موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133789 / تحميل: 6454
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يا من أرقدني في مهاد أمنه وأمانه ، وأيقظني إلى ما منحني به من مننه وإحسانه ، وكفّ أكفّ السّوء عنّي بيده وسلطانه ، صلّ اللهمّ على الدّليل إليك في اللّيل الأليل ، والماسك من أسبابك بحبل الشّرف الأطول ، والنّاصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل ، والثّابت القدم على زحاليفها في الزّمن الأوّل ، وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار ...

حفل هذا المقطع بألطاف الله ونعمه على الإمام التي منها أنّه أرقده في مهاد أمنه ، وأيقظه من سباته ، وهي ألطاف عامّة ، وكفّ عنه أكفّ السوء ، وبعد هذا ذكر النبي العظيم عليه‌السلام باعث الروح والعلم في الأجيال ، والدليل إلى مرضاة الله وطاعته الذي حطّم الأصنام ، وقضى على خرافات الجاهلية وأوثانها ، وبعد هذا أدلى الإمام بهذه الدرر الناصعة :

وافتح اللهمّ لنا مصاريع الصّباح بمفاتيح الرّحمة والفلاح ، وألبسني اللهمّ من أفضل خلع الهداية والصّلاح ، واغرس اللهمّ بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع ، وأجر اللهمّ لهيبتك من آماقي زفرات الدّموع ، وأدّب اللهمّ نزق الخرق منّي بأزمّة القنوع ...

تضمّنت هذه الفقرات أثمن القيم التي توجب سعادة الإنسان وفوزه بالقرب من الله تعالى ، ويأخذ الإمام بدعائه قائلا :

إلهي إن لم تبتدئني الرّحمة منك بحسن التّوفيق فمن السّالك بي إليك في واضح الطّريق ، وإن أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى؟ وإن خذلني نصرك عند محاربة النّفس والشّيطان فقد وكلني

١٤١

خذلانك إلى حيث النّصب والحرمان ...

وفي هذه الفقرات طلب الإمام التوفيق من الله تعالى في السلوك إلى الطريق الواضح لا في المنعطفات ، وإذا لم يسعف الله عبده بتوفيقه فإنّ نصيبه يكون الخيبة والخسران ومن بنود هذا الدعاء قوله عليه‌السلام :

إلهي أتراني ما أتيتك إلاّ من حيث الآمال؟ أم علقت بأطراف حبالك إلاّ حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال؟ فبئس المطيّة الّتي امتطت نفسي من هواها فواها لها لما سوّلت لها ظنونها ومناها وتبّا لها لجرأتها على سيّدها ومولاها ...

عرض الإمام عليه‌السلام ذمّ الإنسان الذي يتّبع هواه ويبتعد عن الله تعالى ، فإنّه يكون بذلك قد ابتعد عن مصدر الفيض والرحمة ، ويقول الإمام في دعائه :

إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي ، وهربت إليك لاجئا من فرط أهوائي ، وعلّقت بأطراف حبالك أنامل ولائي ، فاصفح اللهمّ عمّا كان أجرمته من زللي وخطائي ، وأقلني من صرعة ردائي ، وعسرة بلائي ، فإنّك سيّدي ومولاي ومعتمدي ورجائي ، وأنت غاية مطلوبي ومناي في منقلبي ومثواي ...

وفي هذه البنود من دعاء الإمام عليه‌السلام الالتجاء إلى الله تعالى وطلب الرحمة منه فهو المعتمد والرجاء ، ويقول الإمام عليه‌السلام في دعائه :

إلهي كيف تطرد مسكينا التجأ إليك من الذّنوب هاربا ، أم كيف تخيّب مسترشدا قصد إلى جنابك ساعيا ، أم كيف تردّ ظمآنا ورد إلى حياضك شاربا؟

كلاّ وحياضك مترعة في ضنك المحول ، وبابك مفتوح للطّلب والوغول ، وأنت

١٤٢

غاية المسئول ونهاية المأمول ...

عرض الإمام في هذا المقطع إلى سعة رحمة الله تعالى ، وأنّه لا يطرد من التجأ إليه ولا يخيب أمل من انقطع إليه ، ويقول عليه‌السلام :

إلهي هذه أزمّة نفسي عقلتها بعقال مشيّتك ، وهذه أعباء ذنوبي درأتها بعفوك ورحمتك ، وهذه أهوائي المضلّة وكلتها إلى جناب لطفك ورأفتك ...

أرأيتم هذا التذلّل والخضوع أمام الله تعالى؟ فقد أوكل جميع شئونه إلى الله تعالى وطلب منه العفو والغفران ، ثمّ يقول عليه‌السلام :

فاجعل اللهمّ صباحي هذا نازلا عليّ بضياء الهدى ، وبالسّلامة في الدّين والدّنيا ، ومسائي جنّة من كيد العدى ، ووقاية من مرديات الهوى إنّك قادر على ما تشاء ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممّن تشاء ، وتعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير ، تولج اللّيل في النّهار ، وتولج النّهار في اللّيل ، وتخرج الحيّ من الميّت ، وتخرج الميّت من الحيّ ، وترزق من تشاء بغير حساب لا إله إلاّ أنت ...

وفي هذا المقطع طلب الإمام الهداية والسلامة في الدين والدنيا من الله تعالى الذي بيده جميع مجريات الأحداث ، ثمّ يقول الإمام :

سبحانك اللهمّ وبحمدك من ذا يعلم قدرك فلا يخافك ، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك ، ألّفت بقدرتك الفرق ، وفلقت بلطفك الفلق ، وأنرت بكرمك دياجي الغسق ، وأنهرت المياه من الصّمّ الصّياخيد عذبا وأجاجا ، وأنزلت من المعصرات ماء ثجّاجا ، وجعلت الشّمس والقمر للبريّة سراجا وهّاجا من غير أن

١٤٣

تمارس فيما ابتدأت به لغوبا ولا علاجا ...

عرض الإمام عليه‌السلام في هذه الكلمات إلى عظيم قدرة الله تعالى وبدائع صنعته ، وأنّ العبد لو علم عظمة ربّه لما أقدم على معصيته والشذوذ في سلوكه ، ويقول عليه‌السلام :

فيا من توحّد بالعزّ والبقاء ، وقهر عباده بالموت والفناء ، صلّ على محمّد وآله الأتقياء ، واسمع ندائي ، واستجب دعائي ، وحقّق بفضلك أملي ورجائي. يا خير من دعى لكشف الضّرّ ، والمأمول لكلّ عسر ويسر ، بك أنزلت حاجتي فلا تردّني من سنيّ مواهبك خائبا يا كريم يا كريم يا كريم برحمتك يا أرحم الرّاحمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين.

ثمّ يسجد ويقول :

إلهي قلبي محجوب ، ونفسي معيوب ، وعقلي مغلوب ، وهوائي غالب ، وطاعتي قليل ، ومعصيتي كثير ، ولساني مقرّ بالذّنوب ، فكيف حيلتي يا ستّار العيوب ، ويا علاّم الغيوب ، ويا كاشف الكروب ، اغفر ذنوبي كلّها بحرمة محمّد وآل محمّد ، يا غفّار يا غفّار يا غفّار ، برحمتك يا أرحم الرّاحمين (١) .

وانتهى هذا الدعاء الجليل الذي هو من ذخائر أدعية الإمام عليه‌السلام .

__________________

(١) بحار الأنوار ٩١ : ٢٤٣.

١٤٤

ادعيته عليه‌السلام

في الصباح

١ ـ ومن جملة أدعيته في الصباح هذا الدعاء :

اللهمّ إنّي وهذا النّهار خلقان من خلقك. اللهمّ لا تبتلني به ، ولا تبتله بي.

اللهمّ ولا تره منّي جرأة على معاصيك ، ولا ركوبا لمحارمك.

اللهمّ اصرف عنّي الأزل ، واللّأواء (١) ، والبلوى ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ، ومنظر السّوء ، في نفسي ومالي (٢) .

٢ ـ ومن أدعيته عليه‌السلام :

أصبحنا لله شاكرين ، وأمسينا لله حامدين ، فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين (٣) .

٣ ـ ومن أدعيته في الصباح أنّه كان يقول :

مرحبا بكما من ملكين حفيظين كريمين أصلّي عليكما ما تحبّان إن شاء الله (٤) .

٤ ـ ومن أدعيته الموجزة هذا الدعاء كان يقرؤه في الصباح.

__________________

(١) اللّأواء : الشدّة والضيق.

(٢) الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٣) الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٤) فلاح السائل : ٢٢٢.

١٤٥

اللهمّ أحيني وأمتني على الكتاب والسّنّة ، وسلّمني من الأهواء والبدعة والزّيغ والشّبهة ، واعصمني من الحيرة والضّلالة ، والحمق والجهالة ، ومن سوء البلاء والفتنة ، وقلّة الفهم والمعرفة ، واتّصال الغفلة بطول المهلة ، وغلبة الشّهوة إنّك لطيف لما تشاء يا أرحم الرّاحمين (١) .

دعاؤه عليه‌السلام

في المساء

كان الإمام عليه‌السلام إذا حلّ وقت المساء دعا بهذا الدعاء الموجز :

أمسينا لله شاكرين ، وأصبحنا لله حامدين ، والحمد لله كما أصبحنا لك مسلمين سالمين (٢) .

دعاؤه عليه‌السلام

في الصباح والمساء

أثرت عن الإمام عليه‌السلام كوكبة من الأدعية كان يقرؤها في الصباح والمساء وهذه بعضها :

كان من دعائه عليه‌السلام في صباحه ومسائه هذا الدعاء :

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٦ ، نقلا عن الشيخ الطبرسي في كنوز النجاح.

(٢) الصحيفة العلوية : ١٩٩.

١٤٦

سبحان الله مع كلّ شيء حتّى لا يكون شيء بعد كلّ شيء وحده ، وعدد جميع الأشياء وأضعافها ، والحمد لله كذلك ، ولا إله إلاّ الله مثل ذلك ، والله أكبر مثل ذلك (١) .

كان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء ما بين الظهرين ، كما كان يدعو به في صباحه ومسائه :

ربّ اغمسني في بحر نور هيبتك حتّى أخرج منه وفي وجهي شعاعات أنوار هيبة تخطف أبصار الحاسدين من الجنّ والإنس أجمعين ، فتعميهم عن رمي سهام الحسد في قرطاس نعمتي ، واحجبني اللهمّ بحجاب النّور الّذي باطنه النّور ، وظاهره النّور ، وأسألك اللهمّ باسمك النّور ، ووجهك النّور ، يا نور النّور أن تحجبني في نور اسمك بنور اسمك يا نور ، وصلّى الله على محمّد وآله ، والحمد لله ربّ العالمين (٢) .

وبهذه الصفحات المشرقة تنطوي أدعيته في الصباح والمساء ، وهي تدلّ على أنّ الإمام عليه‌السلام في جميع أوقاته كان يلهج بذكر الله تعالى.

__________________

(١) المحاسن للبرقي ٢ : ٤٤.

(٢) الصحيفة العلوية الثانية : ٢٢٦.

١٤٧
١٤٨

مناجاته

١٤٩
١٥٠

وتعلّق الإمام عليه‌السلام بالله تعالى ، وانقطع إليه ، وناجاه في غلس الليل بذوبان روحه تعظيما وخشوعا وولاء وإنابة ، وقد أثرت عنه كوكبة من المناجاة يلمس فيها إيمانه العميق بالله الّذي لا يضارعه أحد في هذه الظاهرة ، ومن بين مناجاته ما يلي :

المناجاة الأولى

لقد روى هذه المناجاة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام عن آبائه وهذا نصّها :

إلهي! صلّ على محمّد وآل محمّد ، وارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري ، وانمحى من المخلوقين ذكري ، وصرت في المنسيّين كمن قد نسي قبلي.

إلهي! كبر سنّي ، ورقّ جلدي ، ودقّ عظمي ، ونال الدّهر منّي ، واقترب أجلي ، ونفدت أيّامي ، وذهبت شهواتي ، وبقيت تبعاتي.

إلهي! ارحمني إذا تغيّرت صورتي ، وانمحت محاسني ، وبلي جسمي ، وتقطّعت أوصالي ، وتفرّقت أعضائي ، وبقيت مرتهنا بعملي.

إلهي! أفحمتني ذنوبي ، وقطعت مقالتي ، فلا حجّة لي ولا عذر ، فأنا المقرّ بجرمي ، المعترف بإساءتي.

١٥١

إلهي! إن كان قد صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي! كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما وكان ظنّي بك وبجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما ...

أرأيتم هذا التذلّل والاستعطاف؟

أرأيتم هذا الخوف والرجاء؟

ويستمرّ الإمام عليه‌السلام في مناجاته فيقول :

إلهي! إذ لم أسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين ، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.

إلهي! عظم جرمي إذ كنت المبارز به ، وكبر ذنبي إذ كنت المطالب به إلاّ أنّي إذا ذكرت كبير جرمي ، وعظيم غفرانك ، وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك.

إلهي! إن دعاني إلى النّار بذنبي مخشيّ عقابك ، فقد ناداني إلى الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي! إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك ، فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.

إلهي! إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.

إلهي! إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك ، فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكريم آلائك.

١٥٢

إلهي! إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.

إلهي! جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي ، وأقامني مقام الأذلاّء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي! كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك ، وجدت بالمعروف فألحقني بأهل نوالك.

إلهي! مسكنتي لا يجبرها إلاّ عطاؤك ، وأمنيّتي لا يغنيها إلاّ جزاؤك.

إلهي! أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من جميل امتنانك ردّ سائل ملهوف ، ومضطرّ لانتظار خيرك المألوف.

إلهي! أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار مبلوّا بالأعمال والاعتبار فأنا الهالك إن لم تعن عليها بتخفيف الأثقال.

إلهي! أمن أهل الشّقاء خلقتني فأطيل بكائي؟ أم من أهل السّعادة خلقتني فأبشّر رجائي؟

إلهي! إن حرمتني رؤية محمّد ٦ في دار السّلام ، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منّتني نفسي منك يا ذا الفضل والإنعام.

إلهي! وعزّتك وجلالك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيّام ، ومنعتني سيبك من بين الأنام ، ودللت على فضائحي عيون الأشهاد ، وحلت بيني وبين

١٥٣

الكرام ، ما قطعت رجائي منك ، ولا صرفت وجه انتظاري للعفو عنك.

إلهي! لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت ، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت ، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت ، ولو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت ، ولو لم تبيّن لي شديد عقابك ما استجرت.

إلهي! أطعتك في أحبّ الأشياء إليك وهو التّوحيد ، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر فاغفر لي ما بينهما.

إلهي! أحبّ طاعتك وإن قصرت عنها ، واكره معصيتك وإن ركبتها ، فتفضّل عليّ بالجنّة ، وخلّصني من النّار وإن كنت استوجبتها.

إلهي! إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار ، فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخيار.

إلهي! قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تطلّع عليه نار محرقة في لظى؟

إلهي! نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلّها بين أطباق نيرانك؟

إلهي! لسان كسوته من تماجيدك أنيق أثوابها ، كيف تهوي إليه من النّار مشتعلات التهابها؟

إلهي! كلّ مكروب إليك يلتجئ ، وكلّ محزون إيّاك يرتجي.

إلهي! سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ، وسمع الزّاهدون بسعة رحمتك فقنعوا ، وسمع المولّون عن القصد بجودك فرجعوا ، وسمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا ، وسمع المؤمنون بكرم عفوك وفضل عوارفك فرغبوا ،

١٥٤

حتّى ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك ، وعجّت إليك منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك ، ولكلّ أمل قد ساق صاحبه إليك محتاجا ، وقلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا ، وأنت المسئول الّذي لا تسودّ لديه وجوه المطالب ، ولم تزرأ بنزيله فظيعات المعاطب.

إلهي! إن أخطأت طريق النّظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

إلهي! إن كانت نفسي استسعدتني متمرّدة على ما يرديها فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.

إلهي! إن عداني الاجتهاد في ابتغاء منفعتي فلم يعدني برّك بي بما فيه مصلحتي.

إلهي! إن أجحف بي قلّة الزّاد في المسير إليك فقد وصلته الآن بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.

إلهي! إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها فقد أقسطت الآن بتعريفي إيّاها من رحمتك إشفاق رأفتها.

إلهي! أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه ، وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.

إلهي! لو لا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي ، ولو لا ما ذكرت من الإفراط ما سفحت عبراتي.

إلهي! إن كنت لا ترحم إلاّ المجدّين في طاعتك فإلى من يفزع المقصّرون ،

١٥٥

وإن كنت لا تقبل إلاّ من المجتهدين فإلى من يلتجئ المفرّطون ، وإن كنت لا تكرم إلاّ أهل الإحسان فكيف يصنع المسيئون ، وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلاّ المتّقون فبمن يستغيث المذنبون.

إلهي! إن كان لا يجوز على الصّراط إلاّ من أجازته براءة عمله ، فأنّى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.

إلهي! إن لم تنلنا يد إحسانك يوم الورود اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.

إلهي! فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك ، واستصف ما كدّرته الجرائر منها بصفو صلاتك.

إلهي! ارحمنا غرباء إذا تضمّنتنا بطون لحودنا ، وغمّيت باللّبن سقوف بيوتنا ، وأضجعنا مساكين على الإيمان في قبورنا ، وخلّفنا فرادى في أضيق المضاجع ، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع ، وصرنا في ديار قوم كأنّها مأهولة وهي منهم بلاقع (١) .

إلهي! إذا جئناك عراة حفاة مغبرّة من ثرى الأجداث رءوسنا ، وشاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا ، وخاشعة من أفزاع القيامة أبصارنا ، وذابلة من شدّة العطش شفاهنا ، وجائعة من طول المقام بطوننا ، وبارزة هنالك للعيون سوآتنا ، وموقّرة من ثقل الأوزار ظهورنا ، ومشغولين بما قد دهانا عن أهالينا وأولادنا ، فلا تضعّف المصائب علينا بإعراض وجهك الكريم عنّا.

__________________

(١) بلاقع : خالية.

١٥٦

ومن بنود هذه المناجاة قوله عليه‌السلام :

إلهي! لا سبيل إلى الاحتراس من الذّنب إلاّ بعصمتك ، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلاّ بمشيّتك ، فكيف لي بإفادة ما أسلمتني فيه مشيّتك ، وكيف لي بالاحتراس من الذّنب ما لم تدركني فيه عصمتك.

إلهي! أنت دللتني على سؤال الجنّة قبل معرفتها فأقبلت النّفس بعد العرفان على مسألتها ، أفتدلّ على خيرك السّؤال ثمّ تمنعهم النّوال ، وأنت الكريم المحمود في كلّ ما تصنعه يا ذا الجلال والإكرام.

ومن هذه المناجاة قوله عليه‌السلام :

إلهي! إن عفوت فبفضلك ، وإن عذّبت فبعدلك فيا من لا يرجى إلاّ فضله ، ولا يخاف إلاّ عدله صلّ على محمّد وآل محمّد ، وامنن علينا بفضلك.

إلهي! خلقت لي جسما ، وجعلت لي فيه آلات اطيعك بها ، وأعصيك واغضبك بها وأرضيك ، وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشّهوات ، وأسكنتني دارا قد ملئت من الآفات ، ثمّ قلت لي انزجر ، فبك أنزجر ، وبك أعتصم ، وبك أستجير من النّار فأجرني ، وبك أحترز من الذّنوب فاحفظني ، وأستوقفك لما يرضيك ، وأسألك يا مولاي فإنّ سؤالي لا يحفيك.

إلهي! أدعوك دعاء ملحّ لا يملّ دعاءه مولاه ، وأتضرّع إليك تضرّع من قد أقرّ على نفسه بالحجّة في دعواه.

إلهي! لو عرفت اعتذارا من الذّنب في التّنصّل أبلغ من الاعتراف به لأتيته ، فهب لي ذنبي بالاعتراف ، ولا تردّني بالخيبة عند الانصراف.

١٥٧

إلهي! قد أصبت من الذّنوب ما قد عرفت ، وأسرفت على نفسي بما قد علمت ، فاجعلني عبدا إمّا طائعا فأكرمته ، وإمّا عاصيا فرحمته.

ومن فقرات هذا الدعاء قوله عليه‌السلام :

إلهي! وعزّتك وجلالك لقد أحببتك محبّة استقرّت حلاوتها في قلبي وصدري ، وما تنعقد ضمائر موحّديك على أنّك تبغض محبّيك.

إلهي! أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون ، ولست أيأس من رحمتك الّتي يتوقّعها المحسنون.

إلهي! لا تغضب عليّ فلست أقوى لغضبك ، ولا تسخط عليّ فلست أقوى لسخطك.

إلهي! انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي ، وما لها لا تنهمل ، ولا أدري إلى ما يكون مصيري ، وعلى ما ذا يهجم عند البلاغ مسيري ، وأرى نفسي تخاتلني ، وأيّامي تخادعني ، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت ، ورمقتني من قريب أعين الفوت ، فما عذري وقد حشا مسامعي رافع الصّوت؟

هذه بعض بنود المناجاة وهي طويلة جدّا ، وقد ذكرها كاملة الشيخ الكفعمي في البلد الأمين ص ٣١١ واختصرها غيره من العلماء في هذه البحوث ، وقد كشفت هذه المناجاة عن عميق صلة الإمام بالله تعالى ، وإيمانه الوثيق به ، وانقطاعه التامّ إليه.

١٥٨

المناجاة الثانية

ومن مناجاة الإمام عليه‌السلام هذه المناجاة التي دلّت على تعلّقه بالله تعالى وشدّة حبّه له ، وإيمانه به ، وهذا نصّها :

اللهمّ إنّي أسألك الأمان ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (١) ، وأسألك الأمان ( يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ) (٢) ، وأسألك الأمان يوم ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) (٣) ، وأسألك الأمان يوم ( لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ ) (٤) ، وأسألك الأمان ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥) ، وأسألك الأمان ( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) (٦) ، وأسألك الأمان ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) (٧) ، وأسألك الأمان يوم

__________________

(١) الشعراء : ٨٨ و٨٩.

(٢) الفرقان : ٢٧.

(٣) الرحمن : ٤١.

(٤) لقمان : ٣٣.

(٥) غافر : ٥٢.

(٦) الانفطار : ١٩.

(٧) عبس : ٣٤ ـ ٣٧.

١٥٩

( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ. كَلاَّ إِنَّها لَظى. نَزَّاعَةً لِلشَّوى ) (١) ...

وحكى هذا المقطع شدّة خوف الإمام يوم القيامة من الله تعالى وعظيم إنابته إليه ، ويستمرّ الإمام في مناجاته قائلا :

مولاي يا مولاي ، أنت المولى وأنا العبد ، وهل يرحم العبد إلاّ المولى. مولاي

يا مولاي ، أنت المالك وأنا المملوك ، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك. مولاي

يا مولاي ، أنت العزيز وأنا الذّليل ، وهل يرحم الذّليل إلاّ العزيز. مولاي

يا مولاي ، أنت الخالق وأنا المخلوق ، وهل يرحم المخلوق إلاّ الخالق. مولاي

يا مولاي ، أنت العظيم وأنا الحقير ، وهل يرحم الحقير إلاّ العظيم. مولاي

يا مولاي ، أنت القويّ وأنا الضّعيف ، وهل يرحم الضّعيف إلاّ القويّ. مولاي

يا مولاي ، أنت الغنيّ وأنا الفقير ، وهل يرحم الفقير إلاّ الغنيّ. مولاي

يا مولاي ، أنت المعطي وأنا السّائل ، وهل يرحم السّائل إلاّ المعطي. مولاي

يا مولاي ، أنت الحيّ وأنا الميّت ، وهل يرحم الميّت إلاّ الحيّ. مولاي

يا مولاي ، أنت الباقي وأنا الفاني ، وهل يرحم الفاني إلاّ الباقي. مولاي

يا مولاي ، أنت الدّائم وأنا الزّائل ، وهل يرحم الزّائل إلاّ الدّائم. مولاي

يا مولاي ، أنت الرّازق وأنا المرزوق ، وهل يرحم المرزوق إلاّ الرّازق. مولاي

يا مولاي ، أنت الجواد وأنا البخيل ، وهل يرحم البخيل إلاّ الجواد. مولاي

__________________

(١) المعارج : ١١ ـ ١٦.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الشافعية ، والثاني : لا خيار ؛ لحصول الملك في الحال وقد يؤدّي المالك الزكاة من غيره(١) .

ولو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري ؛ لزوال العيب ، ويحتمل ثبوته ؛ لإِمكان أن يخرج المدفوع مستحقاً فيبيع الساعي المال ، ولو أخرج الزكاة ثم باع فلا خيار.

ولو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة - كما اختاره الشيخ(٢) والشافعي(٣) - صحّ البيع في الباقي ، فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر ؛ لأنّ العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحاً بذلك.

مسألة ١٣٣ : لو ادّعى المالك تلف النصاب أو إبداله في الحول أو عدم انتهاء الحول قُبل قوله‌ من غير يمين سواء في ذلك السبب الظاهر والخفي ، وسواء ادّعى ما هو الظاهر أو خلافه - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة والرفق فقُبل قوله فيه.

والقول الثاني للشافعي : إن ادّعى الظاهر مثل عدم حولان الحول كان القول قوله ولا تجب اليمين بل يستحب أن يعرضها الساعي عليه للاستظهار وزوال التهمة.

فإن حلف فلا كلام ، وإن امتنع لم يطالبه بشي‌ء ؛ لأنّ اليمين ليست واجبة ، بخلاف المستودع إذا ادّعى التلف أو الردّ فإنّ اليمين تجب وإن كان أميناً ؛ لأنّ الوديعة حقّ للآدمي المتعيّن فكانت مبنيّةً على التضيّق ، والزكاة حقّ لله تعالى وجبت على طريق المواساة ، ولا يتعيّن فيها حقّ الآدمي وإنّما هو جهة لصرفها فافترقا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٨.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٥٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٧٣ - ١٧٤.

٢٠١

وإن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه ، أو ادّعى أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه ، أو ادّعى دفع الزكاة إلى غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلّا أنّ القول قوله ؛ لأنّه أمين.

وفي وجوب اليمين وجهان : الوجوب ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، وليس بجيّد ؛ لما تقدّم ، وعدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلى الأول لو امتنع طولب بالزكاة ولا يحلف الساعي ؛ لأنّه نائب عن الفقراء ، والنائب كالوكيل لا يحلف ، ولا يمكن إحلاف الفقراء ؛ لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض على نفسه : بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول وقد ثبت هنا.

وأجاب : بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولاً ، وإنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها ، فإذا لم يحلف اُخذ منه بالسبب المتقدّم ، كما لو امتنعت من اللعان(١) حُدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

وعلى الثاني : إذا امتنع لم يطالب بالزكاة(٢) .

تذنيب : لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت واُلزم بالزكاة.

مسألة ١٣٤ : لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلى أهلها‌ إمّا المستحق أو الإِمام أو الساعي ، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن ولم تسقط عنه ، ووجبت عليه شاة اُخرى لا قيمة التالفة وإن كانت أزيد.

وإن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط ، وبه قال مالك(٣) ؛

____________________

(١) يعني : كما في اللعان إذا لا عن الزوج ، لزم المرأة حدّ الزنا ، فإن لاعنت سقط ، وان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. اُنظر : الهامش التالي.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٤.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٢٣٥ - ٢٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٢٠٢

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي ، ولأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه ، فإذا تلف لم ينتقل إلى غيره ، لأصالة البراءة.

وقال الشافعي : لا تسقط(١) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

والاُولى ممنوعة ، نعم على تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض ، وعلى تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف ، ووجب الباقي.

مسألة ١٣٥ : لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلٌّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة‌ وإن كانت لو جمعت زادت - عند علمائنا أجمع - سواء في ذلك المواشي والغلّات والنقدان.

وقد وقع الاتّفاق على عدم ضمّ جنس إلى جنس آخر في غير الحبوب والأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس : الإِبل والبقر والغنم لا يضمّ جنس منها إلى الآخر ، والأثمار لا يضمّ جنس إلى غيره فلا يضمّ التمر إلى الزبيب ، ولا تضم الأثمان إلى شي‌ء من السائمة ولا من الحبوب والاثمار.

ولا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ، ولا خلاف في أنّ العروض للتجارة والأثمان لها يضمّ بعضها إلى بعض إلّا أنّ الشافعي لا يضمّها [ إلّا ](٢) إلى جنس ما اشتريت به ؛ لأنّ نصابها معتبر به(٣) .

واختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلى بعض ، وفي ضمّ أحد النقدين إلى الآخر.

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

٢٠٣

فعن أحمد ثلاث روايات : إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقاً ، ويعتبر النصاب في كلّ جنس منها - وبه قال عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفرداً كالثمار والمواشي(١) .

وقال عكرمة وأحمد - في رواية - وحكاه ابن المنذر عن طاوس : إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب(٢) - قال أبو عبيد : لا نعلم أحداً من الماضين جمع بينهما إلّا عكرمة(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق )(٤) .

وقال مالك والليث وأحمد في رواية : يضمّ الحنطة إلى الشعير ، والقِنْطيّات(٥) بعضها إلى بعض(٦) .

وفي ضم الذهب إلى الفضة عن أحمد روايتان ، فعلى الضمّ يؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصّه ، ولا يؤخذ من جنس عن غيره إلّا الذهب والفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين(٧) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٥٩١ - ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٣.

(٣) الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥ ، المغني ٢ : ٥٩٢.

(٤) أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١٢٨.

(٥) القِطْنيات ، جمع ، واحدتها : قِطْنية بكسر القاف ، وهي : الحبوب التي تدّخر كالحمّص والعدس ونحوهما. لسان العرب ١٣ : ٣٤٤ « قطن ».

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٠ ، المجموع ٥ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٤.

(٧) المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

٢٠٤

٢٠٥

المقصد الثالث

فيما تستحب فيه الزكاة‌

وفيه فصلان :

الأَوّل : في مال التجارة.

وفيه بحثان :

الأَوّل : في تحقيق ماهية مال التجارة.

مسألة ١٣٦ : مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك‌ ، فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القُنية ابتداءً أو انتهاءً لم يصر مال تجارة ، ولا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

واقتران القصد بالملك(١) ، فلو كان يملك عرضاً لقُنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة ، ولم ينعقد الحول عليه - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٢) - لأنّ الأصل القُنية ، والتجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

____________________

(١) يعني : لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضاً.

(٢) الأم ٢ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ - ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

٢٠٦

وعن أحمد رواية : أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية ؛ لقول سمرة : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع(١) ؛ وبالنيّة يصير معدّاً للبيع(٢) .

وليس بجيّد ؛ فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟

وفي وجه للشافعي : أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوى جعله للقُنية فإنّه يصير للقُنية(٣) .

والفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء ، والتجارة عارضة ، وبمجرّد النيّة يعود حكم الأصل ، ولا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة ١٣٧ : ويشترط أن يملكه بفعله‌ إجماعاً ، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

ويشترط أن يملكه بعوض عندنا - وبه قال الشافعي(٤) - فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية ، لم يصر مال التجارة.

وكذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتى لو اشترى عرضاً للقُنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو رُدّ عليه ما باعه فأخذه(٥) على قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله‌

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ - ٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، وهو قول الكرابيسي من الشافعية.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ و ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢ و ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٥) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : فأخذ. وما أثبتناه من « ن ».

٢٠٧

فعليه الزكاة »(١) وهو يدلّ على اعتبار رأس المال فيه.

ولأنّ القصد بالتجارة الاكتساب ، ولا يتحقّق المعنى إلّا إذا كان للسلعة رأس مال ، ولأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

وقال بعض الجمهور : لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره ، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض(٢) .

والفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا ، فإن كان عنده ثوب قُنية فاشترى به عبداً للتجارة ، ثمّ رُدّ الثوبُ بعيب انقطع حول التجارة ، ولا يكون الثوب مال تجارة ، لأنّه لم يكن مال تجارة حتى يعود عند انقطاع البيع على ما كان عليه.

ولو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقُنية ، ثم رُدّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة ؛ لأنّ قصد القُنية قطع حول التجارة.

مسألة ١٣٨ : يشترط كونها معاوضةً محضة‌ ، فلو اشترى بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد ، وسواء اشتراه بعين أو دَيْن ، وسواء كان الثمن مال قُنية أو مال تجارة.

ولو صالح على عرض للتجارة بَديْن أو عين للقُنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عرض الخُلع ، أو نكحت امرأة ونوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة ؛ لأنّ النكاح والخُلع ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : إنّه مال تجارة ؛ لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفى به في تعلّق الزكاة كما يكتفى به لثبوت‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٧ ( باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربة ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٨ ، بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٩.

٢٠٨

الشفعة(١) .

والأصل ممنوع.

مسألة ١٣٩ : يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة‌ إجماعاً ، فلو ملك مالاً للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذٍ ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) وهو عام.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا حال الحول فليزكّها » وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها(٣) .

مسألة ١٤٠ : ويشترط النصاب - في الثمن في زكاة التجارة - في الحول من أوله إلى آخره‌ ، فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب ، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصاباً أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب ، ثم ينقص السعر في أثناء الحول ، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا ، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد وابن المنذر والشافعي - في قول - لأنّه قال : يعتبر الحول فيه والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك(٤) .

وقال أبو حنيفة : يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول ، وفي آخره ؛ لأنّه وقت الوجوب ، ولا يعتبر فيما بينهما - وهو قول للشافعي أيضاً - لأنّ الأسعار‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ و ٩١ / ١ و ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٠٩

تنخفض وترتفع ويعسر ضبطها ومراقبتها(١) .

ونمنع المشقّة ؛ فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلى تقويم لظهور معرفته ، وإن قارب سهل عليه التقويم ، وإلّا بني على أصالة البقاء لو كان نصاباً ، وعدم الزيادة لو قصر.

وقال مالك : إنّه يعتبر في آخر الحول - وهو أصح وجوه الشافعي - لكثرة اضطراب القِيَم(٢) ؛ وقد تقدّم.

مسألة ١٤١ : يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره‌ ، فلو نقص رأس المال ولو حبّة ( في الحول )(٣) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به ، وإن عادت القيمة(٤) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع - خلافاً للجمهور(٥) كافة - لأنّ الزكاة شُرّعت إرفاقاً بالمساكين فلا يكون سبباً لإِضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ، ولأنّها تابعة للنماء عندهم وهو منفي مع الخسران.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله »(٦) .

احتجّوا بالعموم. والخاص مقدَّم.

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٢ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( في أثناء الحول ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) أي : إذا بلغ رأس المال.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢٧٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩.

٢١٠

البحث الثاني

في الأحكام‌

مسألة ١٤٢ : زكاة التجارة مستحبة غير واجبة‌ عند أكثر علمائنا(١) ، وبه قال ابن عباس وأهل الظاهر كداود وأصحابه ومالك(٢) ، وقال الشافعي : هو القياس(٣) ، لقولهعليه‌السلام : ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق )(٤) ولم يفصّل بين ما يكون للتجارة والخدمة.

وقولهعليه‌السلام : ( ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة )(٥) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة وتمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس في المال المضطرب به زكاة »(٦) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « يا زرارة إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد‌

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٧٦ ، والمبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٤ ، والخلاف ٢ : ٩١ ، المسألة ١٠٦ ، والسيد المرتضى في جُمل العلم والعمل ضمن رسائله ٣ : ٧٥ ، والمحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٤٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، المسألة ١٠٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٨.

(٥) أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، وبتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد : ٤٥٤ / ١٣٠٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٥.

٢١١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عثمان : كل مال [ من ](١) ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر [ به ](٢) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتّجر به أو دير وعُمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر »(٣) .

ولأصالة البراءة ، ولدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة على نفيه عمّا سواها ، وغير ذلك.

وقال بعض علمائنا بالوجوب(٤) ، وهو قول الجمهور كالفقهاء السبعة وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي - في الجديد - وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٥) ، لقول سَمُرة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع(٦) .

والأمر للندب تارة ، وللوجوب اُخرى ، فيحمل على الأول جمعاً بين الأدلّة ، ولو حمل على الوجوب حمل المعدّ للبيع على أحد النُصب التسعة ، والفائدة : إيجاب الزكاة وإن لم يتّخذ للقنية.

مسألة ١٤٣ : قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران‌ ، وأن لا يطلب بنقص من رأس المال ، فإن بقي ناقصاً أحوالاً استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله العلاء عن المتاع لا اُصيب به رأس المال‌

____________________

(١و٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ / ٢٧.

(٤) يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه ٢ : ١١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ / ١٥٦٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ - ١٤٧.

٢١٢

عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة »(١) .

مسألة ١٤٤ : لو طُلب في أثناء الحول بزيادة أو نمى المتاع‌ بأن كانت مواشي فتوالدت ، أو نخلاً وغيره فأثمر لم يبن حول النماء على حول الأصل ، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصاباً ، والزيادة من حين ظهورها ؛ لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٢) .

وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأحمد : حول النماء مبني على حول الأصل ؛ لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال والنتاج(٣) .

ونمنع الحكم في الأصل وعلّية المشترك.

وقال أبو حنيفة : يبنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماءً كان أو غيره(٤) .

وقال الشافعي : إن نضّت(٥) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب واستأنف لها حولاً ؛ لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح.

ولو اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة ، ويزكّي عن الجميع ، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٩ / ١٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١١ / ٣٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٦ / ٦٣٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢.

(٥) المال الناضّ ، هي : الدراهم والدنانير. الصحاح ٣ : ١١٠٧ « نضض ».

٢١٣

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب ، ويستأنف للزيادة حولاً(١) .

ولا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب : لو اشترى للتجارة بما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصاباً انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً في قول أكثر العلماء ، لأنّه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره(٢) .

وقال مالك : لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول وقد بلغت نصاباً تعلّقت بها الزكاة(٣) ، وقد سلف بطلانه.

مسألة ١٤٥ : لو اشترى شقصاً للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين‌ ، فإن جاء الشفيع أخذه بألف ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة ، والزكاة على المشتري ؛ لأنّها ثبتت وهو في ملكه ، ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد(٤) به عيباً فردّه فإنّه يأخذ من البائع ( ألفاً)(٥) .

ولو انعكس الفرض فاشتراه بألفين وحال الحول وقيمته ألف فلا زكاة عندنا ؛ للنقصان عن رأس المال.

وعند الجمهور عليه زكاة ألف ، ويأخذه الشفيع إن أخذه ويردّه بالعيب بالألفين ، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به(٦) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٥٨.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٤) أي : وجد المشتري.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( أيضاً ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٢ : ٦٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٣ ، المجموع ٦ : ٧٤.

٢١٤

مسألة ١٤٦ : لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الاُجرة‌ ، فالأشهر الأول.

ومن قال : إنّه يملك الحصة ، اختلفوا على قولين : أحدهما : أنّه يملك بالظهور ، والآخر : يملك بالإِنضاض ، وسيأتي(١) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قلنا لا يملك حصّة ، فالزكاة بأجمعها على المالك ؛ لأنّه يملك الربح والأصل معاً ، وإن قلنا : يملك بالظهور - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٢) - فعلى المالك زكاة الأصل ونصيبه من الربح.

وفي حصة العامل قولان : عدم الزكاة ؛ لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه ، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

والثاني : الثبوت ؛ للملك ، والتمكّن من التصرف فيه كيف شاء ، والقسمة ، وتعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقايةً لخسران يعرض ، وقوّاه الشيخ(٣) ، وللشافعي كالقولين(٤) .

وله آخر : أنّه كالمغصوب ، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه على حسب مشيئته(٥) .

وإن قلنا : إنّه يملك بالقسمة والإِنضاض - وهو أصح قولي الشافعي ، وبه قال مالك والمزني(٦) - فزكاة رأس المال على المالك.

____________________

(١) يأتي في المبحثين : الأول والرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ١٦٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٤ وفيه : ولو قلنا : إنّ ذلك له كان أحوط.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ - ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ - ٨٦.

(٥) المجموع ٦ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ و ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١.

٢١٥

وقيل : كذا الربح بأجمعه ، لأنّ الجميع له(١) .

ويحتمل في نصيب العامل العدم ، أمّا على المالك : فلأنّه يجري مجرى المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه ، وأمّا العامل : فلعدم ملكه به.

وإيجاب الزكاة في الربح كلّه على المالك ضعيف ، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له ، أو تتلف فلا يكون له ولا للمالك شي‌ء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ وكونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه ؛ لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولاً نصاباً ، أو يضمّها إلى ما عنده من أموال التجارة غيرها وتبلغ نصاباً.

ولا يبنى حول نصيب العامل على حول رأس المال عند علمائنا - وهو أحد وجهي الشافعية - لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

والثاني للشافعية : البناء ؛ لأنّه ربح كنصيب المالك(٢) . وليس بجيّد.

وعلى ما اخترناه ، فابتداء الحول من حين الظهور ؛ لحصول الملك حينئذٍ ، أو الإِنضاض والقسمة ؛ لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذٍ.

ويحتمل من يوم تقويم المال على المالك لأخذ الزكاة ، ولا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضى من الأحوال - كالدَّين يستوفيه - عند الشافعية(٣) .

والأقوى عندي : أنّه يخرج في الحال ؛ لتمكّنه من القسمة.

تذنيب : لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن‌

____________________

(١) القول للشافعية ، اُنظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٧٢.

٢١٦

يستبد به ، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاُجرة الدلّال والكيّال.

ويحتمل أنّ للمالك منعه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال ، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتى يسلّم إليه رأس المال ، ويبنى على الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

ويحتمل احتسابه من رأس المال ؛ لأنّه مصروف إلى حقّ لزم المالك ، فكان كما لو ارتجع شيئاً من المال.

ويحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال ؛ لأنّه يختص بلزومه.

مسألة ١٤٧ : إذا حال الحول على العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به‌ سواء كان نصاباً أو أقلّ ، وسواء كان من الأثمان أو لا ، ولا يعتبر نقد البلد ، وبه قال الشافعي إلّا أنّه قال : إذا كان من جنس الأثمان وكان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان : أحدهما : أن يقوّم بما اشتراه. والثاني : يقوّم بغالب نقد البلد(١) .

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب ، أمّا إذا اشترى للتجارة بمائة درهم وهو يملك مائة أخرى فإنه يقوّم بما ملك به أيضاً ، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

ووافقنا أبو يوسف(٢) في التقويم بما اشتراه مطلقاً ؛ لأنّ نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه ، ويعتبر به كما لو لم يشتر به شيئاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طلب برأس المال فصاعداً ففيه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٧

الزكاة ، وإن طلب بالخسران فليس فيه زكاة »(١) ولا يمكن أن يعرف رأس المال إلّا أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض ، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب وبالذهب نصاباً قوّمت به وإن كان الثمن فضةً ، وبالعكس ، لأنّ قيمته بلغت نصاباً فتثبت الزكاة فيه ، كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصاباً ، ولأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل(٢) .

والفرق في الأول ظاهر ؛ فإنّ الثمن بلغ نصاباً ، بخلاف المتنازع ، ومراعاة الفقراء ليست أولى من مراعاة المالك.

فروع :

أ - إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء ، ثم يقوّم في أثناء الحول إلى آخره بثمنه الذي اشتري به ، وقوّم الثمن بالنقدين ، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلى أن يعود إلى السعر ، وإلّا ثبتت.

ولو قصر أحدهما وزاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب ، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذٍ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلّا أن يكون العرض للتجارة.

ب - لو بلغت قيمته نصاباً بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضاً.

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٠٠ ذيل المسألة ١١٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، اللباب ١ : ١٤٨ - ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ - ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٨

وقال أحمد : يقوّم بما شاء إلّا أنّ الأولى إخراج النقد المستعمل في البلد ؛ لأنّه أحظّ للمساكين ، ولو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال ، ولو تساويا تخيّر(١) .

ج - لو بلغت السلعة نصاباً بأحد النقدين وقصرت بالآخر ثبتت الزكاة ؛ لأنّه بلغ نصاباً بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عيناً.

مسألة ١٤٨ : تثبت زكاة التجارة في كلّ حول‌ ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي(٢) ؛ لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله ، ولأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

وقال مالك : لا يزكّيه إلّا لحول واحد ، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عيناً في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عيناً(٣) .

ونمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة ١٤٩ : تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها ، قاله الشيخ(٤) -رحمه‌الله - على القول بالوجوب - وبه قال الشافعي في أحد القولين ، وأحمد(٥) - لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٣ - ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٩٥ ، المسألة ١٠٩.

(٥) الاُم ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٦٧ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨.

٢١٩

ولقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير »(١) وهو يدلّ على تعلّق الزكاة بالقيمة.

وقال أبو حنيفة : يتخيّر بين الإِخراج من العين أو من القيمة ، لكن الأصل العين ، فالزكاة تتعلّق بالسلعة وتجب فيها لا بالقيمة ، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب ، وإن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة - وهو الثاني للشافعي - لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال(٢) . ولا بأس بهذا القول.

ويمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإِخراج منه ، وكذا الرواية.

مسألة ١٥٠ : القدر المخرج هو رُبع العُشر إمّا من العين أو القيمة‌ - على الخلاف - إجماعاً ، وقد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به وإن كان غالب نقد البلد غيره ، لكن الأولى إخراج نقد البلد.

ولو ملكه بعرض للقُنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

وقال الشافعي : يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ، فإن بلغ به نصاباً أخرج زكاته ، وإلّا فلا ، وإن كان يبلغ بالآخر نصاباً أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب ، فإن استويا وبلغ بهما نصابا فوجوه : التخيير بأن يقوّم بما شاء ويخرجه ، ومراعاة الأغبط للفقراء ، والتقويم بالدراهم ، لأنّها أرفق وأصلح ، واعتبار الغالب في أقرب البلاد(٣) .

تذنيب : لو اشترى بنصاب من النقد وبعرض قُنية قوّم ما يقابل الدراهم‌

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٦ ذيل المسألة ١٠٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٦٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٧٣ - ٧٤ ، الوجيز ١ : ٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310