موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133874 / تحميل: 6465
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ادعيته عليه‌السلام

عقيب الصلوات المندوبة

وذكر الرواة كوكبة من أدعية الإمام عقيب الصلوات المندوبة كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

قبل صلاة الليل

من الصلوات المندوبة صلاة اللّيل فقد حثّ الإسلام عليها ، وتواترت الأخبار بفضلها ، وكان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء قبل الشروع بها :

إلهي إليك أخبتت قلوب المخبتين ، وبك أنست عقول العاقلين ، وعليك عكفت رهبة العاملين ، وبك استجارت أفئدة المقصّرين ، فيا أمل العارفين ، ورجاء العاملين ، صلّ على محمّد وآل محمّد الطّاهرين ، وأجرني من فضائح يوم الدّين ، عند هتك السّتور ، وتحصيل ما في الصّدور ، وآنسني عند خوف المذنبين ، ودهشة المفرطين برحمتك يا أرحم الرّاحمين. فو عزّتك وجلالك ، ما أردت بمعصيتي إيّاك مخالفتك ، ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولا بنظرك مستخفّ ، ولكن سوّلت لي نفسي ، وأعانتني على ذلك شقوتي ، وغرّني سترك المرخى عليّ فعصيتك بجهلي ، وخالفتك بجهدي ، فمن الآن من عذابك من يستنقذني ، وبحبل من أعتصم إذا قطعت حبلك عنّي ، فوا سوأتاه! من الوقوف بين يديك غدا ، إذا قيل للمخفّين جوزوا ، وللمثقلين حطّوا ، أمع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحطّ ، يا ويلتي! كلّما كبرت

١٢١

سنّي كثرت معاصيّ؟ فكم ذا أتوب؟ فكم ذا أعود؟ أما آن لي أن أستحيي من ربّي؟ ..

وبعد هذا الدعاء الجليل يسجد ، ويقول ثلاثمائة مرّة أستغفر الله وأتوب إليه (١) . وحكى هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه‌السلام من الله تعالى وشدّة إنابته إليه ، وعظيم اتّصاله به.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل

وإذا فرغ الإمام عليه‌السلام من صلاة ركعتين من صلاة الليل دعاء بهذا الدعاء الجليل :

إلهي نمت القليل فنبّهني قولك المبين : ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٢) فجانبت لذيذ الرّقاد بحمل ثقل السّهاد ، وتجافيت طيب المضجع بانسكاب غزير المدمع ، ووطيت الأرض بقدمي ، وبؤت إليك بذنبي ووقفت بين يديك قائما وقاعدا ، وتضرّعت إليك راكعا وساجدا ودعوتك خوفا وطمعا ، ورغبت إليك والها متحيّرا ، اناديك بقلب قريح ،

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٢ ـ ١٦٤.

(٢) السجدة : ١٦ و١٧.

١٢٢

واناجيك بدمع سفوح ، وألوذ بك من قسوتي ، وأعوذ بك من جرأتي ، وأستجير بك من جهلي ، وأتعلّق بعرى أسبابك من ذنبي ، واعمر بذكرك قلبي.

إلهي لو علمت الأرض بذنوبي لساخت بي ، والسّماوات لاختطفتني ، والبحار لأغرقتني ، والجبال لدهدهتني ، والمفاوز لابتلعتني. إلهي أيّ تغرير اغتررت بنفسي ، وأيّ جرأة اجترأت عليك يا ربّ ، إلهي كلّ من أتيته إليك يرشدني ، وما من أحد إلاّ عليك يدلّني ، ولا مخلوق أرغب إليه إلاّ وفيك يرغّبني ، فنعم الرّبّ وجدتك ، وبئس العبد وجدتني.

إلهي إن عاقبتني فمن ذا الّذي يملك العقوبة عنّي ، وإن هتكتني فمن ذا الّذي يستر عورتي ، وإن أهلكتني فمن ذا الّذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن شيء من أمره ، وقد علمت يا إلهي أن ليس في حكمك ظلم ، ولا في نقمتك عجلة ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت ، ويحتاج إلى الظّلم الضّعيف ، وقد تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا ، فصلّ على محمّد وآل محمّد.

ثمّ يدعو بما أهمّه ، ويقول :

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي ، وتقبّح فيما ابطن لك سريرتي ، محافظا على رياء النّاس من نفسي ، فأري النّاس حسن ظاهري ، وافضي إليك بسوء عملي ، تقرّبا إلى عبادك ، وتباعدا من مرضاتك (١) .

وأنت ترى في هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه‌السلام من الله وإنابته إليه ، ومن

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٤ ـ ١٦٦.

١٢٣

الطبيعي أنّ هذا الدعاء وأمثاله من أدعيته الشريفة أفاضها الإمام على المسلمين لتكون دروسا لهم ، وأغذية روحية ومنهجا يسلكون به إلى الله تعالى.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد صلاة الليل

كان الإمام عليه‌السلام إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الجليل :

أشهد أنّ السّماوات والأرض وما بينهما آيات تدلّ عليك ، وشواهد تشهد بما إليه دعوت. كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة ، ويشهد لك بالرّبوبيّة موسوم بآثار نعمتك ، ومعالم تدبيرك ، علوت بها عن خلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ، وكفاها رجم الاحتجاج فهي مع معرفتها بك ، وولهها إليك شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام ، ولا تدركك العقول والأبصار. وأعوذ بك أن اشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك لا إله إلاّ أنت واحدا أحدا فردا صمدا ، ونحن لك مسلمون (١) .

__________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٤٢.

١٢٤

دعاؤه عليه‌السلام

عقيب كلّ صلاة

كان الإمام يدعو بهذا الدعاء عقيب كلّ صلاة واجبة ومندوبة ، وهذا نصّه :

اللهمّ لك صلّيت ، وإيّاك دعوت ، وفي صلواتي ودعائي ما قد علمت من النّقصان والعجلة ، والسّهو والغفلة ، والكسل والفترة ، والنّسيان والمدافعة ، والرّياء والسّمعة ، والرّيب ، والفكرة ، والشّكّ ، والمشغلة ، واللّحظة الملهية ، عن إقامة فرائضك ، فصلّ على محمّد وآله ، واجعل مكان نقصانها تماما ، وعجلتي تثبّتا وتمكّنا ، وسهوي تيقّظا ، وغفلتي تذكّرا ، وكسلي نشاطا ، وفتوري قوّة ، ونسياني محافظة ، ومدافعتي مواظبة ، وريائي إخلاصا ، وسمعتي تستّرا ، وريبي ثباتا ، وفكري خشوعا ، وشكّي يقينا ، وتشاغلي فراغا ، ولحاظي خشوعا ، فإنّي لك صلّيت ، وإيّاك دعوت ، ووجهك أردت ، وإليك توجّهت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وما عندك طلبت ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، واجعل لي في صلواتي ودعائي رحمة وبركة تكفّر بها سيّئاتي ، وتضاعف بها حسناتي ، وترفع بها درجتي ، وتكرم بها مقامي ، وتبيّض بها وجهي ، وتحطّ بها وزري ، وتقبل بها فرضي ونفلي.

اللهمّ صلّ على محمّد وآله واحطط بها وزري ، واجعل ما عندك خيرا لي ممّا ينقطع عنّي. الحمد لله الّذي قضى عنّي صلواتي ، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين

١٢٥

كتابا موقوتا. الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، والحمد لله الّذي أكرم وجهي عن السّجود إلاّ له. اللهمّ كما أكرمت وجهي عن السّجود إلاّ لك فصلّ على محمّد وآله وصنه عن المسألة إلاّ منك. اللهمّ صلّ على محمّد وآله وتقبّلها منّي في أحسن قبولك ، ولا تؤاخذني بنقصانها ، وما سها عنه قلبي منها فتمّمه لي برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد اولي الأمر الّذين أمرت بطاعتهم ، واولي الأرحام الّذين أمرت بصلتهم ، وذوي القربى الّذين أمرت بمودّتهم ، وأهل الذّكر الّذين أمرت بمسألتهم ، والموالي الّذين أمرت بموالاتهم ومعرفة حقّهم ، وأهل البيت الّذين أذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعل ثواب صلواتي ، وثواب منطقي ، وثواب مجلسي رضاك والجنّة ، واجعل ذلك كلّه خالصا مخلصا يوافق منك رحمة وإجابة وافعل بي جميع ما سألتك من خير ، وزدني من خير ، وزدني من فضلك وسعة ما عندك إنّك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الآخرة ونعيمها ، إنّي إليك من الرّاغبين يا أرحم الرّاحمين. يا ذا المنّ الّذي لا ينقطع أبدا ، ويا ذا المعروف الّذي لا ينفد ، ويا ذا النّعماء الّتي لا تحصى عددا ، يا كريم ، يا كريم ، يا كريم ، صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني ممّن آمن بك فهديته ، وتوكّل عليك فكفيته ، وسألك فأعطيته ، ورغب إليك فأرضيته ، وأخلص لك فأنجيته.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأحللنا دار المقامة من فضلك ،

١٢٦

لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب.

اللهمّ إنّي أسألك مسألة الذّليل الفقير أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تغفر لي جميع ذنوبي ، وتقضي جميع حوائجي إليك ، إنّك على كلّ شيء قدير.

اللهمّ ما قصرت عنه مسألتي ، وعجزت عنه قوّتي ، ولم تبلغه فطنتي ، وتعلم فيه صلاح أمر دنياي وآخرتي فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وافعل ذلك بي يا لا إله إلاّ أنت بحقّ رحمتك في عافية ما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله (١) .

حفل هذا الدعاء بالخشية من الله ، والإنابة إليه ، والتذلّل أمامه وإظهار أتمّ العبودية ، وبذلك كان الإمام عليه‌السلام سيّد الموحّدين والمتّقين ، وإمام العارفين.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد كلّ صلاة

من أدعية الإمام عليه‌السلام عقيب كلّ صلاة يصلّيها هذا الدعاء الجليل :

اللهمّ تمّ نورك فهديت فلك الحمد ، وعظم حلمك فعفوت فلك الحمد ، وبسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ، ربّنا وجهك الكريم أكرم الوجوه ، وجاهك خير الجاه ، وعطيّتك أنفع العطيّة وأهنؤها ، تطاع ربّنا فتشكر ، وتعصى ربّنا فتغفر ، وتجيب المضطرّ ، وتكشف السّوء ، وتشفي السّقم ، وتنجي من الكرب.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٤٨ ـ ١٥٢.

١٢٧

وتقبل التّوبة ، وتغفر الذّنوب ، لا يجزي بآلائك أحد ، ولا يحصي نعمتك عادّ ، ولا يبلغ مدحتك قول قائل (١) .

حكى هذا الدعاء الشريف ألطاف الله تعالى ، ونعمه على عباده التي لا تعدّ ولا تحصى.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد صلاة الفرج

كان الإمام عليه‌السلام يصلّي صلاة الفرج وهي ركعتان ، يقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة ، وسورة التوحيد ألف مرّة ، وفي الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة التوحيد مرّة واحدة وبعد الفراغ من الصلاة يدعو بهذا الدعاء :

اللهمّ يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظّنون ، يا من لا يصفه الواصفون ، يا من لا تغيّره الدّهور ، يا من لا يخشى الدّوائر ، يا من لا يذوق الموت ، يا من لا يخشى الفوت ، يا من لا تضرّه الذّنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، يا من يعلم مثاقيل الجبال ، وكيل البحور ، وعدد الأمطار ، وورق الأشجار ، ودبيب الذّرّ ، ولا يوارى منه سماء سماء ، ولا أرض أرضا ، ولا بحر ما في قعره ، ولا جبل ما في وعره ، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور ، وما أظلم عليه اللّيل ، وأشرق عليه النّهار ، أسألك باسمك المخزون المكنون ، الّذي في علم الغيب عندك ، اختصصت به

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٦٩.

١٢٨

لنفسك ، وشققت منه اسمك ، فإنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت وحدك ، وحدك ، وحدك ، لا شريك لك ، وباسمك الّذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سئلت به أعطيت وأسألك بحقّ أنبيائك المرسلين ، وبحقّ حملة عرشك ، وبحقّ ملائكتك المقرّبين ، وبحقّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وبحقّ محمّد وآله وعترته صلواتك عليهم أن تصلّي على محمّد وآله ، وأن تجعل خير عمري آخره ، وخير أعمالي خواتيمها ، وأسألك مغفرتك ورضوانك يا أرحم الرّاحمين (١) .

حوى هذا الدعاء كوكبة من صفات الله تعالى ، التي منها علمه الذي لا يحدّ ، وقدرته التي لا حدّ لها ، فسبحان الله ، وتعالى شأنه ، وعظمت قدرته.

دعاؤه عليه‌السلام

بعد الصلاة في مسجد الجعفي

كان الإمام عليه‌السلام يذهب إلى جامع الجعفي في الكوفة ومعه صاحبه وخليله ميثم التمّار فيصلّي فيه أربع ركعات وبعد الفراغ منها يدعو بهذا الدعاء :

الهي كيف أدعوك وقد عصيتك ، وكيف لا أدعوك وقد عرفتك ، وحبّك في قلبي مكين ، مددت إليك يدا بالذّنوب مملوّة ، وعينا بالرّجاء ممدودة.

إلهي أنت مالك العطايا ، وأنا أسير الخطايا ، ومن كرم العظماء الرّفق بالأسراء ، وأنا أسير بجرمي ، مرتهن بعملي.

إلهي ما أضيق الطّريق على من لم تكن دليله ، وأوحش المسلك على من لم

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٣٢٩.

١٢٩

تكن أنيسه.

إلهي لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنّك بعفوك ، وإن طالبتني بسريرتي لأطالبنّك بكرمك ، وإن طالبتني بشرّي لأطالبنّك بخيرك ، وإن جمعت بيني وبين أعدائك في النّار لأخبرنّهم أنّي كنت محبّا لك ، وأنّني كنت أشهد أن لا إله إلاّ الله.

إلهي هذا سروري بك خائفا ، فكيف سروري بك آمنا. إلهي الطّاعة تسرّك ، والمعصية لا تضرّك ، فهب لي ما تسرّك ، واغفر لي ما لا تضرّك ، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري ، وانمحى من المخلوقين ذكري ، وصرت من المنسيّين كمن نسي.

إلهي كبر سنّي ، ودقّ عظمي ، ونال الدّهر منّي ، واقترب أجلي ، ونفدت أيّامي ، وذهبت محاسني ، ومضت شهوتي ، وبقيت تبعتي ، وبلي جسمي ، وتقطّعت أوصالي ، وتفرّقت أعضائي ، وبقيت مرتهنا بعملي.

إلهي أفحمتني الذّنوب ، وانقطعت مقالتي ، ولا حجّة لي.

إلهي أنا المقرّ بذنبي ، المعترف بجرمي ، الأسير بإساءتي ، المرتهن بعملي ، المتهوّر في خطيئتي ، المتحيّر عن قصدي ، المنقطع بي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وتفضّل عليّ وتجاوز عنّي.

إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما ، وكلّ ظنّي بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما.

إلهي لم اسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين ، فلا تبطل صدق رجائي من بين الآملين. إلهي عظم جرمي إذ كنت المطالب به ، وكبر ذنبي إذ كنت

١٣٠

المبارز به ، إلاّ أنّي إذا ذكرت كبر ذنبي وعظم عفوك وغفرانك وجدت الحاصل بينهما لي أقربهما إلى رحمتك ورضوانك.

إلهي إن دعاني إلى النّار مخشيّ عقابك ، فقد ناداني إلى الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد آنستني باليقين مكارم عفوك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكرم آلائك.

إلهي إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك إليّ فيما ينفعني.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضيت السّالفات من أعوامي.

إلهي جئتك ملهوفا ، وقد ألبست عدم فاقتي ، وأقامني مع الأذلاّء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي كرمت فأكرمني ، إذ كنت من سؤّالك ، وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك.

إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من شأنك ردّ سائل ملهوف ، ومضطرّ لانتظار خير منك مألوف.

إلهي أقمت على قنطرة الأخطار ، مبلوّا بالأعمال والاختيار إن لم تعن عليهما بتخفيف الأثقال والآصار.

١٣١

إلهي أمن أهل الشّقاء خلقتني فاطيل بكائي ، أم من أهل السّعادة خلقتني فأبشّر رجائي.

إلهي إن حرمتني رؤية محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة عن ذلك المقام ، فغير ذلك منّتني نفسي يا ذا الجلال والإكرام والطّول والإنعام.

إلهي لو لم تهدني إلى الإسلام ما اهتديت ، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت ، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت ، ولو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت.

إلهي إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخيار. إلهي قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تسلّط عليه نارا تحرقه في لظى.

إلهي كلّ مكروب إليك يلتجئ ، وكلّ محروم لك يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ، وسمع المزلّون عن القصد بجودك فرجعوا ، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فتمتّعوا ، وسمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا ، حتّى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك ، وعجّ إليك كلّ منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك ، ولكلّ أمل ساق صاحبه إليك وحاجة ، وأنت المسئول الّذي لا تسودّ عنده وجوه المطالب صلّ على محمّد نبيّك وآله ، وافعل بي ما أنت أهله إنّك سميع الدّعاء (١) .

أرأيتم هذا التضرّع والاستعطاف والخشوع والإنابة إلى الله تعالى؟

أرأيتم كيف ذابت نفس الإمام عليه‌السلام أمام الله إجلالا وعبودية له؟

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٤٦ ـ ٥١ ، نقلا عن مزار محمّد بن المشهدي.

١٣٢

ادعيته عليه‌السلام

في شهر رمضان المبارك

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يستقبل شهر رمضان المبارك بسرور بالغ لأنّه شهر الله ، وشهر الطاعة والمغفرة ، وهذه بعض أدعيته :

دعاؤه عليه‌السلام

عند رؤية الهلال

وكان الإمام يسارع إلى رؤية هلال رمضان المبارك فإذا رآه دعا بهذا الدعاء :

اللهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسّلامة والإسلام ، والعافية المجلّلة ، والرّزق الواسع ، ودفع الأسقام. اللهمّ ارزقنا صيامه وقيامه ، وتلاوة القرآن فيه ، اللهمّ سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا وسلّمنا فيه (١) .

دعاؤه عليه‌السلام

عند الإفطار

وقبل أن يتناول الإمام عليه‌السلام الإفطار يدعو بهذا الدعاء :

اللهمّ لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ، إنّك أنت السّميع العليم (٢) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض أدعيته عليه‌السلام في عباداته الواجبة والمندوبة.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ١٨٤.

(٢) الصحيفة العلوية : ١٨٤.

١٣٣
١٣٤

مع الله في الصّباح والمساء

١٣٥
١٣٦

كان إمام المتّقين وزعيم الموحّدين عليه‌السلام مشغولا في جميع أوقاته بذكر الله تعالى ، وتمجيده وتحميده ، فلم ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله تعالى وطاعته ، وقد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة كان يتلوها في صباح كلّ يوم ، وبعضها في المساء ، والبعض الآخر كان يقرؤها في الصباح والمساء ، نذكر طائفة منها :

ادعيته عليه‌السلام

في الصباح والمساء

ونقل الرواة مجموعة من الأدعية كان الإمام عليه‌السلام يقرؤها في الصباح ، وهي :

دعاؤه عليه‌السلام

عند طلوع الشمس

إذا أشرقت الشمس ، وهي من آيات الله العظيمة دعا الإمام عليه‌السلام بهذا الدعاء :

أيّتها الشّمس البديعة التّصوير ، المعجزة التّقدير ، الّتي جعلت سراجا للإبصار ، ونفعا لسكّان الأمصار ، شروقك حياة ، وغروبك وفاة ، إن طلعت بأمر عزيز ، وإن رجعت إلى مستقرّ حريز ، أسأل الّذي زيّن بك السّماء ، وألبسك الضّياء ، وصدّع لك أركان المطالع ، وحجبك بالشّعاع اللاّمع ، فلا يشرف بك شيء

١٣٧

إلاّ امتحق ، ولا يواجهك بشر إلاّ احترق ، أن يهب لنا بك من الصّحّة ، ودفع العلّة ، وردّ الغربة ، وكشف الكربة ، وأن يقينا من الزّلل ، ومتابعة الهوى ، ومصاحبة الرّدى ، وأن يمنّ علينا من العمر بأطوله ، ومن العمل بأفضله ، وأن يجعلك لقضاء جديد سعيد ، يؤذن بلباس الصّحّة ، ويضمن دفاع النّقمة.

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأتمم علينا آلاءك الّتي أوليتنيها واحرس علينا عوارفك الّتي أسديتنيها إنّك وليّ الإحسان ، وواهب الامتنان ، ذو الطّول الشّديد ، فعّال لما يريد ، والحمد لله ربّ العالمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل (١) .

الشمس طاقة ملتهبة من الحرارة تمدّ كوكب الأرض الذي نعيش عليه بالحياة ، وهي ترسل أشعتها الحرارية إلى الأرض بمقدار معيّن ، فلو زادت لاحترقت الأرض ، ولو نقصت لأصبحت جليدا ، ولولاها لانعدمت الحياة بالنسبة إلى الكائنات الحيّة في الأرض ، ومعدّل بعدها عنّا (٩٣) مليون ميل ، وهي كتلة مشتعلة من الغاز ، تتولّد طاقتها من الانفجارات المتوالية التي تحدث حين يتبدّل الهيدروجين الذي هو أحد عناصرها إلى مادة جديدة هي الهيليوم ، ويصاحب هذا التغيير صدور طاقة هائلة تنتج عنها حرارة وضوء ، ويتحوّل في كلّ ثانية ستمائة مليون طن من الهيدروجين إلى (٥٩٦) ألف مليون من الهليوم وتتولّد منها طاقة مقدارها أربعة ملايين طن من الضوء ، وفقا لمذهب اينشتين في تحوّل المادة إلى طاقة (٢) ، وهذا الكوكب العملاق يسبح في الفضاء ويسير بقدرة الله بسير منتظم في منتهى الدقّة ، فسبحان الخالق العظيم الذي ما عرفه حقّ معرفته إلاّ إمام المتّقين ، وباب مدينة علم سيّد النبيّين ، وقد ألمح إلى بعض محتويات الشمس هذا الدعاء الجليل.

__________________

(١) جمال الاسبوع للسيّد ابن طاوس : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) رحلة في الفضاء : ٢٧ ـ ٢٨.

١٣٨

من ادعية الإمام

دعاء الصباح

ومن بين أدعية الإمام عليه‌السلام هذا الدعاء العظيم الذي كان يدعو به في الصباح ، وقد احتوى على أسرار عجيبة ، وامور بالغة الأهميّة ، قد ألقت الأضواء على عظيم قدرة الله وبدائع صنعه ، وهذا نصّه :

اللهمّ يا من دلع لسان الصّباح بنطق تبلّجه ، وسرّح قطع اللّيل المظلم بغياهب تلجلجه ، وأتقن صنع الفلك الدّوّار في مقادير تبرّجه وشعشع ضياء الشّمس بنور تأجّجه ...

حكت هذه الكلمات بعض آيات الله تعالى العظام ، وعجائب مخلوقاته ، والتي منها :

١ ـ اندلاع نور الصبح ، بعد ما كان الكون يسرح في قطع من الليل المظلم ، فقد طواها الله ، بإشراق الشمس وجعل الفضاء مشرقا بنور هذا الكوكب العملاق الذي بدّد الظلام.

٢ ـ من عظيم قدرة الله تعالى إتقانه صنع الفلك الدوّار وايجاد بروج له كانت في منتهى الدقّة والروعة.

٣ ـ من عجيب مخلوقات الله تعالى الضياء الذي يستوعب الكون من كوكب الشمس ، فقد كان بمنتهى الابداع ، وهو أحد آيات الله تعالى ، ألم يعجز الفكر عن تصوّرها؟ فسبحان الله المبدع في خلقه وإيجاده لهذا الكون! ويأخذ إمام الموحّدين في دعائه قائلا :

١٣٩

يا من دلّ على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته ، وجلّ عن ملاءمة كيفيّاته ، يا من قرّب من خطرات الظّنون ، وبعد عن لحظات العيون ، وعلم بما كان قبل أن يكون ...

حوت هذه الفقرات المشرقة من دعاء الإمام عليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أنّ الله تعالى دلّ على ذاته العظيمة بذاته ، وذلك بتكوينه وإيجاده لهذا الكون المليء بالعجائب والغرائب التي حار فيها العقل ؛ فكلّ ذرّة من مخلوقاته تنادي بوجوده تعالى ، وتدلّل عليه ، فإنّه من المستحيل تعقّل وجودها بمنتهى الروعة والدقّة من دون أن يكون لها مكوّن ، وقد باءت بالفشل والخزي آراء الملحدين في هذا العصر الذي انطلقت فيه السفن الفضائية إلى الفضاء الخارجي ، وصوّرت بعض الكواكب التي تدور في فلكها الخاصّ بانتظام عجيب وأرسلت صورها إلى الأرض ، وقد طويت بذلك وانحسرت جميع أفكار الملحدين ، واتّجه الناس صوب الله ، والاقرار له بالوحدانية.

ومن الجدير بالذكر أنّ روّاد الفضاء الذين هبطوا على القمر اتّجهوا بعد نزولهم إلى الأرض نحو الكنائس لعبادة الله تعالى ، فقد هالتهم وأذهلتهم صور الكواكب ودورانها في أفلاكها فسبحان الله العظيم.

٢ ـ ومن فقرات هذا الدعاء أنّ الله تعالى تنزّه عن مشابهة مخلوقاته ومجانستهم فإنّها جميعا عرضة للفناء والزوال ، وليس أيّ صفة من صفاته التي هي عين ذاته تضارع صفات المخلوقين التي تحتاج إلى علّة مؤثّرة في إيجادها.

٣ ـ ومن بنود هذا الدعاء أنّ الله تعالى قريب إلى الفكر فيؤمن به الإنسان بأدنى تأمّل إلاّ أنّ العيون لا تبصره ، وكيف يبصر الممكن بوجود الخالق العظيم العالم بما كان قبل أن يوجد ويكون؟ ويستمرّ الإمام عليه‌السلام في دعائه قائلا :

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

لا يقول به إلاّ شرذمة من القائلين بالقدم ؛ قال صدر المحقّقين في رسالة اثبات الواجب : وأمّا نسبة التزام هذه التسلسل إلى الحكماء فافتراء ؛ وقال ولده غياث المدقّقين في شرحه : اي قدماء الحكماء المحقّقين ، فانّهم انكروا ذلك كما لا يخفى على من تصفّح الصحف الموروثة عنهم ، وانّما التزمه قوم من المتفلسفين المتأخّرين ممّن لا اعتماد على كلامهم. والمنكرون للتسلسل في الشروط الحادثة بيّنوا كيفية حدوث الحوادث اليومية بوجه آخر ، وهو انّهم اثبتوا حركة سرمدية وهي أمر واحد متّصل وله اجزاء فرضية فكلّ فرد من الحوادث مستند إلى بعض معيّن من تلك الحركة الواحدة ؛(١) انتهى.

وذلك لأنّ التصفّح يعطي بأنّ الفلاسفة متّفقون على التزام التسلسل في الشروط الحادثة ؛ واذعانهم بوجود الحركة السرمدية دليل قاطع على ذلك ، لأنّ الحركة القديمة ذو اجزاء كلّ جزء منها متوقّف على جزء سابق عليه ، فيلزم التسلسل في الأمور المتعاقبة. فجعل استناد الحوادث اليومية إلى الحركة السرمدية دليلا على عدم توقّف الحادث على الشروط الحادثة الغير المتناهية أمر غريب.

وقال بعض أهل التحقيق : انكار كون هذه المقدّمة مسلّمة عند الحكماء غريب جدا ، إذ لا ريب لمن تصفّح كتبهم في انّهم يقولون بها.

وما تخيّله من أنّهم قالوا باستناد الحوادث إلى الحركة وهي موجود واحد قديم بلا توقّف على شرط فلم تكن المقدّمة مسلّمة عندهم ، ففيه : انّ نظرهم إلى انّ الحركة لها أجزاء غير متناهية يتوقّف كلّ جزء منها على سابقه. وحينئذ لا بأس باستناد الحوادث إليها ، إذ توقّف كلّ حادث على شرط حادث على سبيل التسلسل على التعاقب ، فليس في ذلك دلالة على تجويزهم استناد الحادث بالقديم بلا توقّف على شرط حادث. كيف ولو جوّزوا ذلك فما بالهم ارتكبوا تلك الحركة وتورّطوا فيما تورطوا فيه؟!. فظهر انّ تعليل عدم امكان جعل الاستدلال المذكور جدليا والزاميا للحكماء لعدم كون المقدّمة(٢) المذكورة مسلّمة عندهم غير صحيح. فالصحيح تعليله

__________________

(١) ما عثرت على هاتين الرسالتين ، والظاهر انّهما لم تطبعا بعد.

(٢) الاصل : المسألة.

٢٦١

بما ذكروا بانّ الحكيم قائل بتوقّف الحادث على الشرط الحادث مطلقا ، سواء كان الفاعل مختارا أو موجبا ، فعلى تقدير جعله جدليا والزاميا للحكيم يتوجّه على المعتزلة النقض قطعا ؛ هذا.

وقيل في بيان عدم جواز استعمال الدليل المذكور لا برهانيا ولا جدليا من قبل المعتزلة وورود المعارضة عليهم مع انّهم يجوز لهم على الظاهر أن يقولوا ـ لم لا يجوز أن تكون المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب المذكور وان اعتقدنا بطلانها في نفسها كما في كثير من توالي المتّصلات اللزومية ـ : انّ القول بالمقدمة المذكورة كما انّه لا يصحّ في نفسه عندهم كذلك ليس لازما لفرض الايجاب المذكور في الواقع حتّى يصحّ استعمال المعتزلة لها على فرضه ، وحينئذ لا يجوز لهم استعمالها أصلا.

بيان عدم اللزوم : انّ معنى الايجاب المذكور هو امتناع انفكاك الذات عن ايجاد العالم مطلقا في الازل ، فيلزمه حصول جميع شرائط التأثير فيه في الأزل وعدم توقّفه على شيء اصلا فلا يمكن مع استلزامه عدم التوقّف المذكور أن يستلزم أيضا توقّفه على الشروط للزوم اجتماع النقيضين ، وهو محال ؛ فثبت انّ توقّف العالم حال حدوثه على حادث آخر لا يمكن أن يكون لازما لفرض الايجاب المذكور ؛ انتهى.

وفيه : ما تقدم من انّ بناء الاستدلال على قطع النظر عن استحالة اجتماع الايجاب المذكور مع حدوث الأثر ، ولولاه لم يصحّ للأشعري أيضا نفي مطلق الايجاب. وإذا كان اجتماع هذين الأمرين ـ أعني : القدم والحدوث ـ محالا ومع ذلك فرض وقوعه واستدلّ على تقديره فلا مانع من لزوم محال آخر منه ـ أعني : اجتماع عدم التوقّف على شيء والتوقّف على الشرط ـ ، لأنّ المحال قد يستلزم فرضه محالا آخر والاستدلال بفرض وقوع محال وترتّب محال آخر عليه أمر شائع بينهم ، ولو منعه مانع محتجّا بعدم فائدة فيه وعدم الاحتياج إليه فهو كلام آخر. وسنذكر انّ من وجوه الاختلال في هذا الاستدلال عدم الاحتياج إليه ، للزوم القدم على فرض الايجاب المذكور ضرورة ، ونشير إلى / ٥٩ MB / أنّ من وجوه الاختلال فيه وان كان مندفعا بما ذكر من لزوم اجتماع النقيضين ـ أعني : الايجاب بالمعنى المذكور والحدوث ـ ، والمحال قد يستلزم المحال.

٢٦٢

فلقائل أن يقول : حينئذ لا مانع من لزوم التسلسل في الشروط المتعاقبة لامكان استلزام المحال المحال ، والمطلوب هاهنا انّه مع قطع النظر عن هذه الوجوه من الاختلال يلزم اختلال آخر أيضا ، وهو المعارضة من قبل الحكماء على المعتزلة.

الثاني : انّ المعارضة يرد على الأشعري أيضا. فان أجيب : بانّ للأشعرية الجواب بالتزام التخلّف والترجيح بلا مرجّح ويكون كلامه في الاستدلال على سبيل الجدل والالزام ؛

قلنا : للمعتزلة أيضا التزام عدم توقّف الحادث على شرط حادث ويكون كلامهم في الدليل على سبيل الجدل ؛ انتهى.

ولا يخفى ضعفه على ما بيّناه ، لأنّ الاستدلال المذكور على مذهب الاشعري برهاني لا يتوجّه عليه النقض مطلقا ، لأنّ في صورة الاختيار يجوز الترجيح بلا مرجّح عنده بخلاف صورة الايجاب. وما ذكره من امكان جعل الدليل المذكور جدليا من قبل المعتزلة فقد عرفت فساده.

وبذلك يندفع ما ذكره بعض آخر : انّ الدليل المذكور لا يمكن اجرائه من قبل الأشعري أيضا لا برهانيا / ٥٦ DA / ـ لتجويزه الترجيح بلا مرجّح ـ ولا جدليا ـ لابتنائه على استحالة التسلسل في الشروط المتعاقبة ـ ، مع أنّ الحكماء يجوّزوه ، فلا يصحّ استعماله الزاما عليهم. فالحقّ انّ هذا الدليل لا يصحّ اجرائه اصلا لا من قبل الأشعري ولا من قبل غيره ، لا برهانيا ـ لابتنائه على التوقّف على الشرط الحادث وهو غير ممنوع عند المتكلّمين ، أمّا عند الأشاعرة منهم فلتجويزهم الترجيح بلا مرجّح ، وأمّا عند غيرهم فلأنّ المرجح عندهم إمّا علم الفاعل وإمّا ذات الوقت ـ ؛ ولا الزاميا ـ لابتنائه على استحالة جميع انحاء التسلسل ، وهو غير ممنوع عند الحكماء ـ أيضا ؛ انتهى.

ووجه الاندفاع ما عرفت من صحّة جعله برهانيا من قبل الأشعري.

والحقّ انّه يمكن أن يكون من قبله جدلا والزاما على الحكماء أيضا. وما استدلّ به على عدم امكان جعله جدليا يرد عليه : انّه لا ريب في أنّ أحد مقدّمات هذا الدليل ـ وهو لزوم التسلسل في الشروط ـ جدليّ للزومه على مذهب الحكيم دون

٢٦٣

الأشعري ، وهو يكفي لكونه جدليا ، ولا يلزم أن يكون باقي مقدّماته أيضا جدليا. ولا يلزم من استعمال مقدّمة في الدليل جدلا أن يكون جميع مقدّماته ممّا يسلّمه الخصم ، بل يجوز أن يكون بعض مقدّماته ممّا يعتقد المستدلّ كونه برهانيا وإن لم يسلّمه الخصم فاذا كان لزوم التسلسل في الشروط مسلّما عند الحكيم لزم كونه جدليا وان كان بطلانه غير مسلّم عنده ، بل كان ممّا اعتقده الأشعري وثبت عنده بالبرهان ، هذا.

وقال بعض الفضلاء : انّ الدليل المذكور من قبل الأشاعرة غير تامّ ، إذ هم يجوّزون تخلّف المعلول عن العلّة التامّة واستحالته مأخوذة في الدليل.

واجاب عنه بعض الأعلام : بانّ المذكور في الاستدلال هو التخلّف عن الموجب التامّ وهو باطل باتفاق العقلاء ، لكن الأشاعرة ينفون الموجب مطلقا لا أنّهم يجوّزون التخلّف ؛ كيف وهو في قوّة اجتماع النقيضين؟!. وأمّا تخلف المعلول عن العلّة التامة فهو وان كان جائزا عقلا عندهم لكنّه غير واقع ومستحيل عادة نعم! تخلّف العلّة التامة عن المعلول بمعنى انفكاك ذاته في الأزل عن ايجاد الفعل مطلقا جائز وواقع عند أكثر المتكلّمين ، لأنّ ذاته ـ تعالى ـ مع علمه وارادته علّة تامة في الأزل لوجود العالم عندهم ، بل موجب تامّ عند بعضهم ـ كالمحقق الطوسي واتباعه ـ ، والعالم غير موجود فيه وبناء تجويز ذلك عند كلّ طائفة أمر وعند المحقّق الطوسي هو العلم بالأصلح ؛ انتهى.

وحاصله : انّ الأشاعرة لا يجوّزون التخلّف عن الموجب التامّ والكلام في الاستدلال انّما هو فيه ، وهو صحيح لا غبار عليه ، كما مرّ غير مرّة من أنّ الأشاعرة لا يجوّزون التخلّف عن الموجب التامّ وإن جوّزوا التخلّف عن الفاعل المختار بسبب الإرادة ، لا بأن يكون التخلّف جائزا بعد تعلّق الإرادة بالفعل ـ لوجوبه حينئذ عندهم ـ ، بل قبل تعلّقها بمعنى انّ تعلّقها بالفعل ليس بواجب ، فيجوز للفاعل المستجمع لجميع الشرائط أن يريد الفعل وأن لا يريد ، لجواز الترجيح بلا مرجّح.

فالتخلّف الجائز عن الفاعل المختار هو التخلّف عن المختار المستجمع للشرائط من الدواعي وغيرها سوى الإرادة ، ومع الإرادة لا يجوّزون التخلّف. ولا ريب انّ الفاعل بدون تعلّق الإرادة ليس علّة تامّة وان حصل جميع ما سواه من شرائط

٢٦٤

التأثير. فما ذكره المجيب المذكور من أنّ التخلّف عن العلّة التامّة جائز عقلا عندهم ليس على ما ينبغي!.

قال بعض أهل التحقيق : ان مذهب الاشاعرة في صدور الفعل عن الفاعل المختار انّه يصدر عنه بدون اللزوم والوجوب في الاختيار والإرادة ، كما هو زعم المعتزلة من انّه لا بدّ من مرجّح في الفعل يوجب تعلّق الإرادة مثل كونه أصلح للصدور ، لأنّ الاشاعرة قالوا : المختار مرجّح بإرادته من غير مرجّح يوجب تعلّق الإرادة وان كان صدور الأثر بعد تعلّق الإرادة واجبا. فلا يتوهّم أنّ الأشاعرة ينفون وجوب الفعل والأثر بعد تعلّق الإرادة ، بل القول بانّ الشيء ما لم يجب لم يوجد متّفق عليه بين الكلّ إلاّ شرذمة قليلة من المتكلّمين القائلين بالأولويّة / ٦٠ MA / الغيرية ، فالوجوب واللزوم اللذان ينفيهما الاشاعرة وجوب تعلّق الإرادة بسبب موجب له ـ كالأصلحية مثلا ـ ، لا وجوب الفعل بغير الإرادة. وقد اعترض عليهم : بانّ ما قيل في وجوب الفعل آت بعينه في تعلّق الإرادة أيضا ؛ انتهى. وقال بعض آخر من الأعاظم : انّ ما نسب إلى الأشعري من انّ تخلّف المعلول عن العلّة التامّة جائز عقلا عندهم ممّا لم أقف على مأخذه! ؛ بل ظاهر كلام المواقف وشرحه انّهم يقولون باستحالة التخلّف عقلا. قال في المواقف : الإرادة القديمة يوجب المراد ؛ وفي شرحه : اي : إذا تعلّقت إرادة الله ـ تعالى ـ بفعل من أفعال نفسه لزم وجود ذلك الفعل وامتنع تخلّفه عن ارادته ، اتفاقا من أهل الملّة والحكماء أيضا(١) ؛ انتهى.

وأيضا اورد في بحث الاختيار من جانب القائلين بايجاب السؤال : بأنّ قدرته ـ تعالى ـ متعلّقة في الأزل بهذا الطرف وبه يجب وجوده ، وحينئذ فما الفرق بين الموجب والمختار؟ ؛

وأجاب : بانّ الفرق انّه بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن تعلّق قدرته يستوي إليه الطرفان ، ووجوب هذا الطرف وجوب بشرط تعلّق القدرة والإرادة به ، لا وجوب ذاتي كما في الموجب بالذات / ٥٦ DB / ؛ ولا يمتنع عقلا تعلّق قدرته بالفعل بدلا

__________________

(١) ما وجدت العبارة في المواقف وشرحه.

٢٦٥

من الترك وبالعكس. وأمّا الموجب فانّه يتعين تأثيره في أحدهما ويمتنع في الاخر عقلا ؛ انتهى.

وتوضيح المقام : انّ مذهب الأشاعرة هو أنّ الفعل بعد تعلّق الإرادة به يصير واجبا ، ومرادهم بامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامة هو هذا ـ أي : يمتنع تخلّفه عن الفاعل بعد تعلّق الإرادة واستجماعه لسائر الشرائط ـ. ولكن تعلّق الإرادة به ليس بواجب ، لانّ الفاعل المستجمع لجميع الشرائط يمكن أن يريد الفعل وأن لا يريد ـ بناء على جواز الترجيح بلا مرجّح ـ. والمراد بنفيهم الايجاب هو هذا ؛ أي : ليس شيء من الأفعال ممّا يجب صدوره عن الفاعل ، فانّ عدم ارادته له ممكن وحينئذ لم يصدر ذلك وإن كان بعد تعلّق الإرادة يجب الصدور البتة. وعلى هذا فالوجه في تمشّى الاستدلال المذكور على مذهب الأشاعرة هو انّهم يقولون : إذا كان الفاعل موجبا لا بدّ أن تكون ارادته واجبة الصدور منه ، فحينئذ فجميع الشرائط ان كانت حاصلة في الأزل يجب القدم وإلاّ يتوقّف على شرط حادث ، وأمّا إذا لم يكن موجبا فيجوز أن يكون جميع الشرائط حاصلة في الأزل ، ولكن لم تتعلّق به الإرادة في الأزل ، فلم يوجد الفعل وتعلّقت به فيما لا يزال ، فوجد الفعل ؛ هذا.

وقد بقي في المقام اشتباه ربما يزلّ به بعض الاقدام لا بدّ من الاشارة إلى دفعه. وهو : انّكم قلتم في مقام الاستدلال : لو كان الفاعل موجبا بالمعنى المذكور وكان العالم حادثا لزم التوقّف على شرط حادث لازم لفرض الايجاب بالمعنى المذكور ؛ فنقول : إن كانت المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب المذكور على الاطلاق كان الاستدلال حينئذ تامّا من قبل المعتزلة ولا يرد عليهم المعارضة ، كما انّه تامّ من قبل الأشاعرة. ولو لم تكن لازمة له على الاطلاق لم يكن الاستدلال المذكور تامّا من قبل الاشاعرة أيضا ، كما انّه ليس تامّا من قبل المعتزلة ، لأنّ المقدّمة المذكورة إذا لم تكن لازمة للايجاب بالمعنى المذكور كيف يجوز للأشعري أن يقول ـ على فرض الايجاب المذكور ـ : إذا كان العالم حادثا لزم التسلسل في الحوادث إن كان تأثيره ـ تعالى ـ في الحادث محتاجا إلى مرجّح غير الإرادة؟! ، وأنّى له أن يدّعى اللزوم بين غير المتلازمين؟!.

٢٦٦

ووجه الدفع فيه : انّ المراد بعدم كون المقدّمة المذكورة لازمة لفرض الايجاب بالمعنى المذكور ـ أي : الايجاب بالمعنى الاخصّ المساوق للقدم في مقام المعارضة ـ انّها ليست لازمة لفرض هذا الايجاب المخصوص على أن يكون للخصوصية دخل في الاستلزام وإن كان لازما لمطلق الايجاب ـ أي : الايجاب المشترك بين ايجاب الحكماء ، وهو الايجاب الخاصّ المذكور المساوق للقدم ـ والايجاب بالاعتبار الّذي قال به المعتزلة ـ أي : وجوب الفعل في آن حدوثه بسبب الداعي ـ ، فالمراد بعدم لزوم تلك المقدّمة للايجاب المذكور هو انّ تلك المقدمة ليست لازمة لفرض خصوص هذا الايجاب الّذي قصد هاهنا ابطاله ، فلا يمكن استعمالها في ابطال خصوص ذلك الايجاب واثبات القسم الآخر من الايجاب الّذي قال به المعتزلة ، لأنّه لو كان لخصوصية الايجاب المذكور دخل في استلزام المقدّمة لامكن أن يبطل بها الايجاب المذكور ويثبت بها الايجاب الآخر ، ولكن لم يكن اللزوم لخصوصية الايجاب المذكور ، بل كان لمطلق الايجاب لم يمكن ابطال قسم منه واثبات قسم آخر.

والمراد بلزوم المقدّمة المذكورة للايجاب بالمعنى المذكور في الاستدلال هو لزومها له في ضمن مطلق الايجاب المشترك بين ايجاب الحكماء وايجاب المعتزلة ، وعلى هذا فالايجاب سواء كان بالمعنى المقصود هاهنا ـ أعني : امتناع / ٦٠ MB / الانفكاك المساوق للقدم ـ أو بالمعنى الّذي اثبته المعتزلة ـ وهو الوجوب بالداعى في آن الحدوث المسمّى بالاختيار المقابل للايجاب المقصود هاهنا ـ مستلزم للمقدّمة المذكورة. فكما يرد حينئذ لزوم المقدّمة المذكورة على الحكيم يرد على المعتزلى أيضا ، فالمعارضة واردة على المعتزلة. ولو كانت المقدّمة المذكورة لازمة لخصوص ايجاب الحكماء لزم ورودها عليهم فقط لا على المعتزلة ، وكان لهم أن يقولوا : الايجاب الّذي نحن نثبته غير مستلزم لتلك المقدمة ، فلم يتوجّه عليهم المعارضة.

ثمّ لمّا كانت تلك المقدّمة لازمة للايجاب المطلق فيمكن للأشعري ـ الّذي لا يقول بالايجاب اصلا ـ ابطال مطلق الايجاب بلزومها ؛ فانّ للأشاعرة في هذا المقام مطلوبين : أحدهما نفى الايجاب الخاصّ المستلزم للقدم المخصوص بالحكماء ؛ وثانيهما : نفى مطلق

٢٦٧

الايجاب المشترك بين الحكماء والمعتزلة ، بل اثبات الاختيار المستلزم لجواز الترجيح بلا مرجّح المختصّ بهم والمقدمة المذكورة وان كانت غير مسلّمة عندهم أيضا ولا لازمة لفرض الايجاب الأوّل لكنّها لازمة لفرض الايجاب الثاني على زعمهم ، بل لنفي الاختيار المخصوص بهم ، فيصحّ استعمالهم في اثبات المطلوب الثاني دون الأوّل. وعلى ما ذكر يندفع الاشتباه ولا تبقى شبهة أصلا.

والعجب انّ بعض الاعاظم بعد أن / ٥٧ DA / أورد في المقام حاصل ما ذكرناه قال : فان قيل : كيف يجوز عند الأشاعرة لزوم تلك المقدّمة لفرض الايجاب المطلق ولا يجوز للايجاب الخاصّ ؛ واجاب : بانّ عدم لزوم تلك المقدّمة للايجاب الراجع إلى القدم من جهة انّ فرض الحدوث المذكور فيها مناف لفرض ذلك الايجاب ، إذ محصّل الكلام انّه على تقدير قدم العالم لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث ، وبطلانه ظاهر. بخلاف الايجاب المطلق ، فانّه لا منافاة بين فرضه وفرض حدوث العالم ، فيحتمل لزوم تلك المقدّمة على فرضه دون الاول ؛ انتهى.

ووجه التعجّب : عدم توجّه السؤال وازالة الاشتباه بالكلّية بعد ذكر ما أوردناه ، لأنّا ذكرنا انّا لا نقول بعدم لزومها للايجاب الخاصّ ، بل نقول انّه ليس لخصوص ذلك الايجاب دخل في لزومها ، فلا يتمشّى استعمالها في ابطال خصوص ذلك الايجاب واثبات القسم الآخر من الايجاب الّذي تجري المقدّمة المذكورة في ابطاله أيضا. نعم! يمكن استعماله في ابطال مطلق الايجاب كما هو رأي الأشعري ؛ وعلى هذا يتمّ المطلوب ولا يبقى مقام للاشتباه والسؤال ، فلا ايراد.

ثمّ ما ذكره في الجواب فلا يخفى وهنه! ، لانّا ذكرنا مرارا انّ بناء الاستدلال على فرض اجتماع الحدوث مع الايجاب بالمعنى المذكور وقطع النظر عن استحالته. على انّه على ما ذكره تكون المقدّمة المذكورة لازمة لخصوص الايجاب الّذي يقول به المعتزلة لا ما يقول به الحكماء أيضا ، فلا يمكن للأشعري نفي مطلق الايجاب بلزومها ، مع انّه قد صرّح بلزومها للايجاب المطلق ؛ هذا.

وربما يتراءى في المقام أن يقال : انّ للايجاب المقصود هنا ـ أعني : ايجاب

٢٦٨

الحكماء ـ معنى آخر غير الايجاب الّذي يقول به الحكماء والمعتزلة ـ أي : صدور الشيء بالوجوب واللزوم ـ وهو المراد بالايجاب المطلق. وليس الايجاب الأوّل ـ أعني : ايجاب الحكيم ـ فرد ، فلا يلزم من لزوم تلك المقدّمة للايجاب الثاني لزومها للأوّل أيضا. وعلى هذا فلا تكون المقدّمة المذكورة لازمة للايجاب بالمعنى المقصود هاهنا ، لا بخصوصه ولا في ضمن مطلق الايجاب الّذي أثبته الحكيم والمعتزلي ؛ فلا يمكن ابطال الايجاب المذكور بلزومها اصلا.

وهو مردود بأنّ ايجاب الحكيم وإن كان معنى آخر لكن لا شكّ في انّه مستلزم للايجاب بالمعنى الثاني ، إذ امتناع انفكاك الأثر عن المؤثّر لا يكون إلاّ إذا كان صدوره عنه بالوجوب واللزوم ، وإذا كان مستلزما له فيكون مستلزما للازمه أيضا ؛ على انّه لو كان الأمر على ما توهّم لما كان للأشعري أيضا أن يبطل الايجاب المختصّ بالحكماء بلزوم المقدّمة المذكورة.

تنبيه

على ما ذكرنا من تمشّي الدليل المذكور من قبل الأشاعرة في نفي المرجّح ونفي الايجاب المطلق لا يتوهّم أحد منهم انّ كلامهم صحيح واستدلالهم في الواقع ونفس الأمر تامّ! ، بل هو عند التحقيق ساقط.

وتوضيح الكلام في هذا المقام : انّ الاشاعرة جوّزوا الترجيح بلا مرجّح ونفوا الاحتياج إلى المرجّح مطلقا وقالوا بجواز صدور الفعل عن الفاعل بدونه. وانّما أقاموا الدليل المذكور أوّلا على ذلك المطلوب ، وحاصله : انّه لو كان تأثير الواجب في الحادث يحتاج إلى مرجّح غير الإرادة لزم قدم العالم أو التسلسل في الحوادث. ولمّا كان هذا الدليل المذكور أوّلا على نفي الايجاب أيضا استعملوه فيه أيضا ، فان استعملوه في نفي الايجاب المطلق المقصود منه الايجاب بالاختيار أيضا ـ أي : الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة ـ كان حاصل كلامهم حينئذ انّ تأثيره ـ تعالى ـ في العالم ليس بالايجاب بمعنى وجوب الفعل ولزومه ، بل بالاختيار بدون الوجوب واللزوم بأن يكون المرجّح نفس

٢٦٩

إرادة الفاعل المختار ، وإلاّ لزم القدم أو التسلسل في / ٦١ MA / الحوادث ؛ وان استعملوه في نفي الايجاب المقصود هاهنا ـ أعني : امتناع الانفكاك ـ كان حاصل كلامهم انّ تاثيره ـ تعالى ـ في العالم ليس بالايجاب بمعنى امتناع الانفكاك ، وإلاّ لزم القدم أو التسلسل في الحوادث. ولا ريب انّ قولهم بنفي الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة انّما هو مبني على قولهم الأوّل ـ أعني : جواز الترجيح بلا مرجّح ـ ، إذ على تقدير جوازه لا يتحقّق لشيء من الفعل والترك وجوب ولا اولوية بالنسبة إلى الفاعل في شيء من الاوقات ، وانّما التعيين والتخصيص من جهة الإرادة من دون وجوب تعلّقها بشيء من الطرفين وإن وجب بعد تعلّقها.

ثمّ لا يخفى انّ قولهم الأوّل ـ أعني : جواز الترجيح بلا مرجّح ـ اصل من اصولهم وليس مبتنيا على أصل آخر مسلّم عندهم ، وهذا الأصل في غاية الفساد ، ودليلهم المذكور في اثباته في غاية الضعف والوهن ؛

أمّا أوّلا : فلأنّه لا يدلّ إلاّ على نفي المرجّح الحادث ، اذ القدم أو التسلسل في الحوادث انّما يلزم إذا كان التأثير في الحوادث موقوفا على مرجّح حادث ، وامّا إذا اكتفى بتوقّفه على مرجّح قديم يرجّح وجود الحادث على عدمه في وقت خاصّ ـ أعني : الداعي القديم ـ كالعلم بالأصلح على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة أو قلنا بانّ المرجّح هو ذات الوقت وعدم وقت قبل وقت الحدوث على ما هو الحقّ ، فلا يلزم قدم ولا تسلسل ، إذ كلّ واحد من الداعي وذات الوقت يكفي لتخصيص ايجاد الحادث.

وأمّا ثانيا : فلأنّ الإرادة المجرّدة من دون انضمام المرجّح لتعلّقها بأحد الطرفين / ٥٧ DB / لا تكفي للترجيح ـ كما مرّ ـ ، فقولهم بنفي الايجاب الخاصّ صحيح على أصولهم.

وأمّا قولهم الثاني ـ أعني : نفي الايجاب الخاصّ ـ فهو مبني على قولهم الأوّل ، فانّه إن كان صحيحا مسلّما لكان هذا أيضا صحيحا ، إلاّ انّه لمّا كان اصلهم الّذي بنى عليه هذا القول فاسدا لكان هذا القول أيضا فاسدا في الواقع ونفس الأمر ، لأنّه إذا لم يجز الترجيح بلا مرجّح لم يجز صدور الفعل بدون الوجوب واللزوم ، فلا بدّ في صدور الفعل حينئذ من

٢٧٠

وجوبه. والوجوب في فعل الواجب يكون عند المليين إمّا بالداعى أو بذات الوقت ، فهما يكفيان لتصحيح الايجاب الخاصّ وتخصيص ايجاد الحادث بوقته لئلاّ يلزم قدم ولا تسلسل ، لأنّ الداعي القديم أو عدم وقت قبل وقت الحدوث اقتضى على سبيل الوجوب ايجاد الحادث في وقته المعين ، فهو كاف للترجيح ولا يفتقر إلى مرجّح آخر ؛ فمع حدوث الحادث بهذا المرجّح لا يلزم قدم ولا تسلسل. فلو استدل الأشعري بالحدوث وجعله وسطا لنفي الايجاب الخاصّ الّذي قال به المعتزلة فلنا أن نقول : الوسط في هذا الدليل يجمع مع الايجاب الخاصّ فلا يدلّ على نفيه ، وحينئذ فيمكن أن يمنع الشرطية القائلة بانّه لو كان حادثا لتوقّف المحال مستندا بانّه مع فرض الايجاب الخاصّ لا يتوقّف الحادث على شيء آخر ، بل يكفى الداعي أو ذات الوقت للتخصيص والترجيح. وحينئذ فيمكن أن يلتزم جواز التخلّف عن الموجب بهذا الايجاب. لانّه لا تخلّف حقيقة عن العلّة التامة حينئذ ، لأنّ العلّة التامة هي الواجب مع الداعي على نحو ما تعلّق. وأيضا لا يقتضي شيء من قواعد الأشاعرة لزوم التوقّف المذكور لفرض الايجاب بالاختيار ، إذ هما متنافيان ظاهرا ، إذ فرضه ـ أي : فرض الايجاب بالاختيار ـ في قوّة فرض عدم احتياج الحادث في التخصيص إلى حادث آخر ، فظهر انّ الدليل المذكور من قبل الأشاعرة على جواز الترجيح بلا مرجّح وعلى نفي الايجاب بالاختيار في ضمن الايجاب المطلق غير تامّ. ولذا لم يتعرّض أكثرهم في اثبات جواز الترجيح بلا مرجّح لهذا الدليل ولم يذكر في الكتب الكلامية دليل من قبلهم على هذا المطلب ، بل ادّعوا فيه الضرورة ونبّهوا عليه ببعض الأمثلة كرغيفي الجائع وطريقي الهارب. وقد ظهر أيضا انّ القول بجواز الترجيح بلا مرجّح يستلزم القول بنفي الايجاب الخاصّ المعتبر عند المعتزلة. وأمّا العكس فغير ثابت ، لأنّ الحكماء قائلون بنفي الخاصّ لقولهم بامتناع الانفكاك المنافي للقول بالايجاب الخاصّ الّذي يعتبر فيه نحو من الانفكاك.

وأمّا القول بامتناع الترجيح بلا مرجّح فلا يستلزم القول بثبوت الايجاب الخاصّ ، لما مرّ من مذهب الحكماء ؛ ولما ذهب إليه محمود الخوارزمي كما نقل عنه فخر الدّين

٢٧١

الرازي في الاربعين بانّه قال : الترجيح يفيد الاولوية دون الوجوب(١) ، وأمّا عكسه فثابت لأنّ كلّ من قال بتحقيق الايجاب الخاصّ قال باستحالة الترجيح بلا مرجّح ، فالقول بنفي الايجاب الخاصّ يدور مع القول بجواز الترجيح بلا مرجّح وجودا لا عدما ، والقول بثبوته يدور مع القول بامتناعه عدما لا وجودا ، وامّا قولهم بنفي الايجاب بمعنى امتناع الانفكاك فهو يدور مع القول بالقدم وجودا وعدما وبالعكس ؛ ولذا جميع القائلين بالحدوث نفوه وبالعكس وجميع القائلين بالقدم اثبتوه وبالعكس. فقولهم بنفي هذا الايجاب صحيح على أصولهم وقواعدهم وصحيح في الواقع ونفس الأمر أيضا ، ودليلهم عليه تمام على الفلاسفة. ولا يمكن للفلاسفة أن يعارضوهم بصورة الاختيار بأنّه يلزم حينئذ أيضا امّا القدم أو التوقّف على الشروط الغير المتناهية ، لأنّهم لمّا جوّزوا الترجيح بلا مرجّح فيجوز لهم أن يقولوا لا يفتقر حدوث الحادث إلى مرجّح سوى الإرادة ليلزم أحد الأمرين ، ولا يمكن للفلاسفة أن يلتزموا مثل ذلك لتتمّ المعارضة ، فدليلهم تامّ على أصلهم هذا لا فى الواقع ونفس الأمر. وأمّا المعتزلة فلمّا لم يجوّزوا الترجيح بلا مرجّح فالدليل المذكور من قبلهم غير تامّ على أصولهم ، لأنّه إذا عارضهم الفلاسفة بصورة الاختيار فان أجابوا بعدم لزوم أحد الأمرين لكفاية الداعي فللفلاسفة أيضا أن يلتزموا مثل ذلك ـ كما تقدّم ـ ، فتتمّ المعارضة عليهم.

ومنها ـ أي : ومن وجوه الاختلال في الاستدلال المذكور / ٦١ MB / إذا جعل دليلا لنفي الايجاب المذكور ، أي : استحالة الانفكاك ـ : انّ المراد من استلزامه القدم انّه مستلزم للقدم بالنوع يعني قدم الفعل المطلق ـ أي : طبيعة الفعل أو الفرد المنتشر ـ ، لا قدم فرد شخصيّ أو جميع الاشخاص. وحينئذ فيرد انّ استلزام الايجاب بالمعنى المذكور لقدم الفعل المطلق بديهى ، لأنّ عدم انفكاك الواجب عن العالم اي فعل ما هو بعينه قدم فعل ، فانّ الاستدلال عليه باستلزام نقيضه التوقّف على الشرط الحادث لغو مستدرك. والمراد بنقيضه هو الحدوث بالنوع ـ أي : حدوث الفعل المطلق ـ ، إلاّ انّا لا نريد هنا بالحدوث بالنوع وحدوث الفعل المطلق وأمثالهما حدوث فعل ما أو

__________________

(١) راجع : الاربعين ، ج ١ ، ص ٣٢٠ ، ٣٢١.

٢٧٢

حدوث طبيعة الفعل المتحقّق في ضمن فعل ما أو حدوث طبيعة الفعل / ٥٨ DA / المتحقّق في ضمن فعل ـ أعني : طبيعة ما ـ ، بل المراد حدوث مطلق النوع والطبيعة ـ أي : عموم هذا المفهوم المتحقّق في ضمن جميع الافراد بأن لا تكون طبيعة ما من طبيعة الفعل قديما أيضا ـ. فالمراد من الحدوث بالنوع وحدوث الفعل المطلق هو حدوث جميع افراد الفعل والسرّ في ذلك انّ المراد بقدم الفعل المطلق ما يطلق عليه الفعل ـ أعني : فردا ما ـ ، والمراد بحدوث الفعل المطلق نفي ذلك القدم ـ أعني : قدم فردا ما ـ ؛ والنفي إذا ورد على الفرد المنتشر الّذي هو معنى النكرة يفيد العموم ، فيكون المراد حدوث جميع الافراد.

ومنها : انّ التخلّف عن الموجب التامّ أو التسلسل في الشروط الحادثة وإن كان محالا لكن جاز أن يكون لازما ، لاجتماع المتنافيين وهما الموجب بالمعنى المذكور وحدوث أثره المطلق ، أي : عدم كون فعله المطلق قديما بان يكون مجموع افعاله وآثاره حادثا.

وأورد على هذا الوجه : بانّه خارج عن آداب المناظرة ، لانّه إذا سلّم محالية الحدوث على تقدير الايجاب المذكور يثبت مطلوب المستدلّ ، إذ ليس غرضه إلاّ انّه على هذا التقدير يلزم القدم ، والمورد قد سلّمه ، فلا ايراد.

فان قيل : المقصود ليس إلاّ ابطال الاستدلال لا ابطال المدّعى ـ أعني : محالية الحدوث على تقدير الايجاب المذكور ـ ، فلا يثبت انّ المدّعى ـ أعني : محالية حدوث الفعل المطلق على تقدير الايجاب بالمعنى المذكور ـ بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال ، فالغرض هنا

ليس إلاّ التنبيه على فساد الاستدلال ، وهو يحصل بما ذكر ـ أعني : امكان استلزام المحال المحال ـ ؛

قلنا : للمستدلّ أن يقول : بناء الاستدلال على فرض جواز اجتماع الايجاب المذكور والحدوث ، فانّا فرضنا جواز الحدوث على هذا التقدير وأقمنا الاستدلال ، وليس بناء الاستدلال على فرض الايجاب المذكور ومحالية الحدوث ، فلا يرد علينا شيء إلاّ ما ارتكبنا من التطويل. وأمّا الايراد بانّ الحدوث على هذا التقدير محال فلا يتمّ استدلالكم ، فلا يضرّنا ، بل هو مدّعانا!. نعم! لو أجرينا الدليل على تقدير محالية هذا

٢٧٣

الحدوث لورد علينا مع ارتكاب هذا التطويل هذا الايراد ، لكن ليس كذلك ، بل أجرينا الدليل على فرض جواز الحدوث على ذلك التقدير ، فلا ايراد علينا.

ومنها : انّ توقّف حدوث الفعل المطلق على شرط حادث مستلزم للخلف. بيانه : انّه لو كان الفعل المطلق حادثا والفاعل موجبا فلا ريب في انّ أوّل ما يحدث عن ذلك الفاعل يجب أن يتوقّف على الشرط لئلاّ يلزم التخلّف المحال ، فيلزم أن يكون أوّل ما صدر عنه ذلك الشرط لا المشروط المفروض أوّلا ، هذا خلف!.

وانت تعلم انّ هذا أيضا نافع للمستدل وليس مضرّا له ـ كما لا يخفى ـ.

ومنها : انّ توقّف الحادث على تقدير الايجاب المذكور على شرط حادث مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه. بيانه : انّا قلنا انّ المراد بلزوم قدم العالم على فرض الايجاب المذكور هو قدم الفعل المطلق ـ أي : ما يطلق عليه الفعل ، أعني : فردا ما ـ ، فاذا ورد عليه النفي كان المنفي مجموع الافراد ، لأنّ النفي إذا ورد على الفرد المنتشر الّذي هو معنى النكرة يفيد العموم ، فاذا لم يكن الفعل المطلق قديما يكون جميع الأفعال حادثة موقوفة على شرط حادث خارج عنها ، وذلك الشرط أيضا من جملة الافعال الّتي يتوقّف على الشرط المذكور ، فيكون ذلك الشرط موقوفا على نفسه ، فتصير صورة الاستدلال هكذا : لو كان الفاعل موجبا لزم أن يكون فعل ما قديما وإلاّ ـ أي : وإن لم يكن فعل ما قديما ـ يكون كلّ فعل حادثا ، وإذا كان كلّ فعل حادثا يلزم توقّف هذا الحدوث ـ أعني : حدوث المجموع ـ على شرط حادث هو أيضا فعله ـ تعالى ـ ، فذلك الشرط لكونه من الفعل المطلق يجب أن يكون داخلا فيه ، ولكونه شرطا له ـ أي : للفعل المطلق ـ يجب أن يكون مقدّما عليه ، فيلزم تقدّمه على نفسه. وعلى ما ذكر فلزوم توقّف الشيء على نفسه ـ أعني : الدور ـ ظاهر لا يقبل المنع ، لأنّه إذا كان المراد بحدوث الفعل المطلق هو حدوث جميع افراده ، والشرط المتوقّف عليه كان من جملة الافراد.

ثمّ ( ان )(١) توقّف مجموع الافراد على الشرط المذكور لكان الشرط المذكور أيضا يتوقّف على نفسه ، فيلزم توقّف شيء شخصى بعينه على نفسه ، وهو الدور.

__________________

(١) لفظة « ان » غير موجودة في النسختين ، ونحن اضفناها لمكان احتياج المعنى إليها.

٢٧٤

وبذلك يظهر ضعف ما أورده بعض الأفاضل : انّه على تقدير حدوث الفعل المطلق لا ريب في لزوم توقّفه على الشرط ، إلاّ انّ اللازم تقدّم فرد من العالم على فرد آخر لا تقدّم الشيء على نفسه.

والظاهر انّ هذا المورد حمل المطلق على الفعل العامّ المشترك بين جميع الافراد ، وفهم حينئذ وجه لزوم تقدّم الشيء على نفسه ـ كما فهمه بعض آخر ـ : انّ الشرط الحادث الّذي يتوقّف عليه الفعل المطلق العامّ فرد من أفراد هذا العامّ ، فيكون الفعل العامّ متحقّقا فيه ، فاذا توقّف هذا العامّ المتحقّق في ضمن بعض الافراد على هذا العامّ المتحقّق في ضمن الشرط / ٦٢ MA / المذكور يلزم تحقّق الطبيعة قبل تحقّق الطبيعة ، وهو تقدم الشيء على نفسه ؛ فأورد : بانّ اللازم حينئذ تقدم فرد على فرد وهو كذلك ، فانّ غاية الأمر انّ تحقق هذا المطلق في ضمن فرد يتوقّف على تحقّقه في ضمن فرد آخر ، ولا مانع فيه ، لأنّ الطبيعة ليس لها تحقّق على حدة وتحقّقها انّما هو بتحقّق فرد منها ، فتقدّمها على نفسها بتقدّم فرد منها على فرد آخر إنّما هو في الحقيقة تقدّم فرد منها على فرد آخر ـ كما مرّ / ٥٨ DB / في مباحث اثبات الواجب ـ. فلا يلزم هنا على هذا من توقّف الفعل المطلق على ما حملوه عليه على الشرط إلاّ تقدّم الشرط من أفراد الفعل المطلق على المشروط به منها ، فالصحيح في وجه لزوم تقدّم الشيء على نفسه ما ذكرناه. وحينئذ لا مجال للايراد اصلا.

ثمّ أنت تعلم انّ لزوم تقدّم الشيء على نفسه من فرض الحدوث لا يضرّ المستدلّ ، بل هو مؤكّد لمطلوبه. لأنّ غرضه انّ الحدوث مع فرض الايجاب المذكور يتضمّن مفسدة لزوم التسلسل ، فاذا أورد عليه بانّه يتضمّن تقدّم الشيء على نفسه أيضا ، فله أن يقول : ذلك يؤكّد مطلوبي ، فالواجب عدم حدوث العالم في صورة الايجاب المذكور بل اللازم حينئذ قدمه. وبالجملة هذا الايراد كسابقه خارج عن آداب المناظرة ، لانّ غرض المستدلّ ابطال التوقّف ، فبطلانه من جهة استلزام توقّف الشيء على نفسه أقوى دليل على مطلوبه.

ثمّ مع لزوم تقدّم الشيء على نفسه إن كان التسلسل أيضا لازما فيلزم فيه

٢٧٥

محذوران ، وأن منع لزوم التسلسل.

وقيل : انّ ذلك الشرط الحادث يتوقّف على نفسه لا على شرط حادث آخر ، فلا يلزم إلاّ تقدّم الشيء على نفسه دون التسلسل ، وحينئذ يلزم محذور واحد نعم! لو قيل في صورة التسلسل : لا يلزم تقدّم الشيء على نفسه ـ لأنّ التسلسل وتقدّم الشيء على نفسه لا يجتمعان ـ ، لكان له وجه ولم يكن لهذا الايراد مجال.

ومن الأفاضل من حكم بصحّة اجراء الدليل المذكور إن جعل المفسدة فيه لزوم تقدّم الشيء على نفسه لا لزوم التسلسل ، حيث قال بعد أن جزم بأنّ الاستدلال المذكور لا يصحّ اجرائه من قبل المعتزلة ولا من قبل الاشاعرة برهانيا ولا الزاميا لبعض الوجوه السابقة : نعم! يمكن اجرائه الزاميا على تقرير آخر على تقدير حدوث الفعل المطلق بأن يقال : لو كان الفاعل موجبا لزم قدم الفعل المطلق وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ، لأنّه لو كان الفعل المطلق حادثا لتوقّف حدوثه على شرط هو أيضا فعله ـ تعالى ـ ، فهو من حيث انّه داخل في الفعل المطلق متأخّر ومن حيث انّه شرط لحدوث الفعل المطلق متقدّم ، فيلزم تقدّمه على نفسه ؛ انتهى.

وما ذكره من عدم صحّة اجرائه من قبل الأشاعرة قد علمت خلافه ممّا تقدّم ؛ هذا.

وقد بيّن بعض الأفاضل لزوم تقدّم الشيء على نفسه في الاستدلال المذكور بوجه آخر سوى ما ذكرناه ، وهو : انّ الحادث المذكور ـ أي : الّذي كلامنا فيه ـ بانه يتوقّف على شرط حادث هو أوّل الحوادث ، فالشرط الحادث إمّا أن يكون عينه أو متأخّرا عنه. وهذا على تقدير الحدوث بالنوع ـ بأن يكون الفعل المطلق حادثا لحدوث مجموع الأشخاص ـ ظاهر جدّا ، إذ لا يبقى شيء يكون خارجا عنها حتّى يكون شرطا لها متقدّما عليها ، وحينئذ يلزم إمّا تقدّم الشيء على نفسه أو على ما يتقدّم عليه.

وأورد عليه : بانّ الحادث المذكور لعلّه لا يكون أوّل حادث بل يوجد في مرتبة واحدة أمور غير متناهية على سبيل الاجتماع ، ويكون كلّ واحد منها موقوفا على واحد آخر ، وحينئذ فكلّ واحد حادث يتوقّف على شرط حادث آخر وهكذا ، و

٢٧٦

لا ينتهي إلى أمر يكون أوّل الحوادث ـ أعني : يكون متأخّرا عن نفسه أو عمّا يتأخّر عنه ـ ، فلا يلزم إلاّ التسلسل على سبيل الاجتماع ، لا توقّف الشيء على نفسه.

ومنها : انّه اذا كان أثر الموجب بالمعنى المذكور حادثا بشخصه أو بنوعه يلزم التخلّف البتة ـ سواء توقّف على الشرط أم لا ـ ، فلا حاجة إلى اعتبار توقّفه على شرط حادث والتزام التسلسل. وتوضيح ذلك : انّ الموجب إمّا تامّ أو ناقص ؛ والتامّ مشترك بين الموجبين : أحدهما ما هو معتبر عند الحكماء ـ وهو ما يمتنع انفكاك الفعل عنه ـ ، وثانيهما ما هو معتبر عند المعتزلة ـ وهو ما يوجب الفعل في وقته الّذي تعلّق ارادته به للعلم بالأصلح ـ. والناقص ما يتوقّف صدور الفعل منه على شرط. والموجب بالمعنى المشهور ـ أي : ما يجب صدور الفعل عنه ـ مشترك بين التامّ والناقص. ولا ريب أنّ الموجب المراد هنا هو الموجب التامّ المعتبر عند الحكيم ، والتخلّف عنه غير جائز مطلقا ، واذا توقّف فعله على شرط يتحقّق التخلف ويكون ناقصا لا تامّا.

واعترض بعض الأفاضل على ذلك بانّ الايجاب المقصود هنا لا ينافي عدم وقوع ما يقتضيه الفاعل الموجب بهذا الايجاب لمانع عائد إلى غيره ، إذ حاصل معنى هذا الايجاب هو اقتضاء الذات من جهة لزوم الداعي ، ونحوه امتناع الانفكاك عن الفعل وذلك لا ينافي جواز الانفكاك ، فلا مانع عائد إلى غير ذات الفاعل كعدم امكان الأثر وعدم وقت له قبل وقت حدوثه ، فيجوز أن يكون الموجب بهذا الايجاب غير مستجمع للشرائط المعتبرة في التأثير بحسب نفس الأمر ، فلا يكون تامّا. فلا يستحيل التخلّف عنه ، إذ المحال انّما هو التخلّف عن الموجب التامّ والموجب بهذا المعنى لوجود المانع عن التأثير ليس تامّا ؛ انتهى.

ولا يخفى انّ الموجب / ٦٢ MB / بالمعنى المقصود هنا ـ أعني : ما يمتنع انفكاك الفعل عنه ـ هو الذي قال به الحكماء ، وصرّحوا بأنّه يلزمه قدم فعله وجزموا بانّ الايجاب بهذا المعنى مساوق للقدم ، فهو ما يستحيل انفكاك الفعل عنه بالنظر إلى الداعي مطلقا سواء كان عائدا إلى الذات أو إلى الغير. ومقابله ما لا يمتنع عنه الانفكاك ولو بالنظر إلى الداعي الخارجي كعدم امكان الأثر وعدم / ٥٩ DA / تحقّق وقت قبل وقت

٢٧٧

الحدوث ؛ كيف ولو كان الايجاب المقصود هنا غير مناف لعدم وقوع ما يقتضيه الفاعل لمانع عائد إلى الغير ـ كعدم الوقت وغيره ـ لكان هو بعينه الايجاب الّذي قال به المعتزلة! ، ـ كما اخترناه أيضا ـ.

* * *

( بيان حقيقة معنى الايجاب والموجب )

ولما بلغ الكلام إلى هنا فلا بأس بأن نشير إلى حقيقة معنى الايجاب والموجب.

فنقول : الموجب ـ بصيغة المفعول ـ يطلق على فاعل يجب عنه الفعل لا بقدرة واختيار ـ كلفظ المضطرّ ـ ، فلا يطلق إلاّ على الطبائع كالماء والنار بالنسبة إلى مقتضى طبائعها. والموجب ـ بصيغة الفاعل ـ يطلق على فاعل يجب عنه الفعل بقدرة واختيار.

وكلّ منهما قد يكون تامّا ويكون ناقصا. امّا الموجب ـ بالفتح ـ كالطبائع الّتي لا يتوقّف تاثيرها على حصول بعض الشرائط أو رفع بعض الموانع. وان توقّف وحصل الشرائط وارتفع الموانع تكون العلّة التامّة حينئذ هو الفاعل مع تلك الشروط ورفع تلك الموانع ، فالفاعل فقط ناقص وناقصة ـ كالطبائع الّتي يتوقّف تأثيرها على أحدهما ـ. وأمّا الموجب ـ بالكسر ـ فتامّة كلّ فاعل يفعل بقدرة واختيار من دون توقّف فعله على شرط أو رفع مانع ؛ وناقصة ما توقّف فعله على أحدهما بعد حصول الشرط أو رفع المانع لا يخرج الفاعل عن النقصان ، لأنّ التمامية حينئذ للفاعل مع تلك الشرائط ورفع تلك الموانع ، فالفاعل بمجرّده ناقص.

ثمّ الحكماء لمّا قالوا بوجوب الفعل عنه ـ تعالى ـ بقدرة وإرادة غير منفكّة عنه ـ تعالى ـ وغير زائدة على ذاته لزمهم القول بعدم انفكاكه ـ تعالى ـ عن الفعل ، فيكون الواجب عندهم فاعلا موجبا ـ بالكسر ـ تامّا.

وأمّا المتكلّمون ؛ فالأشاعرة منهم قالوا : انّ القدرة والاختيار والإرادة زائدة على الذات ومنفكّة عنها في الأزل. لا أنّ تلك الصفات منفكّة عنها. بل بمعنى أنّ متعلّقها منفكّ عنها وقتا ما ؛ والمعتزلة منهم قالوا : انّ تلك الصفات ليست زائدة على الذات بل

٢٧٨

هي عينها ، إلاّ أنّ متعلّقها منفك عنها في الأزل لتعلّقها في الأزل بحصول المتعلّق فيما لا يزال نظرا إلى العلم بالمصلحة ؛ فعلى هذين المذهبين ـ أي : مذهب الأشاعرة والمعتزلة ـ لا يكون الواجب موجبا تامّا ، لتحقق الانفكاك المستلزم لتوقّف فعله ـ تعالى ـ على أمر آخر سوى ذاته. إلاّ أنّ ذلك لا يصير منشئا لنقصانه وعدم تماميته ، لأنّ الاصطلاح على أنّ التمامية هنا بمعنى عدم انفكاك الأثر. والانفكاك هنا إمّا لمراعات الأصلح أو لعدم الكماليّة في الأثر ، فلا يتطرّق شوب نقص على حريم كبريائه ـ تعالى ـ.

ويمكن أن يقال : انّ التامّ ما كان صدور الفعل عنه غير متوقّف على شرط خارج عنه ولا يخرج عن التمامية بالتوقّف على أمر داخل ولو حصل به الانفكاك بينه وبين الأثر ؛ والناقص ما توقّف صدور الفعل عنه على شرط خارج. وعلى هذا يكون الواجب عند المعتزلة موجبا تامّا لا ناقصا ، لعدم توقّف فعله على شيء سوى العلم بالأصلح وهو ليس خارجا عن ذاته ، بل عين ذاته عندهم. وعلى مذهب الأشاعرة لا يكون موجبا تامّا ، لكون الصفات عندهم زائدة على الذات.

وبما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره بعض الأفاضل(١) حيث قال : الموجب ـ بصيغة المفعول ـ يكون معناه ما أثبت له الايجاب ، وهذا لا يكون إلاّ تامّا ؛ والموجب ـ بصيغة الفاعل ـ هو ما يفيض الوجوب إلى الغير ـ أي : إلى اثره ـ ، والموجب بهذا المعنى قد يكون تامّا وقد يكون ناقصا ؛ انتهى.

ووجه الضعف ما علمت من انّ كلاّ منهما يكون تامّا وناقصا.

ومن الفضلاء(٢) من أورد على ما نقلناه من بعض الأفاضل ، حيث قال : الظاهر من إطلاقاتهم أنّ لفظ الموجب انّما يطلق على كلّ فاعل مؤثّر في غيره ـ أي : باعتبار تأثيره في الغير لا باعتبار تأثيره عن الغير ـ. وعلى هذا لا يناسب اطلاق صيغة المفعول الّتي حاصل معناها ما اثبت له الايجاب على فاعل مؤثّر ، سواء كان من الطبائع أولا ؛

__________________

(١) هامش دال : هو ملاّ شمسا الجيلاني ـ ره ـ. منه.

(٢) هامش دال : آقا رضي القزويني ـ ره ـ. منه.

٢٧٩

اللهم إلاّ على المجاز.

وهو كما ترى.

ثمّ إنّ منشأ تكفير المتكلّمين للحكماء في الايجاب إمّا لزوم القدم لايجابهم ، وإمّا لزعمهم انّ الواجب ـ تعالى ـ عند الحكماء موجب بالفتح ـ وفاعليته ـ تعالى ـ عندهم كفاعلية النار في الاحراق والشمس في الإضاءة ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ. وهذا الزعم غلط. فانّ الحكماء لا يطلقون عليه ـ تعالى ـ لفظ الموجب ـ بالفتح ـ ، ولو اطلقوه عليه احيانا فالظاهر انّهم يريدون منه كون الفاعل محكوما عليه بوجوب الفعل عنه ، لا كونه مضطرّا ؛ بل هو عندهم موجب ـ بالكسر ـ بمعنى انّه يجب الفعل بالقدرة والاختيار ، فهو موجب ـ أي : مفيض لوجوب المانع قاهر لجميع انحاء عدمه حتّى يصير موجودا ـ ؛ هذا.

واعترض بعض الأعاظم على هذا الايراد أيضا : بانّه لم يثبت فيما سبق حدوث جميع ما سوى الله ـ تعالى ـ مطلقا وإن كان بالنوع ، بل ذلك ممّا لا سبيل إليه عقلا. ولو سلّم ذلك لا يلزم التخلّف على تقدير التوقّف على الشروط المتعاقبة وان كان يلزم التخلّف ، وذلك غير المدّعى في الايراد. وأيضا بناء الاستدلال ليس على فرض الايجاب في الأزل ، بل على الايجاب مطلقا والتخلّف مطلقا إنّما يلزم على فرض الايجاب في الأزل ـ أي : الايجاب بمعنى / ٥٩ DB / امتناع الانفكاك مطلقا ـ ، دون الايجاب المطلوب الّذي يشمل الايجاب بالاختيار الّذي قال به المعتزلة ؛

وفيه : انّ حدوث الأجسام والأعراض ثابت بالفعل شخصا ونوعا ـ كما تقدّم ـ.

وأمّا المجرّدات وإن لم يثبت حدوثها بالفعل شخصا ونوعا ولكن العمدة في اثبات حدوثها هو الاجماع والنقل ، وهما كما يدلاّن على حدوثها شخصا فكذلك يدلاّن على حدوثها نوعا أيضا ؛ وقد تقدّم ذلك مفصّلا.

وما ذكره من عدم لزوم التخلّف على تقدير التوقّف على الشروط المتعاقبة ـ نظرا إلى عدم صدق / ٦٣ MA / الانفكاك حينئذ لعدم تحقّق القدم بالنوع في الشروط المتعاقبة ـ ؛

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310