موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام20%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147568 / تحميل: 5354
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٧ ـ أبو مريم بن محرش.

٨ ـ نافع بن الحرث.

هؤلاء بعض عمّاله وولاته الذين شاطرهم أموالهم ، ويقول المؤرّخون : إنّ السبب في اتّخاذه هذا الإجراء هو يزيد بن قيس ، فقد حفّزه إلى ذلك ودعاه إليه بهذه الأبيات :

أبلغ أمير المؤمنين رسالة

فأنت أمين الله في النهي والأمر

وأنت أمين الله فينا ومن يكن

أمينا لربّ العرش يسلم له صدري

فلا تدعن أهل الرّساتيق والقرى

يسيغون مال الله في الادم والوفر

فارسل إلى الحجّاج فاعرف حسابه

وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر

ولا تنسينّ النافعين كليهما

ولا ابن غلاب من سراة بني نصر

وما عاصم منها بصفر عيابه

وذاك الذي في السوق مولى بني بدر

وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه

وصهر بني غزوان إنّي لذو خبر

وشبلا فسله المال وابن محرّش

فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر

فقاسمهم أهلي فداؤك إنّهم

سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

ولا تدعوني للشّهادة إنّني

أغيب ولكنّي أرى عجب الدهر

نئوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا

فأنّى لهم وفرّ ولسنا أولي وفر

إذا التاجر الداري جاء بفأرة

من المسك راحت في مفارقهم تجري

وعلى أثر ذلك قام عمر فشاطر عمّاله نعلا بنعل (١) ، ومعنى هذا الشعر أنّ هؤلاء الولاة قد اقترفوا جريمة السرقة وخانوا مال المسلمين ، والواجب يقضي بأن تصادر جميع أموالهم وضمّها إلى بيت مال المسلمين ، وإذا ثبتت خيانتهم فيقصون

__________________

(١) الغدير ٦ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

١٨١

عن وظائفهم ، ولا تشاطر أموالهم كما فعل عمر.

وعلى أي حال فإنّ شدّة عمر ومراقبته لولاته لم تجد ، فقد كانت هناك شكاوى متّصلة منهم ، فقد أرسل إليه بعض المسلمين يشتكون من القائمين على الخراج ، وفيها هذان البيتان :

نئوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا

فأنّى لهم وفر ولسنا أولي وفر

إذا التاجر الداري جاء بفأرة

من المسك راحت في مفارقهم تجري (١)

بقي هنا شيء يدعو إلى التساؤل ، وهو أنّ عمر قد استعمل الشدّة والصرامة مع عمّاله وولاته سوى معاوية بن أبي سفيان فإنّه كان يحدب عليه ويشفق ، فلم يفتح معه أي لون من التحقيق ولم يحاسبه على بذخه وإسرافه ، وتكدّس الأموال عنده حيث تتواتر إليه الأخبار باختلاسه لبيت المال وإنفاقه الأموال الهائلة على رغباته وتوطيد ملكه فيعتذر عنه ويشيد به قائلا :

تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية (٢) ، وهذا مجاف لما في الحديث النبوي : « هلك كسرى ثمّ لا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكنّ ثمّ لا يكون قيصر بعده ، والّذي نفسي بيده! لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله ».

لقد بالغ في تسديد معاوية والإشادة به ولم يحفل بجرحه ، فقد أخبره جماعة من الصحابة أنّ معاوية قد جافى سنّة رسول الله ٦ ، فهو يلبس الحرير والديباج ويستعمل أواني الذهب والفضة ولا يتحرّج في أعماله وسلوكه عمّا خالف السنّة ، فأنكر عليهم عمر وقال لهم :

دعونا من ذمّ فتى من قريش من يضحك في الغضب ولا ينال ما عنده من

__________________

(١) فتوح البلدان : ٣٨٤.

(٢) تاريخ الطبري ٦ : ١١٤.

١٨٢

الرضاء ولا يؤخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدمه (١) .

وقد ذهب في تسديده إلى أبعد من ذلك ، فقد نفخ فيه روح الطموح وهدّد به أعضاء الشورى الذين انتخبهم من بعده قائلا : إنّكم إن تحاسدتم وتدابرتم ، وتباغضتم غلبكم على هذا معاوية بن أبي سفيان (٢) .

ولمّا أمن معاوية جانب عمر أخذ يعمل في الشام عمل من يريد الملك والسلطان (٣) .

سياسته المالية :

أمّا سياسة عمر ومنهجه المالي فقد كان مخالفا لسياسة أبي بكر المالية ، فقد كان أبو بكر يساوي في العطاء ، وقد أشار عليه عمر بالعدول عن ذلك قائلا :

إنّ الله لم يفضّل أحدا على أحد ، ولكنّه قال : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) ، ولم يخصّ قوما دون آخرين (٤) .

ولمّا أفضت إليه الخلافة عدل عن سياسة أبي بكر وفضّل بعض المسلمين على بعض في العطاء ، وقال : إنّ أبا بكر رأى في هذا الحال رأيا ، ولي فيه رأي آخر ، لا أجعل من قاتل رسول الله ٦ كمن قاتل معه (٥) . وقد فرض للمهاجرين والأنصار ممّن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ، وفرض لمن كان إسلامه كإسلام أهل بدر

__________________

(١) الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة ٣ : ٣٧٧.

(٢) نهج البلاغة ١ : ١٨٧.

(٣) حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٢٩٦.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٨ : ١١١.

(٥) حياة الإمام الحسن بن عليّ ٨ ١ : ٢٨٤.

١٨٣

ولم يشهد بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف ، وفرض لأزواج النبيّ ٦ اثني عشر ألفا إلاّ صفية وجويرية ففرض لهما ستّة آلاف فرفضتا ذلك ، كما فرض للعبّاس عمّ رسول الله ٦ اثني عشر ألفا ، وفرض لاسامة بن زيد أربعة آلاف ، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف فأنكر عليه ذلك ، وقال له :

يا أبت ، لم زدته عليّ ألفا؟ ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لأبي ، وكان له ما لم يكن لي؟

فقال له عمر : إنّ أبا اسامة كان أحبّ إلى رسول الله ٦ من أبيك ، وكان اسامة أحبّ إلى رسول الله منك (١) .

وقد فضّل عمر العرب على العجم ، والصريح على الموالي (٢) .

وأدّت هذه السياسة إلى إيجاد الطبقيّة بين المسلمين ، كما أدّت إلى تصنيف الناس بحسب قبائلهم واصولهم ، فنشط النسّابون لتدوين الأنساب ، وتصنيف القبائل بحسب اصولها (٣) .

وكان هذا الإجراء قد أوجد تحوّلا في الجماعة الإسلامية ، فقد أدّى إلى حنق الموالي على العرب ، وظهور النعرات الشعوبية والقومية ، في حين إنّ الإسلام قد ساوى بين جميع المسلمين وجعل رابطة الدين أقوى من رابطة النسب والدم.

ناقدون :

وأثارت هذه السياسة المالية التي انتهجها عمر موجة من النقد والسخط من المحقّقين ، وهؤلاء بعضهم :

__________________

(١) الخراج : ٢٤٤.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٨ : ٤١١.

(٣) العصبية القبلية : ١٩٠.

١٨٤

١ ـ الدكتور محمّد مصطفى :

وأنكر الدكتور محمّد مصطفى هذه السياسة قال : وفرض العطاء على هذه الصورة قد أثّر تأثيرا خطيرا في الحياة الاقتصادية للجماعة الإسلامية ؛ إذ خلق شيئا فشيئا طبقة ارستقراطية غنيّة يأتيها رزقها رغدا دون أن تنهض بعمل ما مقابل ما يدخل إليها من أموال ذلك أنّ فرض العطاء كان يرتكز على ناحيتين : القرابة من رسول الله ، والسابقة في الإسلام ، ولهذه القرابة ولتلك السابقة درجات ودرجات ، وبهذا لم يرع عمر فرض العطاء ذلك للمقابل الذي لا بدّ من أن تأخذه الدولة في صورة عمل وجهاد (١) .

٢ ـ العلاّمة العلائلي :

قال العلاّمة العلائلي : هذا التنظيم المالي أوجد تمايزا كبيرا ، وأقام المجتمع العربيّ على قاعدة الطبقات بعد أن كانوا سواء في نظر القانون ( الشريعة ) ، فقد أوجد ارستقراطية وشعبا وعامّة (٢) .

٣ ـ الدكتور عبد الله سلام :

وأنكر الدكتور عبد الله سلام هذه السياسة التي انتهجها عمر في سياسته المالية ، قال : لست أدري كيف اتّخذ عمر هذا الاجراء ولما ذا اتّخذه؟ إنّه إجراء أوجد تفاوتا اجتماعيا واقتصاديا ، إجراء أوجد بذور التنافس والتفاضل بين المسلمين (٣) .

إنّ السياسة التي جرى عليها عمر في الميدان الاقتصادي لا تحمل أي طابع

__________________

(١) اتّجاهات الشعر العربيّ : ١٠٨.

(٢) الإمام الحسين ٧ : ٢٣٢.

(٣) الغلوّ والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية : ٢٥١.

١٨٥

من التوازن ، فقد خلقت الرأسمالية عند عدد من الصحابة ، فقد تكدّست عندهم الأموال ، وقد خلّف بعضهم بعد موته من الذهب ما يكسّر بالفؤوس ، وبذلك فقد سيطرت الرأسمالية على شئون الدولة ، وقد سخّرت أجهزتها لمصالحها الخاصّة ، وقد ازداد نفوذها وثراؤها أيام حكومة عثمان بن عفّان عميد الاسرة الأموية وبعد قتله ، ولمّا تسلّم الإمام ٧ قيادة الحكم جهدت في معارضته ؛ لأنّ سياسته العادلة كانت تهدف إلى منعهم من الامتيازات الخاصّة ومصادرة أموالهم التي ابتزوها بغير حقّ ، كما سنوضّح ذلك عند التحدّث عن حكومة الإمام.

ندم عمر :

وندم عمر في آخر أيام حكومته لما تفشّى الثراء العريض عند بعض الصحابة وراح يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرته أخذت من الأغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء.

وفيما أحسب أنّ هذا الإجراء الذي أراد عمر أن يتّخذه لا يخلو من تأمّل ؛ فإنّ فضول أموال الأغنياء إن كانت مختلسة من أموال الدولة فيجب مصادرتها وتأميمها ، وإن كانت من أموال التجارة فليس له من سبيل عليها ، والواجب أخذ ما عليها من الضرائب المالية إن كانت خاضعة لها ، ومهما يكن الأمر فإنّ أموال الأغنياء إن كانت من الفيء ومن جباية الجزية والخراج فهي ملك للمسلمين فلا يجوز أن يستأثر بها فريق دون فريق.

اعتزال الإمام :

واعتزل الإمام أيام حكومة عمر ، ولم يشترك بأي عمل من أعمال الدولة ، كما اعتزل في أيام حكومة أبي بكر ، يقول محمّد بن سليمان في أجوبته على أسئلة

١٨٦

جعفر بن مكّي عمّا دار بين علي وعثمان : إنّ عليّا دحضه الأوّلان ـ يعني أبا بكر وعمر ـ وأسقطاه ، وكسرا ناموسه بين الناس فصار نسيا منسيا (١) .

ويعزو الإمام ٧ جميع ما لاقاه في حياته من النكبات والأزمات إلى عمر ، وذلك في حديث خاصّ له مع عبد الله بن عمر (٢) .

وعلى أي حال فقد اعتزل الإمام ٧ الناس اعتزالا تامّا ، وانصرف إلى تفسير القرآن الكريم ، ولم يتّصل بأحد سوى الصفوة من أصحابه أمثال الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر ، والثائر على الحكم الأموي أبو ذرّ ، وسلمان الفارسي وغيرهم من خيار أصحاب الرسول.

وكان عمر يرجع إلى الإمام في المسائل الفقهية ؛ لأنّ بضاعته كانت قليلة فيها ، وقد شاع عنه قوله :

لو لا علي لهلك عمر (٣) .

وقد نزلت في عمر نازلة فحار في التخلّص منها ، وعرض ذلك على أصحابه فقال لهم :

ما تقولون في هذا الأمر؟

فأجابوه : أنت المفزع والمنزع ...

فلم يرضه قولهم وتلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) (٤) .

ثمّ قال لهم :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٩ : ٩٨.

(٢) المصدر السابق : ٥٤.

(٣) الغدير ٦ : ٨٣ ، وفيه عرض شامل لذلك.

(٤) الأحزاب : ٧٠.

١٨٧

أما والله! إنّي وإيّاكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بها.

فقالوا :

كأنّك أردت ابن أبي طالب؟

وأنّى يعدل بي عنه ، وهل طفحت حرّة بمثله ..

لو دعوته يا أمير المؤمنين.

فامتنع من إجابتهم وقال :

إنّ هناك شمخا من هاشم ، واثرة من علم ، ولحمة من رسول الله ٦ يؤتى ولا يأتي فامضوا بنا إليه ..

وخفّوا جميعا إليه فوجدوه في حائط له يعمل فيه وعليه تبان ، وهو يقرأ قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) إلى آخر السورة ودموعه تنهمر على خدّيه ، فلمّا رآه القوم اجهشوا في البكاء ، ولمّا سكتوا سأله عمر عمّا ألمّ به ، فأجابه عنه ، والتفت عمر إلى الإمام فقال له :

أما والله! لقد أرادك الحقّ ، ولكن أبى قومك ...

فأجابه الإمام :

« يا أبا حفص ، خفّض عليك من هنا وهنا » ، وقرأ قوله تعالى : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ) .

وذهل عمر فوضع إحدى يديه على الاخرى ، وخرج كأنّما ينظر في رماد (١) .

وعلى أي حال فإنّ الإمام في خلافة عمر قد كان جليسا في بيته يساور الهموم ، ويسامر النجوم ، ويتوسّد الأرق ، ويتجرّع الغصص ، قد كظم غيظه ، وأوكل أمره إلى الله تعالى.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ٧٩ ـ ٨٠.

١٨٨

نصيحته لعمر :

ونصح الإمام ٧ عمر في موضعين ، وأسدل عمّا يكنّه من الموجدة من ضياع حقّه ، وذلك حفظا لكلمة الإسلام وهما :

١ ـ غزو الروم :

ورام عمر أن يمضي لغزو الروم ، فنهاه الإمام عن ذلك وقال له :

« إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك ، فتلقهم فتنكب ، لا تكن للمسلمين كانفة (١) دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه ، فابعث إليهم رجلا محربا ، واحفز معه أهل البلاء والنّصيحة ، فإن أظهر الله فذاك ما تحبّ ، وإن تكن الأخرى ، كنت ردءا للنّاس ومثابة للمسلمين ».

٢ ـ غزو الفرس :

واستشار عمر الإمام في الخروج بنفسه لغزو الفرس ، فأشار عليه بعدم خروجه قائلا :

« إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة. وهو دين الله الّذي أظهره ، وجنده الّذي أعدّه وأمدّه ، حتّى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ؛ ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده. ومكان القيّم بالأمر مكان النّظام من الخرز يجمعه ويضمّه : فإن انقطع النّظام تفرّق الخرز وذهب ، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم ، وإن كانوا قليلا ، فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالاجتماع! فكن قطبا ، واستدر الرّحا بالعرب ، وأصلهم دونك نار الحرب ، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتّى يكون ما تدع وراءك من

__________________

(١) الكانفة : هي العاصمة التي يلجئون إليها.

١٨٩

العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك.

إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا : هذا أصل العرب ، فإذا اقتطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك ، وطمعهم فيك. فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين ، فإنّ الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك. وهو أقدر على تغيير ما يكره.

وأمّا ما ذكرت من عددهم ، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ، وإنّما كنّا نقاتل بالنّصر والمعونة! ».

وكان رأي الإمام هو الرأي المشرق ، فإنّ خروج عمر مع الجيش تكون له مضاعفاته السيّئة على المسلمين ، والتي منها أنّه لو اندحر الجيش الإسلامي وفيهم عمر لانطوت بذلك راية الإسلام.

٣ ـ حليّ الكعبة :

وفي أيام عمر كثرت الحليّ على الكعبة ، فأشار عليه القوم ببيعها وإرصاد ثمنها للجيوش الإسلامية لأنّ الكعبة ما تصنع بالحليّ ، وأراد عمر تنفيذ ذلك ، فاستشار الإمام ٧ فقال له الإمام :

إنّ هذا القرآن أنزل على النبيّ ٦ ، والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض ؛ والفيء فقسّمه على مستحقّيه ؛ والخمس فوضعه الله حيث وضعه ؛ والصّدقات فجعلها الله حيث جعلها. وكان حلي الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا ، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله.

فاستحسن عمر رأي الإمام ، وأبدى إعجابه قائلا : لولاك لافتضحنا ، وترك الحليّ بحاله ...

١٩٠

اغتيال عمر :

وآثرنا الايجاز في خلافة عمر ولم نعرض إلى الأحداث التي رافقت حكومته ، خصوصا ما صدر منه من الفتاوى التي كانت من الاجتهاد قبال النصّ كتحريم المتعة وغيرها ، فقد عرض لها علماء الشيعة وفقهاؤهم ، وفي طليعتهم الإمام الأعظم شرف الدين في كتابه الذائع الصيت ( النصّ والاجتهاد ) ، والمحقّق الكبير الإمام الشيخ عبد الحسين الأميني في كتابه الخالد ( الغدير ).

وعلى أي حال فإنّ الذي يعنينا اغتيال عمر ، ووضعه لنظام الشورى قبل وفاته ، أمّا اغتيال عمر فيعزوه بعض الكتّاب المحدثين إلى بني أميّة ، فقد أرادوا التخلّص من حكمه وفرض سلطانهم على المسلمين (١) ، وقد استدلّوا على ذلك بأنّ أبا لؤلؤة الذي اغتال عمر كان مولى للمغيرة بن شعبة الذي له صلة وثيقة بالأمويّين وهذا الرأي لا يحمل أي طابع من التحقيق ؛ لأنّ علاقة عمر بالأمويّين كانت وثيقة للغاية ، ولم تقع بينهما أيّة منافسة ، وكانوا من أعداء الإمام وهو المنافس الوحيد له.

واستعمل عمر وجوه الأمويّين ولاة على الأقطار الإسلامية أمثال يزيد بن أبي سفيان ، وسعيد بن العاص ومعاوية ، ولم يشاطر أي واحد منهم أمواله كما شاطر بقيّة عمّاله ، وكان معنيّا بشئون نسائهم ، فقد أقرض هند بنت عتبة أمّ معاوية أربعة آلاف من بيت المال تتّجر فيها (٢) ، وقد أعدّ في بيته مكانا خاصّا فرشه بأحسن الفرش ولم يسمح لأي أحد بالدخول فيه سوى أبي سفيان ، وعوتب على ذلك فقال : هذا شيخ قريش (٣) ، فكيف يقومون باغتياله.

__________________

(١) من أنصار هذا الرأي العلاّمة المغفور له العلائلي ، ذهب إلى ذلك في كتابه ( سموّ المعنى في سموّ الذات ) : ص ٣١.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٣.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٤١.

١٩١

ومهما يكن الأمر فإنّ من المقطوع به أنّ أبا لؤلؤة إنّما اندفع لاغتيال عمر بوحي من نفسه ، لا بدافع أموي ، ويعود السبب في ذلك أنّه كان شابا متحمّسا لشعبه ووطنه ، فقد رأى بلاده فتحت عنوة ، وقد انطوى مجد الفرس وذهب عزّهم ، ورأى عمر قد بالغ في احتقار الفرس ، وتمنّى أن يحول بينهم وبينه جبل من حديد ، كما حضر عليهم دخول يثرب إلاّ من كان سنّه دون البلوغ (١) ، وأصدر فتواه بعدم إرثهم إلاّ من ولد في بلاد العرب (٢) ، كما كان يعبّر عنهم بالعلوج ، وهو بالذات قد خفّ إلى عمر شاكيا ضيقه وجهده من جراء ما فرض عليه المغيرة من ثقل الخراج فلم يعن به عمر وصاح به.

وما خراجك بكثير من أجل الحرف التي تحسنها ...

وأوجد ذلك حنقا وحقدا عليه ، فأضمر له في نفسه الشرّ ، وقد اجتاز عليه فسخر منه ، وقال له :

بلغني أنّك تقول : لو شئت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت ..

فلذعته هذه السخرية وقال له :

لأصنعنّ لك رحى يتحدّث بها الناس.

وفي اليوم الثاني قام بعملية الاغتيال (٣) ، فطعنه ثلاث طعنات إحداهنّ تحت السرّة فخرقت الصفاق (٤) .

ثمّ حمل على أهل المسجد فطعن أحد عشر رجلا ، وعمد إلى نفسه فانتحر ، وحمل عمر إلى داره وجراحاته تنزف دما ، فقال لمن حوله :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٨٥.

(٢) الموطأ ٢ : ١٢.

(٣) مروج الذهب ٢ : ٢١٢.

(٤) الصفاق : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد.

١٩٢

من طعنني؟

غلام المغيرة ..

ألم أقل لكم لا تجلبوا لنا من العلوج أحدا فغلبتموني (١) .

وأحضر له أهله طبيبا فقال له : أي الشراب أحبّ إليك؟

النبيذ ..

فسقوه منه ، فخرج من بعض طعناته ، فقال الناس : خرج صديدا ، ثمّ سقوه لبنا فخرج من بعض طعناته ، فيئس منه الطبيب ، وقال له : لا أرى أن تمسي (٢) .

وصيّته :

ولمّا أيقن عمر بدنو الأجل المحتوم أوصى ولده عبد الله ، وقال له : انظر ما عليّ من الدّين ، فنظروا فيه فإذا به مدين لبيت المال ستين ألفا لا نعلم أنّها من الدنانير أو من الدراهم.

وقال لولده بعد أن بيّن مقدار دينه : إنّ وفى به مال آل عمر فأدّه من أموالهم ، وإلاّ فسل فيّ بني عدي بن كعب ، فإن لم تف به أموالهم ، فسل فيّ قريش ، ولا تعدهم إلى غيرهم (٣) ..

ويواجه هذه الوصية عدّة من المؤاخذات ذكرناها بالتفصيل في الجزء الأوّل من كتابنا ( حياة الإمام الحسين ٧ )

عمر مع ابنه عبد الله :

وطلب عبد الله من أبيه عمر أن ينصّ على أحد من المسلمين ويجعله خليفة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٨٧.

(٢) الاستيعاب المطبوع على هامش الاصابة ٢ : ٤٦١. الإمامة والسياسة ١ : ٢١.

(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٨٨.

١٩٣

عليهم من بعده قائلا له :

يا أبتي ، استخلف على أمّة محمّد ٦ ، فإنّه لو جاء راعي إبلك أو غنمك وترك إبله أو غنمه لا راعي لها ، وقلت له : كيف تركت أمانتك ضائعة فكيف بامّة محمّد ، فاستخلف عليهم ..

ورمقه عمر بطرفه ، وأجابه :

إن استخلف عليهم فقد استخلف أبو بكر ، وإن أتركهم فقد تركهم رسول الله ٦ (١) .

ولعلّ « الوجع » قد غلب عمر فنسي قيام النبيّ ٦ بنصب عليّ خليفة من بعده في يوم « غدير خمّ » ، وإلزام المسلمين بمبايعته ، وعمر بالذات ممّن بايعه ، وقال له : بخ بخ لك يا عليّ ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وهل أبو بكر أشفق على المسلمين من النبيّ فأوصى من بعده بالخلافة إلى عمر وأهمل ذلك النبيّ ولم يوص لأحد من بعده؟

وعلى أي حال فإنّ عمر قد فتكت به جراحاته ، وأحاطت به الآلام ، فجزع جزعا شديدا ، وجعل يقول :

لو أنّ لي ما في الأرض ذهبا لا فتديت به من عذاب الله قبل أن أراه (٢) .

والتفت لولده عبد الله وقال له : ضع خدّي على الأرض ..

فلم يحفل به ولده ، وظنّ أنّه قد اختلس عقله ، وأمره ثانيا بذلك فلم يجبه ، فصاح به :

ضع خدّي على الأرض لا أمّ لك ..

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٢١٧.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٩٢.

١٩٤

وبادر عبد الله فوضع خدّ أبيه على الأرض ، وأخذ يجهش بالبكاء ويقول :

يا ويل عمر!! وويل أمّ عمر!! إن لم يتجاوز الله عنه (١) ، ولعلّه قد لاحت له في تلك اللحظات الأخيرة من حياته ما أنزله بالاسرة النبوية من النكبات والأزمات.

وعلى أي حال فإنّ عمر بعث ولده إلى عائشة يستأذن منها أن يدفن مع رسول الله ٦ وأبي بكر فسمحت بذلك (٢) ، وعلّقت الشيعة على ذلك فقالت : إنّ ما تركه النبيّ ٦ من متع الحياة إن كان لا يرثه أهله ، وإنّما هي لولي الأمر من بعده حسب ما يرويه أبو بكر ، فلا وجه للاستئذان من عائشة ، وإن كان يرجع إلى ورثة النبيّ ٦ كما يقول بذلك أهل البيت : فليس لعائشة فيه أي نصيب ؛ لأنّ الزوجة لا ترث من الأرض ، وإنّما ترث من البناء ، حسبما قرّره فقهاء المسلمين ، ولا بدّ حينئذ أن يكون الإذن في دفنه من ورثة النبيّ ٦ ولم يتحقّق ذلك.

نظام الشورى :

ونظام الشورى الذي وضعه عمر كنظام السقيفة ، قد أخلد للمسلمين المصاعب وألقتهم في شرّ عظيم ، وهو نظام مفضوح لا غبار عليه في أنّ القصد منه إقصاء الإمام ٧ عن قيادة الامّة وتسليمها لبني أميّة إرضاء لعواطف القرشيّين المترعة بالحقد والكراهية للإمام أمير المؤمنين ٧ .

ونحن نعرض إلى الشورى العمرية بدراسة وتحليل بعيدة عن العواطف التقليدية ، لم نقصد بذلك إلاّ إبراز الواقع التأريخي على ما هو عليه.

وعلى أي حال ، فإنّ عمر لمّا أحسّ بدنو الأجل المحتوم منه أخذ يمعن فيمن

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٩٣.

(٢) المصدر السابق : ١٩٠.

١٩٥

يتولّى شئون الحكم من بعده ، وقد راح يتذكّر أقطاب حزبه الذين استعان بهم على البيعة لأبي بكر ، وصرف الخلافة عن الإمام أمير المؤمنين ، فجعل يصعّد حسراته ويبدي أساه عليهم قائلا :

« لو كان أبو عبيدة حيّا لاستخلفته ؛ لأنّه أمين هذه الامّة ، فلو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا لاستخلفته ؛ لأنّه شديد الحبّ لله تعالى » وليس لأبي عبيدة أي نصيب في خدمة الامّة الإسلامية وجهاد يذكر.

كما أنّه ليس لسالم مولى أبي حذيفة أية شخصية إسلامية معروفة ، وإنّما كان من سواد المسلمين ، إلاّ أنّه ساهم مساهمة إيجابية في مؤتمر السقيفة ، وكان كقوة ضاربة في حماية أعضائها.

وعلى أي حال فقد طلب منه أصحابه أن يرشّح أحدا من بعده ليتولّى شئون المسلمين ، فأبى وقال :

أكره أن أتحمّلها حيّا وميّتا ..

ولكنّه لم يلبث أن عدل عن رأيه فانتخب أعضاء الشورى الستّة ، وفوّض إليهم انتخاب أحدهم ليكون واليا على المسلمين ، وبذلك فقد تحمّل الخلافة حيّا وميّتا ، وعلّق ابن أبي الحديد على كلامه ، قائلا :

أي شيء يكون من التحمّل أكثر من هذا؟ وأي فرق بين أن يتحمّلها ، بأن ينصّ على واحد بعينه ، وبين أن يفعل ما فعله من الحصر والترتيب (١) .

صلاة صهيب :

وأوعز عمر إلى صهيب أن يصلّي بالناس حينما اغتاله أبو لؤلؤة ، فصلّى بهم ، وفي ذلك يقول الفرزدق :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ٢٦٠.

١٩٦

صلّى صهيب ثلاثا ثمّ أرسلها

إلى ابن عفّان ملكا غير مقصود (١)

انتخاب عمر لأعضاء الشورى :

وانتخب عمر ستّة أشخاص ، وجعلهم أعضاء للشورى وألزمهم بانتخاب واحد منهم ليتولّى قيادة الامّة ، وهم :

١ ـ الإمام أمير المؤمنين ٧ .

٢ ـ سعد بن أبي وقّاص.

٣ ـ الزبير بن العوّام.

٤ ـ طلحة.

٥ ـ عثمان بن عفّان.

٦ ـ عبد الرحمن بن عوف.

والشيء البارز في هذا الانتخاب أنّه لم يجعل أي نصيب فيه للأنصار الذين نصروا النبيّ ، واحتضنوا مبادئه ، ولعلّ السبب في ذلك هو ميولهم للإمام ٧ ، وقد اقتصر أعضاء الشورى على الجناح القرشي ، وليس لغيرهم فيه أي نصيب.

عمر مع أعضاء الشورى :

وطلب عمر حضور أعضاء الشورى الذين انتخبهم ، فلمّا مثلوا أمامه وجّه إليهم أعنف القول وأقساه ورماهم بالصفات الذميمة التي توجب القدح في ترشيحهم لمنصب الإمامة ، وقد روى المؤرّخون صورا لحديثه معهم ، وهذه بعضها :

الرواية الاولى :

إنّ أعضاء الشورى لمّا حضروا عنده قال لهم : أكلّكم يطمع بالخلافة بعدي؟ ..

__________________

(١) نور القيس المختصر من المقتبس ـ المرزباني : ١.

١٩٧

ووجموا عن الكلام ، فأعاد عليهم القول ثانيا ، فأجابه الزبير : وما الذي يبعدنا منها ، وليتها ـ أي الخلافة ـ أنت فقمت بها ، ولسنا دونك في قريش ، ولا في السابقة ، ولا في القرابة ، ولم يسعه الردّ عليه لأنّه ليس في كلامه فجوة يسلك فيها لإبطال كلامه ، والتفت عمر إلى الجماعة فقال لهم :

أفلا أخبركم عن أنفسكم؟ ..

فأجابوا مجمعين :

قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا ..

وأخذ يحدّثهم عن نفسيّاتهم وميولهم ، فوجّه كلامه لكلّ واحد منهم :

مع الزبير :

« أمّا أنت يا زبير! فوعق لقس (١) ، مؤمن الرّضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ويوما شيطان ، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير أفرأيت إن أفضت إليك ، فليت شعري من يكون للنّاس يوم تكون شيطانا؟ ومن يكون يوم تغضب!! وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمّة وأنت على هذه الصّفة ».

إنّ الزبير حسب هذا التحليل النفسي لشخصيّته مبتلى بآفات شريرة وهي :

١ ـ الضجر والتبرّم.

٢ ـ الغضب الشديد الذي يفقده الرشد.

٣ ـ عدم الاستقامة في السلوك.

٤ ـ الحرص والبخل.

وهذه النزعات من مساوئ الصفات ، ومن اتّصف ببعضها لا يصلح لأن يكون إماما للمسلمين ومع هذه الصفات الماثلة فيه كيف رشّحه للخلافة؟

__________________

(١) الوعق : الضجر والتبرّم. اللقس : من لا يستقيم على أمر.

١٩٨

مع طلحة :

وأقبل عمر على طلحة ، وأخذ يحدّثه بنزعاته فقال له :

أقول أم أسكت؟ ..

فزجره طلحة وقال له :

إنّك لا تقول من الخير شيئا ..

وأخذ عمر يقول :

أما إنّي أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أحد وائيا بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ٦ ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب ...

وإذا كان النبيّ ٦ ساخطا على طلحة كيف يرشّحه للخلافة ، كما أنّه مناقض لما قاله في أعضاء الشورى أنّ رسول الله ٦ مات وهو راض عنهم.

وعلّق الجاحظ على مقاله بقوله :

لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إنّ رسول الله ٦ مات وهو راض عن الستّة ، فكيف تقول الآن لطلحة : إنّه مات ٦ ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها ، لكان قد رماه بمشاقصه (١) ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له : ما دون هذا فكيف هذا؟ ..

مع سعد بن أبي وقّاص :

واتّجه صوب سعد بن أبي وقّاص ، فقال له : إنّما أنت صاحب مقنب (٢) من هذه المقانب تقاتل به ، وصاحب قنص وقوس وسهم ، وما زهرة والخلافة وامور الناس؟

وحكى كلام عمر اتّجاهات سعد وأنّه رجل عسكري لا يفقه إلاّ عمليات

__________________

(١) المشاقص : جمع مشقص ، وهو نصل السهم.

(٢) المقنب : جماعة الخيل.

١٩٩

الحروب ، ولا خبرة له بالشؤون الإدارية والسياسية ، وإذا كانت هذه اتّجاهاته كيف جعله من أعضاء الشورى؟

مع عبد الرحمن بن عوف :

وأقبل عمر على عبد الرحمن بن عوف ، فقال له : أمّا أنت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف ايمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك عليهم ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر؟ ..

إنّ عبد الرحمن ـ حسب رأي عمر ـ مثال للإيمان والتقوى ، وإنّ إيمانه يساوي نصف إيمان المسلمين ، ومن إيمانه المزعوم أنّه عدل عن انتخابه سيّد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين ٧ وسلّم الخلافة إلى بني أميّة ، فاتّخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا.

وإذا لم تكن لعبد الرحمن شخصية صلبة وقوية ـ حسب رأي عمر ـ كيف رشّحه للخلافة؟

مع الإمام أمير المؤمنين :

والتفت عمر إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ فقال له : لله أنت لو لا دعابة فيك ...

أمّا والله! لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء ..

ومتى كانت للإمام أمير المؤمنين ٧ الدعابة؟ وهو الذي ما ألف في حياته غير الجدّ والحزم.

إنّ الدعابة تنمّ عن ضعف الشخصية ، وقد اعترف عمر أنّ الإمام لو ولي امور المسلمين لحملهم على الحقّ الواضع والمحجّة البيضاء ، ومن المؤكّد أنّ من يقوم بذلك لا بدّ أن يكون شخصية قوية ذا إرادة صلبة.

وعلى أي حال فإنّ عمر اعترف بأنّ الإمام لو تقلّد الحكم لسار بين المسلمين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287