موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام13%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147672 / تحميل: 5363
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

يصطفوا من أموال الدولة أي شيء لنفوسهم ولغيرهم ، يقول رسول الله ٦ : « إنّ رجالا يتخوّضون في مال الله بغير حقّ فلهم النّار يوم القيامة » (١) .

وأوضح الإمام أمير المؤمنين ٧ النهج الكامل على للسياسة الاقتصادية في الإسلام وذلك فيما كتبه إلى قثم بن العبّاس قال ٧ :

وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا (٢) .

هذا هو نظر الإسلام في أموال الدولة : إنفاق على الفقراء ، ورفع لغائلة الجوع ، وبسط للرخاء العامّ بين المسلمين أمّا عثمان فلم يعن بذلك ، وإنّما أنفق الأموال بسخاء على بني أميّة وآل أبي معيط وسائر الوجوه والأشراف المؤيّدين لسياسته.

لقد أصبحت الأموال الهائلة التي تتدفّق على الخزينة المركزية تمنح للأمويّين ، وادّعوا أنّ المال إنّما هو ملكهم لا مال الدولة ، وأنّها ملك لبني أميّة ، فقد منحوا نفوسهم جميع الامتيازات (٣) ، ونعرض فيما يلي لذلك :

هباته للأمويّين :

ومنح عثمان بني أميّة الأموال الهائلة ووهبهم الثراء العريض ، وهذه قائمة ببعض أسماء الذين أغدق عليهم الأموال وهم :

١ ـ الحارث بن الحكم :

وهب عثمان الحارث بن الحكم صهره من عائشة ما يلي :

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ١٧.

(٢) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ١٢٨.

(٣) العقيدة والشريعة في الإسلام : ٢٣.

٢٤١

أ ـ ثلاثمائة ألف درهم (١) .

ب ـ وهبه إبل الصدقة التي وردت إلى المدينة (٢) .

ج ـ أقطعه سوقا في المدينة يعرف بتهروز بعد أن تصدّق به النبيّ على جميع المسلمين (٣) .

٢ ـ أبو سفيان :

وهب عثمان عميد اسرته أبا سفيان مائتي ألف درهم من بيت المال (٤) .

٣ ـ سعيد بن العاص :

منحه مائة ألف درهم من بيت المال (٥) .

٤ ـ عبد الله بن خالد :

تزوّج عبد الله بن خالد بنت عثمان ، فأمر له بستمائة ألف درهم ، وكتب إلى عبد الله بن عامر واليه على البصرة أن يدفعها إليه من بيت المال (٦) .

٥ ـ الوليد بن عقبة :

أمّا الوليد بن عقبة فهو أخو عثمان من امّه ، استقرض من عبد الله بن مسعود أموالا طائلة من بيت المال ، فطالبه بها ، فأبى أن يدفعها ، ورفع الوليد رسالة إلى عثمان يشكو فيها ابن مسعود لمطالبته بالمال ، فكتب إليه عثمان : إنّما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال ، وغضب ابن مسعود ، وطرح مفاتيح بيت المال ، وقال : كنت أظنّ أنّي خازن للمسلمين ، فأمّا إذا كنت خازنا لكم فلا حاجة لي

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ : ٥٢.

(٢) حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٣٥٥.

(٣) و (٥) أنساب الأشراف ٥ : ٢٨.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٦٧.

(٦) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٥.

٢٤٢

في ذلك ، وأقام في الكوفة بعد أن استقال من منصبه (١) .

إنّ بيت المال في عرف عثمان ملك لبني أميّة الذين ناهضوا الإسلام ، وليس ملكا للمسلمين ، ونترك الحكم في ذلك إلى القرّاء.

٦ ـ الحكم بن أبي العاص : أمّا الحكم فهو رجس من أرجاس الجاهلية ، ومن ألدّ أعداء الرسول ٦ ، ونفاه إلى الطائف بعد فتح مكّة ، وقال : لا يساكنني ، ولم يزل منفيا هو وأولاده ، وبعد وفاة النبيّ ٦ أقرّ الشيخان نفيه ، ولمّا انتهى الحكم إلى عثمان أصدر عنه العفو ، فقدم إلى يثرب وهو بأقصى مكان من الذلّ والبؤس ، وكان يسوق تيسا وعليه ثياب رثة ، فلمّا رآه عثمان تألّم وكساه جبة خز وطيلسان (٢) ، ووهبه من الأموال ما يلي :

ـ وصله بمائة ألف درهم.

ـ ولاّه على صدقات قضاعة ، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم ، فوهبها له (٣) .

وأدّت هباته للحكم التذمّر والنقمة عليه من جميع الأوساط الإسلامية.

٧ ـ مروان بن الحكم : أمّا مروان بن الحكم فهو خيط باطل ـ كما اشتهر بذلك ـ وكان وغدا خبيثا ، وكانت شئون الدولة العثمانية بيده ولا شأن لعثمان بها ، وقد وهبه من الأموال ما يلي :

أ ـ أعطاه خمس افريقية ، وقد بلغت خمسمائة ألف دينار ، وقد عيب على عثمان في ذلك وانتقصه المسلمون ، وهجاه الشاعر عبد الرحمن بن حنبل بهذه الأبيات :

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ : ٣٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١.

(٣) أنساب الأشراف ٥ : ٢٨.

٢٤٣

سأحلف بالله جهد اليمي

ن ما ترك الله أمرا سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلى بك أو تبتلى

فإنّ الأمينين قد بينا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلة

وما جعلا درهما في الهوى

دعوت اللعين فأدنيته

خلافا لسنّة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس العبا

د ظلما لهم وحميت الحمى (١)

ب ـ أعطاه ألف وخمسين اوقية ، لا نعلم أنّها من الذهب أو الفضة وهذا ممّا سبّت عليه النقمة العامّة في البلاد (٢) .

ج ـ أعطاه مائة ألف من بيت المال ، فسارع زيد بن أرقم خازن بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يديه ، وجعل يبكي فنهره عثمان وقال له : أتبكي أن وصلت رحمي؟

ولكن أبكي لأنّي أظنّك أنّك أخذت المال عوضا عمّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله ٦ ، لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا.

وزجره عثمان وصاح به :

ألق المفاتيح يا ابن أرقم! فإنّا سنجد غيرك (٣) .

د ـ أقطعه فدكا (٤) ، وهي التي صادرها أبو بكر من سيّدة نساء العالمين زهراء

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ١ : ١٦٨ ، وفي العقد المفصّل ( ٩ : ٨٩١ ) : إنّ اسم الشاعر عبد الرحمن ابن حسل.

(٢) السيرة الحلبية ٢ : ٨٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٦٧.

(٤) لطائف المعارف : ٨٤. تاريخ أبي الفداء ١ : ١٦٨.

٢٤٤

الرسول بحجّة أنّها لجميع المسلمين ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هـ ـ كتب له بخمس مصر (١) .

هذه بعض ممالأة عثمان لاسرته التي حاربت الله ورسوله وليس من العدل ولا من الإنصاف أن تمنح هذه الأموال إلى هؤلاء الأوغاد الذين لم يألوا جهدا في محاربة الإسلام والكيد للمسلمين.

هباته للأعيان :

ووهب عثمان الثراء العريض والأموال الهائلة إلى بعض الوجوه والأشراف من ذوي النفوذ ، وهم :

١ ـ طلحة : وأعطى عثمان طلحة مائتي ألف دينار (٢) ، وكانت عليه خمسون ألفا فأحضرها طلحة فوهبها له وقال : هي لك على مروءتك (٣) ، أليس هذا هو التلاعب في بيت مال المسلمين؟

٢ ـ الزبير : منح الزبير بن العوّام ستمائة ألف ، ولمّا قبضها حار في صرفها ، فجعل يسأل عن خير مال يستغلّ صلته وينمّي ثراءه ، فأرشد إلى اتّخاذ الدور في الأقاليم والأمصار (٤) ، فبنى إحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر (٥) .

٣ ـ زيد بن ثابت : ووهب عثمان أموالا هائلة لزيد بن ثابت حتى بلغ به الثراء العريض أنّه لمّا توفّي خلّف من الذهب والفضّة ما يكسّر بالفؤوس عدا ما ترك من

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ : ٢٤.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٩.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٩.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ : ٧٩.

(٥) صحيح البخاري ٥ : ٢١.

٢٤٥

الأموال والضياع ما قيمته مائة ألف (١) ، ومنح أموالا طائلة للمؤيّدين لسياسته أمثال حسّان بن ثابت ، وقد تكدّست ثروة البلاد في طائفة من الرأسماليّين الذين جهدوا على حصر الثروة عندهم وحرمان المجتمع الإسلامي منها ، وقد أدّت هذه السياسة الملتوية إلى إشاعة الفساد ، وانتشار الترف والبذخ عند طائفة من الناس.

وقد خاف بعض المتحرّجين في دينهم من هذا الثراء الذي ظفر به من هبات عثمان ، يقول خباب بن الارت : لقد رأيتني مع رسول الله ٦ ما أملك دينارا ولا درهما ، وإنّ في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف واف (٢) ، ولقد خشيت أن تكون عجلت طيّباتنا في حياتنا الدنيا (٣) .

وهكذا تمثّلت الحيرة والذهول عند الصحابة المتحرّجين في دينهم من هذا الثراء الذي اختصّ بقوم وحرمت الأكثرية الساحقة في البلاد الإسلامية من التمتّع بالعيش الرغيد.

إقطاعه للأراضي :

ومن مناهج السياسة المالية عند عثمان أنّه أقطع بعض الأراضي الواسعة لجمهرة من المؤيّدين لسياسته ، فقد أقطع أراضي في داخل الكوفة وخارجها وهذه الأراضي من المفتوحة عنوة ، وهي ملك للمسلمين ، فمن أحيى أرضا فهي له ، وعليه الخراج يؤدّيه للدولة.

وعلى أي حال فقد أقطع عثمان أراضي في الكوفة لجماعة ، وهي :

١ ـ طلحة : أقطعه أرضا سمّيت دار الطلحيّين ، وكانت في الكناسة.

__________________

(١) مروج الذهب ١ : ٣٣٤.

(٢) الوافي : درهم وأربعة دوانق.

(٣) الطبقات الكبرى ٦ : ٨.

٢٤٦

٢ ـ عبيد الله بن عمر : أقطعه أرضا سمّيت ( كوفيّة ابن عمر ).

٣ ـ اسامة بن زيد.

٤ ـ سعد وابن أخيه هاشم بن عتبة.

٥ ـ أبو موسى الأشعري.

٦ ـ حذيفة العبسي.

٧ ـ عبد الله بن مسعود.

٨ ـ سلمان الباهلي.

٩ ـ المسيّب الفزاري.

١٠ ـ عمرو بن حريث المخزومي.

١١ ـ جبير بن مطعم الثقفي.

١٢ ـ عتبة بن عمر الخزرجي.

١٣ ـ أبو جبير الأنصاري.

١٤ ـ عدي بن حاتم الطائي.

١٥ ـ جرير البجلي.

١٦ ـ الأشعث الكندي.

١٧ ـ الفرات بن حيّان العجلي.

١٨ ـ الوليد بن عقبة.

١٩ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

٢٠ ـ أمّ هاني بنت أبي طالب.

هؤلاء بعض من منحهم الأراضي ، ولا نعلم مقدار مساحتها.

٢٤٧

قائمة بأسماء الممنوحين أراضي واسعة :

وأقطع عثمان أراضي واسعة تدرّ بالربح الكثير لجماعة وهم :

١ ـ طلحة بن عبد الله : أقطعه ( النشاستج ).

٢ ـ عدي بن حاتم : منحه ( البردجاء ).

٣ ـ وائل بن حجر الحضرمي : منحه ضيعة ( زادر ).

٤ ـ خباب بن الارت : منحه ( مسعبنا ).

٥ ـ خالد بن عرفطة : أقطعه أرضا عند ( حمام أعين ).

٦ ـ الأشعث الكندي : أعطاه ( ظيزناباد ).

٧ ـ جرير بن عبد الله البجلي : أعطاه أرضا على شاطئ الفرات ( الجرفين ).

٨ ـ عبد الله بن مسعود : أقطعه أرضا بالنهرين.

٩ ـ الزبير بن العوّام : أقطعه أرضا.

١٠ ـ اسامة بين زيد : أقطعه أرضا ثمّ باعها (١) .

هذه بعض الأراضي الزراعية التي منحها عثمان لبعض الشخصيات.

ومن الجدير بالذكر أنّه اندفع جماعة من الطبقة الارستقراطية إلى شراء أراض خصبة في العراق ، فقد اشترى طلحة ومروان بن الحكم والأشعث بن قيس (٢) ورجال من قبائل العراق أراضي واسعة حتى انتشر الاقطاع ، وعمّ البؤس والحرمان في أوساط الفلاحين ، وبذلك فقد وجد النظام الطبقي الذي يخلق الصراع بين أبناء الامّة.

__________________

(١) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) خطط الكوفة : ٢١. الحضارة الإسلامية ١ : ١٢٣.

٢٤٨

استقطاع عثمان للأموال :

واصطفى عثمان من بيت المال ما شاء لنفسه وعياله ، فقد روى المؤرّخون انّه كانت في بيوت الأموال جواهر ثمينة لا تقدّر قيمتها ، فأخذها وحلّى بها بناته ونساءه (١) ، كما بالغ في الترف والسرف إلى حدّ لم يألفه المسلمون ، فقد أشاد له دارا في المدينة بناها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتنى أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة (٢) ، وكان ينضّد أسنانه بالذهب ، ويتلبّس بأثواب الملوك ، وأنفق الكثير من بيت المال في عمارة ضياعه ودوره (٣) ، ولمّا قتل وجد عند خازنه ثلاثون ألف ألف درهم ، وخمسون ومائة ألف دينار ، وترك ألف بعير وصدقات ببراديس وخيبر ووادي القرى ما قيمتها مائتا ألف دينار (٤) .

وعلّق محمّد كرد علي على هذه السياسة التي انتهجها عثمان بقوله :

لقد أوجدت هذه السياسة المالية طبقتين من الناس ؛ الاولى : الطبقة الفاحشة في الثراء التي لا عمل لها إلاّ اللهو والتبطّل ، والاخرى : الطبقة الكادحة التي تزرع الأرض ، وتعمل في الصناعة ، وتشقى في سبيل اولئك السادة من أجل الحصول على فتات موائدهم ، وترتّب على فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية ، انعدام الاستقرار في الحياة السياسية والاجتماعية على السواء ، وقد سارت الدولة الأموية في أيام حكمها على هذه السياسة فأخضعت المال للتيارات السياسية وجعلوه سلاحا ضدّ أعدائهم ونعيما مباحا لأنصارهم (٥) .

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ : ٣٦.

(٢) مروج الذهب ١ : ٣٣٤.

(٣) السيرة الحلبية ٢ : ٨٧.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ : ٥٣.

(٥) الإدارة الإسلامية : ٨٢.

٢٤٩

هذه بعض المؤاخذات على السياسة المالية التي انتهجها عثمان ، وقد ابتعدت كلّ البعد عمّا قنّنه الإسلام من وجوب إنفاق أموال الدولة على ما يسعد به المجتمع من مكافحة الفقر ، وتطوير الحياة الاقتصادية بشكل عامّ.

مع الجبهة المعارضة :

وكان من الطبيعي أن ينقم خيار المسلمين وصلحاؤهم على عثمان وولاته بما اقترفوه من مساوئ الأعمال التي لا تتّفق بصلة مع الواقع الديني ، وقد شنّوا عليه حملة شعواء نقدوه بلاذع النقد ومن الجدير بالذكر أنّ المعارضة كانت مختلفة الاتّجاه بين اليمين واليسار ، فطلحة والزبير وعائشة ومن انضمّ إليهم كانوا مدفوعين لرغباتهم الخاصّة ومصالحهم الضيّقة ، أمّا الطائفة الثانية فكانت تضمّ أعلام الإسلام وحماته أمثال عمّار بن ياسر الطيّب ابن الطيّب وأمثال المجاهد الكبير أبي ذرّ ، والصحابي القارئ عبد الله بن مسعود ونظرائهم من الذين أبلوا في الله بلاء حسنا ، فرأوا أنّ السنّة قد اميتت ، والبدعة احييت ، ورأوا صادقا يكذّب ، وأثرة بغير حقّ ، فهبّوا في وجه عثمان مطالبين بتغيير سلوكه واتّباع الهدى ، ولم تكن لهم أيّة مصلحة ينشدونها سوى خدمة الإسلام ، ولو أنّه استجاب لهم لجنّب الامّة الكثير من المشاكل.

التنكيل بالمعارضين :

وأمعن عثمان بالتنكيل بالمعارضين لسياسته ، فصبّ عليهم جام غضبه وقابلهم بمزيد من القسوة والبطش والتنكيل ، وهذه قائمة بأسماء بعضهم وما عانوه منه :

١ ـ عمّار بن ياسر :

أمّا عمّار بن ياسر فهو أجلّ صحابي ، ومكانته في الإسلام معلومة ، فهو وأبواه

٢٥٠

قد عانوا في سبيل الإسلام أعنف المصاعب وأقسى ألوان التعذيب ، وقد استشهد أبواه في سبيل الإسلام على يد القساة الطغاة من قريش.

وقد أشاد القرآن الكريم بفضل عمّار ، فمن الآيات النازلة في حقّه قوله تعالى : ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ) (١) ، وقال تعالى في حقّه أيضا : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (٢) .

وكانت له المنزلة الكريمة عند النبيّ ٦ ، فقد سمع شخصا ينال من عمّار ، فتأثّر ، وقال : « ما لهم ولعمّار ، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار ، إنّ عمّارا جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فاجتنبوه » (٣) ، وكان عمّار من ألمع أصحاب الإمام أمير المؤمنين ٧ ، فقد آمن بحقّه ، وأنّه أولى بمقام النبيّ من غيره ، وقد وقف إلى جانبه أيام الفتنة الكبرى ، وأعلن تأييده للإمام ٧ ، وبعد ما فرض عمر عثمان خليفة على المسلمين في وضعه للشورى التي أدّت إلى فوزه في الحكم كان عمّار من أشدّ الناقمين على عثمان ، وقد أظهر نقمته عليه في المواضع التالية :

١ ـ إنّ عثمان لمّا استأثر بالسفط الذي يضمّ جواهر ثمينة لا تقدّر قيمتها بثمن ، فأخذها ليحلّي بها نساءه وبناته ، فأنكر عليه الإمام أمير المؤمنين ٧ وأيّده عمّار ، فقال له عثمان : يا ابن المتكاء (٤) ، أعليّ تجترئ؟ ثمّ أوعز إلى شرطته بأخذه ، فقبضوا عليه وأدخلوه عليه ، فضربه ضربا مبرحا حتى غشي عليه ، وحملوه إلى منزل أمّ المؤمنين السيّدة أمّ سلمة ولم يفق من شدّة الضرب حتى فاتته صلاة الظهرين

__________________

(١) الزمر : ٩ ، نصّ على ذلك ابن سعد في طبقاته ٣ : ١٧٨. القرطبي في تفسيره ٥ : ٢٣٩.

(٢) الأنعام : ١٢٢ ، نصّ على ذلك السيوطي في تفسيره ١ : ٢٣٩ ، وغيره.

(٣) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ١١٤.

(٤) المتكاء : العظيمة البطن التي لا تمسك بولها.

٢٥١

والمغرب ، فلمّا أفاق قام وتوضّأ وصلّى صلاة العشاء وقال :

الحمد لله ليس هذا أوّل يوم اوذينا فيه في الله.

يا لله! يا للمسلمين! أمثل عمّار الذي هو في طليعة المؤسّسين في بناء الإسلام يضرب ويهان لأنّه رأى أثرة بغير تقىّ ونهبا لأموال المسلمين بغير وجه مشروع.

وكان من الطبيعي أن يثير ذلك غضب المسلمين ونقمتهم على عثمان عميد الأمويّين ، فقد غضبت عائشة ، وأخرجت شعرا من شعر رسول الله ٦ ، وثوبا من ثيابه ، ونعلا من نعاله ، وقالت :

ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم! وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ..

وغضب عثمان من عائشة ، ولم يدر كيف يعتذر ممّا اقترفه تجاه عمّار (١) .

٢ ـ أنّ أعلام الصحابة رفعوا مذكّرة لعثمان ذكروا فيها أحداثه ومخالفاته للسنّة ، وطالبوه بالكفّ عنها ، فأخذها عمّار ودفعها إليه ، فقال له عثمان بعنف :

أعليّ تقدم من بينهم؟ ...

إنّي أنصحهم لك ...

كذبت يا ابن سميّة.

أنا والله! ابن سميّة ، وابن ياسر ..

وأوعز عثمان إلى جلاوزته لمدّ يديه ورجليه وضربه عثمان بنفسه برجليه على مذاكيره فأصابه فتق ، وكان ضعيفا فاغمي عليه ...

لقد لاقى هذا الصحابي من صنوف العذاب والتنكيل في عهد عثمان ما لا يوصف لمرارته ، والحاكم هو الله الذي يقضي بين عباده.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ : ٤٨.

٢٥٢

٣ ـ لمّا نكّل عثمان بالصحابي الثائر على السياسة الأموية أبي ذرّ فنفاه إلى الربذة ، ومات فيها جائعا غريبا مظلوما مضطهدا ، فحزن عليه المسلمون فقال عثمان أمام جماعة من الصحابة :

رحمه الله ..

فاندفع عمّار والأسى باد عليه فقال :

رحمه الله من كلّ أنفسنا ...

فغضب عثمان وقال لعمّار بأفحش القول وأقساه قائلا :

يا عاضّ أير أبيه! أتراني ندمت على تسييره ...؟

أيليق هذا الفحش بالرجل العادي فضلا عمّن يدّعي أنّه خليفة المسلمين وأنّ الملائكة تستحي منه.

ثمّ أمر عثمان غلمانه فدفعوا عمّارا وأرهقوه ، وأمر بنفيه إلى الربذة ، فلمّا تهيّأ للخروج أقبلت بنو مخزوم إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ فسألوه أن يكلّم عثمان في شأن عمّار وأن يلغي قراره في اعتقاله في الربذة ، و كلّم الإمام عثمان بذلك قائلا :

« اتّق الله ، فإنّك سيّرت رجلا صالحا من المسلمين ، فهلك في تسييرك ، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره ..؟ ».

فثار عثمان وصاح بالإمام :

أنت أحقّ بالنّفي منه ...

« رم إن شئت ذلك ».

واجتمع المهاجرون فعذلوه عن ذلك ، فاستجاب لهم وعفا عن عمّار (١) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٠. أنساب الأشراف ٥ : ٥٤.

٢٥٣

وهكذا لقي هذا الصحابي العظيم صنوف الاضطهاد والارهاق من عثمان ، ولم يلحظ مكانته في الإسلام وعظيم جهاده في إقامة صروح الدين ، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.

٢ ـ مع أبي ذرّ :

أمّا أبو ذرّ فهو صاحب رسول الله ٦ وخليله ، وهو من الأسبقين للإسلام ، وكان من أزهد الناس في الدنيا ، ومن أقلّهم احتفالا بمنافعها ، وكان من ألصق الناس برسول الله ٦ ، فكان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا من الصحابة ، ويسرّ إليه حين لا يسرّ أحدا من أصحابه (١) ، وهو أحد الثلاثة الذين أحبّهم الله ، وأمر نبيّه بحبّهم ، كما أنّه أحد الثلاثة (٢) الذين تشتاق إليهم الجنّة (٣) .

ولمّا آل الحكم إلى عثمان واستأثرت بنو أميّة بمنافع الدولة وخيرات المسلمين ، هبّ أبو ذرّ إلى الانكار عليه ، وقد نهاه عثمان من نقده والانكار عليه ، فلم يمتنع ورأى أنّ ذلك ضرورة إسلامية وواجب عليه ، وكان أبو ذرّ يقف أمام الذين وهبهم عثمان الثراء العريض ويتلو عليهم قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) ، وغاظ ذلك مروان بن الحكم المنتفع الأوّل من حكومة عثمان ، فشكاه إليه ، فأرسل خلفه ، فنهاه فقال أبو ذرّ :

أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله؟ فو الله! لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضاه ...

__________________

(١) كنز العمّال ٨ : ١٥.

(٢) الثلاثة الذين تشتاق لهم الجنّة : الإمام عليّ ، أبو ذرّ وعمّار بن ياسر.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٠.

٢٥٤

لقد أبى أبو ذرّ الذي تربّى بتعاليم الإسلام وأحكام القرآن أن يصانع عثمان ، ويقرّه على سياسته الملتوية التي اتّخذت مال الله دولا.

وضاق عثمان ذرعا من أبي ذرّ الثائر العظيم الذي وعى الإسلام وآمن بقيمه وتعاليمه ، وراح عثمان يفتّش عن الوسائل التي يتخلّص بها من خصمه العنيد ، فاتّخذ القرار التالي :

اعتقال أبي ذرّ في الشام :

أبى أبو ذرّ أن يصانع عثمان ويساير خطواته ومخطّطاته ويجاريه بأي عمل من أعماله التي لا يقرّها الإسلام ، وكان من ذلك أنّ عثمان سأل حضّار مجلسه فقال لهم :

أيجوز لأحد أن يأخذ من بيت المال فإذا أيسر قضاه؟

فانبرى كعب الأحبار فأفتاه بالجواز ، وصعب على أبي ذرّ أن يتدخّل كعب في شئون الإسلام وهو يهودي النزعة ، وقد شكّ في إسلامه ، فصاح به :

يا ابن اليهوديّين ، أتعلّمنا ديننا؟ ...

فثار عثمان وصاح بأبي ذرّ :

ما أكثر أذاك لي! وولعك بأصحابي! الحق بمكتبك في الشام ...

وسيّره إلى الشام ، فلمّا انتهى إليها أفزعه ما رأى من منكرات معاوية وبدعه ، فقد رآه قد أطلق يديه في بيت المال يهبه لعملائه وينفقه على شهواته وملاذّه فأخذ ينكر عليه ذلك ، ويذيع مساوئ عثمان وبدعه ، وقد قال لمعاوية حينما قال :

المال مال الله ..

فردّ عليه أبو ذرّ :

المال مال المسلمين ..

٢٥٥

إنّ أموال الخزينة العامّة للمسلمين وليست لمعاوية حتى ينفقها على ملاذه وتدعيم سلطانه ، ولمّا بنى معاوية داره الخضراء أنكر عليه أبو ذرّ وقال له :

يا معاوية ، إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف ..

وأخذ الثائر العظيم يدعو المسلمين إلى الحذر واليقظة من السياسة الأموية التي أمعنت في اقتراف المنكر ، فكان يقول لأهل الشام :

والله! لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله! ما هي في كتاب الله ولا في سنّة نبيّه ، والله! لأرى حقّا يطفأ ، وباطلا يحيى ، وصادقا يكذّب ، وأثرة بغير تقى ، وصالحا مستأثرا عليه (١) .

وأخذ الوعي ينتشر بين أهل الشام ، فقد أوجدت دعوته هدى في النفوس ، واستطابتها العامّة لقد كانت دعوته إلى إنصاف المحرومين ، وتحريض الفقراء على استرجاع حقوقهم من الطغمة الحاكمة وخاف الطاغية معاوية أن تندلع عليه نار الثورة فنهى الناس عن مخالطته والاجتماع به ، وقال بعنف لأبي ذرّ :

يا عدو الله! تؤلّب الناس علينا ، وتصنع ما تصنع!! فلو كنت قاتلا رجلا من أصحاب محمّد من غير إذن أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لقتلتك ..

فردّ عليه البطل العظيم غير حافل بسلطانه قائلا :

ما أنا بعدوّ الله ولا رسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ورسوله أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ..

لقد صدق أبو ذرّ بمقالته ، فإنّ معاوية وأباه أبو سفيان لم يؤمنا بالله طرفة عين ،

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ : ٥٢.

٢٥٦

أظهرا الإسلام خوفا من السيف وأبطنا الكفر والكيد للإسلام.

وعلى أي حال ، فقد ظلّ أبو ذرّ يواصل نشاطه الديني والسياسي للتشهير بالحكم الأموي حتى فزع منه معاوية وخاف على سلطانه.

إخراج أبي ذرّ من الشام :

وكتب معاوية إلى عثمان يخبره بخطر أبي ذرّ على الشام ويطلب منه إخراجه إلى بلد آخر ، فأجابه عثمان ، وأمره بحمله على أغلظ مركب وأوعره حتى يلقى الجهد والعناء ، فأرسله معاوية مع جلاوزة نزعت من نفوسهم الرأفة والرحمة والشرف والكرامة ، فساروا به سيرا مزعجا ولم يسمحوا له أن يستريح من الجهد والعناء ، ومضوا في سيرهم لا يلوون على شيء حتى تسلّخت بواطن فخذه وكاد أن يموت.

ولمّا انتهى إلى يثرب دخل على عثمان وهو منهوك القوى ، فاستقبله عثمان بالجفوة ومرارة القول قائلا :

أنت الذي فعلت وفعلت؟ ...

فأجابه أبو ذرّ بمنطق الحقّ قائلا :

نصحتك فاستغششتني ، ونصحت صاحبك ـ يعني معاوية ـ فاستغشني ..

فصاح عثمان به :

كذبت ، ولكنّك تريد الفتنة وتحبّها ، وقد أنغلت الشام علينا ...

فوجّه إليه أبو ذر نصيحته قائلا :

اتّبع سنّة صاحبيك ـ يعني أبا بكر وعمر ـ لم يكن لأحد كلام.

فصاح به عثمان :

ما لك لا أمّ لك ...

٢٥٧

فقال له أبو ذرّ بهدوء :

والله! ما وجدت لي عذرا إلاّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..

وثار عثمان فقال لمن حوله :

أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه فرّق جماعة المسلمين ، أو أنفيه من أرض الإسلام ...

فثار الإمام ٧ من هذه الاستهانة التي قابل بها عثمان أبا ذرّ ، فقال له :

« يا عثمان ، سمعت رسول الله ٦ يقول : ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ».

ولم يحفل هذا الثائر العظيم بعثمان ، وإنّما راح ينكر عليه بوحي من دينه ، ويندّد بسياسته الملتوية قائلا له :

تستعمل الصبيان ، وتحمي الحمى ، وتقرّب أولاد الطلقاء؟

وأخذ يذيع بين المسلمين ما سمعه من النبيّ ٦ في ذمّ الأمويّين ، ومدى خطرهم على الإسلام قائلا :

قال رسول الله : « إنّ بني العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا » (١) .

وأصدر عثمان أمرا بمنع مجالسة أبي ذرّ وحرّم مخالطته والكلام معه ، لأنّه يقول الحقّ ويأمر بالعدل وينهى عن المنكر.

اعتقاله في الربذة :

واستمرّ أبو ذرّ في جهاده ينشر مساوئ الأمويّين ويذيع منكراتهم ويوقظ الجماهير ، فضاق عثمان به ذرعا فصمّم على أن ينفيه عن الأمصار الإسلامية

__________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليّ ٨ ١ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

٢٥٨

ويعتقله في أرض جرداء لا سكن فيها ، فأرسل شرطته خلفه ، فلمّا حضر عنده بادره أبو ذرّ منكرا وناقما على سياسته قائلا :

ويحك يا عثمان ، أما رأيت رسول الله ورأيت أبا بكر وعمر ، هل رأيت هذا هديهم ، إنّك لتبطش بي بطش الجبّارين ..

فقطع عليه عثمان كلامه وصاح به :

اخرج عنّا من بلادنا ..

أتخرجني من حرم رسول الله ٦ ؟ ..

نعم ، وأنفك راغم.

اخرج إلى مكّة.

لا ..

الكوفة؟

لا ..

إلى الربذة حتى تموت فيها ..

وأوعز شيخ الأمويّين عثمان إلى وزيره ومستشاره مروان بن الحكم بإخراج هذا الصحابي العظيم من مدينة الرسول ٦ ليقيم في أرض جرداء قد انعدمت فيها جميع وسائل الحياة ، فأخرجه الوزغ ابن الوزغ مهان الجانب ، محطّم الكيان ، وحرّم على المسلمين مشايعته وتوديعه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

توديع الاسرة النبوية لأبي ذرّ :

ولم تذعن الاسرة النبوية لأوامر عثمان بتحريم توديع أبي ذرّ ، فقد خرجت ومعها الصحابي الجليل عمّار بن ياسر لتوديع هذا الصحابي المضطهد ، وتلقي عليه نظرة الوداع.

٢٥٩

ولمّا رآهم مروان وجّه خطابه وإنذاره إلى الإمام الحسن ٧ فقال له :

ايه يا حسن! ألا تعلم أنّ عثمان قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك ...

ولم يجبه الإمام بكلمة احتقارا له ، و ثار الإمام أمير المؤمنين ٧ وحمل على مروان وضرب أذني دابته ، وصاح به :

« تنحّ نحّاك الله إلى النّار » ، وولّى مروان منهزما فزعا إلى سيّده وابن عمّه عثمان يخبره بعصيان أهل البيت : أمره ، فاستشاط عثمان غيظا وورم أنفه.

كلمة الإمام :

وألقى الإمام ٧ على أبي ذرّ نظرة مشفوعة بالأسى والحزن ، وخاطبه بهذه الكلمات التي حدّدت أبعاد شخصيّة أبي ذرّ ، وألقت الأضواء على ثورته ضدّ الحكم الأموي قائلا :

يا أبا ذرّ ، إنّك غضبت لله فارج من غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه واهرب منهم بما خفتهم عليه ؛ فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك! وستعلم من الرّابح غدا ، والأكثر حسّدا. ولو أنّ السّماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ، ثمّ اتّقى الله لجعل الله له منهما مخرجا! لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضت منها لأمّنوك.

يا لها من كلمات ذهبية ألمّت بواقع أبي ذرّ الذي ثار في وجه الطغيان والاستبداد! فقد كانت ثورته إصلاحية استهدفت القضاء على الاستغلال ونهب ثروات الامّة.

وقد مجّد الإمام ثورة أبي ذرّ التي خشيها الأمويّون وطلب منه أن يهرب بدينه

٢٦٠

ليكون بمنجاة من شرور الأمويّين.

كلمة الإمام الحسن :

وبادر ريحانة رسول الله 6 الإمام الحسن 7 فصافح عمّه أبا ذرّ وألقى عليه هذه الكلمات :

« يا عمّاه ، لو لا أنّه ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف ، وقد أتى القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدّنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتّى تلقى نبيّك وهو عنك راض ».

وألمّت هذه الكلمات بما يحمل الإمام الحسن من أسى بالغ على ما حلّ بعمّه أبي ذرّ من الخطوب التي كانت من أجل إحقاق الحقّ ورفع كلمة الإسلام.

كلمة الإمام الحسين :

و ألقى الإمام الحسين 7 نظرة الوداع على أبي ذرّ وخاطبه بهذه الكلمات :

« يا عمّاه ، إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم ، فاسأل الله الصّبر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإنّ الصّبر من الدّين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقا ، والجزع لا يؤخّر أجلا ».

وألقت هذه الكلمات الأضواء على ثورة أبي ذرّ التي كانت من أجل الصالح العامّ ، وحكت خوف الأمويّين منه ، فقد خافوه على مناصبهم ، وخافوه على الأموال التي اختلسوها من المسلمين.

كلمة عمّار :

وتقدّم الصحابي العظيم الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر وعيناه تفيض من الدموع ، فخاطب صاحبه وخليله أبا ذرّ بهذه الكلمات :

٢٦١

« لا آنس الله من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما والله! لو أردت دنياهم لآمنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا والجزع من الموت ، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين ».

كلمة أبي ذرّ :

وقابل أبو ذرّ الاسرة النبوية وعيناه تفيضان دموعا ، وخاطبهم بهذه الكلمات قائلا :

« رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة! إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله 6 ، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز ، كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن اجاور أخاه وابن خاله بالمصرين ـ الكوفة والبصرة ـ فأفسد الناس عليهما ، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله! ما اريد إلاّ الله صاحبا وما أخشى مع الله وحشة ».

وتحرّكت راحلة أبي ذرّ تطوي البيداء حتى انتهت إلى الربذة ليموت فيها جوعا وفي يد عثمان ذهب المسلمين يصرفه على بني أميّة وآل أبي معيط ، ويحرمه على أبي ذرّ المصلح العظيم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

غضب عثمان على الإمام :

ولمّا قفل الإمام 7 راجعا من توديع أبي ذرّ استقبلته جماعة من الناس فأخبروه بغضب عثمان لأنّه خالف أوامره التي حرّم فيها توديع أبي ذرّ ، فأجابهم الإمام : « غضب الخيل على اللّجم » (1) ، وبادر عثمان فصاح بالإمام :

__________________

(1) يضرب مثلا لمن يغضب غضبا لا ينتفع به.

٢٦٢

ما حملك على ردّ رسولي؟ ..

« أمّا مروان فإنّه استقبلني يردّني فرددته عن ردّي ، وأمّا أمرك فلم أردّه ».

أولم يبلغك أنّي قد نهيت الناس عن تشييع أبي ذرّ؟

« أو كلّ ما أمرتنا به من شيء يرى طاعة الله والحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك؟!! ».

أقد مروان ..

« وما أقيده؟ ».

ضربت بين اذني راحلته ..

« أمّا راحلتي فهي تلك ، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل ، وأمّا أنا فو الله! لئن شتمني لأشتمنّك أنت بمثلها ، لا أكذب فيه ولا أقول إلاّ حقّا ».

ولم لا يشتمنّك إذ شتمته ، فو الله! ما أنت عندي بأفضل منه ..

وتألّم الإمام من عثمان الذي ساوى بينه وبين الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم ، ونسي جهاد الإمام ومنزلته من النبيّ وأنّه منه بمنزلة هارون من موسى ، وردّ الإمام على عثمان بأعنف القول قائلا له :

« إليّ تقول هذا القول ، وبمروان تعدلني؟ فأنا والله! أفضل منك ، وأبي أفضل من أبيك ، وأمّي أفضل من امّك ، وهذه نبلي قد نثلتها » (1) .

وسكت عثمان ولم يطق جوابا ، وتركه الإمام يموج في تيارات من الغضب ، قد ورم أنفه وانتفخت أوداجه.

3 ـ عبد الله بن مسعود :

وعبد الله بن مسعود القارئ من ألمع الصحابة ومن خيارهم ، وهو من الناقمين

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 375 ـ 377.

٢٦٣

على عثمان لمّا استقرض الوليد من بيت المال فطالبه ابن مسعود بردّ ما استقرضه ، فأبى الوليد وكتب إلى عثمان يخبره بذلك ، فغضب عثمان وكتب إلى ابن مسعود إنّما أنت خازن لنا ، وغاظ ذلك ابن مسعود وألقى المفاتيح وقفل راجعا إلى يثرب ، فلمّا انتهى إليها وجد عثمان على المنبر يخطب ، فلمّا رأى ابن مسعود قال يخاطب الحاضرين :

قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح ..

وردّ عليه ابن مسعود قائلا :

لست كذلك ، ولكنّي صاحب رسول الله 6 يوم بدر ويوم بيعة الرضوان ..

واندفعت عائشة منكرة على عثمان قائلة له :

أي عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ ..

وأمر عثمان جلاوزته بإخراج ابن مسعود من الجامع إخراجا عنيفا ، وانبرى إليه أبو عبد الله بن زمعة فضرب به الأرض ، وقيل بل احتمله ( يحموم ) غلام عثمان فاحتمله ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فانكسر ضلعه ، و ثار الإمام 7 فخاطب عثمان بعنف قائلا :

« يا عثمان ، أتفعل هذا بصاحب رسول الله بقول الوليد بن عقبة؟ ».

فقال عثمان :

ما بقول الوليد فعلت هذا ، ولكنّي وجّهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة ، فقال له ابن مسعود : إن دم عثمان حلال ..

وأنكر عليه الإمام أن يأخذ بقول زبيد قائلا :

« أحلت عن زبيد على غير ثقة » (1) .

__________________

(1) أنساب الأشراف 5 : 36.

٢٦٤

وحمل الإمام ابن مسعود إلى منزله ، وقام برعايته حتى أبل من مرضه ، وقاطعه عثمان وهجره ، وفرض عليه الاقامة الجبرية في يثرب ، وقطع عنه عطاءه ..

ومرض ابن مسعود مرضه الّذي توفّي فيه فدخل عليه عثمان عائدا فقال له :

ما تشتكي؟

ذنوبي؟

ما تشتهي؟

رحمة ربّي.

أدعو لك طبيبا؟

الطبيب أمرضني.

آمر لك بعطائك؟

منعتني عنه وأنا محتاج إليه ، وتعطينيه وأنا مستغني عنه! يكون لولدك.

رزقهم على الله! استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.

اسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي (1) .

وانصرف عثمان ولم يفز برضا ابن مسعود ولمّا ثقل حاله أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان ، وأن يصلّي عليه صاحبه وخليله عمّار بن ياسر ولمّا توفّي قامت الصفوة من صحابة النبيّ 6 بتجهيزه ودفنه ، ولم يعلموا عثمان بذلك ، فلمّا علم غضب ، وقال : سبقتموني؟ فردّ عليه عمّار :

إنّه أوصى أن لا تصلّي عليه ..

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 253 ـ 254.

٢٦٥

وقال ابن الزبير :

لأعرفنك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي (1)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المعارضين لعثمان والناقمين عليه وكان من أهمّ ما نقموا عليه من أعماله ما يلي :

1 ـ استبداده بأموال الدولة وإنفاقها على اسرته وذويه في حين أنّ المجاعة والحرمان قد عمّتا البلاد.

2 ـ منحه المناصب العالية في الدولة لبني أميّة وآل أبي معيط.

3 ـ تنكيله بخيار الصحابة الذين طالبوه بالعدل والكفّ عن سياسته الملتوية ، ولم يستجب لهم وإنّما نكّل بهم أفظع التنكيل وأقساه ، كما ذكرنا ذلك.

الثورة على عثمان :

وكان من الطبيعي أن تندلع الثورة على عثمان بعد ما اقترفه من الأحداث الجسام ، ولم تكن عفوية ، وإنّما كانت نتيجة للنضج الاجتماعي وكانت إصلاحية إلى حدّ كبير ـ كما يقول العلاّمة العلائلي ـ :

لقد شاع التنافر في جميع الأوساط وأخذت الأندية والمجالس تتحدّث عن مظالم عثمان ، وسوء سياسته (2) .

مذكرة المهاجرين لأهل مصر :

ورفع المهاجرون وخيار الصحابة مذكّرة لأهل مصر يستنجدون بهم للقيام بتغيير نظام الحكم القائم ، وهذا نصّ مذكّرتهم :

__________________

(1) مستدرك الحاكم 7 : 163. البداية والنهاية 3 : 13.

(2) الإمام الحسين 7 : 66.

٢٦٦

من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين.

أمّا بعد ، أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله 6 قبل أن يسلبها أهلها ، فإنّ كتاب الله قد بدّل ، وسنّة رسوله قد غيّرت ، وأحكام الخليفتين قد بدّلت ، فننشد الله من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب رسول الله 6 والتابعين بإحسان إلاّ أقبل إلينا ، وأخذ الحقّ لنا وأعطاناه ، فاقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم ، وفارقكم عليه الخلفاء ، غلبنا على حقّنا ، واستولى على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، من غلب على شيء أكله (1) .

وحفلت هذه المذكرة بالأخطاء التي ارتكبها عثمان وهي :

1 ـ تبديل كتاب الله وإلغاء أحكامه ونبذ نصوصه.

2 ـ تغيير سنّة الرسول.

3 ـ تبديل أحكام الخليفتين.

4 ـ استئثار السلطة بالفيء.

5 ـ صرف الخلافة الإسلامية عن مفاهيمها الخيرة إلى ملك عضوض (2) .

وتحفّز المصلحون حينما انتهت إليهم هذه المذكّرة إلى إرسال وفد للاطّلاع على أوضاع الخليفة والتعرف عليها.

مذكرة أخرى لأهل الثغور :

وأرسل صحابة الرسول 6 مذكّرة أخرى لأهل الثغور جاء فيها :

إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ تطلبون دين محمّد 6 ،

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 : 35.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 378 ـ 380.

٢٦٧

فإنّ دين محمّد قد أفسده خليفتكم فأقيموه (1) .

كما أوفدت الجبهة المعارضة مذكّرة أخرى لأهل الأمصار ، وقد أشاعت النقمة والسخط على حكومة عثمان.

وفود الأمصار :

واستجابت الأمصار الإسلامية لنداء الصحابة ، فأرسلت وفودها إلى المدينة للاطّلاع على حال عثمان ، أمّا الوفود فهي :

1 ـ الوفد المصري :

وأرسلت مصر وفدا كبيرا قدّر بأربعمائة شخص ، وقيل بأكثر ، بقيادة المؤمن محمّد بن أبي بكر وعبد الرحمن بن عديس البلوي.

2 ـ الوفد الكوفي :

وأرسلت الكوفة وفدا بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر ، وزيد بن صوحان العبدي ، وزياد بن النضر الحارثي ، وعبد الله بن الأصمّ العامري ، وعمرو بن الأهثم.

3 ـ الوفد البصري :

وأوفدت البصرة مائة رجل بقيادة حكيم بن جبلة ، ثمّ أوفدت خمسين رجلا وفيهم ذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح القيسي وغيرهم من الوجوه والأعيان (2) .

واستقبلت الصحابة الوفود بمزيد من الحفاوة والتكريم وحرّضتها على استقالة عثمان والاطاحة بحكومته.

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 : 115. الكامل في التاريخ 5 : 70.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 381 ـ 382.

٢٦٨

مذكّرة المصريّين لعثمان :

ورفع الوفد المصري مذكّرة لعثمان يدعوه فيها إلى الاستقامة في سلوكه والتوازن في سياسته ، وهذا نصّها :

أمّا بعد ، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فالله الله ، ثمّ الله الله ، فإنّك على دنيا زائلة فاستقم معها ، ولا تنس نصيبك من الآخرة ، فلا تسوّغ لك الدنيا ، وأعلم أنّا لله ، ولله نغضب ، وفي الله نرضى ، وأنّا لا نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة أو ضلالة مجلحة مبلجة (1) ، فهذه مقالتنا لك ، وقضيتنا إليك ، والله عذيرنا منك والسلام » (2) .

وحوت هذه المذكّرة الدعوة إلى الاصلاح والاستقامة ، وقد قرأها عثمان بإمعان ، وحوله المصريّون قد أحاطوا به ، فبادر المغيرة بن شعبة فطلب منه أن يتكلّم مع المصريّين ، فأذن له ، ولمّا أراد أن يفتح معهم صاحوا جميعا :

يا أعور وراءك.

يا فاجر وراءك.

يا فاسق وراءك.

ورجع المغيرة خائبا لم تفلح وساطته ، ودعا عثمان عمرو بن العاص وطلب منه أن يكلّم القوم ، فبادر تجاههم وسلّم عليهم ، فلم يردّ أحد منهم 7 لعلمهم بفسقه وصاحوا به :

ارجع يا عدوّ الله ..

ارجع يا ابن النابغة ، لست عندنا بأمين ولا مأمون ..

__________________

(1) مجلحة : هي الإقدام على الشيء. مبلجة : واضحة بيّنة.

(2) تاريخ الطبري 5 : 111. أنساب الأشراف 5 : 64 ـ 65.

٢٦٩

ورجع ابن العاص خائبا في وفادته ، فقد قوبل بمزيد من الاستهانة.

استجارته بالإمام :

وسدّت على عثمان جميع الوسائل ، فلم ير هناك طريقا مفتوحا ليتخلّص به ممّا هو فيه من المحنة ، ورأى أنّه لا ملجأ له إلاّ الإمام أمير المؤمنين 7 ، فاستغاث به ، فأجابه الإمام بعد أن شرط عليه أن يدعو القوم ويلتزم لهم بالسير على كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأجابه إلى ذلك ، وانطلق الإمام صوب الثوّار وهو يحمل لهم الضمان والالتزام بجميع ما طلبوه ، فلمّا رأوا الإمام قالوا له :

وراءك؟

فأجابهم الإمام بالالتزام الكامل بجميع مطالبهم قائلا :

« تعطون كتاب الله ، وتعتبون من كلّ ما سخطتم عليه ».

أتضمن ذلك؟ ..

« نعم ».

رضينا.

وأقبل وجوه الوفد وأشرافهم مع الإمام فدخلوا على عثمان وعاتبوه على سياسته ، وطلبوا منه أن يغيّر سلوكه ويسير بين المسلمين بسياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ، فأجابهم إلى ذلك.

كتاب عثمان :

وكتب عثمان إلى الوفود التي أحاطت به هذا الكتاب والتزم بتنفيذ ما فيه ، وهذا نصّه : هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين ، إنّ لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ، يعطى المحروم ، ويؤمن الخائف ، ويردّ المنفي ، ولا يجمر في البعوث ، ويوفّر الفيء ، وعليّ بن أبي طالب

٢٧٠

ضمين للمؤمنين ، وعلى عثمان الوفاء بما في هذا الكتاب.

وشهد فيه كلّ من الزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيّوب خالد بن زيد ، وكان توقيعه والشهادة عليه سنة ( 35 ه‍ ) (1) .

واستلم الثوّار الكتاب ، وانصرفوا إلى جماعتهم ، وطلب الإمام من عثمان أن يخرج إلى الناس ويعلن لهم تنفيذ ما أرادوا ، ففعل عثمان ذلك ، وقد أعطاهم عهد الله وميثاقه أن يسير فيهم بكتاب الله وسنّة نبيّه ، ويوفّر لهم الفيء ولا يؤثر به أحدا من بني أميّة ، وقفل المصريون راجعين إلى بلادهم.

نقضه للعهد :

ومن المؤسف أنّ عثمان نقض ما قطعه على نفسه ولم يف للمسلمين بما عاهدهم عليه ، أمّا سبب ذلك فتعزوه مصادر التاريخ إلى مروان الذي كان وزيرا ومستشارا له ، فقد لامه على ما أعطاه للمصريّين من العهد وطلب منه نقض ذلك ، فامتنع من إجابته إلاّ أنّه أصر عليه ، فاستجاب له ، فخرج إلى الناس واعتلى المنبر وقال : أمّا بعد ، إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر ، فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم رجعوا إلى بلادهم وقطع عليه ابن العاص كلامه وقال له :

اتّق الله يا عثمان! فإنّك قد ركبت نهابير (2) وركبناها معك ، فتب إلى الله نتب معك.

فصاح به عثمان :

وإنّك هناك يا ابن النابغة! قملت والله! جبّتك منذ تركتك من العمل ..

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 383 ـ 384.

(2) النهابير : المهالك.

٢٧١

وارتفعت أصوات الانكار من جميع جنبات المسجد وهي ذات لهجة واحدة :

اتّق الله يا عثمان! اتّق الله يا عثمان! (1) .

وانهار أمام هذا الحشد الهائل من الانكار ولم يدر ما يقول ، ولم يجد بدّا من إعلان التوبة مرّة ثانية ، فتاب وندم على ما فرّط في أمر نفسه.

استنجاده بمعاوية :

وأحاط الثوّار بعثمان لأنّه لم يقلع عن سياسته ، ولا يغيّر ولا يبدّل أي شيء منها ، وطالبوه بالاستقالة من منصبه فأبى ، ورأى أنّ خير وسيلة له أن يستنجد بابن عمّه معاوية ليبعث له قوّة عسكرية من أهل الشام تحميه من الثوّار ، فكتب إليه :

أمّا بعد ، فإنّ أهل المدينة قد كفروا ، وخلعوا الطاعة ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك مقاتلة أهل الشام على صعب وذلول (2) .

وحمل الكتاب مسوّر بن مخرمة ، وأخذ يجدّ في السير حتى انتهى إلى معاوية ، فناوله الكتاب وقال له :

يا معاوية ، انّ عثمان مقتول ، فانظر فيما كتب به إليك.

وسخر منه معاوية وأجابه :

يا مسوّر ، إنّي مصرّح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ورسوله ويرضاه ، ثمّ غيّر فغيّر الله عليه ، أفيتهيّأ لي أن أردّ ما غيّر الله عزّ وجلّ (3) ؟

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 : 110. أنساب الأشراف 5 : 74.

(2) الكامل في التاريخ 5 : 67. تاريخ اليعقوبي 2 : 150.

(3) فتوح البلدان 2 : 218.

٢٧٢

ولم يبد معاوية أي اهتمام بشأن عثمان ، وكان يترقّب قتله ليتّخذ من دمه ورقة رابحة يطلب بها المطالبة بدمه.

وقد تنكّر معاوية لعثمان ، ولم يستجب له في وقت محنته.

يقول الدكتور محمّد طاهر دروش :

وإذا كان هناك وزر في قتل عثمان فوزره على معاوية ودمه في عنقه ، ومسئوليّته عن ذلك لا تدفع ، فهو أولى الناس به ، وأعظم الرجال شأنا في دولته ، وقد دعاه فيمن دعا ، يستشيره في هذا الأمر ، وهو داهية الدهاة ، فما نهض إليه برأيه ، ولا دافع عنه بجنده ، وكأنّه قد استطال ـ كما استطال غيره ـ حياته ، فترك الأيام ترسم بيدها مصيره ، وتحدّد نهايته ، فإذا جاز لأحد أن يظنّ بعلي أو بطلحة والزبير تقصيرا في حقّ عثمان فمعاوية هو المقصّر ، وإذا جاز أن يلام أحد غير عثمان فيما جرى فمعاوية هو الملوم (1) .

وكتب عثمان رسائل أخرى إلى أهل الأمصار يستنجد بهم ويطلب منهم المعونة لرفع الحصار عنه ، إلاّ أنّه لم يستجب أي أحد منهم لعلمهم بالأحداث الجسام التي اقترفها ..

الحصار على عثمان :

وفرض الثوّار الحصار على عثمان ، وأحاطوا بداره وهم يهتفون بسقوطه ، ويطالبونه بالاستقالة من منصبه ، وفي أثناء تلك المحنة الحازية التي أحاطت بعثمان انبرى مروان إلى الثوّار فأشعل نار الثورة في نفوسهم ودفعهم إلى الاطاحة بحكم عثمان قائلا لهم :

ما شأنكم؟ كأنّكم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوه تريدون أن تنزعوا ملكنا

__________________

(1) الخطابة في صدر الإسلام 2 : 23.

٢٧٣

من أيدينا أخرجوا عنّا ..

وكانت هذه الكلمات الطائشة قد أشعلت فتيل الحرب على عثمان ، ونقلت إلى الإمام أمير المؤمنين 7 ، فخفّ مسرعا إلى عثمان وقال له :

« أما رضيت من مروان ، ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك ، مثل جمل الظّعينة يقاد حيث يشاء ربّه ، والله! ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه ، وأيم الله لأراه يوردك ولا يصدرك ، وما أنا عائذ بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك ، وغلبت على أمرك ».

وتركه الإمام وانصرف عنه ، والثوّار قد أحاطوا به ، والتفتت نائلة زوج عثمان إلى مروان وبني أميّة فقالت لهم :

أنتم والله! قاتلوه وميتّموا أطفاله ..

والتفتت إلى زوجها تحذّره من مروان قائلة له :

إنّك متى أطعت مروان قتلك ..

لقد كان مروان من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى قتل عثمان ، فقد أطاعه عثمان إطاعة عمياء ، وهو يدفع به إلى مهالك من دون أن يحسّ عثمان بذلك.

يوم الدار :

واندلعت نيران الثورة فقد نفد صبر الثوّار ، فلم يستقل عثمان من منصبه ، وقد أحاطوا بداره ، وقد شهروا سيوفهم ، فخرج إليهم مروان مدافعا عنه ، فبرز إليه عروة بن شيم الليثي فضربه على قفاه بالسيف فخر لوجهه صريعا ، وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ، فأراد أن يقطع رأسه فعذلته فاطمة الثقيفة وقالت له :

إن كنت تريد قتله ، فقد قتلته ، فما تصنع بلحمه أن تبضعه ، فاستحى منها وتركه.

٢٧٤

وتسلّق الثوّار عليه الدار ، ولم يكن عنده أحد يدافع عنه ، فقد ورمت منه القلوب ، ومجّته النفوس ، ورماه الناس بالحجار ونادوه :

لسنا نرميك ، بل الله يرميك ..

واحتفّ به بعض الأمويّين يدافعون عنه وقد نشب بينهم وبين الثوّار قتال عنيف ، وقد فرّ وانهزم خالد بن عقبة بن أبي معيط من ساحة القتال ، وإليه يشير عبد الرحمن بن سيحان بقوله :

يلومونني في الدار إن غبت عنهم

وقد فرّ عنهم خالد وهو دارع

وقتل من أصحاب عثمان زياد بن نعيم الفهري ، والمغيرة بن الأخنس ، ونيار بن عبد الله الأسلمي وجماعة.

مصرع عثمان :

وانهزم بنو أميّة وآل أبي معيط وتركوا عثمان وحده ، فأجهز عليه جماعة من المسلمين في مقدّمتهم محمّد بن أبي بكر ، فقد قبض على لحيته وقال له :

أخزاك الله يا نعثل (1) .

فردّ عليه عثمان :

لست بنعثل ، ولكنّي عبد الله وأمير المؤمنين.

فقال له محمّد بعنف :

ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان ، وأخذ يعدّد بني أميّة ..

__________________

(1) نعثل : هو طويل اللحية ، وقيل : هو رجل من أهل الكتاب كان طويل اللحية ، وكان يشبه عثمان ، ولذلك سمّي به ، جاء ذلك في حاشية لطائف المعارف : 35.

٢٧٥

وتضرّع عثمان إلى محمّد قائلا له :

يا ابن أخي ، دع عنك لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه ..

فأجابه محمّد بعنف :

ما أريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك ..

وطعن محمّد جبينه بمشقص كان في يده ، ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل اذنه حتى دخلت في حلقه ، ثمّ علاه بالسيف ، ووثب عليه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وكسر عمير بن ضابئ ضلعين من أضلاعه ، وحاولوا حزّ رأسه ، فألقت زوجتاه نائلة وابنة شبيبة بن ربيعة بأنفسهما عليه ، فأمر ابن عديس بتركه لهما (1) .

وألقيت جثّة عثمان ملطّخة بدمه على الأرض لم يفزع إليه أحد من الأمويّين وآل أبي معيط لمواراته في مقرّه الأخير ، وقد بالغ الثوّار في إهانته ، فقد ألقوا جثمانه على المزيلة ثلاثة أيام (2) مبالغة في توهينه وتحقيره ، وكلّم بعض خواصه الإمام 7 أن يتوسّط إلى الثوّار فيواروه ، فكلّمهم الإمام فأذنوا له في دفنه ، ووصف جولد تسهير كيفيّة دفنه بقوله :

وبسط جثمانه دون أن يغسّل على باب ، فكان رأسه يقرع قرعا ، يقابل بخطوات سريعة من حامليه ، وهم يسرعون في ظلام الليل ، والأحجار ترشفه ، واللعنات تتبعه ، ودفنوه في حش كوكب (3) ، ولم يسمح الأنصار بمواراته في مقابر المسلمين (4) ، وأمّا غلاماه اللذان قتلا معه فقد سحبوهما وألقوهما على التلّة

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 390.

(2) تمام المتون ـ الصفدي : 79.

(3) حش كوكب : اسم بستان لليهود كانوا يدفنون موتاهم فيه.

(4) العقيدة والشريعة في الإسلام : 45.

٢٧٦

فأكلتهما الكلاب (1) .

وبذلك فقد انتهت حياة عثمان بهذه الصورة المروّعة ، وقد امتحن بها المسلمون كأشدّ وأقسى ما يكون الامتحان ، وأخلدت لهم الفتن والمصاعب ، وألقتهم في شرّ عظيم ، فقد ربح الأمويّون بقتله ، فقد طالبوا بدمه ، كما تذرّعت بالمطالبة بدمه القوى النفعية أمثال : طلحة والزبير وعائشة ، فقد رفعوه شعارا لهم ، وهم الذين أجهزوا عليه.

وعلى أي حال ، فقد مني العالم الإسلامي بحكومة عثمان وبمصرعه بمصاعب وفتن ، وقد تحدّثنا عنها في كتابنا ( حياة الإمام الحسين 7 ) فلا نرى حاجة لإعادتها ، وقد اقتبسنا معظم هذه الفصول منه ، وذلك لأنّها ترتبط ببحثنا ارتباطا موضوعيا لا غنى عنها ، فإنّها وإن ذكرت في كتاب ( حياة الإمام الحسن 7 ) وكتاب ( الإمام الحسين 7 ) فهي على سبيل الاستطراد لأنّها تمثّل الحياة الاجتماعية والسياسية في عصر الإمامين 8 ، أمّا ذكرها هنا فإنّها من صميم الموضوع.

__________________

(1) تاريخ الطبري 3 : 241. البداية والنهاية 7 : 214.

٢٧٧

٢٧٨

المحتويات

مع النبيّ 9

في جهاده وغزواته 9

واقعة بدر : 12

استنجاد أبي سفيان بقريش : 12

رؤيا عاتكة : 12

نصيحة عتبة بن ربيعة : 13

سقاية الإمام للجيش : 14

دعاء النبيّ للأنصار : 15

دعاء النبيّ على قريش : 15

النبي مع أصحابه : 15

المعركة : 16

بسالة الإمام : 16

أسماء من قتلهم الإمام : 17

وقوف النبيّ على قتلى بدر : 19

الأسرى من قريش : 20

حزن القرشيّين على قتلاهم : 20

انتصار الإسلام : 21

واقعة أحد : 22

الحرب : 23

هزيمة المسلمين : 24

مصرع الشهيد حمزة : 25

٢٧٩

مصرع الشهيد مصعب : 26

حماية الإمام للنبيّ : 26

تشفّي هند : 27

تشفّي أبي سفيان : 28

حزن النبيّ : 28

ملاحقة النبيّ للقرشيّين : 30

سرور القرشيّين : 30

واقعة الخندق : 30

دور اليهود في المعركة : 31

النبيّ مع نعيم : 32

حفر الخندق : 33

مبارزة الإمام لعمرو : 34

فتح خيبر : 38

مبارزة الإمام لمرحب : 40

غزوة بني قريظة : 41

نصيحة كعب لبني قريظة : 42

نزولهم على حكم الرسول : 43

تحكيم سعد : 43

غزوة بني النضير : 44

غزوة وادي القرى : 45

الإمام وفتح اليمن : 45

دعاء الإمام : 45

إسلام همدان : 46

فتح مكّة : 47

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287