موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133807 / تحميل: 6455
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ )

البقرة : الآية ١٨٦

( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً )

يونس : الآية ١٢

( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )

النمل عليهم‌السلام الآية ٦٢

( وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ )

الرّوم : الآية ٣٣

٣
٤

تقديم

١

الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام سيّد الموحّدين وإمام المتّقين وداعية الله في الأرض بعد أخيه وابن عمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد كانت له جولات مشرقة على منبر الإسلام في الكوفة ، وهو يشيع حقائق التوحيد ، وينشر بدائع التكوين التي هي من آيات الله خالق الكون وواهب الحياة.

وهكذا كان الإمام في جميع فترات حياته عنصرا من عناصر الإيمان ومركزا من مراكز التوحيد ، قد رفع كلمة الله ، ووهب العقول نورا أضاء لها الطريق ، وبدّد فيها ظلمات الجهل ، وقادها إلى معرفة المبدع العظيم.

٢

وبرزت على مسرح الحياة الروحية في الإسلام أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي وثائق مهمّة عن تقواه وشدّة اتّصاله وانقطاعه إلى الله تعالى ، ومعرفته به ، كما أنّها في نفس الوقت بلسم للنفوس الحائرة والغارقة في متاهات هذا الكون تدفعها إلى الاستقامة والاصلاح الشامل ؛ لا في ميادين السلوك فحسب ، وإنّما لتهذيب الغرائز وتطهيرها من مآثم هذه الحياة ؛ وقد كتب لها ولسائر أدعية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام النجاح

٥

الهائل ، فكانت من أكثر الكتب الدينية رواجا ، وإقبالا عند معظم أبناء الشيعة وغيرهم ، ولا تجد بيتا من بيوت العارفين أو مركزا دينيا إلاّ مزيّنا بإحدى النسخ من أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ؛ تتلى في آناء النهار وأدبار الليل.

٣

ووضع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام المناهج المشرّفة لآداب الدعاء وكيفيّته ، فقد علمنا كيف ندعو الله تعالى ، وكيف نتضرّع ونلجأ إليه ، وكيف نقف أمامه بخشوع وتذلّل ، لا نرى لأنفسنا أي قيمة أو وجود.

لقد علّمنا عملاق المتّقين أنّ الإنسان بما يملك من طاقات فكرية ومادية لا شيء أمام الخالق العظيم ، فإنّ الكوكب الذي يعيش عليه الإنسان ، إنّما هو ذرّة بسيطة تسبح في هذا الفضاء اللاّمتناهي الذي حيّر الأفكار وبلبل العقول ، وهي إحدى مخلوقاته تعالى شأنه.

٤

إنّ الإنسان بحسب فطرته التي فطره الله عليها يشعر شعورا ذاتيا بوجود خالق ، ومكوّن له ، يفزع ويلجأ إليه إذا ألمّت به كارثة من كوارث الدهر ، أو طافت به إحدى الأزمات ، وهذه الظاهرة متأصّلة بالإنسان ، ومرتبطة بوجوده منذ بداية تكوينه ، وهيهات أن تنفصل عنه ، فإنّ الذاتيات لا تتبدّل ولا تتغيّر حسبما يقول علماء المنطق.

وقد فتح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بأدعيته المشرقة أبواب الاتّصال بالله تعالى ، اتّصالا يقوم على العبودية المطلقة للإنسان تجاه ربّه وخالقه ، فإنّه لا قيمة للإنسان ولا حقيقة له ما لم يرتبط بالله الذي هو الغاية التي لا غاية غيرها في هذا الوجود.

٦

٥

ولم تقتصر أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وسائر أدعية الأئمّة الطاهرين من أبنائه على مناجاة الله تعالى وطلب عفوه ومغفرته وغير ذلك من القضايا الروحية ، فقد تعرّض بعضها إلى الشؤون التربوية والاجتماعية ، كما صوّر بعضها الحالة السياسية وما يعانيه المسلمون من الظلم والجور من حكّام عصورهم من أمويّين وعباسيّين. إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام حافلة بكلّ ما ينفع الناس ، وبما تسمو به حياتهم الفردية والاجتماعية ، وهي تمثّل الفكر الإسلامي تجاه القضايا الروحية ، وبالاضافة إلى أنّها من مناجم الثقافة فقد بلغت الذروة في فصاحتها وبلاغتها ، ونظمت في أرقى أسلاك الأدب العربي ؛ ممّا جعلها من ذخائره ، ومن أميز ألوانه.

٦

إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام بصورة عامّة من كنوز التوحيد ، ومن أهمّ الوسائل المشرقة في الوصول إلى الله تعالى ، وهي تكشف بصورة واضحة عن مدى تعلّقهم عليهم‌السلام بالله واتّصالهم به.

ومن الجدير بالذكر أنّ المرحوم الدكتور زكي مبارك المصري حاول أن يكتب عن أدب الدعاء الذي أثر عن بعض أئمّة المذاهب الإسلامية وزعماء الصوفيّين ، ولكنّه لم يطّلع على أدعية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد عرض رغبته الملحّة على عميد الرابطة الأدبية في النجف الأشرف وشيخ الخطباء الشيخ محمّد علي اليعقوبي رحمه‌الله ، فسأله هل اطّلعت على أدعية أئمّة الهدى عليهم‌السلام ؟ فأجاب بالنفي ، فبادر اليعقوبي فقدّم له الصحيفة السجّادية التي هي زبور آل محمّد ، وبعض كتب الأدعية الاخرى ، فلمّا اطّلع عليها بهر

٧

بها ، وسارع إلى الشيخ اليعقوبي ، وملأ فكره الإعجاب والإكبار بها ، وراح يقول أمام أعضاء الرابطة : إنّ أدعية الأئمّة عليهم‌السلام من كنوز الإسلام ، ومن أعزّ وأثمن ما يملكه المسلمون من التراث الروحي.

٧

والشيء المحقّق أنّه لم تملك أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية وسائر الأديان السماوية مثل ما تملكه الشيعة من الأدعية التي أثرت عن أئمّتهم ، فإنّ هذا التراث الروحي المبدع الخلاّق قد ساهم مساهمة إيجابية وفعّالة في إصلاح النفوس ، وتهذيب الغرائز ، ورفع المستوى الفكري للإنسان. وقد كانت أدعية الأئمّة موضع اهتمام بالغ عند الأوساط العلمية من الشيعة ، وقد نظر إليها علماؤهم باعتزاز وفخر ، فقد اعتزّ العالم الكبير السيّد ابن طاوس بها وذكر في رسالته « كشف المحجّة لثمرة المهجة » التي ألّفها إلى ولده أنّ من نعم الله تعالى عليه أنّه يملك في مكتبته من كتب الأدعية التي أثرت عن أجداده الأئمّة الطيّبين ثمانمائة كتاب ولم تحظ بها المكتبة الإسلامية ، ولعلّه يوجد بعضها في خزائن الكتب المخطوطة في العالم.

٨

وليس هذا الكتاب أوّل ما ألّف في أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد سبق أن ألّف فيها بعض السادة العلماء التالية أسماؤهم :

١ ـ الشيخ عبد الله بن صالح البحراني السماهيجي المتوفّى سنة ١١٣٥ ه‍ (١) : فقد

__________________

(١) الذريعة ١٢ : ٢٣.

٨

جمع أدعية الإمام بكتاب أسماه الصحيفة العلوية المباركة ، طبعت في ايران سنة ١٣٢٥ ه‍ ، وطبعت ثانيا في بيروت في مطبعة دار التعارف ، ولم يشر المؤلّف إلى المصادر التي اقتبس منها أدعية الإمام ، فقد كانت جميعا مرسلة ، ومضافا لذلك فإنّ بعض الأدعية ركيكة جدا ، وليست في المستوى البلاغي الذي ينسجم مع كلمات الإمام التي هي في قمّة البلاغة والفصاحة ، مضافا إلى عدم التنسيق والربط بين الأدعية.

٢ ـ العلاّمة الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي : فقد استدرك من الأدعية التي لم يعثر عليها الشيخ عبد الله البحراني ، وجمعها في كتاب أسماه الصحيفة العلوية الثانية ، وتمتاز على الصحيفة الاولى أنّه أشار في كلّ دعاء إلى سنده وإلى المصدر الذي أخذه منه ، بالإضافة إلى جودة الأدعية التي ذكرها.

٣ ـ المحقّق الكبير شيخنا المعظّم العلاّمة الشيخ محمّد باقر المحمودي حفظه الله :

فقد أفرد كتابا خاصّا لأدعية الإمام عليه‌السلام في موسوعته القيّمة « نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة » وذكر مصادر الأدعية وهو جهد رائع ومشكور عليه. وعلى أي حال فقد استندت في معظم ما كتبته من أدعية الإمام إلى هذه المصادر ، كما استندت إلى بعض المصادر الأخرى ، وقد أشرت إليها في هامش الكتاب ، وقد بوّبت الأدعية ، وعلّقت على الكثير منها آملا أن يجد القارئ المتعة والفائدة وهو ما أتمنّاه.

٩

وأعود للحديث ـ بإيجاز ـ عن أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّها ـ من المؤكّد ـ ضمان لتهذيب النفوس ، وصيانة لها من التلوّث بمآثم هذه الحياة ، فقد فتحت باب الاتّصال ما بين العبد وخالقه الذي بيده جميع مجريات الأحداث. وممّا لا شبهة فيه أنّ عرض أدعية الإمام عليه‌السلام ، وسائر مثله العليا ، فيها خدمة للأمّة لأنّها من أروع الأرصدة

٩

الروحية والفكرية التي يملكها العالم الإسلامي ، ومن المؤكّد أنّ إشاعتها بين الناس من أسمى الخدمات التي تقدّم للمسلمين ، خصوصا في مثل هذه الظروف الحسّاسة التي تهالكت فيها الدول الكبرى ، وقادتها الصهيونية العالمية ، إلى نهب ثروات المسلمين وإذلالهم ، وجعلهم مناطق نفوذ لها.

وإنّا نتضرّع إلى الله تعالى أن ينقذنا من كيدهم ومكرهم ، وينقذ الإنسانية من شرورهم وآثامهم ، إنّه تعالى وليّ ذلك والقادر عليه.

٤Center border=٠ cellspacing=٠ cellpadding=٠>

النّجف الأشرف

١٥ / شهر رمضان المبارك / ١٤١٩ هـ

١٠

في رحاب الدّعاء

١١
١٢

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام مولعا بالدعاء ، والابتهال إلى الله في جميع أوقاته ، فكان يلهج بذكره في آناء الليل وأدبار النهار ، في حلّه وترحاله ، وفي ساحات الحروب ، ويذكر بمزيد من التذلّل والخضوع عظيم قدرته ، وعجيب مخلوقاته ، وبديع صنعه ، ورحمته على عباده ، وقد أثر عنه من الأدعية ما لا يحصى.

وقبل الخوض في ذكر بعض أدعية الإمام عليه‌السلام نعرض إلى بعض أحاديثه التي أدلى بها عن فوائد الدعاء ، ومدى أهميّته ، وغير ذلك ممّا يرتبط بالموضوع.

فائدة الدعاء :

وحفل الدعاء إلى الله تعالى بطاقات مشرقة من الفوائد ، وقد أدلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ببعضها قال :

« جعل ـ أي الله ـ في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شابيب رحمته ، يقنّطنّك إبطاء إجابته ، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة ، وربّما اخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. رحب واديك ، وعزّ ناديك ، ولا ألمّ بك ألم ، ولا طاف بك عدم » (١) .

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ : ٢١٨ ـ ٢١٩.

١٣

وحكت هذه الكلمات الأهمّية البالغة للدعاء ، وأنّه مفتاح خزائن رحمة الله تعالى وأبواب نعمته ، وأيّ مكسب أعظم عائدة على الإنسان منه؟! كما حكت بعض الأسباب التي تؤخّر إجابة الدعاء ، والتي منها أنّ الله يعطي العبد خيرا ممّا سأله إن عاجلا أو آجلا ، وقد يكون ممّا سأله العبد فيه هلاكه وهو لا يعلم ذلك ، وقد خفي عليه ...

وفي حديث آخر له عليه‌السلام : « لا تعجزوا عن الدّعاء ، فإنّه لا يهلك مع الدّعاء أحد » (١) .

الدعاء سلاح المؤمن :

قال عليه‌السلام : « الدّعاء سلاح المؤمن ، وعماد الدّين ، ونور السّماوات والأرض » (٢) .

إنّ خير وسيلة يلجأ إليها الإنسان هي الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في دفع السوء والمكروه ، فإنّ بيده تعالى جميع مجريات الأحداث ، وهو لا غيره القادر على إنقاذ الإنسان ممّا ألمّ به من محن الدنيا.

وجاء في حديث آخر للإمام عليه‌السلام : « الدّعاء ترس المؤمن ، ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك » (٣) .

وفي حديث ثالث للإمام : « الدّعاء مفاتيح النّجاح ، ومقاليد الفلاح ، وخير الدّعاء ما صدر عن صدر نقيّ ، وقلب تقيّ ، وفي المناجاة سبب النّجاة ، وبالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتدّ الفزع فإلى الله المفزع » (٤) .

وهذه الأحاديث تؤكّد مدى الأهميّة البالغة للدعاء ، فهو مفتاح النجاح ،

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ : ٢٠٨.

(٢) و (٣) أصول الكافي ٢ : ٤٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ٧ : ٦٤.

١٤

وسبب النجاة ، وأنّ أفضل ألوان الدعاء هو الذي يصدر من قلب تقي مطمئنّ بالإيمان والإخلاص.

فضل الدعاء :

وتظافرت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام في فضل الدعاء والحثّ عليه ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدّعاء ، وأفضل العبادة العفاف » (١) .

الإقبال على الدعاء :

أمّا الإقبال على الدعاء فهو أحد الشروط في استجابته ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يقبل الله عزّ وجلّ دعاء قلب لاه ».

وكان عليه‌السلام يأمر بتوجّه القلب في الدعاء إلى الميّت قال : « إذا دعا أحدكم للميّت فلا يدع له وقلبه لاه عنه ، ولكن ليجتهد له في الدّعاء » (٢) .

الأوقات التي يستجاب بها الدعاء :

وحدّد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء ، قال عليه‌السلام :

« اغتنموا الدّعاء عند أربع : عند قراءة القرآن ، وعند الأذان ، وعند نزول الغيث ، وعند التقاء الصّفّين للشّهادة » (٣) .

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٤٦٧. وسائل الشيعة ٧ : ٣١.

(٢) أصول الكافي ٢ : ٤٧٣.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٦٤.

١٥

فتح باب الإجابة :

ولمّا ندب الله تعالى عباده إلى الدعاء ، فقد فتح لهم باب الإجابة ، قال الإمام عليه‌السلام :

« ما كان الله ليفتح باب الدّعاء ويغلق عليه باب الإجابة » (١) .

وقال عليه‌السلام : « من اعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة » (٢) .

وقد أعلن القرآن الكريم ذلك قال تعالى :

( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) .

وكان من وصايا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« يا عليّ! أوصيك بالدّعاء ؛ فإنّ معه الإجابة ، وبالشّكر ؛ فإنّ معه المزيد ، وأنهاك عن أن تخفر عهدا وتعين عليه ، وأنهاك عن المكر ؛ فإنّه لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله ، وأنهاك عن البغي ، فإنّه من بغي عليه لينصرنّه الله » (٣) .

وحفلت وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، وهي أنموذج للخلق الإسلامي المتكامل.

الدعاء مخّ العبادة :

الدعاء روح العبادة إذا كان عن نيّة صادقة ، وقلب مترع بالإيمان ، قال عليه‌السلام :

« الدّعاء مخّ العبادة » (٤) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٢٧.

(٣) المصدر المتقدّم : ٢٩.

(٢) و (٤) المصدر المتقدّم : ٢٨.

١٦

حاجة الناس إلى الدعاء :

قال عليه‌السلام : « ما المبتلى الّذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن البلاء » (١) .

الناس بجميع أصنافهم المعافي والمبتلى منهم في حاجة إلى الدعاء والابتهال إلى الله تعالى ليصرف عنهم المكروه والسوء.

الثناء على الله قبل الدعاء :

ووضع الإمام عليه‌السلام منهجا للدعاء ، وهو أن يثني الإنسان على الله تعالى ويمجّده قبل الدعاء ، فقد روى الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام قال :

« إنّ في كتاب أمير المؤمنين : إنّ المدحة قبل المسألة ، فإذا دعوت الله عزّ وجلّ فمجّده ».

فقيل له : كيف يمجّد؟ فقال عليه‌السلام :

« تقول : يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد! يا فعّالا لما يريد! يا من يحول بين المرء وقلبه! يا من هو بالمنظر الأعلى! يا من هو ليس كمثله شيء » (٢) .

وأكّد الإمام عليه‌السلام ذلك في حديث آخر له قال :

« السّؤال بعد المدح ، فامدحوا الله عزّ وجلّ ثمّ اسألوا الحوائج ، اثنوا على الله عزّ وجلّ وامدحوه قبل طلب الحوائج » (٣) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٢٨.

(٢) المصدر المتقدّم : ٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٨٣. الخصال ٢ : ١٦٩.

١٧

الصلاة على النبيّ قبل الدعاء :

أرشد الإمام عليه‌السلام الداعين إلى الله في قضاء مهمّاتهم أن يصلّوا على النبيّ وآله قبل الدعاء ، فإنّه أقرب إلى الإجابة ، قال عليه‌السلام : « إذا كانت لك إلى الله حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ سل حاجتك ، فإنّ الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الاخرى » (١) .

وقال عليه‌السلام : « كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على محمّد وآله » (٢) .

إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مصدر الخير والرحمة لجميع الكائنات ، والصلاة عليه سبب لاستجابة الدعاء ، والتقرّب منه تعالى.

استجابة دعاء أطفال العلويّين :

وأكّد الإمام عليه‌السلام على أنّ دعاء أطفال السادة مستجاب ، قال : « دعاء أطفال ذرّيّتي مستجاب ما لم يقارفوا الذّنوب » (٣) .

إنّ للسادة العلويّين أعزّهم الله منزلة كريمة عند الله تعالى ، وأهمّية بالغة ، وذلك لما لآبائهم العظام من خدمات للإسلام وأياد بيضاء أسدوها على المسلمين ، والله تعالى يضمن لأبنائهم إجابة الدعاء ويجزل لهم المزيد من الكرامات.

دعاؤه في استجابة الدعاء :

روى معاوية بن عمّار أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قال له ابتداء : يا معاوية! أمّا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ٩٧.

(٢) ثواب الأعمال : ٨٥.

(٣) ربيع الأبرار ٢ : ٢٤٩.

١٨

علمت أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه ، فقال له : فأين أنت عن الدعاء سريع الإجابة؟ فقال له الرجل : ما هو؟ قال : قل :

« اللهمّ! إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأجلّ الأكرم ، المخزون المكنون ، النّور الحقّ ، البرهان المبين ، الّذي هو نور مع نور ، ونور من نور ، ونور في نور ، ونور على نور ، ونور فوق كلّ نور ، ونور يضيء به كلّ ظلمة ، ويكسر به كلّ شدّة وكلّ شيطان مريد ، وكلّ جبّار عنيد ، لا تقرّ به أرض ، ولا تقوم به سماء ، ويأمن به كلّ خائف ، ويبطل به سحر كلّ ساحر ، وبغي كلّ باغ ، وحسد كلّ حاسد ، ويتصدّع لعظمته البرّ والبحر ، ويستقلّ به الفلك حين يتكلّم به الملك ، فلا يكون للموج عليه سبيل ، وهو اسمك الأعظم الأعظم ، الأجلّ الأجلّ ، النّور الأكبر الّذي سمّيت به نفسك ، واستويت به على عرشك ، وأتوجّه إليك بمحمّد وأهل بيته ، أسألك بك وبهم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ... » ويذكر حاجته (١) .

وبهذا نطوي الحديث عن بعض ما نقله الرواة عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في فضل الدعاء وأهمّيته وما يتّصل بذلك من بحوث.

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٥٨٢.

١٩
٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وزكرياء، وميمون بن إبراهيم، ومحمد بن موسى المنجم، وأخاه أحمد بن موسى، وعلي بن يحيى بن أبي منصور، وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج وغيرهم نحواً من عشرين رجلاً، فوقع ذلك من المتوكل موقعاً أعجبه وقال له: أغد غدوةً فلما أصبح لم يشك في ذلك، وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له: يا أمير المؤمنين أراد أن لا يدع كاتباً ولا قائداً ولا عاملاً إلا أوقع بهم، فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين!

وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له، وأحضر موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فقال لهما عبيد الله: إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه فقتلكما، وأخذ ما تملكان، ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها بألفي ألف دينار، فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل يختلف بين أمير المؤمنين، ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فلم يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن، ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك وخرج معهما فدفعه إليهما جميعاً والناس جميعا الخواص والعوام، وهما لا يشكان أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل فأخذاه وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك، فحبسه في ديوان الخراج بسامرا وضربه درراً وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد، وكان يتولى خاص أموره وأمر ضياع بعض الوُلد، أن يغرم واحداً وخمسين ألف دينار، وحلف على ذلك وقال إنه أخذ مني في أيام الواثق، وهويخلف عن عمر بن فرج خمسين ديناراً

٦١

حتى أطلق أرزاقي، فخذوا لكل دينار ألفاً وزيادة ألف فضلاً، كما أخذ فضلاً فحبس، ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم، ولم يطلق حتى أدى تعجيل سبعة عشر ألف دينار، وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي، وأخذ عبد الله بن مخلد فأغرم سبعة عشر ألف دينار، ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان أحد حجاب المتوكل، وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل، أن يضرب نجاح خمسين مقرعة إن هولم يقر ويؤدِّ ما وصف عليه، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك، ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك، فقال: أبلغ أمير المؤمنين أني ميت، وأمر موسى بن عبد الملك جعفراً المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج، فعصروا مذاكيره حتى برد فمات، فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث من وفاة نجاح، فقال لهما المتوكل: إني أريد مالي الذي ضمنتماه، فاحتالاه فقبضا من أمواله وأموال ولده جملة، وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزداد، وقبضا أمتعته كلها، وجميع ملكه، وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين، وأخذا ما أخذا من أصحابه الخ. ».

أقول: هذه صورة لإدارة دولة الخلافة الإسلامية، وتكالب خليفتها وكبار وزرائه على أموال المسلمين المستضعفين! فكيف يجوز تسميته خليفة رسول الله (ص)، وتلقيبه المتوكل على الله! وأي إدارة هذه؟ وأي خلافة لرسول الله هذه؟!

٦٢

نكب كاتب إيتاخ سليمان بن وهب ثم احتاج اليه!

روى التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة « 1 / 51 » كيف أخذ المتوكل كاتب إيتاخ، قال: « سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول: كان المتوكل من أغلظ الناس على إيتاخ، فذكر فيه حديثاً طويلاً، وصف فيه كيف قبض المتوكل على إيتاخ وابن وهب ببغداد لما رجعا من الحج بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب.

قال سليمان بن وهب: وساعة قبض على إيتاخ ببغداد قبض عليَّ بسر من رأى، وسُلِّمْتُ إلى عبيد الله بن يحي. وكتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بدخوله بسر من رأى، ليتقوى به على الأتراك، لأنه كان معه بضعة عشر ألفاً لكثرة الظاهرية بخراسان، وشدة شوكتهم، فلما دخل إسحاق أمر المتوكل بتسليمي إليه وقال: هذا عدوي ففصل عظامه! هذا كان يلقاني في أيام المعتصم فلا يبدأني بالسلام، وأبدأه لحاجتي فيرد عليَّ كما يرد المولى على عبده، وكل ما دبره إيتاخ فعن رأيه! فأخذني إسحاق وقيدني بقيد ثقيل، وألبسني جبة صوف، وحبسني في كنيف وأغلق على خمسة أبواب، فكنت لا أعرف الليل من النهار، فأقمت كذلك نحوعشرين يوماً لايفتح على الباب إلا حملةً واحدة في كل يوم وليلة، ويدفع إلى فيهما خبز شعير وملح وماء حار، فكنت آنس بالخنافس وبنات وردان، وأتمنى الموت لشدة ما أنا فيه » ثم روى كيف اضطر المتوكل للإفراج عنه لخبرته في تحصيل مالية البلاد التي كان يحكمها إيتاخ، وهي: مصر، والكوفة، والحجاز، وتهامة، ومكة، والمدينة. « النجوم الزاهرة: 2 / 275 ».

٦٣

قال: « فحُملت إلى مجلس إسحاق فإذا فيه موسى بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج، والحسن بن محمد صاحب ديوان الضياع، وأحمد بن إسرائيل الكاتب، وأبو نوح، وعيسى بن إبراهيم، كاتب الفتح بن خاقان، وداود بن الجراح صاحب الزمام، فطُرحت في آخر المجلس، فشتمني إسحاق بن إبراهيم أقبح شتم، وقال: يا فاعل يا صانع تعرضني لاستبطاء أمير المؤمنين، والله لأُفَرِّقن بين لحمك وعظمك، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، أين الأموال التي جمعتها من غير وجهها الرأي أن تكتب خطك بالتزام عشر ـ ة آلاف ألف درهم، تؤديها في عشرة أشهر، كل شهر ألف ألف درهم، وتَتَرَفَّهُ عاجلاً مما أنت فيه! فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام، وجاؤني بخلعة نظيفة فلبستها، وبخور طيب فتبخرت، واستدعاني إسحاق ..

فلما كان من غد حولني إلى دار كبيرة حسنة مفروشة، ووكل على فيها بإحسان وإجلال، واستدعيتُ كل من أردت، وتسامع الناس بأمري، وجاؤني ففرج عني، ومضت سبعة وعشرون يوماً، وقد أعددت ألف ألف درهم الخ. »!

٦٤

الفصل الثالث:

سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع)

من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم!

من ثوابت الخليفة القرشي: أن يعمل للتخلص من خصومه بقتلهم بالسم، أوبالمكيدة، ليكون قتلاً ناعماً مسكوتاً عنه عند الناس!

وكان شعار معاوية المعروف: إن لله جنوداً من عسل! قاله عندما نجح في دسَّ السُّمَّ لمالك الأشتر حاكم مصر (رحمه الله). كما في المستطرف / 352، وغيره .

وقال معاوية: لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره. أي العمل الجدِّي المهم هو: أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه، فتزيحه من طريقك! « محاضرات الراغب: 1 / 531 ».

قال في جمهرة الأمثال « 2 / 376 »: « والمثل لمعاوية رضي الله عنه » قاله بعد قتله عبد الرحمن بن خالد، لأنه كان يعارض توليته لولده يزيد! « ورواه في الأمثال للميداني: 1 / 630، والمستقصى للزمخشري / 334، وطبقات الأطباء: 1 / 154: والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب: 1 / 172، والتذكرة الحمدونية / 1497، وتاريخ دمشق: 19 / 189 ».

وعلى هذه السياسة مشى خلفاء بني أمية وبني العباس، وكان المتوكل يعمل لقتل الإمام الهادي (ع) وهويعلم أنه إمام رباني، وأنه لا يعمل للسلطة! ولاحجة للمتوكل إلا خوفه من إيمان الناس بالإمام (ع)، فقد رأى أمه تطلب دعاءه، وتنذر له النذور!

٦٥

1. سَجَنَ المتوكل الإمام (ع) ليقتله فنجاه الله:

روى الصدوق في الخصال / 395: « عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (ع) جئتُ أسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ الزُّرَافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خيرٌ أيها الأستاذ. فقال: أقعد، فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت: أخطأت في المجئ! قال: فوحى الناس عنه، ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين! فقال: أسكت، مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم. قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وَخَلِّ بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة، فأومأ إلى بيت فدخلت فإذا به (ع) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور! قال: فسلمت فرد، ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت! فنظر إلي فقال: يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.

ثم قلت: يا سيدي حديث يروي عن النبي (ص) لا أعرف معناه، قال وما هو؟ فقلت قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، ما معناه؟ فقال: نعم، الأيام نحنُ ما

٦٦

قامت السماوات والأرض، فالسبتُ إسم رسول الله (ص) والأحدُ كنايةٌ عن أمير المؤمنين (ع)، والإثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فهذا معنى الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. ثم قال (ع): وَدِّعْ واخرج، فلا آمن عليك ».

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الأيام ليست بأئمة ولكن كنى بها (ع) عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق. كما كنى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي (ص) وعلي والحسن والحسين (ع) وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سئل الصادق (ع) عن قول الله عز وجل: أو لم يسيروا في الأرض، قال: معناه أو لم ينظروا في القرآن ».

ملاحظات

1. يظهر أن سجن الإمام (ع) في سامراء كان في إحضاره الأول الى سامراء، في أوائل خلافة المتوكل، ولم يسجن في سامراء بعدها.

2. أما الصقر بن أبي دلف، فهو من الكرخ وكان فيها شيعة لأهل البيت (ع) من زمن الإمام الصادق (ع) , وكانت بغداد: الكرخ وبراثا، ثم أسس المنصور بينهما بغداد المدورة، وقد وثقنا ذلك في سيرة الإمام الكاظم (ع).

٦٧

والحديث يدل على أن الحاجب زرافة كان يعرف الصقر ويحترمه، وكان يميل الى الشيعة، وقيل يكتم تشيعه عن المتوكل، وقد روى مدحه في الهداية الكبرى.

3. لايبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف الذي خرج على هارون الرشيد، ثم اتفق معه وصار والياً على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج. وقد كتبنا عنه في القبائل العراقية: قبيلة عِجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن قسم من أولاده في بغداد وآخرون في الحلة، وبقي قسم منهم في الجبل، ويشمل همدان وأصفهان وغيرهما، ومنهم ولاة في زمن الواثق والمتوكل.

4. سؤال الصقر عن معنى الأيام في الحديث النبوي، يدل على تعمقه في التشيع فقد كان مطروحاً وقتها موقع الأئمة (ع) التكويني، وتفسير قوله تعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . « التوبة: 36 ».

وكان في عصره بوادر ظهور مذاهب الغلو في بغداد، وأشهرها مذهب الحلاج والشلمغاني، وبشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة، وهو مذهب مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي، قالوا: « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ». « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 ».

٦٨

ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي (ع)، فسُمِّيَ أتباعه بالكرخية والكرخيين.

قال الطوسي في الغيبة / 414: « وكان الكرخيون مُخمسة، لايشك في ذلك أحدٌ من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه، أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا ».

أقول: أبو دلف المغالي بعد الصقر بن أبي دلف بسنين كثيرة، وقد يكون من آل أبي دلف أو على اسمه. ولم يكن الصقر من أهل الغلو، وسؤاله عن معنى الأيام وتفسيرها ليس من الغلو، لأن الآية تدل على أن مخطط الكون مبني على عدة الشهور الإثني عشر، وعدة أوصياء الأنبياء (ع) ونقبائهم، فهو قانون المنظومة العددية في تكوين الكون، وفي هداية المجتمع. وبحثه خارج عن غرضنا.

2. واتهم المتوكل الإمام (ع) بجمع السلاح للثورة عليه:

وقد أحضره ليلاً فأدخلوه على المتوكل وهو يشرب الخمر وأراد منه أن يشرب معه فأبى، بل وعظه فبكى المتوكل، وأمر برفع مائدة الخمر من مجلس الخلافة!

وقد روت ذلك عامة المصادر، ومنها المسعودي في مروج الذهب « 4 / 10 » بسنده عن محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد: « وقد كان سُعِيَ بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مَدْرَعة من شَعَرٍ، ولا بساط في البيت

٦٩

إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه مَلْحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأُخذ على ما وجد عليه، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمَه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها. فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط فأعْفِنِي منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني. فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكنوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا

قال: فأشفق كل من حضر على علي، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلًا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر

٧٠

برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَينٌ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً ».

ورواها الذهبي في تاريخ الإسلام « 18 / 199 » ، فقال: « سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب، فكَبَسَ بيته ليلاً فوجده في بيت عليه مدرعة صوف، متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ». واليافعي في مرآة الجنان: 2 / 119، والقلقشندي في معالم الخلافة: 1 / 232، والأبشيهي في المستطرف: 2 / 874، وغيرهم، وغيرهم .

3. وكان يقول: أعياني أمرُ ابن الرضا!

كان المتوكل ذات يوم غاضباً متوتراً، لأنه عجز أن يجرَّ الإمام الهادي (ع) الى شرب الخمر، ثم يُظهره للناس سكراناً لتسقط عقيدتهم به!

وهذه لجاجةٌ منه لأنه يعرف أن الإمام (ع) من العترة الذين طهرهم الله تعالى! روى في الكافي « 1 / 502 »: « حدثني أبوالطيب المثنى يعقوب بن ياسرقال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا! أبى أن يشرب معي أوينادمني أوأجد منه فرصة في هذا! فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قَصَّافٌ عَزَّاف، يأكل ويشرب ويتعشق. قال: إبعثوا إليه فجيئوا به حتى نُمَوِّهَ به على الناس ونقول ابن الرضا! فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها، وحول الخمارين والقيان إليه، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً، حتى يزوره هوفيه!

٧١

فلما وافى موسى تلقاه أبوالحسن (ع) في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط.

فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل، فإنما أراد هتكك، فأبى عليه، فكرر عليه. فلما رأى أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهوعليه أبداً!

فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم فَرُحْ فَيروح. فيقال: قد سكر فبكِّر، فيبكر. فيقال: شرب دواءً! فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه عليه ».

أقول: لما رأى الإمام (ع) إصرار أخيه على المنكر، وعلى إعطاء المتوكل مبرراً للطعن بإمامة العترة النبوية (ع)، دعاعليه بأن لا يلتقي بالمتوكل أبداً، وهو يعلم أن الله تعالى لا يردُّ له طلبة، فأخبره بأنه لن يجتمع مع صاحبه الخليفة الخمَّار أبداً!

هذا، وقد روي أن موسى المبرقع تاب بعد ذلك وأناب واستقام. وله ذرية كثيرة، وفيهم أبرار وعلماء أجلاء.

4. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام (ع):

« عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال: بعث يوماً المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن (ع) أن اركب وأخرج معنا إلى الصيد لنتبرك بك، فقال للرسول: قل له إني راكب، فلما خرج الرسول قال لنا: كذب، ما يريد إلا غير ما قال! قالا: قلنا: يا

٧٢

مولانا فما الذي يريد؟ قال: يظهر هذا القول فإن أصابه خير نسبه إلى ما يريد بنا ما يبعده من الله، وإن أصابه شرٌّ نسبه إلينا، وهويركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد فيرد هو وجيشه على قنطرة على نهر، فيعبر سائر الجيش ولا تعبر دابته، فيرجع ويسقط من فرسه فتزل رجله وتتوهن يداه، ويمرض شهراً.

قال فارس: فركب سيدنا وسرنا في المركب معه والمتوكل يقول: أين ابن عمى المدني؟ فيقول له: سائرٌ يا أمير المؤمنين في الجيش، فيقول: ألحقوه بنا، ووردنا النهر والقنطرة، فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وتهدمت، ونحن نسير في أواخر الناس مع سيدنا، ورُسل المتوكل تحثُّه، فلما وردنا النهر والقنطرة امتنعت دابته أن تعبر، وعبر سائر الجيش ودوابنا، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته فلم تعبر، وعثر المتوكل فلحقوا به، ورجع سيدنا، فلم يمض من النهار إلا ساعات حتى جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته وزلت رجله وتوهنت يداه، وبقي عليلاً شهراً! وعتب على أبي الحسن (ع) قال: أبوالحسن (ع) إنما رجع عنا لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به، فقال أبو الحسن (ع): صدق الملعون ».

5. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام (ع) وتنذر له:

روى في الكافي « 1 / 499 »: « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون

٧٣

عنده صفة يفرج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علته، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « بالضم عُصارة الدهن » فيداف بماء ورد، فيوضع عليه.

فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو والله أعلم بما قال. وأحضر الكسب وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها. ثم استقل من علته فسعى به البطحائي العلوي، بأن أموالاً تحمل إليه وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب: أُهْجُمْ عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح، واحمله إليَّ.

قال إبراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل ومعي سلم فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة، لم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته: عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة، على حصير بين يديه، فلم أشك أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي: دونك المصلى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس.

فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لما آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته، ورددت السيف

٧٤

والكيسين وقلت له: يا سيدي عَزَّ عليَّ! فقال لي: وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

أقول: البطحائي العلوي، الذي افترى على الإمام (ع) هو مع الأسف: محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ع).

6. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار:

من غطرسة المتوكل وبذخه: أنه قرر بناء عاصمة قرب سامراء، وسماها سامراء وأجبر الناس على أن يبنوا بيوتهم فيها، وكان يعطيهم نفقاتها، أو قسماً منها.

فقال الإمام الهادي (ع) كما في الهداية / 320: « إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ...

ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري وما أمر به بني هاشم وغيرهم من الأبنية هناك ما تحدث به، ووجه إلى أبي الحسن (ع) بثلاثين ألف درهم، وأمره أن يستعين بها على بناء دار، وركب المتوكل يطوف على الأبنية، فنظر إلى دار أبي الحسن (ع) لم ترتفع إلا قليلاً، فأنكر ذلك وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان: عليَّ وعليَّ يميناً وأكدها: لئن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن (ع) لأضربنَّ عنقه، فقال له عبيد الله: يا أمير المؤمنين لعله في إضاقة، فأمر له بعشرين ألف درهم وجه بها إليه مع أحمد ابنه، وقال له: تحدثه بما جرى، فصار إليه وأخبره بما جرى فقال: إنْ رَكِب فليفعل ذلك! ورجع أحمد إلى أبيه عبيد الله فعرفه ذلك، فقال عبيد الله: ليس والله يركب »! أي قال رئيس الوزراء: إن المتوكل لن يركب، لأنه يعرف أن الإمام (ع) يتكلم بإلهام من الله تعالى!

٧٥

7. حاول المتوكل إذلال الإمام (ع) فدعا عليه:

« عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعياً أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه عندهم. فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن يَزَّينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عُدَدهم وذخائرهم، ويَخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يَركب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى!

ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رَجَّالَة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر.

وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد (ع) وشقَّ ما لقيه من الحر والزحمة. قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي يعز والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، وأخذت بيده فتوكأ عليَّ وقال: يا زرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني، أوقال بأعظم قدراً مني، ولم أزل أسائله وأستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالإنصراف. فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري، ولوُلدي مؤدبٌ يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادةٌ بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد

٧٦

وما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني. وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله إني سمعته يقوله، فقال لي: إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك! فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أوسبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة وقوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. ولا يجوز أن تبطل قول الإمام (ع)! قال زرافة، فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه، والفتح بن خاقان جميعاً، قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته!

فلقيت الإمام أبا الحسن (ع) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال: صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهودعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله ». « مهج الدعوات / 267 ».

وفي الخرائج: 1 / 402: ذكر زرافة حديثه مع مؤدبه وقال: « فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما

٧٧

كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي، فتشيعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعولي وتوليته حق الولاية ».

وفي الثاقب / 539: « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات! قلت: بلى والله. فقال: وكيف ذلك؟ قلت: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يصلي فبقيت قائماً حتى فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال: يا سعيد، لا يكف عني جعفر أي المتوكل حتى يقطع إرباً إرباً! إذهب واعزب، وأشار بيده الشريفة فخرجت مرعوباً ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه! فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا وقلتُ بها ».

أقول: كذب سعيد، فقد كان جلوازاً سيَّافاً عند بني العباس، ثم ادعى التشيع!

وفي الخرائج: 1 / 412: « حدثنا ابن أرومة قال: خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله، فلما دخلت عليه، قال: تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت: سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال: هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت: ما أكره ذلك. قال: قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.

٧٨

فلم ألبث أن خرج قال: أدخل، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً، قال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى. قال: لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال: إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال: فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ».

8. أظهر الله قدرة وليه (ع) فخاف الطاغية:

روى الخصيبي في الهداية الكبرى / 322: « عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد الله الحسني، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن (ع) بسامرا وبين يديه أحمد بن الخصيب ومحمد وإبراهيم الخياط، وعيونهم تفيض من الدمع، فأشار الينا (ع) بالجلوس فجلسنا وقال: هل علمتم ما علمه إخوانكم؟ فقلنا: حدثنا منه يا سيدنا ذكراً. قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعاً لحفدته وأهل مملكته: تقول شيعتك الرافضة إن لك قدرة، والقدرة لا تكون إلا لله، فهل تستطيع إن أردت بك سوءً أن تدفعه؟ فقلت له: وإن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو.

فأطرق ثم قال: إنك لتروي لكم قدرة دوننا، ونحن أحق به منكم، لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا. فأمسكت عن جوابه، لأنه أراد أن يبين جبره بي، فنهضت فقال: لتقعدن وهو مغضب، فخالفت أمره وخرجت، فأشار إلى من حوله: الآن خذوه، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني! فصاح: الآن قد أريتنا قدرتك والآن نريك قدرتنا، فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت!

٧٩

فسقط لوجهه، وخرجتُ فقلت: في غدٍ الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا له. فبكينا على إمهال الله له وتجبره علينا وطغيانه.

فلما كان من غد ذلك اليوم، فأذن لنا فدخلنا فقال: هذا ولينا زرافة يقول إنه قد أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين، وأمره أن يرسل إليَّ فإذا حضرت مجلسه أخلى زرافة لأمته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به، ولن يقدر على ذلك.

فقلنا: يا مولانا إجعل لنا من الغم فرجاً. فقال: أنا راكب إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى. قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل، فركب وهويقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً. ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله، فما جلس حتى أتينا إليه فقال لنا: أجلسوا يا إخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي، ومن مولاي أبي الحسن (ع)، فقلنا له: سُرَّنَا سَرَّك الله، فقال: إنه أخرج إلي سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري وأعلومولاي بالسيف فأقتله. فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفاً فاعلم ما يأمر به، وقد أخليت المجلس وأبطأت، فبعث إلي هذا الطاغي خادماً يقول إمض ويلك ما آمرك به. فأخذت السيف بيدي ودخلت، فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الأرض، وظهر منها ثعبان عظيم فاتحٌ فاه، لوابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310