موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287
المشاهدات: 140707
تحميل: 4437


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140707 / تحميل: 4437
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

على الحقّ الواضح ، وحملهم على الصراط المستقيم ، فكيف جعله من أعضاء الشورى ولم يسند إليه الحكم مباشرة؟

مع عثمان :

وأقبل عمر على عثمان عميد الاسرة الأموية ، وهو الذي كتب العهد بولايته من أبي بكر ، وهو المرشّح الوحيد عنده للخلافة فقال له :

هيها إليك ، كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحبّها إيّاك ، فحملت بني اميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا ، والله! لئن فعلوا لتفعلن ، ولئن فعلت ليفعلن ، ثمّ أخذ بناصيته فقال له : فإذا كان ذلك فاذكر قولي (1) .

والشيء المؤكّد أنّ عثمان لم تقلّده قريش منصب الخلافة ، وإنّما عمر هو الذي قلّده بها ، ولم يكن ترشيحه له في أيام مرضه وإنّما كان قبل ذلك بزمان ، فقد روى الحسن بن نصر قال : حججت مع عمر ، وكان الحادي يحدو أنّ الأمير بعد عمر عثمان (2) .

إنّ نظام الشورى الذي وضعه عمر يؤدّي حتما إلى فوز عثمان بالخلافة ، فقد جعله من أعضاء الشورى ، وكان معظهم ممّن لهم ميول واتّصال وثيق بالأمويّين ، وهم لا يعدلون عن انتخابه كما سنعرض لذلك.

الرواية الثانية :

رواها ابن قتيبة أنّ أعضاء الشورى التقوا بعمر فقالوا له :

قل فينا يا أمير المؤمنين! مقالة نستدلّ فيها برأيك ونقتدي بها ...

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 1 : 185 ـ 186.

(2) جواهر المطالب : 290.

٢٠١

فقال مخاطبا لسعد : والله! ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إلاّ شدّتك وغلظتك مع أنّك رجل حرب ..

وقال لعبد الرحمن : وما يمنعني منك يا عبد الرحمن! إلاّ أنّك فرعون هذه الامّة.

وقال مخاطبا للزبير : وما يمنعني منك يا زبير! إلاّ أنّك مؤمن الرضا ، كافر الغضب.

وقال لطلحة : وما يمنعني من طلحة إلاّ نخوته وكبره ، ولو وليها وضع خاتمه في اصبع امرأته.

وقال لعثمان : وما يمنعني منك يا عثمان! إلاّ عصبيّتك وحبّك لقومك وأهلك.

وقال للإمام أمير المؤمنين : وما يمنعني منك يا عليّ! إلاّ حرصك عليها ، وأنّك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم (1) .

وقد اتّهم عمر أعضاء الشورى بمساوئ الصفات ، فوصف عبد الرحمن أنّه فرعون هذه الامّة ، وإذا كان ذلك فكيف جعله من أعضاء الشورى؟ والغريب أنّه في الفصل الأخير من وصاياه أناط برأيه شئون الخلافة ، وجعل قوله في انتخاب أحد المرشّحين منطق الفصل وفصل الخطاب.

ووصف الإمام بالحرص على الخلافة ، وهو اتّهام مردود ، فإنّ سيرة الإمام مشرقة كالشمس بعيدة عن الحرص كلّ البعد ، فإنّه لم يكن بأيّ حال من عشّاق الملك والسلطان ، وإنّما نازع الخلفاء وأقام عليهم الحجّة بأنّه أولى بالخلافة وأحقّ بها منهم من أجل أن يقيم في هذا الشرق وفي غيره حكم القرآن وعدالة الإسلام ، وقد صرّح 7 بذلك بقوله :

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 : 24.

٢٠٢

  « اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ».

وأدلى 7 في حديثه مع ابن عبّاس عن زهده للسلطة واحتقاره للحكم ، وكان 7 يخصف بيده نعله الذي كان من ليف ، فقال لابن عبّاس :

« يا ابن عبّاس ، ما قيمة هذا النّعل؟ ».

يا أمير المؤمنين ، لا قيمة له ..

« إنّه خير من خلافتكم إلاّ أن اقيم حقّا وأدفع باطلا ».

من أجل إقامة الحقّ وتطبيق العدالة الاجتماعية كان الإمام يبغي الحكم وسيلة لتحقيق مثله العليا.

الرواية الثالثة :

رواها ابن أبي الحديد المعتزلي قال :

نظر إلى أعضاء الشورى ، فقال لهم : قد جاءني كلّ واحد منكم يهزّ عفريته يرجو أن يكون خليفة.

ثمّ التفت إلى طلحة فقال له :

أمّا أنت يا طلحة! أفلست القائل : إن قبض النبيّ أنكح أزواجه من بعده؟ فما جعل الله محمّدا أحقّ ببنات أعمامنا منّا ، فأنزل الله فيك : ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) (1) .

ثمّ التفت إلى الزبير فقال له :

__________________

(1) الأحزاب : 53.

٢٠٣

وأمّا أنت يا زبير! فو الله! ما لان قلبك يوما ولا ليلة ، وما زلت جلفا جافيا ...

ووجّه خطابه إلى عثمان فقال له :

وأمّا أنت يا عثمان! لروثة خير منك ..

ثمّ التفت إلى عبد الرحمن بن عوف فقال له :

وأمّا أنت يا عبد الرحمن! فإنّك رجل عاجز ، تحبّ قومك ...

ثمّ وجه خطابه إلى سعد بن أبي وقّاص فقال له :

وأمّا أنت يا سعد! فصاحب عصبية وفتنة ..

ثمّ التفت إلى الإمام أمير المؤمنين 7 فقال له :

وأمّا أنت يا عليّ! لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم ..

وانصرف الإمام عنه ، فالتفت عمر إلى حضّار مجلسه فقال لهم :

والله! إنّي لأعلم مكان الرجل لو ولّيتموه أمركم لحملكم على المحجّة البيضاء.

وبادروا قائلين :

من هو؟

هذا المولى بينكم ـ وأشار إلى الإمام.

ما يمنعك من ذلك؟

ليس إلى ذلك من سبيل (1) .

ولم لا سبيل إلى ترشيح الإمام بعد ما رشّحه النبيّ 6 وقلّده منصب الخلافة في يوم غدير خمّ ، فهل هناك عيب في الإمام وعدم توفّر قابليات القيادة فيه؟ نعم ، إنّها الأضغان والأحقاد التي أترعت بها نفوس القوم ضدّ وصيّ رسول الله 6 وباب

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 12 : 159.

٢٠٤

مدينة علمه ، والله هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

الهيئة المشرفة على الانتخاب :

وأقام عمر هيئة مشرفة على عملية الانتخاب ، وليس لها رأي سوى الأشراف ، فقد قال لأعضاء الشورى : احضروا معكم من شيوخ الأنصار ، وليس لهم من أمركم شيء ، وأحضروا معكم الحسن بن عليّ وعبد الله بن عبّاس ، فإنّهما لهما قرابة ، وأرجو لكم البركة في حضورهما ، وليس لهما من أمركم شيء ...

والملاحظ في هذه الهيئة التي أقامها عمر هو أنّه أقصى الأنصار عن الانتخاب والاختيار لمن يرغبون فيه للحكم ، وجعل لهم الإشراف المجرّد الذي يعني حرمانهم من الحكم ، وبذلك فقد نقض العهد الذي قطعه على نفسه أبو بكر للأنصار حيث قال لهم : نحن الامراء وأنتم الوزراء فلم يجعل لهم عمر أي دور في شئون الدولة ، وإنّما جعلهم شرطة وجنودا لحكومته ثمّ إنّا لا نعلم ما هي البركة التي ينعم بها أعضاء الشورى في حضور الإمام الحسن وعبد الله بن عبّاس ، وهما لا يملكان من الأمر شيئا؟

عمر مع أبي طلحة والمقداد :

وأراد عمر أن يحكّم الشورى ويتقن بنودها ، ويفرضها على المسلمين فالتفت إلى أبي طلحة الأنصاري ، وهو فيما أظنّ مدير لشرطته ، فقال له :

يا أبا طلحة! إنّ الله أعزّ بكم الإسلام ، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فالزم هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ...

ثمّ التفت إلى المقداد وعهد إليه بما يلي :

إذا اتّفق خمسة وأبى واحد منهم فاضربوا عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضربوا عنقيهما ، وإنّ اتّفق ثلاثة منهم على رجل ورضي ثلاثة منهم برجل آخر

٢٠٥

فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس ...

وهذا الكلام حافل بالمؤاخذات ، سنعرض له عند البحث عن آفات الشورى.

إنذار عمر للصحابة :

وشيء خطير بالغ الأهميّة هو أنّ عمر أنذر أعضاء الشورى وهدّدهم بعمرو بن العاص واليه على مصر وبمعاوية واليه على الشام ، فقد قال لهم :

يا أصحاب محمّد ، تناصحوا ، فإن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.

وعلّق شيخ الإمامية الشيخ المفيد على هذا الكلام بقوله :

وإنّما أراد عمر بهذا القول : إغراء معاوية وعمرو بن العاص بطلب الخلافة ، وإطماعهما فيها لأنّ معاوية كان عامله وأميره على الشام وعمرو بن العاص عامله وأميره على مصر ، وخاف أن يضعف عثمان وتصير الخلافة إلى عليّ فألقى هذه الكلمة إلى الناس لتنقل إليهما وهما بمصر والشام ، فيتغلّبا على هذين الاقليمين إن أفضت إلى عليّ (1) .

وهو تحليل وثيق للغاية ، فقد أراد أن يظهر ابن العاص ومعاوية التمرّد على الإمام إن آلت الخلافة إليه ، وتحقّق ذلك ، فإنّه بعد أن آلت الخلافة إلى الإمام كان معاوية وابن العاص في طليعة القوى الباغية على الإمام والمناهضة لحكمه.

رأي الإمام :

وكان الإمام على يقين لا يخامره شكّ في موقف عمر تجاهه ، وأنّه لا يرغب

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 3 : 99.

٢٠٦

بأي حال من الأحوال أن يتولّى شئون المسلمين ، ولم يضع نظام الشورى إلاّ لأجل ذلك ، وإنّ ما يبغيه إيصال الحكم إلى عثمان عميد الاسرة الأموية ، فقد التقى الإمام بعمّه العبّاس وقال له :

« يا عمّ ، لقد عدلت ـ أي الخلافة ـ عنّا ».

من أعلمك بذلك؟

« لقد قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، ثمّ قال : كونوا مع عبد الرّحمن ، وسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرّحمن ، وعبد الرّحمن صهر لعثمان ، وهم لا يختلفون ، فإمّا أن يولّيها عبد الرّحمن لعثمان ، أو يولّيها عثمان لعبد الرّحمن » (1) .

وصدق تفرّس الإمام ، فقد ولاّها عبد الرحمن لعثمان إيثارا لمصالحه وابتغاء لرجوعها إليه.

لقد كانت الشورى باسلوبها مؤامرة مفضوحة لا ستار عليها في إبعاد الإمام عن الخلافة ، يقول الإمام كاشف الغطاء :

الشورى بجوهرها وحقيقتها مؤامرة واقعية وشورى صورية ، وهي مهارة بارعة لفرض عثمان خليفة على المسلمين رغما عليهم بتدبير بارع عاد على الإسلام والمسلمين بشرّ ما له دافع (2) .

وراح الإمام بعد سنين ـ يتحدّث بأسى ـ عن الشورى العمرية التي صمّمت لإقصائه عن مركز الحكم يقول 7 :

حتّى إذا مضى لسبيله ـ يعني عمر ـ جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشّورى! متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل ـ يعني به أبا بكر ـ منهم ، حتّى صرت أقرن

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 : 35.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 317.

٢٠٧

إلى هذه النّظائر! ـ يعني أعضاء الشورى.

أجل والله! ـ يا أمير المؤمنين ـ! أنّه متى اعترض الريب لأي أحد من المسلمين وغيرهم أنّك أفضل الناس علما وجهادا وورعا ، ولكن الأحقاد القرشية هي التي أخّرتك عن مقامك وحرمت الامّة من مواهبك وعبقرياتك.

آفات الشورى :

ولم تكن الشورى العمرية سليمة ، فقد احتفّت بها المؤاخذات والمناقضات من جميع جهاتها ، وخلقت الكثير من المصاعب والفتن كان منها ما يلي :

1 ـ إنّ هذا النظام الذي صمّمه عمر لا يحمل أي طابع من حقيقة الشورى التي لا بدّ من أن تتوفّر فيها الامور التالية :

أ ـ أن تشترك الامّة بجميع شرائحها في الانتخاب.

ب ـ أن لا تتدخّل الحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في شئون الانتخاب.

ج ـ أن تتوفّر الحريات العامّة لجميع الناخبين.

وفقدت الشورى العمرية هذه العناصر ، ولم يعدّ لها أي وجود فيها ، فقد حظر عمر على الامّة وعلى الشخصيات البارزة من التدخّل في الانتخاب أمثال المجاهد الكبير عمّار بن ياسر والصحابي العظيم أبي ذرّ ، ومالك الأشتر الزعيم الكبير ، ولم يجعل الأنصار حماة الإسلام أي نصيب في ذلك ، وإنّما فوّض عمر الأمر إلى ستّة أشخاص ، وجعل آراءهم منطق الفصل ، وهذا لون من ألوان التزكية تفرضه بعض الحكومات التي لا تعنى بأي حال بإرادة شعوبها ، ومضافا إلى ذلك فقد أو عز إلى الشرطة بالتدخّل في عمليات الانتخاب ، وعهد إليهم بقتل كلّ شخص من أعضاء الشورى لا يتّفق مع البقيّة منهم.

٢٠٨

كما أنّ عمر قد حدّد مدّة الانتخاب لأعضاء الشورى بثلاثة أيام ، وقد ضيّق بذلك الوقت على الناخبين خوفا أن تتبلور الأوضاع وتتدخّل القطعات الشعبية لانتخاب من يشاؤون فيفوت غرضه.

2 ـ إنّ هذه الشورى قد ضمّت بعض العناصر المعادية للإمام 7 والحاقدة عليه ، ففيها عثمان بن عفّان عميد الاسرة الأموية ، وموقف الأمويّين من الإمام معروف وعداؤهم له ظاهر ، وفيها عبد الرحمن بن عوف وهو صهر لعثمان ، وفيها سعد بن أبي وقّاص ، وهو من الحاقدين على الإمام لأنّ أخواله الأمويّون الذين وترهم الإمام ، فإنّ امّه حمنة بنت أبي سفيان ، وسعد حينما بويع الإمام بعد مقتل عثمان تخلّف عن بيعته ، وقد اختار عمر هذه العناصر المنافسة للإمام حتى لا يؤول الأمر إليه ..

وقد تحدّث الإمام عن المؤثّرات التي لعبت في ميدان الانتخاب قال 7 : « لكنّي أسففت إذ أسفّوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ».

إنّ هذه الشورى لم يكن المقصود منها ـ حسب ما يراه المحقّقون ـ إلاّ إقصاء الإمام عن الحكم ومنحه للأمويّين. يقول العلائلي :

إنّ تعيين الترشيح في ستّة ، مهّد السبيل لدى الأمويّين لاستغلال الموقف ، وتشييد صرح مجدهم على أكتاف المسلمين.

وقد وصل إلى هذه النتيجة السيّد مير علي الهندي قال :

إنّ عدم حرص عمر على مصلحة المسلمين دفعه إلى اختيار هؤلاء الستّة من أهل المدينة من دون أن يتبع سياسة سلفه ، وكان للأمويّين حزب قوي في المدينة ، ومن هنا مهّد اختياره ـ أي عمر ـ السبيل لمكايد الأمويّين ودسائسهم هؤلاء الذين ناصبوا الإسلام العداء ، ثمّ دخلوا فيه وسيلة لسدّ مطامعهم وتشييد صروح مجدهم

٢٠٩

على أكتاف المسلمين (1) .

إنّ أدنى تأمّل في أمر هذه الشورى يوحي بأنّ المقصود منها إبعاد الإمام عن الحكم وتسليمه للأمويّين.

3 ـ إنّ عمر عمد في هذه الشورى إلى إبعاد الأنصار ، فلم يجعل لأي أحد منهم نصيبا فيها ، وهم آووا النبيّ ونصروا الإسلام في أيام محنته وغربته ، وقدّموا أبناءهم قرابين للدعوة الإسلامية ، وقد أوصى بهم النبيّ 6 خيرا ، كما لم يجعل عمر فيها لعمّار وأبي ذرّ ومالك الأشتر وغيرهم من أعلام الإسلام أي نصيب فيها ، وأكبر الظنّ أنّه إنّما أبعدهم لأنّ لهم هوى مع الإمام ، ولهذه الجهة أقصاهم وقصر أعضاء الشورى على العناصر الحاقدة على الإمام.

4 ـ إنّ عمر قد شهد في حقّ أعضاء الشورى أنّ النبيّ 6 مات وهو عنهم راض أو انّه شهد لهم بالجنّة ، فكيف عهد إلى الشرطة بضرب أعناقهم إن تخلّفوا عن انتخاب أحدهم ، ويقول الناقدون لهذه الشورى إنّه كيف ساغ لعمر الأمر بقتلهم إن تخلّفوا عن الانتخاب مع العلم أنّ الإسلام بصورة جازمة حرّم إراقة الدماء وأوجب التحرّج فيها إلاّ في مواضع مخصوصة ذكرها الفقهاء وهذا ليس منها.

5 ـ إنّ عمر إنّما قصر أعضاء الشورى على ستّة بحجّة أنّ رسول الله 6 مات وهو عنهم راض ، وذلك لا يصلح دليلا على حصر أعضاء الشورى فيهم ؛ لأنّ رسول الله 6 مات وهو راض عن كثير من صحابته ، فتقديم هؤلاء عليهم إنّما هو من باب الترجيح بلا مرجّح وهو ممّا يتّسم بالقبح ـ كما يقول علماء الاصول.

6 ـ إنّ عمر جعل الترجيح في الانتخاب إلى الجهة التي تضمّ عبد الرحمن بن عوف ، وقدّمها على الجهة التي تضمّ الإمام أمير المؤمنين 7 ، وهو تحيّز ظاهر

__________________

(1) الإمام الحسين 7 1 : 267.

٢١٠

لا خفاء فيه إلى القوى القرشية الحاقدة على الإمام 7 .

كما أنّا لا نعلم أنّ أي ميزة اختصّ بها عبد الرحمن حتّى يستحقّ هذا التكريم والتبجيل ، وهو وطلحة والزبير قد استأثروا بأموال المسلمين وفيئهم ، وملكوا من الثراء العريض ما لا يحصى ، حتى تحيّروا في صرفه وإنفاقه ، وقد ترك ابن عوف من الذهب ما يكسّر بالفؤوس لكثرته وضخامته ، ومن المعلوم أنّ هذا الثراء العريض قد اختلسه هو وأمثاله من الرأسماليّين من فيء المسلمين.

وعلى أي حال أمثل عبد الرحمن يقدّم على الإمام أمير المؤمنين ، وهو صاحب المواقف المشهودة في نصرة الإسلام ، مضافا إلى مواهبه وعبقرياته وتنكّره للمحسوبيات والمصالح الخاصّة وشدّة تحرّجه في الدين ، والله تعالى يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ؟

7 ـ إنّ هذه الشورى أوجدت التنافس بين أعضائها وأشاعت الاختلاف والفرقة بينهم ، فعبد الرحمن بن عوف هو الذي قلّد عثمان الخلافة إلاّ أنّه لمّا ضاعت آماله ولم يحقّق أي شيء من مصالحه في حكومة عثمان أخذ يؤلّب عليه ، ودعا الإمام أمير المؤمنين ليحمل كلّ منهما سيفه ليناجزه ، وأوصى أولياءه بعد موته أن لا يصلّي عليه عثمان ، وكذلك كان الزبير شيعة للإمام 7 ، وهو الذي وقف إلى جانبه يوم السقيفة ، وقد قال في أيام عمر : والله! لو مات عمر بايعت عليّا ، ولكن الشورى قد نفخت فيه روح الطموح ، فرأى نفسه ندّا للإمام ففارقه بعد أن صارت الخلافة إليه ، وخرج عليه يوم الجمل.

وقد أدّى التنازع والتخاصم بين أعضاء الشورى وغيرهم إلى تصديع كلمة المسلمين وتشتيت شملهم ، وقد التفت إلى ذلك معاوية بن أبي سفيان ، فقد قال لأبي الحصين الذي أوفده زياد لمقابلته :

بلغني أنّ عندك ذهنا وعقلا ، فاخبرني عن شيء أسألك عنه.

٢١١

سلني عمّا بدا لك.

أخبرني ما الذي شتّت شمل أمر المسلمين وملئهم وخالف بينهم؟

قتل الناس عثمان.

ما صنعت شيئا ...

مسير عليّ إليك وقتاله إيّاك ...

ما صنعت شيئا.

مسير طلحة والزبير وعائشة وقتال عليّ إيّاهم ...

ما صنعت شيئا ...

ما عندي غير هذا ...

أنا اخبرك ، إنّه لم يشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستّة نفر ، وذلك أنّ الله بعث محمّدا بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، فعمل بما أمره الله به ، ثمّ قبضه الله إليه ، وقدّم أبا بكر للصلاة فرضوه لأمر دنياهم إذ رضيه رسول الله 6 لأمر دينهم ، فعمل بسنّة رسول الله وسار بسيرته حتى قبضه الله واستخلف عمر ، فعمل بمثل سيرته ، ثمّ جعلها شورى بين ستّة نفر ، فلم يكن رجل منهم إلاّ رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه ، وتطلّعت إلى ذلك نفسه ، ولو أنّ عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك خلاف (1) .

إنّ عمر مهّد الطريق لعثمان واستخلفه على المسلمين بأسلوب بارع وسافر ، والشورى إنّما هي طريق لهذه الغاية ، ولكنّها أشاعت الأطماع والأهواء السياسية ، وألقت المسلمين في شرّ عظيم.

__________________

(1) العقد الفريد 3 : 73 ـ 74.

٢١٢

هذه بعض آفات الشورى وهي ـ بصورة جازمة غير خاضعة للأهواء والعواطف المذهبية ـ هي التي مهّدت الطريق للطلقاء وأبنائهم للاستيلاء على السلطة والقبض على زمام الحكم ، وإبعاد القوى الإسلامية عن الحياة السياسية ، الأمر الذي نجم منه نهب ثروات الامّة وإذلال الأخيار والتنكيل بعترة النبيّ 6 .

عملية الانتخاب :

ولمّا مضى عمر لربّه ، وواروه في مقرّه الأخير أحاط الشرطة بأعضاء الشورى ، وألزموهم بالاجتماع واختيار شخص منهم ليتولّى شئون المسلمين تنفيذا لوصية عمر.

واجتمع أعضاء الشورى في بيت المال ، وقيل في بيت مسرور بن مخرمة ، وأشرف على عملية الانتخاب الإمام الحسن وعبد الله بن عبّاس ، وبادر المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص فجلسا في عتبة الباب فنهرهما سعد بن أبي وقّاص وقال لهما : تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في أهل الشورى.

وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عمّن هو أحقّ بالخلافة وولاية أمر المسلمين ، وانبرى الإمام أمير المؤمنين فحذّرهم مغبة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ولم يؤثروا مصلحة الامّة قائلا :

لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ ، وصلة رحم ، وعائدة كرم. فاسمعوا قولي ، وعوا منطقي ؛ عسى أن تروا هذا الأمر ـ أي الخلافة ـ من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السّيوف ، وتخان فيه العهود ، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة ، وشيعة لأهل الجهالة.

ولم يستجيبوا لدعوة الإمام ولم يعوا منطقه ، وانسابوا وراء رغباتهم تسيّرهم القوى القرشية المحيطة بهم ، والتي تريد انتخاب من يضمن مصالحها ويحقّق نفوذها غير حافلين بمصلحة الامّة.

٢١٣

وعلى أي حال فقد عمّ الجدل بين أعضاء الشورى ، ولم ينتهوا إلى غاية مريحة ، وجماهير الشعب كانت تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة وعقد الاجتماع مرّة أخرى إلاّ أنّه باء بالفشل ، وأشرف على أعضاء الشورى أبو طلحة الأنصاري ، فأخذ يتهدّدهم ويتوعّدهم قائلا : لا والّذي نفس عمر بيده لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي امرتم ...

واقترب اليوم الثالث الذي عيّنه عمر ، فانعقد الاجتماع ، فانبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان ، وإنّما فعل ذلك لأنّه كان حاقدا على الإمام بسبب منافسته لابن عمّه أبي بكر على الخلافة ، واندفع الزبير فوهب صوته للإمام 7 ، وانطلق سعد فوهب حقّه لعبد الرحمن بن عوف ...

وكان رأي عبد الرحمن هو الفيصل والحاسم لأنّ عمر قد وضع ثقته به وأناط به أمر الشورى ، إلاّ أنّه كان ضعيف الإرادة لا قدرة له على إرادة شئون الحكم ، فأجمع رأيه على ترشيح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان لأنّه صهره ، وقد أشار عليه عامّة القرشيّين في انتخابه ، وزهّدوه في الإمام 7 لأنّه الوحيد الذي وترهم في سبيل الإسلام.

وحلّت الساعة الرهيبة التي لم يخضع فيها ابن عوف لمصلحة المسلمين ، واتّبع هوى القرشيّين الذين ناهضوا الإسلام في جميع مراحله.

والتفت ابن عوف إلى ابن اخته مسوّر فقال له :

يا مسوّر ، اذهب فادع عليّا وعثمان.

بأيّهما أبدأ؟

بأيّهما شئت.

ومضى مسوّر مسرعا فدعا عليّا وعثمان ، وازدحم المهاجرون من قريش والأنصار وسائر الناس ، فعرض عليهم الأمر وقال لهم :

٢١٤

أيّها الناس ، إنّ الناس قد اجتمعوا على أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم ، فأشيروا عليّ؟

وتقدّم الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر فأشار عليه بما يرضي الله ورسوله ، ويضمن للامّة سلامتها فقال له :

إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا ..

وانبرى المقداد فأيّد مقالة عمّار قائلا :

صدق عمّار ، إن بايعت عليّا سمعنا وأطعنا ...

واندفعت القوى القرشية الحاقدة على الإسلام فشجبت مقالة عمّار والمقداد ودعت إلى ترشيح عثمان عميد الاسرة الأموية المعادية للإسلام ، وقد رفع عبد الله بن أبي سرح صوته مخاطبا بن عوف :

إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان ..

وأيّده عبد الله بن أبي ربيعة قائلا :

إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا ...

وردّ عليهم الصحابي العظيم عمّار بن ياسر قائلا :

متى كنت تنصح للمسلمين؟

وصدق عمّار ، متى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين وهو الذي كفر بجميع قيم الإسلام وكان جاهليّا بجميع مراحل حياته ، وهو من أشدّ الأعداء إلى رسول الله 6 ، وقد أمر بقتله ، ولو كان متعلّقا بأستار الكعبة (1) .

انّه لو كان هناك أي منطق سائدا لأقصي هذا الدعي وسائر القبائل القرشية من التدخّل في شئون المسلمين ؛ لأنّها هي التي ناجزت النبيّ 6 وحرّضت عليه

__________________

(1) الاستيعاب 2 : 375.

٢١٥

القبائل وصمّمت على قتله ، ففر منهم في غلس الليل تاركا وصيّه وابن عمّه في فراشه ، وبعد ما هاجر منهم إلى يثرب خفّوا بجيوشهم إلى قتاله ، فكيف يسمح لهم بالتدخل في شئون المسلمين؟ إنّ الحكم والرأي يجب أن يكون بيد أمثال عمّار وأبي ذرّ ومالك الأشتر والأنصار ، وغيرهم يكونون في ذيل القافلة.

وعلى أي حال فقد احتدم الجدال بين الهاشميّين وأنصارهم ، وبين الأمويّين وأتباعهم ، فانبرى عمّار بن ياسر يدعوهم إلى الصالح العامّ قائلا :

أيّها الناس ، إنّ الله أكرمنا بنبيّه ، وأعزّنا بدينه ، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم؟ ...

فانبرى رجل من مخزوم فقطع على عمّار كلامه قائلا :

لقد عدوت طورك يا ابن سميّة ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ ...

إنّ هذا الجاهلي يرى عمّارا قد تعدّى طوره ؛ لأنّه تدخّل في شئون قريش التي أناطت بهم الشورى العمرية شئون المسلمين.

إنّ عمّارا وأباه ياسرا وامّه سميّة ممّن يعتزّ بهم الإسلام ويفخر بنضالهم وجهادهم ، فهم الطليعة الاولى التي ساهمت في بناء الإسلام وأقامت صروحه إنّ أمر الخلافة يجب أن يكون بيد عمار وغيره من الضعفاء الذين أعزّهم الله بدينه ، وليس للقرشيّين وغيرهم من الطغاة أي حقّ في التدخّل في شئون المسلمين لو كان هناك منطق أو حساب.

وعلى أيّ حال فقد احتدم النزاع بين المسلمين والقرشيّين ، فخاف سعد أن يفوت الأمر وتفوز الجبهة الموالية للإمام ، فالتفت إلى ابن عمّه عبد الرحمن فقال له :

يا عبد الرحمن ، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس.

والتفت ابن عوف إلى الإمام قائلا :

هل أنت مبايعي على كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، وفعل أبي بكر وعمر؟

٢١٦

ورمقه الإمام بطرفه فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار :

« بل على كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، واجتهاد رأيي ».

إنّ مصدر التشريع في الإسلام إنّما هو كتاب الله وسنّة نبيّه ، وعليهما يجب أن تسير الدولة ، وليس فعل أبي بكر وعمر من مصادر التشريع ، بالاضافة إلى أنّ عمر قد خالف أبا بكر في سياسته المالية ، وأوجد نظام الطبقية ، فقدّم بعض المسلمين على بعض في العطاء ، وحرّم المتعتين ؛ متعة الحجّ ومتعة النساء ، وكانتا مشروعتين في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر ، فعلى أيّ المنهجين يسير ابن أبي طالب؟

إنّ ابن عوف إنّما شرط عليه ذلك لعلمه أنّ الإمام لا يستجيب له ، وأنّه لو تقلّد الخلافة لساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ، ولم يمنح الاسر القرشية أي امتياز ، وساوى بينهم وبين المسلمين.

إنّ امتناع الإمام من إجابة عبد الرحمن تدلّ على مدى واقعيّته ؛ فإنّه لو كان من هواة الملك وعشّاق السلطان لأجابه إلى ذلك ، ثمّ يسلك في سياسته حسب ما يراه ، فإن عارضه ابن عوف بعد ذلك فيلقيه في السجون.

وعلى أيّ حال ، فإنّ عبد الرحمن لمّا يئس من الإمام التفت إلى عثمان زعيم الأمويّين فشرط عليه ذلك فأجابه بلا تردّد ، وفيما أحسب أنّ هناك اتّفاقا سرّيا على ذلك لحرمان الامّة من حكم الإمام ويرى بعض المؤرّخين من الافرنج أنّ عبد الرحمن استعمل طريقة الانتهازية والخداع ولم يترك الانتخاب يجري حرّا.

وبادر ابن عوف بعد أن استجاب له عثمان فصفق بكفّه على يديه ، وقال له :

اللهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان ....

ووقعت بيعة عثمان كصاعقة على القوى الخيّرة التي جهدت على أن تسود كلمة الله في الأرض ، و راح الإمام يندّد بابن عوف قائلا :

« والله! ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما ـ لعلّه يعني أبا بكر

٢١٧

وعمر ـ من صاحبه دقّ الله بينكما عطر منشم (1) ».

إنّ عبد الرحمن إنّما انتخب عثمان من أجل أطماعه السياسة راجيا أن يكون خليفة من بعده ، و وجّه الإمام خطابه للقرشيّين قائلا :

« ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ».

ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدّده قائلا :

يا عليّ ، لا تجعل على نفسك سبيلا ...

و غادر الإمام المظلوم قاعة الاجتماع وهو يقول :

« سيبلغ الكتاب أجله ».

والتاع عمّار فخاطب ابن عوف قائلا :

يا عبد الرحمن! أما والله! لقد تركته ، وإنّه من الذين يقضون بالحقّ وبه كانوا يعدلون.

وذابت نفس المقداد أسى وحزنا وراح يقول :

تالله! ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، واعجبا لقريش ، لقد تركت رجلا ما أقول ولا أعلم أنّ أحدا أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه ، أما لو أجد أعوانا ...

وقطع عليه عبد الرحمن كلامه ، وراح يحذّره من الفتنة قائلا :

__________________

(1) منشم : اسم امرأة بمكّة كانت عطّارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، فإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم فكان يقال : اشأم من عطر منشم ، جاء ذلك في صحاح الجوهري 25 : 2041. وقد استجاب الله دعاء الإمام فكانت بين عبد الرحمن وعثمان أشدّ المنافرة والخصومة ، وقد أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان بعد موته.

٢١٨

اتّق الله يا مقداد! فإنّي أخاف عليك الفتنة (1) .

وهكذا تغلّبت قريش على سائر القوى الخيّرة التي أرادت إرجاع الحقّ إلى أهله ومعدنه ، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الحكمة ، الذين ساهموا في بناء الإسلام ، وقام على أكتافهم ، واستشهد أعلامهم أمثال الشهيد الخالد جعفر الطيّار وحمزة وعبيدة وغيرهم ، كما قام بجهود الإمام أمير المؤمنين وجهاده.

وعلى أيّ حال فقد انتهت مأساة الشورى التي صمّمت لإقصاء الإمام عن الحكم ، وقد أخلدت للمسلمين الفتن وألقتهم في شرّ عظيم.

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 1 : 194.

٢١٩

٢٢٠