موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٣

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 240

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 240
المشاهدات: 88177
تحميل: 4040


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 240 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88177 / تحميل: 4040
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

من تفسير الإمام للقرآن الكريم

٢١
٢٢

كان من أهمّ ما عنى به الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام تفسير القرآن الكريم الذي هو رسالة الله تعالى الكبرى لعباده ، ومنهجه الكامل لما فرض عليهم من أحكام ، وليس هناك أحد غيره أدرى بما في القرآن من ناسخ ومنسوخ ، وعامّ وخاصّ ، ومجمل ومبيّن ، ومطلق ومقيّد ، فقد علّمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع ذلك ، وقد صرح الإمام بذلك بقوله :

« سلوني عن كتاب الله ، فو الله! ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار ولا مسير ، ولا مقام إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلّمني تأويلها ».

فانبرى إليه أحد قردة ذلك المجتمع ابن الكوّاء الدنس الخبيث ساخرا فقال له : يا أمير المؤمنين ، فما كان ينزل عليه ، وأنت غائب عنه؟

فأجابه الإمام :

« كان يحفظ عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه ، حتّى أقدم عليه فيقرأنيه ، ويقول : يا عليّ ، أنزل الله بعدك عليّ كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا ، فيعلّمني تنزيله وتأويله » (1) .

لقد عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بتفسير جميع ما نزل عليه من كتاب الله العظيم ، وبيان محتوياته ، ودقائقه وأسراره. وعلى أي حال ، فإنّا نعرض إلى ما اثر عن الإمام عليه‌السلام من تفسير بعض الآيات ، وفيما يلي ذلك :

__________________

(1) بحار الأنوار 92 : 79. الاحتجاج : 139.

٢٣
٢٤

سورة الفاتحة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ( 3 ) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

هنا بحوث في المقام ، نعرض لها حسب ما اثر فيها عن الإمام عليه‌السلام :

البسملة جزء من السورة :

أمّا البسملة فهي جزء من السورة ـ عند الشيعة ـ ، وقد وردت النصوص عن الإمام عليه‌السلام في جزئيّتها من كلّ سورة.

قال عليه‌السلام :

« والبسملة في أوّل كلّ سورة آية منها ، وإنّما كان يعرف انقضاء السّورة بنزولها ابتداء للأخرى ، وما أنزل الله تعالى كتابا من السّماء إلاّ وهي فاتحته » (1) .

وأكّد الإمام عليه‌السلام أنّها جزء بالخصوص من سورة الفاتحة ، قال عليه‌السلام :

« إنّها ـ أي البسملة ـ من الفاتحة ، وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرؤها ويعدّها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السّبع المثاني » (2) .

__________________

(1) مواهب الرحمن 1 : 20.

(2) مواهب الرحمن 1 : 20.

٢٥

بنود البسملة :

أمّا بنود البسملة وفقراتها فهي :

( اللهِ )

وهو علم لتلك الذّات المقدّسة التي لا يحيط بمعرفتها وكنهها إلاّ هو عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، وقد عرف علميّته له حتّى في زمان الجاهلية ، قال لبيد :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

و كلّ نعيم لا محالة زائل

( الرَّحْمنِ )

وصف الخالق العظيم نفسه المقدّسة بالرحمة دون سائر صفاته الكمالية ؛ وذلك للتدليل على شمول رحمته وعمومها للجميع ، للمسلم والكافر على حدّ سواء.

و عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الرّحمن العاطف على خلقه بالرّزق ، لا يقطع عنهم موادّ رزقه وإن انقطعوا عن طاعته » (1) .

( الرَّحِيمِ )

الرحيم من صفات المبدع العظيم ، وهي من إفاضته المختصّة بالمؤمنين ، قال تعالى : ( وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) (2) .

أهمّية السورة :

وهي من أهمّ سور القرآن الكريم ، وقد روى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ،

__________________

(1) مواهب الرحمن 1 : 23.

(2) الأحزاب : 43.

٢٦

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنها ، قال :

« لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : قال الله عزّ وجلّ : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل.

إذا قال العبد : ( بسم الله الرّحمن الرّحيم ) ، قال الله جلّ جلاله : بدأ عبدي باسمي ، وحقّ عليّ أن اتمّم له اموره ، وابارك له في أحواله. فإذا قال : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، قال الله جلّ جلاله : حمدني عبدي ، وعلم أنّ النّعم الّتي له من عندي ، وأنّ البلايا الّتي دفعت عنه بتطوّلي ، اشهدكم أنّي اضيف له إلى نعم الدّنيا نعم الآخرة ، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدّنيا.

و إذا قال : ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، قال الله جلّ جلاله : شهد لي عبدي أنّي الرّحمن الرّحيم ، اشهدكم لاوفّرنّ من رحمتي حظّه ، ولاجزلنّ من عطائي نصيبه.

فإذا قال : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ، قال الله تعالى : اشهدكم كما اعترف بأنّي أنا المالك يوم الدّين ، لاسهّلنّ يوم الحساب حسابه ، ولأتقبّلنّ حسناته ، ولأتجاوزنّ عن سيّئاته.

فإذا قال : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) ، قال الله عزّ وجلّ : صدق عبدي ، إيّاي يعبد ، اشهدكم لاثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال : ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، قال الله تعالى : بي استعان عبدي وإليّ التجأ ، اشهدكم لأعيننّه على أمره ، ولأغيثنّه في شدائده ، ولآخذنّ بيده يوم نوائبه.

فإذا قال : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إلى آخر السورة. قال الله عزّ وجلّ :

هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل ، وآمنته ممّا منه وجل » (1) .

__________________

(1) الميزان 1 : 39 ، نقلا عن المعاني.

٢٧

وهذه السورة من أفضل سور القرآن الكريم فقد جعلت جزءا من الصلاة التي هي من أفضل العبادات في الإسلام ، والبحث عنها يقع في جهات وهي :

مكان نزولها :

نزلت هذه السورة المباركة في مكّة المقدّسة ، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويدلّ على ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي في مكّة والفاتحة جزء من الصلاة الخ.

أسماؤها :

وتسمّى هذه السورة المباركة بعدّة أسماء منها ما يلي :

الفاتحة :

سمّيت هذه السورة بالفاتحة لأصالتها ، وتفرّع سائر القرآن منها (1) .

السبع المثاني :

من أسماء هذه السورة « السبع المثاني » ، سمّيت بذلك إمّا لتكرارها في الصلاة ، وإمّا لأنّ المثاني اسم للقرآن الكريم. وفاتحة الكتاب سبع آيات ، وهي من أعظم آيات القرآن العظيم قال تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (2) .

معنى الحمد :

الحمد : هو الثناء على نعم الله تعالى التي لا تحصى ، و روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسيره للحمد :

« إنّ الله عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملا ، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها

__________________

(1) مواهب الرحمن 1 : 47 ـ 48.

(2) الحجر : 87.

٢٨

بالتّفصيل لأنّها أكثر من أن تحصى أو تعرف ، فقال لهم : قولوا : الحمد لله على ما أنعم به علينا » (1) .

( رَبِّ الْعالَمِينَ )

الرّبّ : هو الخالق والمكوّن ، والمحيي والمدبّر لجميع الكائنات الحيّة وغيرها بجميع ذاتياتها وشئونها ، و روي عن الإمام عليه‌السلام في تفسيره لربّ العالمين : « مالك الجماعات من كلّ مخلوق من الجمادات والحيوانات ، وخالقهم ، وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون ، يقلّب الحيوانات بقدرته ، ويغذوها من رزقه ، ويحوطها بكنفه ، ويدير كلاّ منها بمصلحته ، ويمسك الجمادات بقدرته ، ويمسك المتّصل منها أن يتهافت ، ويمسك المتهافت أن يتلاصق ، ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، والأرض أن تنخسف إلاّ بأمره » (2) .

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

تقدّم تفسيرهما في البحث السابق ، فلا حاجة لإعادة الكلام فيه.

( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )

أي مالك يوم الآخرة ، التي هي أعظم وأشدّ هولا من امور الدنيا ، ولم يؤثر عن إمام المتّقين تفسير له.

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )

المراد : إنّا نعبد الله تعالى ولا نعبد غيره ، ونستعين به ولا نستعين بسواه ، ودلّ الضمير المنفصل على الاختصاص ، كما نصّ على ذلك علماء النحو.

__________________

(1) الميزان 1 : 24 ، نقلا عن العيون.

(2) مواهب الرحمن 1 : 49.

٢٩

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )

روي عن الإمام عليه‌السلام أنّه فسّر هذه الآية بقوله :

« أدم لنا توفيقك الّذي به أطعناك في ما مضى من أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا » (1) .

وروي عن الإمام عليه‌السلام أنّ المراد هو كتاب الله تعالى.

وقيل : إنّ المراد به هو الإسلام (2) .

( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه فسّر الآية بقوله :

« اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك ، لا بالمال والصّحّة ، فإنّهم قد يكونون كفّارا أو فسّاقا ».

قال :

« وهم الّذين قال الله فيهم : ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) (3) » (4) .

__________________

(1) مواهب الرحمن 1 : 50.

(2) مجمع البيان 1 : 28 ، وقيل : إنّ الصراط المستقيم : هو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما عن تفسير العيّاشي.

(3) النساء : 69.

(4) الميزان 1 : 39.

٣٠

وروي أنّ المراد بالمغضوب عليهم هم اليهود أعداء الله وأعداء رسوله ، والمراد بالضالّين هم النصارى الذين ضلّوا عن الحقّ واتّبعوا أهواءهم (1) .

وبهذا ينتهي تفسير سورة الفاتحة التي هي من أهم سور القرآن الكريم ، فقد جعلت جزءا من الصلاة لا تصح بدونها ، و في الحديث : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ».

__________________

(1) مجمع البيان 1 : 30.

٣١

سورة البقرة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي مدنيّة كلّها إلاّ آية واحدة وهي :

( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (1) ؛ فإنّها نزلت في حجّة الوداع بمنى.

وعدد آياتها مائتان وست وثمانون آية ، وهو العدد المروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ونحن لا نستوعب تفسير جميع سورة البقرة ، وإنّما نذكر تفسير خصوص الآيات التي روي تفسيرها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام :

( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (عليه‌السلام )

( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ، أي جعل على قلوب الكافرين غطاء فلا ينتفعون بالمعارف الإلهية ، وقد ذكر تعالى ذلك بقوله عليهم‌السلام

( وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ

__________________

(1) البقرة : 281.

٣٢

لا يُؤْمِنُوا بِها ) (1) .

وكذلك قوله تعالى : ( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (2) .

و روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام تفسير هذه الآية :

« سبق في علمه تعالى أنّهم لا يؤمنون فختم على قلوبهم وسمعهم ليوافق قضاؤه عليهم علمه فيهم ، ألا تسمع قوله تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ) (3) » (4) ؟

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (29)

من نعم الله الكبرى على الإنسان أنّه خلق له ما في الأرض من النباتات والحيوانات لينتفع بها انتفاعا مادّيا ، وقد نظر الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الجهة المعنوية أي خلق الله تعالى ما في الأرض للنظر والاعتبار.

قال عليه‌السلام :

« هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ، ولتتوصّلوا به إلى رضوانه ، وتتوقّوا به من عذاب نيرانه ، ثمّ استوى إلى السّماء أخذ في خلقها وإتقانها فسوّاهنّ سبع سماوات ، وهو بكلّ شيء عليهم ، ولعلمه بكلّ شيء علم المصالح فخلق ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم » (5) .

__________________

(1) الأنعام : 25.

(2) المطفّفين : 14.

(3) الأنفال : 23.

(4) مواهب الرحمن 1 : 85.

(5) المصدر السابق : 147.

٣٣

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ) (34)

لمّا خلق الله تعالى آدم أمر ملائكته بالسجود شكرا لله تعالى مع قصد التهنئة ، فأبى إبليس واستكبر ، فقد ردّ على الله تعالى أنّ آدم خلق من طين ، وإبليس خلق من نار ، والطاقة النارية أفضل من التراب ، فقد أخذ بالقياس.

و في الحديث : « أنّ أوّل من قاس إبليس ».

وقد سأل يهودي الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معجزات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبال معجزات الأنبياء فقال :

هذا آدم أسجد الله له ملائكته ، فهل فعل بمحمّد شيئا من هذا؟

فقال الإمام عليه‌السلام :

« لقد كان ذلك ، ولكن أسجد الله لآدم ملائكته ، فإنّ سجودهم لم يكن سجود طاعة ، أي انّهم عبدوا آدم من دون الله عزّ وجلّ ، ولكن اعترافا لآدم بالفضيلة ، ورحمة من الله له ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله اعطي ما هو أفضل من هذا ، إنّ الله جلّ وعلا صلّى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها وتعبّد المؤمنون بالصّلاة عليه فهذه زيادة له » (1) .

( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ) (45)

أمر تعالى بالاستعانة بالصبر وهو الصيام فيما إذا نزلت بالإنسان كارثة أو أهمّه أمر ، فإنّه من الوسائل لإفاضة الله تعالى بإزالة ما نزل بالإنسان من همّ ، وكذلك أمر بالاستعانة بالصلاة فإنّها أيضا من الوسائل التي يستدفع بها البلاء ، وكان

__________________

(1) الميزان 1 : 124 ، نقلا عن الاحتجاج.

٣٤

أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا هاله أمر فزع إلى الصلاة وتلا هذه الآية (1) .

و اثر عن الإمام عليه‌السلام أنّه قال :

« إذا نزلت بالرّجل النّازلة الشّديدة فليصم فإنّ الله تعالى يقول : ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) يعني الصّيام ـ بالنسبة للصبر » (2) .

( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ ) (46)

نزلت هذه الآية الكريمة في الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي الصحابي العظيم عمّار بن ياسر الطيّب ابن الطيّب ، وفي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون.

فسّر الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله :

« يعني يوقنون أنّهم يبعثون ، ويحشرون ، ويحاسبون ، ويجزون بالثّواب والعقاب ، والظنّ هاهنا اليقين » (3) .

( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) (48)

إن للأنبياء وأوصيائهم والمتّقين منزلة كريمة عند الله تعالى ، وهو الذي يتولّى جزاءهم على ما عانوه من جهد شاق وعسير في هداية الناس ، وأنّه تعالى يرفع شأنهم ويعلي قدرهم في يوم الجزاء الأكبر.

و قد روى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

__________________

(1) اصول الكافي 3 : 480.

(2) من لا يحضره الفقيه 2 : 47.

(3) مواهب الرحمن 1 : 214. الميزان 1 : 153.

٣٥

  « من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي ».

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ، فأمّا المحسنون منهم فما عليهم من سبيل » (1) .

( وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (54)

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : في تفسير هذه الآية :

« قالوا لموسى : ما توبتنا؟ قال : يقتل بعضكم بعضا ، فأخذوا السّكاكين فجعل الرّجل يقتل أخاه وأباه وابنه ، والله! لا يبالي من قتل ، حتّى قتل منهم سبعون ألفا ، فأوحى الله تعالى إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، قد غفر لمن قتل ، وتيب على من بقي » (2) .

وفي تفسير القمّي : « أنّ موسى لمّا خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل ، قال لهم موسى :

يا قوم ، ( إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (3) .

فقالوا له : كيف نقتل أنفسنا؟

فقال لهم موسى : اغدوا كلّ واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين

__________________

(1) أمالي الصدوق : 16.

(2) الدرّ المنثور 1 : 69.

(3) البقرة : 54.

٣٦

أو حديدة أو سيف ، فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا متلثّمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا.

فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممّن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس ، فلمّا صلّى بهم موسى وصعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال :

قل لهم يا موسى : ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم ، فقتل منهم عشرة آلاف ، وأنزل الله :

( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) » (1) .

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (114)

دلّت الآية على ذمّ من يمنع مساجد الله تعالى أن يتعبّد بها ، ويذكر فيها اسمه ، والمساجد هي الأماكن المعدّة للعبادة والصلاة.

وقد روى الشهيد زيد بن علي ، عن آبائه ، عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« إنّ المساجد جميع الأرض ؛ لقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : جعلت لي الأرض مسجدا ، وترابها طهورا » (2) .

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (159)

__________________

(1) الميزان 1 : 19.

(2) مجمع البيان 1 : 361.

٣٧

شجبت الآية الذين يكتمون ما أنزل الله من هدى واصلاح إلى الناس من أجل أغراضهم ومطامعهم الخاصّة ، وفسّرها الإمام عليه‌السلام بالعلماء اذا فسدوا (1) .

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (163)

الله واحد لا شريك له في ملكه ، ولا شبيه له يعاضده.

وقد اثر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير الواحد ما يلي : سأله أعرابي في حرب الجمل فقال له :

أتقول : إنّ الله واحد؟ ...

فثار عليه الناس ، فنهرهم الإمام ، وقال لهم :

« دعوه فإنّ الّذي يريده الأعرابي هو الّذي نريده من القوم ».

ثمّ وجّه الإمام كلامه صوب الأعرابي قائلا :

« إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام » :

فوجهان لا يجوزان على الله عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : إنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من النّاس ، يريد به النّوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه لأنّه تشبيه وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا. وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعنى به أنّه لا ينقسم في

__________________

(1) الميزان 1 : 392.

٣٨

وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » (1) .

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186)

دلّت الآية بأوضح بيان وأجمل اسلوب على استجابة الله تعالى لدعوة عبده فهو قريب منه.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصيّته لولده الإمام الحسين عليه‌السلام :

« ثمّ جعل ـ أي الله ـ في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب رحمته ، فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ، ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل.

وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى عنك وباله ؛ فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له » (2) .

وجمع كلام الإمام عليه‌السلام فوائد الدعاء ، وأنّه ضرورة للمؤمن ، كما جمع بعض الأسباب التي تتأخّر فيها إجابة الدعاء.

( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ

__________________

(1) الميزان 1 : 408 ، نقلا عن الخصال للصدوق.

(2) نهج البلاغة 2 : 49.

٣٩

الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) (253)

حكت الآية تفضيل الله تعالى لبعض رسله على بعض ، وقد فضّل تعالى نبيّه العظيم محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله على جميع النبيّين ، وخصّه بالقرآن الكريم ، وقد أيّد تعالى نبيّه الكريم عيسى بن مريم عليه‌السلام بالبيّنات ، كإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من وسائل الإعجاز والتأييد التي دلّلت على نبوته.

وأفادت الآية وقوع الفتن في الامم السابقة من بعد ما جاءتهم البيّنات ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، ووقع بينهم القتال الذي أشاع الثكل والحزن في بيوتهم ، وقد استشهد الإمام عليه‌السلام بهذه الآية حينما سأله شخص فقال له :

يا أمير المؤمنين ، كبّر القوم وكبّرنا ، وهلّل القوم وهلّلنا ، وصلّى القوم وصلّينا ، فعلى ما نقاتلهم؟ فقال عليه‌السلام :

« على هذه الآية ـ وقرأها ـ فنحن الّذين آمنّا وهم الّذين كفروا ».

فقال الرجل : كفر القوم وربّ الكعبة! ثم حمل فقاتل حتى قتل (1) .

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (267)

قال عليه‌السلام في تفسير ( طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ) :

__________________

(1) تفسير العيّاشي 1 : 138.

٤٠