موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٦

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام42%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 128

  • البداية
  • السابق
  • 128 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27003 / تحميل: 4778
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٦

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

من جهة أخرى؟

إلى غير ذلك من الأبحاث الكثيرة والمتعدّدة.

هذه الأمور والاحتمالات التي طرحناها لم تُعرض ضمن بحث مستقلٍ منفرد ومتميّز في الكتب، أو الأبواب الفقهيّة.

وقد يجدها المتتبّع في طيّات كلمات الفقهاء وأبحاثهم هنا وهناك في موارد متفرّقة، ومواضع مختلفة.

مثلاً: قد يجدها المتتبّع في موضوع حرمة تنجيس القرآن أو وجوب تطهيره إذا لاقته النجاسة.

وفي بحث الوقف والصدقات وإحياء الموات، وقضيّة حُرمة المؤمن، وحُرمة الكعبة، وفي باب الحدود، في حكم سبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ بالله تعالى - أو هتك مقدّسات الدين، حيث يبحث العلماء في هذه الموارد عن الشعائر الدينيّة، وإنّ هتكها هل هو موجب للكفر أم لا؟

ومضافاً إلى ذلك، هناك بعض الكتب والرسائل التي أُلِّفت في بحث الشعائر الحسينيّة(1)، وقد ذكروا فيها بعض الضوابط الشرعيّة إلى حدّ ما، فمن الجدير مراجعة تلك الكتب وملاحظة الخطوط العامّة لهذا البحث، وما تتضمّنه من نقض وإبرام.

____________________

(1) نذكر - على سبيل المثال - بعض تلك الرسائل والمؤلّفات:

الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهي، لآية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي (رحمه الله).

نصرة المظلوم، لآية الله الشيخ حسن المظفّر (رحمه الله).

الشعائر الحسينيّة، سماحة السيّد حسن الشيرازيّ (رحمه الله).

نجاة الأمّة في إقامة العزاء، الحاج السيّد محمّد رضا الحسيني الحائري.

الشعائر الحسينيّة سُنّة أم بدعة، الشيخ أحمد الماحوزي.

٢١

الجانبُ الرابع: إطار موضوع القاعدة

قد تُضافُ الشعائر إلى لفظ الجلالة (الله) فنقول: (شعائر الله)، كما في الآيات الكريمة(1) ، ومنها قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

وأيضاً الشعائر أو الشعيرة أو الشعارة - على اختلاف هيئات المادّة - قد تضاف إلى المذهب، فيقال: شعائر المذهب.

وأيضاً، قد تضاف إلى الحسين (عليه السلام) باسم الشعائر الحسينيّة.

وأيضاً، قد تضاف إلى الدين، فتُعرف باسم شعائر الدين وشعائر الإسلام.

وسيتبيّن أنّ هذه الإضافات ما هي إلاّ تفريعات وتطبيقات لنفس القاعدة الواحدة، فيقال: شعائر الله، أو يقال: الشعائر الحسينيّة، أو يقال: شعائر المذهب، أو يقال: شعائر الإسلام، أو شعائر الدين، وهي - على كلّ حال - تبويبات وتصنيفات لذكر فروع لأصل واحد، أو تكون مرادفات لنفس المسمّى.

وسيظهر ما في هذا التعبير من نواحٍ تربويّة متعدّدة، وتفريعات لنكاتٍ فقهيّة مختلفة.

____________________

(1) المائدة: 2، الحج: 32، البقرة: 158.

(2) الحجّ: 32.

٢٢

الجانبُ الخامس:

جرياً على ديدن العلماء في تصنيف كلّ مسألة بإدراجها في باب من الأبواب الفقهية، ففي أيّ باب من الأبواب يمكن درج هذه القاعدة؟ هل في باب الفقه السياسي، أم في باب الفقه الاجتماعي، أم باب فقه القضاء، أم فقه المعاملات؟

وسيظهر خلال مراحل البحث: أنّ من خصائص هذه القاعدة وهذا الواجب الدينيّ العظيم، أنّ هذا الواجب ليس واجباً ملقى على عاتق رموز الدولة الإسلاميّة أو الحكومة فحسب، وليس مُلقى على عاتق المرجعيّة فقط، الّتي قد تُسمّى بالاصطلاح الأكاديمي الحديث حكومة المرجع، ولا على عاتق الهيئات الدينيّة دون غيرها.

وإنّما هذا الواجب - كما سيتبيّن - هو واجب كفائيّ يُلقى على عاتق عموم المسلمين، ويتحمّل مسؤوليّة إقامته جميع طبقات وشرائح المجتمع الإسلامي، ومن ثُمّ كان الأولَى إدراج هذه القاعدة في أبواب فقه الاجتماع، من قبيل: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا في خصوص الفقه السياسي، ولا في خصوص فقه الأبواب الأُخرى، بل يكون انضمامها تحت باب الفقه الاجتماعي هو الأنسب لهذه القاعدة.

هذه جوانب ذكرناها بعنوان ديباجة وتمهيد للبحث، أمّا بالنسبة إلى تبويب وتصنيف جهات البحث؛ فإنّ البحث سيقع - إن شاء الله تعالى - في مقامين رئيسيّين:

٢٣

المقامُ الأول

في عُموم قاعِدة الشَعائر الدينيّة

وهذا المقام يتألّف من الجهات التالية:

الجهة الأولى: الأدلّة الإجماليّة الواردة في هذه القاعدة.

الجهة الثانية: أقوال الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين حول قاعدة الشعائر الدينيّة.

الجهة الثالثة: البحث في معنى وماهيّة الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر من الناحية اللُّغويّة.

الجهة الرابعة: كيفيّة تحقّق الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر ومعالجة العديد من قواعد التشريع.

الجهة الخامسة: البحث في متعلّق الحكم لقاعدة الشعائر.

الجهة السادسة: نسبة حكم الشعائر مع العناوين الأوّليّة للأحكام من جهة، ومع العناوين الثانويّة للأحكام من جهة أُخرى.

الجهة السابعة: الموانع الطارئة على الشعائر، كالخرافة والاستهزاء والهتك والشنعة.

٢٤

المقامُ الثاني

الشَعائرُ الحُسينيّة

يقع البحث في خصوصيات الشعائر الحسينيّة، ودراسة قوّة وتماميّة الأدلّة الخاصّة الواردة فيها، وردّ الإشكالات والانتقادات التي وُجِّهت لها، وأُثيرَت حولها.

وهل يختلف حكمها عن الأحكام العامّة في الشعائر؟

أم هي تتضمّن الأحكام العامّة للشعائر وزيادة؟

ويقع البحث خلال الجهات الآتية:

الجهة الأولى: أهداف النهضة الحسينيّة.

الجهة الثانية: أدلّة الشعائر الحسينيّة.

الجهة الثالثة: أقسام الشعائر الحسينيّة.

الجهة الرابعة: الرواية في الشعائر الحسينيّة.

الجهة الخامسة: البكاء.

الجهة السادسة: الشعائر الحسينيّة والضرر.

الجهة السابعة: لبس السواد.

الجهة الثامنة: ضرورة لعن أعداء الدين.

الجهة التاسعة: العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة.

مِسكُ الختام: مآتم العزاء التي أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين (عليه السلام).

هذا ما سنتطرّق إليه مفصّلاً فيما يأتي من البحوث - إن شاء الله تعالى - ونبدأ البحث في جهات المقام الأول:

٢٥

٢٦

المقامُ الأوّل الشَعائرُ الدينيّة

٢٧

٢٨

الجهةُ الأوّلى:الأدلّةُ الإجماليّة

٢٩

٣٠

في بداية كلّ بحث لابدّ أن يعثر الفقيه أو المجتهد على أدلّة معيّنة لعنوان البحث، وهذه الأدلّة حسب قواعد علم الفقه والأصول لها ثلاثة محاور، هي: الموضوع، والمحمول، والمتعلّق.

الموضوع: هو ما يُشار به إلى قيود الحُكم.

والمحمول: هو الحكم الشرعي، إمّا وجوب، أو حُرمة، أو مِلكيّة، أو غير ذلك، بمعنى الحُكم الشرعي الشامل للحُكم التكليفي وللحُكم الوضعي.

المتعلَّق: وهو الفعل المطلوب حصوله في الخارج إذا كان الحُكم وجوباً، أو الفعل اللازم تركه إذا كان الحكم حرمةً.

على سبيل المثال: في دليل: (إذا زالت الشمس فصلِّ)، نلاحظ هذه المَحاور الثلاثة كالآتي:

الموضوع: هو الزوال.

والمحمول: الحُكم وهو الوجوب.

والمتعلّق: وهو صلاة الظهر.

ومِحور الموضوع الذي هو قيود الوجوب، ويُطلق على قيود أيّ حكم تكليفي أو وضعي بأنّه: موضوع أصولي، أو موضوع فقهي، وفي مثالنا السابق يعتبر الزوال من قيود الوجوب.

٣١

فاللازم استعراض الأدلّة الواردة في قاعدة الشعائر وتقرير مفادها على ضوء هذا التثليث.

الطائفة الأولى من الأدلّة:

(1) -( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (1) .

قد ورد في الآية عموم لفظ الشعائر، وهو حُكم من الأحكام القرآنيّة، فلنتعرّف على موضوع ومتعلّق هذا المورد، وعلى حكمه أيضاً.

الموضوع: هو الشعائر(2) .

المتعلّق: هو التعظيم إن جُعِل الحُكم إيجابيّاً، أو التهاون إن جُعِل الحكم تحريميّاً.

الحُكم: حرمة التحليل وحرمة التهاون، ويمكن جعل الحُكم وجوب التعظيم.

(2) -( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) وقد يقال للموضوع: متعلّق المتعلّق، ففي مثال حرمة شرب الخمر؛ فإنّ الحُرمة تتعلّق بالشُرب، والشرب بدوره يتعلّق بالخمر، فالخمر يقال له: متعلّق متعلّق الحكم.. وهذا تابع لقاعدة أصوليّة محرّرة عند علماء الأصول تقول: إنّ متعلّق متعلّق الحُكم يكون موضوعاً للحُكم، سواء كان الحكم تكليفيّاً أم وضعيّاً. اعتمدَت عليها مدرسة الميرزا النائيني (رحمه الله)، إلاّ أنّ مشهور الطبقات المتقدِّمة من العلماء على خلاف ذلك، وهو الأصح.

٣٢

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) .

هذا المقطع من الآية الشريفة( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ... ) ، أدرجهُ كثير من العلماء ضمن آيات الشعائر أيضاً، مع أنّه لم يرد فيه لفظة الشعائر، والوجه في ذلك: هو الاعتماد على قاعدة معروفة ومشهورة لدى أساطين الفقه.

وهي أنّ الموضوع أو المتعلّق كما يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بما يشترك معه في الماهيّة النوعيّة أو الجنسيّة، أي المماثل أو المجانس، بشرط أن يكون الحُكم مُنصبّاً على تلك الماهيّة، وإلاّ كان التعدّي قياساً باطلاً، كما يمكن الاستدلال له بالدليل الذي يتضمّن جزء الماهيّة، كذلك يمكن الاستدلال له بما يدلّ على اللازم له أو الملزوم له، فتتوسّع دائرة دلالة الأدلّة الدالّة على المطلوب.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: حُرمات الله.

المتعلّق: التعظيم.

الحكم: الوجوب، أي: وجوب التعظيم.

(3) -( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

____________________

(1) الحج: 27 - 30.

(2) الحج: 32.

٣٣

وهذه من أوضح الآيات على إثبات المطلوب، حيت تدلّ على محبوبيّة ورجحان التعظيم لشعائر الله، حسب التقسيم الثلاثي المذكور من الموضوع والمتعلّق والحُكم.

(4) -( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (1) .

هنا وردت (مِن) تبعيضيّة، والمعنى: أنّ البدن من مصاديق الشعائر.

(5) -( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (2) .

(6) -( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (3) .

هذه الآية الشريفة تعرّضت للشعائر، ولكن بصيغة المشعر.

هذه الطائفة من الأدلّة وافية في المقام، وعلينا أن نسبر غَورها لنصل إلى المَحاور الأساسيّة فيها، ولنتعرّف على مفادها ودلالتها.

الطائفةُ الثانية من الأدلّة:

هذه الأدلّة لم يرد فيها لفظ (الشعائر)، إلاّ أنّ بعض العلماء والمحقّقين(4) ذهبوا إلى استفادة حُكم الشعائر منها، وهي:

____________________

(1) الحجّ: 36.

(2) البقرة: 158.

(3) البقرة: 198.

(4) الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) ضمن فتواه في كتاب (جامع الشتات) حول الشعائر الحسينيّة، والسيّد اليزدي (قدِّس سرّه) صاحب العروة في فتواه، والسيّد جمال الدين الگلبايكاني، أشاروا إلى وجود عمومات أخرى إضافةً لأدلّة الطائفة الأولى في المقام.

٣٤

(1) -( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

ومن سياق الآيات التي قبلها:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأَخِرِ.. ) .

وآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ) .

يُفهم أنّ الآيات بصدد بيان مسألة وجوب الجهاد، وضرورة المعرفة الحقّة والتوحيد ونشر الدين وتبليغه..

ثُمّ بعد ذلك تُبيّن الآية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) أهميّة النور الإلهي، ومحاولات أعداء الدين لإطفاء ذلك النور، ولكنّ الله سبحانه كتبَ على نفسه إحباط تلك المحاولات الشيطانيّة، ويأبى سبحانه إلاّ إتمام النور ونشر الصلاح والهدى.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: هو نور الله سبحانه، وهو بدل لفظ (الشعائر) في آية( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) ، ونور الله سبحانه عام يشمل جميع الأحكام.

المتعلَّق: النشر والتبليغ والبيان، وهو بدل التعظيم في تلك الآية.

والحُكم: وهو الوجوب، وجوب النشر أو حرمة الإطفاء والكتمان.

فيكون هذا الدليل - كقضيّة شرعيّة - مرادفاً ومكافئاً للآية الشريفة:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

- وهذا يعني أنّنا لا نقتصر في إثبات هذه القاعدة على الآيات من الطائفة

____________________

(1) التوبة: 32.

٣٥

الأولى من الأدلّة، بل يمكن الاستدلال أيضاً بما يفيد مفادها أيضاً.

(2) -( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (1) بملاحظة الآيات التي تسبق هذه الآية من سورة النور، وهي:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) من سياق هذه الآيات، يظهر أنّ المراد من لفظة( فِي بُيُوتٍ... ) : هي البيوت التي فيها نور الله، والمراكز التي تكون مصادر إشعاع الدين، ومحالّ نشر الهداية والحق، ومحطّات بيان أحكام الدين الحنيف.

وهذه (البيوت) النوريّة والباعثة للنور، شاء الله وأراد أن تُرفع وتُكرّم، وأن تُبجّل وتُحترم، وينبغي أن يستمرّ ويدوم فيها ذِكر الله وعبادته وطاعته.

فهذه الآية من سورة النور، مرادفة لآية تعظيم الشعائر(3) ، ولآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... ) .

فالآية الشريفة تدلّ على وجوب نشر ورفع كلّ موطن ومركز ومحلّ يتكفّل ببيان أحكام الله وتعاليم رسالة السماء، المكنّى عنه في الآية الشريفة بنور الله.

____________________

(1) النور: 36.

(2) النور: 34 - 35.

(3)( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: 32.

٣٦

ومن ذلك يظهر أنّ الشعائر لا تختصّ بباب دون آخر، فهي لا تختصّ بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات.

وإنّما تشمل كلّ ما فيه نشر لأحكام الدين، وتعمّ جميع ما به بيان وتبليغ للمعارف الإسلاميّة المختلفة.

(3) -( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

هذه الآية تدلّ على أنّ حفظ الدين وحفظ ذِكر الله سبحانه، وكذلك حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو قوام الدين، وحفظ ذِكر أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم العِدل الآخر للقرآن، كلّ ذلك يُعتبر من الأغراض الشرعيّة العُليا للحق سبحانه وتعالى.

(4) -( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

بتقريب أنّ كلّ ما يؤول إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وإزهاق كلمة الكافرين، فهو من الأغراض الشرعيّة والمقاصد الدينيّة.

(5) -( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (3) .

تُقرِّر الآية الكريمة وجوب التفقّه على المسلمين بعد الهجرة، ثُمّ الرجوع إلى بلادهم ووجوب التبليغ والإنذار، مُقدّمةً لحصول حالة الحذر، فهذا الإنذار

____________________

(1) الحجر: 9.

(2) التوبة: 4.

(3) التوبة: 122.

٣٧

لنشر معالم الدين وترسيخ قواعده يُبيّن في الواقع ماهيّة الشعائر.

فهذه الآية (آية الإنذار) بمنزلة المُبيّن والمفسِّر لأحد أركان ماهيّة العناوين التي وردت في الألسنة الأخرى من الأدلّة، وهو التبليغ والنشر للدين الحنيف.

(6) -( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) .

لسان هذه الآية، يوضِّح بُعداً آخر في حقيقة الشعائر، حيث تتضمّن في متعلّقها جنبة أخرى غير الأحكام الأوّليّة، ألا وهي جنبة ازدياد العلو والسُموّ للإسلام والمسلمين، وهذه غير جهة الإعلام، وإن كانت هي أحد نتائج الإعلام والنشر والإنذار.

فالبُعد الآخر الذي تتضمّنه قاعدة الشعائر الدينيّة: هو جنبة إعلاء كلمة الله سبحانه، وإعزاز كلمة المسلمين.

وقد توفّرت الأدلّة في إثبات ذلك بقدر وافٍ.

الطائفةُ الثالثة من الأدلّة:

وقد استُدلّ أيضاً على هذه القاعدة بما وردَ في الأبواب الخاصّة من الأدلّة، مثل: أدلّة خاصّة في مناسك الحج، أو أدلّة خاصّة في الشعائر الحسينيّة وغير ذلك، مثل: قول الصادق (عليه السلام):(رحمَ الله مَن أحيا أمرَنا) (2) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(يا علي، مَن عمّر قبوركم، وتَعاهدها، فكأنّما أعانَ

____________________

(1) النساء: 141.

(2) بحار الأنوار 2: 151: 30.

٣٨

سليمان بن داوود على بناء بيت المَقدس) (1) وما شابه ذلك.

أو ما ورد على لسان العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالنسبة لعزاء سيّد الشهداءصلى‌الله‌عليه‌وآله :(وسيوكِّل الله مَن يُجدّد له العزاء في كلّ عام) (2) تلك العناوين خاصّة في أبواب خاصّة.

وهذا اللسان الثالث من الأدلّة هو عبارة عن أحكام خاصّة في الموارد الأخرى، التي مفادها هو عين مفاد الشعائر، من لزوم البثّ والإعلان.

فزبدة القول: إنّ لدينا ثلاثة أشكال من الأدلّة:

الأوّل: أدلّة عامّة وردَ فيها لفظ الشعائر.

الثاني: أدلّة عامّة ومطلقه يظهر منها جانب الإعلام والإعلاء للدين.

الثالث: أدلّة مختصّة ببعض الأبواب، وتكون مرادفة لتعظيم الشعائر ولنشر الدين وإعلاء كلمته.

____________________

(1) بحار الأنوار 100: 120: 22.

(2) بحار الأنوار 44: 292.

٣٩

الجهةُ الثانية أقوالُ العامّة والخاصّة حول هذه القاعدة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فكأنّهم قد بلغوه.

وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتّى يبلغها! وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ، وطالب حثيث من الموت يحدوه ، ومزعج في الدّنيا حتّى يفارقها رغما! فلا تنافسوا في عزّ الدّنيا وفخرها ، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها ، ولا تجزعوا من ضرّائها وبؤسها ، فإنّ عزّها وفخرها إلى انقطاع ، وإنّ زينتها ونعيمها إلى زوال ، وضرّاءها وبؤسها إلى نفاد ، وكلّ مدّة فيها إلى انتهاء ، وكلّ حيّ فيها إلى فناء.

أوليس لكم في آثار الأوّلين مزدجر ، وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر ، إن كنتم تعقلون! أولم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، وإلى الخلف الباقين لا يبقون! أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتّى : فميّت يبكى ، وآخر يعزّى ، وصريع مبتلى ، وعائد يعود ، وآخر بنفسه يجود ، وطالب للدّنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ؛ وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي! » (١) .

ونكتفي بهذه النماذج من مواعظه ونصائحه التي هي جزء من أنظمته التربوية الهادفة لإشاعة الإصلاح ، وتهذيب النفوس وتوازنها في سلوكها لتبتعد عن شرور الحياة ومآثمها.

__________________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٩١ ـ ١٩٢.

٨١
٨٢

حكمه القيّمة

٨٣
٨٤

بلغت حكم الإمام عليه‌السلام قمّة الجمال في روعتها وأصالتها وبما احتوت عليه من محاسن الفكر والآداب ، بالإضافة إلى سموّ فصاحتها وبلاغتها وإنّا لا نجد من روائع الفكر السليم والمنطق المحكم مثل ما نجده في حكم الإمام التي تمثّل العبقرية بأسمى صورها والإلهام بأروع معانيه وهذه أمثلة منها :

[١] قيمة المرء ما يحسنه :

قال عليه‌السلام : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه .

هذه الكلمة من روائع الأدب العلوي ، قال محمّد بن حفصة : لا نعرف كلمة بعد القرآن وبعد كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخصر لفظا ولا أعمّ نفعا من قول أمير المؤمنين قيمة كلّ امرئ ما يحسنه . وكان ينشد :

قيمة المرء مثل ما يحسن المرء

قضاء من الوصيّ عليّ (١)

ونظم العبدليّ هذه الكلمة الذهبية بقوله :

قال عليّ بن أبي طالب

و هو الإمام العالم المتقن

كلّ امرئ قيمته عندنا

و عند أهل العقل ما يحسن (٢)

ونظم شاعر آخر هذه الكلمة بقوله :

__________________

(١) و (٢) نور القبس المختصر من المقتبس ـ المرزباني : ١٦٨.

٨٥

فيا لائمي دعني اغالي بقيمتي

فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه (١)

إنّ هذه الكلمة الذهبية من مناجم الأدب العلوي الذي أضاء سماء الفكر الإسلامي ، وعلّق عليها الجاحظ بقوله :

وأجمعوا على أنّهم لم يجدوا كلمة أقلّ حرفا ، ولا أكثر ريعا ، ولا أعلم نفعا ، ولا أحثّ على بيان ، ولا أهجى لمن ترك التفهم ، وقصر في الافهام من قول عليّ : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه (٢) .

[٢] العلم أكثر من أن يحصى :

قال عليه‌السلام : العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كلّ شيء أحسنه (٣) .

إنّ هذه الكلمة من محاسن الأدب العلوي ، وقد نظمها بعض الشعراء بقوله :

ما حوى العلم جميعا رجل

لا ولو مارسه ألف سنه

إنّما العلم بعيد غوره

فخذوا من كلّ شيء أحسنه (٤)

وليس من شكّ أنّ الإمام عليه‌السلام وقف على واقع الفكر المتطوّر فاختار أثمن ما فيه.

[٣] رأي الشيخ :

قال عليه‌السلام : رأي الشّيخ خير من مشهد الغلام (٥) .

__________________

(١) صبح الأعشى ١ : ٨٩.

(٢) رسائل الجاحظ ٣ : ٢٩.

(٣) التمثيل والمحاضرة ـ الثعالبي : ١٦٥.

(٤) أمثال الميداني ١ : ٢٦٧. البيان والتبيين ٢ : ٦٥.

(٥) في رسائل الجاحظ : رأي الشيخ الضعيف أحبّ إلينا من جلد الشباب القويّ. وقريب من ذلك في نهاية الأرب ٦ : ٧٥.

٨٦

ومن المؤكّد أنّ هذه الكلمة من روائع الحكم ، فإنّ الغلام لم تهذّبه الأيام ، ولم تصقله التجارب ، بخلاف الشيخ الطاعن في السنّ الذي مرّت عليه الأيام بثقلها ، وعرف واقع الحياة فهو أدرى بالامور من الغلام.

[٤] المرء الذي لا يعرف قدره :

قال عليه‌السلام : هلك امرؤ لم يعرف قدره.

من روائع الحكم هذه الكلمة ، فإنّ جهل الإنسان بنفسه يقوده إلى الهلاك والدمار ، ويلقيه في شرّ عظيم.

[٥] الناس أعداء ما جهلوا :

قال عليه‌السلام : النّاس أعداء ما جهلوا.

وألمّت هذه الكلمة بواقع حياة الناس ، فهم في كلّ زمان ومكان أعداء ما جهلوه من الحقائق ، ولا أقل من أنّهم لا يقيمون لها وزنا ولا يحفلون بها.

[٦] من عرف نفسه عرف ربّه :

قال عليه‌السلام : من عرف نفسه عرف ربّه.

إنّ معرفة الخالق العظيم تكمن بمعرفة الإنسان لنفسه ، وما فيه من الأجهزة العجيبة التي تدلّل بصورة واضحة على وجود العظيم المبدع لخلق الإنسان ، يقول عليه‌السلام :

٨٧

أتحسب أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر؟

إنّ الإنسان إذا تأمّل في خلق نفسه فإنّه يصل ـ من دون شكّ ـ إلى معرفة الخالق الحكيم.

[٧] إغاثة الملهوف :

قال عليه‌السلام : من كفّارات الذّنوب العظام إغاثة الملهوف ، والتّنفيس عن المكروب (١) .

إنّ إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب من أفضل الأعمال عند الله تعالى ومن أحبّها إليه ، ولها الآثار الوضعية المهمّة التي منها دفع البلاء في الدنيا وكفّارة الذنوب العظام في دار الآخرة.

[٨] وصف الدنيا :

قال عليه‌السلام : ما أصف من دار أوّلها عناء ، وآخرها فناء؟ في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب. من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن (٢) .

وهذا الوصف دقيق للغاية ، وملمّ بواقع الحياة الدنيا التي لم يعرف حقيقتها وكنهها سوى إمام المتّقين وسيّد العارفين صلوات الله عليه.

[٩] الزاهدون في الدنيا :

قال عليه‌السلام : الزّاهدون في الدّنيا قوم وعظوا فاتّعظوا ، وأيقنوا فعملوا ،

__________________

(١) البصائر والذخائر ـ أبو حيّان التوحيدي : ١١١.

(٢) نصرة الثائر على المثل السائر : ١١٦.

٨٨

إن نالهم يسر شكروا ، وإن نالهم عسر صبروا (١) .

وأحاط كلام الإمام عليه‌السلام بحقيقة الزاهدين في الدنيا فقد طلّقوها وابتعدوا عن زخارفها وملاذها.

[١٠] عطاء الله في الدنيا والآخرة :

قال عليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ ، ولا يعطي الآخرة إلاّ من يحبّ ، وقد يجمعهما الله لأقوام (٢) .

إنّ الله تعالى يعطي زينة الحياة الدنيا من مال وبنين لمن أحبه ومن جحده ، أمّا الآخرة فلا ينال ما فيها من نعيم وبقاء إلاّ من أحبّه الله تعالى ورضي عنه.

[١١] الراحة والبؤس :

قال عليه‌السلام : ما أقرب الرّاحة من التّعب والبؤس من النّعم والموت من الحياة (٣) !

على الإنسان أن لا يطمئنّ إلى سعادة الحياة الدنيا! فما أسرع أن يعقب الراحة التعب! والنعم بؤسا! والحياة موتا!

[١٢] حقّ الصديق :

قال عليه‌السلام : قليل للصّديق الوقوف على قبره .. (٤)

__________________

(١) بهجة المجالس ٣ : ٣٠١.

(٢) المصدر السابق ٣ : ٣٨١.

(٣) النجوم الزاهرة ٨ : ٢٥٧.

(٤) البصائر والذخائر : ٢٥.

٨٩

إنّ للصديق حقّا على صديقه ، ومن حقّه بعد وفاته ، الوقوف على قبره مع إهداء سورة الفاتحة له.

[١٣] أعجز الناس :

قال عليه‌السلام : أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان ، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم (١) .

إنّ من يعجز عن اكتساب الاخوان والأصدقاء فهو من أعجز الناس ، وأعجز منه المضيّع لإخوانه وأصحابه.

[١٤] الملك والدين :

قال عليه‌السلام : الملك والدّين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر ، فالدّين آس ـ أي رأس ـ والملك حارس ، فمن لم يكن له آس فمهدوم ، ومن لم يكن له حارس فضائع (٢) .

وهذا الكلام تصوير رائع للحكم القائم على الدين والحكم المجرّد منه.

[١٥] الكلام :

قال عليه‌السلام : لو لا أنّ الكلام يعاد لنفد الكلام.

إنّ إعادة كلمات الكلام وجمله وحروفه هي التي حفظت بقاءه.

__________________

(١) الأمالي ـ أبي علي القالي ٣ : ١١١.

(٢) بهجة المجالس ١ : ٣٣٢.

٩٠

[١٦] الدهر يومان :

قال عليه‌السلام : الدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ؛ فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر! فبكلاهما أنت مختبر (١) .

وحفل كلام الإمام عليه‌السلام بوصف دقيق لحياة الإنسان فإنّها يومان : يوم سعادة ويوم شقاء ، وينبغي له أن لا يتبطّر في أيام سعادته ولا يجزع في أيام شقائه.

[١٧] الجاهل والعالم :

قال عليه‌السلام : قصم ظهري رجلان : جاهل متنسّك وعالم متهتّك ، فالجاهل يغرّ النّاس بنسكه ، والعالم ينفّرهم بتهتكه (٢) .

إنّ الجاهل المتنسّك الذي لا معرفة له بأحكام الدين فإنّ أعماله ـ على الأكثر ـ مخالفة للواقع ، ويكون موردا لإغراء الناس ، وأمّا العالم المتهتّك الذي يقترف الآثام فإنّه يضلّل الرأي العامّ بسلوكه.

[١٨] العبادة مع العلم :

قال عليه‌السلام : لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا خير في علم لا فهم فيه ، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها (٣) .

إنّ العبادة إذا لم تكن مشفوعة بالعلم والمعرفة فلا خير فيها ، كذلك العلم إذا لم يكن عن وعي وفهم لا خير فيه ، كما لا خير

__________________

(١) البصائر والذخائر : ١٥٥.

(٢) مفتاح السعادة ومصباح السيادة ١ : ٤٩.

(٣) حلية الأولياء ١ : ٧٧.

٩١

في قراءة لا تدبّر فيها.

[١٩] طرائف الحكمة :

قال عليه‌السلام : أجمّوا (١) هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة ، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان (٢) .

إنّ القلوب يعتريها النصب والعناء ، وأبدع وصفة لها أن تعرض عليها طرائف الحكم ونوادر العلماء ، فإنّها تحسم ما بها من عناء.

[٢٠] التفكّر :

قال عليه‌السلام : نبّه بالتّفكّر قلبك ، وجاف عن النّوم جنبك ، واتّق الله تعالى ربّك (٣)

إنّ التفكّر في عجائب مخلوقات الله تعالى يدعو إلى الإيمان المطلق بالخالق العظيم ، كما أنّ مجافاة النوم ممّا يزيد على الإقبال على الله تعالى.

[٢١] الاستغفار :

قال عليه‌السلام : أتعجّب ممّن يهلك ومعه النّجاة ، فقيل له : وما هي؟ قال : الاستغفار (٤) .

إنّ الاستغفار يمحو الذنوب ، ولكن بشرط أن لا يعود الإنسان إلى

__________________

(١) أجموا : أي اطلبوا لها الراحة.

(٢) معجم الادباء ١ : ٩٤.

(٣) بهجة المجالس ١ : ١١٥.

(٤) النجوم الزاهرة ٢ : ١٢٣.

٩٢

ما اقترفه من ذنب.

[٢٢] اقتران الهيبة بالخيبة :

قال عليه‌السلام : قرنت الهيبة بالخيبة ، والحياء بالحرمان ، والفرصة تمرّ مرّ السّحاب ، والحكمة ضالّة المؤمن ، فخذ ضالّتك حيثما وجدتها (١) .

وهذه الكلمات من روائع الأدب العلوي ، وقد حفلت بما يلي :

١ ـ اقتران الهيبة بالخيبة والخسران ، فإنّ الإنسان إذا هاب الإقدام على شيء فقد فاته ما يرومه.

٢ ـ أنّ الحياء دوما مقرون بالحرمان.

٣ ـ أنّ الفرصة تمر مرّ السحاب ، وينبغي أن لا تفوت على الإنسان وأن يغتنمها.

٤ ـ المسارعة في أخذ الحكمة من أي شخص كان.

[٢٣] جنود الله :

قال عليه‌السلام : أشدّ جنود ربّك عشرة : الجبال الرّواسي ، والحديد يقطع الجبال ، والنّار تذيب الحديد ، والماء يطفئ النّار ، والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض يحمل الماء ، والرّيح تقطع السّحاب ، وابن آدم يغلب الرّيح بستر الثّوب أو الشّيء ويمضي لحاجته ، والسّكر يغلب ابن آدم ، والنّوم يغلب السّكر ، والهمّ يغلب النّوم ، فأشدّ خلق الله عزّ وجلّ الهمّ (٢) .

__________________

(١) الأمالي ـ أبو علي القالي ٣ : ٩٤.

(٢) ذيل الأمالى : ١٧٤.

٩٣

وهذه المواد العشر علّل الإمام عليه‌السلام موادها وبنودها وكان أشدّها صلابة الهمّ الذي يذيب القلوب.

[٢٤] أفضل العبادة :

قال عليه‌السلام : أفضل العبادة الصّمت وانتظار الفرج (١) .

إنّ الصمت يقي الإنسان من كثير من المشاكل ويجنّبه المزيد من الكوارث ، فلذا كان من أفضل العبادة ، وكذلك انتظار الفرج والالتجاء إلى الله تعالى.

[٢٥] مواصلة الأخ :

قال عليه‌السلام : لا تقطع أخاك على ارتياب ، ولا تهجره دون استعتاب (٢) .

وضع الإمام عليه‌السلام منهجا للاخوة والصداقة ، فليس للإنسان أن يهجر أخاه لمجرّد شبهة قد يكون لا نصيب لها من الصحّة كما أنّه لا ينبغي له أن يهجره دون استعتاب.

[٢٦] الكلمة الطيّبة :

قال عليه‌السلام : من لانت كلمته وجبت محبّته. وأنشد :

كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا

ينبت الودّ في فؤاد الكريم (٣) ؟

إنّ من يقابل الناس بالكلام الطيّب ولا يزعجهم فقد وجبت محبّته وتكريمه.

__________________

(١) البيان والتبيين ١ : ٢٩٧.

(٢) العقد الفريد ٢ : ٣٠٩.

(٣) المصدر السابق : ٣١٠.

٩٤

[٢٧] لا راحة للحسود :

قال عليه‌السلام : لا راحة لحسود ، ولا إخاء لملول ، ولا محبّة لسيّئ الخلق (١) .

لا راحة للحسود لأنّه في همّ وحزن حينما يرى النعمة على المحسود ، فإنّه يتمنّى زوالها ، كما أنّه لا إخاء للملول ، الذي لا استقرار له نفسيا ، وكذلك لا محبّة لسيئ الخلق فإنّ الناس تنفر منه.

[٢٨] الحليم :

قال عليه‌السلام : أوّل عوض الحليم عن حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل (٢) .

إنّ أوّل ما يكسبه الإنسان عن هذه الظاهرة الفذّة أنّ الناس أنصاره وأعوانه على الجاهل.

[٢٩] البصير والأحمق :

قال عليه‌السلام : ربّما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأحمق رشده (٣) .

إنّ البصير قد يضلّ عن قصده ويتّجه خلاف الواقع ، وإنّ الأحمق قد يصيب الواقع ، ويبلغ رشده ولكنّ ذلك نادر جدّا ، فقد عبّر الإمام عليه‌السلام عن ذلك بكلمة « ربّما » التي تفيد التقليل.

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٣١٩.

(٢) المصدر السابق : ٢٨١.

(٣) ربيع الأبرار ٤ : ١٥٧.

٩٥

[٣٠] مكانة الأنصار في الإسلام :

قال عليه‌السلام : هم والله! ربّوا الإسلام كما يربّى الفلو مع غنائهم بأيديهم السّباط وألسنتهم السّلاط (١) .

الأنصار هم الذين نصروا الإسلام في أيام محنته وغربته ووقفوا إلى جانب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحموه من كيد القرشيّين الذين جهدوا على محو الإسلام وقلع جذوره.

[٣١] أقلّ ما يلزم به الله تعالى :

قال عليه‌السلام : أقلّ ما يلزمكم الله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه (٢) .

إنّ في هذه الكلمة موعظة للعارفين ، فإنّ أقلّ ما يلزم به الله تعالى عباده أن لا يستعينوا بما أغدق عليهم من النعم على معاصيه.

[٣٢] أضرار الفرقة :

قال عليه‌السلام : إيّاكم والفرقة! فإنّ الشّاذّ من النّاس للشّيطان ، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب (٣) .

إنّ الفرقة واختلاف الكلمة من العوامل المدمّرة للمجتمع ومن يدع إليها فإنّه مخرّب ونصيبه الشيطان.

__________________

(١) ربيع الأبرار ٤ : ١٥٧.

(٢) المصدر السابق : ٣١٩.

(٣) المصدر السابق ٢ : ١٤٠.

٩٦

[٣٣] كظم الغيظ :

قال عليه‌السلام : تجرّع الغيظ فإنّي لم أر جرعة أحلى منها عاقبة (١) .

إنّ كظم الغيظ من أفضل الصفات النفسية التي تعود بالخير العميم على الإنسان.

[٣٤] حسن الخلق :

قال عليه‌السلام : عنوان صحيفة المؤمن حسن الخلق (٢) .

إنّ حسن الخلق من أهمّ ما يمتاز به الإنسان من الصفات الكريمة.

[٣٥] الله أسمى من أن تتصوّره الأوهام :

قال عليه‌السلام : كلّ ما يتصوّر في الأوهام فالله بخلافه (٣) .

إنّ جميع ما يتصوّره الإنسان من صفات الله تعالى الثبوتية والسلبية وغيرها فإنّ الله تعالى أسمى وأعظم من ذلك.

[٣٦] الغوغاء :

قال عليه‌السلام : نعوذ بالله من قوم إذا اجتمعوا لم يملكوا أمرا ، وإذا تفرّقوا لم يعرفوا (٤) .

وأشار عليه‌السلام إلى الغوغاء : أتباع كلّ ناعق ، فإنّهم إذا اجتمعوا

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ : ٢٨.

(٢) المصدر السابق : ٥٠.

(٣) المصدر السابق : ٥٧.

(٤) رسائل الجاحظ ١ : ٢٥٣.

٩٧

لا يملكون شيئا ، وإنّما يضرّون ويخرّبون ، وإذا انصرفوا لم يعرفوا.

[٣٧] أصناف الناس :

قال عليه‌السلام : النّاس ثلاثة : عالم ربّانيّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع يميلون مع كلّ ريح (١) .

دلّت هذه الكلمات على أصناف الناس ، وذكر خصائصهم.

[٣٨] أصناف القرّاء :

قال عليه‌السلام لأياس بن عامر : إنّك إن بقيت فسيقرأ القرآن على ثلاثة أصناف : صنف لله تعالى ، وصنف للدّنيا ، وصنف للجدل ، فمن طلب به أدرك (٢) .

أحاطت هذه الكلمات بأصناف القرّاء لكتاب الله تعالى وذكر خصائصهم.

[٣٩] النهي عن المزاح :

قال عليه‌السلام : ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة (٣) .

إنّ المزاح يذهب بهيبة الشخص ، ويمجّ عقله.

[٤٠] الضحك :

قال عليه‌السلام : إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا ، وإن حكيت

__________________

(١) العقد الفريد ٢ : ٢٩٤.

(٢) أخلاق حملة القرآن ـ أبي بكر البغدادي : ٦٠

(٣) ربيع الأبرار ٤ : ١٦٧.

٩٨

ذلك عن غيرك (١) .

حذّر الإمام عليه‌السلام من الكلام المضحك ، وإن حكاه الإنسان عن غيره لأنّه يتنافى مع سلوك الإنسان المتميّز بالاستقامة.

[٤١] حسن الأدب :

قال عليه‌السلام : حسن الأدب ينوب عن الحسب (٢) .

إنّ حسن الأدب سمة شرف للإنسان يغنيه عن حسبه ونسبه.

[٤٢] اجتناب المحارم :

قال عليه‌السلام : من أحبّ المكارم اجتناب المحارم.

إنّ الذي تتوخّى نفسه إلى السمو والشرف لا بدّ أن يجتنب محارم الله تعالى لأنّها تهوي به إلى مستوى سحيق.

[٤٣] الزاهد في الدنيا :

قال عليه‌السلام : الزّاهد في الدّنيا كلّما ازدادت له تحلّيا ازداد عنها تولّيا (٣) .

وألّمت هذه الكلمات بواقع الزاهدين للدنيا فإنّها كلّما تحلو لهم ازدادوا عنها بعدا ونفورا.

[٤٤] جهل المرء بعيوبه :

قال عليه‌السلام : جهل المرء بعيوبه من أكثر ذنوبه (٤) .

__________________

(١) ربيع الأبرار ٤ : ١٦٧.

(٢) و (٣) الإرشاد ١ : ٢٩٨.

(٤) المصدر السابق : ٢٩٩.

٩٩

إنّ جهل الإنسان بنقائصه وعيوبه من أعظم ذنوبه لأنّه لا يلتفت إلى ما فيه من النقص.

[٤٥] تمام العفاف :

قال عليه‌السلام : تمام العفاف الرّضا بالكفاف (١) .

إنّ هذه الكلمة ـ على إيجازها ـ من روائع الأدب العلوي ، فإنّ من أسمى صور العفاف الرضا بالكفاف.

[٤٦] من حسنت به الظنون :

قال عليه‌السلام : من حسنت به الظّنون رمقته الرّجال بالعيون .

إنّ الإنسان إذا حسنت به الظنون لحسن سيرته فإنّه يحتلّ المكانة الكريمة عند الناس وترمقه عيونهم إجلالا وتعظيما.

[٤٧] أظهر الكرم :

قال عليه‌السلام : أظهر الكرم صدق الإخاء في الشّدّة والرّخاء.

من أبرز وأسمى صور السخاء صدق الإخاء والمواساة مع الصديق في الشدّة والرخاء.

[٤٨] صفات الفاجر :

قال عليه‌السلام : الفاجر إن سخط ثلب ، وإن رضي كذب ، وإن طمع خلب.

وهذه الصفات اللئيمة من أبرز صفات الفاجر الذي طبعت نفسه على الخبث واللؤم.

__________________

(١) الحكمة ٤٥ إلى الحكمة ٧٢ عن الإرشاد ١ : ٢٩٩.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128