موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287
المشاهدات: 140722
تحميل: 4437


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140722 / تحميل: 4437
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

يا خير طفل ومولود ومنتخب

في العالمين إذا ما حصل البشر

إن لم تداركها نعماء وتنشرها

يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك تملؤه من محضها الدرر

إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها

وإذ يزينك ما تأتي وما تذر (1)

ووهبهم النبيّ 6 ما كان له ولبني عبد المطّلب ، واستجاب المهاجرون والأنصار وبنو سليم لرغبة النبيّ فوهبوا حصّتهم ، ولم يستجب غيرهم لذلك ، ثمّ قسّم النبيّ 6 الإبل والغنم ، وازدحموا عليه حتى اختطفت رداؤه ، ثمّ قال : « ردّوا عليّ ردائي أيّها النّاس ، فو الله! لو كان لي عدد شجر تهامة نعم لقسّمتها عليكم ، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ».

ولم يعط النبيّ 6 الأنصار شيئا ، فوجدوا في أنفسهم وضاقوا ذرعا ، و أمر النبيّ 6 سعد بن عبادة بجمع الأنصار ، فلمّا مثلوا عنده قال لهم : « ما حديث بلغني عنكم؟! ألم آتكم ضلاّلا فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألّف بين قلوبكم »؟

فانبروا جميعا قائلين :

بلى والله! يا رسول الله ، لله ورسوله المنّ والفضل ...

و خاطبهم النبيّ 6 بلطف وحنان قائلا :

« ألا تجيبوني؟ ».

بما ذا نجيبك؟

ونظر النبيّ 6 لهم بولاء وإخلاص قائلا :

« والله! لو شئتم لقلتم ، فصدقتم : أتيتنا مكذّبا فصدّقناك ، ومخذولا فنصرناك ،

__________________

(1) الكامل في التاريخ 2 : 182.

٦١

وطريدا فآويناك ، وعائلا فواسيناك ، أو جدتم ، يا معشر الأنصار أنفسكم في لعاعة (1) من الدّنيا فألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ والّذي نفسي بيده! لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك النّاس شعبا لسلكت شعب الأنصار ...

اللهمّ ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ».

وغرق الأنصار بالبكاء واخضلّت لحاهم من دموعهم وراحوا يهتفون :

رضينا برسول الله قسما وحظّا (2) .

إنّ الرسول الأعظم 6 أعظم قائد عرفته الإنسانية في جميع أدوارها ، فقد غيّر مجرى تاريخ العالم وألّف بين قلوب أتباعه ، وعقد أواصر المحبّة والألفة بينهم ، وكانت أخلاقه البلسم الذي داوى به النفوس المريضة والقلوب المنحرفة.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن غزوة حنين التي هي من أعظم غزوات الرسول 6 ، وكان البطل البارز فيها هو الإمام أمير المؤمنين 7 .

الإمام وسورة البراءة :

وعهد النبيّ 6 إلى أبي بكر أن يمثّله في أهالي مكّة ليقرأ عليهم بنودا من سورة البراءة وما قنّنه الإسلام من أحكام لمن طاف في بيت الله الحرام ، وهذه بعضها :

أوّلا : لا يطوف في البيت عريان ، وكانت العادة المتّبعة أن يطوف الرجل عريان.

ثانيا : لا يدخل الجنّة إلاّ من آمن بالله ورسوله.

__________________

(1) اللعاعة : نبت ناعم قليل البقاء.

(2) الكامل في التاريخ 2 : 184 ـ 185.

٦٢

ثالثا : من كان بينه وبين رسول الله مدّة فأجله إلى مدّته.

رابعا : إنّ الله ورسوله بريئان من المشركين (1) .

وسار أبو بكر حاملا رسالة النبيّ 6 ، فهبط الوحي على النبيّ 6 يأمره بإسناد هذه المهمّة إلى الإمام أمير المؤمنين 7 وإقصاء أبي بكر ، وبادر الإمام مسرعا فأدرك أبا بكر في الطريق فأخذ الرسالة منه (2) ، وقرأها على أهالي مكّة ، وقفل أبو بكر راجعا وملء إهابه ألم ممضّ ، فلمّا رأى النبيّ بكى وقال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء؟ ..

فهدّأ النبي روعه وقال له :

« ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن امرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل منّي » (3) .

وهذه البادرة من الأدلّة التي تمسّكت بها الشيعة على إمامة الإمام أمير المؤمنين 7 ، فقد قالوا : إنّه لو كانت لأبي بكر مرشّحات للخلافة لما عزلته السماء عن أداء هذه الرسالة التي هي من أبسط المسئوليات وأقلّها أهمّية.

غزوة تبوك :

وواكب الإمام أمير المؤمنين 7 رسول الله 6 في جميع حروبه وغزواته إلاّ في غزوة تبوك ، فقد أبقاه ممثّلا عنه في يثرب ، وأرجف المنافقون وأشاعوا أنّ النبيّ 6 إنّما أبقاه في المدينة لكراهته له ، وبلغ ذلك الإمام 7 فأخبر النبيّ 6

__________________

(1) التنبيه والأشرف : 186.

(2) مسند أحمد بن حنبل 1 : 3. خصائص النسائي : 20. كنز العمّال 4 : 246. تفسير الطبري 10 : 46. مستدرك الحاكم 3 : 51. صحيح الترمذي 2 : 183. تذكرة الخواص : 37.

(3) أمالي المرتضى 1 : 292.

٦٣

بمقالتهم ، فردّ عليهم مزاعمهم وقلّد الإمام 7 أسمى الأوسمة قائلا :

« كذبوا ، وإنّما خلّفتك لما ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أما ترضى يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (1) .

ورجع الإمام قرير العين مثلوج القلب ، فقد قلّده الرسول 6 وسام الخلافة والوصاية من بعده ، وجعله منه بمنزلة هارون من موسى ، وباء حسّاده بالفشل والخيبة ...

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن جهاد الإمام 7 ودفاعه عن قيم الإسلام وبمبادئه ، فقد اشترك مع النبيّ 6 في جميع حروبه وغزواته ، وناضل كأشدّ ما يكون النضال لرفع راية الإسلام وإعلاء كلمة التوحيد ، فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين!

الإمام يصف جهاده :

وقبل أن نطوي الحديث عن جهاد الإمام ومناجزته للمشركين نذكر ما أدلى به في وصف جهاده قال 7 :

6 نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ؛ ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانا وتسليما ، ومضيّا على اللّقم (2) ، وصبرا على مضض الألم ، وجدّا في جهاد العدوّ ؛ ولقد كان الرّجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما ؛ أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون ، فمرّة لنا من عدوّنا ،

__________________

(1) الكامل في التاريخ 2 : 190.

(2) اللقم : الجادة الواضحة.

٦٤

ومرّة لعدوّنا منّا ، فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت ، وأنزل علينا النّصر ، حتّى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه ، ومتبوّئا أوطانه. ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود ، ولا اخضرّ للإيمان عود (1) .

لقد جاهد الإمام كأعظم ما يكون الجهاد في سبيل الإسلام فحارب الأقارب وناهض الأرحام.

__________________

(1) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 4 : 33.

٦٥

٦٦

طلائع الرّحيل

٦٧

٦٨

وأدّى نبي الرحمة 6 رسالة ربّه إلى عباده كاملة مشرقة ، فأنقذهم بعد اللّتيّا والتي من مآثم هذه الحياة فحرّر العقول ، وأيقظ النفوس ، وفتح لها آفاقا كريمة من الوعي والتطوّر ، وأمدّها بجميع وسائل النهوض والنمو في جميع مناحي حياتها الاجتماعية والاقتصادية ، فما أعظم عائدته على الإنسانية جمعاء ..

وقد عانى 6 في أداء رسالة ربّه جميع صنوف المحن وألوان الخطوب من فراعنة قريش ، اتّهموه بأنّه ساحر ومجنون وكذّاب ، وأغروا صبيانهم بإلقاء الحجارة عليه ، وعذّبوا من آمن به بأقسى ألوان العذاب ، وقد استشهد من تعذيبهم ياسر وسميّة ، واضطرّت طلائع المؤمنين به إلى الهجرة من ديارهم إلى الحبشة ..

وبعد موت حاميه وناصره أبي طالب أحاطوا بداره شاهرين سيوفهم ليمزّقوا جسده الطاهر ، ففرّ منهم بعد أن ترك أخاه وابن عمّه الإمام أمير المؤمنين في فراشه ، وقد نجا منهم بلطف الله تعالى وتسديده ، فهاجر إلى يثرب واتّخذها عاصمة له ، فقامت قيامة القرشيّين وورمت آنافهم وامتلأت قلوبهم غيظا ، فجهّزوا الجيوش لإطفاء نور الإسلام ، فكانت واقعة بدر وأحد وغيرهما ، ولكنّ الله تعالى ردّ كيدهم ، ونصر نبيّه نصرا عزيزا ، وفتح له فتحا مبينا ، فخضعوا صاغرين له ودخلوا في دين الإسلام مكرهين مرغمين لا عن إيمان وبصيرة بما يحمله هذا الدين من القيم الكريمة ، والمبادئ الرفيعة ، فقد اترعت نفوسهم بآثام الجاهلية وفسوقها.

٦٩

وعلى أي حال فإنّ الرسول 6 بعد أن أدّى رسالته الخالدة بدت عليه امارات الرحيل من هذه الدنيا إلى الفردوس الأعلى ، وكانت تتكرّر عليه مؤذنة له بالسفر إلى الله تعالى ، وكان منها ما يلي :

أوّلا : إنّ القرآن الكريم نزل عليه مرّتين بعد أن كان ينزل عليه مرّة واحدة ، فاستشعر من ذلك حضور الأجل المحتوم منه (1) ، وأخذ ينعي نفسه ، ويشيع ذلك بين المسلمين ، و قد أحاط بضعته الطاهرة سيّدة نساء العالمين بانتقاله إلى حضيرة الخلد قائلا :

« إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني به في هذا العام مرّتين ، وما أرى ذلك إلاّ اقتراب أجلي » (2) .

وذابت نفسها شعاعا ، وودّت مفارقة الحياة ولم تسمع هذه الكلمات من أبيها.

ثانيا : نزل الوحي على الرسول 6 بهذه الآية : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (3) ، وكانت هذه الآية إنذارا له بمفارقة الحياة ، وأثارت في نفسه كوامن الألم ، و سمعه المسلمون يقول :

« ليتني أعلم متى يكون ذلك؟ ».

ثالثا : نزلت عليه سورة النصر ، فشعر منها بدنو أجله ، وكان يسكت بين التكبير والقراءة و يقول :

« سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه » ، وذهل المسلمون من ذلك ،

__________________

(1) الخصائص الكبرى 2 : 368.

(2) البداية والنهاية 5 : 523.

(3) الزمر : 30 و 31.

٧٠

وراحوا يسألونه عن هذه الحالة الغريبة فأجابهم :

« إنّ نفسي قد نعيت إليّ » (1) .

وهام المسلمون في تيارات من الهواجس ، فقد كان نعي النبيّ 6 لنفسه كالصاعقة عليهم ، فلا يدرون ما سيجري عليهم إن خلت الدنيا من محمّد 6 .

حجّة الوداع :

ولما أيقن النبيّ 6 بقرب انتقاله إلى دار القدس رأى لزاما عليه أن يحجّ البيت الحرام ، ويضع الخطوط السليمة لنجاة امّته من الفتن ، وتطوير حياتها وسيادتها على بقيّة الامم ، وإنّ أضمن مكان لذلك هو البيت الحرام ، فحجّ لهذا الغرض حجّته الأخيرة الشهيرة بحجّة الوداع ، وذلك في السنة العاشرة من الهجرة. وأعلن بين الوافدين للحجّ أنّ التقاءه بهم في عامهم هذا هو آخر عهدهم به قائلا :

« إنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ».

وفزع الحجّاج وذهلوا ، فقد طاقت بهم موجات من الهموم ، وراحوا يقولون :

النبيّ ينعي نفسه ، و مضى النبيّ يضع المناهج السليمة التي تضمن سعادتهم في الدارين قائلا :

« أيّها النّاس! إنّي تركت فيكم الثّقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».

التمسّك بكتاب الله والعمل بما فيه ، والولاء للعترة الطاهرة والأخذ بما أثر عنهم هما الضمان لنجاة هذه الامّة وسلامتها من الزيغ والانحراف.

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 2 : 308.

٧١

ولمّا أنهى النبيّ 6 مراسيم الحجّ وقف عند بئر زمزم ، وأمر ربيعة بن خلف فوقف تحت راحلته ، وأمره أن يبلّغ الحجّاج ما يقوله ، فقال : « يا ربيعة قل :

أيّها النّاس ، إنّ رسول الله يقول لكم : لعلّكم لا تلقوني على مثل حالي هذه ، أتدرون أيّ بلد هذا؟

أتدرون أيّ شهر هذا؟

أتدرون أيّ يوم هذا؟ ».

فهتفوا جميعا :

نعم ، هذا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، واليوم الحرام ..

وأخذ النبيّ 6 يتلو عليهم المبادئ الكريمة والمثل القيّمة قائلا :

« إنّ الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وكحرمة يومكم هذا ألا هل بلّغت؟ ».

فأجابوا جميعا :

نعم ..

ثمّ أخذ النبيّ 6 يعرض على الحجّاج الأحكام التي يلزمون برعايتها وتنفيذها قائلا :

« اللهمّ اشهد ، واتّقوا الله ، ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، فمن كان عنده أمانة فليؤدّها ...

النّاس في الإسلام سواء طفّ الصّاع لآدم وحوّاء ، لا فضل لعربيّ على أعجميّ ، ولا لأعجميّ على عربيّ إلاّ بتقوى الله ألا هل بلّغت؟ ».

وانبروا جميعا قائلين :

٧٢

نعم ...

وأخذ النبيّ 6 يتلو عليهم معالم دينه القويم قائلا :

« اللهمّ اشهد ، لا تأتوني بأنسابكم واتوني بأعمالكم ، فأقول للنّاس : هكذا ، ولكم هكذا ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ..

ثمّ واصل الرسول 6 بيان الأحكام التي يجب الأخذ بها قائلا :

« اللهمّ اشهد ، كلّ دم كان في الجاهليّة موضوع تحت قدمي ، وأوّل دم أضعه دم آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب (1) ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ..

« اللهمّ اشهد ، وكلّ ربا كان في الجاهليّة موضوع تحت قدمي ، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطّلب ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ..

اللهمّ اشهد أيّها النّاس ، إنّما النّسىء زيادة في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم الله.

أوصيكم بالنّساء خيرا فإنّما هنّ عوار عندكم ، لا يملكن لأنفسهنّ شيئا ، وإنّما أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكتاب الله ، ولكم عليهنّ حقّ ، ولهنّ عليكم حقّ : كسوتهنّ ورزقهنّ بالمعروف ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فراشكم أحدا ، ولا يأذنّ في بيوتكم إلاّ بعلمكم وإذنكم ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ...

« اللهمّ اشهد ، فأوصيكم بمن ملكت أيمانكم فأطعموهم ممّا تأكلون ،

__________________

(1) آدم بن ربيعة كان مسترضعا في هذيل فقتله بنو سعد بن بكر.

٧٣

ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ...

« اللهمّ اشهد إنّ المسلم أخو المسلم لا يغشّه ، ولا يخونه ، ولا يغتابه ، ولا يحلّ له دمه ، ولا شيء من ماله إلاّ بطيب منه ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ...

ويستمرّ النبيّ 6 في تأسيس المناهج التربوية والأخلاقية والاجتماعية ، وما يسعد به الإنسان في دنياه وآخرته ، ثمّ يختتم خطابه الرائع بقوله :

« لا ترجعوا بعدي كفّارا مضلّلين يملك بعضكم رقاب بعض ، إنّي خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ألا هل بلّغت؟ ».

نعم ..

اللهمّ اشهد إنّكم مسئولون فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب » (1) .

وانتهى هذا الخطاب الحافل بجميع القيم الاجتماعية والسياسية التي تسمو بها امّته ، وتتحقّق لها السيادة على شعوب العالم وامم الأرض وقد ختم الرسول 6 بأهمّ وصيّة له ، وهي لزوم التمسّك بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والتمسّك بالعترة الطاهرة لتكون لها القيادة العامّة لامّته على مسرح حياتها السياسية والاجتماعية.

مؤتمر غدير خم :

وبعد ما أدّى النبيّ 6 الحجّ إلى بيت الله الحرام ووضع الخطط السليمة لصيانة امّته من الزيغ قفل راجعا إلى يثرب ، وحينما اجتاز موكبه في غدير خمّ هبط

__________________

(1) حياة الإمام الحسين بن عليّ 8 1 : 195 ـ 198 ، نقلا عن تاريخ اليعقوبي 2 : 90 ـ 92.

٧٤

عليه جبرئيل وهو يحمل رسالة من الله تعالى بالغة الخطورة تتعلّق بمصير الامّة الإسلامية ومستقبلها الحضاري ، فقد أمره الله تعالى أن يحطّ رحله في ذلك المكان لينصّب الإمام عليّا 7 خليفة من بعده ويقلّده المرجعية العامّة ، ولم يرخّصه في التأخير قيد لحظة واحدة ، وكان أمر السماء بهذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) .

ونصّ الرواة على أنّها نزلت في غدير خمّ (2) ، وطابع هذه الآية الإنذار الشديد ، فالنبيّ إن لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه في تقليد الإمام لمنصب الخلافة فقد ضاعت جهوده وتبدّدت أتعابه.

وتلقّى الرسول 6 الأمر بأهمّية بالغة ، فانبرى بعزم ثابت وإرادة صلبة لتنفيذ أمر الله تعالى ، فوضع أعباء المسير ، وحطّ رحله في رمضاء الهجير وأمر قوافل الحجّ أن تحطّ رحالها ، وكان الوقت قاسيا في حرارته ، فكان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتّقي به من الحرّ.

واجتمع الحجّاج فصلّى بهم النبيّ 6 وبعد ما فرغ من الصلاة أمر بوضع حدائج الإبل لتكون منبرا له ، فصنعوا له ذلك ، فاعتلى عليها ، وكان عدد الحاضرين مائة ألف أو يزيدون ، وأقبلت الجماهير بقلوبها نحو النبيّ ، فخطب فيهم معلنا ما عاناه من الجهود الشاقّة في سبيل الإسلام ، وما كانوا فيه من الضلال والحياة البائسة فأنقذهم منها ، ثمّ ذكر كوكبة من أحكام الإسلام وتعاليمه ، ثمّ التفت إليهم قائلا :

« انظروا كيف تخلفوني في الثّقلين؟ ».

__________________

(1) المائدة : 67.

(2) أسباب النزول ـ الواحدي : 150. تفسير الرازي 3 : 636. مجمع البيان ـ الطبرسي 4 : 344 ، وغيرها.

٧٥

فناده مناد من القوم :

ما الثقلان يا رسول الله؟

وعرض عليهم أمر الثقلين قائلا :

« الثّقل الأكبر : كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ ، وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا ، والآخر الأصغر : عترتي ، وإنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك ربّي لهما ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ».

ووضع النبيّ 6 بذلك المناهج السليمة لسلامة امّته من الضلال والانحراف عن طريق الحقّ ، ثمّ أخذ النبيّ 6 بيد وصيّه وسيّد عترته وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين 7 ففرض ولايته على المسلمين ، وأقامه علما لهدايتهم ، فرفعها حتى بان بياض إبطيهما ، ورفع صوته عاليا قائلا :

« أيّها النّاس ، من أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟ ».

فأجابوا جميعا :

الله ورسوله أعلم ..

فقال 6 :

« إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه » ، قال ذلك ثلاث مرّات ، ثمّ قال :

« اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب ».

وبذلك أنهى خطابه الشريف الذي أدّى فيه رسالة ربّه ، فنصب الإمام أمير

٧٦

المؤمنين 7 خليفة من بعده ، وأثبت له الولاية الكبرى على عموم المسلمين كما كانت له 6 الولاية العامّة على جميع المسلمين.

البيعة العامّة للإمام :

وأقبل المسلمون يبايعون الإمام بولاية العهد ويهنّئونه بإمرة المسلمين ، وأمر النبيّ 6 أمّهات المؤمنين بمبايعته (1) ، وأقبل عمر بن الخطّاب فهنّأ الإمام وصافحه وقال له مقالته المشهورة :

هنيئا يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (2) .

وانبرى حسان بن ثابت فنظم هذه الحادثة الخالدة بقوله :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهمّ وال وليّه

وكن للذي عادى عليّا معاديا (3)

وقال الشاعر الملهم السيّد الحميري :

وقام محمّد بغدير خمّ

فنادى معلنا صوتا نديّا

لمن وافاه من عرب وعجم

وحفّوا حول دوحته جثيّا

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولى وكان به حفيّا

__________________

(1) الغدير 2 : 34.

(2) مسند أحمد بن حنبل 4 : 281.

(3) الغدير 1 : 271.

٧٧

وقال شاعر الإسلام الكميت الأسدي :

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها حقّا أضيعا

وسجّل المحقّق الأميني في الغدير كوكبة من الشعراء الذين نظموا حادثة الغدير من عصر النبوّة حتى يوم الناس هذا.

نزول آية إكمال الدين :

وفي ذلك اليوم الخالد في دنيا الإسلام نزلت هذه الآية الكريمة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (1) .

لقد كمل الدين ، وتمّت نعمة الله الكبرى على المسلمين بولاية إمام المتّقين وسيّد الموحّدين ، وبقيادته الروحية والزمنية على جميع المؤمنين.

لقد وضع النبيّ 6 المنهج السليم لصيانة امّته وجمع كلمتها وتوحيد صفوفها ، ولم يترك الأمر من بعده فوضى يتلاعب فيه الطامعون وعشاق الملك والسلطان ، فقد سدّ الباب ولم يترك أي منفذ يسلك منه ، فقد عيّن القائد والموجّه لأمّته في جميع شئونها ولم يهمل هذا الأمر الحسّاس ـ كما يقولون ـ.

وعلى أي حال فموضوع الغدير جزء من رسالة الإسلام وركن من أركان الدين ، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام كما يقول الشيخ العلائلي.

__________________

(1) المائدة : 3 ، ونصّ على نزول الآية في يوم الغدير : الخطيب البغدادي في تاريخه 8 : 290. السيوطي في الدرّ المنثور 2 : 259. الطبرسي في مجمع البيان 3 : 246.

٧٨

المأساة الخالدة

٧٩

٨٠