موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287
المشاهدات: 140696
تحميل: 4437


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140696 / تحميل: 4437
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إلاّ أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كفّ حازم

فإنّك بالأمر الذي يرتجى علي (1)

ومن المؤكّد أنّه لم تكن معارضة أبي سفيان ناشئة عن إيمان بحقّ الإمام وإخلاص له ، فإنّه بعيد عن ذلك كلّ البعد ، وإنّما كانت عواطف كاذبة أراد بها الكيد للإسلام والبغي عليه ، وتمزيق صفوف المسلمين ، ولذا أعرض الإمام عنه ولم يعر لكلامه أي اهتمام.

لقد كانت علاقة أبي سفيان بأبي بكر وثيقة للغاية ، فقد روى البخاري أنّ أبا سفيان اجتاز على جماعة من المسلمين فيهم أبو بكر وسلمان وصهيب وبلال فقال بعضهم :

أما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها؟

فزجرهم أبو بكر قائلا :

أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟

ومضى أبو بكر مسرعا إلى النبيّ 6 فأخبره بمقالة القوم في أبي سفيان ، فردّ عليه النبي قائلا : « يا أبا بكر ، لعلّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله » (2) .

ودلّت هذه البادرة على الصلة الوثيقة بينهما ، كما كانت الصلة وثيقة للغاية بين أبي سفيان وعمر ، فقد أفرد عمر غرفة في داره فرشها بأحسن فرش ، ولم يسمح

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 6 : 7.

(2) صحيح البخاري 2 : 362.

١٢١

لأحد بالدخول إليها إلاّ لأبي سفيان ، وقد سئل عن ذلك فقال : هذا شيخ قريش (1) .

وعلى أي حال فقد جهد أبو بكر في استمالة أبي سفيان وكسب عواطفه ، فقد استعمله عاملا على ما بين آخر الحجاز وآخر حدّ من نجران (2) ، كما عيّن ولده يزيد واليا على الشام ، ولم يعيّن أحدا من أعلام المسلمين واليا في هذا المكان الحسّاس ، ويقول المحلّلون للأخبار إنّ نجم بني أميّة قد علا في أيام حكومة أبي بكر.

موقف الإمام من بيعة أبي بكر :

وأجمع المؤرّخون والرواة على أنّ موقف الإمام تجاه بيعة أبي بكر كان متّسما بالكراهية وعدم الرضا ، فهو أحقّ بالخلافة وأولى بها من غيره ؛ لأنّه ألصق الناس برسول الله 6 ، بالاضافة إلى ما يتمتّع به من القابليات الفذّة والمواهب العظيمة التي لم تتوفّر بعضها في غيره ، وما كان يظنّ أنّ القوم يزعجون هذا الأمر ويخرجونه عنه ، فقد بادره عمّه العبّاس قائلا :

يا ابن أخي ، امداد يدك ابايعك فيقول الناس عمّ رسول الله 6 بايع ابن عمّ رسول الله فلا يختلف عليك اثنان ..

فردّ عليه الإمام : « من يطلب هذا الأمر غيرنا » (3) .

وعلّق الدكتور طه حسين عميد الأدب العربيّ على ذلك بقوله :

نظر العباس في الأمر فرأى ابن أخيه أحقّ منه بوراثة السلطان ؛ لأنّه ربيب النبيّ ، وصاحب السابقة في الإسلام ، وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 3 : 341.

(2) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 6 : 10 ـ 11. حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 253.

(3) الإمامة والسياسة 1 : 4.

١٢٢

كلّها ؛ ولأنّ النبيّ كان يدعوه أخاه حتى قالت له أمّ أيمن ذات يوم مداعبة : تدعوه أخاك وتزوّجه ابنتك؟ ولأنّ النبي قال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، وقال للمسلمين يوما آخر : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، من أجل ذلك أقبل العبّاس بعد وفاة النبيّ على ابن أخيه وقال له : ابسط يدك ابايعك (1) .

وعلى أي حال فإنّ الإمام امتنع عن بيعة أبي بكر ، وأعلن سخطه البالغ على ذلك في كثير من خطبه وكلماته.

امتناع الإمام من البيعة :

وأجمع رأي الجهاز الحاكم على ارغام الإمام وقسره على البيعة لأبي بكر ، فأرسلوا حفنة من الشرطة فأحاطت بداره ، وأمامهم عمر بن الخطّاب وهو يرعد ويبرق ويتهدّد ويتوعّد ، وبيده قبس من نار يريد أن يحرق بيت الوحي ، فخرجت إليه حبيبة الرسول وبضعته الصدّيقة الطاهرة الزهراء فصاحت به :

« ما الّذي جئت به يا ابن الخطّاب؟ ».

فأجابها بعنف : الذي جئت به أقوى ممّا جاء به أبوك (2) .

__________________

(1) علي وبنوه : 19.

(2) أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 10 ، وقد أجمع المؤرّخون والرواة على تهديد عمر للإمام بإحراق داره ، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

وقد نصّت على ذلك هذه المصادر : الإمامة والسياسة 1 : 12. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 1 : 34. تاريخ الطبري 3 : 202. تاريخ أبي الفداء 1 : 156. تاريخ اليعقوبي 2 : 105.

الأموال ـ أبو عبيد : 131. مروج الذهب 1 : 414. الإمام عليّ بن أبي طالب ـ عبد الفتّاح عبد المقصود 1 : 213. أعلام النساء 3 : 205.

١٢٣

وأخرج الإمام بعنف ، وجيء به إلى أبي بكر ، فصاح به حزبه :

بايع أبا بكر.

فأجابهم الإمام بحجّته الدامغة ـ وهو غير وجل من جبروتهم ـ قائلا :

« أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا ابايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ 6 ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد 6 منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة؟ وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّا وميّتا فانصفونا إن كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا بالظّلم وأنتم تعلمون » (1) .

وحكى هذا الخطاب الحجّة التي تغلّب بها المهاجرون من قريش على الأنصار ، وهي قربهم من النبيّ 6 ، فإنّها متوفّرة فيه على أكمل الصور والوجوه ، فهو ابن عمّ رسول الله 6 ، وأبو سبطيه ، وختنه على ابنته ، ولم يجد هذا المنطق الفيّاض مع القوم ، فاندفع عمر بعنف قائلا :

بايع.

« وإن لم أفعل؟ ».

والله! الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.

ونظر الإمام فإذا ليس له معين ولم يكن يأوي إلى ركن شديد ، فقال بصوت حزين النبرات :

« إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ».

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 256.

١٢٤

واندفع ابن الخطّاب بثورة قائلا :

أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا.

ونسى عمر أنّ الإمام أخو النبيّ وباب مدينة علمه ، والتفت إلى أبي بكر يحثّه على الوقيعة به قائلا :

ألا تأمر فيه بأمرك؟ ...

وخاف أبو بكر من الفتنة فقال :

لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جانبه ...

وانبرى أبو عبيدة بن الجرّاح ، وهو من أبرز أنصار أبي بكر فخاطب الإمام قائلا : يا ابن عمّ ، إنّك حدث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا واضطلاعا به ، فسلّم الأمر لأبي بكر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وسابقتك ونسبك وصهرك ....

وأثارت هذه المخادعة كوا من الألم والأسى في نفس الإمام فاندفع يخاطب المهاجرين ويعظهم قائلا :

« الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره ، وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس وحقّه فو الله يا معشر المهاجرين! لنحن أحقّ النّاس به ـ لأنّا أهل البيت ـ ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا إلاّ القارى لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله 6 ، المضطلع بأمر الرّعيّة ، الدّافع عنهم الأمور السّيّئة ، القاسم بينهم بالسّويّة ، والله! إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا » (1) .

__________________

(1) حياة الإمام الحسن بن عليّ 8 1 : 157 ، نقلا عن الإمامة والسياسة 1 : 11.

١٢٥

وحفل كلام الإمام 7 بما يتمتّع به أهل البيت من الصفات القيادية من الفقه بدين الله والعلم بسنن رسول الله ، والاضطلاع بامور الرعية ، وغير ذلك من الصفات التي يعتبرها الإسلام فيمن يتولّى شئون الحكم ، وهي لم تتوفّر إلاّ في أهل البيت : .

احتجاجات صارمة :

وتخلّفت الاسرة النبوية ومن يتّصل بها من أعلام الإسلام عن بيعة أبي بكر ، واحتجّت عليه بحجج دامغة بأنّ آل النبيّ 6 أولى بمقامه ، وأحقّ بمركزه منه ، ونعرض لها فيما يلي :

1 ـ احتجاج الإمام أمير المؤمنين :

واحتجّ الإمام أمير المؤمنين 7 بكوكبة من الاحتجاجات الصارمة على أبي بكر ، وقد ذكرنا احتجاجاته عليه وعلى غيره في جزء خاصّ من هذه الموسوعة.

2 ـ الزهراء :

احتجّت سيّدة نساء العالمين على أبي بكر وغيره بحجج بالغة على أحقّية الإمام للخلافة ، وندّدت بما اقترفه القوم من إقصاء الإمام عنها ، وأنّ الامّة من جرّاء ذلك ستواجه أعنف المشاكل وأقسى ألوان الخطوب ، قالت سلام الله عليها :

ويحهم أنّى زحزحوها ـ أي الخلافة ـ عن رواسي الرّسالة ، وقواعد النّبوّة ، ومهبط الرّوح الأمين! والطّبن (1) بأمور الدّنيا والدّين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ،

__________________

(1) الطبن : الخيبر.

١٢٦

وما الّذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله! منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجّة اللاّئحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها ، وحملهم عليها ، ولسار بهم سيرا سجحا (1) ، لا يكلم خشاشه (2) ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا ، تطفح ضفّتاه (3) ، ولا يترنّق جانباه ، ولأصدرهم بطانا (4) ، ونصح لهم سرّا وإعلانا.

ألا هلمّ فاسمع ، وما عشت أراك الدّهر عجبا!

أما لعمري ، لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القعب دما عبيطا ، وذعافا (5) مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التّالون غبّ ما أسّس الأوّلون. ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفسا ، واطمئنّوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظّالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا.

فيا حسرة لكم ، وأنّى بكم ، وقد عمّيت ( عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ) (6) .

استبدلوا والله! الذّنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل (7) ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم

__________________

(1) أي سهلا.

(2) الخشاش : عود يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام.

(3) تطفح ضفّتاه : أى يمتلئ ويفيض منه الماء.

(4) أصدرهم بطانا : أي أشبعهم وأفاض عليهم بالخير.

(5) الذعاف : الطعام الذي يجعل فيه السم.

(6) هود : 28.

(7) الكاهل : سند القوم ومعتمدهم.

١٢٧

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) ؟ (2) .

محتويات الاحتجاج :

وشجبت بضعة الرسول 6 في خطابها على نساء الأنصار والمهاجرين بيعة أبي بكر ، وأنّهم قد جافوا بها عترة الرسول 6 ، وقد حفل خطابها الذائع البليغ بما يلي :

أوّلا : أنّها أدلت بالأسباب التي من أجلها أعرض القوم عن بيعة الامام ، وهي :

1 ـ نكير سيف الإمام الذي حصد به رءوس المشركين من قريش ، ذلك السيف الذي كان معجزة للنبيّ 6 ، وقد أولد في نفوس القوم حقدا على الإمام وكراهية له.

2 ـ شدّة وطأة الإمام ، فإنّه لم يصانع طيلة حياته ، ولم يهب أحدا ، ولم تأخذه في الله تعالى لومة لائم ، الأمر الذي ملأ قلوب أعداء الله عليه غيظا وحنقا.

3 ـ تنمّره في ذات الله ، فقد وهب حياته لله تعالى ، وتنكّر للقريب والبعيد إرضاء لله وتفانيا في طاعته هذه هي الأسباب التي أدّت إلى إعراض القوم عن بيعة الإمام 7 .

ثانيا : إنّ الامّة لو تابعت الإمام وأخذت بهديه لظفرت بما يلي :

1 ـ أن يسير فيهم بسيرة العدل الخالص ، والحقّ المحض ، ويحكم فيهم بما أنزل الله.

2 ـ أنّه يوردهم منهلا عذبا ويقودهم إلى شاطئ الأمن والسلام.

__________________

(1) يونس : 35.

(2) بلاغات النساء : 23. أعلام النساء 3 : 219 و 220.

١٢٨

3 ـ أنّه ينصح لهم في السرّ والعلانية ، ويهديهم إلى سواء السبيل.

4 ـ أنّ الإمام لو تقلّد زمام الحكم لما تحلّى من دنياهم بطائل ، وما استأثر من أموالهم بشيء من متع الحياة ، وحينما صارت إليه الخلافة اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعامه بقرصيه ، وما وضع لبنة على لبنة ، وعاش عيشة الفقراء البائسين ، وهو القائل :

أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر وجشوبة العيش!

5 ـ أنّ الإمام لو تقلّد الحكم بعد النبيّ 6 لانتشرت خيرات الله وبركاته وعمّت جميع أنحاء الأرض ، ولأكل الناس من فوق رءوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولكن المسلمين حرموا أنفسهم وحرموا الأجيال الآتية من بعدهم ، فقد استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثالثا : إنّ بضعة الرسول 6 استشفّت من وراء الغيب ما تعانيه الامّة من الأزمات والخطوب من جرّاء ما اقترفه القوم من إقصاء الإمام 7 عن الحكم وهي :

1 ـ انتشارات الفتن بين المسلمين وتفلّل وحدتهم.

2 ـ تنكيل السلطات الحاكمة بهم.

3 ـ استبداد الظالمين بشئونهم.

وقد تحقّق كلّ ذلك على مسرح الحياة الإسلامية حينما ولي معاوية على المسلمين فأمعن في ظلمهم وإرهاقهم ، وسلّط عليهم جلاوزته الجلاّدين أمثال سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه ، وبسر بن أرطاة وأمثالهم من الجناة الذين لا يرجون لله وقارا ، فنشروا الخوف وأخذوا الناس بالظنّة والتهمة ، خصوصا في عهد زياد ؛ فقد سمل الأعين ، واستخرج قلوب المسلمين ، وصلب على جذوع

١٢٩

النخل ، أبعده الله عن رحمته.

وولّى معاوية من بعده ابنه يزيد صاحب الاحداث والموبقات ، فاقترف من الجرائم ما لا توصف لمرارتها وقسوتها ، وأخلد للمسلمين الفتن والمصائب وذلك بإبادته لعترة رسول الله 6 في صعيد كربلاء ، مضافا إلى ما اقترفه في المدينة المنوّرة من الآثام ، فقد أباحها لجنده وحمل أهلها على البيعة له على أنّهم عبيد له ، كما هدم الكعبة وأحرقها بالنار.

استنجاد الزهراء ببني قيلة :

واستنجدت بضعة الرسول وريحانته ببني قيلة ، وهم القوّة الضاربة من الأنصار في الجيش الإسلامي فقالت لهم :

« أيها بني قيلة ، أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدّعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة والأداة والقوّة ، وعندكم السّلاح والجنّة ، توافيكم الدّعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصّرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصّلاح ، والنّخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتّعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت نعرة الشّرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدّين ، فأنّى حزتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان؟ (1) .

وأثارت حفائظ النفوس ، وألهبت نار الثورة في النفوس ، إلاّ إنّ أبا بكر استقبلها

__________________

(1) أعلام النساء 3 : 214.

١٣٠

باحترام بالغ ، فأخمد الثورة وشلّ حركتها.

3 ـ الإمام الحسن :

كان الإمام الحسن 7 لا يتجاوز عمره سبع سنين حينما ولّي أبو بكر ، فقد انطلق إلى مسجد جدّه فرأى أبا بكر على المنبر ، فوجّه إليه لاذع القول قائلا :

« انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ».

فبهت أبو بكر وأخذته الحيرة والدهشة ، واستردّ خاطره فقال له بناعم القول :

صدقت ، والله! إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي (1) .

إنّ احتجاج الإمام الحسن 7 وهو في غضون الصبا انبعث عن طموح وعبقرية وذكاء ، كان يرى المنبر يرقاه جدّه الرسول 6 ، وهو لا يجد أحدا خليقا بأن يرقاه سوى أبيه سيّد الأوصياء.

4 ـ سلمان الفارسي :

وهو من أكثر الصحابة وعيا للإسلام وإحاطة بأحكامه ومبادئه ، وقد عنى به الرسول فألحقه بأسرته ، فقال : « سلمان منّا أهل البيت » ، « لا تقولوا سلمان الفارسيّ ولكن قولوا سلمان المحمّدي » ، وحرّم عليه الصدقة كما حرّمها على أهل بيته ، فقال : « الصّدقة حرام على سلمان » ، ولمّا رأى هذا الصحابي العظيم الخلافة قد انتزعت من العترة الطاهرة اندفع إلى الانكار على أبي بكر فقال له :

__________________

(1) الرياض النضرة 1 : 139. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 2 : 17. مقتل الحسين ـ الخوارزمي 1 : 93. مناقب آل أبي طالب 2 : 172. وفي الاصابة ( 2 : 15 ) : « إنّ هذا الاحتجاج كان من الإمام الحسين » ، وجاء في الصواعق المحرقة : 105 وفي الصبيان المطبوع على هامش نور الأبصار : 125 : « أنّ الحسن قال ذلك لأبي بكر ، ووقع للحسين مثل ذلك مع عمر بن الخطّاب ».

١٣١

يا أبا بكر ، إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه ، وإلى من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلمه ، وما عذرك في تقدّمك على من هو أعلم منك ، وأقرب إلى رسول الله ، وأعلم بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه ، ومن قدّمه النبيّ في حياته وأوصاكم به عند وفاته ، فنبذتم قوله ، وتناسيتم وصيّته ، وأخلفتم الوعد ، ونقضتم العهد ، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية اسامة (1) .

وفي هذا الاحتجاج دعوة إلى الحقّ ، ودعوة إلى جمع الكلمة ، ووحدة الصفّ ، وتسليم الأمر إلى أعلم من في الامّة وهو الإمام أمير المؤمنين 7 .

5 ـ عمّار بن ياسر :

وعمّار بن ياسر من المساهمين في بناء صرح الإسلام ، ومن المعذّبين في سبيل الله ، وكان أثيرا عند النبيّ 6 ، ومن خلّص أصحابه ، ولمّا آلت الخلافة إلى أبي بكر اندفع إلى الانكار عليه وعلى القرشيّين قائلا :

يا معاشر قريش ، ويا معاشر المسلمين ، إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به ، وأحقّ بإرثه ، وأقوم بامور الدين ، وآمن على المؤمنين ، وأحفظ لملّته ، وأنصح لامّته ، فمروا صاحبكم فليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ، ويضعف أمركم ، ويظهر شقاقكم ، وتعظم الفتنة بكم ، وتختلفون فيما بينكم ، ويطمع فيكم عدوّكم ، فقد علمتم أنّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم ، وعليّ أقرب منكم إلى نبيّكم ، وهو من بينهم وليّكم بعهد الله ورسوله ، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند ما سدّ النبيّ 6 أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه ، وإيثاره إيّاه بكريمته فاطمة ، دون سائر من خطبها إليه منكم ، وقوله 6 : « أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب » ، وأنّكم جميعا مضطرّون

__________________

(1) الاحتجاج ـ الطبرسي 1 : 42.

١٣٢

فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه ، وهو مستغن عن كلّ أحد منكم ، إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه ، فما بالكم تحيدون عنه ، وتبتزّون عليّا على حقّه ، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، بئس للظالمين بدلا ، أعطوه ما جعله الله له ، ولا تولّوا عنه مدبرين ، ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (1) .

وحفل احتجاج عمّار بالدعوة إلى صالح الامّة وإبعادها من مظانّ الفتن والأهواء ، كما دعاها إلى تسليم القيادة العامّة للإمام أمير المؤمنين 7 الذي هو باب مدينة علم النبيّ 6 ، والعالم بما تحتاج إليه الامّة في جميع مجالاتها.

6 ـ أبو ذرّ :

أمّا أبو ذرّ فهو صوت العدل والحقّ في الإسلام الذي استوعب فكره تعاليم الدين وأحكامه الهادفة إلى بسط العدالة الاجتماعية في الأرض ؛ وهو في طليعة الثائرين والناقمين على الحكم الأموي الذي اتّخذ مال الله دولا وعباده خولا ، وقد نقم هذا الصحابي الجليل على القوم لإقصائهم الإمام عن الخلافة ، فقال مخاطبا القرشيّين والأنصار :

أمّا بعد يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد علمتم وعلم خياركم أنّ رسول الله 6 قال : « الأمر لعليّ بعدي ثمّ للحسن والحسين ، ثمّ في أهل بيتي من ولد الحسين » ، فطرحتم قول نبيّكم وتناسيتم ما أوعز إليكم ، واتّبعتم الدنيا ، وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا يهدم بنيانها ، ولا يزول نعيمها ، ولا يحزن أهلها ، ولا يموت سكانها ، وكذلك الامم التي كفرت بعد أنبيائها بدّلت وغيّرت ، حذو القذة بالقذّة ، والنعل بالنعل ، فعمّا قليل تذوقون وبال أمركم ، وما الله بظلاّم للعبيد (2) .

__________________

(1) الاحتجاج ـ الطبرسي 1 : 43.

(2) الخصال : 432.

١٣٣

وحكى خطاب الثائر العظيم ما ستعانيه الامّة في مستقبلها من الويلات من جرّاء فصل الخلافة عن بيت النبوّة ومركز الدعوة الإسلامية ، وتحقّق ذلك على مسرح الحياة الإسلامية ، فقد سفكت الدماء ، وتهالك الأشرار من بني أميّة على الحكم ، فعاثوا فسادا في الأرض حينما استولوا عليه ، فأنفقوا أموال المسلمين على رغباتهم وشهواتهم ، ونكلوا أشد التنكيل وأقساه بعترة النبيّ 6 .

7 ـ المقداد :

أمّا المقداد فهو من أعلام الإسلام ، ومن خلّص أصحاب الإمام 7 ، ومن عيون أصحابه ، وقد نقم على أبو بكر وخاطبه بعنف قائلا :

يا أبا بكر ، ارجع عن ظلمك ، وتب إلى ربّك ، وسلّم الأمر إلى صاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول الله 6 في عنقك من بيعته (1) ، وألزمك بالنفوذ تحت راية اسامة بن زيد ، وهو مولاه ، ونبّه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه ، بضمّه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنآن والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيّه ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (2) .

وأضاف بعد ذلك قائلا :

اتّق الله ، وبادر بالاستقالة قبل فوتها ، فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ، ولا تغرّنك قريش وغيرها ، فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ، ثمّ تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك ، وقد علمت وتيقّنت أنّ عليّ بن أبي طالب هو صاحب الأمر بعد رسول الله 6 ، فسلّمه إليه ما جعله الله له ، فإنّه أتمّ

__________________

(1) يشير بذلك إلى حديث الغدير الذي بايع فيه المسلمون الإمام بالإمرة والخلافة ، والحديث مجمع عليه.

(2) الكوثر : 3.

١٣٤

لسترك ، وأخف لوزرك ، فقد والله! نصحت لك إن قبلت نصيحتي وإلى الله ترجع الامور (1) .

ولو أنّ القوم استجابوا لنصحه ، وسلّموا الأمر للإمام لما ابتلي المسلمون بالأزمات والكوارث.

8 ـ عتبة بن أبي لهب :

ومن الناقمين على إقصاء الإمام عن الخلافة عتبة بن أبي لهب ، وقد عبّر عن شعوره بهذه الأبيات :

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منهم عن أبي حسن

عن أوّل الناس إيمانا وسابقة

واعلم الناس بالقرآن والسّنن

وآخر النّاس عهدا بالنبيّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يتمرون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن (2)

وحكت هذه الأبيات عن أساه ولوعته عن عدم تقلّد الإمام للخلافة الذي هو أوّل الناس إيمانا برسول الله 6 وأعلمهم بالكتاب والسنّة ، وآخرهم عهدا بالنبيّ 6 ، وأنّ الصفات الكريمة المتوفّرة فيه لا توجد عند غيره ، فكيف أقصي هذا العملاق العظيم عن الخلافة.

9 ـ أبو أيوب الأنصاري :

أمّا أبو أيّوب الأنصاري فهو من ألمع أصحاب الإمام 7 ، وقد شهد معه مشاهده كلّها ، وقد آمن بحقّه ، وأنّه أولى بالخلافة من غيره (3) ، وقد أنبرى للإنكار

__________________

(1) الاحتجاج 1 : 101.

(2) تاريخ أبي الفداء 1 : 159.

(3) الكنى والألقاب 1 : 13.

١٣٥

على أبي بكر فقال له :

اتّقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيّكم ، وردّوا إليهم حقّهم الذي جعله الله لهم ، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا 6 ، ومجلس بعد مجلس يقول : « أهل بيتي أئمّتكم بعدي » ويومئ إلى عليّ ، ويقول : « وهذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ، مخذول من خذله ، منصور من نصره ، فتوبوا إلى الله من ظلمكم إيّاه ، إنّ الله توّاب رحيم ، ولا تتولّوا عنه معرضين » (1) .

وفي هذا الخطاب دعوة إلى الحقّ ، ووئام المسلمين ، وجمع كلمتهم ، ووحدة صفّهم إلاّ أنّ القوم أعاروا خطابه أذنا صمّاء.

10 ـ أبيّ بن كعب :

وأبيّ بن كعب الأنصاري سيّد القرّاء ، ومن أصحاب العقبة الثانية ، شهد مع النبي 6 المشاهد كلّها ، وكان عمر يسمّيه سيّد المسلمين (2) ، وقد أنكر على أبي بكر تقمّصه للخلافة ، وقال له :

يا أبا بكر ، لا تجحد حقّا جعله الله لغيرك ، ولا تكن أوّل من عصى رسول الله 6 في وصيّه وصفيّه ، وصدف عنه أمره ، اردد الحقّ إلى أهله تسلم ، ولا تتماد في غيّك فتندم ، وبادر الإنابة يخفّ وزرك ، ولا تختصّ بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك ، فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربّك فيسألك عمّا جنيت ، وما ربّك بظلاّم للعبيد (3) .

وفي هذا الخطاب الإشادة بمركز الإمام 7 ، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره.

__________________

(1) الكنى والألقاب 1 : 13.

(2) الاصابة 1 : 31.

(3) ـ هذه هي الشيعة : 96.

١٣٦

11 ـ النعمان بن عجلان :

والنعمان بن عجلان لسان الأنصار وشاعرهم ، وهو من الناقمين على أبي بكر ، وقد خاطب القوم بهذه الأبيات :

وقلتم حرام نصب سعد ونصبكم

عتيق بن عثمان حلال أبا بكر؟

وأهل أبو بكر لها خير قائم

وأنّ عليّا كان أخلق بالأمر

وأنّ هوانا في عليّ وأنّه لأهل

لها من حيث يدري ولا يدري (1)

ومعنى هذا الشعر أنّ المهاجرين أنكروا على سعد تصدّيه للخلافة وحرّموها عليه ؛ لأنّه ليس من الاسر القرشية وأخذوها منه ؛ لأنّهم يمتّون إلى النبيّ 6 بصلة النسب ، فهلاّ أرجعوها إلى الإمام الذي هو ألصق الناس برسول الله وأقربهم إليه.

12 ـ عثمان بن حنيف :

وكان عثمان بن حنيف من خيار الصحابة ، وقد انضمّ إلى الجماعة التي أنكرت على أبي بكر ، فقد قال له : سمعنا رسول الله 6 يقول : « أهل بيتي نجوم الأرض ، فلا تتقدّموهم ، فهم الولاة من بعدي » ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، وأي أهل بيتك؟ فقال : « عليّ والطّاهرون من ولده » (2) .

وحكى هذا الاحتجاج النصّ الوارد من النبيّ 6 في شأن أهل بيته ، وهو صريح واضح في تعيينهم خلفاء لامّته.

13 ـ سهل بن حنيف :

أمّا سهل بن حنيف فهو من خيار الصحابة ، وقد أعلن تأييده للإمام 7 ، فقد

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 19 : 174.

(2) حياة الإمام الحسن بن عليّ 8 1 : 168.

١٣٧

قال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبيّ :

يا معشر قريش ، اشهدوا عليّ ، إنّي أشهد على رسول الله 6 وقد رأيته في هذا المكان ـ يعني جامعه ـ وقد أخذ بيد عليّ بن أبي طالب 7 وهو يقول :

« أيّها النّاس ، هذا عليّ إمامكم من بعدي ، ووصيّي في حياتي وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوّل من يصافحني على حوضي ، وطوبى لمن تبعه ونصره ، والويل لمن تخلّف عنه وخذله » (1) .

لقد أدلى سهل بشهادته أمام القوم بأنّ الرسول 6 قد نصّ على إمامة الإمام أمير المؤمنين وعلى سمو منزلته ، وعظيم مكانته عند الله تعالى وعند رسوله.

14 ـ خزيمة بن ثابت :

أمّا خزيمة بن ثابت فهو من ألمع الصحابة ومن أوثقهم وآثرهم عند النبيّ 6 ، وقد كانت شهادته عند النبيّ تعادل شهادة شاهدين ، وذلك لما عرف به من الصدق ، وقد أعلن تأييده الكامل للإمام 7 قال :

أيّها الناس ، ألستم تعلمون أنّ رسول الله 6 قبل شهادتي وحدي ، ولم يرد معي غيري؟ فقالوا : بلى ، قال : فأشهد أنّي سمعت رسول الله 6 يقول :

« أهل بيتي يفرّقون بين الحقّ والباطل ، وهم الأئمّة الّذين يقتدى بهم » ، وقد قلت ما علمت ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين (2) .

وحكى خزيمة في احتجاجه ما سمعه من رسول الله 6 في شأن عترته ، وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم ، وهي شهادة صدق وحقّ.

__________________

(1) حياة الإمام الحسن بن عليّ 8 1 : 197.

(2) الاحتجاج 1 : 102.

١٣٨

15 ـ أبو الهيثم بن التيهان :

وأبو الهيثم بن التيهان ممّن عرف الإمام أمير المؤمنين 7 ، وقد أدلى بشهادته على أنّه أولى بالخلافة من غيره فقال :

أنا أشهد على نبينا 6 أنّه أقام عليّا يوم غدير خمّ ، فقالت الأنصار : ما أقامه إلاّ للخلافة ، وقال بعضهم : ما أقامه إلاّ ليعلم الناس أنّه مولى من كان رسول الله 6 مولى له ، وكثر الخوض في ذلك ، فبعثنا رجالا منّا إلى رسول الله فسألوه عن ذلك؟ فقال : « قولوا لهم : عليّ وليّ المؤمنين بعدي ، وأنصح النّاس لامّتي » ، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، إنّ يوم الفصل كان ميقاتا (1) .

وحكمت شهادة أبي الهيثم أنّ الرسول 6 أقام الإمام 7 خليفة على امّته ، وقلّده منصب الإمامة من بعده ، وعلى هذا الأساس بنت الشيعة اطارها العقائدي في إمامة الإمام 7 .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الاحتجاجات الصارمة التي اثرت عن أعلام الإسلام المتحرّجين في دينهم على أحقّية الإمام بالخلافة والولاية العامّة لامور المسلمين.

وعلى أي حال فإنّ أحداث السقيفة هي التي أدّت إلى انشقاق المسلمين وتفرّق كلمتهم ، فهي مصدر الفتنة الكبرى التي مني بها المسلمون على امتداد التاريخ ، ولم تنشأ الفتنة في أيام عثمان وعليّ ، كما يذهب إلى ذلك عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين.

لقد نظرت الشيعة بعمق وشمول إلى ما اثر عن النبيّ 6 من الأخبار في فضل الإمام والإشادة بشخصيّته ، ولم يرد بعضها في غيره من أعلام الصحابة ، الأمر

__________________

(1) حياة الإمام الحسن بن عليّ 1 : 167.

١٣٩

الذي يدلّ بوضوح على أنّه 6 قد نصّ عليه بالخلافة ، ولو لم تكن النصوص في حقّه موجودة لكان هو المتعيّن لهذا المنصب وذلك لمواهبه وعبقرياته وجهاده في سبيل الإسلام ، وقد ألمحنا في فصول هذا الكتاب إلى ذلك.

إجراءات مؤسفة :

واتّخذت حكومة أبي بكر مع أهل البيت : إجراءات مؤسفة اتّسمت بالقسوة والشّدة ، كان منها ما يلي :

كبس دار الإمام :

ولمّا أعلن الإمام 7 رفضه الكامل لبيعة أبي بكر ، واحتجّ عليه بأنّه أولى بالخلافة منه لأنّه أخو النبيّ وأبو سبطيه وختنه على بضعته ، والمجاهد الأوّل في الإسلام ، وانضمّ إليه كبار الصحابة ، وكانوا يعقدون الاجتماع في داره ، فضاق أبو بكر من ذلك ذرعا ، فاقتضت سياسته أن يكبس دار الإمام ويتّخذ معه جميع وسائل العنف ، فأصدر أوامره إلى عمر بكبس داره وإخراجه قسرا إلى الجامع ليبايع ، وراح عمر يشتدّ ومعه شرطته وجنوده ، وحمل معه قبسا من النار ، وحمل جنوده الحطب وراحوا مسرعين يعلوهم الغضب ليحرقوا بيت الوحي والتنزيل ، البيت الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وهجم عمر على دار الإمام وهو مغيظ محنق رافعا صوته :

والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

فعذلته طائفة ، وحذّرته من عقوبة الله قائلة :

إنّ فيها فاطمة.

١٤٠