موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام25%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133831 / تحميل: 6462
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مخصوص ، أي : العلم المتعلّق بالذات المخصوصة المعينة يتوقّف تحصيله على جهة العلّة ويمتنع حصوله من المعلول. ولا ريب انّ العلم بالحقيقة المعينة المخصوصة أولى وأكمل من العلم بحقيقة ما ، فهذا هو الوجه في مزية البرهان اللمّي على الإنّي.

ولا ريب أيضا في انّ المقصود من البرهان في اثبات الواجب ـ تعالى شأنه ـ اثبات خصوصية العلّة للكلّ ـ اعني : الواجب بالذات ـ ، وبرهان الإنّ لا يفيد هذا الأمر ، فيجب المصير فيه إلى برهان اللمّ.

والجواب : انّ هذا مجرّد دعوى لا دليل عليه ، والفرق غير ظاهر عند التأمّل. فانّ العلم بالعلّة إن لم يكن تامّا ـ أي : لم يعلم العلّة بحقيقتها ولوازمها وخواصّها وما لها بالقياس إلى نفسها وما لها بالقياس إلى غيرها ـ لم يفد العلم بخصوصية المعلول اصلا ، لأنّه لم يعلم صفاتها وخواصّها ليعلم انّ معلولها يلزم أن يكون على صفة كذا وخصوصيّة كذا. ولو افاد مجرد ذلك العلم بخصوصية المعلول لقلنا : العلم بالمعلول أيضا يوجب العلم بخصوصية العلّة وإن لم يكن تامّا ، لعدم تعقّل الفرق أصلا. ولو كان العلم بها تامّا ـ أي : علمت العلّة بحقيقتها المخصوصة وصفاتها المعينة وخواصّها اللازمة ـ فلا ريب في أنّه يفيد العلم بخصوصية المعلول بمعنى انّه بعد ما علم انّ العلّة حقيقتها كذا وصفاتها وخواصّها كذا يحكم العقل بانّ معلول مثل هذه العلة يجب أن يكون على صفة كذا أو خصوصية كذا ـ للزوم المناسبة بين العلّة والمعلول ـ. إلاّ أنّ المعلول أيضا إذا علم بهذا الوجه علمت العلّة أيضا بالتعيّن(١) والخصوصية ، فانّه إذا علم أنّ المعلول على حقيقة كذا وخواصّه وآثاره كذا وكذا ، يحكم العقل بانّ علّته يلزم أن يكون على صفات مخصوصة وخصوصيات معينة ـ لوجوب المناسبة بين العلة والمعلول ـ فانّا كما إذا تعقّلنا الواجب ـ تعالى شأنه ـ بصفاته المعيّنة من بساطته وتجرّده نحكم بأنّه / ٢٢ DB / يجب أن يكون معلوله الأوّل جوهرا بسيطا مجرّدا وهو العقل الاوّل ، كذلك إذا تعقّلنا العقل الأوّل ببساطته وتجرّده وامكانه نحكم بانّ علّته يجب أن تكون بسيطا مجرّدا واجبا ، وقس عليه أمثال ذلك. فانّا كما إذا تعقّلنا تعفّن(٢) مطلق خلط علمنا حصول

__________________

(١) الاصل : باليقين.

(٢) الاصل : تعقل.

١٠١

مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى ، وإذا علمنا تعفّن خلط صفراويّ علمنا حصول حمى صفراويّ ، فكذلك إذا علمنا حصول مطلق حمى من دون العلم بخواصّ هذه الحمى علمنا تعفّن مطلق خلط من دون حصول العلم بخصوصية هذا الوسط ، ولو علمنا خصوصية الحمى من كونه حمّى صفراويا أو بلغميا علمنا خصوصية الخلط أيضا من كونه صفراء أو بلغما ؛ هذا.

وقال بعض الأفاضل : انّه لا ريب في انّ العلم الحاصل من البرهان سواء كان لمّيا أو إنّيا انّما هو العلم التصديقيّ ـ أي : المتعلّق بثبوت النسبة الخبريّة ـ دون العلم التصوريّ الّذي هو تصوّر الأشياء بالحدّ أو الرسم ، فانّ العلّية والمعلولية اللّتين اعتبرنا بين حدود البرهان ـ أعني : الأوسط والأكبر والأصغر ـ ليستا معتبرتين بين ذوات تلك الحدود ، بل بين أوصافها العنوانية باعتبار ثبوت تلك الاوصاف لذوات تلك الحدود أو نفيها عنها. فقولهم : الأوسط إذا كان علّة للحكم فالبرهان لمّي وإلاّ فإنّي ؛ فيه مسامحة واعتماد على الظهور ، ومعناه انّ وصف الأوسط باعتبار ثبوته للأصغر أو نفيه عنه إن كان علّة لثبوت وصف الأكبر للأصغر أو نفيه عنه فالبرهان لمّى ، وإلاّ فإنّي. فاذا قيل : العالم متغير وكلّ متغير حادث فالعالم حادث ، برهان لمّي أريد به انّ ثبوت الأوسط / ٢٣ MA / ـ أعني : التغيّر ـ للعالم علّة لثبوت الحدوث له ، وهو الحكم المطلوب. بمعنى انّه متقدّم عليه بالذات بحسب نفس الأمر ، وما لم يثبت للعالم وصف التغيّر في الواقع لم يثبت له وصف الحدوث. وإذا قيل : زيد محموم وكل محموم متعفّن الاخلاط ، برهان انّي أريد به انّ ثبوت الأوسط ـ أعني : المحموم ـ لزيد معلول لثبوت تعفّن الاخلاط له وهو الحكم المطلوب ؛ يعنى انّه متأخّر عنه بحسب نفس الأمر. وما لم يثبت لزيد وصف بعض الاخلاط ـ أي : الحكم المطلوب ـ لم يثبت له وصف الحمى ـ أي : الأوسط ـ. فظهر انّ العلّية والمعلولية المأخوذتين في مطلق البرهان انّما ترجعان إلى ثبوت النسبة الّذي هو من العلوم التصديقية.

وإذا كان الحاصل من البرهان هو العلم التصديقي دون التصوريّ نقول : لا يجوز التفاوت بالكمال والنقصان في العلم التصديقى سواء حصل من برهان اللمّ أو الإنّ ، إذ

١٠٢

لا فرق في كيفية العلم الحاصل منهما لعدم التشكيك فيه ـ كما بيّن في موضعه ـ ، ولا في متعلّق التصديق ـ إذا لتصديق المنتج من ايّهما متعلّق بحقيقة النسبة الخبرية المطلوبة ـ ، فالعلم الّذي يمكن أن يتفاوت بالكمال والنقصان انّما هو العلم التصوريّ من حيث المتعلّق ، فانّ العلم التصوريّ الحاصل من الحدّ يكون متعلّقا بحقيقة الشيء ، والحاصل من الرسم يكون متعلّقا بخواصّه ولوازمه. وتفاوت هذا العلم لا مدخلية له فيما نحن فيه ، فانّ قولنا : العالم حادث متعلّق العلم ثبوت الحدوث للعالم أعمّ من أن يكتسب من جهة علّيته أو من جهة معلوليّته ، ولا يتصوّر التفاوت فيه من هذه الجهة. نعم! يمكن التفاوت في تصوّر الحدوث أو العالم بالكنه أو الوجه ، إلاّ انّه لا مدخلية له في نفس التصديق بثبوت الحدوث للعالم.

فان قيل : يجوز أن يختلف العلم بالنسبة الخبرية باختلاف تصور الاطراف بالكنه أو بالوجه ؛

قلنا : التفاوت فيه على هذا التقدير ليس من حيث انّه(١) مستفاد من البرهان ، بل من حيث تصوّر بعض الاطراف بالكنه وبعضها بالوجه ، فبالحقيقة يكون التفاوت في العلم التصوري ؛ وبواسطته يحصل تفاوت ما في العلم التصديقى أيضا. ولكن ذلك لا يفيد التفاوت في المقصود ، لأنّه ليس من حيث انّه مستنتج من البرهان ، بل من حيث تصوّر الاطراف ؛ إلاّ أن يقال : انّ مقصود القائل انّ البرهان اللمّي لا ينفكّ عن تصوّر الاطراف على وجه اتمّ واكمل ، بخلاف الإنّي ، لا أنّ العلم الحاصل بالمطلوب من اللمّي من حيث انّه حاصل منه يكون اتمّ من العلم الحاصل به من الإنّي من حيث انّه حاصل منه ، وهذا القدر يكفي لمزية اللمّ على الإن.

وغير خفيّ إنّا نلتزم مثل هذه المزية ولا ننكره! ، إلاّ أنّ مبنى هذا الكلام على لزوم تصوّر الاطراف في اللمّي بالحدّ والكنه وفي الإنّي بالرسم وبالوجه ، وعلى جعل حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه من اللمّ وإن لم يكن علّة فاعلية له ، بل يكفى كونه جزء العلّة ومن مقوّماته. والظاهر أنّ مجرّد حصول الشيء ممّا يتوقّف عليه وأن

__________________

(١) الاصل : ـ انه.

١٠٣

يكن علّة فاعلية من اللمّ بشرط كونه تصديقا ، لأنّ المراد بالعلّة هاهنا يجب ان يكون ما يتوقّف عليه الشيء مطلقا لا العلّة التامّة ولا خصوص إحدى العلل الاربع ، فانّ الاستدلال / ٢٣ DA / من المعلول على أيّ جزء من العلّة التامة برهان انّي ، والاستدلال من الجزء الأخير للعلّة التامة أو يستلزم الجزء الاخير له على المعلول برهان لمّي.

وأمّا لزوم كون تصور الاطراف ممّا يتوقّف هذه الاطراف عليه ـ أعني : بالحدّ والكنه في اللمّ ـ فغير معلوم ، لانّه من العلوم التصورية الّتي لا مدخل لها في البرهان الّذي هو من العلوم التصديقية ـ ، فلا معنى لاشتراطه في البرهان اللمّي.

وأنت خبير بانّ اتمام أصل الجواب المنقول عن بعض الأفاضل يتوقّف على عدم التشكيك في حقيقة العلم المتعلق بالنسبة الخبريّة ، وهو محلّ كلام ؛ والنزاع في مثله مشهور.

وقد تلخّص ممّا ذكر انّ ما ذكروه في بيان الأمر الاوّل ـ أعني : اوثقية اللمّي من الإنّي ـ غير تمام ، ولا تفاوت بينهما إلاّ في أنّه يعلم المطلوب في اللمّي من جهة ما يوجبه من لمّه وسببه ، بخلاف الإنّي ؛ هذا.

وذكروا في بيان الوجه الثاني ـ أعني : لميه منهج الإلهيين ـ وجوها :

منها : انّه استدلال بحال من مفهوم الوجود ـ أعني : احتياج فرده الممكن إلى العلّة أو كونه ذا تقرّر أو ذا فرد في نفس الأمر ـ على حال اخرى منه ، / ٢٣ MB / وهي اتّصافه بكون بعضه واجبا لا على ذات الواجب في نفسه ، فانّ كون طبيعة الوجود مشتملة على فرد هو الواجب لذاته حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال من تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للحال الاولى.

وفيه : انّ الحالة الّتي يستدلّ بها ـ أعني : كون الوجود ذا تقرّر أو ذا فرد أو احتياج فرده الممكن إلى علّة ـ إنّما هي معلومة ومستفادة من الوجودات الامكانية ، وهي معلولة للواجب الحقّ ـ تعالى شأنه ـ ، فكيف يكون علّة له في الخارج حتّى يكون الاستدلال بها عليه لمّيا؟!. كيف ولو كان الاستدلال بالوجود المطلق على الواجب بأيّ طريق كان استدلالا بالعلّة على المعلول لكان للواجب علّة؟!

١٠٤

وبما ذكر يظهر ضعف ما ذكره بعض المشاهير المعتقدين للمّية هذا الوجه حيث قال : إن قيل : الاستدلال بالوجود على الواجب ليس استدلالا بالعلّة على المعلول ، وإلاّ لزم أن يكون الواجب معلولا ؛ قلنا : الاستدلال بالعلّة على المعلول هو الاستدلال من واجب الوجود على معلولاته. فانّا في الطريقة المختارة نثبت واجب الوجود أوّلا ثمّ نستدلّ به على ساير الموجودات بان نقول : لمّا كان الواجب في غاية البساطة والتجرد يجب أن يصدر عنه أوّلا امر بسيط مجرّد عن الموادّ وبعد فتح ابواب الكثرة يصدر منه ـ تعالى ـ بطريق التناوب الاشياء الأخر ، ولمّا كان غنيا عن كلّ شيء يجب أن لا يكون فعله معلّلا بالاغراض ، وإن كانت المنافع لازمة لفعله ـ تعالى ـ على وجه لا يكون غرضا له وعائدا إليه. ولمّا كان جوادا مطلقا فيجب أن لا ينقطع منه الفيض ، ولمّا كان مجرّدا يجب أن لا يسنح له شيء بعد ما لم يكن ، وغير ذلك من الخواصّ المثبتة بمجرّد ملاحظة وجوب الوجود. وأمّا القوم فيثبتون ساير الموجودات ويستدلّون بها على وجود واجب الوجود. وبعبارة اخرى : نحن نثبت الحقّ ونستدلّ به على الخلق ، وامّا هم فيثبتون الخلق ويستدلّون به على الحقّ ، فطريقتنا أوثق وأشرف. انتهى ما ذكره مع تفصيل وتوضيح.

ووجه ضعفه : انّ استدلالكم على الواجب انّما هو بافراد الوجودات المعلولة أو بالوجود المطلق من حيث أنّه في ضمن الافراد الممكنة المعلولة ، فهو استدلال من المعلول على العلّة دون العكس ، فلا فرق بين طريقتكم وطريقة غيركم.

وأمّا ثبوت اللوازم والخواصّ المذكورة للواجب بعد اثباته فهو امر آخر يتأتّى على جميع الطرق بعد أن يثبت الواجب بأيّ منها.

ومنها : انّ كون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكون الواجب صانعا للعالم ، أي : هو علّة لهذا الوجود الرابطي الاضافي للواجب ـ تعالى ـ لا لوجوده في نفسه ، لانّ وجوده في نفسه ليس معلولا لشيء ، فوجود العالم في نفسه معلول للواجب ـ تعالى شأنه ـ. والوجود الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو كونه صانع العالم معلول للعالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته ، فكون العالم مصنوعا ومجعولا علّة لكونه ذا جاعل واجب

١٠٥

بالذات. ولا استبعاد في ذلك كما ذكره الشيخ في المؤلّفية وذوي المؤلّفية ، فانه قال : انّ قولنا كلّ جسم مؤلّف وكلّ مؤلّف فله مؤلّف برهان لمّي ، لانّ المؤلّف ـ بالفتح ـ وإن كان معلولا للمؤلّف ـ بالكسر ـ بحسب الخارج والواقع ، لكن ذا المؤلّف ـ أعني : مفهوم ٢٣ DB / قولنا : له مؤلّف ـ هو الحدّ الأكبر ، والوجود الرابطي للمؤلّف ـ بالكسر ـ معلول للمؤلّف ـ بالفتح ـ. وأيّد ذلك بعضهم بانّه لا يثبت من هذه الدلائل إلاّ وجود علّة ما لجميع الممكنات خارجة عنها ـ أي : غير ممكنة ـ ، ولا يثبت بها خصوص وجود الذات المقدّسة الالهية. والشيخ قد صرّح بانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود علّة ما في الحقيقة استدلال من العلّة على المعلول ، لأنّ ثبوت علّة ما لشيء يكون في الحقيقة معلّلا بمعلولها ، فيكون لمّيا.

قيل : وبهذا الوجه ـ أي : بجعل المعلولية راجعة إلى الوجود الاضافي الرابطي لا إلى الوجود الحقيقي الخارجى ـ يندفع الايراد المشهور ؛ وهو انّه لا يمكن الاستدلال اللمّى على وجود الواجب لان كلّ شيء سوى الواجب ـ تعالى ـ معلول له ـ تعالى ـ إمّا بواسطة أو بدونها ، وليس الواجب معلولا لشيء ؛ فلا يمكن الاستدلال على وجوده بطريق / ٢٤ MA / اللمّ.

وأيضا : كلّ ما يحصل في اذهاننا ونتعقّله فهو ممكن ، وكلّ ممكن معلول له ، فانحصر طريق اثباته في الإنّي.

ووجه الدفع : انّ ما يثبت بالبرهان اللمّي هو الوجود الاضافي الرابطي للواجب ـ تعالى ـ وهو يجوز أن يكون معلولا ، وعدم معلوليته انّما هو باعتبار وجوده في نفسه. ولا امتناع في كون الواجب معلولا باعتبار الوجود الرابطي ، فانّ الشيء قد يكون علّة بحسب الذات ومعلولا بحسب الوجود الاضافى الرابطي ، فانّ ثبوت رازقية زيد للواجب ـ تعالى ـ يتوقّف على وجود زيد المرزوق ولا يمكن ثبوتها له بدونه ، بل يحتاج هذا الثبوت إلى وجود زيد مع انّه موجد زيد وغني عن كلّ شيء.

وغير خفيّ انّ هذا الوجه في غاية السقوط ولا يسمن ولا يغني من جوع! ، كيف وهو يجري في جميع ادلّة اثبات الواجب من أيّ منهج كان ولا اختصاص له بمنهج

١٠٦

الإلهيين ، بل يجري في جميع الأدلّة الآتية في أيّ مطلب كان ولا اختصاص له بادلّة اثبات الواجب! ؛ فأيّ مزية تثبت بهذا التكلّف والتعمّل لمنهج الإلهيين؟!.

مع انّه لو سلّم عدم جريانه في غيره نقول : انّ مطلوب القوم من ردّ أدلّة اثبات الواجب إلى اللمّي انّما هو لأن يكون أوثق وأحكم ، ولا ريب في أن مثل هذا التعمّل والتغيّر في بعض العبارات لا يصير سببا لتفاوت الدليل في الواقع ونفس الأمر حتّى يصير لأجله أوثق ، بل انّما هو تكلّف لا يرجع إلى فائدة وتحصيل. فالفرق بين منهجي الالهيين والمتكلّمين بلمّية الأوّل وإنّية الثاني تحكّم بحت!.

ولو قيل بعكس ذلك لكان له وجه في الجملة ، لأنّ المتكلّمين يجعلون الوسط في براهين اثبات الواجب هو الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، وهم يعتقدون انّ علّة الحاجة إلى المؤثّر هي الحدوث أو الامكان بشرط الحدوث ، فالاستدلال على الواجب به استدلال لمّي وإن كان ما اعتقدوه من علّة الحاجة باطلا عندنا. وأمّا الإلهيون فلمّا جعلوا الوسط في البراهين هو الوجود فلا يمكنهم القول باللمّية ، لأنّ الوجود ليس عندهم علّة الحاجة بل علّتها عندهم هي الامكان البحث. نعم ؛ لو جعلوا الوسط في البراهين هو الامكان فقط واستدلّوا على الواجب ـ تعالى ـ بمجرّده لكان للقول بلمّية طريقتهم وجه ، إلاّ أنّ الاستدلال بمجرّد الامكان من غير التمسّك بالوجود أو الحدوث غير ممكن.

وبذلك يندفع ضعف ما افتخر به بعض الفضلاء بالتفطّن به ، وقال : أمّا اثبات الواجب فظاهر النظر يقتضي أن يكون دليله على الطريقين إنّيا ، والنظر الصائب يفضي إلى أنّ الّذي لهم من الدعوى على الطريقين يثبت ببرهان لمّي ، فانّ دعواهم انّ الممكنات منتهية إلى الواجب أو انّ الممكن له موجود واجب أو انّ العالم له خالق صانع لا مجرّد انّ الواجب موجود ، بل هو لازم ثانيا من دليلهم ، وبين هذا وما قدمنا من الدعوى فرق ؛ انتهى.

ووجه الدفع : انّ الممكن ما لم يؤخذ منه الوجود أو الحدوث أو ما يرجع إليهما لم يدلّ على احتياجه إلى المؤثّر ، ووجهه ظاهر.

١٠٧

وبما ذكر يظهر فساد ما قيل : انّ جميع براهين اثبات الواجب لمّية بحسب الحقيقة ـ بناء على ما نقل عن الشيخ من حديث المؤلّف وذي المؤلّف ـ ، إلاّ أنّ صورة ساير الطرق شبيهة بصورة الإنّ لانّها بظاهرها انتقال من المعلول إلى العلّة ، لانّ الممكن والمحدث والحركة ـ الّتي ينتقل منها إلى الواجب تعالى ـ معلولة له. بخلاف منهج الالهيين ، فانّه انتقال من الموجود إلى الواجب ، وهو بظاهره لا يشبه إلاّ انّ الموجود ليس معلولا للواجب مطلقا وإن كان بعض افراده معلولة له ، بخلاف الممكن والحادث والحركة.

ووجه الفساد : أمّا أوّلا فبأنّه أيّ فائدة في التفاوت في / ٢٤ DA / الصورة مع عدم الفرق الواقعي في الوثوق؟! ؛

وأمّا ثانيا : فبانّه تخصيص لادلّة اثبات الواجب مع جريان ما ذكره الشيخ في جميع ما يتصوّر دليلا.

وأمّا ثالثا : فبانّ الموجود الّذي يقع به الانتقال إلى الواجب انّما هو افراده الّتي هي معلولة ، والفرد الّذي هو غير معلول لم يقع به انتقال. ولا فرق بينه وبين الممكن والحادث.

ثمّ التأييد الّذي نقلناه عن بعضهم للوجه المذكور ـ : من كون / ٢٤ MB / الاستدلال لوجود المعلول على وجود علّة ما استدلالا لمّيا ـ لا يخفى فساده وضعفه وان نسبه الأكثرون إلى الشيخ ؛ لأنّ القريحة السليمة حاكمة بانّه لا فرق بين علّة ما والعلّة المعينة ، فانّ الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلّة لمّي سواء كانت العلّة علّة ما أو علّة معينة ، وأيّ باعث للفرق؟!. والظاهر انّ نسبته إلى الشيخ فرية. وصرّح بعضهم بانّه ليس في كلمات الشيخ ما يدلّ عليه.

وأورد على الوجه المذكور : بانّه إذا كان العالم باعتبار مصنوعيته ومجعوليته علّة لكون الواجب صانعا للعالم لزم أن لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ صانعية العالم لذاته ، بل يتوقّف على ملاحظة حال العالم ، لأنّ صانعيته ـ تعالى ـ حينئذ معلولة لمصنوعية العالم كما هو شأن البرهان اللمّي. فلو قطع النظر عن مصنوعية العالم لم يثبت له صانعية(١)

__________________

(١) الاصل : لم يثبت لصانعه.

١٠٨

في ذاته ، فلا يجوز أن تكون مصنوعية العالم علّة لهذا الوجود الرابطي ـ وهو كون الواجب صانعا للعالم ـ.

وأجاب عنه بعض الأفاضل : بانّ صانعية العالم يمكن اعتبارها من وجهين :

أحدهما : بحيث يكون وصفا للعالم ومعناها كون العالم بحيث يكون له صانع واجب الوجود بالذات ؛ وثانيهما : أن يكون وصفا لواجب ـ تعالى شأنه ـ. ومعناها حينئذ كون الواجب بحيث يكون صانعا للعالم ؛ وللعالم وصفان : أحدهما : المصنوعية والمجعولية ، والآخر : كونه ذا صانع جاعل ؛ والأوّل علّة للثاني والنتيجة هي كون العالم ذا صانع واجب الوجود بالذات ، لا كون الواجب صانع العالم ، فصورة القياس هكذا : العالم مصنوع ومجعول ، وكلّ مصنوع ومجعول ذو جاعل صانع واجب بذاته ، فالعالم ذو جاعل صانع واجب بالذات. وكون الواجب صانع العالم يظهر وينكشف بعد حقّية تلك النتيجة من غير احتياج إلى كسب ونظر ، وهذا الظهور بطريق الاتّفاق. فثبوت صانعية العالم للواجب انّما هو بالنظر إلى ذاته لا بواسطة أمر ؛ غاية ما فى الباب انّه ينكشف عندنا بعد حقّية ذلك القياس. ونظير هذا انّ التصديق قد يكون خفيا وبعد تصوّر الطرفين يصير بديهيا ، إلاّ أنّ تصوّر الطرفين كاسب له لأنّ التصديق لا يكون مكتسبا من التصوّر ، فحقّية كون الواجب صانع العالم لازمة لحقّية ذلك القياس ، لكن هذا اللزوم ليس لزوما اصطلاحيا بأن يكون حقّية القياس المذكور ملزومة لحقّية كون الواجب صانع العالم وعلّة بالقياس إليه ، لأنّ كلّ ملزوم اصطلاحي علّة للازمه ، وثبوت صانعية العالم له ـ تعالى ـ ليس معلّلا بغير ذاته أصلا ، فاللزوم فيها بالمعنى اللغوي ـ يعني : انّه لا ينفكّ أحد العلمين عن الآخر ـ. لانّه إذا ثبت القياس المذكور يصير كون الواجب صانع العالم بديهيا لا يحتاج إلى فكر ونظر اصلا ، فكون(١) الواجب صانع العالم ثابت له باعتبار ذاته بلا علّة غير ذاته.

ويمكن أن يقال : كون الواجب صانع العالم قد ظهر حقّيته بصحابة اللمّ إلاّ أنّ له دليلا لمّيا ؛ انتهى.

__________________

(١) الاصل : فيكون.

١٠٩

واقول : هذا الجواب بطوله ممّا لا يجدي طائلا ، بل هو فاسد! ، لأنّ القول بانّ ظهور كون الواجب صانع العالم انّما هو بطريق الاتفاق ممّا لا معنى له ، والقرائح السليمة لا تقبله ؛ فانّه لا ريب في أنّ صانعيته ـ تعالى ـ للعالم انّما يعلم من مصنوعية للعالم ، ولولاها لم يكن لنا إليها سبيل. بل لو لم يتحقّق المصنوعية في الخارج لم تتحقّق صانعية فيه. نعم! ، يمكن القول بانّ الانتقال من هذا الوجود الرابطي ـ أعني : كونه صانعا ـ إلى الوجود الحقيقيّ انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، لانّ تحقّق الوجود الارتباطى لا يمكن إلاّ بعد تحقّق الوجود في نفسه.

فالحقّ في الجواب عن الشبهة أن يقال : لا مانع من توقّف هذا الوجود الاضافي الارتباطى ـ أعني : ثبوت صانعية العالم للواجب تعالى شأنه ـ على غيره ـ أعني : مصنوعية العالم وعدم ثبوتها له في ذاته ـ ، فانّ المصنوعية والصانعية متضايفتان وتوقّف ثبوت أحد المتضايفين على الآخر ذهنا وخارجا ممّا لا ينكر. وهل هذا مثل الرّازقية والمرزوقية؟ ، فانّه لا ريب في انّه لا يثبت للواجب ـ تعالى ـ رازقية / ٢٤ DB / زيد بدون وجود زيد المرزوق ، بل هي موقوفة عليه. والسرّ انّ مثل الصانعيّة والخالقيّة والرازقيّة وأمثالها من صفات الفعل الّتي لا تتحقّق بدون متعلّقاتها. والحاصل : انّ عدم ثبوت الوجود الرابطي للواجب بالنظر إلى ذاته وتوقّفه على غيره لا منع فيه ، إلاّ أنّ ارجاع البراهين إلى اثبات مثل هذا الوجود ليصير لمّية ممّا لا فائدة / ٢٥ MA / فيه ولا يجدي طائلا ـ كما عرفت ـ.

ثمّ لا يخفى بأنّ مثل هذه الشبهة جارية في الوجه الأوّل أيضا ، بان يقال : إذا كان اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن علّة لاشتماله على الفرد الواجب لزم أن يكون كون الواجب فردا للموجود المطلق معلولا لكون الممكن فردا للموجود المطلق ، فيلزم أن لا يثبت للواجب ـ جلّ وعزّ ـ كونه فردا للموجود المطلق باعتبار ذاته ، بل بملاحظة علته ؛ وهي اشتمال الموجود المطلق على الفرد الممكن واحتياجه إلى العلّة. فمع قطع النظر عن هذه العلّة في نفس الأمر يلزم عدم معلولها في نفس الأمر فيلزم أن لا يكون الواجب فردا للموجود المطلق في ذاته ؛ وهو باطل. لأنّ كون الواجب فردا للموجود

١١٠

ثابت له ـ تعالى ـ بالنظر إلى ذاته وإن قطع النظر عن جميع ما عداه.

والجواب على النحو الّذي نقلناه عن بعض الأفاضل(١) مع ما يرد عليه يعلم ممّا مرّ ، وعلى ما ذكرناه ظاهر ؛ فلا نطيل الكلام بالاعادة.

ومنها : ما ذكره بعض الأفاضل ، وهو أنّ طبيعة الوجوب لمّا كانت طبيعة ناعتية لطبيعة الوجود عارضة لها فهي متأخّرة بالذات عنها ـ كما يظهر من تتبع عبارات الشفا وغيره ـ ، فيكون الموجود بما هو موجود متقدما بالذات على الموجود بما هو واجب والواجب بما هو واجب ، وهذا لا ينافى ما هو المشهور من « أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد » ، لأنّ المراد منه انّ الماهية ما لم يتصف في مرتبة العقل وجودها بصفة الوجوب لم يمكن أن يوجد ، لأنّ اتصاف الشيء في الخارج بصفة الوجوب متقدّم على تحقّقه فيه ، اذ اتصافه بها في الذهن متقدّم على ثبوته فيه. إذا تمهّد هذا فلا يخفى عليك : انّ الاستدلال بالموجود بما هو موجود وانّ له فردا في الخارج على الواجب بما هو واجب وانّ له فردا خارجيا برهان لمّي بلا تعمّل وتكلّف لا انّي ، لأنّ ثبوت الفرد الخارجي

للموجود بما هو موجود متقدّم بالذات والطبع على ثبوت الفرد الخارجى للواجب بما هو واجب. ولا يتوهّم انّه يلزم على هذا أن يكون الواجب بما هو واجب معلولا لشيء ، إذ اللازم تقدّم اعتبار الوجود على اعتبار الوجوب ، وهو ليس بمستنكر ، إذ ذاته ـ تعالى ـ من جهة انّه مبدأ للآثار فرد للموجود ، والوجود من جهة انّه مبدأ لوثاقة الوجود فرد للواجب والوجوب ، والاعتبار الاوّل متقدّم بالذات على اعتبار الثاني ـ كما يقال في تقدّم وجوب الوجوب على ساير الصفات ، وفي تقدّم العلم والقدرة على الإرادة ـ. وطبيعة الوجود والموجود بما هو موجود متقدم على جميع الاشياء ، بل جميع الاعتبارات بالذات ، ولهذا جعل موضوعا للفلسفة الأولى. والمراد بما قال الشيخ وغيره : « انّه لا برهان عليه ـ تعالى ـ بل هو البرهان على كلّ شيء » : انّه لا برهان على ذاته من غيره ، لانّ ذاته باعتبار وملاحظة ليس ببرهان على نفسه باعتبار آخر ، أو بعض صفاته ليس برهانا على بعض آخر ؛ بل هو الشهيد عليه كما على غيره. ولهذا

__________________

(١) الاصل : + ظاهر.

١١١

بعينه صار هذا المنهج أشرف وأخصر من غيره المأخوذ فيه وجود الممكن أو الحادث أو المتحرّك شاهدا عليه ؛ انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الوجه في غاية الفساد ، ولا يقبل الاصلاح بوجه. لانّ الوجود الّذي يمكن أن يتوهّم تقدّمه على الوجوب وعلّيته له انّما هو الوجود الخاصّ الواجبي والاستدلال لم يقع به ، لانّه عين المطلوب ، بل الاستدلال انّما وقع من الموجود المشاهد المعيّن أو من طبيعة الموجود باعتبار تحقّقها في ضمن موجود معيّن مشاهد ، والبديهة قاضية بانّه ليس متقدّما على الموجود بما هو واجب ولا علّة للواجب بما هو واجب ، كيف وجميع الموجودات المعلومة المشاهدة وطبيعة الموجود من حيث تحقّقها في ضمنها معلولة للواجب ومتأخّرة عن تحقّقه؟! ؛ فكيف يجوز أن تكون متقدّمة عليه وعلة له؟!. على أنّ تأخّر الوجوب لذاته عن الوجود الواجبي وتأخّر الوجوب لغيره عن ساير الوجودات غير مسلّم ، لانّ كلّ وجود ما لم ينسدّ عنه جميع انحاء العدم ولم يصل حدّ الوجوب لم يتحقّق في الخارج ، فالوجوب في مرتبة نفس الأمر ـ أي : العقل الفعّال ـ أو الحال الّذي للشيء في حدّ ذاته بلا تعمّل ـ أي : الّذي يكون / ٢٥ DA / بحيث إذا لاحظه العقل السليم حكم به بالبديهة أو البرهان ـ مقدّم على الوجود.

وما ذكره هذا الفاضل في بيان معنى المقدّمة المشهورة كلام خال عن التحصيل ، لانّه لا شكّ أنّ اتصاف الشيء بالوجود ليس له توقّف على أن يلاحظ العقل اتصافه بالوجوب ، وليس دليل يدلّ عليه ، بل / ٢٥ MB / الدليل انّما يدلّ على انّه يتوقّف على اتصافه به في نفس الأمر. على انّه إذا لم يكن له اتصاف بالوجوب قبل الوجود في نفس الأمر ولم يتحقّق حينئذ وجوب لكونه نفيا لما لم يتحقّق بعد ـ أعني : الوجود ـ لم يمكن للعقل أن يصفه به إلاّ بتعمّل ؛ وكيف يمكن للعقل الصحيح أن يحكم بما ليس له تحقّق في الواقع ونفس الأمر؟! ؛ ولو حكم به تعمّلا لم يكن فيه فائدة ، لأنّ الأمور النفس الأمرية لا تختلف ولا تتفاوت بمجرّد فرض العقل خلافه.

فان قيل : مراد هذا الفاضل بمرتبة العقل هو نفس الأمر ، فيكون مراده انّ الوجوب متقدّم على الوجود في نفس الأمر ؛

١١٢

قلنا : فيصير حينئذ حكمه بتقدّم الوجود على الوجوب وكونه نعتا للوجود باطلا ، لأنّه إذا كان الوجوب مقدّما على الوجود في نفس الأمر فالوجود في أيّ مرتبة يكون مقدّما على الوجود ، إذ لا يتصوّر حينئذ مرتبة وطرف يثبت فيه تأخّر الوجوب عن الوجود ، لانّ الاتصاف بالوجوب قبل الوجود وبعده ليس إلاّ بمعنى واحد ووجه واحد. فاذا كان هو متقدّما على الوجود في نفس الأمر فان فرض تأخّره أيضا لزم تأخّره في نفس الأمر ، وهو تناقض.

قيل : انّ الوجوب إمّا نعت للوجود أو كيفية للنسبة ، وعلى التقديرين يلزم تأخّره عن الوجود ؛ أمّا على التقدير الأوّل فظاهر ، إذ تأخّر الوصف عن الموصوف لا يقبل المنع ، وأمّا على التقدير الثاني فلأنّ النسبة الّتي بين الطرفين ـ أعني : الذات والوجود ـ متأخّرة عن الطرفين ، فيكون متأخّرة عن أحد الطرفين الّذي هو الوجود ، ولا ريب أنّ كيفية النسبة متأخّرة عن نفس النسبة المتأخّرة عن الوجود ، فيكون تلك الكيفية ـ أعني : الوجوب ـ متأخرة عن الوجود بمرتبتين. وحينئذ ينبغي إمّا أن يقال : الوجود مقدّم على الوجوب في نفس الأمر وتأوّل المقدّمة المشهورة ، أو يقال : يتقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وتحمل المقدّمة المشهورة عليه ويلتزم تأخّر الوجوب عن الوجود في الخارج لتصحّ الوصفية ، أو كونه كيفية للنسبة.

وأجاب بعضهم : أمّا أوّلا : باختيار الشقّ الثاني وادعاء كون الوجوب وصفا لنفس النسبة ومنع كون نفس النسبة متأخّرة عن الطرفين ، إذ المتأخّر عن الطرفين انّما هو وجود النسبة ـ لأنّه الفرع لوجود الطرفين دون نفسها ـ ، فلا يلزم تأخّر الوجوب عن الوجود ؛

وأمّا ثانيا : باختيار الأوّل ومنع لزوم تأخّر مثل هذا النعت عن الموصوف ـ أعني : الوجود ـ ، لانّه إن ادّعى انّ الثبوت الرابطي من الوجوب للوجود متأخّر عن ثبوت الوجود في نفسه فغير مسلّم ، بل ثبوت الشيء للشيء مستلزم لثبوته في نفسه لا فرع له ـ على ما هو التحقيق ـ ، وإن ادّعى انّ الثبوت في نفسه للوجوب متأخّر عن الثبوت في نفسه للوجود فغير مسلّم أيضا ، إذ الثبوت في نفسه للوجوب انّما هو بمعنى

١١٣

ثبوت ما ينتزع منه إلى موصوفه ، فإذا كان موصوفه الوجود فهو أيضا ثبوته كثبوت الوجود ، فرجع معنى ثبوت الوجوب في نفسه إلى ثبوت الذات المتّصفة بوجوب الوجود في نفسه ، فلا يكون متأخّرا عن ثبوت الوجود ؛ انتهى.

وأنت تعلم إنّ الجواب الّذي ذكره هذا البعض على اختيار الشق الثاني في غاية السقوط! ، لأنّ نفس النسبة أيضا متأخّرة عن الطرفين ، لكونها فرعا لوجود الطرفين ـ لأنّه ما لم يتحقّق الطرفان لم تتصوّر نسبة بينهما ـ. ولو سلّم عدم تأخّرها عنهما وعدم كونها فرعا لوجودهما فلا ريب في أنّها لا تكون متقدّمة عليهما ، بل تكون في مرتبتهما ، فالوجوب الّذي وصف لهما يجب أن يكون متأخّرا عنها ، وإذا كان متأخّرا عنها يكون متأخّرا عما هو في مرتبتها(١) ـ أعني : أحد الطرفين الّذي هو الوجود ـ.

امّا الجواب الّذي ذكره على اختيار الشقّ الأوّل فما ذكره أوّلا من حديث الاستلزام وانكار القاعدة الفرعية للجواب عن صورة ادّعاء تاخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه محلّ الكلام ، وكونه أصحّ القولين غير معلوم ، وتحقيق القول فيه لا يليق بهذا المقام ؛

وما ذكره ثانيا للجواب عن صورة ادّعاء تأخّر ثبوت الوجوب في نفسه عن ثبوت الوجود في نفسه ، فحاصله : انّ الوجوب لمّا كان امرا اعتباريا انتزاعيا فليس له ثبوت على حدة كالصفات الحقيقية ، بل ثبوته انّما هو بمعنى ثبوت ما ينتزع عنه ـ كما هو الشأن في جميع الصفات الاعتبارية الانتزاعية ـ ، فمعنى ثبوت الوجوب في نفسه كمعنى ثبوت ساير الصفات الانتزاعية / ٢٥ DB / يرجع إلى ثبوت الذات المتّصفة به. ولمّا كان الوجود هنا هو الموصوف فمعنى ثبوته هو ثبوت الوجود في نفسه. وتلخيص الجواب على تقدير الادعاء الأوّل والثاني : انّ الوجود ليس إلاّ ذاتا بسيطة واحدة هي حقيقة الوجود الخاصّ ، والوجوب أمر انتزاعي له ، حمله عليه لا يقتضي / ٢٦ MA / التأخّر للاستلزام ، وليس له ثبوت في نفسه حتّى يلزم تأخّره للتعينية.

وأنت تعلم انّه يلزم على هذا أن لا يكون لشيء من الوجود والوجوب ـ سواء

__________________

(١) الاصل : ـ فالوجوب مرتبتها.

١١٤

كان لذاته أو لغيره ـ تقدّم وتأخّر على الآخر ، مع انّه هنا دلالتان متنافيتان إحداهما ـ وهي المقدّمة المشهورة ـ تدلّ على تقدّم الوجوب على الوجود في نفس الأمر وأخراهما ـ وهي كون الوجوب نعتا ـ تدل على العكس. وما ذكره هذا القائل يدلّ على أنّ كون الشيء نعتا ـ إذا كان انتزاعيا ـ لا يوجب تأخّره ، وبذلك يثبت التلازم والاتحاد في الوجود بين الوصف والموصوف. ولا ريب أنّه مخالف للدلالة الأولى ـ أعني : المقدّمة المشهورة ـ ، لاقتضائها تقدّم الوجوب ، وما ذكره لا يدفعها ولا يتخرّج منه جواب عنه.

فالحقّ في الجواب أن يقال : للموجود وجوبان : وجوب سابق ، ووجوب لاحق ، فالوجوب المقدّم على الوجود هو الوجوب السابق ، وليس هو نعتا للوجود لتقدّمه عليه وعلّيته له ـ وهو المراد من المقدّمة المشهورة ـ ، والوجوب الّذي هو نعت للوجود ومتأخّر عنه هو الوجوب اللاّحق. وإذا ثبت ذلك نقول : لا ريب في أنّ تقدّم الوجوب السابق على الوجود وتأخّر الوجوب اللاّحق عنه إنّما هو في الوجودات الامكانية ، ولا يتصوّر ذلك في واجب الوجود ، فانّ الوجوب فيه عين ذاته لا يتصوّر له تقدّم وتأخّر ، فالاستدلال بطبيعة الوجود على طبيعة الوجوب لو سلّم انّه استدلال من المتقدّم ـ أعني : الوجود ـ على المتأخّر ـ أعني : الوجوب ـ انّما يصحّ في الوجود والوجوب اللّذين للممكن دون الواجب ، لأنّ الاستدلال من وجود الواجب على وجوبه ليس استدلالا من المتقدّم على المتأخّر ، لأنّ الوجوب عين ذاته. مع أنّه وقع الاستدلال من الوجودات الامكانية ـ الّتي هي معلولات للواجب ـ على وجوب الوجود الّذي هو عين الواجب ، فأين ذلك من اللمّ؟!.

وبما ذكرنا ثبت وتحقّق انّ جميع براهين اثبات الواجب إنّية ولا يمكن الاستدلال عليه باللمّ.

ولكن هنا دقيقة لا بدّ أن يشار إليها ، وهو أن الأكثر علّلوا انتفاء طريق اللمّ في اثباته ـ تعالى ـ بانّه ـ تعالى ـ علّة لكلّ شيء بواسطة أو بدونها ، فبأيّ شيء استدلّ به عليه كان استدلالا من المعلول على العلّة ، فيكون إنّيا ولا يتصوّر طريق اللمّ.

١١٥

ويرد على هذا التعليل : انّ الثابت بالبرهان ليس إلاّ الوجود الرابطي لا الوجود الأصيل ، لانّ ما ثبت بالبرهان مطلقا يكون لا محالة مفادّا لقضية المستنتجة من مقدّماته ـ أعني : الحكم المطلوب ـ ، وحاصله إمّا ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه ـ أي : ثبوت الأكبر للأصغر أو نفيه عنه ـ ؛ ويقال لهذا الثبوت والنفي « الوجود والعدم الرابطيان » ، وأمّا ثبوت الأكبر في نفسه ـ أي : الوجود الأصيل ـ فليس مستفادا من القضية المذكورة ولا مستنتجا من البرهان.

وإذا كان الثابت بالبرهان هو وجوده الرابطي دون وجوده الأصيل ـ تعالى شأنه ـ فنقول : ما هو علّة لكلّ شيء انّما هو وجوده الأصيل ـ عزّ شأنه ـ لا وجوده الرابطي ، فيجوز أن يكون وجوده الرابطي معلولا لبعض الاشياء مع كون وجوده الأصيل علّة للجميع ؛ فتعليل الأكثر في إنّية هذه البراهين دون لمّيتها عليل ، لأنّ جميع هذه البراهين ـ سواء كان الربط فيها هو الموجود كما هو منهج الإلهيين ، أو المتحرّك كما هو طريقة الطبيعيين ، أو الحادث أو الممكن بشرط الحدوث كما هو مسلك المتكلّمين ـ لا يثبت منها إلاّ الوجودات الرابطية ـ أي : وجود موجد واجب بالذات للموجودات ومحرّك غير متحرّك للمتحرّكات ومحدث صانع للعالم ـ ، ولا دلالة لشيء منها على وجود اصيل بواحد من الموجد والمتحرّك والمحدث ، ولا يثبت برهان وجود أصيل لشيء مطلقا. فالعلّة في انية بعض البراهين ولمّية بعض آخر انّ الاوساط الّتي تؤخذ في البراهين إن كانت باعتبار النسبة الّتي بينها وبين الأصغر علّة للوجودات الرابطية الّتي هي مفاد البرهان في الواقع كما هي علّة لها(١) الذهن كانت البراهين لمّية ، وإلاّ كانت انية. والتحقيق أنّ شيئا من الأوساط المأخوذة في براهين اثبات الواجب باعتبار ثبوتها لموضوعاتها ليست علّة للوجودات الرابطية للواجب ـ تعالى ـ في الواقع ـ أعني : وجود موجد بالذات أو محرّك غير متحرّك أو محدث صانع للعالم ـ ، اذ لا تقدّم ذاتيا لكون الممكن موجودا أو متحرّكا أو حادثا على كونه ذا موجد أو ذا محرّك أو ذا محدث ، بل علّيتها له منحصرة في الذهن ؛ فلا ينعقد البرهان اللمّي على شيء من تلك المناهج.

__________________

(١) الاصل : كما هي عليها.

١١٦

فان قلت : إذا كان الحاصل من البراهين هو العلم بوجوده / ٢٦ MB / الرابطي ، فمن أين يحصل العلم بوجود الاصيل ـ تعالى شأنه ـ؟ ، مع انّا بعد تمام البرهان نقطع بوجوده الأصيل كما نقطع بوجوده الرابطي ؛

قلت : العلم بالوجود الأصيل بعد حصول العلم بالوجود الرابطي الّذي هو مقتضى البرهان انّما يحصل من انضمام مقدّمة خفية بديهية مركوزة في العقول إلى مقتضى البرهان ، فيترتّب معها ترتيبا سريعا خفيا يكون منتجا لهذا العلم ـ أي : العلم بوجوده الاصيل ـ. والظاهر انّ تلك المقدّمة / ٢٦ DA / الخفية هي ما ارتكز في العقول من أنّ الأمور العينية الّتي وجودها في أنفسها ممكن بالامكان العام إذا كانت معدومة في انفسها لا يمكن أن تكون موجودة لغيرها ، فاذا ثبت بالبرهان وجودها لغيرها انتقل الذهن بمعاونة هذه المقدّمة إلى وجودها في أنفسها أيضا من غير افتقار إلى تجشّم ترتيب المقدمات والاستنتاج. والظاهر انّ نظر من قال : الانتقال إلى الوجود الحقيقي انّما هو بالحدس لا بالاكتساب ، إلى ما قلناه ؛ وكذا نظر من قال : انّ الترتّب والانتاج لحصول هذا العلم انّما هو من قضايا قياساتها معها إلى ما ذكرناه ؛ لأنّ هذه القضايا هي القضايا المسمّاة « بالفطريات » ، المعرّفة « بقضايا يحكم بها العقل بواسطة لا يعزب عن العقل عند تصور الطرفين » ، كالحكم بأنّ الأربعة زوج ، لانقسامها بمتساويين ؛ هذا.

وقيل : حصول هذا العلم بعد حصول النتيجة من البرهان إنّما هو بطريق الاتّفاق كحصول التصديق بعد تصور الطرفين ؛ وهو كما ترى.

المنهج الثاني

منهج بعض الحكماء

وهو الاستدلال بمجرّد الامكان الوقوعي

والمراد به أن يكون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال ؛ والممكن بالامكان الذاتى اعمّ من أن يلزم من فرض وقوعه محال أم لا. وأنت خبير بأنّ ما مرّ من أدلّة الالهيين كانت مبتنية على اخذ الوجود بالفعل والاستدلال به على الواجب ؛

١١٧

والغرض من هذا المنهج أنّه يكفي الامكان الوقوعي والاستدلال عليه باجراء البراهين المذكورة من دون التمسّك بالوجود بالفعل(١) .

وتقريره : انّه لا شكّ في انّه يمكن أن يقع ممكن ما موجودا في الخارج ، وهذا الفرض لا يصحّ إلاّ مع وجود الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، اذ لولاه لزم من فرض وجوده محال ، وهو الدور ـ إذ امكان وقوع موجود ما على هذا التقدير يتوقّف على امكان وقوع ايجاد ما وبالعكس ـ. أو نقول : وقوع طبيعة الموجود بما هو موجود يجب أن يكون بلا مبدأ وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ووقوع طبيعة الممكن بما هو ممكن لا بدّ له من مبدأ ، فلو انحصر الموجود الممكن الوقوع في الممكن لزم التناقض. أو نقول : مجموع الأفراد الّتي يمكن وقوعها لا بدّ له من علّة ولا يمكن أن تكون العلّة هي المجموع ولا جزئه ، بل يكون أمرا خارجا عنه ، فعلى فرض عدم الواجب يلزم أن لا يكون ذلك المجموع ممكنا بالامكان الوقوعي ، وقس على ما ذكر ساير البراهين.

قال بعض الافاضل : ولا يخفى عليك سخافة هذا المنهج ، اذ لا يمكن دعوى الامكان الوقوعي لممكن إلاّ من جهة العلم بوجوده ، إذ ما لم يعلم ذلك احتمل عند العقل أن يكون وقوعه مستلزما لمحال ، سيّما مع ما يتراءى من لزوم الدور وغيره من المفاسد. وإذا كان العلم من جهة العلم بوجوده فالتمسّك به لا بالوجود من قبيل ما اشتهر من الظرافات : انّ رجلا من المستظرفين هيّأ مجمعا من الرجال وقال : إنّي أعددت لكم دواء نافعا جدّا لاجل البراغيث أمنّ عليكم ببيعه منكم ؛ فبعد ما اشتروه منه بالالتماس والمنّة سألوه عن كيفية حاله وطريقة استعماله؟ ؛

فقال : طريقه أن يؤخذ البرغوث ويذر الدواء في عينه حتّى يصير أعمى! ؛

قالوا : انّا إذا أخذنا البرغوث فلم لم نقتله ونسترح من هذه الزحمة؟ ،

فقال : هذا أيضا يكون ، انتهى.

وما ذكره جيّد.

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ج ٢ ص ٤٤٨. حيث اخذ الامام في طريقة الامكان ـ التى هي عنده معتمد الحكماء ـ وجود الموجودات بالفعل.

١١٨

المنهج الثالث

من مناهج الحكماء ، منهج الطبيعيّين منهم

وهو النظر في طبيعة الحركة

والمنقول عنهم في اثبات الواجب على هذا المنهج طريقان :

الطريقة الأولى : هي أنّ كلّ متحرّك سواء كانت الحركة في ذاته ـ كالممكنات المنتقلة من الليسية الذاتية إلى الايسية ـ أو في صفاته ـ كالمتحرّكات في الوضع والأين وغيرهما من المقولات ـ يحتاج إلى محرّك ، لأنّ الحركة أمر حادث لا بدّ له من علّة ، واستناد كلّ حركة إلى محرّك من البديهيات العقلية. ولا يجوز أن يكون المحرّك عين المتحرّك ، لأنّ الشيء لا يجوز أن يكون محرّكا لنفسه ، فلا بدّ أن يكون المحرّك غير المتحرّك ويمتنع ذهاب سلسلة المحرّكات إلى غير النهاية ، فلا بدّ أن تنتهى سلسلة المحرّكات إلى محرّك أوّل غير متغيّر في صفاته / ٢٧ MA / ـ كالمتحرّك في المقولات المشهورة ـ ، ولا في ذاته ـ كالممكن المنتقل من الليس إلى الايس ـ. والمحرّك الأوّل الثابت الذات والصفات هو الواجب الحقّ ـ تعالى شأنه(١) ـ.

وأورد عليه : بانّ الانتقال من الليس إلى الأيس إن اريد به الانتقال من العدم الممتدّ الوجود ـ أي : الحدوث الزماني ـ ؛ ففيه : انّ ذلك الانتقال ليس بحركة حقيقية ، إذ لا يوجد فيه التدريج المعتبر في الحركة ولو اصطلحوا على تسمية ذلك الانتقال مع كونه دفعيا حركة فلا مشاحة فيه ، إلاّ انّه بعينه هو / ٢٦ DB / الحدوث الّذي اعتبره المتكلّمون في طريقتهم ، فيرجع منهجهم إلى منهجهم. وإن اريد به الانتقال من العدم الصرف إلى الوجود ـ أي : الحدوث الدهري ـ أو الانتقال ممّا ثبت للممكن بالذات ـ أعني : عدم اقتضاء الوجود ـ إلى ما ثبت له بالغير ـ أعني : اقتضاء الوجود ـ ؛ ففيه : مع عدم كونه

__________________

(١) راجع : المباحث المشرقية ، ج ٢ ص ٤٥١ ؛ شوارق الالهام ، ج ٢ ص ٤٩٥ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ٦ ص ٤٢.

١١٩

حركة أنّه يرجع إلى الايجاد الّذي اعتبره الالهيون ، فيرجع طريقة النظر في الحركة إلى طريقة النظر في الوجود ، ومجرّد تغيّر الألفاظ لا توجب الاختلاف في المعنى. وحينئذ فتتميم الحركة المأخوذة في الدليل بحيث يتناول الانتقال من الليس إلى الايس غير صحيح ، بل اللازم أن يحذف ذلك ويخصّ الحركة بالحركة في المقولات المشهورة ؛

وحينئذ يرد عليه : انّا لا نسلّم انّ ما ينتهى إليه سلسلة الحركات ـ أعني : المحرّك الأوّل ـ يجب أن يكون واجب الوجود بالذات وثابت الذات والصفات ، لجواز أن يكون ذلك المحرّك قديما آخر غير الواجب لم تكن له الحركة في المقولات الّتي سمّوها الحركة في الصفات ، وإن كان من العدم إلى الوجود لجسم أو جسماني ساكن غير متحرّك في مقولة أو نفس أو عقل ، فالحركة الأولى الكلّية أنّى تنتهي إليها سلسلة الحركات ـ أعني : الحركة الفلكية ـ يجوز أن يكون محرّكها هو طبيعة الفلك أو النفس الفلكية أو واحد من العقول. والحقّ أنّه لا يجوز أن تكون الحركة الفلكية طبيعية ولا مستندة إلى جسم ـ لما يأتي في طريقتهم الثانية ـ ، ولكن استنادها إلى النفوس الفلكية غير بعيد على ما ذهب إليه الحكماء ، إلاّ انّه يمكن أن يثبت المطلوب به ولكنّه يرجع إلى طريقتهم الثانية ، ويعرف حقيقتها.

الطريقة الثانية للطبيعيّين : إنّ حركات الأفلاك ليست مستندة إلى اجسامها ـ لامتناع كون الشيء محرّكا لنفسه ، نظرا إلى استحالة كون الشيء فاعلا وقابلا من جهة واحدة ، كما بيّن في موضعه ـ ، ولا يجوز أن تكون تلك الحركات قسرية ـ إذ الحركة القسرية إنّما تكون إلى الجهة المخالفة لمقتضى الطبع فحيث لا طبع ، كما يأتي ، فلا قسر ـ.

وأيضا : الحركة القسرية لا تكون إلاّ إلى الوسط أو من الوسط ويمتنع أن يتحرّك الفلك إلى الوسط أو إلى الفوق لكونه محدّدا لهما بمركزه ومحيطه ، بل حركته إنّما هو على الوسط ـ كما هو المشاهد المحسوس ـ ، فلا يكون قسرية. وأيضا : الحركة الأولى يجب أن تكون مبدعة لا بحركة ولا في زمان متقدّمة على جميع الحركات والحوادث بالطبع ، ولأجل ذلك لا يجوز أن تكون قديمة بالزمان ، لأنّ القديم بالزمان وان لم يسبقه العدم

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ادعيته عليه‌السلام

في بحر الاسبوع

وهام الإمام عليه‌السلام بذكر الله تعالى وعبادته فكان في جميع أوقات حياته يلهج بحمده ودعائه ، وقد ذكرنا عرضا لأدعيته الجليلة كان يدعو بها في الليل والنهار ، وفي كلّ مناسبة مرّت عليه ، وبالإضافة لها فقد اثرت عنه أدعية خاصّة كان يدعو بها في بحر الاسبوع كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

يوم الجمعة

وقد ذكرناه في طليعة هذا الكتاب ، وقد حفل ببحوث كلامية عرضنا لشرحها وبيان بعضها.

دعاؤه عليه‌السلام

يوم السبت

الحمد لله الّذي قرن رجائي بعفوه ، وفسح أملي بحسن تجاوزه وصفحه ، وقوّى متني وظهري وساعدي ويدي بما عرّفني من جوده وكرمه ، ولم يخلني مع مقامي على معصيته وتقصيري في طاعته ، وما يحقّ عليّ من اعتقاد خشيته ، واستشعار خيفته من تواتر مننه ، وتظاهر نعمه.

٢٢١

وسبحان الله الّذي يتوكّل كلّ مؤمن عليه ، ويضطرّ كلّ جاحد إليه ، ولا يستغني أحد إلاّ بفضل ما لديه.

ولا إله إلاّ الله المقبل على من أعرض عن ذكره ، والتّوّاب على من تاب إليه من عظيم ذنبه ، السّاخط على من قنط من واسع رحمته ويئس من عاجل روحه ، والله أكبر خالق كلّ شيء ومالكه ، ومبيد كلّ شيء ومهلكه.

والله أكبر كبيرا كما هو أهله ومستحقّه.

اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ونبيّك ورسولك وأمينك وشاهدك التّقيّ النّقيّ ، وعلى آل محمّد الطّيّبين الطّاهرين.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال معترف بذنبه ، نادم على اقتراف تبعته ، وأنت أولى من اعتمد وعفا ، وجاد بالمغفرة على من ظلم ، فقد أوبقتني الذّنوب في مهاوي الهلكة ، وأحاطت بي الآثام وبقيت غير مستقلّ بها ، وأنت المرتجى وعليك المعوّل في الشّدّة والرّخاء ، وأنت ملجأ الخائف الغريق ، وأرأف من كلّ شفيق ، وإليك قصدت سيّدي ، وأنت منتهى القصد للقاصدين ، وأرحم من استرحم في تجاوزك عن المذنبين.

اللهمّ أنت الّذي لا يتعاظمك غفران الذّنوب ، وكشف الكروب ، وأنت علاّم الغيوب ، وستّار العيوب ، وكشّاف الكروب ، لأنّك الباقي الرّحيم الّذي تسربلت بالرّبوبيّة ، وتوحّدت بالإلهيّة.

ومن بنود هذا الدعاء قوله :

إلهي أتقرّب إليك بسعة رحمتك الّتي وسعت كلّ شيء ، فقد ترى يا ربّ

٢٢٢

مكاني ، وتطّلع على ضميري ، وتعلم سرّي ، ولا يخفى عليك أمري ، وأنت أقرب إليّ من حبل الوريد ، فتب عليّ توبة لا أعود بعدها فيما يسخطك ، واغفر لي مغفرة لا أرجع معها إلى معصيتك يا أكرم الأكرمين.

إلهي أنت الّذي أصلحت قلوب المفسدين ، فصلحت بإصلاحك إيّاها فاصلحني بإصلاحك ، وأنت الّذي مننت على الضّالّين فهديتهم برشدك عن الضّلالة ، وعلى الجاحدين عن قصدك فسدّدتهم ، وقوّمت منهم عثر الزّلل فمنحتهم محبّتك وجنّبتهم معصيتك ، وأدرجتهم درج المغفور لهم ، وأحللتهم محلّ الفائزين ، فأسألك يا مولاي أن تلحقني بهم يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ إنّي أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن ترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية ، وعملا يقرّب إليك يا خير مسئول.

اللهمّ وأتضرّع إليك ضراعة مقرّ على نفسه بالهفوات وأتوب إليك يا توّاب.

فلا تردّني خائبا من جزيل عطائك يا وهّاب ، فقديما جدت على المذنبين بالمغفرة ، وسترت على عبيدك قبيحات الفعال ، يا جليل ، يا متعال ، أتوجّه إليك بمن أوجبت حقّه عليك إذ لم يكن لي من الخير ما أتوجّه به إليك ، وحالت الذّنوب بيني وبين المحسنين ، وإذ لم يوجب لي عملي مرافقة النّبيّين فلا تردّ سيّدي توجّهي بمن توجّهت أتخذلني يا ربّ وأنت أملي ، أم تردّ يدي صفرا من العفو وأنت منتهى رغبتي ، يا من هو موجود معروف بالجود ، والخلق له عبيد وإليه مردّ الأمور ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وجد عليّ بإحسانك الّذي فيه الغنى عن القريب والبعيد والأعداء والإخوان والأخوات وألحقني بالّذين غمرتهم

٢٢٣

بسعة تطوّلك وكرامتك لهم ، وتطوّلك عليهم ، وجعلتهم أطايب أبرارا أتقياء أخيارا ، ولنبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في دارك جيرانا ، واغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات مع الآباء والأمّهات والإخوة والأخوات يا أرحم الرّاحمين (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٥٠ ـ ٤٥٥.

٢٢٤

دعاؤه عليه‌السلام

يوم الأحد

كان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الأحد وهذا نصّه :

الحمد لله على حلمه وأناته ، والحمد لله على علمي بأنّ ذنبي وإن كبر صغير في جنب عفوه ، وجرمي وإن عظم حقير عند رحمته.

وسبحان الله الّذي رفع السّماوات بغير عمد ، وأنشأ جنّات المأوى بلا أمد ، وخلق الخلائق بلا ظهير ولا سند.

ولا إله إلاّ الله المنذر من عند عن طاعته ، وعتى عن أمره ، والمحذّر من لجّ في معصيته ، واستكبر عن عبادته ، والمعذر إلى من تمادى في غيّه وضلالته ، لتثبيت حجّته عليه ، وعلمه بسوء عاقبته.

والله أكبر الجواد الكريم الّذي ليس لقديم إحسانه ، وعظيم امتنانه على جميع خلقه نهاية ، ولا لقدرته وسلطانه على بريّته غاية.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى أهل بيته ، وبارك على محمّد وعلى أهل بيته كأفضل ما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال مذنب أوبقته معاصيه في ضيق المسالك ، وليس له مجير سواك ، ولا له أمل غيرك ، ولا مغيث أرأف به منك ، ولا معتمد يعتمد عليه غيرك ، أنت مولاي الّذي جدت بالنّعم قبل استحقاقها وأهّلتها بتطوّلك غير

٢٢٥

مؤهّليها ، ولم يعزّك منع ، ولا أكداك إعطاء ولا أنفد سعتك سؤال ملحّ ، بل أردت أرزاق عبادك تطوّلا منك عليهم.

اللهمّ كلّت العبارة عن بلوغ مدحتك ، وهفت الألسن عن نشر محامدك وتفضّلك ، وقد تعمّدتك بقصدي إليك ، وإن أحاطت بي الذّنوب وأنت أرحم الرّاحمين ، وأكرم الأكرمين ، وأجود الأجودين ، وأنعم الرّازقين ، وأحسن الخالقين ، الأوّل والآخر ، والظّاهر والباطن ، أجلّ وأعزّ وأرأف من أن تردّ من أمّلك ورجاك ، وطمع فيما عندك ، فلك الحمد يا أهل الحمد.

إلهي إنّي جرت على نفسي في النّظر لها ، وسالمت الأيّام باقتراف الآثام ، وأنت وليّ الإنعام ذو الجلال والإكرام ، فما بقي إلاّ نظرك لها ، فاجعل مردّها منك بالنّجاح ، وأجمل النّظر منك لها بالفلاح ، فأنت المعطي النّفاح ذو الآلاء والنّعم والسّماح ، يا فالق الإصباح ، امنحها سؤلها وإن لم تستحقّ يا غفّار.

اللهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي تمضي به المقادير ، وبعزّتك الّتي تتمّ به التّدابير أن تصلّي على محمّد وآله ، وترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا من فضلك وأن لا تحول بيني وبين ما يقرّبني منك يا حنّان يا منّان.

اللهمّ وأدرجني فيمن أبحت له من غفرانك وعفوك ورضاك ، وأسكنته جنانك برأفتك وطولك وامتنانك.

يا إلهي أنت أكرمت أولياءك بكرامتك فأوجبت لهم حياطتك ، وأظللتهم برعايتك من التّتابع في المهالك ، وأنا عبدك فأنقذني ، وألبسني العافية ، وإلى طاعتك فمل بي ، وعن طغيانك ومعاصيك فردّني ، فقد عجّت إليك الأصوات

٢٢٦

بضروب اللّغات يسألونك الحاجات الّتي ترتجى لمحق العيوب وغفران الذّنوب يا علاّم الغيوب.

اللهمّ إنّي أستهديك فاهدني ، وأعتصم بك فاعصمني ، وأدّ عنّي حقوقك عليّ إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة ، واصرف عنّي شرّ كلّ ذي شرّ إلى خير ما لا يملكه أحد سواك ، واحتمل عنّي مفترضات حقوق الآباء والأمّهات ، واغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والإخوة والأخوات والقرابات يا وليّ البركات وعالم الخفيّات (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٥٥ ـ ٤٥٩.

٢٢٧

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الاثنين

وكان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الاثنين ، وهو :

الحمد لله الّذي هداني للإسلام ، وأكرمني بالإيمان ، وبصّرني في الدّين ، وشرّفني باليقين ، وعرّفني الحقّ الّذي عنه يؤفكون ، والنّبإ العظيم الّذي هم فيه مختلفون.

وسبحان الله الّذي يرزق القاسط والعادل ، والعاقل والجاهل ، ويرحم السّاهي والغافل ، فكيف الدّاعي السّائل.

ولا إله إلاّ الله اللّطيف بمن شرد عنه من مسرفي عباده ليرجع عن عتوّه وعناده ، الرّاضي من المنيب المخلص بدون الوسع والطّاقة.

والله أكبر الحليم العليم ، الّذي له في كلّ صنف من غرائب فطرته ، وعجائب صنعته آية بيّنة توجب له الرّبوبيّة ، وعلى كلّ نوع من غوامض تقديره وحسن تدبيره دليل واضح ، وشاهد عدل يقضيان له بالوحدانيّة.

اللهمّ إنّي أسألك يا من يصرف البلايا ، ويعلم الخفايا ، ويجزل العطايا ، سؤال نادم على اقتراف الآثام ، وسالم على المعاصي من اللّيالي والأيّام ؛ إذ لم يجد مجيرا سواك لغفرانها ، ولا موئلا يفزع إليه لارتجاء كشف فاقته إلاّ إيّاك يا جليل ، الّذي عمّ الخلائق منّك ، وغمرتهم سعة رحمتك ، وسوّغتهم سوابغ

٢٢٨

نعمتك ، يا كريم المآب ، والجواد الوهّاب ، والمنتقم ممّن عصاه بأليم العذاب ، دعوتك مقرّا بالإساءة على نفسي ، إذ لم أجد ملجا ألجأ إليه في اغتفار ما اكتسبت من الآثام ، يا خير من استدعي لبذل الرّغائب ، وأنجح مأمول لكشف اللّوازب ، لك عنت الوجوه فلا تردّني منك بالحرمان ، إنّك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد.

إلهي وسيّدي ومولاي ، أيّ ربّ أرتجيه ، أم أيّ إله أقصده ، إذا ألمّ بي النّدم ، وأحاطت بي المعاصي ، ونكائب خوف النّقم ، وأنت وليّ الصّفح ، ومأوى الكرم؟

إلهي أتقيمني مقام التّهتّك وأنت جميل السّتر ، وتسألني عن اقترافي للسّيّئات على رءوس الأشهاد ، وقد علمت مخبيّات السّرّ ، فإن كنت يا إلهي مسرفا على نفسي ، مخطئا عليها ، بانتهاك الحرمات ، ناسيا لما اجترمت من الهفوات ، فأنت لطيف تجود على المسرفين برحمتك ، وتتفضّل على الخاطئين بكرمك ، فارحمني يا أرحم الرّاحمين ، فإنّك تسكّن يا إلهي بتحنّنك روعات قلوب الوجلين ، وتحقّق بتطوّلك أمل الآملين ، وتفيض سجال عطاياك على غير المستأهلين ، فآمنّي برجاء لا يشوبه قنوط ، وأمل لا يكدّره يأس ، يا محيطا بكلّ شيء علما.

وقد أصبحت سيّدي وأمسيت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من جميل امتنانك ردّ سائل مأسور ملهوف ، ومضطرّ لانتظار خيرك المألوف.

إلهي أنت الّذي عجزت الأوهام عن الإحاطة بك ، وكلّت الألسن عن نعت

٢٢٩

ذاتك ، فبآلائك وطولك صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لي ذنوبي ، وأوسع عليّ من فضلك الواسع رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية ، وأقلني العثرة يا غاية الآملين ، وجبّار السّماوات والأرضين ، والباقي بعد فناء الخلق أجمعين ، وديّان يوم الدّين ، وأنت يا مولاي ثقة من لم يثق بنفسه لافراط خلله ، وأمل من لم يكن له تأميل لكثرة زلله ، ورجاء من لم يرتج لنفسه بوسيلة عمله.

إلهي فأنقذني برحمتك من المهالك ، ونجّني يا مولاي من ضيق المسالك ، وأحللني دار الأخيار ، واجعلني مرافق الأبرار ، واغفر لي ذنوب اللّيل والنّهار ، يا مطّلعا على الأسرار ، واحتمل عنّي مولاي أداء ما افترضت عليّ للآباء والأمّهات ، والإخوان والأخوات بلطفك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام ، وأشركنا في دعاء من استجبت له من المؤمنين والمؤمنات إنّك عالم جواد كريم وهّاب ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليما (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٠ ـ ٤٦٤.

٢٣٠

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الثلاثاء

كان إمام المتّقين عليه‌السلام يدعو الله تعالى بهذا الدعاء في يوم الثلاثاء :

الحمد لله الّذي منّ عليّ باستحكام المعرفة والإخلاص بالتّوحيد له ، ولم يجعلني من أهل الغواية والغباوة والشّك والشّرك ، ولا ممّن استحوذ الشّيطان عليه فأغواه وأضلّه ، واتّخذ إلهه هواه.

وسبحان الله الّذي يجيب المضطرّ ، ويكشف الضّرّ ، ويعلم السّرّ ، ويملك الخير والشّرّ.

ولا إله إلاّ الله الّذي يحلم عن عبده إذا عصاه ، ويتلقّاه بالإسعاف والتّلبية إذا دعاه.

والله أكبر ، البسيط ملكه ، المعدوم شركه ، المجيد عرشه ، الشّديد بطشه.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال من لم يجد لسؤاله مسئولا سواك ، وأعتمد عليك اعتماد من لم يجد لاعتماده معتمدا غيرك لأنّك الأوّل الّذي ابتدأت الابتداء فكوّنته بأيدي تلطّفك فاستكان على مشيّتك منشأ كما أردت بإحكام التّقدير ، وأنت أعزّ وأجلّ من أن تحيط العقول بمبلغ وصفك ، أنت العالم الّذي لا يعزب عنك مثقال ذرّة في الأرض والسّماء ، والجواد الّذي لا يبخّلك إلحاح الملحّين ، فإنّما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكون ، أمرك ماض ، ووعدك حتم ،

٢٣١

وحكمك عدل ، لا يعزب عنك شيء ، وإليك مردّ كلّ شيء ، احتجبت بآلائك فلم تر ، وشهدت كلّ نجوى ، وتعاليت على العلى ، وتفرّدت بالكبرياء ، وتعزّزت بالقدرة والبقاء ، فلك الحمد في الآخرة والأولى ، ولك الشّكر في البدء والعقبى ، أنت إلهي حليم قادر ، رءوف غافر ، وملك قاهر ، ورازق بديع ، مجيب سميع ، بيدك نواصي العباد ونواحي البلاد ، حيّ قيّوم ، جواد ماجد ، كريم رحيم.

أنت إلهي المالك الّذي ملكت الملوك فتواضع لهيبتك الأعزّاء ، ودانت لك بالطّاعة الأولياء ، فاحتويت بإلهيّتك على المجد والثّناء ، ولا يؤودك حفظ خلقك ، وأنت علاّم الغيوب ، سترت عليّ عيوبي وأحصيت عليّ ذنوبي ، وأكرمتني بمعرفة دينك ، ولم تهتك عنّي جميل سترك يا حنّان ، ولم تفضحني يا منّان ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن توسّع عليّ من فضلك الواسع رزقا حلالا طيّبا ، وأن تغفر لي ذنوبا حالت بيني وبينك باقترافي لها فأنت أهل أن تجود عليّ بسعة رحمتك ، وتنقذني من أليم عقوبتك ، وتدرجني درج المكرمين ، وتلحقني مولاي بالصّالحين مع الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ، بصفحك وتغمّدك يا رءوف يا رحيم.

يا ربّ وأسألك الصّلاة على محمّد وآل محمّد ، وأن تحتمل عنّي واجب الآباء والأمّهات وأدّ حقوقهم عنّي ، وألحقني معهم بالأبرار والمؤمنين والمؤمنات ، وأغفر لي ولهم جميعا إنّك حميد مجيد وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٤ ـ ٤٦٨.

٢٣٢

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الأربعاء

من أدعية الإمام عليه‌السلام في يوم الأربعاء هذا الدعاء :

الحمد لله الّذي مرضاته في الطّلب إليه ، والتماس ما لديه ، وسخطه في ترك الإلحاح في المسألة عليه.

وسبحان الله شاهد كلّ نجوى بعلمه ، والمباين لكلّ ذي جسم بنفسه ، ولا إله إلاّ الله الّذي لا يدرك بالعيون والأبصار ، ولا يجهل بالعقول والألباب ، ولا يخلو من الضّمير ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور.

والله أكبر المتجلّل عن صفات المخلوقين ، المطّلع على ما في قلوب الخلائق أجمعين.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال من لا يملّ دعاء ربّه ، وأتضرّع إليك تضرّع غريق يرجو كشف كربه ، وأبتهل إليك ابتهال تائب من ذنوبه وخطاياه ، وأنت الرّءوف الّذي ملكت الخلائق كلّهم ، وفطرتهم أجناسا مختلفات الألوان والأقدار على مشيّتك ، وقدّرت آجالهم وأرزاقهم ، فلم يتعاظمك خلق خلق حتّى كوّنته كما شئت فتعاليت وتجبّرت عن اتّخاذ وزير ، وتعزّزت من مؤامرة شريك ، وتنزّهت عن اتّخاذ الأبناء ، وتقدّست عن ملامسة النّساء ، فليست الأبصار بمدركة لك ، ولا الأوهام بواقعة عليك ، وليس لك شريك ولا ندّ ، ولا عديل ولا نظير ،

٢٣٣

أنت الفرد الواحد الدّائم ، الأوّل والآخر ، والعالم الأحد ، الصّمد القائم ، الّذي لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفوا أحد ، لا توصف بوصف ، ولا تدرك بوهم ، ولا يغيّرك في مرّ الدّهور صرف ، كنت أزليّا لم تزل ، ولا تزال ، وعلمك بالأشياء في الخفاء كعلمك بها في الإجهار والإعلان ، فيا من ذلّت لعظمته العظماء ، وخضعت لعزّته الرّؤساء ، ومن كلّت عن بلوغ ذاته ألسن البلغاء ، ومن أحكم تدبير الأشياء ، واستعجمت عن إدراكه عبارة علوم العلماء.

يا سيّدي أتعذّبني بالنّار وأنت أملي ، أو تسلّطها عليّ بعد إقراري لك بالتّوحيد ، وخضوعي وخشوعي لك بالسّجود ، أو تلجلج لساني في الموقف ، وقد مهّدت لي بمنّك سبل الوصول إلى التّسبيح والتّحميد والتّمجيد ، فيا غاية الطّالبين ، وأمان الخائفين ، وعماد الملهوفين ، وغياث المستغيثين ، وجار المستجيرين ، وكاشف ضرّ المكروبين ، وربّ العالمين ، وأرحم الرّاحمين ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتب عليّ وألبسني العافية ، وارزقني من فضلك رزقا واسعا ، واجعلني من التّوّابين.

اللهمّ إن كنت كتبتني شقيا عندك فإنّي أسألك بمعاقد العزّ من رحمتك ، وبالكبرياء والعظمة الّتي لا يقاومها متكبّر ولا عظيم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تحوّلني سعيدا ، فإنّك تجري الأمور على إرادتك ، وتجير ولا يجار عليك ، وأنت على كلّ شيء قدير ، وأنت الرّءوف الرّحيم الخبير ، تعلم ما في نفسي ، ولا أعلم ما في نفسك ، إنّك أنت علاّم الغيوب فالطف بي ، فقديما لطفت بمسرف على نفسه فامنن عليّ فقد مننت على غريق في بحور خطيئته

٢٣٤

هائما أسلمته للحتوف كثرة زلله ، وتطوّل عليّ يا متطوّلا على المذنبين بالصّفح والعفو ، فإنّك لم تزل آخذا بالفضل على الخاطئين ، والصّفح على العاثرين ، ومن وجب له باجترائه على الآثام حلول دار البوار ، يا عالم الخفيّات والأسرار ، يا جبّار يا قهّار ، وما ألزمتنيه مولاي من فرض الآباء والأمّهات وواجب حقوقهم مع الإخوان والأخوات فاحتمل ذلك عنّي إليهم وأدّه يا ذا الجلال والإكرام ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات إنّك على كلّ شيء قدير (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٨ ـ ٤٧٢.

٢٣٥

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الخميس

وكان من أدعيته الجليلة في يوم الخميس هذا الدعاء :

الحمد لله الّذي له في كلّ نفس من الأنفاس ، وخطرة من الخطرات منّا منن لا تحصى ، وفي كلّ لحظة من اللّحظات نعم لا تنسى ، وفي كلّ حال من الحالات عائدة لا تخفى.

وسبحان الله الّذي يقهر القويّ ، وينصر الضّعيف ، ويجبر الكسير ، ويغني الفقير ، ويقبل اليسير ، ويعطي الكثير ، وهو على كلّ شيء قدير.

ولا إله إلاّ الله السّابغ النّعمة ، البالغ الحكمة ، الدّامغ الحجّة ، الواسع الرّحمة ، المانح العصمة.

والله أكبر ذو السّلطان المنيع ، والبنيان الرّفيع ، والإنشاء البديع ، والحساب السّريع.

وصلّى الله على محمّد خير النّبيّين وآله الطّاهرين ، وسلّم تسليما.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال الخائف من وقفة الموقف ، الوجل من العرض ، المشفق من الخشية لبوائق القيامة ، المأخوذ على الغرّة ، النادم على خطيئته ، المسئول المحاسب ، المثاب المعاقب ، الّذي لم يكنّه مكان عنك ، ولا وجد مفرّا إلاّ إليك ، متنصّلا ملتجئا من سيّئ عمله ، مقرّا بعظم ذنوبه ، قد أحاطت به

٢٣٦

الهموم ، وضاقت عليه رحائب التّخوم ، موقن بالموت ، مبادر بالتّوبة قبل الفوت ، إن مننت بها عليه وعفوت ، فأنت إلهي ورجائي إذا ضاق عنّي الرّجاء ، وملجئي إذا لم أجد فناء للالتجاء ، توحّدت يا سيّدي بالعزّ والعلاء ، وتفرّدت بالوحدانيّة والبقاء ، وأنت المتعزّز المتفرّد بالمجد ، فلك ربّي الحمد لا يواري منك مكان ، ولا يغيّرك دهر ولا زمان ، ألّفت بلطفك الفرق ، وفلقت بقدرتك الفلق ، وأنرت بكرمك دياجي الغسق ، وأجريت المياه من الصّمّ الصّياخيد عذبا واجاجا ، وأنهرت من المعصرات ماء ثجّاجا ، وجعلت الشّمس للبريّة سراجا وهّاجا ، والقمر والنّجوم أبراجا ، من غير أن تمارس فيما ابتدأت لغوبا ولا علاجا ، وأنت إله كلّ شيء وخالقه ، وجبّار كلّ مخلوق ورازقه ، فالعزيز من أعززت ، والذّليل من أذللت ، والسّعيد من أسعدت ، والشّقيّ من أشقيت ، والغنيّ من أغنيت ، والفقير من أفقرت ، أنت وليّي ومولاي وعليك رزقي ، وبيدك ناصيتي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي ما أنت أهله ، وعد بفضلك على عبد قد غمره جهله ، واستولى عليه التّسويف حتّى سالم الأيّام ، فارتكب المحارم والآثام ، فاجعلني سيّدي عبدا يفزع إلى التّوبة ، فإنّها مفزع المذنبين ، وأغنني بجودك الواسع عن المخلوقين ، ولا تحوجني إلى شرار العالمين ، وهب لي عفوك في موقف يوم الدّين ، فإنّك أرحم الرّاحمين ، وأجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، يا من له الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، وجبّار السّماوات والأرضين ، إليك قصدت راجيا فلا تردّ يدي عن سنيّ مواهبك صفرا ، إنّك جواد مفضال ، يا رءوفا بالعباد ، ومن هو لهم بالمرصاد ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجزل

٢٣٧

ثوابي ، وتحسن مآبي ، وتستر عيوبي ، وتغفر ذنوبي ، وتنقذني مولاي بفضلك من أليم العقاب ، إنّك جواد كريم وهّاب ، فقد ألقتني السّيّئات والحسنات بين ثواب وعقاب ، وقد رجوتك أن تكون بلطفك تتغمّد عبدك المقرّ بفوادح العيوب بجودك وكرمك يا غافر الذّنوب ، وتصفح عن زلله فليس لي يا سيّدي ربّ أرتجيه غيرك ، ولا إله أسأله جبر فاقتي ومسكنتي سواك ، فلا تردّني منك بالخيبة ، يا مقيل العثرات ، وكاشف الكربات.

إلهي فسرّني فإنّي لست بأوّل من سررته يا وليّ النّعم ، وشديد النّقم ، ودائم المجد والكرم ، واخصصني منك بمغفرة لا يقارنها شقاء ، وسعادة لا يدانيها أذى ، وألهمني تقاك ومحبّتك ، وجنّبني موبقات معصيتك ، ولا تجعل للنّار عليّ سلطانا ، إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة ، وقد دعوتك ، وتكفّلت بالإجابة فلا تخيّب سائلك ، ولا تخذل طالبك ، ولا تردّ آملك ، يا خير مأمول ، وأسألك برأفتك ورحمتك وفردانيّتك وربوبيّتك ، يا من هو على كلّ شيء قدير ، وبكلّ شيء محيط ، فاكفني ما أهمّني من أمر دنياي وآخرتي ، فإنّك سميع الدّعاء ، لطيف لما تشاء ، وأدرجني درج من أوجبت له حلول دار كرامتك مع أصفيائك ، وأهل اختصاصك ، بجزيل مواهبك في درجات جنّاتك مع الّذين أنعمت عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين ، وحسن اولئك رفيقا ، وما افترضت عليّ فاحتمله عنّي إلى من أوجبت حقوقه من الآباء والأمّهات ، والإخوة والأخوات ، واغفر لي ولهم مع المؤمنين والمؤمنات إنّك قريب مجيب واسع البركات ، وذلك عليك يسير يا أرحم الرّاحمين ، وصلّى الله

٢٣٨

على محمّد النّبيّ وآله وسلّم تسليما (١) .

هذه بعض أدعيته الخاصّة في أيام الاسبوع ، ونقل الرواة عنه أبياتا من الشعر نظمها في خصوصيات تلك الأيام وهي :

٤٧%">

أرى الأحد المبارك يوم سعد

٤٧%">

لغرس العود يصلح والبناء

٤٧%">

وفي الإثنين للتّعليم أمن

٤٧%">

وبالبركات يعرف والرّخاء

٤٧%">

وإن رمت الحجامة في الثّلاثا

٤٧%">

فذاك اليوم إهراق الدّماء

٤٧%">

وإن أحببت أن تسقى دواء

٤٧%">

فنعم اليوم يوم الأربعاء

٤٧%">

وفي يوم الخميس طلاب رزق

٤٧%">

لإدراك الفوائد والغناء

٤٧%">

ويوم الجمعة التّزويج فيه

٤٧%">

ولذّات الرّجال مع النّساء

٤٧%">

ويوم السّبت إن سافرت فيه

٤٧%">

وقيت من المكاره والعناء (٢)

ونقف موقف المتأمّل في هذا الشعر لأنّ الأيام تتساوى في كثير من الآثار الوضعية ، اللهمّ إلاّ أن تكون قد وردت روايات صحيحة السند بها ، فنتعبّد بها ، كما أنّا نقف موقفا لا يتّسم بالتصديق والإذعان لبعض الأدعية لأنّ الركة وعدم الفصاحة بادية عليها ، وهي لا تتّفق بحال مع بلاغة أمير البيان الذي كان كلامه من مناجم الأدب العربي.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٧٢ ـ ٤٧٨.

(٢) العقد المفصّل ٩ : ٧٠٢ ، ورويت في نزهة الجليس ١ : ٢٥١. مصباح الكفعمي إلاّ أنّها ذكرت في الديوان المنسوب إلى الإمام عليه‌السلام بصورة أخرى.

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310