ».

(٣) الكافي ٥ : ١٥١ - ١٥٢ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٨ ، و ٧ : ٦ - ٧ / ١٩.

(٤) الأحزاب : ٧٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧٤ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢١.

١٨١

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم »(١) .

وينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس ، والجاهل بمنزلة البصير المذاقّ.

قال قيس : قلت للباقرعليه‌السلام : إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره ، فقال : « إن ولّيت أخاك فحسن ، وإلاّ فبع بيع البصير المذاق »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده بيع وسعّره سعرا معلوما ، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده » قال : « لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه ويماكسه(٣) ويمنعه مَنْ لا يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعاً واحداً »(٤) .

مسالة ٦٨٤ : يستحبّ إذا دخل السوق الدعاءُ وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا دخلت سوقك فقُلْ : اللّهمّ إنّي أسألك من خيرها وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يُعتدى عليَّ ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس وجنوده وشرّ فسقة العرب والعجم ، وحسبي الله‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٩ / ٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٧ / ٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ / ١٩ عن ميسّر عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) في المصدر : « كايسه » بدل « ماكسه ».

(٤) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٥.

١٨٢

الذي لا إله إلّا هو عليه توكّلت ، وهو ربّ العرش العظيم »(١) .

وإذا اشترى المتاع ، قال ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اشتريت شيئاً من متاع أو غيره فكبّر ، ثمّ قُلْ : اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك ، فاجعل فيه فضلاً ، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك ، فاجعل لي فيه رزقاً ، ثمّ أعد على(٢) كلّ واحدة ثلاث مرّات »(٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « وإذا أراد أن يشتري شيئاً قال : يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رؤوف يا رحيم ، أسألك بعزّتك وقدرتك وما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقاً وأوسعها فضلاً وخيرها عاقبةً فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له » قال الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت دابّةً أو رأساً فقُلْ : اللّهمّ ارزقني أطولها حياةً وأكثرها منفعةً وخيرها عاقبةً »(٤) .

مسالة ٦٨٥ : ينبغي له إذا بُورك له في شي‌ء من أنواع التجارة أو الصناعة أن يلتزم به. وإذا تعسّر عليه فيه رزقه ، تحوّل إلى غيره.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا رزقت في(٥) شي‌ء فالزمه »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئاً فليتحوّل إلى غيرها »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٢.

(٢) كلمة « على » لم ترد في الكافي.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩ - ١٠ / ٣٤.

(٥) في الفقيه والتهذيب : « من » بدل « في ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب لزوم ما ينفع من المعاملات ) الحديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٠٤ / ٤٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٦٠.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ / ٥٩.

١٨٣

وينبغي له التساهل والرفق في الأشياء.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بارك الله على سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء »(١) .

مسالة ٦٨٦ : يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لمالِه أن يتناول اُجرة المثل‌ ؛ لأنّه عمل يستحقّ عليه اُجرة ، فيساوي(٢) اليتيم غيره.

وسأل هشامُ بن الحكم الصادقَعليه‌السلام فيمن تولّى مال اليتيم مالَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك »(٣) .

ويستحبّ له التعفّف مع الغنى ، قال الله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٤) .

مسالة ٦٨٧ : يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابنُ سنان الكاظمَعليه‌السلام عن الإجارة ، فقال : « صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته ، فقد آجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط فقال : إن شئت ثماني وإن شئت عشراً ، وأنزل الله عزّ وجلّ فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (٥) »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادقعليه‌السلام ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٩.

(٢) في « ي » وظاهر « س » : « فساوى ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٤) النساء : ٦٠.

(٥) القصص : ٢٧.

(٦) الكافي ٥ : ٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٦ / ٤٤٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٨.

١٨٤

قال : قلت له : الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اُعطي ما يصيب في تجارته ، فقال : « لا يواجر نفسه ، ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق »(١) لأنّه محمول على الكراهة ، لعدم الوثوق بالنصح(٢) .

وأقول : لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد ، فإنّ التجارة أولى ؛ لما فيها من توسعة الرزق ، وقد نبّهعليه‌السلام في الخبر عليه. ولأنّه قد روي « أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منها(٣) في التجارة ، والباقي في سائر الأجزاء(٤) »(٥) .

مسالة ٦٨٨ : يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب‌ ، ولا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج : قلت للباقرعليه‌السلام : أصلحك الله ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلمـّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال : « احمل إليهم فإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمَنْ حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ذيل الحديث ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ذيل الحديث ١٧٨.

(٣) في « س ، ي » : « منه ».

(٤) كذا قوله : « في سائر الأجزاء ». ونصّ الرواية في المصدر هكذا : « الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها ».

(٥) الكافي ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ٥٩ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٠.

(٦) الكافي ٥ : ١١٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ / ١٨٩.

١٨٥

وقال حكم السرّاج للصادقعليه‌السلام : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج »(١) .

وقال السرّاد للصادقعليه‌السلام : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة »(٢) .

ويجوز بيع ما يُكنّ من النبل لأعداء الدين ؛ لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادقَعليه‌السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : « بِعْهما ما يكنّهما ، الدرع والخُفّين ونحو هذا»(٣) .

مسالة ٦٨٩ : يجوز الأجر على الختان وخفض الجواري.

قال الصادقعليه‌السلام : « لمـّا هاجرن النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها : أمّ حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلمـّا رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا اُمّ حبيب ، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله إلّا أن يكون حراماً فتنهاني عنه ، قال : لا ، بل حلال فاُدْني منّي حتى اُعلّمك ، فدنت منه ، فقال : يا اُمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تَنْهكي ، أي لا تستأصلي ، وأشمّي فإنّه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ».

قال : « وكانت لاُمّ حبيب اُخت يقال لها : اُمّ عطيّة ماشطة ، فلمـّا‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٧ ، وفي الكافي ٥ : ١١٢ / ١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١١٣ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ - ٥٨ / ١٨٨.

١٨٦

انصرفت اُمّ حبيب إلى اُختها أخبرتها بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبلت اُمّ عطيّة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما قالت لها اُختها ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُدني منّي يا اُمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه »(١) .

مسالة ٦٩٠ : يكره كسب الإماء والصبيان.

قال الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلّا أمة قد عُرفت بصنعة يد ، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق»(٢) .

ويكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته ؛ لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى اُمور الآخرة.

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ بات ساهراً في كسب ولم يعط العين حظَّها من النوم فكسبه ذلك حرام »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت »(٤) .

وهو محمول على الكراهة الشديدة ، أو على التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسالة ٦٩١ : يجوز بيع عظام الفيل واتّخاذ الأمشاط وغيرها منها‌ ؛ لأنّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها ؛ للمقتضي للجواز ، السالم عن المانع.

ولأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظمَعليه‌السلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٠٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٨.

١٨٧

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : « لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط »(١) .

وكذا يجوز بيع الفهود وسباع الطير.

سأل عيصُ بن القاسم - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم »(٢) .

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع »(٣) .

وفي الطريق قول ، فالأولى الكراهة.

ودخل إلى الصادقعليه‌السلام رجل فقال له : إنّي سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : « مدبوغة هي؟» قال : نعم ، قال : « ليس به بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٢ : لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الهديّة على ثلاثة وجوه : هديّة مكافأة ، وهديّة مصانعة ، وهديّة لله عزّ وجلّ »(٥) .

وروى إسحاق بن عمّار قال : قلت له : الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها ولا اُعطيه شيئاً أتحلّ لي؟ قال : « نعم ، هي لك حلال ولكن لا تدع أن تعطيه »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٦ ، و ٧ : ١٣٤ / ٥٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٣٥ / ٥٩٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٣ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٢.

١٨٨

وقال محمّد بن مسلم : « جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة »(١) .

وهي مستحبّة مرغَّبٌ فيها ؛ لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها »(٢) .

وقبولها مستحبّ ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه قال : « لو اُهدي إليَّ كراع لقبلت »(٣) .

ولو أهدي إليه هديّة طلباً لثوابها فلم يثبه ، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقيةً ؛ لما رواه عيسى بن أعين قال : سألت الصادقَعليه‌السلام عن رجل أهدى إلى رجل هديّة وهو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك وأصاب الرجل هديّته بعينها ، أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال : « لا بأس أن يأخذه »(٤) .

مسالة ٦٩٣ : لا يجوز عمل التماثيل والصور المجسّمة. ولا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل ، كالفراش وشبهه ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّما(٥) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها ، قال : « لا بأس بما يبسط منها ويفرش ويوطأ ، وإنّما يكره منها ما نُصب على الحائط وعلى السرير »(٦) .

مسالة ٦٩٤ : يجوز لمن أمره غيره بشراء شي‌ء أن يأخذ منه على ذلك‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٣ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٤ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٦.

(٥) كذا في المصدر والطبعة الحجريّة ، وفي « س ، ي » : « إنّا » بدل « إنّما ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٢.

١٨٩

الجُعْل ؛ لأنّه فعل مباح.

ولما رواه ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا حاضر ، فقال : ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم ونجعل له جُعْلاً ، فقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به »(١) .

مسالة ٦٩٥ : لا بأس بالزراعة ، بل هي مستحبّة.

روى سيابة أنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام : أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فقال : « ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه ، والله لنزرعنّ الزرع ولنغرسنّ(٢) غرس النخل بعد خروج الدجّال »(٣) .

وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقرَعليه‌السلام (٤) عن الفلّاحين ، فقال : « هُم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيّاً إلّا زارعاً ، إلّا إدريسعليه‌السلام فإنّه كان خيّاطاً »(٥) .

مسالة ٦٩٦ : يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك‌ ، وإلّا حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه : رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ، ويشارطونه على شي‌ء مسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن ، هل يحلّ له أن يأخذ منهم؟ فوقّععليه‌السلام « إذا واجر(٦)

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٤.

(٢) في « ي » والطبعة الحجريّة والكافي : « ليزرعنّ ليغرسنّ ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥ / ١١٣٩.

(٤) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي المصدر : « يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٨.

(٦) في المصدر : « آجر ».

١٩٠

نفسه بشي‌ء معروف أخذ حقّه إن شاء الله »(١) .

مسالة ٦٩٧ : يكره بيع العقار إلّا لضرورة.

قال أبان بن عثمان : دعاني الصادقعليه‌السلام فقال : « باع فلان أرضه؟ » فقلت : نعم ، فقال: « مكتوب في التوراة أنّه مَنْ باع أرضاً أو ماءً ولم يضعه في أرض وماء ذهب ثمنه محقاً »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق »(٣) .

وقال مسمع للصادقعليه‌السلام : إنّ لي أرضاً تُطلب منّي ويرغّبوني ، فقال لي : « يا أبا سيّار أما علمت أنّه مَنْ باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباءً » قلت : جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت ، فقال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٨ : يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد‌ ؛ لأنّه قد صار ملكاً للبائع بالعقد ، فيندرج تحت قوله تعالى :( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (٥) .

وروى إبراهيم الكرخي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : اشتريت للصادقعليه‌السلام جاريةً فلمـّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم ، قال : « لا ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة»(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٩١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ / ١١٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ٩٢ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٧ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٩٢ / ٨.

(٥) هود : ٨٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب الاستحطاط بعد الصفقة ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٣.

١٩١

قال الشيخ : إنّه محمول على الكراهة(١) ؛ لما روى معلّى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع ، قال : « لا بأس به » وأمرني فكلّمت له رجلاً في ذلك(٢) .

وعن يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يستوهب من الرجل الشي‌ء بعد ما يشتري فيهب له ، أيصلح له؟ قال : « نعم »(٣) .

وكذا في الإجارة. روى عليّ أبو الأكراد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة وفيه النقش فاُشارط النقاش على شي‌ء فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة ، فإذا بلغ الحساب قلت له : أحسن ، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه ، قال : « بطيب نفسه؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٩ : أصل الأشياء الإباحة إلّا أن يُعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « كلّ شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو حلال لك أبداً حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قِبَل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حُرٌّ قد باع نفسه أو خُدع فبِيع أو قُهر ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ذيل الحديث ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٣ - ٢٣٤ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢٠.

(٥) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٨.

١٩٢

ذلك أو تقوم به البيّنة »(١) .

مسالة ٧٠٠ : لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق‌ ، فإنّ علي بن بلال روى عن الحسين الجمّال قال : شهدت إسحاق بن عمّار وقد شدّ كيسه وهو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار ، فحلّ الكيس وأعطاه دراهم بدينار ، فقلت له : سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار ، فقال إسحاق بن عمّار : ما فعلت هذا رغبة في الدينار ، ولكن سمعت الصادقَعليه‌السلام يقول : « من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير »(٢) .

مسألة ٧٠١ : ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك الإسراف.

قال الباقرعليه‌السلام : « من علامات المؤمن ثلاث : حسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة ، والتفقّه في الدين » وقال : « ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [ لا ](٣) لدنياه ولا لآخرته »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ) (٥) قال : « ضمّ يده » فقال : « هكذا »( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) (٦) قال : « وبسط راحته » وقال : « هكذا »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة من السعادة : الزوجة الموافقة(٨) ، والأولاد البارّون ، والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه ويروح »(٩) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ٩٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣١١ / ٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ / ٩٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٢٨.

(٥ و ٦ ) الإسراء : ٢٩.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣١.

(٨) في المصدر : « المؤاتية » بدل « الموافقة ».

(٩) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٢ ، وفي الكافي ٥ : ٢٥٨ ( باب أنّ من السعادة ) الحديث ٢ بتفاوت يسير.

١٩٣

الفصل الثاني : في الشفعة

الشفعة مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعاً به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً بنصيب صاحبه.

وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ؛ لأنّ كلّ واحد من الموترين(١) يتقوّى بالآخَر.

وفي الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه ، المنتقلة عنه بالبيع ، أو حقّ تملّك قهري يثبت(٢) للشريك القديم على الحادث ، وليست بيعاً ، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

ولا بدّ في الشفعة من مشفوع - وهو المأخوذ بالشفعة ، وهو محلّها - ومن آخذٍ له ، ومن مأخوذ منه ، فهُنا مباحث :

البحث الأوّل : المحلّ.

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

واعلم أنّ أعيان الأموال على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الأراضي. وتثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف - إلّا من الأصمّ(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة فيما‌

____________________

(١) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة.

(٢) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

١٩٤

لم يقسم ، فإذا وقعت(١) الحدود فلا شفعة »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلّا لشريكٍ »(٣) .

احتجّ الأصمّ على قوله بنفي الشفعة في كلّ شي‌ء : بأنّ في إثباتها إضراراً بأرباب الأملاك ، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه ، لم يبتعه ، ويتقاعد الشريك بالشريك ، ويستضرّ المالك(٤) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم من الأخبار. وما ذكره غلط ؛ لأنّا نشاهد البيع يقع كثيراً ولا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. وأيضاً فإنّ له مدفعاً إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك ، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

وتثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شي‌ء من المنقولات ، ويوزّع الثمن عليهما بالنسبة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني : المنقولات‌ ، كالأقمشة والأمتعة والحيوانات ، وفيها لعلمائنا قولان :

أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا شفعة فيها - وبه قال الشافعي(٥) -

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وضعت » بدل « وقعت ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر ، وكذا تأتي الرواية أيضاً بعنوان « وقعت » في ص ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) الموطّأ ٢ : ٧١٣ / ١ ، التمهيد ٧ : ٣٧ - ٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٣ و ١٠٥ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٠٨ / ١١٩٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، =

١٩٥

لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا شفعة إلّا في رَبْعٍ أو حائط »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، ثمّ قال : لا ضرر ولا إضرار »(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في الحيوان شفعة »(٣) .

ولأنّ الأصل عدم الشفعة ، ثبت في الأراضي بالإجماع ، فيبقى الباقي على المنع.

والثاني لعلمائنا : تثبت الشفعة في كلّ المنقولات - وبه قال مالك في إحدى الروايات عنه(٤) - لما رواه العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الشفعة في كلّ شي‌ء »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره ، وإن زاد على‌

____________________

= العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٢ و ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٥ ، منهاج الطالبين : ١٥١.

(١) نصب الراية ٤ : ١٧٨ نقلاً عن البزار في مسنده.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ - ١١٨ / ٤١٩.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٢.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٦٥٤ / ١٣٧١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢٣ / ١١٢٤٤ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٢٥.

١٩٦

الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم »(١) .

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة ، وذلك حاصل فيما يُنقل.

والجواب : أنّ خبر العامّة وخبر الخاصّة معاً مرسلان ، وأخبارنا أشهر ، فيتعيّن العمل بها وطرح أخبارهم. والضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق ، وذلك يختصّ بالأرض دون غيرها ، فافترقا.

وقد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات :

روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه ، فيقول صاحبه : أنا أحقّ به ، أله ذلك؟

قال : « نعم إذا كان واحدا » فقيل : في الحيوان شفعة؟ فقال : « لا »(٢) .

وعن عبد الله بن سنان قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهم : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحداً »(٣) .

وعن مالك رواية اُخرى : أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة(٤) .

الثالث : الأعيان التي كانت منقولةً في الأصل ثمّ اُثبتت في الأرض للدوام‌ ، كالحيطان والأشجار ، وإن بيعت منفردةً ، فلا شفعة فيها على المختار ؛ لأنّها في حكم المنقولات ، وكانت في الأصل منقولةً ، وستنتهي‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ - ١٦٥ / ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٧٣٤ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٤١٤.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٢.

١٩٧

إليه وإن طال أمدها ، وليس معها ما تجعل تابعةً له ، وبه قال الشافعي(١) .

وحكى بعض أصحابه قولاً آخَر : أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض(٢) .

ولو بِيعت الأرض وحدها ، ثبتت الشفعة فيها ، ويكون الشفيع معه كالمشتري.

وإن بِيعت الأبنية والأشجار مع الأرض ، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض ، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ « الرّبع »(٣) وهو يتناول الأبنية ، وفي بعض أخبار الخاصّة : « والمساكن »(٤) وهو يتناول الأبنية أيضاً ، وفي بعضها : « الدار »(٥) وهو يتناول الجدران والسقوف والأبواب.

مسالة ٧٠٢ : الأثمار على الأشجار - سواء كانت مؤبَّرةً أو لا - إذا بِيعت معها ومع الأرض ، لا تثبت فيها الشفعة - وبه قال الشافعي(٦) - وكذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع ؛ لأنّها لا تدوم في الأرض.

وكذا الزروع الثابتة في الأرض ؛ لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة ، كالفدان(٧) الذي يعمل فيها ، وعكسه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (١).

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (٢).

(٥) راجع : الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١ ، والاستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٧) الفَدان : الذي يجمع أداة الثورين في القِران للحرث. لسان العرب ١٣ : ٣٢١ « فدن ».

١٩٨

البناء والشجر.

وقال الشيخ وأبو حنيفة ومالك : تدخل الثمار والزروع مع اُصولها ومع الأرض التي نبت الزرع بها(١) ؛ لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة ، فتثبت الشفعة فيها ، كالبناء والغراس(٢) .

ويمنع الاتّصال ، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

وفي الدولاب الغرّاف والناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله ، فكان كالبناء.

والأقرب : عدم الدخول.

ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسالة ٧٠٣ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات‌ ، ولا فرق بين أن تباع منفردةً أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

وعن مالك رواية ثالثة أنّها : إن بِيعت وحدها ، فلا شفعة فيها. وإن بيعت مع الأرض ، ففيها الشفعة ؛ لئلّا تتفرّق الصفقة(٣) .

والجواب : المعارضة بالنصوص.

ولو كانت الثمرة غير مؤبَّرة ، دخلت في المبيع شرعاً ، ولا يأخذها الشفيع ؛ لأنّها منقولة. ولأنّ المؤبَّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها ، وهو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت الزرع فيها » بدل « نبت الزرع بها ».

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٠ ، المسألة ١٥ ، المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ١٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ - ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣.

١٩٩

أحد قولي الشافعي. والآخَر : أنّها تدخل في الشفعة ؛ لدخولها في مطلق البيع(١) .

وعلى هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتى تأبّرت ، فوجهان للشافعيّة :

أظهرهما : الأخذ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بها ، وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

والثاني : المنع ؛ لخروجها عن كونها تابعةً للنخل.

وعلى هذا فبِمَ يأخذ الأرض والنخيل؟ وجهان :

أشبههما : بحصّتهما من الثمن كما في المؤبَّرة ، وهو مذهبنا.

والثاني : بجميع الثمن تنزيلاً له منزلة عيبٍ يحدث بالشقص(٢) .

ولو كانت النخيل حائلةً عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع ، فإن كانت مؤبَّرةً ، لم يأخذها. وإن كانت غير مؤبَّرة ، فعلى قولين(٣) .

وعندنا لا يأخذها ؛ لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع ، والشفعة ليست بيعاً.

وإذا بقيت الثمرة للمشتري ، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجّاناً.

وهذا إذا بِيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها ، أمّا إذا بيعت الأشجار ومغارسها لا غير ، فوجهان للشافعي ، وكذا لو باع الجدار مع الاُسّ :

أحدهما : أنّه تثبت الشفعة ؛ لأنّها أصل ثابت.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287