موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133741 / تحميل: 6448
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وكذا إذا اشترى رجل سلعة بثمن فجاء آخَر قبل لزوم العقد ، فقال للبائع : أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا ، فإنّه مكروه عندنا ، وحرام عند الشافعي ؛ لأنّه في معنى نهيهعليه‌السلام . ولأنّ اللفظ مشتمل عليه ؛ لأنّ اسم البائع يقع عليهما ، ولهذا يسمّيان متبايعين. ولأنّهعليه‌السلام نهى عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه(١) ، والمشتري في معنى الخاطب(٢) .

مسالة ٦٦٧ : يكره السوم على سوم المؤمن‌ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يسوم الرجل على سوم أخيه »(٣) .

فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ولم يعقد أو أذن فيه لوكيله ، كره السوم.

وقال الشافعي : يحرم ، كما تحرم الخطبة(٤) .

والأصل عندنا مكروه.

وأمّا إن لم يوجد ذلك ولا ما يدلّ عليه بل سكت ولم(٥) يُجِبْ إلى البيع ، لم يحرم السوم ، وبه قال الشافعي(٦) .

وأمّا أن يكون لم يصرّح بالرضا ، بل ظهر منه ما يدلّ على الرضا بالبيع ، فهو عند الشافعي مبنيّ على القولين في الخطبة.

____________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٨ ، مسند أحمد ٢ : ٢٨٧ / ٦١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ / ١٢٩٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٣.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٥ - ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « فلم ».

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ : ٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١.

١٦١

قال في القديم : تحرم الخطبة ؛ لعموم النهي.

وقال في الجديد : لا تحرم ؛ لحديث فاطمة بنت قيس ، وقوله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ] لها : « انكحي اُسامة» وقد خطبها معاوية وأبو جهم(١) ، فالبيع مثل ذلك(٢) .

هذا إذا تساوما بينهما ، فأمّا إذا كانت السلعة في النداء ، فإنّه يجوز أن يستامها واحد بعد واحد ، لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع واحد ، بل سامها للكلّ ولم يخصّ واحداً.

وأصله أنّ رجلاً من الأنصار شكا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الشدّةَ والجهد ، فقال له : « ما بقي لك شي‌ء؟ » فقال : بلى قدح وحلس ، قال : « فأتني بهما » فأتاه بهما ، فقال : « مَنْ يبتاعهما؟» فقال رجل : أنا أبتاعهما بدرهم ، وقال(٣) رجل آخر : عليَّ درهمين ، فقال النبيّ : « هُما لك بالدرهمين »(٤) .

ولأنّه قد يبيعهما من واحد ويقصد إرفاقه ويخصّصه(٥) ، فإذا سامها آخَر ، فسد غرضه ، وإذا نادى عليها ، فلم يقصد إلّا طلب الثمن ، فافترقا.

تذنيب : يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لدلالته على شدّة الحرص في طلب الدنيا ، لأنّه وقت طلب الرزق من الله تعالى.

ولما رواه عليّ بن أسباط رَفَعه ، قال : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١١٤ / ١٤٨٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧٧ - ١٧٨ ، ١٨١ ، ٤٧١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥ و ٦.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠.

(٣) في « س ، ي » : « فقال ».

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤٠ / ٢١٩٨ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٢٠ / ١٦٤١ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥٨ - ٥٥٩ / ١١٧٢٤ بتفاوت.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « أو تخصيصه ».

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٢.

١٦٢

وتكره الزيادة وقت النداء ، بل إذا سكت المنادي ، زاد ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يقول : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، وإنّما يحرّم الزيادةَ النداءُ ، ويُحلّها السكوت »(١) .

مسالة ٦٦٨ : لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئاً إلّا بإذنه - إلّا مع خوف التلف - إن كان غنيّاً ، أو كان الولد ينفق عليه ؛ لأصالة عصمة مال الغير.

ولو كان الولد صغيراً أو مجنوناً ، فالولاية للأب ، فله الاقتراض مع العسر واليسر.

ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل ، ويكون موجباً قابلاً ، وأن يقوّم جاريته عليه ، ويطأها حينئذٍ.

ولو كان الأب معسراً ، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر مؤونة نفسه خاصّةً إذا مَنَعه الولد.

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ، قال : « يأكل منه ما شاء من غير سرف » وقال : « وفي كتاب عليّعليه‌السلام أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك » ثمّ قال الباقرعليه‌السلام : « لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ - ٣٠٦ / ٨ ، وبتفاوت يسير في التهذيب ٧ : ٢٢٧ - ٢٢٨ / ٩٩٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦١ ، وفي الاستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٧ عن الإمام الباقرعليه‌السلام .

١٦٣

ممّا لا بُدّ منه ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يحبّ الفساد »(١) .

وعن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأكل من مال ولده ، قال : « لا ، إلّا أن يضطرّ إليه ، فليأكل منه بالمعروف ، ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذن والده »(٢) .

مسالة ٦٦٩ : والولد يحرم عليه مال والده‌ ، فلا يحلّ له أن يأخذ منه شيئاً إلّا بإذنه ، فلو اضطرّ الولد المعسر إلى النفقة ومَنَعه الأب ، كان للولد أن يأخذ قدر مؤونته ؛ لأنّه كالدَّيْن على الأب.

ويحرم على الاُمّ أن تأخذ من مال ولدها شيئاً إلّا إذا مَنَعها النفقة الواجبة عليه.

وكذا يحرم على الولد أخذ مال الاُمّ إلّا إذا وجب نفقته عليها ومَنَعْته.

وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوّغنا ذلك للأب ؛ لأنّ الولاية له دونها ؛ لما رواه - في الحسن - محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه ، قال : « يأكل منه ، فأمّا الاُمّ فلا تأكل منه إلّا قرضاً على نفسها »(٣) .

ويجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير ويحجّ عنه ؛ للولاية.

ولما رواه سعيد بن يسار قال : قلت للصادقعليه‌السلام : أيحجّ الرجل من مال ابنه وهو صغير؟ قال : « نعم » قلت : أيحجّ حجّة الإسلام وينفق منه؟ قال : « نعم بالمعروف » ثمّ قال : « نعم ، يحجّ منه وينفق منه ، إنّ مال الولد‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٤٨ / ١٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٤٨ - ٤٩ / ١٥٩ ، وفيها : « فيأكل» بدل « فليأكل ».

(٣) الكافي ٥ : ١٣٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٩ / ١٦٠.

١٦٤

للوالد ، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلّا بإذنه »(١) .

وسأل ابنُ سنان - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : ما ذا يحلّ للوالد من مال ولده؟ قال : « أمّا إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئاً ، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلّا أن يقوّمها قيمة تصير لولده قيمتها عليه » قال : « ويعلن ذلك فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية ، فأحبّ أن يفتضّها فليقوّمها على نفسه قيمة ثمّ يصنع بها ما شاء ، إن شاء وطئ ، وإن شاء باع »(٢) .

وعلى هذا تُحمل الأحاديث المطلقة.

مسالة ٦٧٠ : لا يحلّ لكلٍّ من الزوجين أن يأخذ من مال الآخَر شيئاً‌ ؛ لأصالة عصمة مال الغير ، إلّا بإذنه ، فإن سوّغت له ذلك ، حلّ.

ولو دَفَعتْ إليه مالاً وقالت له : اصنع به ما شئت ، كره له أن يشتري به جاريةً ويطأها ؛ لأنّ ذلك يرجع بالغمّ عليها.

روى هشام عن الصادقعليه‌السلام في الرجل تدفع إليه امرأته المال فتقول : اعمل به واصنع به ما شئت ، أله أن يشتري الجارية ثمّ(٣) يطأها؟ قال : « ليس له ذلك »(٤) ومقصود الإمامعليه‌السلام الكراهة ؛ لأصالة الإباحة.

روى الحسين بن المنذر قال : قلت للصادقعليه‌السلام : دَفَعَتْ إليَّ امرأتي مالاً أعمل به ، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال : فقال : « أرادت أن تقرّ‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٥ / ٩٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٥ / ٩٦٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٠ / ١٦٣.

(٣) كلمة « ثمّ » لم ترد في المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ - ٣٤٧ / ٩٧٥.

١٦٥

عينك وتسخن عينها »(١) .

وقد وردت رخصة في أنّ المرأة لها أن تتصدّق بالمأدوم إذا لم تجحف به ، إلّا أن يمنعها فيحرم.

قال ابن بكير : سألت الصادقَعليه‌السلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق به من مال زوجها بغير إذنه؟ قال : « المأدوم »(٢) .

وسأل عليّ بن جعفر أخاه ( موسى بن جعفرعليهما‌السلام )(٣) : عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟ قال : « لا ، إلّا أن يحلّلها »(٤) .

مسالة ٦٧١ : في الاحتكار قولان لعلمائنا :

التحريم ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٥) ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يحتكر إلّا خاطئ »(٦) أي آثم.

وقالعليه‌السلام : « الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون »(٧) .

وقالعليه‌السلام : « من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد بري‌ء من الله وبري‌ء الله منه »(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٤٧ / ٩٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٧ ( باب الرجل يأخذ من مال امرأته ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٦ / ٩٧٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في « س ، ي » : « الكاظمعليه‌السلام ».

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٦ / ٩٧٤.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٨ / ١٣٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ / ٢١٥٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧١ / ٣٤٤٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٧ / ١٢٦٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٨.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٨ / ٢١٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩.

(٨) المستدرك - للحاكم - ٢ : ١١ - ١٢ ، مسند أحمد ٢ : ١١٦ ، ٤٨٦٥.

١٦٦

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ»(١) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الحكرة في الخصب أربعون يوماً ، وفي الشدّة والبلاء ثلاثة أيّام ، فما زاد على الأربعين يوماً في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيّام فصاحبه ملعون »(٣) .

وروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « من احتكر على المسلمين لم يمت حتى يضربه الله بالجذام والإفلاس »(٤) .

والكراهة ؛ للأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام »(٥) .

مسالة ٦٧٢ : الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذّر غيره ، فلو استبقاها لحاجته أو وُجد غيره ، لم يمنع.

وقيل : أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيّام ، وفي الرخص أربعين‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ / ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٥.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٢٩ / ٢١٥٥ ، الترغيب والترهيب ٢ : ٥٨٣ / ٤ بتفاوت.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٥ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ - ١١٦ / ٤١١.

١٦٧

يوماً(١) .

وفسّر الشافعيّةُ الاحتكارَ : أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج إليه في حال ضيقه وغلاة على الناس فحبسه عنهم(٢) .

فأمّا إذا اشترى في حال سعته ، وحَبَسه ليزيد نفعه(٣) ، أو كان له طعام في زرعه فحبسه ، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة ، فأمّا إذا كان بهم ضرورة ، وجب عليه بذله لهم لأحيائهم ، وبه قال الشافعي(٤) أيضاً.

ولا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله ثمّ يفضل شي‌ء فيبيعه في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.

ولا بأس أن يمسك غلّة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء ، ولكنّ الأولى أن يبيع ما فضل عن كفايته.

وهل يكره إمساكه؟ للشافعيّة وجهان(٥) .

وتحريم الاحتكار مختصّ بالأقوات ، ومنها : التمر والزبيب ، ولا يعمّ جميع الأطعمة ، قاله الشافعي(٦) .

وقال الصادق ٧ : « الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن »(٧) .

____________________

(١) القائل بذلك من أصحابنا الإماميّة هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٧٤ - ٣٧٥.

(٢و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨.

(٣) في « س » و الطبعة الحجريّة : « ليريد منعه » و في « ي » : « ليزيد منعه » والظاهر ما أثبتناه

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٨ - ٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٤ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٦.

١٦٨

وسأل الحلبي الصادقَعليه‌السلام : عن الزيت ، فقال : « إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الحكرة أن يشتري طعاماً ليس في المصر غيره فيحتكره ، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل »(٢) .

مسالة ٦٧٣ : يجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع.

وهل يسعّر عليه؟ قولان لعلمائنا ، المشهور : العدم ؛ لما رواه العامّة أنّ السعر غلا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا رسول الله سعِّر لنا ، فقال : « إنّ الله هو المسعِّر القابض الباسط ، وإنّي لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحد(٣) منكم يطلبني بمظلمةٍ بدمٍ ولا مالٍ »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فقد الطعام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتى المسلمون فقالوا : يا رسول الله فقد الطعام ولم يبق منه شي‌ء إلاّ عند فلان ، فمره يبع ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد فُقد إلّا شيئاً عندك ، فأخرجه وبِعْه كيف شئت ولا تحبسه »(٥) ففوّض السعر إليه.

وعن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر‌

____________________

(١و٢) الكافي ٥ : ١٦٤ - ١٦٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ / ٧٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ / ٤٠٩.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لأحد ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤١ / ٢٢٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٢ / ٣٤٥١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٩ ، مسند أحمد ٣ : ٦٢٩ / ١٢١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٤ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٧.

١٦٩

الأبصار إليها ، فقيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قوّمت عليهم ، فغضبعليه‌السلام حتى عرف الغضب من وجهه ، فقال : أنا اُقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ، ويخفضه إذا شاء »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا يجوز أن يسعّر حالة الرخص عندنا وعند الشافعي(٢) .

وأمّا حالة الغلاء فكذلك عندنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يجوز له أن يسعّر - وبه قال مالك - رفقاً بالضعفاء.

وأصحّهما : أنّه لا يجوز تمكيناً للناس من التصرّف في أموالهم. ولأنّهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع ، فيشتدّ الأمر(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الطعام يجلب إلى البلدة ، فالتسعير حرام. وإن كان يزرع بها ويكون عند التناه(٤) فيها ، فلا يحرم(٥) .

وحيث جوّزنا التسعير فإنّما هو في الأطعمة خاصّة دون سائر الأقمشة والعقارات.

ويلحق بها علف الدوابّ ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٦) .

وإذا قلنا بالتسعير فسعَّر الإمام فخالف واحدٌ ، عُزّر ، وصحّ البيع.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦١ - ١٦٢ / ٧١٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ - ١١٥ / ٤٠٨.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « الغلاء » بدل « التناه ». وفي « ي » : « التناء ». والظاهر أنّ كلمة « التناه » مأخوذة من ناه الشي‌ء ينوه : ارتفع وعلا. اُنظر : لسان العرب ١٣ :٥٥٠ « نوه ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٧٠

وللشافعي في صحّته قولان(١) .

مسالة ٦٧٤ : تلقّي الركبان منهيّ عنه إجماعاً.

وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب : الثاني ؛ لأنّ العامّة روت أنّ النبيّعليه‌السلام قال : « لا تتلقّوا الركبان للبيع »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهعليه‌السلام :

لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجاً من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض »(٣) .

وصورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه ، فيخرج الإنسان يتلقّاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره. فإن اشترى منهم من غير معرفة منهم بسعر البلد ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لا يعود إلى معنى في البيع ، وإنّما يعود إلى ضرب من الخديعة والإضرار ، لأنّ في الحديث « فإن تلقّاه متلقّ فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق »(٤) فأثبت البيع مع ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر ، وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن ، سواء أخبر كاذباً أو لم يخبر. ولو انتفى الغبن ، فلا خيار.

وقال الشافعي : إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائداً ، ففي ثبوت الخيار(٥) وجهان :

أحدهما : يثبت ؛ لظاهر الخبر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩٤ / ١٠١٣٨.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب التلقّي ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٧.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ / ١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨.

(٥) في « س » : « ثبوته » بدل « ثبوت الخيار ».

١٧١

وأصحّهما : العدم ؛ لأنّه لم يوجد تغرير وخيانة(١) .

ولا فرق بين أن يكون مشترياً منهم أو بائعاً عليهم.

ولو ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء مع علمٍ منهم بسعر البلد أو غير علم ، فالأقرب : ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.

وللشافعي(٢) القولان السابقان.

ولو خرج اتّفاقاً لا بقصد التلقّي ، بل خرج لشغلٍ(٣) آخر من اصطياد وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئاً ، لم يكن قد فَعَل مكروهاً.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يعصي ؛ لشمول المعنى.

والثاني : لا يعصي ؛ لأنّه لم يتلقّ.

والأظهر عندهم : الأوّل(٤) .

فعلى الثاني لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين ، عند الشافعي(٥) .

وعندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقاً.

وقال بعض الشافعيّة : إن أخبر بالسعر كاذباً ، ثبت(٦) الخيار.

وحيث ثبت الخيار فهو على الفور ، كخيار العيب.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، وهو أصحّهما. والثاني : أنّه يمتدّ ثلاثة أيّام ، كخيار التصرية(٧) .

ولو تلقّى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد ، فهو‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٣) في « س » والطبعة الحجريّة : « بشغل ».

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

١٧٢

كالتلقّي.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : لا يثبت فيه حكمه ؛ لأنّ النهي ورد عن الشراء.

والثاني : نعم ؛ لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم(١) .

وقال مالك : البيع باطل(٢) .

وحدّ التلقّي عندنا أربعة فراسخ ، فإن زاد على ذلك ، لم يكره ولم يكن تلقّياً ، بل كان تجارةً وجلباً ؛ لما رواه منهال عن الصادقعليه‌السلام قال : قال : « لا تلقّ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن التلقّي » قلت : وما حدّ التلقّي؟ قال : « ما دون غدوة أو روحة » قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : « أربعة فراسخ » قال ابن أبي عمير : وما فوق ذلك فليس بتلقّ(٣) .

مسالة ٦٧٥ : يكره أن يبيع حاضر لباد فيكون الحاضر وكيلا للبادي.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يبيع حاضر لباد »(٤) .

وصورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلى بلد أو قرية فيجي‌ء إليه الحاضر في البلد فيقول : لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيّام بأكثر من ثمنه الآن.

وليس محرّما ، للأصل.

وقال الشافعي : إنّه محرّم ، للنهي(٥) .

ويحصل له الإثم بشروط أربعة :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٩ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ / ٦٩٩.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ / ١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ / ٢١٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٢٥ / ١٢٢٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

١٧٣

أ - أن يكون البدوي يريد البيع.

ب - أن يريد بيعه في الحال.

ج - أن يكون بالناس حاجة إلى المتاع وهُمْ في ضيق.

د - أن يكون الحاضر استدعى منه ذلك.

روى ابن عباس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يبيع حاضر لباد » قال طاوُس : وكيف لا يبيع؟ فقال : لا يكون له سمساراً(١) .

والأصل في المنع أنّ فيه إدخال الضرر على أهل الحضر وتضييقاً عليهم ، فلهذا نهي عنه.

فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها ، جاز ذلك ؛ لأنّه إذا لم يكن بأهل البلد حاجة ، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.

وكذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال ، فإنّه يجوز للحضري أن يتولّى له البيع.

ولو وُجدت الشرائط وخالف الحاضر وباع ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لا لمعنى يعود إلى البيع.

وشرط بعض الشافعيّة أن يكون الحاضر عالماً بورود النهي فيه ، وهذا شرط يعمّ جميع المناهي. وأن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، فإن لم تظهر إمّا لكبر البلد وقلّة ذلك الطعام أو لعموم وجوده ورخص السعر ، ففيه عندهم وجهان ، أوفقهما لمطلق الخبر : أنّه يحرم. والثاني : لا ، لأنّ المعنى المحرّم تفويت الرزق ، والربح على الناس ، وهذا المعنى لم يوجد هنا. وأن يكون المتاع المجلوب إليه ممّا تعمّ الحاجة إليه ، كالصوف والأقِط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٧ / ١٥٢١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٩ / ٣٤٣٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٦.

١٧٤

وسائر أطعمة القرى ، وأمّا ما لا يحتاج إليه إلّا نادراً فلا يدخل تحت النهي(١) .

ولو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظّه ، قال بعض الشافعيّة : إذا كان الرشد في الادّخار والبيع على التدريج ، وجب عليه إرشاده إليه بذْلاً للنصيحة(٢) .

وقال بعضهم : لا يرشده إليه توسّعاً على الناس(٣) .

مسالة ٦٧٦ : روى العامّة أنّه قد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع العربان(٤) . ويقال : عربون ، وأربان وأربون. والعامّة يقولون : ربون.

وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا على أنّه إن أخذ السلعة ، كان المدفوع من الثمن. وإن لم يدفع الثمن وردّ السلعة ، لم يسترجع ذلك المدفوع - وبه قال الشافعي(٥) - للنهي الذي رواه العامّة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق ٧ : « كان أمير المؤمنين ٧ يقول : لا يجوز بيع العربون إلاّ أن يكون نقدا من الثمن »(٦) .

وقال أحمد : لا بأس به ؛ لما روي أنّ نافع بن عبد الحارث اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر ، وإلّا له كذا وكذا. وضعّف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٧ - ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٩ - ٨٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٨ / ٢١٩٢ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٢.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٤ ، المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٦) الكافي ٥ : ٢٣٣ ( باب العربون ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢١.

١٧٥

حديث النهي(١) .

قالت الشافعيّة : إنّه ليس بصحيح ؛ لأنّه شرط أن يكون للبائع شي‌ء بغير عوض ، فهو كما لو شرط للأجنبيّ(٢) .

ويفسّر العربون أيضاً بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له شيئاً من خاتم يصوغه أو خفّ يخرزه أو ثوب ينسجه على أنّه إن رضيه بالمدفوع في الثمن ، وإلّا لم يستردّه منه. وهُما(٣) متقاربان.

مسالة ٦٧٧ : بيع التلجئة باطل عندنا‌ ، وهو أن يتّفقا على أن يُظهرا العقد خوفاً من ظالم من غير بيع ، ويتواطآ على الاعتراف بالبيع ، أو لغير ذلك - وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمّد(٤) - لأنّ الأصل بقاء الملك على صاحبه ، ولم يوجد ما يخرجه عن أصالته. ولأنّهما لم يقصدا البيع ، فلا يصحّ منهما ، كالهازلَيْن.

وقال أبو حنيفة والشافعي : هو صحيح ؛ لأنّ البيع تمّ بأركانه وشروطه خاليةً عن مقارنة مُفسدٍ ، فصحّ ، كما لو اتّفقا على شرطٍ فاسد ثمّ عقدا البيع بغير شرط(٥) .

ونمنع تماميّة البيع.

ولو تبايعا بعد ذلك بعقدٍ صحيح ، صحّ البيع إن لم يوقعاه قاصدين لما تقدّم من المواطأة ؛ لأصالة الصحّة ، وعدم صلاحية سبق المواطاة للمانعيّة.

وكذا لو اتّفقا على أن يتبايعا بألف ويُظهرا ألفين فتبايعا بألفين ، فإنّ‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣١٣ ، المجموع ٩ : ٣٣٥.

(٢) المغني ٤ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٦.

(٣) أي : هذا التفسير والتفسير المتقدّم في صدر المسألة.

(٤ و ٥ ) المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٣٤.

١٧٦

البيع لازم ، والاتّفاق السابق لا يؤثّر ، قاله الشافعي ، ورواه أبو يوسف عن أبي حنيفة(١) .

وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ البيع إلّا على أن يتّفقا على أنّ الثمن ألف درهم ويتبايعاه بمائة دينار ، فيكون الثمن مائة دينار استحساناً - وإليه ذهب أبو يوسف ومحمّد - لأنّه إذا تقدّم الاتّفاق ، صارا كالهازلَيْن بالعقد ، فلم يصحّ العقد(٢) .

قالت الشافعيّة : الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثّر فيه ، كما لو اتّفقا على شرطٍ فاسد ثمّ عقدا العقد ، فإنّه لا يثبت فيه(٣) .

مسالة ٦٧٨ : قد ذكرنا أنّ التجارة مستحبّة.

قال الصادقعليه‌السلام : « ترك التجارة ينقص العقل »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام لمعاذ في حديثٍ : « اسع على عيالك ، وإيّاك أن يكونوا هُم السعاة عليك »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أوّلاً فيتفقّه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « مَن اتّجر بغير علمٍ ارتطم في الربا ثمّ ارتطم »(٦) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول على المنبر : « يا معشر التجّار الفقه ثمّ المتجر ، الفقه ثمّ المتجر، والله للربا في هذه الاُمّة أخفى من دبيب النملة على الصفا ، شوبوا أيمانكم بالصدقة(٧) ، التاجر فاجر ، والفاجر في النار إلّا‌

____________________

(١ - ٣ ) المجموع ٩ : ٣٣٤.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٨ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢ / ١.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٨ - ١٤٩ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢ - ٣ / ٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٣ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٣ ، التهذيب ٧ : ٥ / ١٤.

(٧) في الكافي « بالصدق ».

١٧٧

مَنْ أخذ الحقّ وأعطى الحقّ »(١) .

« وكان عليّعليه‌السلام بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرةً من القصر يطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرّة على عاتقه فيقف على أهل كلّ سوق فينادي : يا معشر التجّار اتّقوا الله عزّ وجلّ ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما في أيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم ، فيقول : قدّموا الاستخارة ، وتبرّكوا بالسهولة ، واقتربوا من المتبايعين ، وتزيّنوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين ، وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا ، وأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، فيطوف في جميع الأسواق بالكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس »(٢) .

مسالة ٦٧٩ : يكره الحلف على البيع‌ ، وكتمان العيب ، ومدح البائع ، وذمّ المشتري ، والمبادرة إلى السوق أوّلاً ؛ لما فيه من شدّة الحرص في الدنيا.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، وإلّا فلا يشتر ولا يبع : الربا ، والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد إذا باع ، والذمّ إذا اشترى »(٣) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « ثلاثة لا ينظر الله اليهم ، أحدهم : رجل اتّخذ الله عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلّا بيمين ولا يبيع إلّا بيمين »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٢١ / ٥١٩ ، التهذيب ٧ : ٦ / ١٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ / ٣ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ ، التهذيب ٧ : ٦ / ١٧.

(٣) التهذيب ٧ : ٦ / ١٨ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٠ - ١٥١ / ٢ ، والفقيه ٣ : ١٢٠ - ١٢١ / ٥١٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٢ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٦.

١٧٨

وقال الصادقعليه‌السلام : « إيّاكم والحلف ، فإنّه يمحق البركة ، وينفق السلعة »(١) .

وتكره معاملة ذوي العاهات.

قال الصادقعليه‌السلام : « لا تعامل ذا عاهة فإنّهم أظلم شي‌ء »(٢) .

وكذا تكره مخالطة السفلة والمحارفين والأكراد ، ولا يعامل إلّا مَنْ نشأ في خير.

قال الصادقعليه‌السلام : « إيّاكم ومخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول إلى خير »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تشتر من محارف ، فإنّ حرفته لا بركة فيها »(٤) .

وسأل أبو الربيع الشامي الصادقَعليه‌السلام ، فقلت : إنّ عندنا قوماً من الأكراد وإنّهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم ، فقال : « يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فإنّ الأكراد حيّ من أحياء الجنّ كشف الله عنهم الغطاء ، فلا تخالطوهم »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تخالطوا ولا تعاملوا إلّا مَنْ نشأ في الخير »(٦) .

واستقرض قهرمان لأبي عبد اللهعليه‌السلام من رجل طعاماً للصادقعليه‌السلام ، فألحّ في التقاضي ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « ألم أنهك أن تستقرض ممّن‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١١ / ٤١.

(٥) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٨٨ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٦.

١٧٩

لم يكن له فكان »(١) .

مسالة ٦٨٠ : يستحبّ إنظار المعسر ، وإقالة النادم‌ ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحقّ وافياً أو غير وافٍ(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « لا يكون الوفاء حتى يرجّح »(٣) .

وقال : « لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان »(٤) .

ولا ينبغي أن يتعرّض للكيل أو الوزن(٥) إلّا من يعرفهما حذراً من أخذ مال الغير.

مسالة ٦٨١ : لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة التي لا يظهر فيها المبيع ظهوراً بيّناً ، حذراً من الغشّ.

قال هشام بن الحكم : كنت أبيع السابري في الظلال ، فمرّ بي الكاظمعليه‌السلام فقال : « يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ »(٦) .

ويحرم أن يزيّن المتاع بأن يُظهر جيّده ويكتم رديئه.

قال الباقرعليه‌السلام : « مرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في سوق المدينة بطعام ، فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلّا طيباً ، وسأل عن سعره ، فأوحى الله تعالى [ إليه ](٧) أن يدير يده في الطعام ، ففَعَل فأخرج طعاماً رديئاً ، فقال لصاحبه :

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٠ / ٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٥١ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٥ / ١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٠ ( باب الوفاء والبخس ) الحديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٤.

(٥) في « ي » : « للكيل والوزن ». وفي الطبعة الحجريّة : « الكيل والوزن ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ - ١٦١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين من المصدر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

كان الإمام عليه‌السلام يلجأ إلى الله تعالى في جميع اموره وشئونه ، ويحتجب به من كيد الأعداء ، وشرّ الأشرار وهذه بعض أدعيته في الاحتجاب والاعتصام.

دعاؤه عليه‌السلام

في الاحتجاب

وكان الإمام عليه‌السلام يحتجب بهذا الدعاء عن جميع ما ألمّ به من حوادث الزمن ، وخطوب الأيام ، وهذا نصّه :

اللهمّ مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممّن تشاء ، وتعزّ من تشاء ، وتذلّ من تشاء ، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير. تولج اللّيل في النّهار ، وتولج النّهار في اللّيل ، وتخرج الحيّ من الميّت ، وتخرج الميّت من الحيّ ، وترزق من تشاء بغير حساب.

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، خضعت البرّيّة لعظمة جلاله أجمعون ، وذلّ لعظمة عزّه كلّ متعاظم منهم ، ولا يجد أحد منهم إليه مخلصا ، بل يجعلهم الله شاردين متمزّقين في عزّ طغيانهم هالكين ، بقل أعوذ بربّ الفلق * من شرّ ما خلق * ومن شرّ غاسق إذا وقب * ومن شرّ النّفّاثات في العقد * ومن شرّ حاسد

٢٠١

إذا حسد ، وبقل أعوذ بربّ النّاس * ملك النّاس. إله النّاس * من شرّ الوسواس الخنّاس. الّذي يوسوس في صدور النّاس * من الجنّة والنّاس ، انغلق عنّي باب المستأخرين منكم والمستقدمين ، فهم ضالّون مطرودون بالصّافّات ، بالذّاريات ، بالمرسلات ، بالنّازعات ، أزجركم عن الحركات كونوا رمادا لا تبسطوا إليّ ، ولا إلي مؤمن يدا ، اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، هذا يوم لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، عميت الأعين ، وخرست الألسن ، وخضعت الأعناق للملك الخلاّق.

اللهمّ بالميم والعين والفاء والحاءين ، وبنور الأشباح ، وبتلألؤ ضياء الإصباح ، وبتقديرك لي يا قدير في الغدوّ والرّواح ، اكفني شرّ من دبّ ومشى ، وتجبّر وعتا ، الله الغالب ولا ملجأ منه لهارب ، نصر من الله وفتح قريب ، إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويّ عزيز ، أمن من استجار بالله ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٢٢٢.

٢٠٢

دعاؤه عليه‌السلام

في الاحتجاب عن خصومه

ومن أدعية الإمام عليه‌السلام في الاحتجاب عن كيد خصومه وأعدائه هذا الدعاء :

احتجبت بنور وجه الله القديم الكامل ، وتحصّنت بحصن الله القويّ الشّامل ، ورميت من بغى عليّ بسهم الله وسيفه القاتل.

اللهمّ يا غالبا على أمره ، ويا قائما فوق خلقه ، ويا حائلا بين المرء وقلبه ، حل بيني وبين الشّيطان ونزغه ، وبين ما لا طاقة لي به من أحد من عبادك ، كفّ عنّي ألسنتهم ، وأغلل أيديهم وأرجلهم ، واجعل بيني وبينهم سدّا من نور عظمتك ، وحجابا من قوّتك ، وجندا من سلطانك إنّك حيّ قادر.

اللهمّ أغش عنّي أبصار النّاظرين حتّى أرد الموارد ، وأغش عنّي أبصار النّور (١) ، وأبصار الظّلمة ، وأبصار المريدين بي السّوء ، حتّى لا أبالي عن أبصارهم ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، يقلّب الله اللّيل والنّهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

بسم الله الرّحمن الرّحيم كهيعص.

بسم الله الرّحمن الرّحيم حم عسق كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به

__________________

(١) لعلّه أراد أن يكفيه الله شرّ من يكيده في غلس الليل وفي وضح النهار.

٢٠٣

نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح. هو الله الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم. يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، علمت نفس ما أحضرت ، فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنّس ، واللّيل إذا عسعس والصّبح إذا تنفّس ، ص والقرآن ذي الذّكر ، بل الّذين كفروا في عزّة وشقاق.

وكان يقول ثلاثا :

شاهت الوجوه ، وعميت الأبصار ، وكلّت الألسن ، جعلت خيرهم بين عينيهم ، وشرّهم تحت قدميهم ، وخاتم سليمان بين أكتافهم ، سبحان الله القادر القاهر ، الكافي فسيكفيكهم الله وهو السّميع العليم ، صبغة الله ، ومن أحسن من الله صبغة كهيعص ، اكفنا ، حمعسق ، احمنا وارحمنا ، هو الله القادر القاهر القويّ الكافي ، وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ، أولئك الّذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، واولئك هم الغافلون ، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين الطّيّبين الطّاهرين ، إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين. اللهمّ إنّي أسألك أن تقضي حاجتي ، وتغفر ذنوبي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت برحمتك يا أرحم الرّاحمين ، وعنت الوجوه للحيّ القيّوم ، وقد خاب من حمل ظلما يا حيّ يا قيّوم ، يا ذا الجلال والإكرام (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٥٢ ، نقلا عن الكلم الطيّب للسيّد عليخان المدني.

٢٠٤

دعاؤه عليه‌السلام

في الاعتصام بالله

واعتصم الإمام عليه‌السلام بالله تعالى كأعظم ما يكون الاعتصام ، وكان من دعائه في ذلك قوله :

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو ، الباعث ، الوارث.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو القائم على كلّ نفس بما كسبت.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الّذي قال للسّماوات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو ، لا تأخذه سنة ولا نوم.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الرّحمن على العرش استوى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو له ما في السّماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو يرى ولا يرى وهو بالمنظر الأعلى ، ربّ الآخرة والأولى.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الّذي ذلّ كلّ شيء لملكه

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الّذي خضع كلّ شيء لعظمته ، اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو في علوّه دان ، وفي دنوّه عال ، وفي سلطانه قويّ.

٢٠٥

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو البديع الرّفيع ، الحيّ الدّائم الباقي ، الّذي لا يزول.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الّذي لا تصف الألسن قدرته.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الحنّان المنّان ذو الجلال والإكرام.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الواحد الأحد الفرد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو أكرم الأكرمين ، الكبير الأكبر ، العليّ الأعلى.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو بيده الخير كلّه ، وهو على كلّ شيء قدير.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو يسبّح له ما في السّماوات وما في الأرض ، كلّ له قانتون.

اعتصمت بالله الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ ، الحكيم ، السّميع ، العليم ، الرّحمن ، الرّحيم.

اللهمّ إنّي أسألك وأنت أعلم بمسألتي ، وأطلب إليك وأنت العالم بحاجتي ، وأرغب إليك وأنت منتهى رغبتي ، فيا عالم الخفيّات ، وسامك السّماوات ، ودافع البليّات ، ومطلب الحاجات ، ومعطي السّؤلات صلّ على محمّد خاتم النّبيّين ،

٢٠٦

وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين.

اللهمّ اغفر لي خطيئتي وإسرافي في أمري كلّه وما أنت أعلم به منّي.

اللهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وجدّي فكلّ ذلك عندي.

اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدّم ، وأنت المؤخّر ، وأنت على كلّ شيء قدير (١) .

أرأيتم هذا الاعتصام والالتجاء إلى الله تعالى؟ لقد انقطع هذا الإمام العظيم إلى الله وتمسّك بطاعته ، فقد استوعب حبّه لله وخشيته منه جميع آفاق نفسه.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ١٠٢ ـ ١٠٦. مهج الدعوات : ١٣٣ ـ ١٣٤.

٢٠٧
٢٠٨

ادعيته في اللّيالي والأيّام المباركة وغيرها

٢٠٩
٢١٠

استوعب حبّ الله تعالى قلب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد هام في ذكره ودعائه ، وانقطع إليه ، ففي كلّ فترة من حياته كان يلهج بذكر الله تعالى ويناجيه ويدعوه ضارعا مستكينا ، وقد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة في الليالي والأيام المباركة كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

في ليلة الجمعة

من الليالي الشريفة في الإسلام ليلة الجمعة ، وكان الإمام عليه‌السلام يدعو الله تعالى فيها بهذا الدعاء الجليل :

اللهمّ إنّي أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها شملي ، وتلمّ بها شعثي ، وتحفظ بها غائبي ، وتصلح بها شاهدي ، وتزكّي بها عملي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني بها من كلّ سوء.

اللهمّ اعطني إيمانا صادقا ، ويقينا خالصا ، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدّنيا والآخرة.

اللهمّ إنّي أسألك الفوز في القضاء ومنازل العلماء ، وعيش السّعداء ، والنّصر

٢١١

على الأعداء.

اللهمّ إنّي أنزلت بك حاجتي ، وإن ضعف عملي فقد افتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضي الأمور ، ويا شافي الصّدور ، كما تحجز بين البحور أن تجيرني من عذاب السّعير ، ومن دعوة الثّبور ، ومن فتنة القبور.

اللهمّ وما قصرت عنه مسألتي ، ولم تبلغه منيتي ، ولم تحط به مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك فإنّي أرغب إليك فيه. اللهمّ يا ذا الحبل الشّديد ، والأمر الرّشيد ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنّة يوم الخلود مع المقرّبين الشّهود ، والرّكّع السّجود ، الموفين بالعهود إنّك رحيم ودود ، وإنّك تفعل ما تريد.

اللهمّ اجعلنا هادين مهديّين ، غير ضالّين ولا مضلّين ، سلما لأوليائك ، وحربا لأعدائك ، نحبّ بحبّك التّائبين ، ونعادي بعداوتك من خالفك.

اللهمّ هذا الدّعاء وعليك الاستجابة ، وهذا الجهد وعليك التّكلان.

اللهمّ اجعل لي نورا في قلبي ، ونورا في قبري ، ونورا بين يديّ ، ونورا تحتي ، ونورا فوقي ، ونورا في سمعي ، ونورا في بصري ، ونورا في شعري ، ونورا في بشري ، ونورا في لحمي ، ونورا في دمي ، ونورا في عظامي.

اللهمّ اعظم لي النّور. سبحان الّذي تأزّر بالمجد ، وتكرّم به ، سبحان من لا ينبغي التّسبيح إلاّ له ، سبحان ذي الفضل والنّعم ، سبحان ذي المجد والكرم ، سبحان ذي الجلال والإكرام (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ١٧٢ ـ ١٧٤ ، نقلا عن كتاب عدّة السفر وعمدة الحضر للشيخ الطبرسي.

٢١٢

دعاؤه عليه‌السلام

في ليلة الفطر

من الليالي الجليلة التي يستحبّ إحياؤها بالصلاة وذكر الله تعالى ليلة عيد الفطر ، فقد ورد فيها استحباب صلاة ركعتين يقرأ في الركعة الاولى سورة الفاتحة ، وألف مرّة سورة التوحيد ، وفي الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة التوحيد مرّة واحدة ، ثمّ يدعو بهذا الدعاء نصّ على ذلك الإمام الأعظم جعفر الصادق عليه‌السلام ونسبه إلى جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وذكر أنّ المصلّي بعد الفراغ من صلاته لا يسأل شيئا من الله إلاّ أعطاه ، وهذا نصّ الدعاء :

يا الله ، يا الله ، يا الله ، يا رحمن يا الله ، يا ملك يا الله ، يا قدّوس يا الله ، يا سلام يا الله ، يا مؤمن يا الله ، يا مهيمن يا الله ، يا عزيز يا الله ، يا جبّار يا الله ، يا متكبّر يا الله ، يا خالق يا الله ، يا بارئ يا الله ، يا مصوّر يا الله ، يا عالم يا الله ، يا عظيم يا الله ، يا عليم يا الله ، يا كريم يا الله ، يا حليم يا الله ، يا حكيم يا الله ، يا سميع يا الله ، يا بصير يا الله ، يا قريب يا الله ، يا مجيب يا الله ، يا جواد يا الله ، يا واحد يا الله ، يا وليّ يا الله ، يا وفيّ يا الله ، يا مولى يا الله ، يا قاضي يا الله ، يا سريع يا الله ، يا شديد يا الله ، يا رءوف يا الله ، يا رقيب يا الله ، يا مجيب يا الله ، يا جواد يا الله ، يا ماجد يا الله ، يا عليّ يا الله ، يا حفيظ يا الله ، يا محيط يا الله ، يا سيّد السّادات يا الله ، يا أوّل يا الله ، يا آخر يا الله ، يا ظاهر يا الله ، يا باطن يا الله ، يا فاخر يا الله ، يا قاهر يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ،

٢١٣

يا ودود يا الله ، يا نور يا الله ، يا دافع يا الله ، يا مانع يا الله ، يا فاتح يا الله ، يا نفّاع يا الله ، يا جليل يا الله ، يا جميل يا الله ، يا شهيد يا الله ، يا شاهد يا الله ، يا حبيب يا الله ، يا فاطر يا الله ، يا مطهّر يا الله ، يا مالك يا الله ، يا مقتدر يا الله ، يا قابض يا الله ، يا باسط يا الله ، يا محيي يا الله ، يا مميت يا الله ، يا مجيب يا الله ، يا باعث يا الله ، يا معطي يا الله ، يا مفضل يا الله ، يا منعم يا الله ، يا حقّ يا الله ، يا مبين يا الله ، يا طيّب يا الله ، يا معيد يا الله ، يا محسن يا الله ، يا مبدئ يا الله ، يا معيد يا الله ، يا بارئ يا الله ، يا بديع يا الله ، يا هادي يا الله ، يا كافي يا الله ، يا شافي يا الله ، يا عليّ يا الله ، يا حنّان يا الله ، يا منّان يا الله ، يا ذا الطّول يا الله ، يا متعالي يا الله ، يا عدل يا الله ، يا ذا المعارج يا الله ، يا صادق يا الله ، يا ديّان يا الله ، يا باقي يا الله ، يا ذا الجلال يا الله ، يا ذا الإكرام يا الله ، يا معبود يا الله ، يا محمود يا الله ، يا صانع يا الله ، يا معين يا الله ، يا مكوّن يا الله ، يا فعّال يا الله ، يا لطيف يا الله ، يا غفور يا الله ، يا شكور يا الله ، يا نور يا الله ، يا حنّان يا الله ، يا قدير يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ، يا ربّاه يا الله ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وتمنّ عليّ برضاك وتعفو عنّي بحلمك ، وتوسّع عليّ من رزقك الحلال الطّيّب من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب فإنّي عبدك ليس لي أحد سواك ولا أجد أحدا أسأله غيرك يا أرحم الرّاحمين ، ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وبعد تلاوة هذا الدعاء يسجد المصلّي ويقول في سجوده :

يا الله ، يا الله ، يا الله ، يا ربّ ، يا ربّ يا منزل البركات ، بك تنزل

٢١٤

كلّ حاجة أسألك بكلّ اسم في مخزون الغيب عندك والأسماء المشهورات عندك المكتوبة على سرادق عرشك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تقبل منّي شهر رمضان ، وتكتبني في الوافدين إلى بيتك الحرام ، وتصفح لي عن الذّنوب العظام وتستخرج لي يا ربّ كنوزك يا رحمن (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية الثانية : ٢٣٣ ـ ٢٣٦ ، نقلا عن المضمار.

٢١٥

دعاؤه عليه‌السلام

في النصف من رجب

أمّا النصف من رجب فهو من الأيّام المباركة عند الشيعة ، ففي هذا اليوم تستحبّ زيارة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ونظرا لعظم هذا اليوم فقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء :

اللهمّ يا مذلّ كلّ جبّار عنيد ، ويا معزّ المؤمنين ، أنت كهفى حين تعييني المذاهب ، وأنت يا ربّ خلقتني رحمة بي ، وقد كنت عن خلقي غنيّا ، ولو لا رحمتك لكنت من الهالكين ، وأنت مؤيّدي بالنّصر على أعدائي ، ولو لا نصرك إيّاي لكنت من المقبوحين ، يا مرسل الرّحمة من معادنها ، ويا منشئ البركة من مواضعها ، يا من خصّ نفسه بالسّموّ والرّفعة فأولياؤه بعزّته يتعزّزون ، ويا من وضعت له الملوك بنير (١) المذلّة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون ، أسألك بربوبيّتك الّتي اشتققتها من كبريائك ، وأسألك بكبريائك الّتي اشتققتها من عزّتك ، وأسألك بعزّتك الّتي استويت بها على عرشك فخلقت بها جميع خلقك فهم لك مذعنون ، أن تصلّي على محمّد وأهل بيته. وكان يذكر بعد هذا الدعاء حاجته (٢) .

__________________

(١) الخشبة على عنق الثور بأداتها.

(٢) الصحيفة العلوية : ١٦١ ـ ١٦٢.

٢١٦

دعاؤه عليه‌السلام

في شهر شعبان

من الأشهر الكريمة في الإسلام شهر شعبان ، ففي الثالث منه ولادة أبي الأحرار الإمام الحسين ، وفي نصفه ولادة المصلح الأعظم قائم آل محمّد عليه‌السلام ، وفي نصفه أيضا زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يدعو فيه بهذا الدعاء :

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واسمع دعائي إذا دعوتك ، واسمع ندائي إذا ناديتك ، وأقبل عليّ إذا ناجيتك ، فقد هربت إليك ، ووقفت بين يديك مستكينا لك ، متضرّعا إليك ، راجيا لما لديك ثوابي ، وتعلم ما في نفسي ، وتخبر حاجتي ، وتعرف ضميري ، ولا يخفى عليك أمر منقلبي ومثواي ، وما أريد أن أبدئ به من منطقي ، وأتفوّه به من طلبتي ، وأرجوه لعاقبتي ، وقد جرت مقاديرك عليّ يا سيّدي فيما يكون منّي إلى آخر عمري من سريرتي وعلانيتي ، وبيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي ونفعي وضرّي.

إلهي إن حرمتني فمن ذا الّذي يرزقني ، وإن خذلتني فمن ذا الّذي ينصرني.

إلهي أعوذ بك من غضبك وحلول سخطك.

إلهي إن كنت غير مستأهل لرحمتك فأنت أهل أن تجود عليّ بفضل سعتك.

إلهي كأنّي بنفسي واقفة بين يديك ، وقد أظلّها حسن توكّلي عليك ، ففعلت

٢١٧

ما أنت أهله وتغمّدتني بعفوك.

إلهي إن عفوت فمن أولى منك بذلك؟ وإن كان قد دنا أجلي ولم يدنني منك عملي فقد جعلت الإقرار بالذّنب إليك وسيلتي.

إلهي قد جرت على نفسي بالنّظر لها فلها الويل! إن لم تغفر لها.

إلهي لم يزل برّك عليّ أيّام حياتي فلا تقطع برّك عنّي في مماتي.

إلهي كيف آيس من حسن نظرك لي بعد مماتي وأنت لم تولّني إلاّ الجميل في حياتي.

إلهي تولّ من أمري ما أنت أهله ، وعد بفضلك على مذنب قد غمره جهله.

إلهي قد سترت عليّ ذنوبا في الدّنيا ، وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الأخرى. إلهي قد أحسنت إليّ إذ لم تظهرها لأحد من عبادك الصّالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رءوس الأشهاد.

إلهي جودك بسط أملي ، وعفوك أعظم من عملي. إلهي فسرّني بلقائك يوم تقضي فيه بين عبادك.

إلهي اعتذاري إليك اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره فاقبل عذري يا كريم ، يا أكرم من اعتذر إليه المسيئون.

إلهي لا تردّ حاجتي ، ولا تخيّب طمعي ، ولا تقطع منك رجائي وأملي.

إلهي لو أردت هواني لم تهدني ، ولو أردت فضيحتى لم تعافني. إلهي ما أظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك. إلهي فلك الحمد أبدا أبدا دائما سرمدا يزيد ولا يبيد كما تحبّ وترضى. إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك ، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك ، وإن أدخلتني النّار أعلمت أهلها

٢١٨

أنّي احبّك.

إلهي إن كان قد صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي. إلهي كيف أنقلب من عندك بالخيبة محروما وقد كان حسن ظنّي بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما ، إلهي وقد أفنيت عمري في شرّة السّهو عنك ، وأبليت شبابي في سكرة التّباعد منك. إلهي فلم أستيقظ أيّام اغتراري بك ، وركوني إلى سبيل سخطك.

إلهي وأنا عبدك وابن عبديك قائم بين يديك ، متوسّل بكرمك إليك. إلهي أنا عبد أتنصّل إليك ممّا كنت اواجهك به من قلّة استحيائي من نظرك ، وأطلب العفو منك إذ العفو نعت لكرمك.

إلهي لم يكن لي حول فأنتقل به عن معصيتك إلاّ في وقت أيقظتني لمحبّتك وكما أردت أن أكون كنت فشكرتك بادخالي في كرمك ، ولتطهير قلبي من أوساخ الغفلة عنك.

إلهي انظر إليّ نظر من ناديته فاجابك ، واستعملته بمعونتك فأطاعك ، يا قريبا لا يبعد عن المغترّ به ، ويا جوادا لا يبخل عمّن رجى ثوابه. إلهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه ، ولسانا يرفع إليك صدقه ، ونظرا يقرّبه منك حقّه.

إلهي إنّ من تعرّف بك غير مجهول ، ومن لاذ بك غير مخذول ، ومن أقبلت عليه غير مملول. إلهي إنّ من انتهج بك لمستنير ، وإنّ من اعتصم بك لمستجير وقد لذت بك يا إلهي فلا تخيّب ظنّي من رحمتك ولا تحجبني عن رأفتك.

إلهي أقمني في أهل ولايتك مقام من رجا الزّيادة من محبّتك. إلهي وألهمني ولها بذكرك إلى ذكرك ، واجعل همّي في روح نجاح أسمائك ومحلّ قدسك. إلهي بك عليك ـ أي أقسم ـ إلاّ ألحقتني بمحلّ أهل طاعتك ، والمثوى الصّالح من مرضاتك

٢١٩

فإنّي لا أقدر لنفسي دفعا ، ولا أملك لها نفعا.

إلهي أنا عبدك الضّعيف المذنب ، ومملوكك المنيب فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك ، وحجبه سهوه عن عفوك. إلهي هب لى كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النّور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك.

إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك ، ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سرّا ، وعمل لك جهرا.

إلهي لم أسلّط على حسن ظنّي قنوط الأياس ، ولا انقطع رجائي من جميل كرمك.

إلهي إن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك فاصفح عنّي بحسن توكّلي عليك. إلهي إن حطّتني الذّنوب من مكارم لطفك فقد نبّهني اليقين إلى كرم عفوك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبّهتني المعرفة بكرم آلائك.

إلهي إن دعاني إلى النّار عظيم عقابك فقد دعاني إلى الجنّة جزيل ثوابك.

إلهي فلك أسأل وإليك أبتهل وأرغب وأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعلني ممّن يديم ذكرك ، ولا ينقض عهدك ، ولا يغفل عن شكرك ، ولا يستخفّ بأمرك.

إلهي وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا ، وعن سواك منحرفا ، ومنك خائفا مراقبا ، يا ذا الجلال والإكرام ، وصلّى الله على محمّد رسوله وآله الطّاهرين وسلّم تسليما كثيرا (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ١٦٢ ـ ١٦٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310