موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام26%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147662 / تحميل: 5362
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيّما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إلاّ أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كفّ حازم

فإنّك بالأمر الذي يرتجى علي (١)

ومن المؤكّد أنّه لم تكن معارضة أبي سفيان ناشئة عن إيمان بحقّ الإمام وإخلاص له ، فإنّه بعيد عن ذلك كلّ البعد ، وإنّما كانت عواطف كاذبة أراد بها الكيد للإسلام والبغي عليه ، وتمزيق صفوف المسلمين ، ولذا أعرض الإمام عنه ولم يعر لكلامه أي اهتمام.

لقد كانت علاقة أبي سفيان بأبي بكر وثيقة للغاية ، فقد روى البخاري أنّ أبا سفيان اجتاز على جماعة من المسلمين فيهم أبو بكر وسلمان وصهيب وبلال فقال بعضهم :

أما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها؟

فزجرهم أبو بكر قائلا :

أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟

ومضى أبو بكر مسرعا إلى النبيّ ٦ فأخبره بمقالة القوم في أبي سفيان ، فردّ عليه النبي قائلا : « يا أبا بكر ، لعلّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله » (٢) .

ودلّت هذه البادرة على الصلة الوثيقة بينهما ، كما كانت الصلة وثيقة للغاية بين أبي سفيان وعمر ، فقد أفرد عمر غرفة في داره فرشها بأحسن فرش ، ولم يسمح

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣٦٢.

١٢١

لأحد بالدخول إليها إلاّ لأبي سفيان ، وقد سئل عن ذلك فقال : هذا شيخ قريش (١) .

وعلى أي حال فقد جهد أبو بكر في استمالة أبي سفيان وكسب عواطفه ، فقد استعمله عاملا على ما بين آخر الحجاز وآخر حدّ من نجران (٢) ، كما عيّن ولده يزيد واليا على الشام ، ولم يعيّن أحدا من أعلام المسلمين واليا في هذا المكان الحسّاس ، ويقول المحلّلون للأخبار إنّ نجم بني أميّة قد علا في أيام حكومة أبي بكر.

موقف الإمام من بيعة أبي بكر :

وأجمع المؤرّخون والرواة على أنّ موقف الإمام تجاه بيعة أبي بكر كان متّسما بالكراهية وعدم الرضا ، فهو أحقّ بالخلافة وأولى بها من غيره ؛ لأنّه ألصق الناس برسول الله ٦ ، بالاضافة إلى ما يتمتّع به من القابليات الفذّة والمواهب العظيمة التي لم تتوفّر بعضها في غيره ، وما كان يظنّ أنّ القوم يزعجون هذا الأمر ويخرجونه عنه ، فقد بادره عمّه العبّاس قائلا :

يا ابن أخي ، امداد يدك ابايعك فيقول الناس عمّ رسول الله ٦ بايع ابن عمّ رسول الله فلا يختلف عليك اثنان ..

فردّ عليه الإمام : « من يطلب هذا الأمر غيرنا » (٣) .

وعلّق الدكتور طه حسين عميد الأدب العربيّ على ذلك بقوله :

نظر العباس في الأمر فرأى ابن أخيه أحقّ منه بوراثة السلطان ؛ لأنّه ربيب النبيّ ، وصاحب السابقة في الإسلام ، وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٤١.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٦ : ١٠ ـ ١١. حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٢٥٣.

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٤.

١٢٢

كلّها ؛ ولأنّ النبيّ كان يدعوه أخاه حتى قالت له أمّ أيمن ذات يوم مداعبة : تدعوه أخاك وتزوّجه ابنتك؟ ولأنّ النبي قال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » ، وقال للمسلمين يوما آخر : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، من أجل ذلك أقبل العبّاس بعد وفاة النبيّ على ابن أخيه وقال له : ابسط يدك ابايعك (١) .

وعلى أي حال فإنّ الإمام امتنع عن بيعة أبي بكر ، وأعلن سخطه البالغ على ذلك في كثير من خطبه وكلماته.

امتناع الإمام من البيعة :

وأجمع رأي الجهاز الحاكم على ارغام الإمام وقسره على البيعة لأبي بكر ، فأرسلوا حفنة من الشرطة فأحاطت بداره ، وأمامهم عمر بن الخطّاب وهو يرعد ويبرق ويتهدّد ويتوعّد ، وبيده قبس من نار يريد أن يحرق بيت الوحي ، فخرجت إليه حبيبة الرسول وبضعته الصدّيقة الطاهرة الزهراء فصاحت به :

« ما الّذي جئت به يا ابن الخطّاب؟ ».

فأجابها بعنف : الذي جئت به أقوى ممّا جاء به أبوك (٢) .

__________________

(١) علي وبنوه : ١٩.

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ٢ : ١٠ ، وقد أجمع المؤرّخون والرواة على تهديد عمر للإمام بإحراق داره ، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم :

وقولة لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

وقد نصّت على ذلك هذه المصادر : الإمامة والسياسة ١ : ١٢. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٣٤. تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٢. تاريخ أبي الفداء ١ : ١٥٦. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٠٥.

الأموال ـ أبو عبيد : ١٣١. مروج الذهب ١ : ٤١٤. الإمام عليّ بن أبي طالب ـ عبد الفتّاح عبد المقصود ١ : ٢١٣. أعلام النساء ٣ : ٢٠٥.

١٢٣

وأخرج الإمام بعنف ، وجيء به إلى أبي بكر ، فصاح به حزبه :

بايع أبا بكر.

فأجابهم الإمام بحجّته الدامغة ـ وهو غير وجل من جبروتهم ـ قائلا :

« أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا ابايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ ٦ ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد ٦ منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة؟ وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّا وميّتا فانصفونا إن كنتم تؤمنون وإلاّ فبوءوا بالظّلم وأنتم تعلمون » (١) .

وحكى هذا الخطاب الحجّة التي تغلّب بها المهاجرون من قريش على الأنصار ، وهي قربهم من النبيّ ٦ ، فإنّها متوفّرة فيه على أكمل الصور والوجوه ، فهو ابن عمّ رسول الله ٦ ، وأبو سبطيه ، وختنه على ابنته ، ولم يجد هذا المنطق الفيّاض مع القوم ، فاندفع عمر بعنف قائلا :

بايع.

« وإن لم أفعل؟ ».

والله! الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.

ونظر الإمام فإذا ليس له معين ولم يكن يأوي إلى ركن شديد ، فقال بصوت حزين النبرات :

« إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ».

__________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٢٥٦.

١٢٤

واندفع ابن الخطّاب بثورة قائلا :

أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا.

ونسى عمر أنّ الإمام أخو النبيّ وباب مدينة علمه ، والتفت إلى أبي بكر يحثّه على الوقيعة به قائلا :

ألا تأمر فيه بأمرك؟ ...

وخاف أبو بكر من الفتنة فقال :

لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جانبه ...

وانبرى أبو عبيدة بن الجرّاح ، وهو من أبرز أنصار أبي بكر فخاطب الإمام قائلا : يا ابن عمّ ، إنّك حدث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا واضطلاعا به ، فسلّم الأمر لأبي بكر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وسابقتك ونسبك وصهرك ....

وأثارت هذه المخادعة كوا من الألم والأسى في نفس الإمام فاندفع يخاطب المهاجرين ويعظهم قائلا :

« الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره ، وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس وحقّه فو الله يا معشر المهاجرين! لنحن أحقّ النّاس به ـ لأنّا أهل البيت ـ ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا إلاّ القارى لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ٦ ، المضطلع بأمر الرّعيّة ، الدّافع عنهم الأمور السّيّئة ، القاسم بينهم بالسّويّة ، والله! إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا » (١) .

__________________

(١) حياة الإمام الحسن بن عليّ ٨ ١ : ١٥٧ ، نقلا عن الإمامة والسياسة ١ : ١١.

١٢٥

وحفل كلام الإمام ٧ بما يتمتّع به أهل البيت من الصفات القيادية من الفقه بدين الله والعلم بسنن رسول الله ، والاضطلاع بامور الرعية ، وغير ذلك من الصفات التي يعتبرها الإسلام فيمن يتولّى شئون الحكم ، وهي لم تتوفّر إلاّ في أهل البيت : .

احتجاجات صارمة :

وتخلّفت الاسرة النبوية ومن يتّصل بها من أعلام الإسلام عن بيعة أبي بكر ، واحتجّت عليه بحجج دامغة بأنّ آل النبيّ ٦ أولى بمقامه ، وأحقّ بمركزه منه ، ونعرض لها فيما يلي :

١ ـ احتجاج الإمام أمير المؤمنين :

واحتجّ الإمام أمير المؤمنين ٧ بكوكبة من الاحتجاجات الصارمة على أبي بكر ، وقد ذكرنا احتجاجاته عليه وعلى غيره في جزء خاصّ من هذه الموسوعة.

٢ ـ الزهراء :

احتجّت سيّدة نساء العالمين على أبي بكر وغيره بحجج بالغة على أحقّية الإمام للخلافة ، وندّدت بما اقترفه القوم من إقصاء الإمام عنها ، وأنّ الامّة من جرّاء ذلك ستواجه أعنف المشاكل وأقسى ألوان الخطوب ، قالت سلام الله عليها :

ويحهم أنّى زحزحوها ـ أي الخلافة ـ عن رواسي الرّسالة ، وقواعد النّبوّة ، ومهبط الرّوح الأمين! والطّبن (١) بأمور الدّنيا والدّين ، ألا ذلك هو الخسران المبين ،

__________________

(١) الطبن : الخيبر.

١٢٦

وما الّذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله! منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجّة اللاّئحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها ، وحملهم عليها ، ولسار بهم سيرا سجحا (١) ، لا يكلم خشاشه (٢) ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا ، تطفح ضفّتاه (٣) ، ولا يترنّق جانباه ، ولأصدرهم بطانا (٤) ، ونصح لهم سرّا وإعلانا.

ألا هلمّ فاسمع ، وما عشت أراك الدّهر عجبا!

أما لعمري ، لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القعب دما عبيطا ، وذعافا (٥) مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التّالون غبّ ما أسّس الأوّلون. ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفسا ، واطمئنّوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظّالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا.

فيا حسرة لكم ، وأنّى بكم ، وقد عمّيت ( عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ) (٦) .

استبدلوا والله! الذّنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل (٧) ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم

__________________

(١) أي سهلا.

(٢) الخشاش : عود يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام.

(٣) تطفح ضفّتاه : أى يمتلئ ويفيض منه الماء.

(٤) أصدرهم بطانا : أي أشبعهم وأفاض عليهم بالخير.

(٥) الذعاف : الطعام الذي يجعل فيه السم.

(٦) هود : ٢٨.

(٧) الكاهل : سند القوم ومعتمدهم.

١٢٧

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ؟ (٢) .

محتويات الاحتجاج :

وشجبت بضعة الرسول ٦ في خطابها على نساء الأنصار والمهاجرين بيعة أبي بكر ، وأنّهم قد جافوا بها عترة الرسول ٦ ، وقد حفل خطابها الذائع البليغ بما يلي :

أوّلا : أنّها أدلت بالأسباب التي من أجلها أعرض القوم عن بيعة الامام ، وهي :

١ ـ نكير سيف الإمام الذي حصد به رءوس المشركين من قريش ، ذلك السيف الذي كان معجزة للنبيّ ٦ ، وقد أولد في نفوس القوم حقدا على الإمام وكراهية له.

٢ ـ شدّة وطأة الإمام ، فإنّه لم يصانع طيلة حياته ، ولم يهب أحدا ، ولم تأخذه في الله تعالى لومة لائم ، الأمر الذي ملأ قلوب أعداء الله عليه غيظا وحنقا.

٣ ـ تنمّره في ذات الله ، فقد وهب حياته لله تعالى ، وتنكّر للقريب والبعيد إرضاء لله وتفانيا في طاعته هذه هي الأسباب التي أدّت إلى إعراض القوم عن بيعة الإمام ٧ .

ثانيا : إنّ الامّة لو تابعت الإمام وأخذت بهديه لظفرت بما يلي :

١ ـ أن يسير فيهم بسيرة العدل الخالص ، والحقّ المحض ، ويحكم فيهم بما أنزل الله.

٢ ـ أنّه يوردهم منهلا عذبا ويقودهم إلى شاطئ الأمن والسلام.

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) بلاغات النساء : ٢٣. أعلام النساء ٣ : ٢١٩ و ٢٢٠.

١٢٨

٣ ـ أنّه ينصح لهم في السرّ والعلانية ، ويهديهم إلى سواء السبيل.

٤ ـ أنّ الإمام لو تقلّد زمام الحكم لما تحلّى من دنياهم بطائل ، وما استأثر من أموالهم بشيء من متع الحياة ، وحينما صارت إليه الخلافة اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعامه بقرصيه ، وما وضع لبنة على لبنة ، وعاش عيشة الفقراء البائسين ، وهو القائل :

أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر وجشوبة العيش!

٥ ـ أنّ الإمام لو تقلّد الحكم بعد النبيّ ٦ لانتشرت خيرات الله وبركاته وعمّت جميع أنحاء الأرض ، ولأكل الناس من فوق رءوسهم ومن تحت أرجلهم ، ولكن المسلمين حرموا أنفسهم وحرموا الأجيال الآتية من بعدهم ، فقد استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثالثا : إنّ بضعة الرسول ٦ استشفّت من وراء الغيب ما تعانيه الامّة من الأزمات والخطوب من جرّاء ما اقترفه القوم من إقصاء الإمام ٧ عن الحكم وهي :

١ ـ انتشارات الفتن بين المسلمين وتفلّل وحدتهم.

٢ ـ تنكيل السلطات الحاكمة بهم.

٣ ـ استبداد الظالمين بشئونهم.

وقد تحقّق كلّ ذلك على مسرح الحياة الإسلامية حينما ولي معاوية على المسلمين فأمعن في ظلمهم وإرهاقهم ، وسلّط عليهم جلاوزته الجلاّدين أمثال سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه ، وبسر بن أرطاة وأمثالهم من الجناة الذين لا يرجون لله وقارا ، فنشروا الخوف وأخذوا الناس بالظنّة والتهمة ، خصوصا في عهد زياد ؛ فقد سمل الأعين ، واستخرج قلوب المسلمين ، وصلب على جذوع

١٢٩

النخل ، أبعده الله عن رحمته.

وولّى معاوية من بعده ابنه يزيد صاحب الاحداث والموبقات ، فاقترف من الجرائم ما لا توصف لمرارتها وقسوتها ، وأخلد للمسلمين الفتن والمصائب وذلك بإبادته لعترة رسول الله ٦ في صعيد كربلاء ، مضافا إلى ما اقترفه في المدينة المنوّرة من الآثام ، فقد أباحها لجنده وحمل أهلها على البيعة له على أنّهم عبيد له ، كما هدم الكعبة وأحرقها بالنار.

استنجاد الزهراء ببني قيلة :

واستنجدت بضعة الرسول وريحانته ببني قيلة ، وهم القوّة الضاربة من الأنصار في الجيش الإسلامي فقالت لهم :

« أيها بني قيلة ، أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدّعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة والأداة والقوّة ، وعندكم السّلاح والجنّة ، توافيكم الدّعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصّرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصّلاح ، والنّخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتّعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم ، لا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت نعرة الشّرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدّين ، فأنّى حزتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان؟ (١) .

وأثارت حفائظ النفوس ، وألهبت نار الثورة في النفوس ، إلاّ إنّ أبا بكر استقبلها

__________________

(١) أعلام النساء ٣ : ٢١٤.

١٣٠

باحترام بالغ ، فأخمد الثورة وشلّ حركتها.

٣ ـ الإمام الحسن :

كان الإمام الحسن ٧ لا يتجاوز عمره سبع سنين حينما ولّي أبو بكر ، فقد انطلق إلى مسجد جدّه فرأى أبا بكر على المنبر ، فوجّه إليه لاذع القول قائلا :

« انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ».

فبهت أبو بكر وأخذته الحيرة والدهشة ، واستردّ خاطره فقال له بناعم القول :

صدقت ، والله! إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي (١) .

إنّ احتجاج الإمام الحسن ٧ وهو في غضون الصبا انبعث عن طموح وعبقرية وذكاء ، كان يرى المنبر يرقاه جدّه الرسول ٦ ، وهو لا يجد أحدا خليقا بأن يرقاه سوى أبيه سيّد الأوصياء.

٤ ـ سلمان الفارسي :

وهو من أكثر الصحابة وعيا للإسلام وإحاطة بأحكامه ومبادئه ، وقد عنى به الرسول فألحقه بأسرته ، فقال : « سلمان منّا أهل البيت » ، « لا تقولوا سلمان الفارسيّ ولكن قولوا سلمان المحمّدي » ، وحرّم عليه الصدقة كما حرّمها على أهل بيته ، فقال : « الصّدقة حرام على سلمان » ، ولمّا رأى هذا الصحابي العظيم الخلافة قد انتزعت من العترة الطاهرة اندفع إلى الانكار على أبي بكر فقال له :

__________________

(١) الرياض النضرة ١ : ١٣٩. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٢ : ١٧. مقتل الحسين ـ الخوارزمي ١ : ٩٣. مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٢. وفي الاصابة ( ٢ : ١٥ ) : « إنّ هذا الاحتجاج كان من الإمام الحسين » ، وجاء في الصواعق المحرقة : ١٠٥ وفي الصبيان المطبوع على هامش نور الأبصار : ١٢٥ : « أنّ الحسن قال ذلك لأبي بكر ، ووقع للحسين مثل ذلك مع عمر بن الخطّاب ».

١٣١

يا أبا بكر ، إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه ، وإلى من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلمه ، وما عذرك في تقدّمك على من هو أعلم منك ، وأقرب إلى رسول الله ، وأعلم بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه ، ومن قدّمه النبيّ في حياته وأوصاكم به عند وفاته ، فنبذتم قوله ، وتناسيتم وصيّته ، وأخلفتم الوعد ، ونقضتم العهد ، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية اسامة (١) .

وفي هذا الاحتجاج دعوة إلى الحقّ ، ودعوة إلى جمع الكلمة ، ووحدة الصفّ ، وتسليم الأمر إلى أعلم من في الامّة وهو الإمام أمير المؤمنين ٧ .

٥ ـ عمّار بن ياسر :

وعمّار بن ياسر من المساهمين في بناء صرح الإسلام ، ومن المعذّبين في سبيل الله ، وكان أثيرا عند النبيّ ٦ ، ومن خلّص أصحابه ، ولمّا آلت الخلافة إلى أبي بكر اندفع إلى الانكار عليه وعلى القرشيّين قائلا :

يا معاشر قريش ، ويا معاشر المسلمين ، إن كنتم علمتم وإلاّ فاعلموا أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به ، وأحقّ بإرثه ، وأقوم بامور الدين ، وآمن على المؤمنين ، وأحفظ لملّته ، وأنصح لامّته ، فمروا صاحبكم فليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ، ويضعف أمركم ، ويظهر شقاقكم ، وتعظم الفتنة بكم ، وتختلفون فيما بينكم ، ويطمع فيكم عدوّكم ، فقد علمتم أنّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم ، وعليّ أقرب منكم إلى نبيّكم ، وهو من بينهم وليّكم بعهد الله ورسوله ، وفرق ظاهر قد عرفتموه في حال بعد حال عند ما سدّ النبيّ ٦ أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه ، وإيثاره إيّاه بكريمته فاطمة ، دون سائر من خطبها إليه منكم ، وقوله ٦ : « أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب » ، وأنّكم جميعا مضطرّون

__________________

(١) الاحتجاج ـ الطبرسي ١ : ٤٢.

١٣٢

فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه ، وهو مستغن عن كلّ أحد منكم ، إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه ، فما بالكم تحيدون عنه ، وتبتزّون عليّا على حقّه ، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، بئس للظالمين بدلا ، أعطوه ما جعله الله له ، ولا تولّوا عنه مدبرين ، ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (١) .

وحفل احتجاج عمّار بالدعوة إلى صالح الامّة وإبعادها من مظانّ الفتن والأهواء ، كما دعاها إلى تسليم القيادة العامّة للإمام أمير المؤمنين ٧ الذي هو باب مدينة علم النبيّ ٦ ، والعالم بما تحتاج إليه الامّة في جميع مجالاتها.

٦ ـ أبو ذرّ :

أمّا أبو ذرّ فهو صوت العدل والحقّ في الإسلام الذي استوعب فكره تعاليم الدين وأحكامه الهادفة إلى بسط العدالة الاجتماعية في الأرض ؛ وهو في طليعة الثائرين والناقمين على الحكم الأموي الذي اتّخذ مال الله دولا وعباده خولا ، وقد نقم هذا الصحابي الجليل على القوم لإقصائهم الإمام عن الخلافة ، فقال مخاطبا القرشيّين والأنصار :

أمّا بعد يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد علمتم وعلم خياركم أنّ رسول الله ٦ قال : « الأمر لعليّ بعدي ثمّ للحسن والحسين ، ثمّ في أهل بيتي من ولد الحسين » ، فطرحتم قول نبيّكم وتناسيتم ما أوعز إليكم ، واتّبعتم الدنيا ، وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا يهدم بنيانها ، ولا يزول نعيمها ، ولا يحزن أهلها ، ولا يموت سكانها ، وكذلك الامم التي كفرت بعد أنبيائها بدّلت وغيّرت ، حذو القذة بالقذّة ، والنعل بالنعل ، فعمّا قليل تذوقون وبال أمركم ، وما الله بظلاّم للعبيد (٢) .

__________________

(١) الاحتجاج ـ الطبرسي ١ : ٤٣.

(٢) الخصال : ٤٣٢.

١٣٣

وحكى خطاب الثائر العظيم ما ستعانيه الامّة في مستقبلها من الويلات من جرّاء فصل الخلافة عن بيت النبوّة ومركز الدعوة الإسلامية ، وتحقّق ذلك على مسرح الحياة الإسلامية ، فقد سفكت الدماء ، وتهالك الأشرار من بني أميّة على الحكم ، فعاثوا فسادا في الأرض حينما استولوا عليه ، فأنفقوا أموال المسلمين على رغباتهم وشهواتهم ، ونكلوا أشد التنكيل وأقساه بعترة النبيّ ٦ .

٧ ـ المقداد :

أمّا المقداد فهو من أعلام الإسلام ، ومن خلّص أصحاب الإمام ٧ ، ومن عيون أصحابه ، وقد نقم على أبو بكر وخاطبه بعنف قائلا :

يا أبا بكر ، ارجع عن ظلمك ، وتب إلى ربّك ، وسلّم الأمر إلى صاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول الله ٦ في عنقك من بيعته (١) ، وألزمك بالنفوذ تحت راية اسامة بن زيد ، وهو مولاه ، ونبّه على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عضدك عليه ، بضمّه لكما إلى علم النفاق ومعدن الشنآن والشقاق عمرو بن العاص الذي أنزل الله فيه على نبيّه ( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) (٢) .

وأضاف بعد ذلك قائلا :

اتّق الله ، وبادر بالاستقالة قبل فوتها ، فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ، ولا تغرّنك قريش وغيرها ، فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ، ثمّ تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك ، وقد علمت وتيقّنت أنّ عليّ بن أبي طالب هو صاحب الأمر بعد رسول الله ٦ ، فسلّمه إليه ما جعله الله له ، فإنّه أتمّ

__________________

(١) يشير بذلك إلى حديث الغدير الذي بايع فيه المسلمون الإمام بالإمرة والخلافة ، والحديث مجمع عليه.

(٢) الكوثر : ٣.

١٣٤

لسترك ، وأخف لوزرك ، فقد والله! نصحت لك إن قبلت نصيحتي وإلى الله ترجع الامور (١) .

ولو أنّ القوم استجابوا لنصحه ، وسلّموا الأمر للإمام لما ابتلي المسلمون بالأزمات والكوارث.

٨ ـ عتبة بن أبي لهب :

ومن الناقمين على إقصاء الإمام عن الخلافة عتبة بن أبي لهب ، وقد عبّر عن شعوره بهذه الأبيات :

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منهم عن أبي حسن

عن أوّل الناس إيمانا وسابقة

واعلم الناس بالقرآن والسّنن

وآخر النّاس عهدا بالنبيّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يتمرون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن (٢)

وحكت هذه الأبيات عن أساه ولوعته عن عدم تقلّد الإمام للخلافة الذي هو أوّل الناس إيمانا برسول الله ٦ وأعلمهم بالكتاب والسنّة ، وآخرهم عهدا بالنبيّ ٦ ، وأنّ الصفات الكريمة المتوفّرة فيه لا توجد عند غيره ، فكيف أقصي هذا العملاق العظيم عن الخلافة.

٩ ـ أبو أيوب الأنصاري :

أمّا أبو أيّوب الأنصاري فهو من ألمع أصحاب الإمام ٧ ، وقد شهد معه مشاهده كلّها ، وقد آمن بحقّه ، وأنّه أولى بالخلافة من غيره (٣) ، وقد أنبرى للإنكار

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ١٠١.

(٢) تاريخ أبي الفداء ١ : ١٥٩.

(٣) الكنى والألقاب ١ : ١٣.

١٣٥

على أبي بكر فقال له :

اتّقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيّكم ، وردّوا إليهم حقّهم الذي جعله الله لهم ، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا ٦ ، ومجلس بعد مجلس يقول : « أهل بيتي أئمّتكم بعدي » ويومئ إلى عليّ ، ويقول : « وهذا أمير البررة ، وقاتل الكفرة ، مخذول من خذله ، منصور من نصره ، فتوبوا إلى الله من ظلمكم إيّاه ، إنّ الله توّاب رحيم ، ولا تتولّوا عنه معرضين » (١) .

وفي هذا الخطاب دعوة إلى الحقّ ، ووئام المسلمين ، وجمع كلمتهم ، ووحدة صفّهم إلاّ أنّ القوم أعاروا خطابه أذنا صمّاء.

١٠ ـ أبيّ بن كعب :

وأبيّ بن كعب الأنصاري سيّد القرّاء ، ومن أصحاب العقبة الثانية ، شهد مع النبي ٦ المشاهد كلّها ، وكان عمر يسمّيه سيّد المسلمين (٢) ، وقد أنكر على أبي بكر تقمّصه للخلافة ، وقال له :

يا أبا بكر ، لا تجحد حقّا جعله الله لغيرك ، ولا تكن أوّل من عصى رسول الله ٦ في وصيّه وصفيّه ، وصدف عنه أمره ، اردد الحقّ إلى أهله تسلم ، ولا تتماد في غيّك فتندم ، وبادر الإنابة يخفّ وزرك ، ولا تختصّ بهذا الأمر الذي لم يجعله الله لك ، فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربّك فيسألك عمّا جنيت ، وما ربّك بظلاّم للعبيد (٣) .

وفي هذا الخطاب الإشادة بمركز الإمام ٧ ، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره.

__________________

(١) الكنى والألقاب ١ : ١٣.

(٢) الاصابة ١ : ٣١.

(٣) ـ هذه هي الشيعة : ٩٦.

١٣٦

١١ ـ النعمان بن عجلان :

والنعمان بن عجلان لسان الأنصار وشاعرهم ، وهو من الناقمين على أبي بكر ، وقد خاطب القوم بهذه الأبيات :

وقلتم حرام نصب سعد ونصبكم

عتيق بن عثمان حلال أبا بكر؟

وأهل أبو بكر لها خير قائم

وأنّ عليّا كان أخلق بالأمر

وأنّ هوانا في عليّ وأنّه لأهل

لها من حيث يدري ولا يدري (١)

ومعنى هذا الشعر أنّ المهاجرين أنكروا على سعد تصدّيه للخلافة وحرّموها عليه ؛ لأنّه ليس من الاسر القرشية وأخذوها منه ؛ لأنّهم يمتّون إلى النبيّ ٦ بصلة النسب ، فهلاّ أرجعوها إلى الإمام الذي هو ألصق الناس برسول الله وأقربهم إليه.

١٢ ـ عثمان بن حنيف :

وكان عثمان بن حنيف من خيار الصحابة ، وقد انضمّ إلى الجماعة التي أنكرت على أبي بكر ، فقد قال له : سمعنا رسول الله ٦ يقول : « أهل بيتي نجوم الأرض ، فلا تتقدّموهم ، فهم الولاة من بعدي » ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ، وأي أهل بيتك؟ فقال : « عليّ والطّاهرون من ولده » (٢) .

وحكى هذا الاحتجاج النصّ الوارد من النبيّ ٦ في شأن أهل بيته ، وهو صريح واضح في تعيينهم خلفاء لامّته.

١٣ ـ سهل بن حنيف :

أمّا سهل بن حنيف فهو من خيار الصحابة ، وقد أعلن تأييده للإمام ٧ ، فقد

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٩ : ١٧٤.

(٢) حياة الإمام الحسن بن عليّ ٨ ١ : ١٦٨.

١٣٧

قال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبيّ :

يا معشر قريش ، اشهدوا عليّ ، إنّي أشهد على رسول الله ٦ وقد رأيته في هذا المكان ـ يعني جامعه ـ وقد أخذ بيد عليّ بن أبي طالب ٧ وهو يقول :

« أيّها النّاس ، هذا عليّ إمامكم من بعدي ، ووصيّي في حياتي وبعد وفاتي ، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوّل من يصافحني على حوضي ، وطوبى لمن تبعه ونصره ، والويل لمن تخلّف عنه وخذله » (١) .

لقد أدلى سهل بشهادته أمام القوم بأنّ الرسول ٦ قد نصّ على إمامة الإمام أمير المؤمنين وعلى سمو منزلته ، وعظيم مكانته عند الله تعالى وعند رسوله.

١٤ ـ خزيمة بن ثابت :

أمّا خزيمة بن ثابت فهو من ألمع الصحابة ومن أوثقهم وآثرهم عند النبيّ ٦ ، وقد كانت شهادته عند النبيّ تعادل شهادة شاهدين ، وذلك لما عرف به من الصدق ، وقد أعلن تأييده الكامل للإمام ٧ قال :

أيّها الناس ، ألستم تعلمون أنّ رسول الله ٦ قبل شهادتي وحدي ، ولم يرد معي غيري؟ فقالوا : بلى ، قال : فأشهد أنّي سمعت رسول الله ٦ يقول :

« أهل بيتي يفرّقون بين الحقّ والباطل ، وهم الأئمّة الّذين يقتدى بهم » ، وقد قلت ما علمت ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين (٢) .

وحكى خزيمة في احتجاجه ما سمعه من رسول الله ٦ في شأن عترته ، وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم ، وهي شهادة صدق وحقّ.

__________________

(١) حياة الإمام الحسن بن عليّ ٨ ١ : ١٩٧.

(٢) الاحتجاج ١ : ١٠٢.

١٣٨

١٥ ـ أبو الهيثم بن التيهان :

وأبو الهيثم بن التيهان ممّن عرف الإمام أمير المؤمنين ٧ ، وقد أدلى بشهادته على أنّه أولى بالخلافة من غيره فقال :

أنا أشهد على نبينا ٦ أنّه أقام عليّا يوم غدير خمّ ، فقالت الأنصار : ما أقامه إلاّ للخلافة ، وقال بعضهم : ما أقامه إلاّ ليعلم الناس أنّه مولى من كان رسول الله ٦ مولى له ، وكثر الخوض في ذلك ، فبعثنا رجالا منّا إلى رسول الله فسألوه عن ذلك؟ فقال : « قولوا لهم : عليّ وليّ المؤمنين بعدي ، وأنصح النّاس لامّتي » ، وقد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، إنّ يوم الفصل كان ميقاتا (١) .

وحكمت شهادة أبي الهيثم أنّ الرسول ٦ أقام الإمام ٧ خليفة على امّته ، وقلّده منصب الإمامة من بعده ، وعلى هذا الأساس بنت الشيعة اطارها العقائدي في إمامة الإمام ٧ .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن الاحتجاجات الصارمة التي اثرت عن أعلام الإسلام المتحرّجين في دينهم على أحقّية الإمام بالخلافة والولاية العامّة لامور المسلمين.

وعلى أي حال فإنّ أحداث السقيفة هي التي أدّت إلى انشقاق المسلمين وتفرّق كلمتهم ، فهي مصدر الفتنة الكبرى التي مني بها المسلمون على امتداد التاريخ ، ولم تنشأ الفتنة في أيام عثمان وعليّ ، كما يذهب إلى ذلك عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين.

لقد نظرت الشيعة بعمق وشمول إلى ما اثر عن النبيّ ٦ من الأخبار في فضل الإمام والإشادة بشخصيّته ، ولم يرد بعضها في غيره من أعلام الصحابة ، الأمر

__________________

(١) حياة الإمام الحسن بن عليّ ١ : ١٦٧.

١٣٩

الذي يدلّ بوضوح على أنّه ٦ قد نصّ عليه بالخلافة ، ولو لم تكن النصوص في حقّه موجودة لكان هو المتعيّن لهذا المنصب وذلك لمواهبه وعبقرياته وجهاده في سبيل الإسلام ، وقد ألمحنا في فصول هذا الكتاب إلى ذلك.

إجراءات مؤسفة :

واتّخذت حكومة أبي بكر مع أهل البيت : إجراءات مؤسفة اتّسمت بالقسوة والشّدة ، كان منها ما يلي :

كبس دار الإمام :

ولمّا أعلن الإمام ٧ رفضه الكامل لبيعة أبي بكر ، واحتجّ عليه بأنّه أولى بالخلافة منه لأنّه أخو النبيّ وأبو سبطيه وختنه على بضعته ، والمجاهد الأوّل في الإسلام ، وانضمّ إليه كبار الصحابة ، وكانوا يعقدون الاجتماع في داره ، فضاق أبو بكر من ذلك ذرعا ، فاقتضت سياسته أن يكبس دار الإمام ويتّخذ معه جميع وسائل العنف ، فأصدر أوامره إلى عمر بكبس داره وإخراجه قسرا إلى الجامع ليبايع ، وراح عمر يشتدّ ومعه شرطته وجنوده ، وحمل معه قبسا من النار ، وحمل جنوده الحطب وراحوا مسرعين يعلوهم الغضب ليحرقوا بيت الوحي والتنزيل ، البيت الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وهجم عمر على دار الإمام وهو مغيظ محنق رافعا صوته :

والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها.

فعذلته طائفة ، وحذّرته من عقوبة الله قائلة :

إنّ فيها فاطمة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثالث و الخمسون في الفتن و الشبه و البدع

١٦١

١ في أوّل الباب الثالث من النهج باب المختار

من حكم امير المؤمنينعليه‌السلام و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله و الكلام القصير الخارج في ساير أغراضه .

قالعليه‌السلام :

كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ قول المصنّف : « باب المختار » هو القسم الأخير من كتابه « من حكم أمير المؤمنينعليه‌السلام » اقتصر عليه في ( المصرية ) و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم : « و مواعظه » و هو الصحيح لأصحية نسختيهما لا سيما الأخير الذي نسخته بخط المصنف .

و لأنّ فيه مواعظ كثيرة و منها في العنوان ( ١٥٠ ) كلامهعليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه الذي قال المصنف فيه « و لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة » .

١٦٢

و وصف الشعبي كلامهعليه‌السلام في الحكم و غيرها فقال : تكلّم أمير المؤمنينعليه‌السلام بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث منهن في الحكمة و ثلاث في المناجاة و ثلاث في الأدب ، أما اللائي في الحكمة فقال : قيمة كلّ امرى‏ء ما يحسنه ، و ما هلك امرؤ عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه .

و أما اللائي في المناجاة فقال : اللّهم كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللائي في الأدب فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمّن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره(١) .

« و يدخل في ذلك المختار من أجوبة مسألته » ترى أجوبة مسألته في العناوين ( ١٦ ) ( ٣٠ ) ( ٩٤ ) ( ١٢٠ ) ( ١٥٠ ) ( ٢٢٧ ) ( ٢٢٩ ) ( ٢٣٥ ) ( ٢٦٦ ) ( ٢٨٧ ) ( ٢٩٤ ) ( ٣٠٠ ) ( ٣١٨ ) ( ٣٥٦ ) ( ٤٧٠ ) .

« و الكلام القصير » كان حاجب هشام بن عبد الملك يأمر منتجعيه بالإيجاز في الكلام ، فقام أعرابي فقال : إنّ اللَّه تعالى جعل العطاء محبة و المنع مبغضة فلأن نحبك خير من أن نبغضك فأعطاه و أجزل له .

« الخارج في سائر أغراضه » أي باقي مقاصده ، و الأصل في ( الغرض ) الهدف و ( سائر ) يأتي بمعنى الجميع و معنى الباقي ، و الأخير هو المراد هنا .

قوله « كن في الفتنة » الأصل في « الفتنة » قولهم « دينار مفتون » فتن بالنار ، و كلّ شي‏ء ادخل النار فقد فتن ، و قالوا « الناس عبيد الفتانين » أي الدرهم و الدينار .

« كابن اللبون » ابن اللبون : ولد الناقة الذكر إذا دخل في الثالثة ، لأن امّه

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق : ١٨٦ .

١٦٣

وضعت غيره فصار لها لبن ، و الانثى بنت اللبون ، و يجمعان بنات اللبون .

« لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب » نظيره قول حاجب بن زرارة في القعقاع :

ما هو رطب فيعصر و لا يابس فيكسر .

و في المثل : لا تكن حلوا فتزدرد و لا مرّا فتلفظ .

و من الأمثال في الاعتزال قولهم : لا ناقة لي في هذا و لا جمل و قالوا : ان كنت من أهل الفطن فلا تدر حول الفتن .

ثم كما لا ينتفع بابن اللبون لصغره كذلك بالثلب لكبره ، و هو الذي انكسرت أنيابه من شدّة هرمه ، و إنما الانتفاع الكامل بالناب الذي في وسط الشباب ، قال بعضهم :

ألم تر أن الناب يحلب علبة

و يترك ثلب لا ضراب و لا ظهر

قال ابن أبي الحديد : أيام الفتنة هي أيام الخصومة بين رئيسين ضالين يدعوان كلاهما إلى ضلالة ، كفتنة عبد الملك و ابن الزبير و فتنة مروان و الضحاك و فتنة الحجاج و ابن الأشعث ، و أما إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين(١) .

قلت : إن جانبوا العصبية و أرادوا فهم الحقيقة فأول أيام الفتنة أيام أوّلهم ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مويهبة مولى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بعث إليّ النبي من جوف الليل فقال : يا أبا مويهبة إنّي قد امرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال : السّلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى إلى أن قال ثم انصرف فبدأ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

١٦٤

بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه الذي قبض فيه(١) .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم في ذكره خطبة سيّدة نساء العالمين باتفاق فرق المسلمين لما منعها أبو بكر فدك و في الخطبة : فأنقذكم اللَّه برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب ، كلّما حشوا نارا للحرب أطفأها و نجم قرن للضلال و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللَّه قريبا من رسول اللَّه سيّدا في أولياء اللَّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون ، حتى إذا اختار اللَّه تعالى لنبيه دار أنبيائه ظهرت خلّة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفلين و هدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم ، فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير أبلكم و أوردتموها غير شربكم ، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجراح لما يندمل ، بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين(٢) .

و روى الإسكافي منهم في نقضه ( عثمانية الجاحظ ) عن أبي رافع قال :

أتيت أبا ذر بالربذة اودّعه ، فلما أردت الانصراف قال لي و لا ناس معي :

ستكون فتنة فاتقوا اللَّه و عليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه ، فإني سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : أنت أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني يوم القيامة ، و أنت الصدّيق الأكبر ، و أنت الفاروق الذي تفرّق بين الحق و الباطل ،

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٢ .

( ٢ ) بلاغات النساء لابن طيفور : ١٣ ١٤ .

١٦٥

و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين ، و أنت أخي و وزيري و خير من أترك بعدي(١) .

ثم ما قاله ابن أبي الحديد : من فتنة الحجاج و ابن الأشعث خلاف عقيدة أهل نحلته ، فإنّ عندهم كان قيام ابن الأشعث فتنة ، و أمّا الحجاج فكان عامل من بايعه جميع الناس و كان عندهم خليفة حقّا و أميرا للمؤمنين به .

و كذلك قوله « فتنة عبد الملك و ابن الزبير » غير صحيح عند أهل ملته ، فانّه عندهم كان ابتداء ابن الزبير ولي اللَّه و عبد الملك عدوّ اللَّه ، و لما غلب عبد الملك صار هو ولي اللَّه و ابن الزبير عدوّ اللَّه(٢) .

ففي ( كامل المبرد ) : خرج مصعب بن الزبير إلى باجميراء ، ثم أتى الخوارج خبر مقتله بمسكن و لم يأت المهلب و أصحابه ، فتواقفوا يوما على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المصعب ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : ضالّ مضل فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل صعب و إنّ أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك ، و ورد عليه كتاب عبد الملك بولايته ، فلما تواقفوا ناداهم الخوارج : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : لا نخبركم قالوا : فما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : إمام هدى قالوا : يا أعداء اللَّه بالأمس ضال مضل و اليوم امام هدى ، يا عبيد الدّنيا عليكم لعنة اللَّه(٣) .

و الخوارج و إن طعنوا عليهم بكون ما عليهم خلاف العقل و خلاف الفطرة التي فطر الناس عليها ، إلاّ أنّه يقال لهم : إنّ ذلك لازم لكم أيضا بموافقة العامة في إمامة صديقهم و صديقه ، فلا يمكن القول بالملزوم و ترك اللازم .

____________________

( ١ ) نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي : ٢٩٠ ملحقة بالعثمانية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٨٢ .

( ٣ ) الكامل في الأدب للمبرّد ٣ : ١١٠١ ١١٠٢ .

١٦٦

و أما قوله « إذا كان أحدهما صاحب حق فليست أيام فتنة كالجمل و صفين » فأيضا أهل ملّته غير معترفين به ، فهذا ابن عبد البر من أئمتهم قال في سعد بن أبي وقاص الذي لم يشهد الجمل و صفين مع أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان ممّن قعد و لزم بيته في الفتنة و أمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشي‏ء حتى تجتمع الامة على إمام(١) .

و قال في ترجمة ابن فاروقهم : قيل لنافع : ما بال ابن عمر بايع معاوية و لم يبايع عليّا ؟ فقال : كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة و لا يمنعها من جماعة ، و لم يبايع معاوية حتى اجتمعوا عليه(٢) .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي يصير معاوية الذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه في غير موطن و عدوّ الدين أولى بالإمامة من أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي جعله اللَّه تعالى في كتابه كنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله .( و أنفسنا و أنفسكم . ) (٣) و جعله النبي بمنزلة نفسه في المتواتر منه في قوله للناس : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه .

لا يقال : انّما قال « من كنت مولاه فعلي مولاه » لا ما قلت قلت : ما ذكرته ان لم يكن لفظه هو معناه ، ألم يكن قال تلك الجملة بعد قوله للناس « ألست بكم أولى من أنفسكم » و قول الناس له « بلى أنت أولى بنا من أنفسنا » فهل يصير معناها غير ما قلناه .

قبّح اللَّه هذا الدين الذي هو خلاف ناموس الإنسانية ، حتى ان الحجاج الذي قال عمر بن عبد العزيز الذي هو أحد خلفائهم : لو أنّ جميع الامم جاءت

____________________

( ١ ) الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ٢ : ٦٠٩ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٩٥٣ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

١٦٧

يوم القيامة كلّ واحدة منهم بشرارهم و جئناهم بالحجاج لغلبنا جميعهم لم يرضه ، فقال الاسكافي أحد أئمتهم في نقض ( عثمانيته ) : امتنع ابن عمر من بيعة عليعليه‌السلام و طرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، زعم لأنّه روي ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « من مات و لا إمام له مات ميتة جاهلية »(١) و حتى بلغ من احتقار الحجاج له و استرذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال : اصفق بيدك عليها قال و رواه بعضهم و زاد : و لما خرج قال الحجاج : ما أحمق هذا يترك بيعة علي و يأتيني مبايعا في ليله .

٢ الخطبة ( ٩١ ) إِنَّ اَلْفِتَنَ

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلاَتٍ وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْلَ اَلرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أقول : رواه الثقفي في أول ( غاراته ) باسنادين عن زر بن حبيش عنهعليه‌السلام : الأول عن إسماعيل بن ابان عن عبد الغفار بن القاسم عن المنصور بن عمرو عن ذر و الثاني عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه عن أبن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر قال : خطب عليعليه‌السلام بالنهروان إلى أن قال فقام إليه رجل آخر فقال لهعليه‌السلام : حدّثنا عن الفتن قال : ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات ، ان الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا و يخطئن اخرى(٢) .

« ان الفتن إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت نبهت » في ( نهاية الجزري ) : التشابه قسمان ، قسم إذا ردّ إلى المحكم يفهم معناه ، و قسم لا سبيل إلى معرفة

____________________

( ١ ) نقض العثمانية : ٣٠١ .

( ٢ ) الغارات للثقفي : ٧ .

١٦٨

حقيقته ، فالمتتبع له متتبع للفتنة ، لأنّه لا يكاد ينتهي إلى شي‏ء تسكن إليه نفسه ، و منه حديث ذكر فيه فتنة « تشبه مقبلة و تبين مدبرة » أي أنّها إذا أقبلت شبهت على القوم و أرتهم أنّهم على الحق حتى يدخلوا فيها و يركبوا منها ما لا يجوز ، فإذا أدبرت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنّه كان على الخطأ(١) .

« ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات » قد عرفت أنّ ( غارات الثقفي ) رواه « يشبهن مقبلات و يعرفن مدبرات » .

« يحمن حول الرياح » هكذا في ( المصرية )(٢) ، و الصواب : « حوم الرياح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )(٣) ، مع أنّه لا معنى لما في ( المصرية ) ، فالفتن لا يدرن حول الرياح بل يدرن حول الناس دور الرياح ، من قولهم « حام الطائر حول الشي‏ء حوما » أي دار .

« يصبن بلدا و يخطئن اخرى » أي كما أن الرياح الشديدة تصيب بلدا و تخطى‏ء بلدا كذلك الفتن يصبن بلدا فيبتلى الناس بوخامتهن و يخطئن بلدا فيسلمون منها .

٣ الحكمة ( ٧٦ ) و قالعليه‌السلام :

إِنَّ اَلْأُمُورَ إِذَا اِشْتَبَهَتْ اُعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا كان العباسيون يدّعون إجراء العدالة إذا ظهروا إلاّ انّه كان حالهم في الآخر معلومة من أوّلها .

____________________

( ١ ) النهاية لابن الأثير للجزري ٢ : ٤٤٢ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٢٣٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٤٤ الخطبة ( ١٩٢ ) ، أمّا شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٨ ، بلفظ « حول » ، أما الخطبة ٧٤ بلفظ « حوم » .

١٦٩

و لما بايعت الأوس أبا بكر لئلا يصير الأمر إلى الخزرج و كانت بينهما رقابة من الجاهلية ، قال لهم المنذر بن الحباب : فعلتموها أما و اللَّه لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم و لا يسقون الماء .

و صار كما قال(١) .

٤ الحكمة ( ٩٣ ) و قالعليه‌السلام :

لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ اَلْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَ لَكِنْ مَنِ اِسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ اَلْفِتَنِ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ١ ٧ ٨ : ٢٨ وَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ لِيَتَبَيَّنَ اَلسَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ اَلرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَكِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ اَلذُّكُورَ وَ يَكْرَهُ اَلْإِنَاثَ وَ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ اَلْمَالِ وَ يَكْرَهُ اِنْثِلاَمَ اَلْحَالِ و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير « لا يقولن أحدكم اللّهم اني أعوذ بك من الفتنة » قال ابن بابويه في ( توحيده ) :

الفتنة على عشرة أوجه : فوجه الضلال ، و الثاني : الاختبار و هو قوله تعالى .( و فتناك فتونا ) .(٢) ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون ) (٣) و الثالث : الحجّة و هو قوله تعالى( ثم لم تكن فتنتهم إلاّ أن قالوا

_ ___________________

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٨٦ .

( ٢ ) طه : ٤٠ .

( ٣ ) العنكبوت : ١ ٢ .

١٧٠

 و اللَّه ربنا ما كنّا مشركين ) (١) و الرابع : الشرك و هو قوله تعالى .( و الفتنة أشدّ من القتل ) .(٢) و الخامس : الكفر و هو قوله تعالى .( ألا في الفتنة سقطوا ) .(٣) و السادس : الإحراق بالنار و هو قوله تعالى( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) . .(٤) و السابع : العذاب كقوله تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٥) ( ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ) (٦) .( و من يرد اللَّه فتنته فلن تملك له من اللَّه شيئا ) . .(٧) و الثامن : القتل كقوله تعالى .( إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) .(٨) ( فما آمن لموسى إلاّ ذريّة من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) .(٩) و التاسع : الصدّ كقوله تعالى( و ان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك ) .(١٠) و العاشر : شدّة المحنة كقوله تعالى .( ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) (١١) ، و قد زاد علي بن ابراهيم وجها آخر ، و هو المحبة كقوله تعالى .( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(١٢) و عندي أنّه المحنة بالنون لا المحبة بالباء لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « الولد مجبنة مبخلة »(١٣) .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٢٣ .

( ٢ ) البقرة : ١٩١ .

( ٣ ) التوبة : ٤٩ .

( ٤ ) البروج : ١٠ .

( ٥ ) الذاريات : ١٣ .

( ٦ ) الذاريات : ١٤ .

( ٧ ) المائدة : ٤١ .

( ٨ ) النساء : ١٠١ .

( ٩ ) يونس : ٨٣ .

( ١٠ ) الاسراء : ٧٣ .

( ١١ ) يونس : ٨٥ .

( ١٢ ) الأنفال : ٢٨ .

( ١٣ ) بحار الأنوار ١٠٤ : ٩٧ رواية ٦٠ ب ٢ .

١٧١

قلت : و المفهوم من الخليل أن الأصل في معناه الإحراق ، فقال : الفتن الإحراق(١) ، قال تعالى( يوم هم على النار يفتنون ) (٢) ، و ورق فتين أي فضة محرقة و يقال للحرة فتين كأن حجارتها محرقة .

هذا ، و عن الأصمعي لا يقال أفتنته بل فتنته ، ورد عليه بقول أعشى همدان في سعيد بن جبير :

لئن أفتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلى كلّ مسلم(٣) و عن ام عمرو بنت الأهتم : مررنا بمجلس فيه سعيد بن جبير و نحن جوار و معنا جارية تغني بدف معها و تنشد البيت « لئن أفتنتني . » ، فقال سعيد : كذبتن كذبتن .

« لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة » و لو بالمال أو الولد ، و لأنّ سنته تعالى فتن عباده و لن تجد لسنته تبديلا ، قال تعالى( أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فَليعلمنَّ اللَّه الذين صدقوا و ليعلَمَنَّ الكاذبين ) (٤) .

« و لكن من استعاذ فليستعذ باللَّه من مضلاّت الفتن » كما في فتنة بني اسرائيل بالعجل الذي أضلّهم السامري به حتى تركوا هارون و أرادوا قتله .

و كما في فتنة المسلمين بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل فتنة بني اسرائيل بجعل الثاني الأول عجله حتى تركوا خليفة نبيّهم و أرادوا قتله ، و كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم في المتواتر : لتتبعن بني إسرائيل حذوا بحذو حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

____________________

( ١ ) العين لأحمد الفراهيدي ٨ : ١٢٧ مادة ( فتن ) .

( ٢ ) الذاريات : ١٣ .

( ٣ ) العين للفراهيدي ٨ : ١٢٨ مادة ( فتن ) .

( ٤ ) العنكبوت : ٢ ٣ .

١٧٢

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في قصة السقيفة فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو لضرب عنقك قال : إذن تقتلون عبد اللَّه و أخا رسوله قال عمر : أما عبد اللَّه فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه ؟ فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصيح و يبكي و ينادي : يابن امّ إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني إلى آخر ما ذكر(١) .

هذا ، و روى ( توحيد الصدوق ) أنّه تعالى قال : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالفقر و لو أغنيته لأفسده ، و إنّ منهم لمن لا يصلح ايمانه إلاّ بالغنى و لو أفقرته لأفسده ، و ان منهم لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالسقم و لو صححت جسده لأفسده ذلك ، و إنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلاّ بالصحّة و لو أسقمته لأفسده ، و إنّي ادبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليم خبير(٢) .

« فإنّ اللَّه سبحانه يقول( و اعلموا أنّما أموالكم و أولادكم فتنة و أن اللَّه عنده أجر عظيم ) (٣) .

« و معنى ذلك أنّه سبحانه » سقطت كلمة « سبحانه » من ( المصرية )(٤) مع وجودها في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية )(٥) .

____________________

( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١٣ .

( ٢ ) التوحيد للصدوق : ٣٩٨ ح ١ .

( ٣ ) الأنفال : ٢٨ .

( ٤ ) الطبعة المصرية : ٦٧٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٤٨ ، و ابن ميثم ٥ : ٢٨٧ .

١٧٣

« يختبرهم » أي : يمتحنهم .

« بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه » في الأموال .

« و الراضي بقسمه » في الأولاد .

« و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم » .( فليعلمن اللَّه الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ) (١) .

« و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب » لأن الجزاء على العمل لا مجرّد النيّة و مقتضى الطوية ، و إن كان هو تعالى يثيب على مجردهما تفضلا و لا يؤاخذ على صرفهما تكرّما .

« لأنّ بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث » حتى قال تعالى( في مثلهم و إذا بُشّر أحدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم يتوارى عن القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (٢) .

قالوا : و لحب الناس الذكور و كراهتم للإناث و كان الواجب عليهم التسليم لمشيته تعالى شأنه قدّم عز و جل هبة الإناث على الذكور فقال .( يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور ) (٣) .

« و بعضهم يحبّ تثمير المال و يكره انثلام الحال » أي وقوع الخلل فيه ، قال تعالى( و إنّه لحبّ الخير لشديد ) (٤) و فسر الخير هنا بالمال .

و قال تعالى في امتحان عبيده بالمال و الولد و غيرهما( و لنبلونكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات

_ ___________________

( ١ ) العنكبوت : ٣ .

( ٢ ) النحل : ٥٨ ٥٩ .

( ٣ ) الشورى : ٤٩ .

( ٤ ) العاديات : ٨ .

١٧٤

 و بشّر الصابرين ) (١) .

« و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير » و لو كان قال ما روي عنهعليه‌السلام بدل ما سمع منهعليه‌السلام كان أحسن .

جعله من غريب التفسير لأنّ المتبادر من كون الأموال فتنة أنّ الانسان يطغى أن رآه استغنى ، و أنّ كثيرا من الناس يميل المال بهم إلى الشهوات كما أنّ كثيرا منهم يصعب عليهم إخراج الحقوق التي أوجب اللَّه تعالى عليهم في المال فيهلكون كما ان المتبادر من كون الأولاد فتنة أنّهم يصيرون سببا للتخلّف عن الجهاد ، و البخل عن الزكاة ، و تحصيل المال لهم من غير طريق المشروع لو ضاق عليه المشروع و لموافقة الآباء غالبا أهواء أبنائهم المهوية ، كما اتفق للزبير مع ابنه ، فقالعليه‌السلام : ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه الميشوم .

و روت العامة في تفسير الآية عن بريدة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب فجاء الحسن و الحسينعليهما‌السلام و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما فأخذهما و وضعهما في حجره على المنبر و قال : صدق اللَّه تعالى( انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) .(٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما(٣) .

هذا ، و مما روي عنهعليه‌السلام من غريب التفسير غير ما مرّ أنّهعليه‌السلام قال :

الاستثناء في اليمين متى ما ذكر و لو بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الآية . و اذكر ربّك إذا نسيت .(٤) .

و أنّهعليه‌السلام قال : تستحب المقاربة مع أهله ليلة أول شهر الصيام لقوله

____________________

( ١ ) البقرة : ١٥٥ .

( ٢ ) التغابن : ١٥ .

( ٣ ) سنن الترمذي ٥ : ٦١٦ ح ٣٧٧٤ .

( ٤ ) الكافي ٧ : ٤٤٨ الرواية ٦ ، و الآية ٢٤ من سورة الكهف .

١٧٥

تعالى( اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) . .(١) .

٥ في الخطبة ( ١٤٣ ) منها :

وَ مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا اَلْبِدَعَ وَ اِلْزَمُوا اَلْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ اَلْأُمُورِ أَفْضَلُهَا إِنَّ مُحْدَثَاتِهَا شِرَارُهَا « و ما احدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة » قال ابن أبي الحديد : البدعة كلّ ما لم يكن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنها الحسن كصلاة التراويح و منها القبيح كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية و إن كانت قد تكلّفت الأعذار عنها(٢) .

قلت : صلاة التراويح أيضا من بدع ، قالعليه‌السلام ترك بها سنة ، و كيف تكون حسنة و كانت تشريعا في قبال الدين ، و إنما التشريع للَّه تعالى( ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ لكم فيه لما تخيرون ) (٣) .

ما كان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشرّع شيئا من قبل نفسه إلاّ بوحي منه تعالى إليه ، فكيف كان لعمر الذي أفحمته مرأة في أنفها فطس في حظره جعل الصداق أكثر من خمسمائة درهم بأنّه تعالى قال .( و آتيتم إحداهن قنطاراً ) .(٤) فقال : كل الناس أفقه من عمر .

و روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه

____________________

( ١ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) القلم : ٣٦ ٣٨ .

( ٤ ) النساء : ٢٠ .

١٧٦

ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها تفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي و قليل من شيعتي ، و اللَّه لقد أمرت أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي يا أهل الاسلام لقد غيرت سنّة عمر نهينا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و قد خفت أن يثوروا في ناحية عسكري(١) .

و روى محمد بن علي بن بابويه عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في جماعة بدعة ، و صلاة الضحى بدعة ، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(٢) .

و روى محمد بن يعقوب الكليني : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مر برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة ، فغمز جنبه بالدرة و قال : نحرت صلاة الأوابين نحرك اللَّه(٣) .

و أما أعمال عثمان و لم قال كالمنكرات التي ظهرت أواخر الخلافة العثمانية كنفيه أبا ذر و ضربه عمارا و نهبه بيت المال لأقاربه و توليته لهم حتى يصلّوا بالناس سكارى و يصلّوا الصبح أربعا و يغنوا في الصلاة و غيرها من نظائرها فشنائع ينكرها الموحد و الملحد و المسلم و الكافر .

و أما ما قاله من تكلّف الأعذار الذي نوريهم ، فالتكلّف لعدم منكرية عداوة أبي جهل مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرب إلى العقول منه .

ثم جعلها في عداد البدع كصلاة التراويح في غير محله .

____________________

( ١ ) سليم بن قيس ، لا وجود له في الطبعة النجفية ، لعل المؤلف أخذه من البحار حيث ذكر المجلسي في ٩٦ : ٢٠٣ الرواية ٢١ باب ٢٤ .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٧ الرواية ١٩٦٤ باب ٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٤٥٢ رواية ٨ .

١٧٧

« فاتقوا البدع » روى ابن بابويه عن الصادقعليه‌السلام : من مشى إلى صاحب بدعة فوقرها فقد مشى في هدم الإسلام(١) .

« و الزموا المهيع » أي الطريق الواسع و هو طريق الاسلام ، قال تعالى( و إنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ) . .(٢) .

« إنّ عوازم الامور أفضلها » قال ابن أبي الحديد : عوازم ما تقادم منها من قولهم « عجوز عوزم » أي مسنّة ، و يجوز أن يكون جمع عازمة بمعنى مفعول أي معزوم عليها ، أي مقطوع معلوم بيقين صحتها ، و الأول أظهر لأن في مقابلته « و ان محدثاتها » و المحدث في مقابلة القدم(٣) .

قلت : بل الظاهر أن « عوازم » محرف « قدائم » جمع قديم للتشابه الخطي بينهما ، لأن العزم في مقابل الرخصة لا المحدث ، يقال عزائم القرآن و رخصه ، ثم جمع العوزم بالعوازم كما قاله غير معلوم .

٦ الخطبة ( ٥٠ ) و من كلام لهعليه‌السلام :

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ اَلْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اَللَّهِ وَ يَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اَللَّهِ فَلَوْ أَنَّ اَلْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ اَلْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى اَلْمُرْتَادِينَ وَ لَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا

____________________

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٥٧٢ ح ٤٩٥٧ الباب ٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٩٤ .

١٧٨

ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ٢ ٤ ٢١ : ١٠١ مِنَ اَللَّهِ اَلْحُسْنى‏ ٦ ٦ ٢١ : ١٠١ أقول : رواه الكليني في ( بدع كافيه ) بإسنادين عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : أيها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللَّه ، يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا ، فهنا لك استحوذ الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم منه الحسنى(١) .

و رواه في ( روضته ) مع زيادات ، فروى عن سليم بن قيس قال : خطب عليعليه‌السلام فقال : إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع و أحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم اللَّه ، يتولى فيها رجال رجالا ، إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيجللان معا ، فهنا لك يستولي الشيطان على أوليائه و نجا الذين سبقت لهم الحسنى ، إنّي سمعت رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

كيف أنتم إذا لبستكم فتنة تربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري الناس عليها و يتخذونها سنة ، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السنّة ، و قد أتى الناس منكرا ثم تشتدّ البلية و تسبى الذريّة و تدقهم الفتنة كما تدقّ النار الحطب و كما تدقّ الرحى بثفالها ، و يتفقهون لغير اللَّه و يتعلمون لغير العمل و يطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ناقضين بعهده مغيّرين لسنّته ، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها

____________________

( ١ ) الكافي ١ : ٥٤ رواية ١ و أيضا ٨ : ٥٨ الرواية ٢١ .

١٧٩

و الى ما كانت في عهد رسول اللَّه لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللَّه و سنّة رسوله ، أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه و رددت فدك إلى ذريّة فاطمة و رددت صاع رسول اللَّه كما كان و أمضيت قطائع أقطعها النبي لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ و رددت دار جعفر إلى ورثته و هدمتها من المسجد و رددت قضايا من الجور قضي بها و نزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن و استقبلت بهن الحكم ( في الفروج و الأحكام ) و سبيت ذراري بني تغلب و رددت ما قسم من أرض خيبر و محيت دواوين العطاء و أعطيت كما كان النبي يعطي بالسوية و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و ألقيت المساحة و سويت بين المناكح و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللَّه عز و جل و فرضه و رددته إلى ما كان عليه و سددت ما فتح من الأبواب و فتحت ما سد منه و حرمت المسح على الخفين و حددت على النبيذ و أمرت باحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات و ألزمت الناس الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم و أخرجت من ادخل مع رسول اللَّه في مسجده ممن كان رسول اللَّه أخرجه و أدخلت من اخرج بعد رسول اللَّه و حملت الناس على حكم القرآن ( في ) الطلاق على السنّة و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و حدودها و رددت أهل نجران إلى مواضعهم و رددت سبايا فارس و سائر الامم إلى كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إذن لتفرّقوا عني ، و اللَّه لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : يا أهل الاسلام غيّرت سنّة عمر نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعا ، و لقد خفت أن

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287