موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133865 / تحميل: 6463
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أظهرهم لهم عن اقتراحهم ذلك كان ذلك آية سماويّة خارقة للعادة نازلة عن اقتراحهم، و من شأنّ الآية المعجزة النازلة عن اقتراح الناس أن يعقّبها عذاب الاستئصال و الهلاك القطعيّ إن لم يؤمنوا بها، و هؤلاء الكفّار المعاندون ليسوا بمؤمنين فهو الهلاك.

و بالجملة لو أنزل الله الملائكة و الحال هذا الحال - هم يقترحون آية فاصلة تظهر الحقّ و تميط الباطل - لأنزلهم بالحقّ الفاصل المميّز و ما كانوا إذا منظرين بل يهلكون و يقطع دابرهم، هذا محصّل ما ذكره بعضهم.

و قيل: المراد بالحقّ في الآية الموت و المعنى ما نزّل الملائكة على الناس إلّا مصاحبا للحقّ الّذي هو الموت و ما كانوا إذا منظرين، و كأنّه مأخوذ من قوله تعالى:( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ) الآية.

و قيل: المراد بالحقّ الرسالة أي ما نزّل الملائكة إلّا بالوحي و الرسالة و كأنّه مأخوذ من نحو قوله:( قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحقّ ) النساء: ١٧٠( و قولهفَقَدْ كَذَّبُوا بِالحقّ لَمَّا جاءَهُمْ ) الأنعام: ٥.

فهذه وجوه مذكورة في تفسير الآية و دونها وجوه مذكورة في مختلف التفاسير و هي جميعاً لا تخلو من شي‏ء و هو أنّ شيئاً منها لا ينطبق على الحصر الموجود في قوله:( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إلّا بِالحقّ ) فنزول الملائكة لا يختصّ بعذاب الاستئصال فقط و لا بالموت فقط، و لا بالوحي و الرسالة فقط، و توجيه الآية بما يختصّ بأحد المعاني الثلاث المذكورة للحقّ يحتاج إلى تقييدها بقيود كثيرة يدفعها إطلاق الآية كما هو ظاهر لمن راجع الوجوه المقرّرة آنفاً.

و يمكن أن يقرّر معنى الآية باستمداد من التدبّر في آيات اُخر أنّ ظرف الحياة المادّيّة أعني هذه النشأة الدنيويّة ظرف يختلط فيه الحقّ و الباطل من غير أن يتمحّض الحقّ في الظهور بجميع خواصّه و آثاره كما يشير إليه قوله تعالى:( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحقّ وَ الْباطِلَ ) الرعد: ١٧، و قد تقدّم تفصيل القول في ذلك فما يظهر فيه شي‏ء من الحقّ إلّا و هو يحتمل شيئاً من اللبس و الشكّ كما يصدّقه

١٠١

استقراء الموارد الّتي صادفناها مدى أعمارنا، و من الشاهد عليه قوله تعالى:( وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) الأنعام: ٩ و الظرف ظرف الامتحان و الاختيار و لا اختيار إلّا مع إمكان التباس الحقّ بالباطل و اختلاط الخير و الشرّ بنحو حتّى يقف الإنسان على ملتقى الطريقين و منشعب النجدين فيستدلّ على الخير و الشرّ بآثارهما و أماراتهما ثمّ يختار ما يستحقّه من السعادة و الشقاوة.

و أمّا عالم الملائكة و ظرف وجودهم فإنّما هو عالم الحقّ غير مشوب بشي‏ء من الباطل كما يدلّ عليه قوله تعالى:( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) التحريم: ٦ و قوله:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: ٢٧.

فمقتضى الآيات و ما في معناها أنّهم في أنفسهم مخلوقات شريفة و وجودات طاهرة نورانيّة منزّهة عن النّقص و الشين لا تحتمل الشرّ و الشقاء و ليس عندها إمكان الفساد و المعصية و التقصير فلا يحكم فيها هذا النظام المادّيّ المبنيّ على أساس الإمكان و الاختيار و جواز الصلاح و الفساد و الطاعة و المعصية و السعادة و الشقاء جميعاً، و سيوافيك البحث المستوفى فيه فيما يناسبه من المورد إن شاء الله.

و سيأتي أيضاً أنّ الإنسان لا طريق له إلى هذا الظرف الحقّ ما دام متوغّلاً في هذا العالم المادّيّ متورّطا في ورطات الشهوات و الأهواء كأهل الكفر و الفسوق إلّا ببطلان عالمهم و خروجهم إلى العالم الحقّ و ظهوره عليهم و انكشاف الغطاء عنهم كما يشير إليه قوله:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق: ٢٢ و هذا هو العالم الّذي يسمّى بالنسبة إلى الإنسان آخرة.

فتبيّن أنّ ظهور عالم الملائكة للناس المتوغّلين في عالم المادّة متوقّف على تبدّل الظرف و الانتقال من الدّنيا إلى الآخرة و هو الموت اللّهمّ إلّا في المصطفين من عباد الله و أوليائه المطهّرين من أقذار الذنوب الملازمين لساحة قربه لهم أهليّة مشاهدة الغيب و هم في عالم الشهادة كالأنبياءعليهم‌السلام .

و لعلّ ما قدّمناه هو المراد بقوله:( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إلّا بِالحقّ وَ ما كانُوا

١٠٢

إِذاً مُنْظَرِينَ ) ، فإنّهم إنّما اقترحوا نزول الملائكة ليشاهدوهم في صورهم الأصليّة حتّى يصدّقوا و هذا الحال لا تتمهّد لهم إلّا بالموت كما قال تعالى:( وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ إلى أن قال يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ) الفرقان: ٢٣.

و قد اجتمع المعنيان في قوله تعالى:( وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) الأنعام: ٩ يقول تعالى: لو أنزلنا عليه الملائكة آية خارقة للعادة مصدّقة للنبوّة كان لازمه القضاء عليهم و هلاكهم و لو قلّدنا الملك النبوّة و الرّسالة كان لازمه أن نصوّره في صورة رجل من الإنسان، و أن نوقفه موقفاً يحتمل اللبس فإنّ الرسالة إحدى وسائل الامتحان و الابتلاء الإلهيّ و لا امتحان إلّا بما يحتمل السعادة و الشقاء و الفوز و الخيبة و يجوز معه النجاة و الهلاك و لو توصّل إلى الرسالة بما يضطرّ العقول إلى الإيمان و يلجئ النفوس إلى القبول و اليقين لبطل ذلك كلّه.

قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) صدر الآية مسوق سوق الحصر، و ظاهر السياق أنّ الحصر ناظر إلى ما ذكر من ردّهم القرآن بأنّه من أهذار الجنون و أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجنون لا عبرة بما صنع و لا حجر و من اقتراحهم أن يأتيهم بالملائكة ليصدّقوه في دعوته و أنّ القرآن كتاب سماويّ حقّ.

و المعنى - على هذا و الله أعلم - أنّ هذا الذكر لم تأت به أنت من عندك حتّى يعجزوك و يبطلوه بعنادهم و شدّة بطشهم و تتكلّف لحفظه ثمّ لا تقدر، و ليس نازلاً من عند الملائكة حتّى يفتقر إلى نزولهم و تصديقهم إيّاه بل نحن أنزلنا هذا الذكر إنزالاً تدريجيّاً و إنّا له لحافظون بما له من صفة الذكر بما لنا من العناية الكاملة به.

فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت و ينسى من أصله، مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً مصون من النقص كذلك، مصون من التغيير في صورته و سياقه بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكراً لله مبيّناً لحقائق معارفه.

١٠٣

فالآية تدلّ على كون كتاب الله محفوظاً من التحريف بجميع أقسامه من جهة كونه ذكراً لله سبحانه فهو ذكر حيّ خالد.

و نظير الآية في الدلالة على كون الكتاب العزيز محفوظاً بحفظ الله مصونا من التحريف و التصرّف بأيّ وجه كان من جهة كونه ذكراً له سبحانه قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) حم السجدة: ٤٢.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ اللّام في الذكر للعهد الذكريّ و أنّ المراد بالوصف لحافظون هو الاستقبال كما هو الظاهر من اسم الفاعل فيندفع به ما ربّما يورد على الآية أنّها لو دلّت على نفي التحريف من القرآن لأنّه ذكر لدلّت على نفيه من التوراة و الإنجيل أيضاً لأنّ كلّا منهما ذكر مع أنّ كلامه تعالى صريح في وقوع التحريف فيهما.

و ذلك أنّ الآية بقرينة السياق إنّما تدلّ على حفظ الذكر الّذي هو القرآن بعد إنزاله إلى الأبد، و لا دلالة فيها على علّيّة الذكر للحفظ الإلهيّ و دوران الحكم مداره.

و سنستوفي البحث عمّا يرجع إلى هذا الشأن إن شاء الله تعالى.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اُذينة عن رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله: لا يدخل الجنّة إلّا مسلم فيومئذ يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين. ثمّ قال:( ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا و يلههم الأمل) أي شغلهم( فسوف يعلمون) .

أقول: و روى العيّاشيّ، عن عبدالله بن عطاء المكّيّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليه‌السلام : في تفسير الآية مثله.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ في الأوسط و ابن مردويه بسند صحيح عن

١٠٤

جابر بن عبدالله قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ ناسا من اُمّتي يعذّبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ثمّ يعيّرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحّد إلّا أخرجه الله تعالى من النار. ثمّ قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

أقول: و هذا المعنى مرويّ بطرق اُخرى عن أبي موسى الأشعريّ و أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم و ابن شاهين في السنّة عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أصحاب الكبائر من موحّدي الاُمم كلّها الّذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين و لا تائبين من دخل منهم جهنّم لا تزرق أعينهم، و لا تسودّ وجوههم، و لا يقرنون بالشياطين و لا يغلّون بالسلاسل، و لا يجرّعون الحميم، و لا يلبسون القطران حرّم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد، و صورهم على النار من أجل السجود.

فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه، و منهم من تأخذه النار إلى عقبيه، و منهم من تأخذه النار إلى فخذيه، و منهم من تأخذه النار إلى حجزته، و منهم من تأخذه النار إلى عنقه على قدر ذنوبهم و أعمالهم، و منهم من يمكث فيها شهراً ثمّ يخرج منها، و منهم من يمكث فيها سنة ثمّ يخرج منها، و أطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى.

فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود و النصارى و من في النار من أهل الأديان و الأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله و كتبه و رسله فنحن و أنتم اليوم في النار سواء فيغضب الله لهم غضباً لم يغضبه لشي‏ء فيما مضى فيخرجهم إلى عين بين الجنّة و الصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ثمّ يدخلون الجنّة مكتوب في جباههم: هؤلاء الجهنّميّون عتقاء الرحمن فيمكثون في الجنّة ما شاء الله أن يمكثوا.

ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الاسم عنهم فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثمّ

١٠٥

يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقي فيها يسمّرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه، و يشتغل عنهم أهل الجنّة بنعيمهم و لذّاتهم، و ذلك قوله:( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

أقول: الطرثوث نبت و حميل السيل غثاؤه، و قد روي من طرق الشيعة ما يقرب من الحديث مضمونا.

و فيه، أخرج أحمد و ابن مردويه عن أبي سعيد: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غرس عوداً بين يديه و آخر إلى جنبه و آخر بعده. قال: أ تدرون ما هذا؟ قالوا: الله و رسوله أعلم، قال: فإنّ هذا الإنسان و هذا أجله و هذا أمله فيتعاطى الأمل فيختلجه الأجل دون ذلك.

أقول: و روي ما يقرب من معناه بطرق عن أنس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في المجمع، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى، و طول الأمل، فإنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ، و طول الأمل ينسي الآخرة.

و في تفسير القمّيّ،: في قوله تعالى:( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إلّا بِالحقّ وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ) قال: قالعليه‌السلام : لو أنزلنا بالملائكة لم ينظروا و هلكوا.

( كلام في أنّ القرآن مصون عن التحريف في فصول)

( الفصل ١- الاستدال علي نفي التحريف بالقرآن)

من ضروريّات التاريخ أنّ النبيّ العربيّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء قبل أربعة عشر قرناً - تقريباً - و ادّعى النبوّة و انتهض للدّعوة و آمن به اُمّة من العرب و غيرهم، و أنّه جاء بكتاب يسمّيه القرآن و ينسبه إلى ربّه متضمّن لجمل المعارف و كلّيّات الشريعة الّتي كان يدعو إليها، و كان يتحدّى به و يعدّه آية لنبوّته، و أنّ القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الّذي جاء به و قرأه على الناس المعاصرين له في

١٠٦

الجملة بمعنى أنّه لم يضع من أصله بأن يفقد كلّه ثمّ يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه أو لا يشابهه و ينسب إليه و يشتهر بين الناس بأنّه القرآن النازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فهذه اُمور لا يرتاب في شي‏ء منها إلّا مصاب في فهمه و لا احتمل بعض ذلك أحد من الباحثين في مسألة التحريف من المخالفين و المؤالفين.

و إنّما احتمل بعض من قال به من المخالف أو المؤالف زيادة شي‏ء يسير كالجملة أو الآية(١) أو النقص أو التغيير في جملة أو آية في كلماتها أو إعرابها، و أمّا جلّ الكتاب الإلهيّ فهو على ما هو في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يضع و لم يفقد.

ثمّ إنّا نجد القرآن يتحدّى بأوصاف ترجع إلى عامّة آياته و نجد ما بأيدينا من القرآن أعني ما بين الدفّتين واجداً لما وصف به من أوصاف تحدّى بها من غير أن يتغيّر في شي‏ء منها أو يفوته و يفقد.

فنجده يتحدّى بالبلاغة و الفصاحة و نجد ما بأيدينا مشتملاً على ذلك النظم العجيب البديع لا يعدله و لا يشابهه شي‏ء من كلام البلغاء و الفصحاء المحفوظ منهم و المرويّ عنهم من شعر أو نثر أو خطبة أو رسالة أو محاورة أو غير ذلك و هذا النظم موجود في جميع الآيات سواء كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه الجلود و القلوب.

و نجده يتحدّى بقوله:( أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء: ٨٢ بعدم وجود اختلاف فيه و نجد ما بأيدينا من القرآن يفي بذلك أحسن الوفاء و أوفاه فما من إبهام أو خلل يتراءى في آية إلّا و يرفعه آية اُخرى، و ما من خلاف أو مناقضة يتوهّم بادئ الرأي من شطر إلّا و هناك ما يدفعه و يفسّره.

و نجده يتحدّى بغير ذلك ممّا لا يختصّ فهمه بأهل اللغة العربيّة كما في قوله:

__________________________________________________

(١) كقول بعض من غير المنتحلين بالإسلام أن قوله تعالى: ( إنّك ميّت و إنّهم ميّتون ) من وضع أبي بكر وضعه حين سمع عمر و هو شاهر سيفه يهدد بالقتل من قال: إنّ النبيّ مات فقرأها على عمر فصرفه.

١٠٧

( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‏ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) إسراء: ٨٨ و قوله:( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ ) الطارق: ١٤ ثمّ نجد ما بأيدينا من القرآن يستوفي البيان في صريح الحقّ الّذي لا مرية فيه، و يهدي إلى آخر ما يهتدي إليه العقل من اُصول المعارف الحقيقيّة و كلّيّات الشرائع الفطريّة و تفاصيل الفضائل الخلقيّة من غير أن نعثر فيها على شي‏ء من النقيصة و الخلل أو نحصل على شي‏ء من التناقض و الزلل بل نجد جميع المعارف على سعتها و كثرتها حيّة بحياة واحدة مدبّرة بروح واحد هو مبدأ جميع المعارف القرآنيّة و الأصل الّذي إليه ينتهي الجميع و يرجع و هو التوحيد فإليه ينتهي الجميع بالتحليل و هو يعود إلى كلّ منها بالتركيب.

و نجده يغوص في أخبار الماضين من الأنبياء و اُممهم و نجد ما عندنا من كلام الله يورد قصصهم و يفصّل القول فيها على ما يليق بطهارة الدين و يناسب نزاهة ساحة النبوّة و خلوصها للعبوديّة و الطاعة و كلّما طبّقنا قصّة من القصص القرآنيّة على ما يماثلها ممّا ورد في العهدين انجلى ذلك أحسن الانجلاء.

و نجده يورد آيات في الملاحم و يخبر عن الحوادث الآتية في آيات كثيرة بالتصريح أو بالتلويح ثمّ نجدها فيما هو بأيدينا من القرآن على تلك الشريطة صادقة مصدّقة.

و نجده يصف نفسه بأوصاف زاكية جميلة كما يصف نفسه بأنّه نور و أنّه هاد يهدي إلى صراط مستقيم و إلى الملّة الّتي هي أقوم و نجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من ذلك و لا يهمل من أمر الهداية و الدلالة و لا دقيقة.

و من أجمع الأوصاف الّتي يذكرها القرآن لنفسه أنّه ذكر لله فإنّه يذكر به تعالى بما أنّه آية دالّة عليه حيّة خالدة و بما أنّه يصفه بأسمائه الحسنى و صفاته العليا، و يصف سنّته في الصنع و الإيجاد، و يصف ملائكته و كتبه و رسله، و يصف شرائعه و أحكامه، و يصف ما ينتهي إليه أمر الخلقة و هو المعاد و رجوع الكلّ إليه سبحانه، و تفاصيل ما يؤل إليه أمر الناس من السعادة و الشقاء، و الجنّة و النار.

١٠٨

ففي جميع ذلك ذكر الله، و هو الّذي يرومه القرآن بإطلاق القول بأنّه ذكر و نجد ما بأيدينا من القرآن لا يفقد شيئاً من معنى الذكر.

و لكون الذكر من أجمع الصفات في الدلالة على شؤون القرآن عبّر عنه بالذكر في الآيات الّتي أخبر فيها عن حفظه القرآن عن البطلان و التغيير و التحريف كقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَ فَمَنْ يُلْقى‏ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) حم السجدة: ٤٢ فذكر تعالى أنّ القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل و لا يدخل فيه حالاً و لا في مستقبل الزمان لا بإبطال و لا بنسخ و لا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريّته عنه.

و كقوله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) الحجر: ٩ أطلق الذكر و أطلق الحفظ فالقرآن محفوظ بحفظ الله عن كلّ زيادة و نقيصة و تغيير في اللفظ أو في الترتيب يزيله عن الذكريّة و يبطل كونه ذكراً لله سبحانه بوجه.

و من سخيف القول إرجاع ضمير( لَهُ ) إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه مدفوع بالسياق و إنّما كان المشركون يستهزؤن بالنبيّ لأجل القرآن الّذي كان يدّعي نزوله عليه كما يشير إليه بقوله سابقا:( وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) و قد مرّ تفسير الآية.

فقد تبيّن ممّا فصّلناه أنّ القرآن الّذي أنزله الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و وصفه بأنّه ذكر محفوظ على ما اُنزل مصون بصيانة إلهيّة عن الزيادة و النقيصة و التغيير كما وعد الله نبيّه فيه.

و خلاصة الحجّة أنّ القرآن أنزله الله على نبيّه و وصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصّة لو كان تغيّر في شي‏ء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثّر فقد آثار تلك الصفة قطعاً لكنّا نجد القرآن الّذي بأيدينا واجداً

١٠٩

لآثار تلك الصفات المعدودة على أتمّ ما يمكن و أحسن ما يكون فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئاً من صفاته فالّذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعينه فلو فرض سقوط شي‏ء منه أو تغيّر في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في أمر لا يؤثّر في شي‏ء من أوصافه كالإعجاز و ارتفاع الاختلاف و الهداية و النوريّة و الذكريّة و الهيمنة على سائر الكتب السماويّة إلى غير ذلك، و ذلك كآية مكرّرة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب و نحوها.

( الفصل ٢- الاستدلال عليه بالحديث)

و يدلّ على عدم وقوع التحريف الأخبار الكثيرة المرويّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن و في حلّ عقد المشكلات.

و كذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين:( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) الحديث فلا معنى للأمر بالتمسّك بكتاب محرّف و نفي الضلال أبداً ممّن تمسّك به.

و كذا الأخبار الكثيرة الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب، و ما ذكره بعضهم أنّ ذلك في الأخبار الفقهيّة و من الجائز أن نلتزم بعدم وقوع التحريف في خصوص آيات الأحكام و لا ينفع ذلك سائر الآيات مدفوع بأنّ أخبار العرض مطلقة فتخصيصها بذلك تخصيص من غير مخصّص.

على أنّ لسان أخبار العرض كالصريح أو هو صريح في أنّ الأمر بالعرض إنّما هو لتمييز الصدق من الكذب و الحقّ من الباطل و من المعلوم أنّ الدسّ و الوضع غير مقصورين في أخبار الفقه بل الدواعي إلى الدسّ و الوضع في المعارف الاعتقاديّة و قصص الأنبياء و الاُمم الماضين و أوصاف المبدإ و المعاد أكثر و أوفر و يؤيّد ذلك ما بأيدينا من الإسرائيليّات و ما يحذو حذوها ممّا أمر الجعل فيها أوضح و أبين.

١١٠

و كذا الأخبار الّتي تتضمّن تمسّك أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بمختلف الآيات القرآنيّة في كلّ باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتّى في الموارد الّتي فيها آحاد من الروايات بالتحريف، و هذا أحسن شاهد على أنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهمعليهم‌السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن و التأويل.

و كذا الروايات الواردة عن أميرالمؤمنين و سائر الأئمّة من ذرّيّتهعليهم‌السلام في أنّ ما بأيدي الناس قرآن نازل من عندالله سبحانه و إن كان غير ما ألّفه عليّعليه‌السلام من المصحف و لم يشركوهعليه‌السلام في التأليف في زمن أبي بكر و لا في زمن عثمان و من هذا الباب‏ قولهمعليهم‌السلام لشيعتهم:( اقرؤا كما قرأ النّاس) .

و مقتضى هذه الروايات أن لو كان القرآن الدائر بين الناس مخالفا لما ألّفه عليّعليه‌السلام في شي‏ء فإنّما يخالفه في ترتيب السور أو في ترتيب بعض الآيات الّتي لا يؤثّر اختلال ترتيبها في مدلولها شيئاً و لا في الأوصاف الّتي وصف الله سبحانه بها القرآن النازل من عنده ما يختلّ به آثارها.

فمجموع هذه الروايات على اختلاف أصنافها يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الّذي بأيدينا من القرآن هو القرآن النازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير أن يفقد شيئاً من أوصافه الكريمة و آثارها و بركاتها.

( الفصل ٣- كلام مثبتي التحريف و جوابه)

ذهب جماعة من محدّثي الشيعة و الحشويّة و جماعة من محدّثي أهل السنّة إلى وقوع التحريف بمعنى النقص و التغيير في اللفظ أو الترتيب دون الزيادة فلم يذهب إليها أحد من المسلمين كما قيل.

و احتجّوا على نفي الزيادة بالإجماع و على وقوع النقص و التغيير بوجوه كثيرة.

١١١

أحدها: الأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الشيعة و أهل السنّة الدالّة على سقوط بعض السور و الآيات و كذا الجمل و أجزاء الجمل و الكلمات و الحروف في الجمع الأوّل الّذي اُلّف فيه القرآن في زمن أبي بكر و كذا في الجمع الثاني الّذي كان في زمن عثمان و كذا التغيير و هذه روايات كثيرة روتها الشيعة في جوامعها المعتبرة و غيرها، و قد ادّعى بعضهم أنّها تبلغ ألفي حديث، و روتها أهل السنّة في صحاحهم كصحيحي البخاريّ و مسلم و سنن أبي داود و النسائيّ و أحمد و سائر الجوامع و كتب التفاسير و غيرها و قد ذكر الآلوسيّ في تفسيره أنّها فوق حدّ الإحصاء.

و هذا غير ما يخالف فيه مصحف عبدالله بن مسعود المصحف المعروف ممّا ينيف على ستّين موضعا، و ما يخالف فيه مصحف اُبيّ بن كعب المصحف العثمانيّ و هو في بضع و ثلاثين موضعا، و ما يختلف فيه المصاحف العثمانيّة الّتي اكتتبها و أرسلها إلى الآفاق و هي خمسة أو سبعة أرسلها إلى مكّة و إلى الشام و إلى البصرة و إلى الكوفة و إلى اليمن و إلى البحرين و حبس واحدا بالمدينة و الاختلاف الّذي فيما بينها يبلغ خمسة و أربعين حرفاً، و قيل: بضع و خمسين حرفاً.(١)

و غير الاختلاف في الترتيب بين المصاحف العثمانيّة و الجمع الأوّل في زمن أبي بكر فقد كانت سورة الأنفال في التأليف الأوّل في المثاني و سورة براءة في المئين و هما في الجمع الثاني موضوعتان في الطوال على ما ستجي‏ء روايته.

و غير الاختلاف في ترتيب السور الموجود بين مصحفي عبدالله بن مسعود و اُبيّ ابن كعب على ما وردت به الرواية و بين المصاحف العثمانيّة و غير الاختلافات القرائيّة الشاذّة الّتي رويت عن الصحابة و التابعين فربّما بلغ عدد المجموع الألف أو زاد عليه.

الوجه الثاني: أنّ العقل يحكم بأنّه إذا كان القرآن متفرّقاً متشتّتاً منتشراً عند الناس و تصدّى لجمعه غير المعصوم يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع.

الوجه الثالث: ما روته العامّة و الخاصّة: أنّ عليّاعليه‌السلام اعتزل الناس بعد رحلة

__________________________________________________

(١) ذكره ابن طاووس في سعد السعود.

١١٢

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يرتد إلّا للصّلاة حتّى جمع القرآن ثمّ حمله إلى الناس و أعلمهم أنّه القرآن‏ الّذي أنزله الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد جمعه فردّوه و استغنوا عنه بما جمعه لهم زيد بن ثابت و لو لم يكن بعض ما فيه مخالفاً لبعض ما في مصحف زيد لم يكن لحملة إليهم و إعلامهم و دعوتهم إليه وجه، و قد كانعليه‌السلام أعلم الناس بكتاب الله بعد نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد أرجع الناس إليه في حديث الثقلين المتواتر و قال في الحديث المتّفق عليه: عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ.

الوجه الرابع: ما ورد من الروايات أنّه يقع في هذه الاُمّة ما وقع في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذّة، بالقذّة و قد حرّفت بنو إسرائيل كتاب نبيّهم على ما يصرّح به القرآن الكريم و الروايات المأثورة، فلا بدّ أن يقع نظيره في هذه الاُمّة فيحرّفوا كتاب ربّهم و هو القرآن الكريم.

ففي صحيح البخاريّ، عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموه قلنا: يا رسول الله بآبائنا و اُمّهاتنا اليهود و النصارى؟ قال: فمن؟

و الرواية مستفيضة مرويّة في جوامع الحديث عن عدّة من الصحابة كأبي سعيد الخدريّ - كما مرّ - و أبي هريرة و عبدالله بن عمر، و ابن عبّاس و حذيفة و عبدالله بن مسعود و سهل بن سعد و عمر بن عوف و عمرو بن العاص و شدّاد بن أوس و المستورد بن شدّاد في ألفاظ متقاربة.

و هي مرويّة مستفيضة من طرق الشيعة عن عدّة من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في تفسير القمّيّ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتركبنّ سبيل من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة لا تخطؤن طريقهم و لا تخطئ شبر بشبر و ذراع بذراع و باع بباع حتّى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضبّ لدخلتموه قالوا: اليهود و النصارى تعني يا رسول الله؟ قال: فمن أعني؟ لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة فيكون أوّل ما تنقضون من دينكم الأمانة و آخره الصلاة.

و الجواب عن استدلالهم بإجماع الاُمّة على نفي تحريف القرآن بالزيادة

١١٣

بأنّها حجّة مدخولة لكونها دوريّة.

بيان ذلك: أنّ الإجماع ليس في نفسه حجّة عقليّة يقينيّة بل هو عند القائلين باعتباره حجّة شرعيّة لو أفاد شيئاً من الاعتقاد فإنّما يفيد الظنّ سواء في ذلك محصّله و منقوله على خلاف ما يزعمه كثير منهم أنّ الإجماع المحصّل مفيد للقطع و ذلك أنّ الّذي يفيده الإجماع من الاعتقاد لا يزيد على مجموع الاعتقادات الّتي تفيدها آحاد الأقوال و الواحد من الأقوال المتوافقة لا يفيد إلّا الظنّ بإصابة الواقع، و انضمام القول الثاني الّذي يوافقه إليه إنّما يفيد قوّة الظنّ دون القطع لأنّ القطع اعتقاد خاصّ بسيط مغاير للظنّ و ليس بالمركّب من عدّة ظنون.

و هكذا كلّما انضمّ قول إلى قول و تراكمت الأقوال المتوافقة زاد الظنّ قوّة و تراكمت الظنون و اقتربت من القطع من غير أن تنقلب إليه كما تقدّم، هذا في المحصّل من الإجماع و هو الّذي نحصّله بتتبّع جميع الأقوال و الحصول على كلّ قول قول، و أمّا المنقول منه الّذي ينقله الواحد و الاثنان من أهل العلم و البحث فالأمر فيه أوضح فهو كآحاد الروايات لا يفيد إلّا الظنّ إن أفاد شيئاً من الاعتقاد.

فالإجماع حجّة ظنّيّة شرعيّة دليل اعتبارها عند أهل السنّة مثلاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تجتمع اُمّتي على خطإ أو ضلال) و عند الشيعة دخول قول المعصوم في أقوال المجمعين أو كشف أقوالهم عن قوله بوجه.

فحجية الإجماع بالجملة متوقّفة على صحّة النبوّة و ذلك ظاهر، و صحّة النبوّة اليوم متوقّفة على سلامة القرآن من التحريف المستوجب لزوال صفات القرآن الكريمة عنه كالهداية و فصل القول و خاصّة الإعجاز فإنّه لا دليل حيّاً خالداً على خصوص نبوّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير القرآن الكريم بكونه آية معجزة، و مع احتمال التحريف بزيادة أو نقيصة أو أيّ تغيير آخر لا وثوق بشي‏ء من آياته و محتوياته أنّه كلام الله محضا و بذلك تسقط الحجّة و تفسد الآية، و مع سقوط كتاب الله عن الحجّيّة يسقط الإجماع عن الحجّيّة.

١١٤

و لا ينفع في المقام ما قدّمناه في أوّل الكلام أنّ وجود القرآن المنزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما بأيدينا من القرآن في الجملة من ضروريّات التاريخ.

و ذلك لأنّ مجرّد اشتمال ما بأيدينا منه على القرآن الواقعيّ لا يدفع احتمال زيادة أو نقيصة أو أيّ تغيير آخر في كلّ آية أو جملة اُريد التمسّك بها لإثبات مطلوب.

و الجواب عن الوجه الأوّل الّذي اُقيم لوقوع التحريف بالنقص و التغيير و هو الّذي تمسّك فيه بالأخبار:

أما أوّلاً فبأنّ التمسّك بالأخبار بما أنّها حجّة شرعيّة يشتمل من الدور على ما يشتمل عليه التمسّك بالإجماع بنظير البيان الّذي تقدّم آنفاً.

فلا يبقى للمستدلّ بها إلّا أن يتمسّك بها بما أنّها أسناد و مصادر تاريخيّة و ليس فيها حديث متواتر و لا محفوف بقرائن قطعيّة تضطرّ العقل إلى قبوله بل هي آحاد متفرّقة متشتّتة مختلفة منها صحاح و منها ضعاف في أسنادها و منها قاصرة في دلالتها فما أشذّ منها ما هو صحيح في سنده تامّ في دلالته.

و هذا النوع على شذوذه و ندرته غير مأمون فيه الوضع و الدسّ فإنّ انسراب الإسرائيليّات و ما يلحق بها من الموضوعات و المدسوسات بين رواياتنا لا سبيل إلى إنكاره و لا حجّيّة في خبر لا يؤمن فيه الدسّ و الوضع.

و مع الغضّ عن ذلك فهي تذكر من الآيات و السور ما لا يشبه النظم القرآنيّ بوجه، و مع الغضّ عن جميع ذلك فإنّها مخالفة للكتاب مردودة:

أمّا ما ذكرنا أنّ أكثرها ضعيفة الأسناد فيعلم ذلك بالرجوع إلى أسانيدها فهي مراسيل أو مقطوعة الأسناد أو ضعيفتها، و السالم منها من هذه العلل أقلّ قليل.

و أمّا ما ذكرنا أنّ منها ما هو قاصر في دلالتها فإنّ كثيراً ممّا وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير و ذكر معنى الآيات لا من حكاية متن الآية المحرّفة و ذلك كما في روضة الكافي، عن أبي الحسن الأوّل: في قول الله:( أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ - فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء و سبق لهم العذاب -وَ قُلْ لَهُمْ

١١٥

فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً ) .

و ما في الكافي، عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) قال:( وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا - عمّا اُمرتم به -فإنّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف.

و يلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات الّتي تذكر هذه الآية هكذا:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ - في عليّ -) و الآية نازلة في حقّهعليه‌السلام ، و ما روي: أنّ وفد بني تميم كانوا إذا قدموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقفوا على باب الحجرة و نادوه أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا:( إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ - بنو تميم -أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) فظنّ أنّ في الآية سقطا.

و يلحق بهذا الباب أيضاً ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن و انطباقه كما ورد في قوله:( وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا - آل محمّد حقّهم -) و ما ورد من قوله:( وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ - في ولاية عليّ و الأئمّة من بعده -فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) و هي كثيرة جدّاً.

و يلحق بها أيضاً ما اُتبع فيه القراءة بشي‏ء من الذكر و الدعاء فتوهّم أنّه من سقط القرآن كما في الكافي، عن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألت الرضاعليه‌السلام عن التوحيد فقال: كلّ من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ و آمن بها فقد عرف التوحيد، قال:( قلت‏ ظ) كيف نقرؤها؟ قال: كما يقرؤها الناس و زاد فيه كذلك الله ربّي كذلك الله ربّي.

و من قبيل قصور الدلالة ما نجد في كثير من الآيات المعدودة من المحرّفة اختلاف الروايات في لفظ الآية كالّتي وردت في قوله تعالى:( وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) ففي بعضها أنّ الآية هكذا:( و لقد نصركم الله ببدر و أنتم ضعفاء) و في بعضها:( و لقد نصركم الله ببدر و أنتم قليل) .

و هذا الاختلاف ربّما كان قرينة على أنّ المراد هو التفسير بالمعنى كما في الآية المذكورة و يؤيّده ما ورد في بعضها من قولهعليه‌السلام : لا يجوز وصفهم بأنّهم

١١٦

أذلّة و فيهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و ربّما لم يكن إلّا من التعارض و التنافي بين الروايات القاضي بسقوطها كآية الرجم على‏ ما ورد في روايات الخاصّة و العامّة و هي في بعضها: إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة. و في بعضها: الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة، و في بعضها «بما قضيا من اللذّة» و في بعضها آخرها:( نكالا من الله و الله عليم حكيم) و في بعضها:( نَكالًا مِنَ اللهِ وَ اللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

و كآية الكرسيّ على التنزيل الّتي وردت فيها روايات فهي في بعضها هكذا:( اللهُ لا إِلهَ إلّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) و ما بينهما و ما تحت الثرى عالم الغيب و الشهادة فلا يظهر على غيبه أحداً( مَنْ ذَا الّذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ - إلى قوله -وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) و الحمد لله ربّ العالمين.

و في بعضها - إلى قوله -( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) و الحمد لله ربّ العالمين، و في بعضها هكذا:( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ - و ما بينهما و ما تحت الثرى عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم -) إلخ. و في بعضها:( عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم بديع السماوات و الأرض ذو الجلال و الإكرام ربّ العرش العظيم) و في بعضها: عالم الغيب و الشهادة العزيز الحكيم.

و ما ذكره بعض المحدّثين أنّ اختلاف هذه الروايات في الآيات المنقولة غير ضائر لاتّفاقها في أصل التحريف. مردود بأنّ ذلك لا يصلح ضعف الدلالة و دفع بعضها لبعض.

و أمّا ما ذكرنا من شيوع الدسّ و الوضع في الروايات فلا يرتاب فيه من راجع الروايات المنقولة في الصنع و الإيجاد و قصص الأنبياء و الاُمم و الأخبار الواردة في تفاسير الآيات و الحوادث الواقعة في صدر الإسلام و أعظم ما يهمّ أمره لأعداء الدين و لا يألون جهدا في إطفاء نوره و إخماد ناره و إعفاء أثره هو القرآن الكريم الّذي هو الكهف المنيع و الركن الشديد الّذي يأوي إليه و يتحصّن به المعارف

١١٧

الدينيّة و السند الحيّ الخالد لمنشور النبوّة و موادّ الدعوة لعلمهم بأنّه لو بطلت حجّة القرآن لفسد بذلك أمر النبوّة و اختلّ نظام الدين و لم يستقرّ من بنيته حجر على حجر.

و العجب من هؤلاء المحتجّين بروايات منسوبة إلى الصحابة أو إلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على تحريف كتاب الله سبحانه و إبطال حجيّته، و ببطلان حجّة القرآن تذهب النبوّة سدى و المعارف الدينيّة لغا لا أثر لها، و ما ذا يغني قولنا: إنّ رجلا في تاريخ كذا ادّعى النبوّة و أتى بالقرآن معجزة أمّا هو فقد مات و أمّا قرآنه فقد حرف، و لم يبق بأيدينا ممّا يؤيّد أمره إلّا أنّ المؤمنين به أجمعوا على صدقه في دعواه و أنّ القرآن الّذي جاء به كان معجزاً دالّاً على نبوّته، و الإجماع حجّة لأنّ النبيّ المذكور اعتبر حجيّته أو لأنّه يكشف مثلاً عن قول أئمّة أهل بيته؟.

و بالجملة احتمال الدسّ - و هو قريب جدّاً مؤيّد بالشواهد و القرائن - يدفع حجّيّة هذه الروايات و يفسد اعتبارها فلا يبقى معه لها لا حجّيّة شرعيّة و لا حجّيّة عقلائيّة حتّى ما كان منها صحيح الأسناد فإنّ صحّة السند و عدالّة رجال الطريق إنّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في اُصولهم و جوامعهم ما لم يرووه.

و أمّا ما ذكرناه أنّ روايات التحريف تذكر آيات و سوراً لا يشبه نظمها النظم القرآنيّ بوجه فهو ظاهر لمن راجعها فإنّه يعثر فيها بشي‏ء كثير من ذلك كسورتي الخلع و الحفد اللّتين رويتا بعدّة من طرق أهل السنّة فسورة الخلع هي: بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ إنّا نستعينك و نستغفرك، و نثني عليك و لا نكفرك، و نخلع و نترك من يفجرك و سورة الحفد هي:( بسم الله الرحمن الرحيم اللّهمّ إيّاك نعبد و لك نصلّي و نسجد و إليك نسعى و نحفد، نرجو رحمتك و نخشى نقمتك إنّ عذابك بالكافرين ملحق) .

و كذا ما أورده بعض الروايات من سورة الولاية و غيرها أقاويل مختلقة رام واضعها أن يقلّد النظم القرآنيّ فخرج الكلام عن الاُسلوب العربيّ المألوف و لم يبلغ النظم الإلهيّ المعجز فعاد يستبشعه الطبع و ينكره الذوق و لك أن تراجعها

١١٨

حتّى تشاهد صدق ما ادّعيناه و تقضي أنّ أكثر المعتنين بهذه السور و الآيات المختلقة المجعولة إنّما دعاهم إلى ذلك التعبّد الشديد بالروايات و الإهمال في عرضها على الكتاب، و لو لا ذلك لكفتهم للحكم بأنّها ليست بكلام إلهيّ نظرة.

و أمّا ما ذكرنا أنّ روايات التحريف على تقدير صحّة أسنادها مخالفة للكتاب فليس المراد به مجرّد مخالفتها لظاهر قوله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) و قوله:( وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ ) الآيتان حتّى تكون مخالفة ظنّيّة لكون ظهور الألفاظ من الأدلّة الظنّيّة بل المراد مخالفتها للدلالة القطعيّة من مجموع القرآن الّذي بأيدينا حسب ما قرّرناه في الحجّة الاُولى الّتي أقمناها لنفي التحريف.

كيف لا؟ و القرآن الّذي بأيدينا متشابه الأجزاء في نظمه البديع المعجز كاف في رفع الاختلافات المتراءاة بين آياته و أبعاضه غير ناقص و لا قاصر في إعطاء معارفه الحقيقيّة و علومه الإلهيّة الكلّيّة و الجزئيّة المرتبطة بعضها ببعض المترتّبة فروعها على اُصولها المنعطفة أطرافها على أوساطها إلى غير ذلك من خواصّ النظم القرآنيّ الّذي وصفه الله بها.

و الجواب عن الوجه الثاني أنّ دعوى الامتناع العاديّ مجازفة بيّنة نعم يجوّز العقل عدم موافقة التأليف في نفسه للواقع إلّا أن تقوم قرائن تدلّ على ذلك و هي قائمة كما قدّمنا، و أمّا أن يحكم العقل بوجوب مخالفتها للواقع كما هو مقتضى الامتناع العاديّ فلا.

و الجواب عن الوجه الثالث أنّ جمعهعليه‌السلام القرآن و حمله إليهم و عرضه عليهم لا يدلّ على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شي‏ء من الحقّائق الدينيّة الأصليّة أو الفرعيّة إلّا أن يكون في شي‏ء من ترتيب السور أو الآيات من السور الّتي نزلت نجوما بحيث لا يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينيّة.

و لو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج و دافع فيه و لم يقنع بمجرّد إعراضهم عمّا جمعه و استغنائهم عنه كما روي عنهعليه‌السلام في موارد شتّى و لم ينقل عنهعليه‌السلام فيما

١١٩

روي من احتجاجاته أنّه قرأ في أمر ولايته و لا غيرها آية أو سورة تدلّ على ذلك، و جبّههم على إسقاطها أو تحريفها.

و هل كان ذلك حفظا لوحدة المسلمين و تحرّزاً عن شقّ العصا فإنّما كان يتصوّر ذلك بعد استقرار الأمر و اجتماع الناس على ما جمع لهم لا حين الجمع و قبل أن يقع في الأيدي و يسير في البلاد.

و ليت شعري هل يسعنا أن ندّعي أنّ ذاك الجمّ الغفير من الآيات الّتي يرون سقوطها و ربّما ادّعوا أنّها تبلغ الاُلوف كانت جميعاً في الولاية أو كانت خفيّة مستورة عن عامّة المسلمين لا يعرفها إلّا النزر القليل منهم مع توفّر دواعيهم و كثرة رغباتهم على أخذ القرآن كلّما نزل و تعلّمه و بلوغ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغه و إرساله إلى الآفاق و تعليمه و بيانه، و قد نصّ على ذلك القرآن قال تعالى:( وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ ) الجمعة: ٢ و قال:( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) النحل: ٤٤ فكيف ضاع؟ و أين ذهب؟ ما يشير إليه بعض المراسيل أنّه سقط في آية من أوّل سورة النساء بين قوله:( وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) و قوله:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) أكثر من ثلث القرآن أي أكثر من ألفي آية، و ما ورد من طرق أهل السنّة أنّ سورة براءة كانت مبسملة تعدل سورة البقرة، و أنّ الأحزاب كانت أعظم من البقرة و قد سقطت منه مائتا آية إلى غير ذلك!.

أو أنّ هذه الآيات - و قد دلّت هذه الروايات على بلوغها في الكثرة - كانت منسوخة التلاوة كما ذكره جمع من المفسّرين من أهل السنّة حفظا لما ورد في بعض رواياتهم أنّ من القرآن ما أنساه الله و نسخ تلاوته.

فما معنى إنساء الآية و نسخ تلاوتها؟ أ كان ذلك لنسخ العمل بها فما هي هذه الآيات المنسوخة الواقعة في القرآن كآية الصدقة و آية نكاح الزانية و الزاني و آية العدّة و غيرها؟ و هم مع ذلك يقسّمون منسوخ التلاوة إلى منسوخ التلاوة و العمل معا و منسوخ التلاوة دون العمل كآية الرجم.

أم كان ذلك لكونها غير واجدة لبعض صفات كلام الله حتّى أبطلها الله بإمحاء

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ادعيته عليه‌السلام

في بحر الاسبوع

وهام الإمام عليه‌السلام بذكر الله تعالى وعبادته فكان في جميع أوقات حياته يلهج بحمده ودعائه ، وقد ذكرنا عرضا لأدعيته الجليلة كان يدعو بها في الليل والنهار ، وفي كلّ مناسبة مرّت عليه ، وبالإضافة لها فقد اثرت عنه أدعية خاصّة كان يدعو بها في بحر الاسبوع كان منها ما يلي :

دعاؤه عليه‌السلام

يوم الجمعة

وقد ذكرناه في طليعة هذا الكتاب ، وقد حفل ببحوث كلامية عرضنا لشرحها وبيان بعضها.

دعاؤه عليه‌السلام

يوم السبت

الحمد لله الّذي قرن رجائي بعفوه ، وفسح أملي بحسن تجاوزه وصفحه ، وقوّى متني وظهري وساعدي ويدي بما عرّفني من جوده وكرمه ، ولم يخلني مع مقامي على معصيته وتقصيري في طاعته ، وما يحقّ عليّ من اعتقاد خشيته ، واستشعار خيفته من تواتر مننه ، وتظاهر نعمه.

٢٢١

وسبحان الله الّذي يتوكّل كلّ مؤمن عليه ، ويضطرّ كلّ جاحد إليه ، ولا يستغني أحد إلاّ بفضل ما لديه.

ولا إله إلاّ الله المقبل على من أعرض عن ذكره ، والتّوّاب على من تاب إليه من عظيم ذنبه ، السّاخط على من قنط من واسع رحمته ويئس من عاجل روحه ، والله أكبر خالق كلّ شيء ومالكه ، ومبيد كلّ شيء ومهلكه.

والله أكبر كبيرا كما هو أهله ومستحقّه.

اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ونبيّك ورسولك وأمينك وشاهدك التّقيّ النّقيّ ، وعلى آل محمّد الطّيّبين الطّاهرين.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال معترف بذنبه ، نادم على اقتراف تبعته ، وأنت أولى من اعتمد وعفا ، وجاد بالمغفرة على من ظلم ، فقد أوبقتني الذّنوب في مهاوي الهلكة ، وأحاطت بي الآثام وبقيت غير مستقلّ بها ، وأنت المرتجى وعليك المعوّل في الشّدّة والرّخاء ، وأنت ملجأ الخائف الغريق ، وأرأف من كلّ شفيق ، وإليك قصدت سيّدي ، وأنت منتهى القصد للقاصدين ، وأرحم من استرحم في تجاوزك عن المذنبين.

اللهمّ أنت الّذي لا يتعاظمك غفران الذّنوب ، وكشف الكروب ، وأنت علاّم الغيوب ، وستّار العيوب ، وكشّاف الكروب ، لأنّك الباقي الرّحيم الّذي تسربلت بالرّبوبيّة ، وتوحّدت بالإلهيّة.

ومن بنود هذا الدعاء قوله :

إلهي أتقرّب إليك بسعة رحمتك الّتي وسعت كلّ شيء ، فقد ترى يا ربّ

٢٢٢

مكاني ، وتطّلع على ضميري ، وتعلم سرّي ، ولا يخفى عليك أمري ، وأنت أقرب إليّ من حبل الوريد ، فتب عليّ توبة لا أعود بعدها فيما يسخطك ، واغفر لي مغفرة لا أرجع معها إلى معصيتك يا أكرم الأكرمين.

إلهي أنت الّذي أصلحت قلوب المفسدين ، فصلحت بإصلاحك إيّاها فاصلحني بإصلاحك ، وأنت الّذي مننت على الضّالّين فهديتهم برشدك عن الضّلالة ، وعلى الجاحدين عن قصدك فسدّدتهم ، وقوّمت منهم عثر الزّلل فمنحتهم محبّتك وجنّبتهم معصيتك ، وأدرجتهم درج المغفور لهم ، وأحللتهم محلّ الفائزين ، فأسألك يا مولاي أن تلحقني بهم يا أرحم الرّاحمين.

اللهمّ إنّي أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن ترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية ، وعملا يقرّب إليك يا خير مسئول.

اللهمّ وأتضرّع إليك ضراعة مقرّ على نفسه بالهفوات وأتوب إليك يا توّاب.

فلا تردّني خائبا من جزيل عطائك يا وهّاب ، فقديما جدت على المذنبين بالمغفرة ، وسترت على عبيدك قبيحات الفعال ، يا جليل ، يا متعال ، أتوجّه إليك بمن أوجبت حقّه عليك إذ لم يكن لي من الخير ما أتوجّه به إليك ، وحالت الذّنوب بيني وبين المحسنين ، وإذ لم يوجب لي عملي مرافقة النّبيّين فلا تردّ سيّدي توجّهي بمن توجّهت أتخذلني يا ربّ وأنت أملي ، أم تردّ يدي صفرا من العفو وأنت منتهى رغبتي ، يا من هو موجود معروف بالجود ، والخلق له عبيد وإليه مردّ الأمور ، فصلّ على محمّد وآل محمّد ، وجد عليّ بإحسانك الّذي فيه الغنى عن القريب والبعيد والأعداء والإخوان والأخوات وألحقني بالّذين غمرتهم

٢٢٣

بسعة تطوّلك وكرامتك لهم ، وتطوّلك عليهم ، وجعلتهم أطايب أبرارا أتقياء أخيارا ، ولنبيّك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في دارك جيرانا ، واغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات مع الآباء والأمّهات والإخوة والأخوات يا أرحم الرّاحمين (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٥٠ ـ ٤٥٥.

٢٢٤

دعاؤه عليه‌السلام

يوم الأحد

كان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الأحد وهذا نصّه :

الحمد لله على حلمه وأناته ، والحمد لله على علمي بأنّ ذنبي وإن كبر صغير في جنب عفوه ، وجرمي وإن عظم حقير عند رحمته.

وسبحان الله الّذي رفع السّماوات بغير عمد ، وأنشأ جنّات المأوى بلا أمد ، وخلق الخلائق بلا ظهير ولا سند.

ولا إله إلاّ الله المنذر من عند عن طاعته ، وعتى عن أمره ، والمحذّر من لجّ في معصيته ، واستكبر عن عبادته ، والمعذر إلى من تمادى في غيّه وضلالته ، لتثبيت حجّته عليه ، وعلمه بسوء عاقبته.

والله أكبر الجواد الكريم الّذي ليس لقديم إحسانه ، وعظيم امتنانه على جميع خلقه نهاية ، ولا لقدرته وسلطانه على بريّته غاية.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى أهل بيته ، وبارك على محمّد وعلى أهل بيته كأفضل ما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال مذنب أوبقته معاصيه في ضيق المسالك ، وليس له مجير سواك ، ولا له أمل غيرك ، ولا مغيث أرأف به منك ، ولا معتمد يعتمد عليه غيرك ، أنت مولاي الّذي جدت بالنّعم قبل استحقاقها وأهّلتها بتطوّلك غير

٢٢٥

مؤهّليها ، ولم يعزّك منع ، ولا أكداك إعطاء ولا أنفد سعتك سؤال ملحّ ، بل أردت أرزاق عبادك تطوّلا منك عليهم.

اللهمّ كلّت العبارة عن بلوغ مدحتك ، وهفت الألسن عن نشر محامدك وتفضّلك ، وقد تعمّدتك بقصدي إليك ، وإن أحاطت بي الذّنوب وأنت أرحم الرّاحمين ، وأكرم الأكرمين ، وأجود الأجودين ، وأنعم الرّازقين ، وأحسن الخالقين ، الأوّل والآخر ، والظّاهر والباطن ، أجلّ وأعزّ وأرأف من أن تردّ من أمّلك ورجاك ، وطمع فيما عندك ، فلك الحمد يا أهل الحمد.

إلهي إنّي جرت على نفسي في النّظر لها ، وسالمت الأيّام باقتراف الآثام ، وأنت وليّ الإنعام ذو الجلال والإكرام ، فما بقي إلاّ نظرك لها ، فاجعل مردّها منك بالنّجاح ، وأجمل النّظر منك لها بالفلاح ، فأنت المعطي النّفاح ذو الآلاء والنّعم والسّماح ، يا فالق الإصباح ، امنحها سؤلها وإن لم تستحقّ يا غفّار.

اللهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي تمضي به المقادير ، وبعزّتك الّتي تتمّ به التّدابير أن تصلّي على محمّد وآله ، وترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا من فضلك وأن لا تحول بيني وبين ما يقرّبني منك يا حنّان يا منّان.

اللهمّ وأدرجني فيمن أبحت له من غفرانك وعفوك ورضاك ، وأسكنته جنانك برأفتك وطولك وامتنانك.

يا إلهي أنت أكرمت أولياءك بكرامتك فأوجبت لهم حياطتك ، وأظللتهم برعايتك من التّتابع في المهالك ، وأنا عبدك فأنقذني ، وألبسني العافية ، وإلى طاعتك فمل بي ، وعن طغيانك ومعاصيك فردّني ، فقد عجّت إليك الأصوات

٢٢٦

بضروب اللّغات يسألونك الحاجات الّتي ترتجى لمحق العيوب وغفران الذّنوب يا علاّم الغيوب.

اللهمّ إنّي أستهديك فاهدني ، وأعتصم بك فاعصمني ، وأدّ عنّي حقوقك عليّ إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة ، واصرف عنّي شرّ كلّ ذي شرّ إلى خير ما لا يملكه أحد سواك ، واحتمل عنّي مفترضات حقوق الآباء والأمّهات ، واغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات والإخوة والأخوات والقرابات يا وليّ البركات وعالم الخفيّات (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٥٥ ـ ٤٥٩.

٢٢٧

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الاثنين

وكان الإمام عليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الاثنين ، وهو :

الحمد لله الّذي هداني للإسلام ، وأكرمني بالإيمان ، وبصّرني في الدّين ، وشرّفني باليقين ، وعرّفني الحقّ الّذي عنه يؤفكون ، والنّبإ العظيم الّذي هم فيه مختلفون.

وسبحان الله الّذي يرزق القاسط والعادل ، والعاقل والجاهل ، ويرحم السّاهي والغافل ، فكيف الدّاعي السّائل.

ولا إله إلاّ الله اللّطيف بمن شرد عنه من مسرفي عباده ليرجع عن عتوّه وعناده ، الرّاضي من المنيب المخلص بدون الوسع والطّاقة.

والله أكبر الحليم العليم ، الّذي له في كلّ صنف من غرائب فطرته ، وعجائب صنعته آية بيّنة توجب له الرّبوبيّة ، وعلى كلّ نوع من غوامض تقديره وحسن تدبيره دليل واضح ، وشاهد عدل يقضيان له بالوحدانيّة.

اللهمّ إنّي أسألك يا من يصرف البلايا ، ويعلم الخفايا ، ويجزل العطايا ، سؤال نادم على اقتراف الآثام ، وسالم على المعاصي من اللّيالي والأيّام ؛ إذ لم يجد مجيرا سواك لغفرانها ، ولا موئلا يفزع إليه لارتجاء كشف فاقته إلاّ إيّاك يا جليل ، الّذي عمّ الخلائق منّك ، وغمرتهم سعة رحمتك ، وسوّغتهم سوابغ

٢٢٨

نعمتك ، يا كريم المآب ، والجواد الوهّاب ، والمنتقم ممّن عصاه بأليم العذاب ، دعوتك مقرّا بالإساءة على نفسي ، إذ لم أجد ملجا ألجأ إليه في اغتفار ما اكتسبت من الآثام ، يا خير من استدعي لبذل الرّغائب ، وأنجح مأمول لكشف اللّوازب ، لك عنت الوجوه فلا تردّني منك بالحرمان ، إنّك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد.

إلهي وسيّدي ومولاي ، أيّ ربّ أرتجيه ، أم أيّ إله أقصده ، إذا ألمّ بي النّدم ، وأحاطت بي المعاصي ، ونكائب خوف النّقم ، وأنت وليّ الصّفح ، ومأوى الكرم؟

إلهي أتقيمني مقام التّهتّك وأنت جميل السّتر ، وتسألني عن اقترافي للسّيّئات على رءوس الأشهاد ، وقد علمت مخبيّات السّرّ ، فإن كنت يا إلهي مسرفا على نفسي ، مخطئا عليها ، بانتهاك الحرمات ، ناسيا لما اجترمت من الهفوات ، فأنت لطيف تجود على المسرفين برحمتك ، وتتفضّل على الخاطئين بكرمك ، فارحمني يا أرحم الرّاحمين ، فإنّك تسكّن يا إلهي بتحنّنك روعات قلوب الوجلين ، وتحقّق بتطوّلك أمل الآملين ، وتفيض سجال عطاياك على غير المستأهلين ، فآمنّي برجاء لا يشوبه قنوط ، وأمل لا يكدّره يأس ، يا محيطا بكلّ شيء علما.

وقد أصبحت سيّدي وأمسيت على باب من أبواب منحك سائلا ، وعن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من جميل امتنانك ردّ سائل مأسور ملهوف ، ومضطرّ لانتظار خيرك المألوف.

إلهي أنت الّذي عجزت الأوهام عن الإحاطة بك ، وكلّت الألسن عن نعت

٢٢٩

ذاتك ، فبآلائك وطولك صلّ على محمّد وآل محمّد ، واغفر لي ذنوبي ، وأوسع عليّ من فضلك الواسع رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية ، وأقلني العثرة يا غاية الآملين ، وجبّار السّماوات والأرضين ، والباقي بعد فناء الخلق أجمعين ، وديّان يوم الدّين ، وأنت يا مولاي ثقة من لم يثق بنفسه لافراط خلله ، وأمل من لم يكن له تأميل لكثرة زلله ، ورجاء من لم يرتج لنفسه بوسيلة عمله.

إلهي فأنقذني برحمتك من المهالك ، ونجّني يا مولاي من ضيق المسالك ، وأحللني دار الأخيار ، واجعلني مرافق الأبرار ، واغفر لي ذنوب اللّيل والنّهار ، يا مطّلعا على الأسرار ، واحتمل عنّي مولاي أداء ما افترضت عليّ للآباء والأمّهات ، والإخوان والأخوات بلطفك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام ، وأشركنا في دعاء من استجبت له من المؤمنين والمؤمنات إنّك عالم جواد كريم وهّاب ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليما (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٠ ـ ٤٦٤.

٢٣٠

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الثلاثاء

كان إمام المتّقين عليه‌السلام يدعو الله تعالى بهذا الدعاء في يوم الثلاثاء :

الحمد لله الّذي منّ عليّ باستحكام المعرفة والإخلاص بالتّوحيد له ، ولم يجعلني من أهل الغواية والغباوة والشّك والشّرك ، ولا ممّن استحوذ الشّيطان عليه فأغواه وأضلّه ، واتّخذ إلهه هواه.

وسبحان الله الّذي يجيب المضطرّ ، ويكشف الضّرّ ، ويعلم السّرّ ، ويملك الخير والشّرّ.

ولا إله إلاّ الله الّذي يحلم عن عبده إذا عصاه ، ويتلقّاه بالإسعاف والتّلبية إذا دعاه.

والله أكبر ، البسيط ملكه ، المعدوم شركه ، المجيد عرشه ، الشّديد بطشه.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال من لم يجد لسؤاله مسئولا سواك ، وأعتمد عليك اعتماد من لم يجد لاعتماده معتمدا غيرك لأنّك الأوّل الّذي ابتدأت الابتداء فكوّنته بأيدي تلطّفك فاستكان على مشيّتك منشأ كما أردت بإحكام التّقدير ، وأنت أعزّ وأجلّ من أن تحيط العقول بمبلغ وصفك ، أنت العالم الّذي لا يعزب عنك مثقال ذرّة في الأرض والسّماء ، والجواد الّذي لا يبخّلك إلحاح الملحّين ، فإنّما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكون ، أمرك ماض ، ووعدك حتم ،

٢٣١

وحكمك عدل ، لا يعزب عنك شيء ، وإليك مردّ كلّ شيء ، احتجبت بآلائك فلم تر ، وشهدت كلّ نجوى ، وتعاليت على العلى ، وتفرّدت بالكبرياء ، وتعزّزت بالقدرة والبقاء ، فلك الحمد في الآخرة والأولى ، ولك الشّكر في البدء والعقبى ، أنت إلهي حليم قادر ، رءوف غافر ، وملك قاهر ، ورازق بديع ، مجيب سميع ، بيدك نواصي العباد ونواحي البلاد ، حيّ قيّوم ، جواد ماجد ، كريم رحيم.

أنت إلهي المالك الّذي ملكت الملوك فتواضع لهيبتك الأعزّاء ، ودانت لك بالطّاعة الأولياء ، فاحتويت بإلهيّتك على المجد والثّناء ، ولا يؤودك حفظ خلقك ، وأنت علاّم الغيوب ، سترت عليّ عيوبي وأحصيت عليّ ذنوبي ، وأكرمتني بمعرفة دينك ، ولم تهتك عنّي جميل سترك يا حنّان ، ولم تفضحني يا منّان ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن توسّع عليّ من فضلك الواسع رزقا حلالا طيّبا ، وأن تغفر لي ذنوبا حالت بيني وبينك باقترافي لها فأنت أهل أن تجود عليّ بسعة رحمتك ، وتنقذني من أليم عقوبتك ، وتدرجني درج المكرمين ، وتلحقني مولاي بالصّالحين مع الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون : سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ، بصفحك وتغمّدك يا رءوف يا رحيم.

يا ربّ وأسألك الصّلاة على محمّد وآل محمّد ، وأن تحتمل عنّي واجب الآباء والأمّهات وأدّ حقوقهم عنّي ، وألحقني معهم بالأبرار والمؤمنين والمؤمنات ، وأغفر لي ولهم جميعا إنّك حميد مجيد وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٤ ـ ٤٦٨.

٢٣٢

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الأربعاء

من أدعية الإمام عليه‌السلام في يوم الأربعاء هذا الدعاء :

الحمد لله الّذي مرضاته في الطّلب إليه ، والتماس ما لديه ، وسخطه في ترك الإلحاح في المسألة عليه.

وسبحان الله شاهد كلّ نجوى بعلمه ، والمباين لكلّ ذي جسم بنفسه ، ولا إله إلاّ الله الّذي لا يدرك بالعيون والأبصار ، ولا يجهل بالعقول والألباب ، ولا يخلو من الضّمير ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور.

والله أكبر المتجلّل عن صفات المخلوقين ، المطّلع على ما في قلوب الخلائق أجمعين.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال من لا يملّ دعاء ربّه ، وأتضرّع إليك تضرّع غريق يرجو كشف كربه ، وأبتهل إليك ابتهال تائب من ذنوبه وخطاياه ، وأنت الرّءوف الّذي ملكت الخلائق كلّهم ، وفطرتهم أجناسا مختلفات الألوان والأقدار على مشيّتك ، وقدّرت آجالهم وأرزاقهم ، فلم يتعاظمك خلق خلق حتّى كوّنته كما شئت فتعاليت وتجبّرت عن اتّخاذ وزير ، وتعزّزت من مؤامرة شريك ، وتنزّهت عن اتّخاذ الأبناء ، وتقدّست عن ملامسة النّساء ، فليست الأبصار بمدركة لك ، ولا الأوهام بواقعة عليك ، وليس لك شريك ولا ندّ ، ولا عديل ولا نظير ،

٢٣٣

أنت الفرد الواحد الدّائم ، الأوّل والآخر ، والعالم الأحد ، الصّمد القائم ، الّذي لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفوا أحد ، لا توصف بوصف ، ولا تدرك بوهم ، ولا يغيّرك في مرّ الدّهور صرف ، كنت أزليّا لم تزل ، ولا تزال ، وعلمك بالأشياء في الخفاء كعلمك بها في الإجهار والإعلان ، فيا من ذلّت لعظمته العظماء ، وخضعت لعزّته الرّؤساء ، ومن كلّت عن بلوغ ذاته ألسن البلغاء ، ومن أحكم تدبير الأشياء ، واستعجمت عن إدراكه عبارة علوم العلماء.

يا سيّدي أتعذّبني بالنّار وأنت أملي ، أو تسلّطها عليّ بعد إقراري لك بالتّوحيد ، وخضوعي وخشوعي لك بالسّجود ، أو تلجلج لساني في الموقف ، وقد مهّدت لي بمنّك سبل الوصول إلى التّسبيح والتّحميد والتّمجيد ، فيا غاية الطّالبين ، وأمان الخائفين ، وعماد الملهوفين ، وغياث المستغيثين ، وجار المستجيرين ، وكاشف ضرّ المكروبين ، وربّ العالمين ، وأرحم الرّاحمين ، صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتب عليّ وألبسني العافية ، وارزقني من فضلك رزقا واسعا ، واجعلني من التّوّابين.

اللهمّ إن كنت كتبتني شقيا عندك فإنّي أسألك بمعاقد العزّ من رحمتك ، وبالكبرياء والعظمة الّتي لا يقاومها متكبّر ولا عظيم أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تحوّلني سعيدا ، فإنّك تجري الأمور على إرادتك ، وتجير ولا يجار عليك ، وأنت على كلّ شيء قدير ، وأنت الرّءوف الرّحيم الخبير ، تعلم ما في نفسي ، ولا أعلم ما في نفسك ، إنّك أنت علاّم الغيوب فالطف بي ، فقديما لطفت بمسرف على نفسه فامنن عليّ فقد مننت على غريق في بحور خطيئته

٢٣٤

هائما أسلمته للحتوف كثرة زلله ، وتطوّل عليّ يا متطوّلا على المذنبين بالصّفح والعفو ، فإنّك لم تزل آخذا بالفضل على الخاطئين ، والصّفح على العاثرين ، ومن وجب له باجترائه على الآثام حلول دار البوار ، يا عالم الخفيّات والأسرار ، يا جبّار يا قهّار ، وما ألزمتنيه مولاي من فرض الآباء والأمّهات وواجب حقوقهم مع الإخوان والأخوات فاحتمل ذلك عنّي إليهم وأدّه يا ذا الجلال والإكرام ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات إنّك على كلّ شيء قدير (١) .

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٦٨ ـ ٤٧٢.

٢٣٥

دعاؤه عليه‌السلام

في يوم الخميس

وكان من أدعيته الجليلة في يوم الخميس هذا الدعاء :

الحمد لله الّذي له في كلّ نفس من الأنفاس ، وخطرة من الخطرات منّا منن لا تحصى ، وفي كلّ لحظة من اللّحظات نعم لا تنسى ، وفي كلّ حال من الحالات عائدة لا تخفى.

وسبحان الله الّذي يقهر القويّ ، وينصر الضّعيف ، ويجبر الكسير ، ويغني الفقير ، ويقبل اليسير ، ويعطي الكثير ، وهو على كلّ شيء قدير.

ولا إله إلاّ الله السّابغ النّعمة ، البالغ الحكمة ، الدّامغ الحجّة ، الواسع الرّحمة ، المانح العصمة.

والله أكبر ذو السّلطان المنيع ، والبنيان الرّفيع ، والإنشاء البديع ، والحساب السّريع.

وصلّى الله على محمّد خير النّبيّين وآله الطّاهرين ، وسلّم تسليما.

اللهمّ إنّي أسألك سؤال الخائف من وقفة الموقف ، الوجل من العرض ، المشفق من الخشية لبوائق القيامة ، المأخوذ على الغرّة ، النادم على خطيئته ، المسئول المحاسب ، المثاب المعاقب ، الّذي لم يكنّه مكان عنك ، ولا وجد مفرّا إلاّ إليك ، متنصّلا ملتجئا من سيّئ عمله ، مقرّا بعظم ذنوبه ، قد أحاطت به

٢٣٦

الهموم ، وضاقت عليه رحائب التّخوم ، موقن بالموت ، مبادر بالتّوبة قبل الفوت ، إن مننت بها عليه وعفوت ، فأنت إلهي ورجائي إذا ضاق عنّي الرّجاء ، وملجئي إذا لم أجد فناء للالتجاء ، توحّدت يا سيّدي بالعزّ والعلاء ، وتفرّدت بالوحدانيّة والبقاء ، وأنت المتعزّز المتفرّد بالمجد ، فلك ربّي الحمد لا يواري منك مكان ، ولا يغيّرك دهر ولا زمان ، ألّفت بلطفك الفرق ، وفلقت بقدرتك الفلق ، وأنرت بكرمك دياجي الغسق ، وأجريت المياه من الصّمّ الصّياخيد عذبا واجاجا ، وأنهرت من المعصرات ماء ثجّاجا ، وجعلت الشّمس للبريّة سراجا وهّاجا ، والقمر والنّجوم أبراجا ، من غير أن تمارس فيما ابتدأت لغوبا ولا علاجا ، وأنت إله كلّ شيء وخالقه ، وجبّار كلّ مخلوق ورازقه ، فالعزيز من أعززت ، والذّليل من أذللت ، والسّعيد من أسعدت ، والشّقيّ من أشقيت ، والغنيّ من أغنيت ، والفقير من أفقرت ، أنت وليّي ومولاي وعليك رزقي ، وبيدك ناصيتي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي ما أنت أهله ، وعد بفضلك على عبد قد غمره جهله ، واستولى عليه التّسويف حتّى سالم الأيّام ، فارتكب المحارم والآثام ، فاجعلني سيّدي عبدا يفزع إلى التّوبة ، فإنّها مفزع المذنبين ، وأغنني بجودك الواسع عن المخلوقين ، ولا تحوجني إلى شرار العالمين ، وهب لي عفوك في موقف يوم الدّين ، فإنّك أرحم الرّاحمين ، وأجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، يا من له الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، وجبّار السّماوات والأرضين ، إليك قصدت راجيا فلا تردّ يدي عن سنيّ مواهبك صفرا ، إنّك جواد مفضال ، يا رءوفا بالعباد ، ومن هو لهم بالمرصاد ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجزل

٢٣٧

ثوابي ، وتحسن مآبي ، وتستر عيوبي ، وتغفر ذنوبي ، وتنقذني مولاي بفضلك من أليم العقاب ، إنّك جواد كريم وهّاب ، فقد ألقتني السّيّئات والحسنات بين ثواب وعقاب ، وقد رجوتك أن تكون بلطفك تتغمّد عبدك المقرّ بفوادح العيوب بجودك وكرمك يا غافر الذّنوب ، وتصفح عن زلله فليس لي يا سيّدي ربّ أرتجيه غيرك ، ولا إله أسأله جبر فاقتي ومسكنتي سواك ، فلا تردّني منك بالخيبة ، يا مقيل العثرات ، وكاشف الكربات.

إلهي فسرّني فإنّي لست بأوّل من سررته يا وليّ النّعم ، وشديد النّقم ، ودائم المجد والكرم ، واخصصني منك بمغفرة لا يقارنها شقاء ، وسعادة لا يدانيها أذى ، وألهمني تقاك ومحبّتك ، وجنّبني موبقات معصيتك ، ولا تجعل للنّار عليّ سلطانا ، إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة ، وقد دعوتك ، وتكفّلت بالإجابة فلا تخيّب سائلك ، ولا تخذل طالبك ، ولا تردّ آملك ، يا خير مأمول ، وأسألك برأفتك ورحمتك وفردانيّتك وربوبيّتك ، يا من هو على كلّ شيء قدير ، وبكلّ شيء محيط ، فاكفني ما أهمّني من أمر دنياي وآخرتي ، فإنّك سميع الدّعاء ، لطيف لما تشاء ، وأدرجني درج من أوجبت له حلول دار كرامتك مع أصفيائك ، وأهل اختصاصك ، بجزيل مواهبك في درجات جنّاتك مع الّذين أنعمت عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين ، وحسن اولئك رفيقا ، وما افترضت عليّ فاحتمله عنّي إلى من أوجبت حقوقه من الآباء والأمّهات ، والإخوة والأخوات ، واغفر لي ولهم مع المؤمنين والمؤمنات إنّك قريب مجيب واسع البركات ، وذلك عليك يسير يا أرحم الرّاحمين ، وصلّى الله

٢٣٨

على محمّد النّبيّ وآله وسلّم تسليما (١) .

هذه بعض أدعيته الخاصّة في أيام الاسبوع ، ونقل الرواة عنه أبياتا من الشعر نظمها في خصوصيات تلك الأيام وهي :

٤٧%">

أرى الأحد المبارك يوم سعد

٤٧%">

لغرس العود يصلح والبناء

٤٧%">

وفي الإثنين للتّعليم أمن

٤٧%">

وبالبركات يعرف والرّخاء

٤٧%">

وإن رمت الحجامة في الثّلاثا

٤٧%">

فذاك اليوم إهراق الدّماء

٤٧%">

وإن أحببت أن تسقى دواء

٤٧%">

فنعم اليوم يوم الأربعاء

٤٧%">

وفي يوم الخميس طلاب رزق

٤٧%">

لإدراك الفوائد والغناء

٤٧%">

ويوم الجمعة التّزويج فيه

٤٧%">

ولذّات الرّجال مع النّساء

٤٧%">

ويوم السّبت إن سافرت فيه

٤٧%">

وقيت من المكاره والعناء (٢)

ونقف موقف المتأمّل في هذا الشعر لأنّ الأيام تتساوى في كثير من الآثار الوضعية ، اللهمّ إلاّ أن تكون قد وردت روايات صحيحة السند بها ، فنتعبّد بها ، كما أنّا نقف موقفا لا يتّسم بالتصديق والإذعان لبعض الأدعية لأنّ الركة وعدم الفصاحة بادية عليها ، وهي لا تتّفق بحال مع بلاغة أمير البيان الذي كان كلامه من مناجم الأدب العربي.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٤٧٢ ـ ٤٧٨.

(٢) العقد المفصّل ٩ : ٧٠٢ ، ورويت في نزهة الجليس ١ : ٢٥١. مصباح الكفعمي إلاّ أنّها ذكرت في الديوان المنسوب إلى الإمام عليه‌السلام بصورة أخرى.

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310