موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام18%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 310

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 310 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 133755 / تحميل: 6453
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: ٩٦٤-٩٤٣٨٨-٦-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فكذلك في هذه الحالة يعتبر الشيك حوالةً من المَدين لدائنه على البنك، غير أنّ المحوّل عليه ليس مَديناً للمُحيل، ولهذا يصطلح الفقهاء على ذلك بالحوالة على البريء، وهي عندي حوالة صحيحة تنفذ بالقبول من البنك، فإذا قبل البنك الشيك أعتبر ذلك قبولاً منه للحوالة، فتشتغل ذمّته للمُحال في ذمّة المحوِّل، ويصبح المحوِّل مَديناً للبنك - المحوِّل عليه - بقيمة الحوالة.

فمَديونيّة محرّر الشيك للبنك لا تقوم هنا على أساس الاقتراض لكي يتوقّف على القبض، بل على أساس قبول البنك للحوالة، ولمّا كان البنك بريئاً فبقوله للحوالة وانتقال دَين المحوِّل إلى ذمّته يصبح دائناً للمحوِّل بنفس المقدار(١) .

وهكذا يتّضح أنّه يصحّ استعمال الشيكات على البنك كأداة وفاءٍ على أساس الحوالة، سواء كان لمحرّر الشيك رصيد دائن في حسابه الجاري، أو كان حسابه الجاري على المكشوف.

وهناك قيود مَدينة يجريها البنك دون تفويضٍ من العميل، كالعمولات المختلفة، وأجرة البريد، والرسم الدوري لكشوف الحسابات البيانية.

وكلّ هذا صحيح ؛ لأنّ العميل تشتغل ذّمته بأُجرة المثل للبنك لقاءَ الخدمات المصرفية، بما فيها كشوف الحسابات البيانية، وأجرة البريد التي يتكلّفها البنك بأمرٍ صريحٍ أو ضمنيّ موجبٍ للضمان من العميل. وبموجب المقاصّة القهرية بين الدَينين يقوم البنك بخصم قيمة هذه الأجور من الرصيد الدائن لعميله.

____________________

(١) بناءً على أنّ المحوِّل يضمن للمحوّل عليه البريء بسبب إشغاله لذمّته الذي يحصل بمجرّد قبول البريء للحوالة. وأمّا إذا كان الضمان بسبب تسبيب المحوّل لتلف المال على البريء خارجاً فلا يكون الضمان فعلياً إلاّ بعد الدفع.(المؤلّف قدس‌سره ).

١٠١

اندماج أكثر من صفتين في شخصٍ واحد:

وهناك حالات في سحب الشيك على البنك تندمج فيها صفتان في جهةٍ واحدة، ومن هذا القبيل حالة سحب العميل على البنك شيكاً لأمره، أي لأمر العميل نفسه، فهو في هذه الحالة يمثّل مركزَي الساحب والمستفيد، والمدلول الفقهيّ لهذه العملية هو أنّ الساحب يحاول استيفاء قيمة الشيك المسحوب من دَينه على البنك، وليس تحريره للشيك إلاّ لكي يستخدم كوثيقةٍ على الوفاء عند تقديمه لدى البنك وسحب قيمته منه.

ومن هذا القبيل أيضاً حالة سحب العميل شيكاً لأمر البنك، وبهذا يمثّل البنك مركزَي المسحوب عليه والمستفيد، والمدلول الفقهيّ لهذه العملية هو أنّ الساحب كان قد أصبح مَديناً للبنك بأيِّ سببٍ من الأسباب، فوقعت المقاصّة في حدود ذلك الدَين بين دائنية البنك هذه ودائنية العميل المتمثِّلة في رصيده الدائن في الحساب الجاري، وليس الشيك في هذه الحالة إلاّ وثيقةً على وقوع هذه المقاصّة بين ذمّتي البنك والعميل، وكلّ ذلك جائز شرعاً.

الودائع لأجَل (الثابتة):

وهي مبالغ يستهدف أصحابها من وضعها في البنك الحصول على فوائدها ما داموا ليسوا بحاجةٍ ماسّةٍ إليها في الوقت القريب، ولا يجوز سحبها من البنك إلاّ بعد مدّةٍ يتّفق عليها العميل مع البنك، ويجدّد عقد إيداعها في نهاية المدّة إذا رغب المودِع في إبقاء الوديعة، كما يتّفق في أكثر الأحيان.

وهذه الودائع تمثِّل في الحقيقة قروضاً ربويةً محرَّمة، ولهذا يتمنع عنها البنك اللاربوي، ويحوّلها إلى ودائع بالمعنى الفقهيّ الكامل لوديعةٍ قد أودعها

١٠٢

أصحابها في البنك ريثما يجدون مجالاً لتوظيفها واستثمارها على أساس المضاربة. وقد مرّ تفصيل ذلك في الأطروحة التي قدّمناها.

ودائع التوفير:

يقصد بها كلّ حسابٍ في دفترٍ واجب التقديم عنه كلّ سحبٍ أو إيداع. وهي قسم من الودائع الادّخارية، غير أنّ العادة جرت على تمكين الموفِّرين من السحب عليها متى شاءوا، أو ضمن شروطٍ خاصّة.

والبنك اللاربوي لا يرفض قبول ودائع التوفير هذه، ولا يختلف عن البنوك الربوية في إعطاء فرصة السحب للموفِّرين متى أرادوا ذلك، ويقوم باستثمار هذه الودائع عن طريق المضاربة، كما يستثمِر الودائع الثابتة.

ولكنّ موقف البنك اللاربوي من ودائع التوفير يختلف عن موقفه من الودائع الثابتة في أمرين، كما أوضحنا ذلك في الفصل الأوّل:

أحدهما : تمكينه من السحب على ودائع التوفير متى أراد الموفِّر، خلافاً للودائع الثابتة التي يشترط فيها على المودِع أن تظلّ في حوزته مدّةً لا تقلّ عن ستّة أشهر.

والآخر : أنّ البنك اللاربوي يقتطع من كلّ وديعة توفيرٍ نسبةً معيّنةً يعتبرها قرضاً، ويحتفظ بها كسائلٍ نقدي، ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار، كما مرّ بنا في الأطروحة.

الودائع الحقيقية:

وهي عبارة عن أشياء معيّنةٍ يَوَدّ أصحابها أن يحتفظوا بها، ويتجنّبوا مخاطر السرقة والضياع والحريق ونحو ذلك، فيودعونها لدى البنك على أن يستردّوها

١٠٣

بعد ذلك بنفس مظهرها المادّي، وقد يقوم البنك لهذا الغرض بإعداد خزائنٍ خاصّةٍ ويؤجرها لعملائه، ويتقاضى لقاء ذلك أجراً منهم.

وهذه الودائع هي ودائع بالمعنى الفقهيّ الكامل، وعلى هذا الأساس يجوز للبنك أن يأخذ أجرةً لإنجاز العملية، سواء كانت لقاءَ منفعة الخزينة الحديدية التي تحفظ فيها وديعة العميل، أو لقاءَ نفس عمل البنك في تحصينها والحفاظ عليها.

الأهمّية الاقتصادية للودائع المصرفية

تتلخّص الأهميّة الاقتصادية للودائع المصرفية في البنوك القائمة في النقاط الثلاث التالية:

١ - إنّ الودائع المصرفية بالرغم من أنّها مجرّد قيدٍ في سجّلات البنك يتضمّن حساباً لأحد العملاء تعتبر وسيلةً هامّةً من وسائل الدفع، لِمَا تحيط بها من الضمانات القوية المشتقّة من عنصر الثقة في البنوك وإن لم يعترف لها القانون بصفة النقد في التداول، ولهذا ليس هناك إجبار على قبول الوفاء بها، كما هو الحال في النقود الأخرى، ولكنّ عدم اعترافه هذا لم يمنع عن اتّساع نطاق التعامل بالودائع المصرفية، وذلك بنقل ملكيّتها من شخصٍ لآخر عن طريق استعمال الشيكات، وبذلك تزداد وسائل الدفع في المجال التجاري والاقتصادي.

٢ - إنّ الودائع المصرفية تمثِّل على الأغلب أموالاً كانت عاطلةً قبل إيداعها إلى البنك، وأتيح لها عن طريق إيداعها في البنك دخول مجال الإنتاج والاستثمار على شكل قروضٍ مصرفيةٍ لرجال الأعمال، وبذلك أصبح بإمكانها أن تساهم بدور كبيرٍ في إنعاش اقتصاد البلاد ونموّه الصناعي والتجاري.

٣ - إنّ الودائع المصرفية تمنح البنك القدرة على خلق الائتمان بدرجةٍ أكبر

١٠٤

من كمّية تلك الودائع، والائتمان يخلق بدوره الوديعة المصرفية أيضاً، وهكذا تزداد بهذا الشكل كميّة الودائع المصرفية، وبالتالي تكثر وسائل الدفع التي تعوَّض عن النقود، وكلّما كثرت وسائل الدفع اتّسعت الحركة التجارية ونمت.

ويجب أن نحدِّد موقف الشريعة الإسلامية، وبالتالي وضع البنك اللاربوي تجاه هذه النقاط الثلاث.

الودائع المصرفية وسائل دفع:

أمّاالنقطة الأولى فبالإمكان أن تعتبر الودائع المصرفية وسائل دفعٍ عن طريق استعمال الشيكات. ونظراً إلى أنّ وسيلة الدفع هي نفس الوديعة المصرفية لا الشيك، وإنّما الشيك مجرّد أمرٍ بالسحب على الرصيد المودَع، والوديعة ليست إلاّ ديناً في ذمّة البنك للمودِع فاتّخاذها وسيلةَ دفع يعني اتّخاذ الدَين وسيلةَ دفع ن ولهذا يصبح استعمال الودائع بدلاً عن النقود جائزاً في الحدود التي يجوز التعامل ضمنها بالدَين. ولكي نعرف هذه الحدود نقسّم التعامل بالدَين إلى قسمين:

أحدهما : التعامل به كأسلوب لوفاء دَينٍ آخر عن طريق الحوالة، فالمَدين يمكنه أن يُحيل دائنه على مدينه، وبذلك يكون قد استخدم الدَين الذي يملكه في وفاء دائنه وإبراء ذمّته من ناحيته، وهذا صحيح شرعاً كما تقدّم، وبذلك يجوز استعمال الشيك كأداة وفاء.

والآخر : التعامل به كوسيلة دفعٍ ينصّب عليها العقد مباشرة، كأن يشتري الدائن بالدَين الذي يملكه في ذمّة مَدينه بضاعةً، أو يهب ذلك الدين لشخصٍ آخر، وهذا التعامل يُحكم بصحّته أحياناً ويُحكم ببطلانه أحياناً من الناحية الشرعية.

فمثلاً: شراء الدائن بضاعةً بما يملكه من دَينٍ في ذمّة مَدينه صحيح شرعاً

١٠٥

إذا لم تكن البضاعة المشتراة مؤجّلة، وإلاّ بطل الشراء ؛ لأنّه يكون من بيع الدَين وهو باطل.

ومثال آخر: هبة الدائن للدَين الذي يملكه في ذمّة شخصٍ آخر صحيحةٌ شرعاً إذا كان الموهوب له نفس المَدين، وأمّا إذا كان شخصاً آخر فالهبة باطلة عند من يرى من الفقهاء أنّ قبض الموهوب له للمال الموهوب شرط في صحة الهبة، فلا يجوز للموهوب له، على هذا، التصرّف في الدَين الذي وهبه له الدائن قبل الوفاء وقبض الدائن له، أو قبض الموهوب له بالوكالة عن الدائن.

وعلى هذا الأساس نعرف أنّ التعامل بالشيك كأداة وفاءٍ لدَينٍ سابقٍ صحيح شرعاً. وأمّا التعامل به كموضوعٍ ينصبّ عليه العقد مباشرةً لكي تكون الوديعة المصرفية نفسها هي موضع التعامل، فهذا يصحّ أحياناً، ولا يصحّ أحياناً.

ولكنّ التعامل بالشيك كموضوعٍ ينصبّ عليه العقد مباشرةً يعتبر باطلاً دائماً إذا كان السحب بالشيك من دون رصيدٍ دائنٍ للساحب ؛ إذ لا يوجد عندئذٍ للساحب شيء حقيقيّ يملكه ممّا يعبّر عنه الشيك لكي به بضاعةً مثلاً أو يهبه. ورصيد المدين في حسابه الجاري ليس إلاّ مجرّد قرضٍ من البنك، والقرض لا يملكه المقترض إلاّ بالقبض، فلا معنى للتعامل به وهبته وشراء بضاعةٍ به مثلاً قبل أن يقبض مباشرةً أو توكيلاً.

والغالب من التعامل بالشيكات في الحياة الاعتيادية هو التعامل بالشيكات كأداة فاء، وهو صحيح لِمَا عرفت.

دور البنك اللاربوي في توظيف الأموال العاطلة:

وأمّاالنقطة الثانية ، وهي أنّ البنك يؤدّي بنشاطه إلى تجميع الأموال العاطلة وتوظيفها، فسوف تظلّ صادقةً على البنك اللاربوي كما صدقت على البنوك

١٠٦

الربوية. وإنّما الفارق بينهما في أسلوب التوظيف، فبينما يتمّ التوظيف في البنوك الربوية على أساس إقراض المستثمِرين يتمّ في البنك اللاربوي على أساس المشاركة معهم عن طريق المضاربة.

خلق الائتمان بدرجةٍ أكبرَ من كمّية الودائع:

وبالنسبة إلىالنقطة الثالثة ، وهي قدرة البنك على خلق الائتمان بدرجةٍ أكبر من كمّية الودائع، يجب أن نتساءل: هل يتاح للبنك اللاربوي أن يخلق الائتمان، وبالتالي الدائنية، بدرجةٍ أكبر من كمّية الودائع الموجودة لديه فعلاً ؟

والجواب بالإيجاب، ولكن على شرط أن تكون الدائنية التي يخلقها البنك مستندةً إلى سببٍ شرعيّ، لا إلى سببٍ غير مشروع. ولتمييز السبب المشروع من غيره نقارن بين الحالات الثلاث التالية:

١ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك هي (١٠٠٠) دينار، فيتقدّم إليه شخصان يطلب كلّ واحدٍ منهما قرضاً قدره (١٠٠٠) دينار، وحيث إنّ البنك يعلم أنّهما سوف يودِعان ما يقترضانه لديه مرّةً أخرى وسوف لن يسحبا ودائعهما معاً في وقتٍ واحدٍ، فهو يرى أنّه بإمكانه أن يلتزم لكلّ واحدٍ منهما بقرضٍ قدره (١٠٠٠) دينار، وبذلك يعتبر نفسه دائناً ب- (٢٠٠٠) دينار بينما ليس لديه في خزائن ودائعه إلاّ (١٠٠٠) دينار.

٢ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك (١٠٠٠) دينار، فيتقدّم شخص طالباً قرضاً قدره (١٠٠٠) دينار، فيقرضه البنك المبلغ المطلوب ويتسلّفه المقترِض ويدفعه إلى دائنه وفاءً لدينه، فيتسلّمه الدائن ويودِعه بدوره في البنك، فيتقدّم شخص آخر طالباً اقتراض (١٠٠٠) دينارٍ من البنك فيقرضه ويدفع إليه المبلغ، وبذلك يصبح البنك دائناً ب- (٢٠٠٠) دينار، بينما لم يكن لديه في خزانة

١٠٧

ودائعه إلاّ (١٠٠٠) دينار.

٣ - نفترض أنّ كمّية الودائع الموجودة لدى البنك (١٠٠٠) دينار، فتتقدّم إليه حوالتان من شخصين ليس لهما أيّ رصيدٍ لديه، كلّ منهما يحوِّل دائنه على البنك ب- (١٠٠٠) دينارٍ، والبنك يعرف أنّه إذا قبل الحوالتين معاً فسوف لن يتعرّض لخطر المطالبة ب- (٢٠٠٠) دينار ؛ لأنّ الدائَنين سوف لن يسحبا دَينَهما في وقتٍ واحد، وعلى هذا الأساس يتقبّل البنك كلتا الحوالتين، فيصبح بذلك دائناً لكلٍّ من المحوِّلَين ب- (١٠٠٠) دينار، ويتقاضى فوائد (٢٠٠٠) دينارٍ من القرض، بينما لم يكن لديه إلاّ (١٠٠٠) دينارٍ من الودائع.

ونحن إذا فحصنا هذه الحالات الثلاث وجدنا أنّ دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ في الحالة الأولى نشأت من قرضين التزم بهما لشخصين، ولكنّ القرضين لم يتوفّر فيهما القبض اللازم شرعاً في كلّ قرض ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من المقترِضَين لم يحصل من البنك إلاّ على مجرّد الالتزام له ب- (١٠٠٠) دينار، أي على قيدٍ في رصيده المَدين فيعتبر القرض باطلاً، وبالتالي لا يعتبر البنك دائناً للشخصين ب- (٢٠٠٠) دينار، وإنّما يعتبر دائناً بالقدر الذي يتمّ تسليمه لهما من المبلغ.

وفي الحالة الثانية نشأت دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ من قرضَين أيضاً، غير أنّ القرضَين هنا يتوفّر فيهما القبض ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من المقترِضَين قد قبض المبلغ الذي اقترضه كاملاً، فيعتبر القرضان صحيحين، ويكون البنك دائناً شرعاً ب- (٢٠٠٠) دينار.

وفي الحالة الثالثة نشأت دائنية البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ للمحوِّلَين من قبوله بحوالتيهما، لا من عقد القرض، والحوالة صحيحة شرعاً، فيعتبر البنك دائناً ب- (٢٠٠٠) دينارٍ للمحوِّلَين ومديناً في نفس الوقت ب- (٢٠٠٠) دينارٍ لدائني المحوِّلَين.

١٠٨

ويتّضح ممّا سبق أنّ دائنية البنك بأكبرَ من الكمّية الموجودة من الودائع لديه فعلاً أمر جائز شرعاً إذا وجد السبب الشرعيّ للدائنية، وهو الإقراض الذي يتوفّر فيه قبض المقرِض المبلغ كما في الحالة الثانية، أو قبول الحوالة كما في الحالة الثالثة. وأمّا إذا لم يتحقّق السبب الشرعيّ للدائنية من إقراضٍ مع القبض، أو قبول الحوالة، أو غيرهما من الأسباب الشرعية فلا مبرِّر للدائنية كما في الحالة الأولى، فإنّ مجرّد التزام البنك ب- (٢٠٠٠) دينارٍ لكلٍّ من الشخصَين وتقييد المبلغ في الرصيد المَدين لحسابه الجاري في سجلاّته الخاصّة لا يخلق دَيناً ودائناً ومَديناً.

ويجب أن يعلم بهذا الصدد أنّنا حين نؤكِّد على بطلان القرض في الحالة الأولى لعدم توفّر القبض، ونربط صحة القرض بقبض المبلغ المقترَض، لا نريد بالقبض فصله نهائياً عن البنك المقرِض، بل بإمكان العميل الذي يطلب قرضاً قدره ألف دينارٍ مثلاً أن يقبض هذا المبلغ ثمّ يودِعه في حسابه الجاري في البنك، ويكون القرض في هذه الحالة صحيحاً ؛ لأنّه قرض مقبوض.

وقد يقال: إنّ العميل بإيداعه المبلغ مرّةً أخرى في البنك يكون قد أقرضه للبنك ؛ لأنّ الإيداع إقراض من الناحية الفقهية، فيصبح العميل دائناً للبنك بألف، أي بنفس قيمة المبلغ الذي اقترضه منه، وبذلك تحصل المقاصّة الجبرية بين الدَينيَن وتتلاشى دائنية البنك، وهذا يعني أنّ البنك لا يمكنه أن يحتفظ بدائنّيته لعميله ما لم ينفصل المبلغ المقترَض نهائياً عن البنك.

والجواب على هذا القول: أنّ العميل بقبضه للمبلغ مباشرةً أو توكيلاً يصبح مديناً للبنك بألف دينارٍ مثلاً، وبإيداعه المبلغ مرّةً أخرى في حسابه الجاري في البنك وإن خلق ديناً جديداً له من البنك إلاّ أنّ الدَينَين لا يسقطان بالمقاصّة ؛ لأنَّ العادة في القرض الذي تسلّمه العميل من البنك أن يكون مؤجّلاً إلى مدّةٍ محدّدة، بينهما لا يكون القرض المتمثِّل في إيداع العميل للمبلغ في حسابه الجاري مؤجّلاً.

١٠٩

ولهذا لا يتمكّن العميل من سحبه متى شاء. وما دام أحد الدَينَين مؤجّلاً دون الآخر فلا تحصل المقاصّة بينهما، ولا يسقطان بالتهاتر ؛ لأنّ من شروط التهاتر اتّفاق الدَينَين في ذلك. وعلى هذا الأساس تكون دائنية البنك بألف دينارٍ شرعية، وتظلّ على شرعيّتها إذا قبض العميل المبلغ المقترَض ثم أودعه في البنك مرّةً أخرى في حسابه الجاري، ويظلّ البنك دائناً حتّى يحلّ الأجل، فتحصل المقاصّة ويسقط الدَينان بالتهاتر.

التحصيل

إنّ قيام البنوك بقبول ودائع العلاء جعلها تتصدّى لإتمام جميع التسويات التي تترتّب على ذلك بعمولةٍ أو بدون عمولة، وعلى هذا الأساس تمارس البنوك تسوية الديون عن طريق المقاصّة، أو الترحيل في الحساب دون حاجةٍ إلى تداول كمّياتٍ كبيرةٍ من العملة، وما يترتّب على ذلك من نقل وتكاليف وتعرّضٍ لمخاطر السرقة والضياع. وتتمثّل التسويات التي تقوم بها البنوك في: تحصيل الشيكات، وتحصيل الكمبيالات، والتحصيلات المستندية، وقبول الشيكات والكمبيالات.

تحصيل الشيكات:

تقدّم منّا في الحديث عن الحساب الجاري أنّ أحد أساليب الإيداع هو: أن يتقدّم أحد العملاء إلى البنك بشيكٍ مسحوبٍ لمصلحته على حساب محرّر الشيك في البنك، فيقوم البنك بخصم قيمته من حساب المسحوب عليه وترحيلها إلى حساب المستفيد بالشيك ؛ بعد التأكّد من صحة الشيك من الناحية الشكلية ،

١١٠

وتصديق قسم مراكز العملاء على وجود رصيدٍ للمحرّر يسمح بخصم قيمة الشيك منه.

والشيك قد يكون مسحوباً على نفس المركز أو الفرع الذي يقوم بتحصيله لحساب المستفيد، وقد يكون مسحوباً على فرعٍ آخر من فروع البنك، وقد يكون مسحوباً على بنكٍ آخر.

ففي الحالة الأولى نواجه في علمية تحصيل الشيك حوالةً واحدةً من محرّر الشيك لدائنه، أي المستفيد من الشيك على البنك المدَين للمحرّر.

وفي الحالة الثانية لا توجد إلاّ حوالة واحدة أيضاً ؛ لأنّ مركز البنك وكلّ فروعه لها ذمّة واحدة شرعاً لوحدة المالك والمَدين.

وأمّا في الحالة الثالثة فهناك حوالة من صاحب الشيك على البنك المسحوب عليه، والمفروض أنّ الذي يقوم بتحصيل الشيك هو بنك آخر، فإذا فرضنا أنّ البنك الآخر حصّل قيمة الشيك من البنك الأوّل بتسجيل قيمة الشيك في الرصيد المَدين للبنك الأوّل في سجلاّته لكي يستوفي بعد ذلك بالمقاصّة، فإنّ معنى ذلك أنّ البنك الأول الذي أصبح بتحرير الشيك عليه مَديناً للمستفيد من الشيك بقيمته قد أحال المستفيد من الشيك - ضمناً أو إجازةً - على البنك الآخر، مديناً كان البنك الآخر للأول أو بريئاً، وهذه حوالة ثانية، فعملية التحصيل حينئذٍ تتمّ خلال حوالتين.

ويمكن تكييف العملية نفسها على أساس حوالةٍ وبيع. أمّا الحوالة فهي حوالة صاحب الشيك للمستفيد على البنك المسحوب عليه، وبموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكاً لقيمتها في ذمّة البنك المحوَّل عليه.

وأمّا البيع، فيمارسه المستفيد نفسه بعد أن أصبح مالكاً لقيمة الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه، إذ يبيع ما يملكه في ذمّة ذلك البنك بإزاء مبلغِ نقديّ

١١١

يتسلّمه من البنك الذي دفع إليه الشيك لتحصيله، ويكون هذا من بيع الدين. وسواء كيَّفنا العملية فقهياً على أساس أنّها حوالتان أو حوالة بدَينٍ ثمّ بيع الدَين، فإنّ كلّ ذلك صحيح وجائز شرعاً.

وهل بإمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولةً - أجرة - على تحصيل الشيك ؟

وللجواب على هذا السؤال يجب أن نميِّز بين الحالات المتقدّمة: ففي الحالة الثالثة التي كيّفنا فيها العملية على أساس حوالتين متعاقبتين يجوز للبنك المحصّل أن يأخذ من المستفيد أُجرةً على قيامه بتحصيل قيمة الشيك له عن طريق اتّصاله بالبنك المسحوب عليه وطلب تحويل قيمة الشيك عليه(١) .

وأمّا في الحالة الأولى فساحب الشيك على البنك إمّا أن يكون قد سحبه على رصيده الدائن، أو سحبه لحسابه الجاري على المكشوف مع البنك. فإن كان قد سحبه على رصيده الدائن فالحوالة تصبح من الحوالة على مَدين، والحوالة على مَدينٍ ليست بحاجةٍ إلى قبول المَدين للحوالة، بل تنفذ بمجرّد سحب الشيك عليه، ويكون البنك مَديناً للمستفيد ويجب عليه وفاء دينه أو إضافته إلى رصيده الدائن، ولا يمكن للمَدين أخذ أجرة على وفاء دائنه. ويستثنى حالة ما إذا شرط البنك على كلّ دائن حين تولّد دينه أن لا ينقل ملكية الدَين عن طريق الحوالة إلاّ

____________________

(١) نقصد هنا دراسة إمكان أخذ العمولة من وجهة نظر الفقه الإسلامي. وأمّا ما هو واقع في البنوك الربوية، فهو عدم أخذ عمولةٍ على تحصيل الشيك إلاّ إذا كان مسحوباً على بنكٍ أو جهةٍ في بلدٍ آخر غير البلد الذي يوجد فيه البنك المحصِّل للشيك. وعلى هذا الأساس، فإنّ أيّ بنكٍ آخر يقوم كالبنك اللاربوي لا يمكن له من الناحية الواقعية أن يفرض أجرة على تحصيل الشيك إلاّ في الحدود المتّبعة في الواقع المعاش. (المؤلّف قدس‌سره ).

١١٢

بإذنه، وحينئذٍ يكون بإمكان البنك أن يأخذ أجرة وعمولةً في مقابل قبوله بالحوالة وإسقاطه الشرط.

وأمّا إذا كان الساحب قد سحب قيمة الشيك من حسابه الجاري على المكشوف فالشيك في هذه الحالة يعني الحوالة على بريء الذمّة، والبريء يمكنه أن لا يقبل الحوالة إلاّ بأجرٍ من المحوِّل، أي المستفيد من الشيك، وليس ذلك من الفائدة التي يتقاضاها الدائن من المَدين ؛ لأنّ الأجر هنا يتقاضاه المَدين من الدائن في مقابل قبوله للحوالة وبأن يصبح مَديناً.

وهكذا يتلخّص: أنّ العمولة على تحصيل الشيك جائز إذا كان الشيك مسحوباً على بنكٍ آخر غير البنك المحصّل، أو على البنك المحصّل دون رصيدٍ دائنٍ للساحب. وأمّا إذا كان مسحوباً على البنك المحصّل مع رصيدٍ دائنٍ للساحب، فلا يجوز للبنك أخذ العمولة على تحصيل قيمة الشيك من المستفيد إلاّ في حالة ارتباط البنك مع عملائه الدائِنين منذ البدء بقرارٍ يقضي بعدم التحويل عليه بدون إذنه.

وقد درسنا حتّى الآن حكم العمولة في الحالة الثالثة والأولى، أي في حالة كون البنك المسحوب عليه غير البنك المحصّل (وهذه هي الحالة الثالثة)، وفي حالة كون الشيك مسحوباً على نفس البنك ونفس الفرع الطالب من قبل المستفيد بتحصيل قيمة الشيك (وهذه هي الحالة الأولى).

وبقي علينا أن نعرف حكم العمولة في الحالة الثانية، وهي: ما إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلاً، والمطالب بتحصيل قيمة ذلك الشيك هو فرع نفس البنك في الموصل، فهل بإمكان الفرع في الموصل أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك ؟

إنّ الفروع تمثّل وكلاء متعدّدين لجهةٍ واحدةٍ وهي أصحاب البنك، فكلّ

١١٣

فرعٍ هو وكيل للجهة العامة التي تملك البنك، وكل رصيدٍ دائنٍ في فرعٍ من فروع البنك هو في الحقيقة دَين على تلك الجهة العامة، فصاحب الشيك على فرع البنك في البصرة هو دائن لتلك الجهة بحكم إيداعه مبلغاً معيّناً من النقود لدى فرع البصرة وفتحه حساباً جارياً عنده، فإذا سحب شيكاً على فرع البصرة لصالح دائنه فقد حوّل في الحقيقة دائنه على الجهة العامة التي تمثّلها الفروع جميعاً، وهو من الحوالة على مَدين، ولكنّ تلك الجهة العامة غير ملزمةٍ بدفع الدَين إلى المستفيد إلاّ في نفس المكان الذي وقع فيه عقد القرض بين الساحب وبينها، أي البصرة ؛ لأنّ المفروض أنّ الحساب الجاري للساحب مفتوح مع فرع البصرة، فلا يلزم على الجهة التي تمثّلها كلّ فروع البنك أن تسدِّد الدَين المحوَّل عليها إلاّ في نفس مكان الفرع الذي وقع قيه القرض، أي الإيداع وفتح الحساب الجاري.

وعلى هذا الأساس يصبح بإمكان البنك - إذا طولب فرعه في الموصل بخصم قيمة الشيك المسحوب من عمليه على فرعه في البصرة - أن يطالب بعمولة وأجرة لقاءَ تسديد الدَين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض - الإيداع - بينه وبين العميل الساحب للشيك.

التحصيل المستند:

قد يستغني المصدَّر للبضاعة عن الاعتماد الذي يطلب المستورِد فتحه لصالح المصدِّر عادةً ثقةً منه بالمستورد، وتعويلاً على وعده الشخصي بتسليم الثمن عند تسليم مستَندَات البضاعة. وفي هذه الحالة يقدِّم المصدِّر إلى مصرفه المستندات المتّفق عليها بينه وبين المستورد، ويتولّى البنك إرسال هذه المستندات إلى مراسله في بلد المستورد، ويطلب منه تسليم مستندات الشحن

١١٤

إلى المستورد مقابل دفع ثمن البضاعة، وعندما يسدّد المستورد يُخطر البنك المراسل بنكَ المصدِّر بما يفيد تحصيل القيمة وقيدها في الحساب الجاري له.

وهذه خدمة جائزة يقوم بها البنك بقصد تسهيل التبادل التجاري، ومؤدّاها توسّط البنك في إيصال مستندات الشحن إلى المستورد عن طريق مراسله في بلد ذلك المستورد وتسلّم الثمن عن طريق المراسل، ونظراً إلى أنّ الثمن الذي يتسلّمه المراسَل يدخل في الحساب الجاري لبنك المصدِّر لدى البنك المراسَل فهذا يعني أنّ بنك المصدّر يقرض هذا المبلغ ويودعه في حسابه الجاري لدى المراسَل، أي يقرضه للبنك المراسَل ثمّ يقوم بتسديد دَينه للمصدِّر بدفع قيمة الثمن إليه نقداً، أو إن شاءَ اكتفى بتقييده في حسابه الجاري باعتباره دَيناً للمصدِّر على البنك ؛ لأنّ كلّ دَينٍ للعميل على البنك يمكن أن ينشئ إيداعاً جديداً في الحساب الجاري.

وللبنك أن يأخذ عمولةً من المصدِّر لقاءَ قيامه بخدمة التوسّط في إيصال المستندات وتسلّم الثمن عن طريق مراسَله في الخارج، كما أنّ له أن يقيّد على المصدِّر ما تحمّله من نفقات، كأجرة البريد ونحوها ممّا يتطلّبه من التوسّط المذكور ؛ لأنّ هذا التوسط تمّ بأمر المصدِّر فيتحمّل ضمان ما أنفق لأجله.

كما أنّ البنك الذي يقوم بالتحصيل يتحمّل عادةً فائدةً من قبل البنك في بلد المصدِّر خلال الفترة من شحن البضاعة حتى تسليمها للمستورد، وهو يقوم بتحميلها بدوره على المستورد، وهذا جائز أيضاً ؛ لأنّ الفائدة التي يحمِلها بنك المصدِّر على البنك الذي يقوم بتحصيل الثمن، مهما كانت أسبابها غيرُ مشروعة، إنّما تفرض على البنك المحصّل لقيامه بالوساطة بين المصدّر والمستورد، فبإمكان البنك المحصّل أن يمتنع عن القيام بالتحصيل ما لم يلتزم المستورد بتحمّل تلك الفائدة ويتعهّد بتدارك ما تكبّده من خسارة.

١١٥

عمليات التحويل الداخلي:

إذا اتّفق أنّ شخصاً في بلدٍ أصبح مَديناً لشخصٍ في بلدٍ آخر فبإمكانه بدلاً عن إرسال شيكٍ إليه بالبريد مثلاً أن يستعمل طريقة الحوالة المصرفية، وهي عبارة عن أمرٍ كتابيٍّ يصدِّره العميل المَدين إلى البنك لدفع مبلغٍ من النقود إلى شخصٍ آخر في جهةٍ أخرى، فيتولّى البنك المأمور الاتّصال بفرعه أو مراسله في الجهة المحدّدة لتنفيذ أمر عمليه، ويتّصل الفرع أو البنك المحوَّل إليه حينئذٍ بالمستفيد طالباً منه الحضور إلى البنك لتسلّم قيمة الحوالة، أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجاري للمستفيد إذا كان هذا الحساب موجوداً وإرسال إشعارٍ بذلك إلى المستفيد.

ويمكن تكييف هذا التحويل من الناحية الفقهية على عدّة أوجه:

فأولاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها محاولة من العميل المحوِّل لاستيفاء دَينه الذي له ذمّة البنك، فبدلاً عن أن يطالبه بدفع قيمة الدَين إليه فوراً يطلب منه تسديد الدَين عن طريق دفع قيمته إلى المحوِّل إليه الدائن للمحوِّل ؛ لكي تبرأ بهذا الدفع ذمّة البنك تجاه المحوِّل وذمّة المحوِّل تجاه المحوَّل إليه.

وثانياً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها محاولة من البنك المأمور بالتحويل لتسديد الدين الثابت للمحوَّل إليه على المحوِّل ؛ وذلك عن طريق الاتّصال بفرعه أو مراسله وأمره بدفع قيمة ذلك الدين، ونظراً إلى أنّ ذلك وقع بطلبٍ من الآمر بالتحويل المَدين فيصبح هذا الآمر ضامناً للبنك قيمة الدَين الذي سدّده عنه، وتحصل المقاصّة بين دَائنيّة البنك الآمر بالتحويل نتيجةً لتسديد دَينه ودائنيّة الآمر للبنك المتمثّلة في رصيده الدائن.

١١٦

وثالثاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها حوالة بالمعنى الفقهي(١) . فالآمر بالتحويل مَدين، والمستفيد من الحوالة دائن، فذاك يحيل هذا على البنك المأمور بالتحويل، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مَديناً للمستفيد، وهو بدوره قد يحيل المستفيد على بنكٍ آخر مراسلٍ له في البلد الذي يقيم فيه المستفيد، فتتمّ بذلك حوالة ثانية يصبح بموجبها البنك المراسل مَديناً للمستفيد. وقد يكون للبنك الأوّل فرع يمثّله في بلد إقامة المستفيد فيتّصل به ويأمره بالدفع، ولا يكون هذا حوالةً ثانية ؛ لأنّ الفرع ممثّل للبنك المَدين، وليس له ذمّة أخرى ليحال عليها الدَين من جديد.

ورابعاً: يمكن أن نفسِّر العملية بأنّها حوالة بالمعنى الفقهي، ولكنّ المحوِّل ليس هو الآمر بالتحويل كما فرضنا في التفسير السابق، بل البنك المأمور بالتحويل نفسه بوصفه مَديناً للآمر بما له من رصيدٍ دائنٍ في ذلك البنك، فيحيله على مراسله في بلد إقامة المستفيد، فيصبح البنك المراسل هو المدين للآمر بالتحويل، فيقوم الآمر بالتحويل بدوره بإحالة دائنه المقيم في بلد البنك المراسل على ذلك البنك، ويكلِّف البنك الذي يتعامل معه بتبليغه ذلك.

والأكثر انسجاماً مع واقع العملية كما تجري فعلاً هو التفسير الثالث دون التفاسير الثلاثة الأخرى ؛ لأنّ التفسيرين الأوَّلَين لا يجعلان المستفيد من الآمر بالتحويل دائناً بالفعل للبنك المراسل، وإنّما هو مخوَّل في أخذ قيمة دينه منه، فلا يتاح له أن يأمره بترحيل القيمة إلى حسابه دون قبض، خلافاً للتفسير الثالث الذي تتمّ فيه دائنيّة المستفيد بمجرّد قبوله للتحويل.

____________________

(١) راجع الملحق (٦) للتوسّع من الناحية الفقهية في تبرير أخذ العمولة على تحصيل الشيك في هذه الحالة. (المؤلّف قدس‌سره ).

١١٧

كما أنّ التفسير الرابع لا ينطبق على حالة ما إذا كان المراسل للبنك المأمور بالتحويل فرعاً له؛ إذ في هذه الحالة لا معنى لأنْ يحوِّل البنك المأمور دائنه عليه. وعلى أيّ حالٍ فالعملية صحيحة وجائزة شرعاً.

أخذ العمولة على التحويل:

عرفنا سابقاً أنّ البنك يجوز له أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر أو فرعٍ آخر، ولا يجوز أن يتقاضى عمولةً على تحصيل قيمة الشيك المسحوب على الرصيد الدائن للساحب في نفس البنك والفرع الذي يقوم بالتحصيل إلاّ في حالات اشتراطٍ معيّنة. ونريد أن نعرف الآن حكم العمولة على التحويل، فهل يجوز للبنك أن يتقاضى عمولةً من المحوِّل على التحويل ؟

والجواب بالإيجاب مهما كان التخريج الفقهي لعميلة التحويل.

وتفصيل ذلك : أنّ عملية التحويل إذا كانت تعني أنّ البنك يريد أن يسدّد الدَين الذي عليه للآمر بالتحويل عن طريق دفعه إلى دائنه - كما تقدّم في الوجه الأوّل من أوجه التكييف الفقهي للعملية - فهو يأخذ عمولةً لقاءَ تسديده للدَين في مكانٍ آخر غير مكان القرض الذي نشأ بينه وبين الآمر بالتحويل، فالبنك وإن كان مَديناً للآمر بالتحويل، والمَدين وإن كان ملزماً بتسديد دينه دون عوض، ولكنّه غير ملزم بالدفع في أيّ مكانٍ يقترحه الدائن، فإذا أراد الدائن منه أن يسدِّد دَينه في مكانٍ معيّنٍ غير المكان الطبيعي للوفاء كان من حقّ البنك أن يتقاضى عمولةً على ذلك.

وإذا كانت عملية التحويل تعني محاولة البنك المأمور لتسديد دين المستفيد على الآمر - كما مرّ في الوجه الثاني لتكييفها الفقهي - فمن الواضح أنّ هذه الخدمة

١١٨

يؤدّيها البنك لعميله ويتقاضى عليها عمولة، وقيمة هذه الخدمة هي عبارة عن قيمة المبلغ المدفوع وفاءً عن ذمّة الآمر بالتحويل زائداً قيمة دفعه في مكانٍ آخر لم يكن ليتيسّر للآمر بالتحويل الدفع فيه إلاّ بنفقات.

وإذا كانت عملية التحويل تقوم على أساس الحوالة، بأن يُحيل الآمر بالتحويل دائنَه الموجود في بلدٍ آخر على البنك كما مرَّ في الوجه الثالث للتكييف الفقهي، فالآمر بالتحويل:

إمّا أن يكون حسابه مع البنك على المكشوف.

وإمّا أن يكون له رصيد دائن يتمثّل في حسابٍ جارٍ مع البنك.

وإمّا أن يكون قد تقدّم الآن حين أراد التحويل بمبلغٍ من النقود ليسلّمها إلى البنك ويكلّفه بالتحويل.فإن كان حسابه على المكشوف، فالبنك بريء، والحوالة حوالة على بريء.

وإن كان له رصيد دائن سابق، فالبنك مَدين والحوالة على مَدين، وفي كلتا الحالتين يجوز للبنك أن يأخذ عمولةً حتى لو كان مَديناً ؛ لأنّه غير ملزمٍ بقبول الدفع في مكانٍ آخر، والحوالة على المدين لا تعني إلزامه بالدفع في مكانٍ معيّنٍ لم يفرضه عقد القرض الذي نشأت مَدينيّته على أساسه، فيأخذ البنك عمولةً لقاءَ الدفع في مكانٍ معيّن.

وأمّا إذا تقدّم الآمر بالتحويل بالمبلغ فعلاً إلى البنك، فهذا يعني أنّ عقد القرض سوف ينشأ فعلاً، ويصبح البنك بموجبه مديناً والآمر بالتحويل دائناً ؛ لكي يُتاح له توجيه الآمر إلى البنك، وفي هذه الحالة يمكن للبنك أن يشترط في عقد القرض على الآمر بالتحويل أن لا يحيل الآمر دائنه عليه إلاّ بإذنه، أو إلاّ إذا دفع إليه عمولةً معيّنة، وهو شرط سائغ ؛ لأنّه لمصلحة المَدين على الدائن، لا العكس.

١١٩

وأخيراً، إذا كانت عملية التحويل قائمةً على أساس الوجه الرابع في تكييفها، وهو أن البنك المأمور هو المحوّل لعملية الآمر باعتباره دائناً له على بنكٍ مراسلٍ له في بلدٍ آخر، فيجوز للبنك أن يأخذ العمولة وإن كان مديناً ؛ لأنّ المدين غير ملزمٍ بهذا النوع من الوفاء، بل يمكنه تسديد الدَين بدفعه نقداً، فإذا أراد الدائن منه هذا النوع الخاصّ من الوفاء أمكنه الامتناع ما لم تدفع إليه عمولة خاصّة(١) .

التحويل المقترن بدفع مبلغٍ من النقود:

تقدّم أنّ الآمر بالتحويل قد يكون له رصيد سابق لدى البنك المأمور بالتحويل، وقد ينشأ القرض بينهما فعلاً تمهيداً لإنجاز عملية التحويل ؛ بأن يدفع الآمر بالتحويل فعلاً قيمة التحويل نقداً إلى البنك ويأمره بالتحويل، فينشأ عقد القرض في هذه الحالة، وهو جائز كما تقدّم، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولةً لقاءَ قبوله بالدفع في مكانٍ آخر، أو بحكم شرطٍ يدرجه في نفس عقد القرض يفرض فيه على الدائن أن لا يوجّه إليه تحويلاً إلاّ بإذنه.

التحويل لأمره:

قد يريد شخص أن يحصل على مبلغٍ من النقود في بلدةٍ أخرى، فيدفع إلى البنك في البلدة الأُولى قيمة المبلغ نقداً، ثمّ يتسلّمه في البلدة الأخرى من أحد فروع البنك أو من بنكٍ آخر مراسل.

____________________

(١) راجع للتوسّع في المناقشة الفقهية الملحق (٧) في آخر الكتاب. (المؤلّف قدس‌سره ).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مع خصومه واعدائه

٢٤١
٢٤٢

وامتحن إمام المتّقين كأشد ما يكون الامتحان وأقساه من أعدائه وخصومه الذين تمرّدوا على الحقّ ، وحالوا بين الإمام وبين ما يرومه من الاصلاح الاجتماعي ، وتطبيق العدالة الكبرى على حياة الناس ، وهذه كوكبة من أدعيته عليهم :

دعاؤه عليه‌السلام

على قريش

أمّا قريش فهي من ألدّ أعداء الإمام عليه‌السلام ، فقد أترعت نفوسهم بالحقد والكراهية له ، وقد ناجزوه كما ناجزوا أخاه ، وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل ، وقد دعا عليهم الإمام بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّي أستعديك (١) على قريش ، فإنّهم قطعوا رحمي ، وغصبوني حقّي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به ، ثمّ قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه ، ومن الحقّ أن تتركه (٢) .

لقد جهدت قريش وعملت بكلّ ما تملك من الوسائل على إقصاء الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) استعديك أي أستعين بك ، وأطلب منك النصر.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٤.

٢٤٣

عن الحكم ، وقد أعلن أحد أعمدتهم ـ بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عن تصميم القريشيّين على إبعاد الإمام عن قيادة الأمّة ، فقد قال : أبت قريش أن تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد ، لقد اقترفت قريش بما صنعته أعظم الموبقات ، وأخلدت للمسلمين الخطوب والكوارث ، وألقتهم في شرّ عظيم.

دعاؤه عليه‌السلام

على قريش أيضا

وللإمام عليه‌السلام دعاء آخر على قريش التي أجمعت على هضمه وظلمه ، وهو :

اللهمّ إنّي أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي ، وأصغوا إنائي (١) ، وصغّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي (٢) .

__________________

(١) أصغى : أي مال.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٣.

٢٤٤

دعاؤه عليه‌السلام

على طلحة والزبير

وسارعت القوّات المسلّحة بعد إجهازها على عثمان إلى مبايعة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما بادر إلى مبايعته طلحة والزبير ، وكانا يرومان أن يشاركهما الإمام في الحكم ، ويوليهما المناصب الحسّاسة في الدولة ، ليتّخذا من ذلك وسيلة إلى الثراء العريض ، والاستعلاء على المسلمين ، إلاّ أنّ الإمام لم يحقّق أي شيء من أطماعهما لأنّه قد تبنّى العدل الخالص والحقّ المحض ، ويرى أنّ الحكم ليس مغنما ، وإنّما هو من أهمّ الوسائل للإصلاح الاجتماعي والنهوض بالامّة إلى أرقى المستويات ، ولما خابت آمال طلحة والزبير أعلنا التمرّد ، والعصيان المسلّح ، واغريا عائشة زوجة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلاها واجهة لهم في تبرير خروجهم على حكومة الإمام ، وقد رفعا شعار المطالبة بدم عثمان عميد الأسرة الأموية الذي أجهز عليه خيار المسلمين ، فكانت واقعة الجمل التي اريق فيها أنهار من دماء المسلمين وشاع في ربوع البصرة وغيرها الثكل والحزن والحداد.

وعلى أي حال فقد دعا الإمام عليه‌السلام على طلحة والزبير بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّ طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة يمينه طائعا ، ثمّ نكث بيعتي ، اللهمّ فعاجله ولا تمهله. اللهمّ وإنّ الزّبير بن العوّام قطع قرابتي ، ونكث عهدي ، وظاهر عدوّي ، وهو يعلم أنّه ظالم لي ، فاكفنيه كيف شئت ، وأنّى شئت (١) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١١٢.

٢٤٥

واستجاب الله دعاء الإمام عليه‌السلام فقد سقطا قتيلين في أسوأ معركة ليس فيها بصيص من الشرف والكرامة ، فقد استخدمت لإسقاط حكومة الإمام التي هي أمل الشعوب الإسلامية ، ورائدة نهضتها الفكرية والاجتماعية.

٢٤٦

دعاؤه عليه‌السلام

على بسر بن أرطأة

أمّا بسر بن أرطأة فهو مجرم إرهابي أسند إليه معاوية بن هند فرقة من جيشه ، وعهد إليه بغزو البلاد الخاضعة لحكومة الإمام وإشاعة القتل والرعب والفزع بين أهلها.

وسار بسر بجيشه نحو اليمن فاحتلّها ، وقد اقترف فيها أفظع الجرائم وأشدّها فحشا ونكرا ، فقتل الأبرياء ، وسبى النساء ، وأجهز على طفلين لعبيد الله بن العبّاس والي اليمن ، وقد أنكرت عليه إحدى سيّدات اليمن ، فقالت له : إنّ سلطانا لا يقوم إلاّ بقتل الأطفال والعجز لسلطان سوء.

ولما علم الإمام عليه‌السلام بالمآسي والنكبات التي حلّت بأهل اليمن بلغ به الحزن أقصاه ، ودعا على بسر بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدّنيا ، وانتهك محارمك ، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك.

اللهمّ فلا تمته حتّى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ، ولا ساعة من نهار.

اللهمّ العن بسرا وعمرا ومعاوية ، وليحلّ عليهم غضبك ، ولتنزل بهم نقمتك ، وليصبهم بأسك ورجزك الّذي لا تردّه عن القوم المجرمين (١) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٣٤. الغدير ١١ : ٢٨.

٢٤٧

واستجاب الله تعالى دعاء الإمام عليه‌السلام في بسر فقد سلب الله عقله ، وتركه هائما على وجهه في الأزقّة والشوارع تلاحقه الصبيان بالحجارة قد خرقت ثيابه ، وعلته الأوساخ ، وعذاب الله أشدّ في حشره ونشره.

٢٤٨

دعاؤه عليه‌السلام

على الخوارج

وكان من أقسى وأفجع ما امتحن به الإمام عليه‌السلام تمرّد الخوارج وعصيانهم المسلّح في وقت كتب للعالم الإسلامي تقرير مصيره ، وفتح آفاق مشرقة له ، فقد أشرف جيش الإمام عليه‌السلام على الفتح وبدت طلائع النصر واضحة ، ولم يبق إلاّ مقدار فواق ناقة للاستيلاء على خصم الإسلام ، وعدوّه الألدّ معاوية بن أبي سفيان ، ففي تلك الفترات الحاسمة رفع جيش معاوية المصاحف على الرماح داعين إلى تحكيم القرآن مكيدة منهم ، وممّا لا ريب فيه أنّ معاوية لم يؤمن بالقرآن ، ولا بالرسول ، وإنّما هو على جاهليّته الاولى التي آمن بها.

وعلى أي حال فقد خدع بدعوة التحكيم فرقة من أقوى الفرق في جيش الإمام وأحاطوا به من كلّ جانب ، وهم يهتفون بالتحكيم ، ويدعون إلى إيقاف القتال ، وإلاّ ناجزوه الحرب ، فاضطرّ إلى إجابتهم ، ولم يجد بدّا من مسايرتهم ، فقد مني بانقلاب عسكري لا طاقة له بمقاومته ، وحدثت بعد ذلك شئون مروعة تركت الإمام الممتحن في أرباض الكوفة يدعو جيشه فلا يستجيب له ولا يلتفت إليه ، وقد دعا عليه‌السلام على هذه الفرقة الضالّة بهذا الدعاء :

اللهمّ ربّ البيت المعمور ، والسّقف المرفوع ، والبحر المسجور ، والكتاب المسطور ، أسألك الظّفر على هؤلاء الّذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم ، وفارقوا أمّة أحمد عليه‌السلام عتوّا عليك (١) .

__________________

(١) قرب الإسناد : ٨. بحار الأنوار ٣٣ : ٣٨٢.

٢٤٩

دعاؤه عليه‌السلام

على الخوارج أيضا

وللإمام عليه‌السلام دعاء آخر على الخوارج رواه الإمام الصادق عليه‌السلام ، وهذا نصّه :

اللهمّ إنّك أعلنت سبيلا من سبلك فجعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك ، وجعلته أشرف سبلك عندك ثوابا ، وأكرمها لديك مآبا ، وأحبّها إليك مسلكا ، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة ، يقاتلون في سبيلك ، فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقّا ، فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّ وفى ببيعك الّذي بايعك عليه ، غير ناكث ، ولا ناقض عهدا ، ولا مبدّل تبديلا ، إلاّ استنجازا لموعودك ، واستيجابا لمحبّتك وتقرّبا به إليك فصلّ على محمّد وآله ، واجعله خاتمة عملي ، وارزقني فيه لك وبك ، مشهدا توجب لي به الرّضا ، وتحطّ عنّي به الخطايا ، واجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة ، تحت لواء الحقّ ، وراية الهدى ماض على نصرتهم قدما غير مولّ دبرا ولا محدث شكّا ، وأعوذ بك عند ذلك من الذّنب المحبط للأعمال (١) .

وتجلّى في هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام عليه‌السلام للحقّ ، وتفانيه في طلب مرضاة الله تعالى ، كما تجلّت فيه روعة البيان وجمال التعبير وجودة السبك.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٨١.

٢٥٠

دعاؤه عليه‌السلام

على بعض أعدائه

كان الإمام عليه‌السلام يدعو على بعض أعدائه وخصومه بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّي أعوذ بك أن اعادي لك وليّا ، أو اوالي لك عدوّا ، أو أرضى لك سخطا أبدا.

اللهمّ من صلّيت عليه فصلواتنا عليه ، ومن لعنته فلعنتنا عليه.

اللهمّ من كان في موته فرج لنا ولجميع المؤمنين فأرحنا منه ، وأبدلنا به من هو خير لنا منه ، حتّى ترينا من علم الإجابة ما نعرفه في أدياننا ومعايشنا يا أرحم الرّاحمين (١) .

وقد حكي هذا الدعاء مدى انقياد الإمام لله تعالى ، فهو يحب من يحبّه الله ، ويعادي من يعاديه الله ، فقد سار على هذا الخطّ منذ أن عرف الحياة حتى توفّاه الله.

__________________

(١) الصحيفة العلوية الاولى : ٣١.

٢٥١

دعاؤه عليه‌السلام

على المتخاذلين عن نصرته

وسئم الإمام عليه‌السلام كأشدّ ما يكون السّأم من المجتمع الذي عاش فيه فقد نكص معظمهم عن نصرته ، والجهاد معه لإحقاق الحقّ وتدمير الباطل. استمعوا إلى هذا الدعاء الذي يحكي آلامه وآهاته :

اللهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة ، والمصلحة في الدّين والدّنيا غير المفسدة ، فأبى بعد سمعه لها إلاّ النكوص عن نصرتك والإبطاء على إعزاز دينك ، فإنّا نستشهدك عليه بأكبر الشّاهدين شهادة ، ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك وسماواتك ، ثمّ أنت بعد الغنيّ عن نصره ، والآخذ له بذنبه (١) .

هذه بعض أدعيته التي كان يدعو بها على خصومه وأعدائه الذين جرّعوه نغب التهمام ، وناجزوه كما ناجزوا أخاه وابن عمّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) الصحيفة العلوية الاولى : ٢٥٢.

٢٥٢

في ساحات الحروب والمعارك

٢٥٣
٢٥٤

ليس في دنيا الإسلام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من يضارع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تقواه وورعه ، وشدّة اتّصاله بالله تعالى فقد كان على إيمان وثيق به ، فلم يعمل أي عمل إلاّ خالصا لله تعالى ، وكان في سلمه ، وفي ساحات الحروب يلهج بذكر الله ودعائه ، فقد تعلّق به ، وانقطع إليه ، وانطوت سريرته على حبّه.

ومن المقطوع به أنّه لم ينازل الإمام الأبطال والشجعان في ميادين الحروب إلاّ طلبا لمرضاة الله ، وإحياء لدينه ، وإقامة لفرائضه ، ودحضا لأعدائه. استمعوا لأدعيته في حروبه :

ادعيته عليه‌السلام

في حرب الجمل

أمّا حرب الجمل فقد أثارتها القوى المعادية للإصلاح الاجتماعي ، وعلى رأسها القرشيون الحاقدون على الإمام عليه‌السلام والمناهضون لسياسته الهادفة إلى تحقيق مجتمع أفضل تسوده العدالة الإسلامية ، فهبّوا في وجه الإمام مناجزين ومناهضين له ، وفي طليعتهم الزبير وطلحة وعائشة بنت أبي بكر ، وكان شعارهم المطالبة بدم عثمان ، وهو شعار كاذب فقد كان لهم ولعائشة ضلع في قتله.

وعلى أي حال فقد احتلّت قواتهم العسكرية البصرة ، وحينما علم الإمام توجّه بجيشه للقضاء على هذا التمرّد الذي يهدّد الدولة الإسلامية ولنستمع إلى أدعيته حين دخوله البصرة وفي ساحة المعركة.

٢٥٥

دعاؤه عليه‌السلام

في البصرة

وحينما انتهى الإمام عليه‌السلام إلى البصرة دعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى أربع ركعات ، وعفّر خديه بالتراب ، ورفع يديه قائلا :

اللهمّ ربّ السّماوات وما أظلّت ، والأرضين وما أقلّت ، وربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، وأعوذ بك من شرّها. اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل ، وأنت خير المنزلين.

اللهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي ، وبغوا عليّ ونكثوا بيعتي. اللهمّ احقن دماء المسلمين (١) .

وأوعز الإمام عليه‌السلام إلى جيشه أن لا يبدءوهم بقتال حفظا لإراقة الدماء إلاّ أنّ القوم لم يحفلوا بذلك ، فقتلوا بعض أصحاب الإمام ، فلم يجد بدّا من مناجزتهم.

دعاؤه عليه‌السلام

قبل الحرب

وقبل أن تندلع نار الحرب خرج الإمام الممتحن حتى وقف بين الصفّين ورفع

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٧٠.

٢٥٦

يديه نحو السماء ، ودعا بهذا الدعاء :

يا خير من افضت إليه القلوب ، ودعي بالألسن ، يا حسن البلاء ، يا جزيل العطاء ، احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ ، وأنت خير الحاكمين (١) .

دعاؤه عليه‌السلام

لمّا أصرّ القوم على الحرب

ولمّا أصر حزب عائشة على القتال رأى الإمام أن يدعوهم إلى السلم وعدم إراقة الدماء فبعث إليهم فتى من خيرة جيشه فخرج وقد نشر القرآن الكريم ، وعرض عليهم الرجوع إليه ، فردّت عليه عائشة قائلة لجندها : اشجروه بالرماح ، فبادروا إليه ، وطعنوه من كلّ جانب ، وسقط إلى الأرض جثّة هامدة ، فرفع الإمام يديه إلى السماء ، وقال :

اللهمّ إليك شخصت الأبصار ، وبسطت الأيدي ، وأفضت القلوب ، وتقرّب إليك بالأعمال ، ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ وأنت خير الفاتحين (٢) .

دعاؤه عليه‌السلام

في ساحة الحرب

ولمّا فشلت جميع دعوات الإمام إلى السلم ، خرج إلى ساحة الحرب ودعا

__________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ـ باب الدعاء : ٢٩٤.

(٢) كتاب الجمل : ١٨٢.

٢٥٧

بهذا الدعاء :

اللهمّ إنّك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك ، وجعلته أشرف سبلك عندك ثوابا ، وأكرمها لديك مآبا ، وأحبّها إليك مسلكا ، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليك حقّا. فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّ وفى لك ببيعه الّذي بايعك عليه ، غير ناكث ولا ناقض عهده ، ولا مبدّل تبديلا ، بل استيجابا لمحبّتك وتقرّبا به إليك ، فاجعله خاتمة عملي ، وصيّر فيه فناء عمري ، وارزقني فيه مشهدا توجب لي به منك الرّضا ، وتحطّ به عنّي الخطايا ، وتجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة والعصاة ، تحت لواء الحقّ وراية الهدى ، ماضيا على نصرتهم قدما ، غير مولّ دبرا ، ولا محدث شكّا.

اللهمّ وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال ، ومن الضّعف عند مساورة الأبطال ، ومن الذّنب المحبط للأعمال ، فأحجم من شكّ ، أو أمضي بغير يقين ، فيكون سعيي في تباب ، وعملي غير مقبول (١) .

وحكى هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام وطاعته إلى الله ، ورغبته الملحّة في الشهادة ، طالبا مرضاة الله تعالى ، غير ناكث عهده ، ولا مبدّل لكلماته.

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٣ : ٤٥٢.

٢٥٨

ادعيته عليه‌السلام

في صفّين

وأعقبت حرب الجمل تمرّد معاوية على حكومة الإمام فقد فتحت له الأبواب لإعلان عصيانه المسلّح ناشرا لقميص عثمان مكيدة وإغراء للبسطاء الذين تلوّنهم الدعاية كيفما شاءت.

لقد ابتلي الإمام كأشدّ ما يكون البلاء وأقساه بمعاوية الذي ما آمن بالله طرفة عين ، والتفّت حوله الرأسمالية القرشية التي أبت أن تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد ، وقد قوى أمر معاوية ، واستحكم سلطانه ، فقد أمدّه الخليفة الثاني والثالث بجميع مقوّمات القوّة ، وزادا في رقعة سلطانه ونفوذه ، ويقول المؤرّخون : إنّ الخليفة الثاني كان يحاسب جميع عمّاله وولاته إلاّ معاوية ، وكان يقول فيه : هذا كسرى العرب! وعلى أي حال فالملتقى عند الله ، وهو الذي يحاسب عباده على ما اقترفوه في هذه الدنيا من شرّ ، وما ألحقوه بالامّة من الفتن والويلات.

لقد زحف معاوية بجيشه لمحاربة وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مدينة علمه كما خرج أبوه في واقعة احد وغيرها لمحاربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمّا علم الإمام عليه‌السلام بخروجه لإسقاط حكومته زحف إليه بجيشه ، وأثرت عنه من الأدعية ما يلي :

٢٥٩

دعاؤه عليه‌السلام

في شخوصه لحرب معاوية

ولمّا أراد الإمام عليه‌السلام الشخوص إلى حرب معاوية دعا بدابّته فلمّا جلس عليها قال :

( سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ. )

ثمّ قال : اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.

اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا ، والمستصحب لا يكون مستخلفا (١) .

دعاؤه عليه‌السلام

في مسيره إلى الشام

ولمّا سارت جيوشه من النخيلة إلى الشام دعا عليه‌السلام بهذا الدعاء :

الحمد لله كلّما وقب ليل وغسق (٢) ، والحمد لله غير مفقود الإنعام ،

__________________

(١) كتاب صفّين : ٢٣٢.

(٢) غسق الليل : اشتدّت ظلمته.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310