موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام20%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147658 / تحميل: 5362
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عبل الذّراعين شديد القسورة

كليث غابات كريه المنظرة (١)

أضرب بالسّيف رقاب الكفرة

أكيلهم بالسّيف كيل السّندره » (٢)

ولم يختلف الرواة في أنّ هذا الشعر للإمام (٣) ، وقد حكى هذا الشعر قوّة بأس الإمام ٧ وشجاعته ، وتقدّم إليه الإمام فبادره بضربة قدّت البيضة والمغفر ورأسه ، وسقط إلى الأرض صريعا يتخبّط بدمه ، فأجهز عليه وتركه جثّة هامدة ، وبذلك فقد كتب الله النصر للإسلام ، وفتحت حصون خيبر ، وأذلّ اليهود ولقّنهم درسا قاسيا يذكرونه بأسى ولوعة على امتداد التاريخ.

وسرّ النبيّ ٦ سرورا بالغا بهذا النصر المبين الذي أعزّ الله به المسلمين وقهر أعداءهم اليهود ، وصادف في ذلك اليوم رجوع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فقال ٦ : « ما أدري بأيّهما أنا أسرّ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر » (٤) ؟

غزوة بني قريظة :

وبنو قريظة من شرائح اليهود الذين يشكّلون خطرا على المسلمين ويكيدونهم في وضح النهار وغلس الليل ، وقد هبط جبرئيل على رسول الله ٦ بأمر من الله تعالى أن ينازلهم الحرب ويستأصل شأفتهم (٥) ، وخفّ النبيّ ٦ لحربهم ، وقدّم الإمام أمير المؤمنين أمامه وهو يحمل رايته ، فسار لهم ، فلمّا دنا من

__________________

(١) العبل : الضخم.

(٢) السندرة : اختلف في معناها ، فقال ابن الاعرابي : هي المكيال ، والمعنى : أنّي أقتلكم قتلا واسعا كثيرا ، وقال غيره : هي امرأة كانت توفي الكيل ، أي أقتلكم قتلا وافيا.

(٣) خزانة الأدب ٦ : ٦٥.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٢٨.

(٥) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٣٣٣.

٤١

حصونهم سمع منهم مقالة قبيحة في النبيّ ، فرجع حتى التقى به وقال له : « يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخباث » ، فقال له : « لم أظنّك سمعت منهم لي أذى؟ » ، قال : « نعم » ، فقال النبي :

« لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا » وحاصرهم النبيّ خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب.

نصيحة كعب لبني قريظة :

وأيقنت بنو قريظة أنّ رسول الله ٦ غير منصرف عنهم حتى يناجزهم الحرب فتقدّم إليهم كعب بن أسد بنصيحة لهم قائلا :

يا معشر اليهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم؟

وهتفوا جميعا ما هي؟

عرض عليهم نصيحته قائلا :

نتابع هذا الرجل ونصدّقه ، فو الله! لقد تبيّن لكم أنّه نبيّ مرسل ، وأنّه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ..

وأشار عليهم بنجاتهم وسلامتهم ، إلاّ أنّهم لم يستجيبوا له وردّوا عليه قائلين :

لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ..

وأشار عليهم ثانيا :

فإذا أبيتم عليّ هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه مصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد ، فإن نهلك فهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ...

٤٢

ورفضوا هذا المقترح قائلين :

ونقتل هؤلاء المساكين فما خير للعيش بعدهم ..

واقترح عليهم ثالثا : فإن أبيتم عليّ هذه فإنّ الليلة ليلة السبت ، وأنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد امنونا فيها ، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة ..

ورفضوا ذلك وقالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلاّ من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ.

ولم ينصاعوا لرأيه وأصرّوا على جهلهم (١) .

نزولهم على حكم الرسول :

وضاق بنو قريظة ذرعا وسدّت عليهم جميع النوافذ فنزلوا على حكم رسول الله ٦ وما يراه فيهم.

تحكيم سعد :

وأوكل النبيّ ٦ أمرهم إلى سعد بن معاذ ، وكان من أجلاّء الصحابة ، لا تأخذه في الله لومة لائم وكان جريحا ، فحمل إلى رسول الله ٦ فقام إليه وسائر الصحابة تكريما وقالوا له :

يا أبا عمرو ، إنّ رسول الله ٦ قد أمر مواليك لتحكم فيهم ..

فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، إنّ الحكم فيهم لما حكمت ...

نعم.

وحكم سعد فيهم بقتل رجالهم وتقسيم أموالهم وسبي نسائهم وذراريهم.

وهو حكم عادل في هؤلاء اليهود الذين هم مصدر فتنة وفساد في الأرض.

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

٤٣

وأقرّ النبيّ ٦ حكم سعد ، وقال له :

« لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرفعة » (١) .

ونفّذ الإمام أمير المؤمنين ٧ حكم الاعدام في هؤلاء الأشرار ، فقد حصد رءوسهم بسيفه.

غزوة بني النضير :

وبنو النضير من فصائل اليهود الذين أترعت نفوسهم بالبغض والعداء إلى الرسول ٦ ، وقد سار إليهم في جماعة من أصحابه ، في طليعتهم الإمام أمير المؤمنين ٧ وذلك لأخذ دية منهم كانت قد اتّفق معهم عليها ، وجلس النبيّ ٦ إلى جانب جدار من بيوتهم ، فخلا بعضهم ببعض وتآمروا على أن يلقي بعضهم صخرة من السطح على رأس النبيّ ، واستجاب عمرو بن جحاش لذلك ، وأخذ معه الصخرة ، فنزل الوحي من السماء على النبيّ ٦ يخبره بذلك ، فسارع قائما وترك أصحابه في مجالسهم وقفل راجعا إلى المدينة ، وفي ذلك يقول السبكي :

وجاءك الوحي بالذي أضمرت بنو

النضيرة وقد همّوا بإلقاء صخرة (٢)

وسارع الإمام ٧ إلى اليهودي الذي حاول اغتيال الرسول ٦ فقتله ، وهربت العصابة التي معه ، فطلب الامام من الرسول ملاحقتهم فأذن له ، وزوّده بكوكبة من جيشه فلحقوهم قبل دخول حصنهم وقتلوهم ، وكان ذلك السبب في فتح حصونهم ، وانبرى جماعة من الشعراء كان منهم حسّان بن ثابت فنظّموا في

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٢) إنسان العين ٢ : ١٧٦.

٤٤

شعرهم الحادثة ، وأثنوا على الإمام ٧ على ما بذله من جهد شاقّ في فتح حصون بني النضير.

غزوة وادي القرى :

ولمّا فتح النبيّ ٦ حصون خيبر أتى وادي القرى ، وقد سكنه اليهود ، فعرض عليهم الإسلام فأبوا واختاروا قتاله ، فقاتلهم المسلمون ، وقتل منهم أحد عشر رجلا قد قتل الإمام بعضهم ، وفتح الله للنبيّ ٦ ديارهم ، وغنم المسلمون أموالهم ، وترك لهم ما في أيديهم من الأرض والنخيل ، وعاملهم بها مثل معاملته لأهل الخيبر (١) .

الإمام وفتح اليمن :

وأرسل النبيّ ٦ الإمام ٧ مع كتيبة عسكرية إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام أو الحرب ، وأخذ الإمام يجدّ في السير لا يلوي على شيء لينفّذ رسالة الرسول ٦ .

دعاء الإمام :

وكان الإمام ٧ قد دعا بهذا الدعاء الشريف حين توجّهه إلى اليمن ، وهذا نصّه :

« اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بلا ثقة منّي بغيرك ، ولا رجاء يأوي بي إلاّ إليك ، ولا قوّة أتّكل عليها ، ولا حيلة ألجأ إليها إلاّ طلب فضلك ، والتّعرّض لرحمتك ، والسّكون إلى أحسن عادتك ، وأنت أعلم بما سبق لي في وجهي هذا ممّا أحبّ وأكره ، فأيّما أوقعت عليّ فيه قدرتك ، فمحمود فيه بلاؤك متّضح فيه قضاؤك ، وأنت تمحو ما

__________________

(١) إنسان العين ٣ : ٦٨ ـ ٦٩.

٤٥

تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.

اللهمّ فاصرف عنّي مقادير كلّ بلاء ، ومقاصر كلّ لأواء ، وأبسط عليّ كنفا من رحمتك وسعة من فضلك ، ولطفا من عفوك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت ، وذلك مع ما أسألك أن تخلفني في أهلي وولدي ، وصروف حزانتي بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين في تحصين كلّ عورة وستر كلّ سيّئة ، وحطّ كلّ معصية ، وكفاية كلّ مكروه ، وارزقني على ذلك شكرك وذكرك ، وحسن عبادتك ، والرّضا بقضائك ، يا وليّ المؤمنين ، واجعلني وما خوّلتني وولدي ، ورزقتني من المؤمنين والمؤمنات في حماك الّذي لا يستباح ، وذمّتك التي لا تخفر ، وجوارك الّذي لا يرام ، وأمانك الّذي لا ينقض ، وسترك الّذي لا يهتك ، فإنّه من كان في حماك وذمّتك وجوارك وأمانك وسترك كان آمنا محفوظا ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ » (١) .

وحكى هذا الدعاء مدى اعتصام الإمام ٧ بالله تعالى والتجائه إليه وانقطاعه الكامل لإرادته ومشيئته.

إسلام همدان :

وانتهى الإمام مع الوفد العسكري إلى اليمن والتقى بزعماء اليمانيّين ووجوههم ، وعرض عليهم دعوة النبيّ ٦ ، وشرح لهم محاسن الإسلام وما تنشده مبادئه من القيم الكريمة والمثل العليا ، وقد بهر اليمانيّون بكمال الإمام وفضله وأدبه فاستجابوا لدعوته ، وأعلنت همدان بأسرها الإسلام والتمسّك بقيمه ، وبذلك فقد كان الإمام رسول السلام الذي نجح في فتح اليمن بلا حرب (٢) .

__________________

(١) مهج الدعوات : ٩٤.

(٢) أمالي المرتضى ١ : ٢٩٢.

٤٦

فتح مكّة :

وكتب الله تعالى النصر المبين لعبده ورسوله محمّد ٦ ، فقد أذلّ القوى المعادية من القرشيّين واليهود ، وامتدّت دولته على كثير من مناطق الجزيرة العربية ، فقد سادت فيها كلمة الإسلام ورفعت عليها راية التوحيد.

وقد رأى النبيّ ٦ أنّه لا يتحقّق له النصر الحاسم والفتح المبين إلاّ بفتح مكّة التي هي قلعة الشرك والإلحاد والتي حاربته حينما كان فيها وحينما نزح عليها.

وسار النبيّ ٦ بجيش مكثّف قوامه عشرة آلاف جندي مسلّح أو يزيد على ذلك ، وهو مزوّد بجميع آلات الحرب ، وقد أحاط اتّجاهه إلى مكّة بكثير من الكتمان ، فلم تعلم القطعات من جيشه اتّجاهها ، فقد خاف النبيّ أن تستعد قريش لمحاربته إن علمت بمسيرة جيوشه لاحتلال بلدهم فتراق الدماء في البلد الحرام ، فأخفى ذلك عليهم حتى يفاجئهم بجيشه فلا يتمكّنوا على مناهضته.

رسالة حاطب لقريش :

وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بتوجّه النبيّ ٦ لاحتلال بلدهم ، وأعطى الكتاب إلى امرأة وأوصاها بالكتمان الشديد ، وجعل لها جعلا إن هي أوصلت الرسالة إلى القرشيّين ، فجعلت الكتاب في شعر رأسها وأخفته حتى لا يعلم به أحد ، ونزل الوحي على رسول الله ٦ وأحاطه علما بالكتاب ، فاستدعى أخاه الإمام أمير المؤمنين ٧ والزبير بن العوّام وأمرهما بالقبض على المرأة وأخذ الكتاب منها ، وسارع الإمام مع الزبير في السير حتى أدركا المرأة ، فسألاها عن الكتاب ، فأنكرت ذلك ، فصاح بها الإمام وزجرها قائلا :

« إنّي أحلف بالله ما كذب رسول الله ٦ ولا كذّبنا ، لتخرجنّ الكتاب أو لنكشفنّك » ، فاستولى عليها الرعب وخافت فأخرجت الكتاب من شعر رأسها

٤٧

وأعطته للإمام ، وخفّ الإمام مع الزبير مسرعين إلى النبيّ فسلّماه الكتاب ، فدعا بحاطب ، فلمّا مثل عنده قال له :

« ما حملك على هذا؟ » .

وأبدى حاطب معاذيره للرسول ٦ قائلا : يا رسول الله ، إنّي مؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكن ليس لي في قريش أصل ولا عشيرة ، فصانعتهم عليه ».

وقبل النبيّ ٦ معاذيره ، ونزلت الآية الكريمة في حقّه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) الآية (١) » (٢) .

في رحاب مكّة :

وسارعت الجيوش الإسلامية لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى مشارف مكّة وأهلها غافلون لا يعلمون شيئا ، فقد أحاط النبيّ ٦ مسيرته بكثير من التعتيم حفظا على السلام وعدم إراقة الدماء ، وأمر النبيّ جيشه بجمع الحطب ، فجمعت كميات هائلة ، فلمّا اختلط الظلام أمر بإشعال النار فيه ، فكان لهبها يرى في مكّة ، وفزع أبو سفيان وأوجس في نفسه خيفة منها ، فقال لبديل بن ورقاء ـ وكان إلى جانبه ـ :

ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ؟

وبادر بديل قائلا :

وهذه والله! خزاعة حمشتها الحرب ..

وسخر أبو سفيان منه وراح يقول له :

__________________

(١) التحريم : ١.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٣٩٨.

٤٨

خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها واستولى عليه الفزع والخوف ، واطمأنت نفسه أنّها جيوش المسلمين جاءت لاحتلال مكّة.

العباس وأبو سفيان :

ولمّا علم العباس بقدوم الجيوش الإسلامية لاحتلال مكّة ، أوجس في نفسه خيفة على قومه القرشيّين ، وأخذ يحدّث نفسه قائلا : واصباح قريش ، والله! لئن دخل رسول الله ٦ مكّة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه أنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر وجهد على أن يجد شخصا فيأتي إلى مكّة فيخبر أهلها بمكان رسول الله ٦ فيخفّوا إليه ليطلبوا منه الأمن ، وبينما هو غارق في تيار من الهواجس والخوف على قومه إذ بصر بأبي سفيان فهتف به :

يا أبا حنظلة ...

وعرفه أبو سفيان فسارع قائلا :

أبو الفضل ..

نعم ..

فداك أبي وأمّي.

ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله في الناس واصباح قريش ...

وذعر أبو سفيان وجمد دمه ، وخاف على نفسه وقومه فبادر قائلا :

ما الحيلة فداك أبي وأمّي؟

وسارع العباس يدلّه على الطريق الذي يحافظ به على دمه قائلا له : والله! لئن ظفر بك رسول الله ٦ ليضربنّ عنقك ، فاركب على عجز هذه البغلة حتى آتي بك إلى رسول الله ٦ فأستأمنه لك.

فأردفه خلفه ، فكان كلّما مرّ على نار من نيران المسلمين قالوا : من هذا؟ فإذا

٤٩

رأوا بغلة رسول الله ٦ ، قالوا : عمّ رسول الله ، وبصر به عمر بن الخطّاب فعرفه ، فصاح :

هذا أبو سفيان عدوّ الله ...

ثمّ صاح ثانيا :

الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ووجم أبو سفيان واضطربت خلجات قلبه وهام في تيارات من الهواجس ، وخاف على نفسه وقومه الذين لم يبقوا في قاموس الإساءة والمكروه شيئا إلاّ صبّوه على النبيّ وأصحابه.

وجرت مناوشات كلامية بين العباس وعمر في شأن أبي سفيان ، وبادر العباس إلى رسول الله ٦ فأحاطه علما بأسر أبي سفيان ، فأمره النبيّ أن يذهب به إلى رحله ويأتي به عند الصباح ، وبات أبو سفيان ليلته مع العباس وهو وجل مضطرب قد أنفق ليله ساهرا.

أبو سفيان بين يدي النبيّ :

ولمّا اندلع نور الصبح أقبل العباس ومعه أبو سفيان ، فلمّا مثلا أمام النبيّ التفت إلى أبي سفيان فقال له :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّه لا إله إلاّ الله ...؟ ».

ولم يعرض النبيّ ٦ إلى ما عاناه من صنوف التنكيل والاضطهاد من أبي سفيان وقومه ، فقد أسدل الستار على ذلك لنشر الوئام وإفهامه بروح الإسلام التي لا تعرف الانتقام من الأعداء وراح أبو سفيان يتضرّع إلى النبيّ ويطلب منه العفو قائلا :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله! لقد ظننت أنّه لو كان مع الله إله غيره لأغنى عنّي ..

٥٠

والتفت إليه النبيّ بلطف ورفق قائلا :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ ».

ولم يستطع أن يقرّ أبو سفيان بذلك ، فقد أترعت نفسه بالكفر والالحاد والنفاق ، فلم يستطع أن يخفي ما انطوى عليه ضميره وراح يقول :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا حتى الآن ...

وانبرى العباس لأبي سفيان ينذره ويتهدّده إن لم يستجب لدعوة الرسول قائلا : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ..

ولم يجد الخبيث بدّا فأعلن الإسلام بلسانه على كره خوفا من حدّ السيف ، وانطوى قلبه على الكفر والنفاق.

ألطاف النبيّ على أبي سفيان :

ووسعت رحمة النبيّ ٦ أبا سفيان الذي هو ألدّ أعدائه وخصومه ، والذي أثار عليه الأحزاب وقاد الجيوش لحربه ، فقبل إسلامه المزيّف ، ولم يقابله بالمثل ، وقد أعطى النبيّ ٦ بذلك مثلا لرحمة الإسلام وإيثاره للسلم.

والتفت العباس إلى النبيّ فطلب منه أن يسدي يدا على أبي سفيان قائلا :

يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئا؟

و استجاب الرسول لدعوة العبّاس ، وقال :

« نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ».

٥١

وربح أبو سفيان هذه الكرامة كما ربح لقومه العفو العامّ الذي لم يحدث له مثيل في جميع فترات التاريخ ، فقد غمرهم الرسول بألطافه وهم الذين جرّعوه ألوانا قاسية من المحن والخطوب.

أبو سفيان في مضيق الوادي :

وأمر النبيّ ٦ العباس بحبس أبي سفيان في مضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ عليه جنود الله فيراها حتى يحذّر قريشا من مناهضة النبيّ ٦ ، وحبسه العباس في المضيق ، واجتازت عليه الكتائب وهي تحمل رايات النصر ، وكلّما مرّت عليه كتيبة سأل عنها فيعرّفه العباس بها ، واجتازت عليه كتيبة مدجّجة بالسلاح فقال للعباس :

يا عباس ، من هذه؟

سليم ..

ما لي ولسليم.

واجتازت عليه كتيبة أخرى فقال للعباس :

يا عباس ، ما هذه؟

مزينة ..

ما لي ولمزينة ..

ولمّا انتهت الكتائب مرّ عليه النبيّ ٦ في كتيبة خضراء ، وهي في منتهى القوّة ، فقد شهرت السيوف على رأس الرسول ، وأحاطت به صناديد أصحابه ، فبهر أبو سفيان وقال للعباس :

من هذه الكتيبة؟

هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار ...

٥٢

ولم يملك أبو سفيان إعجابه وراح يقول للعباس :

ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ...

فردّ عليه العبّاس قائلا :

يا أبا سفيان ، إنّها النبوّة ...

فهزّ أبو سفيان رأسه العفن وقال بسخرية :

نعم إذن (١) .

وما كان هذا الجاهلي ليفقه الإسلام ، وإنّما كان يفقه الملك والسلطان ، ثمّ أمر النبيّ بإطلاق سراح أبي سفيان ، فأطلق ، وولّى إلى مكّة.

نداء أبي سفيان :

وانطلق أبو سفيان مسرعا يسبق الجيش إلى مكّة وهو رافع عقيرته ينادي بأعلى صوته :

يا معشر قريش ، هذا محمّد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..

فهبّت قريش قائلة :

وما تغني عنّا دارك؟

وهتف فيهم ثانيا :

من أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ..

فسكن روع القرشيّين وسارعوا إلى دورهم وإلى المسجد.

معارضة هند :

وانبرت هند زوج أبي سفيان وهي مذعورة قد ملأت نفسها بالألم والحزن ،

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

٥٣

فجعلت تثير عواطف القرشيّين وتستهين بزوجها قائلة : اقتلوا الحميت (١) الدنس قبّح من طليعة قوم.

وراح أبو سفيان يحذّر قريشا من مغبّة عصيانه ويحذّرهم من بطش المسلمين.

دخول النبي مكّة :

وسارعت جيوش المسلمين لدخول مكّة وهي فرحة مستبشرة بهذا النصر ، فإنّها لم تلق أيّة مقاومة من قريش ، وقد حمل الراية سعد بن عبادة ، وهو يلوّح بها في الفضاء ويهتف : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحلّ الحرمة ..

فسمعها عمر بن الخطّاب ـ كما يقول ابن هشام ـ فسارع إلى النبيّ ٦ قائلا :

يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد؟

فأمر النبيّ ٦ بأخذ اللواء من سعد وإعطائه إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ ، فأخذه وأدخله إدخالا رقيقا ، ورفع صوته قائلا :

« اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ».

وعمّت الفرحة الكبرى جميع أوساط القرشيّين ، وأيقنوا أنّ النبيّ لا يؤاخذهم بما اقترفوه تجاهه من التنكيل والاعتداء.

النبي في الكعبة :

وسارع النبيّ ٦ بعد دخوله مكّة إلى بيت الله الحرام ، فأغلق بوجهه عثمان ابن طلحة باب الكعبة وصعد على سطحها ، وأبى أن يدفع إليه المفتاح ، وبادر إليه الإمام ٧ فلوى يده وأخذ المفتاح منه وفتحها للنبيّ ٦ ، فصلّى فيها ركعتين (٢) ثمّ

__________________

(١) الحميت : الشديد الدناسة.

(٢) صبح الأعشى ٤ : ٢٦٩.

٥٤

سلّم المفتاح له ، و قال له : « يا عثمان ، اليوم يوم برّ ووفاء » (١) .

تطهير البيت من الأصنام :

ولمّا دخل النبيّ ٦ البيت الحرام كان أوّل عمل قام به تحطيمه وإزالته للأصنام والأوثان التي اتّخذها القرشيّون آلهة يعبدونها من دون الله تعالى ، والتي تنمّ عن جهلهم وانحطاطهم الفكري ، وقد كانت الأصنام المعلّقة على الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ، ولكلّ حيّ من العرب صنم خاصّ بهم.

و كان على جهة باب البيت المعظّم الصنم الأعلى لقريش وهو هبل ، فجعل النبيّ ٦ يطعن بقوسه في عينه ، وهو يقول : « جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ثمّ أمر بتحطيمه وتطهير البيت منه ، وقد شقّ ذلك على أبي سفيان وغيره من عتاة القرشيّين ، ثمّ اعتلى النبيّ ٦ على منكب الإمام ٧ لتكسير الأصنام ، فعجز الإمام عن النهوض به ، فقال له الرسول :

« إنّك لا تستطيع حمل ثقل النّبوّة ، فاصعد أنت » ، فاعتلى الإمام على كاهل رسول الله ٦ و قال الإمام : « لو شئت لنلت افق السّماء » ، وأقبل على الأصنام فجعل يقلعها ويرمي بها إلى الأرض ، ولم يبق إلاّ صنم خزاعة وكان موتدا بأوتاد من حديد ، فقال له الرسول : « عالجه » ، فعالجه الإمام وهو يقول :

« جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ، فعالجه حتى تمكّن منه فقذفه حتى تكسّر (٢) ، وبذلك فقد تطهّر البيت الحرام من أصنام قريش على يد بطل الإسلام وقائد مسيرته الظافرة لقد حطّم الإمام الأصنام كما حطّمها جدّه إبراهيم خليل الله ، وقد نظم الشاعر الملهم محمّد بن أحمد الكتاب المعروف بـ « المفجع »

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤١٢.

(٢) إنسان العين ٣ : ٩٩ ـ ١٠٠.

٥٥

هذه المأثرة للإمام ٧ بقوله :

وله من أبيه ذي الأيد اسما

عيل شبه ما كان عنّي خفيّا

إنّه عاون الخليل على الكعب

ة إذ شاد ركنها المبنيّا

ولقد عاون الوصيّ حبيب الل

ه إذ يغسلان منها الصفيّا

رام حمل النبيّ كي يقطع الأصنا

م من سطحها المثول الحبيّا (١)

فحناه ثقل النبوّة حتّى كاد

يناد تحته منئيّا (٢)

فارتقى منكب النبيّ علي

صنوه ما أجلّ ذا المرتقيّا

فأماط الأوثان عن ظاهر الكعب

ة ينفي الأرجاس عنها نفيّا

ولو أنّ الوصيّ حاول مسّ النجم

بالكفّ لم تجده قصيّا (٣)

إنّ تحطيم الأصنام وتطهير الكعبة منها أقسى ضربة موجعة للقرشيّين الذين تفانوا في عبادة الأوثان ، كما كان أعظم انتصار رائع للإسلام الذي جاء لتحرير العقول ونشر الوعي بين الناس ، فقد باءت بالفشل والخزي جميع المقاومات والاعتداءات على الإسلام ، وها هو يرفع رايته وينشر مبادئه العملاقة في ديارهم.

خطاب النبيّ :

وأحاطت جماهير أهالي مكّة بالرسول الأعظم ٦ وهي تنتظر بفارغ الصبر ما يواجهونه منه ، فهل ينزل بهم العقاب الصارم ويقابلهم بالانتقام من جرّاء ما صبّوه عليه وعلى أتباعه المستضعفين من صنوف الخطوب والكوارث ، أو إنّه سيعفو عنهم ويقابلهم بالصفح الجميل؟ واعتلى الرسول ٦ منصّة الخطابة واستمال الجمع إلى

__________________

(١) المثول : جمع ماثل ، أي المنتصب. الحبي : جمع حاب ، أي المرتفع.

(٢) منئيا : أي مثقلا.

(٣) معجم الأدباء ١٧ : ٢٠٢.

٥٦

أذن صاغية ، فعرض ٦ في خطابه إلى توحيد الله والثناء عليه وإلى نصره لدينه وهزيمته للمشركين ثمّ قال :

« يا معشر قريش ، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظيمها بالآباء. النّاس من آدم ، وآدم من تراب » ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١) .

« يا معشر قريش ، ما ترون أنّي فاعل بكم؟ ».

فهتفوا جميعا بلسان واحد :

خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ...

فأصدر رسول الرحمة العفو عنهم قائلا : « اذهبوا فأنتم الطّلقاء » (٢) .

وتمثّلت الرحمة والشرف والكرامة بجميع ما تحمل هذه الألفاظ من معنى في هذا العفو ، فلم يقابل أولئك الجفاة الجناة بالمثل وأعرض عمّا لاقاه منهم من صنوف الإساءة والأذى ، ولم يؤاخذهم بجرائمهم وآثامهم التي تقتضي أن يعدم رجالهم ويستصفي أموالهم ، ولا يترك لهم أي أثر أو وجود على الأرض.

غزوة حنين :

وفزعت هوازن كأشدّ ما يكون الفزع حينما وافتهم الأنباء بفتح النبيّ ٦ مكّة ، وخضوع القبائل القرشية لحكم الإسلام ، فانبرى مالك بن عوف وهو زعيم هوازن فجمع قبيلته ، واستنجد ببعض القبائل العربية الاخرى وفي طليعتها ثقيف ،

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤١٢.

٥٧

فعرض عليهم الأخطار الهائلة التي ستواجههم من اتّساع الإسلام ، وأنّ النبيّ ٦ سيزحف بجيوشه لاحتلالهم ، فآمن الجميع بدعوته واستجابوا لقوله ، وزحفت هوازن ومن تابعهم من القبائل لحرب النبيّ ٦ ، وأوصاهم مالك بن عوف وهو القائد العامّ لجيوشهم فقال لهم : إذا رأيتموهم ـ أي المسلمين ـ فاكسروا جفون سيوفكم ، ثمّ شدّوا شدّة رجل واحد (١) .

ولمّا انتهت أنباؤهم إلى النبيّ ٦ أوفد للقياهم عبد الله الأسلمي ، وأمره بالتعرّف على أنبائهم ، فمضى ، وعلم أنّهم مصمّمون على حرب النبيّ ، فقفل راجعا إلى مكّة ، وأخبر النبيّ بذلك ، فزحف بجيشه البالغ عدده اثني عشر ألفا ، وكان فيهم من لم يخاط الإسلام قلبه كأبي سفيان بن حرب وأمثاله من المنافقين والطامعين في الغنائم والأسلاب.

وتحرّك جيش النبيّ ٦ من مكّة وقد وزّع الرايات على قادة جيشه ، وأعطى لواء المهاجرين إلى الإمام أمير المؤمنين ٧ ، وسارعت جيوش المسلمين تطوي البيداء لا تلوي على شيء ، فانتهت إلى وادي حنين (٢) .

فرار المسلمين :

وكانت هوازن قد أعدّت خطّة رهيبة ومحكمة للايقاع بالمسلمين ، فقد احتلّت وادي حنين وكمنت في شعابه ومضايقه ، فلمّا اجتازت عليهم جيوش المسلمين ، ولم يكونوا على علم بما دبّر لهم ، وثبت عليهم هوازن من كلّ زاوية في الوادي ، فجفل المسلمون وانهزموا هزيمة منكرة لا يلوي أحد منهم على أحد ،

__________________

(١) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤٣٩.

(٢) وادي حنين : موضع قريب من مكّة ، وقيل : هو واد قبل الطائف بجنب ذي المجاز ، وقال الواقدي : بينه وبين مكّة ثلاث ليالي ، جاء ذلك في معجم البلدان ٢ : ٣١٣.

٥٨

وانحاز رسول الله ٦ ذات اليمين ، وجعل يدعو المسلمين إلى الثبات والصبر على الجهاد وعدم الفرار قائلا :

« أيّها النّاس ، إليّ أنا رسول الله محمّد بن عبد الله » (١) .

بسالة الإمام :

وأبدى الإمام أمير المؤمنين ٧ من البسالة ما لا يوصف ، فقد أخذ يجول في الميدان يجندل الأبطال ، وينزل بهم أفدح الخسائر ، وقد أجمع الرواة أنّه كان من أصلب المدافعين عن النبيّ ٦ (٢) ، وناول الإمام ٧ النبيّ ٦ قبضة من التراب ، فرمى بها وجوه المشركين من هوازن وغيرهم (٣) ، والتحم الإمام مع المشركين التحاما شديدا ، وقد التحق به مائة رجل من فرسان المسلمين فقاتلوا قتالا أهونه الشديد ، و لمّا رأى النبيّ ٦ ذلك قال :

« أنا النّبي لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب »

الآن حمى الوطيس (٤) ، واشتدّ الحرب ، فسقطت الرءوس والأيدي.

شماتة أبي سفيان وصفوان :

وسرّ المنافقون بهزيمة المسلمين وطاروا فرحا ، وأبدى أبو سفيان رأس المنافقين شماتته بذلك فقال : لا تنتهي هزيمتهم ـ أي هزيمة المسلمين ـ دون البحر.

كما أبدى المنافق صفوان بن أميّة شماتته بانهيار جيش المسلمين قائلا :

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ١٧٨.

(٢) مجمع الزوائد ٦ : ١٨٠.

(٣) تاريخ بغداد ٤ : ٣٣٤. مجمع الزوائد ٦ : ١٨٢.

(٤) الوطيس : هو التنّور ، وقيل : هي الحجارة التي يوقد عليها النار ، وهو كناية عن اشتداد الحرب.

٥٩

الآن بطل السحر (١) .

هزيمة المشركين :

ولمّا بلغت قلوب المسلمين الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا وساد عليهم الجزع والخوف نصر الله تعالى رسوله الكريم فقتل من المشركين سبعون رجلا من أبطالهم وانهزم الباقون شرّ هزيمة ، ولاحقتهم جيوش المسلمين فأشاعت فيهم القتل وأسرت جماعة منهم (٢) ، وكان النصر المؤزّر على يد بطل الإسلام وحامي حوزته الإمام أمير المؤمنين ٧ ، وبذلك فقد انتهت هذه المعركة التي كانت من أعنف المعارك ومن أشدّها هولا وقسوة ، وبها قد انتصر الإسلام انتصارا حاسما وهابته جميع قبائل الشرك.

الغنائم :

وبعد ما وضعت الحرب أوزارها ارتحل الرسول ٦ من أرض المعركة إلى الجعرانة ، فأتته وفود هوازن طالبين منه أن يردّ عليهم ما أخذ منهم ، فخيّرهم بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم ، وانبرى زهير أبو حرد من بني سعد فقال : يا رسول الله ، إنّما في الحظائر عمّاتك وخالاتك ، وحواضنك اللاّتي كنّ يكفلنك ، ولو أنّا أرضعنا الحارث بن أبي شمر الغسّاني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه ، وأنت خير المكفولين ، ثمّ قال :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنّك المرء نرجوه وندّخر

امنن على نسوة قد عاقها قدر

ممزّق شملها في دهرها غير (٣)

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ : ١٧٨.

(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٤ : ٦٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٢ : ١٨٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287