موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام20%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147643 / تحميل: 5361
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عبل الذّراعين شديد القسورة

كليث غابات كريه المنظرة (١)

أضرب بالسّيف رقاب الكفرة

أكيلهم بالسّيف كيل السّندره » (٢)

ولم يختلف الرواة في أنّ هذا الشعر للإمام (٣) ، وقد حكى هذا الشعر قوّة بأس الإمام ٧ وشجاعته ، وتقدّم إليه الإمام فبادره بضربة قدّت البيضة والمغفر ورأسه ، وسقط إلى الأرض صريعا يتخبّط بدمه ، فأجهز عليه وتركه جثّة هامدة ، وبذلك فقد كتب الله النصر للإسلام ، وفتحت حصون خيبر ، وأذلّ اليهود ولقّنهم درسا قاسيا يذكرونه بأسى ولوعة على امتداد التاريخ.

وسرّ النبيّ ٦ سرورا بالغا بهذا النصر المبين الذي أعزّ الله به المسلمين وقهر أعداءهم اليهود ، وصادف في ذلك اليوم رجوع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فقال ٦ : « ما أدري بأيّهما أنا أسرّ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر » (٤) ؟

غزوة بني قريظة :

وبنو قريظة من شرائح اليهود الذين يشكّلون خطرا على المسلمين ويكيدونهم في وضح النهار وغلس الليل ، وقد هبط جبرئيل على رسول الله ٦ بأمر من الله تعالى أن ينازلهم الحرب ويستأصل شأفتهم (٥) ، وخفّ النبيّ ٦ لحربهم ، وقدّم الإمام أمير المؤمنين أمامه وهو يحمل رايته ، فسار لهم ، فلمّا دنا من

__________________

(١) العبل : الضخم.

(٢) السندرة : اختلف في معناها ، فقال ابن الاعرابي : هي المكيال ، والمعنى : أنّي أقتلكم قتلا واسعا كثيرا ، وقال غيره : هي امرأة كانت توفي الكيل ، أي أقتلكم قتلا وافيا.

(٣) خزانة الأدب ٦ : ٦٥.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٢٨.

(٥) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٣٣٣.

٤١

حصونهم سمع منهم مقالة قبيحة في النبيّ ، فرجع حتى التقى به وقال له : « يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخباث » ، فقال له : « لم أظنّك سمعت منهم لي أذى؟ » ، قال : « نعم » ، فقال النبي :

« لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا » وحاصرهم النبيّ خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب.

نصيحة كعب لبني قريظة :

وأيقنت بنو قريظة أنّ رسول الله ٦ غير منصرف عنهم حتى يناجزهم الحرب فتقدّم إليهم كعب بن أسد بنصيحة لهم قائلا :

يا معشر اليهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم؟

وهتفوا جميعا ما هي؟

عرض عليهم نصيحته قائلا :

نتابع هذا الرجل ونصدّقه ، فو الله! لقد تبيّن لكم أنّه نبيّ مرسل ، وأنّه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ..

وأشار عليهم بنجاتهم وسلامتهم ، إلاّ أنّهم لم يستجيبوا له وردّوا عليه قائلين :

لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ..

وأشار عليهم ثانيا :

فإذا أبيتم عليّ هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه مصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد ، فإن نهلك فهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ...

٤٢

ورفضوا هذا المقترح قائلين :

ونقتل هؤلاء المساكين فما خير للعيش بعدهم ..

واقترح عليهم ثالثا : فإن أبيتم عليّ هذه فإنّ الليلة ليلة السبت ، وأنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد امنونا فيها ، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة ..

ورفضوا ذلك وقالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلاّ من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ.

ولم ينصاعوا لرأيه وأصرّوا على جهلهم (١) .

نزولهم على حكم الرسول :

وضاق بنو قريظة ذرعا وسدّت عليهم جميع النوافذ فنزلوا على حكم رسول الله ٦ وما يراه فيهم.

تحكيم سعد :

وأوكل النبيّ ٦ أمرهم إلى سعد بن معاذ ، وكان من أجلاّء الصحابة ، لا تأخذه في الله لومة لائم وكان جريحا ، فحمل إلى رسول الله ٦ فقام إليه وسائر الصحابة تكريما وقالوا له :

يا أبا عمرو ، إنّ رسول الله ٦ قد أمر مواليك لتحكم فيهم ..

فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، إنّ الحكم فيهم لما حكمت ...

نعم.

وحكم سعد فيهم بقتل رجالهم وتقسيم أموالهم وسبي نسائهم وذراريهم.

وهو حكم عادل في هؤلاء اليهود الذين هم مصدر فتنة وفساد في الأرض.

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

٤٣

وأقرّ النبيّ ٦ حكم سعد ، وقال له :

« لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرفعة » (١) .

ونفّذ الإمام أمير المؤمنين ٧ حكم الاعدام في هؤلاء الأشرار ، فقد حصد رءوسهم بسيفه.

غزوة بني النضير :

وبنو النضير من فصائل اليهود الذين أترعت نفوسهم بالبغض والعداء إلى الرسول ٦ ، وقد سار إليهم في جماعة من أصحابه ، في طليعتهم الإمام أمير المؤمنين ٧ وذلك لأخذ دية منهم كانت قد اتّفق معهم عليها ، وجلس النبيّ ٦ إلى جانب جدار من بيوتهم ، فخلا بعضهم ببعض وتآمروا على أن يلقي بعضهم صخرة من السطح على رأس النبيّ ، واستجاب عمرو بن جحاش لذلك ، وأخذ معه الصخرة ، فنزل الوحي من السماء على النبيّ ٦ يخبره بذلك ، فسارع قائما وترك أصحابه في مجالسهم وقفل راجعا إلى المدينة ، وفي ذلك يقول السبكي :

وجاءك الوحي بالذي أضمرت بنو

النضيرة وقد همّوا بإلقاء صخرة (٢)

وسارع الإمام ٧ إلى اليهودي الذي حاول اغتيال الرسول ٦ فقتله ، وهربت العصابة التي معه ، فطلب الامام من الرسول ملاحقتهم فأذن له ، وزوّده بكوكبة من جيشه فلحقوهم قبل دخول حصنهم وقتلوهم ، وكان ذلك السبب في فتح حصونهم ، وانبرى جماعة من الشعراء كان منهم حسّان بن ثابت فنظّموا في

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٢) إنسان العين ٢ : ١٧٦.

٤٤

شعرهم الحادثة ، وأثنوا على الإمام ٧ على ما بذله من جهد شاقّ في فتح حصون بني النضير.

غزوة وادي القرى :

ولمّا فتح النبيّ ٦ حصون خيبر أتى وادي القرى ، وقد سكنه اليهود ، فعرض عليهم الإسلام فأبوا واختاروا قتاله ، فقاتلهم المسلمون ، وقتل منهم أحد عشر رجلا قد قتل الإمام بعضهم ، وفتح الله للنبيّ ٦ ديارهم ، وغنم المسلمون أموالهم ، وترك لهم ما في أيديهم من الأرض والنخيل ، وعاملهم بها مثل معاملته لأهل الخيبر (١) .

الإمام وفتح اليمن :

وأرسل النبيّ ٦ الإمام ٧ مع كتيبة عسكرية إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام أو الحرب ، وأخذ الإمام يجدّ في السير لا يلوي على شيء لينفّذ رسالة الرسول ٦ .

دعاء الإمام :

وكان الإمام ٧ قد دعا بهذا الدعاء الشريف حين توجّهه إلى اليمن ، وهذا نصّه :

« اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بلا ثقة منّي بغيرك ، ولا رجاء يأوي بي إلاّ إليك ، ولا قوّة أتّكل عليها ، ولا حيلة ألجأ إليها إلاّ طلب فضلك ، والتّعرّض لرحمتك ، والسّكون إلى أحسن عادتك ، وأنت أعلم بما سبق لي في وجهي هذا ممّا أحبّ وأكره ، فأيّما أوقعت عليّ فيه قدرتك ، فمحمود فيه بلاؤك متّضح فيه قضاؤك ، وأنت تمحو ما

__________________

(١) إنسان العين ٣ : ٦٨ ـ ٦٩.

٤٥

تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.

اللهمّ فاصرف عنّي مقادير كلّ بلاء ، ومقاصر كلّ لأواء ، وأبسط عليّ كنفا من رحمتك وسعة من فضلك ، ولطفا من عفوك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت ، وذلك مع ما أسألك أن تخلفني في أهلي وولدي ، وصروف حزانتي بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين في تحصين كلّ عورة وستر كلّ سيّئة ، وحطّ كلّ معصية ، وكفاية كلّ مكروه ، وارزقني على ذلك شكرك وذكرك ، وحسن عبادتك ، والرّضا بقضائك ، يا وليّ المؤمنين ، واجعلني وما خوّلتني وولدي ، ورزقتني من المؤمنين والمؤمنات في حماك الّذي لا يستباح ، وذمّتك التي لا تخفر ، وجوارك الّذي لا يرام ، وأمانك الّذي لا ينقض ، وسترك الّذي لا يهتك ، فإنّه من كان في حماك وذمّتك وجوارك وأمانك وسترك كان آمنا محفوظا ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ » (١) .

وحكى هذا الدعاء مدى اعتصام الإمام ٧ بالله تعالى والتجائه إليه وانقطاعه الكامل لإرادته ومشيئته.

إسلام همدان :

وانتهى الإمام مع الوفد العسكري إلى اليمن والتقى بزعماء اليمانيّين ووجوههم ، وعرض عليهم دعوة النبيّ ٦ ، وشرح لهم محاسن الإسلام وما تنشده مبادئه من القيم الكريمة والمثل العليا ، وقد بهر اليمانيّون بكمال الإمام وفضله وأدبه فاستجابوا لدعوته ، وأعلنت همدان بأسرها الإسلام والتمسّك بقيمه ، وبذلك فقد كان الإمام رسول السلام الذي نجح في فتح اليمن بلا حرب (٢) .

__________________

(١) مهج الدعوات : ٩٤.

(٢) أمالي المرتضى ١ : ٢٩٢.

٤٦

فتح مكّة :

وكتب الله تعالى النصر المبين لعبده ورسوله محمّد ٦ ، فقد أذلّ القوى المعادية من القرشيّين واليهود ، وامتدّت دولته على كثير من مناطق الجزيرة العربية ، فقد سادت فيها كلمة الإسلام ورفعت عليها راية التوحيد.

وقد رأى النبيّ ٦ أنّه لا يتحقّق له النصر الحاسم والفتح المبين إلاّ بفتح مكّة التي هي قلعة الشرك والإلحاد والتي حاربته حينما كان فيها وحينما نزح عليها.

وسار النبيّ ٦ بجيش مكثّف قوامه عشرة آلاف جندي مسلّح أو يزيد على ذلك ، وهو مزوّد بجميع آلات الحرب ، وقد أحاط اتّجاهه إلى مكّة بكثير من الكتمان ، فلم تعلم القطعات من جيشه اتّجاهها ، فقد خاف النبيّ أن تستعد قريش لمحاربته إن علمت بمسيرة جيوشه لاحتلال بلدهم فتراق الدماء في البلد الحرام ، فأخفى ذلك عليهم حتى يفاجئهم بجيشه فلا يتمكّنوا على مناهضته.

رسالة حاطب لقريش :

وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بتوجّه النبيّ ٦ لاحتلال بلدهم ، وأعطى الكتاب إلى امرأة وأوصاها بالكتمان الشديد ، وجعل لها جعلا إن هي أوصلت الرسالة إلى القرشيّين ، فجعلت الكتاب في شعر رأسها وأخفته حتى لا يعلم به أحد ، ونزل الوحي على رسول الله ٦ وأحاطه علما بالكتاب ، فاستدعى أخاه الإمام أمير المؤمنين ٧ والزبير بن العوّام وأمرهما بالقبض على المرأة وأخذ الكتاب منها ، وسارع الإمام مع الزبير في السير حتى أدركا المرأة ، فسألاها عن الكتاب ، فأنكرت ذلك ، فصاح بها الإمام وزجرها قائلا :

« إنّي أحلف بالله ما كذب رسول الله ٦ ولا كذّبنا ، لتخرجنّ الكتاب أو لنكشفنّك » ، فاستولى عليها الرعب وخافت فأخرجت الكتاب من شعر رأسها

٤٧

وأعطته للإمام ، وخفّ الإمام مع الزبير مسرعين إلى النبيّ فسلّماه الكتاب ، فدعا بحاطب ، فلمّا مثل عنده قال له :

« ما حملك على هذا؟ » .

وأبدى حاطب معاذيره للرسول ٦ قائلا : يا رسول الله ، إنّي مؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكن ليس لي في قريش أصل ولا عشيرة ، فصانعتهم عليه ».

وقبل النبيّ ٦ معاذيره ، ونزلت الآية الكريمة في حقّه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) الآية (١) » (٢) .

في رحاب مكّة :

وسارعت الجيوش الإسلامية لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى مشارف مكّة وأهلها غافلون لا يعلمون شيئا ، فقد أحاط النبيّ ٦ مسيرته بكثير من التعتيم حفظا على السلام وعدم إراقة الدماء ، وأمر النبيّ جيشه بجمع الحطب ، فجمعت كميات هائلة ، فلمّا اختلط الظلام أمر بإشعال النار فيه ، فكان لهبها يرى في مكّة ، وفزع أبو سفيان وأوجس في نفسه خيفة منها ، فقال لبديل بن ورقاء ـ وكان إلى جانبه ـ :

ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ؟

وبادر بديل قائلا :

وهذه والله! خزاعة حمشتها الحرب ..

وسخر أبو سفيان منه وراح يقول له :

__________________

(١) التحريم : ١.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٣٩٨.

٤٨

خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها واستولى عليه الفزع والخوف ، واطمأنت نفسه أنّها جيوش المسلمين جاءت لاحتلال مكّة.

العباس وأبو سفيان :

ولمّا علم العباس بقدوم الجيوش الإسلامية لاحتلال مكّة ، أوجس في نفسه خيفة على قومه القرشيّين ، وأخذ يحدّث نفسه قائلا : واصباح قريش ، والله! لئن دخل رسول الله ٦ مكّة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه أنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر وجهد على أن يجد شخصا فيأتي إلى مكّة فيخبر أهلها بمكان رسول الله ٦ فيخفّوا إليه ليطلبوا منه الأمن ، وبينما هو غارق في تيار من الهواجس والخوف على قومه إذ بصر بأبي سفيان فهتف به :

يا أبا حنظلة ...

وعرفه أبو سفيان فسارع قائلا :

أبو الفضل ..

نعم ..

فداك أبي وأمّي.

ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله في الناس واصباح قريش ...

وذعر أبو سفيان وجمد دمه ، وخاف على نفسه وقومه فبادر قائلا :

ما الحيلة فداك أبي وأمّي؟

وسارع العباس يدلّه على الطريق الذي يحافظ به على دمه قائلا له : والله! لئن ظفر بك رسول الله ٦ ليضربنّ عنقك ، فاركب على عجز هذه البغلة حتى آتي بك إلى رسول الله ٦ فأستأمنه لك.

فأردفه خلفه ، فكان كلّما مرّ على نار من نيران المسلمين قالوا : من هذا؟ فإذا

٤٩

رأوا بغلة رسول الله ٦ ، قالوا : عمّ رسول الله ، وبصر به عمر بن الخطّاب فعرفه ، فصاح :

هذا أبو سفيان عدوّ الله ...

ثمّ صاح ثانيا :

الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ووجم أبو سفيان واضطربت خلجات قلبه وهام في تيارات من الهواجس ، وخاف على نفسه وقومه الذين لم يبقوا في قاموس الإساءة والمكروه شيئا إلاّ صبّوه على النبيّ وأصحابه.

وجرت مناوشات كلامية بين العباس وعمر في شأن أبي سفيان ، وبادر العباس إلى رسول الله ٦ فأحاطه علما بأسر أبي سفيان ، فأمره النبيّ أن يذهب به إلى رحله ويأتي به عند الصباح ، وبات أبو سفيان ليلته مع العباس وهو وجل مضطرب قد أنفق ليله ساهرا.

أبو سفيان بين يدي النبيّ :

ولمّا اندلع نور الصبح أقبل العباس ومعه أبو سفيان ، فلمّا مثلا أمام النبيّ التفت إلى أبي سفيان فقال له :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّه لا إله إلاّ الله ...؟ ».

ولم يعرض النبيّ ٦ إلى ما عاناه من صنوف التنكيل والاضطهاد من أبي سفيان وقومه ، فقد أسدل الستار على ذلك لنشر الوئام وإفهامه بروح الإسلام التي لا تعرف الانتقام من الأعداء وراح أبو سفيان يتضرّع إلى النبيّ ويطلب منه العفو قائلا :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله! لقد ظننت أنّه لو كان مع الله إله غيره لأغنى عنّي ..

٥٠

والتفت إليه النبيّ بلطف ورفق قائلا :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ ».

ولم يستطع أن يقرّ أبو سفيان بذلك ، فقد أترعت نفسه بالكفر والالحاد والنفاق ، فلم يستطع أن يخفي ما انطوى عليه ضميره وراح يقول :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا حتى الآن ...

وانبرى العباس لأبي سفيان ينذره ويتهدّده إن لم يستجب لدعوة الرسول قائلا : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ..

ولم يجد الخبيث بدّا فأعلن الإسلام بلسانه على كره خوفا من حدّ السيف ، وانطوى قلبه على الكفر والنفاق.

ألطاف النبيّ على أبي سفيان :

ووسعت رحمة النبيّ ٦ أبا سفيان الذي هو ألدّ أعدائه وخصومه ، والذي أثار عليه الأحزاب وقاد الجيوش لحربه ، فقبل إسلامه المزيّف ، ولم يقابله بالمثل ، وقد أعطى النبيّ ٦ بذلك مثلا لرحمة الإسلام وإيثاره للسلم.

والتفت العباس إلى النبيّ فطلب منه أن يسدي يدا على أبي سفيان قائلا :

يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئا؟

و استجاب الرسول لدعوة العبّاس ، وقال :

« نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ».

٥١

وربح أبو سفيان هذه الكرامة كما ربح لقومه العفو العامّ الذي لم يحدث له مثيل في جميع فترات التاريخ ، فقد غمرهم الرسول بألطافه وهم الذين جرّعوه ألوانا قاسية من المحن والخطوب.

أبو سفيان في مضيق الوادي :

وأمر النبيّ ٦ العباس بحبس أبي سفيان في مضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ عليه جنود الله فيراها حتى يحذّر قريشا من مناهضة النبيّ ٦ ، وحبسه العباس في المضيق ، واجتازت عليه الكتائب وهي تحمل رايات النصر ، وكلّما مرّت عليه كتيبة سأل عنها فيعرّفه العباس بها ، واجتازت عليه كتيبة مدجّجة بالسلاح فقال للعباس :

يا عباس ، من هذه؟

سليم ..

ما لي ولسليم.

واجتازت عليه كتيبة أخرى فقال للعباس :

يا عباس ، ما هذه؟

مزينة ..

ما لي ولمزينة ..

ولمّا انتهت الكتائب مرّ عليه النبيّ ٦ في كتيبة خضراء ، وهي في منتهى القوّة ، فقد شهرت السيوف على رأس الرسول ، وأحاطت به صناديد أصحابه ، فبهر أبو سفيان وقال للعباس :

من هذه الكتيبة؟

هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار ...

٥٢

ولم يملك أبو سفيان إعجابه وراح يقول للعباس :

ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ...

فردّ عليه العبّاس قائلا :

يا أبا سفيان ، إنّها النبوّة ...

فهزّ أبو سفيان رأسه العفن وقال بسخرية :

نعم إذن (١) .

وما كان هذا الجاهلي ليفقه الإسلام ، وإنّما كان يفقه الملك والسلطان ، ثمّ أمر النبيّ بإطلاق سراح أبي سفيان ، فأطلق ، وولّى إلى مكّة.

نداء أبي سفيان :

وانطلق أبو سفيان مسرعا يسبق الجيش إلى مكّة وهو رافع عقيرته ينادي بأعلى صوته :

يا معشر قريش ، هذا محمّد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..

فهبّت قريش قائلة :

وما تغني عنّا دارك؟

وهتف فيهم ثانيا :

من أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ..

فسكن روع القرشيّين وسارعوا إلى دورهم وإلى المسجد.

معارضة هند :

وانبرت هند زوج أبي سفيان وهي مذعورة قد ملأت نفسها بالألم والحزن ،

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

٥٣

فجعلت تثير عواطف القرشيّين وتستهين بزوجها قائلة : اقتلوا الحميت (١) الدنس قبّح من طليعة قوم.

وراح أبو سفيان يحذّر قريشا من مغبّة عصيانه ويحذّرهم من بطش المسلمين.

دخول النبي مكّة :

وسارعت جيوش المسلمين لدخول مكّة وهي فرحة مستبشرة بهذا النصر ، فإنّها لم تلق أيّة مقاومة من قريش ، وقد حمل الراية سعد بن عبادة ، وهو يلوّح بها في الفضاء ويهتف : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحلّ الحرمة ..

فسمعها عمر بن الخطّاب ـ كما يقول ابن هشام ـ فسارع إلى النبيّ ٦ قائلا :

يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد؟

فأمر النبيّ ٦ بأخذ اللواء من سعد وإعطائه إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ ، فأخذه وأدخله إدخالا رقيقا ، ورفع صوته قائلا :

« اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ».

وعمّت الفرحة الكبرى جميع أوساط القرشيّين ، وأيقنوا أنّ النبيّ لا يؤاخذهم بما اقترفوه تجاهه من التنكيل والاعتداء.

النبي في الكعبة :

وسارع النبيّ ٦ بعد دخوله مكّة إلى بيت الله الحرام ، فأغلق بوجهه عثمان ابن طلحة باب الكعبة وصعد على سطحها ، وأبى أن يدفع إليه المفتاح ، وبادر إليه الإمام ٧ فلوى يده وأخذ المفتاح منه وفتحها للنبيّ ٦ ، فصلّى فيها ركعتين (٢) ثمّ

__________________

(١) الحميت : الشديد الدناسة.

(٢) صبح الأعشى ٤ : ٢٦٩.

٥٤

سلّم المفتاح له ، و قال له : « يا عثمان ، اليوم يوم برّ ووفاء » (١) .

تطهير البيت من الأصنام :

ولمّا دخل النبيّ ٦ البيت الحرام كان أوّل عمل قام به تحطيمه وإزالته للأصنام والأوثان التي اتّخذها القرشيّون آلهة يعبدونها من دون الله تعالى ، والتي تنمّ عن جهلهم وانحطاطهم الفكري ، وقد كانت الأصنام المعلّقة على الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ، ولكلّ حيّ من العرب صنم خاصّ بهم.

و كان على جهة باب البيت المعظّم الصنم الأعلى لقريش وهو هبل ، فجعل النبيّ ٦ يطعن بقوسه في عينه ، وهو يقول : « جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ثمّ أمر بتحطيمه وتطهير البيت منه ، وقد شقّ ذلك على أبي سفيان وغيره من عتاة القرشيّين ، ثمّ اعتلى النبيّ ٦ على منكب الإمام ٧ لتكسير الأصنام ، فعجز الإمام عن النهوض به ، فقال له الرسول :

« إنّك لا تستطيع حمل ثقل النّبوّة ، فاصعد أنت » ، فاعتلى الإمام على كاهل رسول الله ٦ و قال الإمام : « لو شئت لنلت افق السّماء » ، وأقبل على الأصنام فجعل يقلعها ويرمي بها إلى الأرض ، ولم يبق إلاّ صنم خزاعة وكان موتدا بأوتاد من حديد ، فقال له الرسول : « عالجه » ، فعالجه الإمام وهو يقول :

« جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ، فعالجه حتى تمكّن منه فقذفه حتى تكسّر (٢) ، وبذلك فقد تطهّر البيت الحرام من أصنام قريش على يد بطل الإسلام وقائد مسيرته الظافرة لقد حطّم الإمام الأصنام كما حطّمها جدّه إبراهيم خليل الله ، وقد نظم الشاعر الملهم محمّد بن أحمد الكتاب المعروف بـ « المفجع »

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤١٢.

(٢) إنسان العين ٣ : ٩٩ ـ ١٠٠.

٥٥

هذه المأثرة للإمام ٧ بقوله :

وله من أبيه ذي الأيد اسما

عيل شبه ما كان عنّي خفيّا

إنّه عاون الخليل على الكعب

ة إذ شاد ركنها المبنيّا

ولقد عاون الوصيّ حبيب الل

ه إذ يغسلان منها الصفيّا

رام حمل النبيّ كي يقطع الأصنا

م من سطحها المثول الحبيّا (١)

فحناه ثقل النبوّة حتّى كاد

يناد تحته منئيّا (٢)

فارتقى منكب النبيّ علي

صنوه ما أجلّ ذا المرتقيّا

فأماط الأوثان عن ظاهر الكعب

ة ينفي الأرجاس عنها نفيّا

ولو أنّ الوصيّ حاول مسّ النجم

بالكفّ لم تجده قصيّا (٣)

إنّ تحطيم الأصنام وتطهير الكعبة منها أقسى ضربة موجعة للقرشيّين الذين تفانوا في عبادة الأوثان ، كما كان أعظم انتصار رائع للإسلام الذي جاء لتحرير العقول ونشر الوعي بين الناس ، فقد باءت بالفشل والخزي جميع المقاومات والاعتداءات على الإسلام ، وها هو يرفع رايته وينشر مبادئه العملاقة في ديارهم.

خطاب النبيّ :

وأحاطت جماهير أهالي مكّة بالرسول الأعظم ٦ وهي تنتظر بفارغ الصبر ما يواجهونه منه ، فهل ينزل بهم العقاب الصارم ويقابلهم بالانتقام من جرّاء ما صبّوه عليه وعلى أتباعه المستضعفين من صنوف الخطوب والكوارث ، أو إنّه سيعفو عنهم ويقابلهم بالصفح الجميل؟ واعتلى الرسول ٦ منصّة الخطابة واستمال الجمع إلى

__________________

(١) المثول : جمع ماثل ، أي المنتصب. الحبي : جمع حاب ، أي المرتفع.

(٢) منئيا : أي مثقلا.

(٣) معجم الأدباء ١٧ : ٢٠٢.

٥٦

أذن صاغية ، فعرض ٦ في خطابه إلى توحيد الله والثناء عليه وإلى نصره لدينه وهزيمته للمشركين ثمّ قال :

« يا معشر قريش ، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظيمها بالآباء. النّاس من آدم ، وآدم من تراب » ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

« يا معشر قريش ، ما ترون أنّي فاعل بكم؟ ».

فهتفوا جميعا بلسان واحد :

خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ...

فأصدر رسول الرحمة العفو عنهم قائلا : « اذهبوا فأنتم الطّلقاء » (٢) .

وتمثّلت الرحمة والشرف والكرامة بجميع ما تحمل هذه الألفاظ من معنى في هذا العفو ، فلم يقابل أولئك الجفاة الجناة بالمثل وأعرض عمّا لاقاه منهم من صنوف الإساءة والأذى ، ولم يؤاخذهم بجرائمهم وآثامهم التي تقتضي أن يعدم رجالهم ويستصفي أموالهم ، ولا يترك لهم أي أثر أو وجود على الأرض.

غزوة حنين :

وفزعت هوازن كأشدّ ما يكون الفزع حينما وافتهم الأنباء بفتح النبيّ ٦ مكّة ، وخضوع القبائل القرشية لحكم الإسلام ، فانبرى مالك بن عوف وهو زعيم هوازن فجمع قبيلته ، واستنجد ببعض القبائل العربية الاخرى وفي طليعتها ثقيف ،

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤١٢.

٥٧

فعرض عليهم الأخطار الهائلة التي ستواجههم من اتّساع الإسلام ، وأنّ النبيّ ٦ سيزحف بجيوشه لاحتلالهم ، فآمن الجميع بدعوته واستجابوا لقوله ، وزحفت هوازن ومن تابعهم من القبائل لحرب النبيّ ٦ ، وأوصاهم مالك بن عوف وهو القائد العامّ لجيوشهم فقال لهم : إذا رأيتموهم ـ أي المسلمين ـ فاكسروا جفون سيوفكم ، ثمّ شدّوا شدّة رجل واحد (١) .

ولمّا انتهت أنباؤهم إلى النبيّ ٦ أوفد للقياهم عبد الله الأسلمي ، وأمره بالتعرّف على أنبائهم ، فمضى ، وعلم أنّهم مصمّمون على حرب النبيّ ، فقفل راجعا إلى مكّة ، وأخبر النبيّ بذلك ، فزحف بجيشه البالغ عدده اثني عشر ألفا ، وكان فيهم من لم يخاط الإسلام قلبه كأبي سفيان بن حرب وأمثاله من المنافقين والطامعين في الغنائم والأسلاب.

وتحرّك جيش النبيّ ٦ من مكّة وقد وزّع الرايات على قادة جيشه ، وأعطى لواء المهاجرين إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ ، وسارعت جيوش المسلمين تطوي البيداء لا تلوي على شيء ، فانتهت إلى وادي حنين (٢) .

فرار المسلمين :

وكانت هوازن قد أعدّت خطّة رهيبة ومحكمة للايقاع بالمسلمين ، فقد احتلّت وادي حنين وكمنت في شعابه ومضايقه ، فلمّا اجتازت عليهم جيوش المسلمين ، ولم يكونوا على علم بما دبّر لهم ، وثبت عليهم هوازن من كلّ زاوية في الوادي ، فجفل المسلمون وانهزموا هزيمة منكرة لا يلوي أحد منهم على أحد ،

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤٣٩.

(٢) وادي حنين : موضع قريب من مكّة ، وقيل : هو واد قبل الطائف بجنب ذي المجاز ، وقال الواقدي : بينه وبين مكّة ثلاث ليالي ، جاء ذلك في معجم البلدان ٢ : ٣١٣.

٥٨

وانحاز رسول الله ٦ ذات اليمين ، وجعل يدعو المسلمين إلى الثبات والصبر على الجهاد وعدم الفرار قائلا :

« أيّها النّاس ، إليّ أنا رسول الله محمّد بن عبد الله » (١) .

بسالة الإمام :

وأبدى الإمام أمير المؤمنين ٧ من البسالة ما لا يوصف ، فقد أخذ يجول في الميدان يجندل الأبطال ، وينزل بهم أفدح الخسائر ، وقد أجمع الرواة أنّه كان من أصلب المدافعين عن النبيّ ٦ (٢) ، وناول الإمام ٧ النبيّ ٦ قبضة من التراب ، فرمى بها وجوه المشركين من هوازن وغيرهم (٣) ، والتحم الإمام مع المشركين التحاما شديدا ، وقد التحق به مائة رجل من فرسان المسلمين فقاتلوا قتالا أهونه الشديد ، و لمّا رأى النبيّ ٦ ذلك قال :

« أنا النّبي لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب »

الآن حمى الوطيس (٤) ، واشتدّ الحرب ، فسقطت الرءوس والأيدي.

شماتة أبي سفيان وصفوان :

وسرّ المنافقون بهزيمة المسلمين وطاروا فرحا ، وأبدى أبو سفيان رأس المنافقين شماتته بذلك فقال : لا تنتهي هزيمتهم ـ أي هزيمة المسلمين ـ دون البحر.

كما أبدى المنافق صفوان بن أميّة شماتته بانهيار جيش المسلمين قائلا :

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ١٧٨.

(٢) مجمع الزوائد ٦ : ١٨٠.

(٣) تاريخ بغداد ٤ : ٣٣٤. مجمع الزوائد ٦ : ١٨٢.

(٤) الوطيس : هو التنّور ، وقيل : هي الحجارة التي يوقد عليها النار ، وهو كناية عن اشتداد الحرب.

٥٩

الآن بطل السحر (١) .

هزيمة المشركين :

ولمّا بلغت قلوب المسلمين الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا وساد عليهم الجزع والخوف نصر الله تعالى رسوله الكريم فقتل من المشركين سبعون رجلا من أبطالهم وانهزم الباقون شرّ هزيمة ، ولاحقتهم جيوش المسلمين فأشاعت فيهم القتل وأسرت جماعة منهم (٢) ، وكان النصر المؤزّر على يد بطل الإسلام وحامي حوزته الإمام أمير المؤمنين ٧ ، وبذلك فقد انتهت هذه المعركة التي كانت من أعنف المعارك ومن أشدّها هولا وقسوة ، وبها قد انتصر الإسلام انتصارا حاسما وهابته جميع قبائل الشرك.

الغنائم :

وبعد ما وضعت الحرب أوزارها ارتحل الرسول ٦ من أرض المعركة إلى الجعرانة ، فأتته وفود هوازن طالبين منه أن يردّ عليهم ما أخذ منهم ، فخيّرهم بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم ، وانبرى زهير أبو حرد من بني سعد فقال : يا رسول الله ، إنّما في الحظائر عمّاتك وخالاتك ، وحواضنك اللاّتي كنّ يكفلنك ، ولو أنّا أرضعنا الحارث بن أبي شمر الغسّاني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه ، وأنت خير المكفولين ، ثمّ قال :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنّك المرء نرجوه وندّخر

امنن على نسوة قد عاقها قدر

ممزّق شملها في دهرها غير (٣)

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ١٧٨.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٤ : ٦٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٢ : ١٨٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ليكون بمنجاة من شرور الأمويّين.

كلمة الإمام الحسن :

وبادر ريحانة رسول الله 6 الإمام الحسن 7 فصافح عمّه أبا ذرّ وألقى عليه هذه الكلمات :

« يا عمّاه ، لو لا أنّه ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف ، وقد أتى القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدّنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتّى تلقى نبيّك وهو عنك راض ».

وألمّت هذه الكلمات بما يحمل الإمام الحسن من أسى بالغ على ما حلّ بعمّه أبي ذرّ من الخطوب التي كانت من أجل إحقاق الحقّ ورفع كلمة الإسلام.

كلمة الإمام الحسين :

و ألقى الإمام الحسين 7 نظرة الوداع على أبي ذرّ وخاطبه بهذه الكلمات :

« يا عمّاه ، إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كلّ يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم ، فاسأل الله الصّبر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإنّ الصّبر من الدّين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقا ، والجزع لا يؤخّر أجلا ».

وألقت هذه الكلمات الأضواء على ثورة أبي ذرّ التي كانت من أجل الصالح العامّ ، وحكت خوف الأمويّين منه ، فقد خافوه على مناصبهم ، وخافوه على الأموال التي اختلسوها من المسلمين.

كلمة عمّار :

وتقدّم الصحابي العظيم الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر وعيناه تفيض من الدموع ، فخاطب صاحبه وخليله أبا ذرّ بهذه الكلمات :

٢٦١

« لا آنس الله من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما والله! لو أردت دنياهم لآمنوك ، ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا والجزع من الموت ، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين ».

كلمة أبي ذرّ :

وقابل أبو ذرّ الاسرة النبوية وعيناه تفيضان دموعا ، وخاطبهم بهذه الكلمات قائلا :

« رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة! إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله 6 ، ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز ، كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن اجاور أخاه وابن خاله بالمصرين ـ الكوفة والبصرة ـ فأفسد الناس عليهما ، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله ، والله! ما اريد إلاّ الله صاحبا وما أخشى مع الله وحشة ».

وتحرّكت راحلة أبي ذرّ تطوي البيداء حتى انتهت إلى الربذة ليموت فيها جوعا وفي يد عثمان ذهب المسلمين يصرفه على بني أميّة وآل أبي معيط ، ويحرمه على أبي ذرّ المصلح العظيم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

غضب عثمان على الإمام :

ولمّا قفل الإمام 7 راجعا من توديع أبي ذرّ استقبلته جماعة من الناس فأخبروه بغضب عثمان لأنّه خالف أوامره التي حرّم فيها توديع أبي ذرّ ، فأجابهم الإمام : « غضب الخيل على اللّجم » (1) ، وبادر عثمان فصاح بالإمام :

__________________

(1) يضرب مثلا لمن يغضب غضبا لا ينتفع به.

٢٦٢

ما حملك على ردّ رسولي؟ ..

« أمّا مروان فإنّه استقبلني يردّني فرددته عن ردّي ، وأمّا أمرك فلم أردّه ».

أولم يبلغك أنّي قد نهيت الناس عن تشييع أبي ذرّ؟

« أو كلّ ما أمرتنا به من شيء يرى طاعة الله والحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك؟!! ».

أقد مروان ..

« وما أقيده؟ ».

ضربت بين اذني راحلته ..

« أمّا راحلتي فهي تلك ، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل ، وأمّا أنا فو الله! لئن شتمني لأشتمنّك أنت بمثلها ، لا أكذب فيه ولا أقول إلاّ حقّا ».

ولم لا يشتمنّك إذ شتمته ، فو الله! ما أنت عندي بأفضل منه ..

وتألّم الإمام من عثمان الذي ساوى بينه وبين الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم ، ونسي جهاد الإمام ومنزلته من النبيّ وأنّه منه بمنزلة هارون من موسى ، وردّ الإمام على عثمان بأعنف القول قائلا له :

« إليّ تقول هذا القول ، وبمروان تعدلني؟ فأنا والله! أفضل منك ، وأبي أفضل من أبيك ، وأمّي أفضل من امّك ، وهذه نبلي قد نثلتها » (1) .

وسكت عثمان ولم يطق جوابا ، وتركه الإمام يموج في تيارات من الغضب ، قد ورم أنفه وانتفخت أوداجه.

3 ـ عبد الله بن مسعود :

وعبد الله بن مسعود القارئ من ألمع الصحابة ومن خيارهم ، وهو من الناقمين

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 375 ـ 377.

٢٦٣

على عثمان لمّا استقرض الوليد من بيت المال فطالبه ابن مسعود بردّ ما استقرضه ، فأبى الوليد وكتب إلى عثمان يخبره بذلك ، فغضب عثمان وكتب إلى ابن مسعود إنّما أنت خازن لنا ، وغاظ ذلك ابن مسعود وألقى المفاتيح وقفل راجعا إلى يثرب ، فلمّا انتهى إليها وجد عثمان على المنبر يخطب ، فلمّا رأى ابن مسعود قال يخاطب الحاضرين :

قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح ..

وردّ عليه ابن مسعود قائلا :

لست كذلك ، ولكنّي صاحب رسول الله 6 يوم بدر ويوم بيعة الرضوان ..

واندفعت عائشة منكرة على عثمان قائلة له :

أي عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ ..

وأمر عثمان جلاوزته بإخراج ابن مسعود من الجامع إخراجا عنيفا ، وانبرى إليه أبو عبد الله بن زمعة فضرب به الأرض ، وقيل بل احتمله ( يحموم ) غلام عثمان فاحتمله ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فانكسر ضلعه ، و ثار الإمام 7 فخاطب عثمان بعنف قائلا :

« يا عثمان ، أتفعل هذا بصاحب رسول الله بقول الوليد بن عقبة؟ ».

فقال عثمان :

ما بقول الوليد فعلت هذا ، ولكنّي وجّهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة ، فقال له ابن مسعود : إن دم عثمان حلال ..

وأنكر عليه الإمام أن يأخذ بقول زبيد قائلا :

« أحلت عن زبيد على غير ثقة » (1) .

__________________

(1) أنساب الأشراف 5 : 36.

٢٦٤

وحمل الإمام ابن مسعود إلى منزله ، وقام برعايته حتى أبل من مرضه ، وقاطعه عثمان وهجره ، وفرض عليه الاقامة الجبرية في يثرب ، وقطع عنه عطاءه ..

ومرض ابن مسعود مرضه الّذي توفّي فيه فدخل عليه عثمان عائدا فقال له :

ما تشتكي؟

ذنوبي؟

ما تشتهي؟

رحمة ربّي.

أدعو لك طبيبا؟

الطبيب أمرضني.

آمر لك بعطائك؟

منعتني عنه وأنا محتاج إليه ، وتعطينيه وأنا مستغني عنه! يكون لولدك.

رزقهم على الله! استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.

اسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي (1) .

وانصرف عثمان ولم يفز برضا ابن مسعود ولمّا ثقل حاله أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان ، وأن يصلّي عليه صاحبه وخليله عمّار بن ياسر ولمّا توفّي قامت الصفوة من صحابة النبيّ 6 بتجهيزه ودفنه ، ولم يعلموا عثمان بذلك ، فلمّا علم غضب ، وقال : سبقتموني؟ فردّ عليه عمّار :

إنّه أوصى أن لا تصلّي عليه ..

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 253 ـ 254.

٢٦٥

وقال ابن الزبير :

لأعرفنك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي (1)

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المعارضين لعثمان والناقمين عليه وكان من أهمّ ما نقموا عليه من أعماله ما يلي :

1 ـ استبداده بأموال الدولة وإنفاقها على اسرته وذويه في حين أنّ المجاعة والحرمان قد عمّتا البلاد.

2 ـ منحه المناصب العالية في الدولة لبني أميّة وآل أبي معيط.

3 ـ تنكيله بخيار الصحابة الذين طالبوه بالعدل والكفّ عن سياسته الملتوية ، ولم يستجب لهم وإنّما نكّل بهم أفظع التنكيل وأقساه ، كما ذكرنا ذلك.

الثورة على عثمان :

وكان من الطبيعي أن تندلع الثورة على عثمان بعد ما اقترفه من الأحداث الجسام ، ولم تكن عفوية ، وإنّما كانت نتيجة للنضج الاجتماعي وكانت إصلاحية إلى حدّ كبير ـ كما يقول العلاّمة العلائلي ـ :

لقد شاع التنافر في جميع الأوساط وأخذت الأندية والمجالس تتحدّث عن مظالم عثمان ، وسوء سياسته (2) .

مذكرة المهاجرين لأهل مصر :

ورفع المهاجرون وخيار الصحابة مذكّرة لأهل مصر يستنجدون بهم للقيام بتغيير نظام الحكم القائم ، وهذا نصّ مذكّرتهم :

__________________

(1) مستدرك الحاكم 7 : 163. البداية والنهاية 3 : 13.

(2) الإمام الحسين 7 : 66.

٢٦٦

من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين.

أمّا بعد ، أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله 6 قبل أن يسلبها أهلها ، فإنّ كتاب الله قد بدّل ، وسنّة رسوله قد غيّرت ، وأحكام الخليفتين قد بدّلت ، فننشد الله من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب رسول الله 6 والتابعين بإحسان إلاّ أقبل إلينا ، وأخذ الحقّ لنا وأعطاناه ، فاقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم ، وفارقكم عليه الخلفاء ، غلبنا على حقّنا ، واستولى على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، من غلب على شيء أكله (1) .

وحفلت هذه المذكرة بالأخطاء التي ارتكبها عثمان وهي :

1 ـ تبديل كتاب الله وإلغاء أحكامه ونبذ نصوصه.

2 ـ تغيير سنّة الرسول.

3 ـ تبديل أحكام الخليفتين.

4 ـ استئثار السلطة بالفيء.

5 ـ صرف الخلافة الإسلامية عن مفاهيمها الخيرة إلى ملك عضوض (2) .

وتحفّز المصلحون حينما انتهت إليهم هذه المذكّرة إلى إرسال وفد للاطّلاع على أوضاع الخليفة والتعرف عليها.

مذكرة أخرى لأهل الثغور :

وأرسل صحابة الرسول 6 مذكّرة أخرى لأهل الثغور جاء فيها :

إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجلّ تطلبون دين محمّد 6 ،

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 : 35.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 378 ـ 380.

٢٦٧

فإنّ دين محمّد قد أفسده خليفتكم فأقيموه (1) .

كما أوفدت الجبهة المعارضة مذكّرة أخرى لأهل الأمصار ، وقد أشاعت النقمة والسخط على حكومة عثمان.

وفود الأمصار :

واستجابت الأمصار الإسلامية لنداء الصحابة ، فأرسلت وفودها إلى المدينة للاطّلاع على حال عثمان ، أمّا الوفود فهي :

1 ـ الوفد المصري :

وأرسلت مصر وفدا كبيرا قدّر بأربعمائة شخص ، وقيل بأكثر ، بقيادة المؤمن محمّد بن أبي بكر وعبد الرحمن بن عديس البلوي.

2 ـ الوفد الكوفي :

وأرسلت الكوفة وفدا بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر ، وزيد بن صوحان العبدي ، وزياد بن النضر الحارثي ، وعبد الله بن الأصمّ العامري ، وعمرو بن الأهثم.

3 ـ الوفد البصري :

وأوفدت البصرة مائة رجل بقيادة حكيم بن جبلة ، ثمّ أوفدت خمسين رجلا وفيهم ذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح القيسي وغيرهم من الوجوه والأعيان (2) .

واستقبلت الصحابة الوفود بمزيد من الحفاوة والتكريم وحرّضتها على استقالة عثمان والاطاحة بحكومته.

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 : 115. الكامل في التاريخ 5 : 70.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 381 ـ 382.

٢٦٨

مذكّرة المصريّين لعثمان :

ورفع الوفد المصري مذكّرة لعثمان يدعوه فيها إلى الاستقامة في سلوكه والتوازن في سياسته ، وهذا نصّها :

أمّا بعد ، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فالله الله ، ثمّ الله الله ، فإنّك على دنيا زائلة فاستقم معها ، ولا تنس نصيبك من الآخرة ، فلا تسوّغ لك الدنيا ، وأعلم أنّا لله ، ولله نغضب ، وفي الله نرضى ، وأنّا لا نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة أو ضلالة مجلحة مبلجة (1) ، فهذه مقالتنا لك ، وقضيتنا إليك ، والله عذيرنا منك والسلام » (2) .

وحوت هذه المذكّرة الدعوة إلى الاصلاح والاستقامة ، وقد قرأها عثمان بإمعان ، وحوله المصريّون قد أحاطوا به ، فبادر المغيرة بن شعبة فطلب منه أن يتكلّم مع المصريّين ، فأذن له ، ولمّا أراد أن يفتح معهم صاحوا جميعا :

يا أعور وراءك.

يا فاجر وراءك.

يا فاسق وراءك.

ورجع المغيرة خائبا لم تفلح وساطته ، ودعا عثمان عمرو بن العاص وطلب منه أن يكلّم القوم ، فبادر تجاههم وسلّم عليهم ، فلم يردّ أحد منهم 7 لعلمهم بفسقه وصاحوا به :

ارجع يا عدوّ الله ..

ارجع يا ابن النابغة ، لست عندنا بأمين ولا مأمون ..

__________________

(1) مجلحة : هي الإقدام على الشيء. مبلجة : واضحة بيّنة.

(2) تاريخ الطبري 5 : 111. أنساب الأشراف 5 : 64 ـ 65.

٢٦٩

ورجع ابن العاص خائبا في وفادته ، فقد قوبل بمزيد من الاستهانة.

استجارته بالإمام :

وسدّت على عثمان جميع الوسائل ، فلم ير هناك طريقا مفتوحا ليتخلّص به ممّا هو فيه من المحنة ، ورأى أنّه لا ملجأ له إلاّ الإمام أمير المؤمنين 7 ، فاستغاث به ، فأجابه الإمام بعد أن شرط عليه أن يدعو القوم ويلتزم لهم بالسير على كتاب الله وسنّة نبيّه ، فأجابه إلى ذلك ، وانطلق الإمام صوب الثوّار وهو يحمل لهم الضمان والالتزام بجميع ما طلبوه ، فلمّا رأوا الإمام قالوا له :

وراءك؟

فأجابهم الإمام بالالتزام الكامل بجميع مطالبهم قائلا :

« تعطون كتاب الله ، وتعتبون من كلّ ما سخطتم عليه ».

أتضمن ذلك؟ ..

« نعم ».

رضينا.

وأقبل وجوه الوفد وأشرافهم مع الإمام فدخلوا على عثمان وعاتبوه على سياسته ، وطلبوا منه أن يغيّر سلوكه ويسير بين المسلمين بسياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ، فأجابهم إلى ذلك.

كتاب عثمان :

وكتب عثمان إلى الوفود التي أحاطت به هذا الكتاب والتزم بتنفيذ ما فيه ، وهذا نصّه : هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين ، إنّ لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيّه ، يعطى المحروم ، ويؤمن الخائف ، ويردّ المنفي ، ولا يجمر في البعوث ، ويوفّر الفيء ، وعليّ بن أبي طالب

٢٧٠

ضمين للمؤمنين ، وعلى عثمان الوفاء بما في هذا الكتاب.

وشهد فيه كلّ من الزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيّوب خالد بن زيد ، وكان توقيعه والشهادة عليه سنة ( 35 ه‍ ) (1) .

واستلم الثوّار الكتاب ، وانصرفوا إلى جماعتهم ، وطلب الإمام من عثمان أن يخرج إلى الناس ويعلن لهم تنفيذ ما أرادوا ، ففعل عثمان ذلك ، وقد أعطاهم عهد الله وميثاقه أن يسير فيهم بكتاب الله وسنّة نبيّه ، ويوفّر لهم الفيء ولا يؤثر به أحدا من بني أميّة ، وقفل المصريون راجعين إلى بلادهم.

نقضه للعهد :

ومن المؤسف أنّ عثمان نقض ما قطعه على نفسه ولم يف للمسلمين بما عاهدهم عليه ، أمّا سبب ذلك فتعزوه مصادر التاريخ إلى مروان الذي كان وزيرا ومستشارا له ، فقد لامه على ما أعطاه للمصريّين من العهد وطلب منه نقض ذلك ، فامتنع من إجابته إلاّ أنّه أصر عليه ، فاستجاب له ، فخرج إلى الناس واعتلى المنبر وقال : أمّا بعد ، إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر ، فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم رجعوا إلى بلادهم وقطع عليه ابن العاص كلامه وقال له :

اتّق الله يا عثمان! فإنّك قد ركبت نهابير (2) وركبناها معك ، فتب إلى الله نتب معك.

فصاح به عثمان :

وإنّك هناك يا ابن النابغة! قملت والله! جبّتك منذ تركتك من العمل ..

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 383 ـ 384.

(2) النهابير : المهالك.

٢٧١

وارتفعت أصوات الانكار من جميع جنبات المسجد وهي ذات لهجة واحدة :

اتّق الله يا عثمان! اتّق الله يا عثمان! (1) .

وانهار أمام هذا الحشد الهائل من الانكار ولم يدر ما يقول ، ولم يجد بدّا من إعلان التوبة مرّة ثانية ، فتاب وندم على ما فرّط في أمر نفسه.

استنجاده بمعاوية :

وأحاط الثوّار بعثمان لأنّه لم يقلع عن سياسته ، ولا يغيّر ولا يبدّل أي شيء منها ، وطالبوه بالاستقالة من منصبه فأبى ، ورأى أنّ خير وسيلة له أن يستنجد بابن عمّه معاوية ليبعث له قوّة عسكرية من أهل الشام تحميه من الثوّار ، فكتب إليه :

أمّا بعد ، فإنّ أهل المدينة قد كفروا ، وخلعوا الطاعة ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك مقاتلة أهل الشام على صعب وذلول (2) .

وحمل الكتاب مسوّر بن مخرمة ، وأخذ يجدّ في السير حتى انتهى إلى معاوية ، فناوله الكتاب وقال له :

يا معاوية ، انّ عثمان مقتول ، فانظر فيما كتب به إليك.

وسخر منه معاوية وأجابه :

يا مسوّر ، إنّي مصرّح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ورسوله ويرضاه ، ثمّ غيّر فغيّر الله عليه ، أفيتهيّأ لي أن أردّ ما غيّر الله عزّ وجلّ (3) ؟

__________________

(1) تاريخ الطبري 5 : 110. أنساب الأشراف 5 : 74.

(2) الكامل في التاريخ 5 : 67. تاريخ اليعقوبي 2 : 150.

(3) فتوح البلدان 2 : 218.

٢٧٢

ولم يبد معاوية أي اهتمام بشأن عثمان ، وكان يترقّب قتله ليتّخذ من دمه ورقة رابحة يطلب بها المطالبة بدمه.

وقد تنكّر معاوية لعثمان ، ولم يستجب له في وقت محنته.

يقول الدكتور محمّد طاهر دروش :

وإذا كان هناك وزر في قتل عثمان فوزره على معاوية ودمه في عنقه ، ومسئوليّته عن ذلك لا تدفع ، فهو أولى الناس به ، وأعظم الرجال شأنا في دولته ، وقد دعاه فيمن دعا ، يستشيره في هذا الأمر ، وهو داهية الدهاة ، فما نهض إليه برأيه ، ولا دافع عنه بجنده ، وكأنّه قد استطال ـ كما استطال غيره ـ حياته ، فترك الأيام ترسم بيدها مصيره ، وتحدّد نهايته ، فإذا جاز لأحد أن يظنّ بعلي أو بطلحة والزبير تقصيرا في حقّ عثمان فمعاوية هو المقصّر ، وإذا جاز أن يلام أحد غير عثمان فيما جرى فمعاوية هو الملوم (1) .

وكتب عثمان رسائل أخرى إلى أهل الأمصار يستنجد بهم ويطلب منهم المعونة لرفع الحصار عنه ، إلاّ أنّه لم يستجب أي أحد منهم لعلمهم بالأحداث الجسام التي اقترفها ..

الحصار على عثمان :

وفرض الثوّار الحصار على عثمان ، وأحاطوا بداره وهم يهتفون بسقوطه ، ويطالبونه بالاستقالة من منصبه ، وفي أثناء تلك المحنة الحازية التي أحاطت بعثمان انبرى مروان إلى الثوّار فأشعل نار الثورة في نفوسهم ودفعهم إلى الاطاحة بحكم عثمان قائلا لهم :

ما شأنكم؟ كأنّكم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوه تريدون أن تنزعوا ملكنا

__________________

(1) الخطابة في صدر الإسلام 2 : 23.

٢٧٣

من أيدينا أخرجوا عنّا ..

وكانت هذه الكلمات الطائشة قد أشعلت فتيل الحرب على عثمان ، ونقلت إلى الإمام أمير المؤمنين 7 ، فخفّ مسرعا إلى عثمان وقال له :

« أما رضيت من مروان ، ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك ، مثل جمل الظّعينة يقاد حيث يشاء ربّه ، والله! ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه ، وأيم الله لأراه يوردك ولا يصدرك ، وما أنا عائذ بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك ، وغلبت على أمرك ».

وتركه الإمام وانصرف عنه ، والثوّار قد أحاطوا به ، والتفتت نائلة زوج عثمان إلى مروان وبني أميّة فقالت لهم :

أنتم والله! قاتلوه وميتّموا أطفاله ..

والتفتت إلى زوجها تحذّره من مروان قائلة له :

إنّك متى أطعت مروان قتلك ..

لقد كان مروان من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى قتل عثمان ، فقد أطاعه عثمان إطاعة عمياء ، وهو يدفع به إلى مهالك من دون أن يحسّ عثمان بذلك.

يوم الدار :

واندلعت نيران الثورة فقد نفد صبر الثوّار ، فلم يستقل عثمان من منصبه ، وقد أحاطوا بداره ، وقد شهروا سيوفهم ، فخرج إليهم مروان مدافعا عنه ، فبرز إليه عروة بن شيم الليثي فضربه على قفاه بالسيف فخر لوجهه صريعا ، وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ، فأراد أن يقطع رأسه فعذلته فاطمة الثقيفة وقالت له :

إن كنت تريد قتله ، فقد قتلته ، فما تصنع بلحمه أن تبضعه ، فاستحى منها وتركه.

٢٧٤

وتسلّق الثوّار عليه الدار ، ولم يكن عنده أحد يدافع عنه ، فقد ورمت منه القلوب ، ومجّته النفوس ، ورماه الناس بالحجار ونادوه :

لسنا نرميك ، بل الله يرميك ..

واحتفّ به بعض الأمويّين يدافعون عنه وقد نشب بينهم وبين الثوّار قتال عنيف ، وقد فرّ وانهزم خالد بن عقبة بن أبي معيط من ساحة القتال ، وإليه يشير عبد الرحمن بن سيحان بقوله :

يلومونني في الدار إن غبت عنهم

وقد فرّ عنهم خالد وهو دارع

وقتل من أصحاب عثمان زياد بن نعيم الفهري ، والمغيرة بن الأخنس ، ونيار بن عبد الله الأسلمي وجماعة.

مصرع عثمان :

وانهزم بنو أميّة وآل أبي معيط وتركوا عثمان وحده ، فأجهز عليه جماعة من المسلمين في مقدّمتهم محمّد بن أبي بكر ، فقد قبض على لحيته وقال له :

أخزاك الله يا نعثل (1) .

فردّ عليه عثمان :

لست بنعثل ، ولكنّي عبد الله وأمير المؤمنين.

فقال له محمّد بعنف :

ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان ، وأخذ يعدّد بني أميّة ..

__________________

(1) نعثل : هو طويل اللحية ، وقيل : هو رجل من أهل الكتاب كان طويل اللحية ، وكان يشبه عثمان ، ولذلك سمّي به ، جاء ذلك في حاشية لطائف المعارف : 35.

٢٧٥

وتضرّع عثمان إلى محمّد قائلا له :

يا ابن أخي ، دع عنك لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه ..

فأجابه محمّد بعنف :

ما أريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك ..

وطعن محمّد جبينه بمشقص كان في يده ، ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل اذنه حتى دخلت في حلقه ، ثمّ علاه بالسيف ، ووثب عليه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وكسر عمير بن ضابئ ضلعين من أضلاعه ، وحاولوا حزّ رأسه ، فألقت زوجتاه نائلة وابنة شبيبة بن ربيعة بأنفسهما عليه ، فأمر ابن عديس بتركه لهما (1) .

وألقيت جثّة عثمان ملطّخة بدمه على الأرض لم يفزع إليه أحد من الأمويّين وآل أبي معيط لمواراته في مقرّه الأخير ، وقد بالغ الثوّار في إهانته ، فقد ألقوا جثمانه على المزيلة ثلاثة أيام (2) مبالغة في توهينه وتحقيره ، وكلّم بعض خواصه الإمام 7 أن يتوسّط إلى الثوّار فيواروه ، فكلّمهم الإمام فأذنوا له في دفنه ، ووصف جولد تسهير كيفيّة دفنه بقوله :

وبسط جثمانه دون أن يغسّل على باب ، فكان رأسه يقرع قرعا ، يقابل بخطوات سريعة من حامليه ، وهم يسرعون في ظلام الليل ، والأحجار ترشفه ، واللعنات تتبعه ، ودفنوه في حش كوكب (3) ، ولم يسمح الأنصار بمواراته في مقابر المسلمين (4) ، وأمّا غلاماه اللذان قتلا معه فقد سحبوهما وألقوهما على التلّة

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 390.

(2) تمام المتون ـ الصفدي : 79.

(3) حش كوكب : اسم بستان لليهود كانوا يدفنون موتاهم فيه.

(4) العقيدة والشريعة في الإسلام : 45.

٢٧٦

فأكلتهما الكلاب (1) .

وبذلك فقد انتهت حياة عثمان بهذه الصورة المروّعة ، وقد امتحن بها المسلمون كأشدّ وأقسى ما يكون الامتحان ، وأخلدت لهم الفتن والمصاعب ، وألقتهم في شرّ عظيم ، فقد ربح الأمويّون بقتله ، فقد طالبوا بدمه ، كما تذرّعت بالمطالبة بدمه القوى النفعية أمثال : طلحة والزبير وعائشة ، فقد رفعوه شعارا لهم ، وهم الذين أجهزوا عليه.

وعلى أي حال ، فقد مني العالم الإسلامي بحكومة عثمان وبمصرعه بمصاعب وفتن ، وقد تحدّثنا عنها في كتابنا ( حياة الإمام الحسين 7 ) فلا نرى حاجة لإعادتها ، وقد اقتبسنا معظم هذه الفصول منه ، وذلك لأنّها ترتبط ببحثنا ارتباطا موضوعيا لا غنى عنها ، فإنّها وإن ذكرت في كتاب ( حياة الإمام الحسن 7 ) وكتاب ( الإمام الحسين 7 ) فهي على سبيل الاستطراد لأنّها تمثّل الحياة الاجتماعية والسياسية في عصر الإمامين 8 ، أمّا ذكرها هنا فإنّها من صميم الموضوع.

__________________

(1) تاريخ الطبري 3 : 241. البداية والنهاية 7 : 214.

٢٧٧

٢٧٨

المحتويات

مع النبيّ 9

في جهاده وغزواته 9

واقعة بدر : 12

استنجاد أبي سفيان بقريش : 12

رؤيا عاتكة : 12

نصيحة عتبة بن ربيعة : 13

سقاية الإمام للجيش : 14

دعاء النبيّ للأنصار : 15

دعاء النبيّ على قريش : 15

النبي مع أصحابه : 15

المعركة : 16

بسالة الإمام : 16

أسماء من قتلهم الإمام : 17

وقوف النبيّ على قتلى بدر : 19

الأسرى من قريش : 20

حزن القرشيّين على قتلاهم : 20

انتصار الإسلام : 21

واقعة أحد : 22

الحرب : 23

هزيمة المسلمين : 24

مصرع الشهيد حمزة : 25

٢٧٩

مصرع الشهيد مصعب : 26

حماية الإمام للنبيّ : 26

تشفّي هند : 27

تشفّي أبي سفيان : 28

حزن النبيّ : 28

ملاحقة النبيّ للقرشيّين : 30

سرور القرشيّين : 30

واقعة الخندق : 30

دور اليهود في المعركة : 31

النبيّ مع نعيم : 32

حفر الخندق : 33

مبارزة الإمام لعمرو : 34

فتح خيبر : 38

مبارزة الإمام لمرحب : 40

غزوة بني قريظة : 41

نصيحة كعب لبني قريظة : 42

نزولهم على حكم الرسول : 43

تحكيم سعد : 43

غزوة بني النضير : 44

غزوة وادي القرى : 45

الإمام وفتح اليمن : 45

دعاء الإمام : 45

إسلام همدان : 46

فتح مكّة : 47

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287