موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٧

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام25%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 143

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 143 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61246 / تحميل: 5313
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

هم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فبهم يتقرّب ويتوسل إلى اللَّه عزّ وجلّ، وبمودّتهم وولايتهم تقبل الطاعات، ومحبّتهم ركن ركين في الدين لا يعرض عنه إلّا كافر أو مشرك، ومن هنا جعل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدل الرسالة وأجرها المودّةَ في القربى كما في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

ومن ذلك كلّه يتضح أن من تمام الحجّ وسائر العبادات لقاء الإمام وإظهار المودّة والنصرة والتولّي له، وإلّا فلا حجّ ولا طواف ولا صلاة مقبولة عند اللَّه تعالى، فالتوحيد في العبادة هو الإقرار بولاية أهل البيت عليهم‌السلام .

ومن هنا أيضاً يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام : (تمام الحجّ لقاء الإمام) (2) .

وكذا قول الإمام الصادق عليه‌السلام : (ابدؤوا بمكّة واختموا بنا) (3) .

وقول الإمام الباقر عليه‌السلام : (إنما أمروا أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (4) .

وكذا قال عندما رأى الناس يحجّون بمكّة: (فعال كفعال الجاهلية، أمَا واللَّه ما أمروا بهذا، وما أمروا إلّا أن يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فيمرّوا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم) (5) .

____________________

(1) الشورى: 23.

(2) الكليني، الكافي، ج4، ص549.

(3) المصدر، ص550.

(4) المصدر، ص549.

(5) المصدر، ج1، ص392.

١٠١

6 - الولاية من شرائط المغفرة:

قال تعالى: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) ، فلا تحصل المغفرة ولا التوبة ولا الإيمان ولا يقبل العمل الصالح إلّا بشرط الهداية، والمراد من الهداية في هذه الآية المباركة مقام الإمامة؛ لأنها تعني الإيصال إلى المطلوب، وهي مرحلة بعد مقام النبوّة الذي هو إراءة الطريق فقط. فإن مجرّد إراءة الطريق شأن النبيّ والرسول، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (2) .

وأمَّا مقام الإمامة، فنجد أن القرآن الكريم كلّما تعرّض إليه تعرض معه لذكر الهداية بياناً وتفسيراً، قال تعالى: ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (3) ، وقال أيضاً عزّ وجلّ: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (4) ، فوصف اللَّه عزّ وجلّ الإمامة بالهداية وصف بيان وتعريف وتفسير، هذا في إمامة الحقّ.

كذلك في إمامة الباطل والكفر، فإن فرعون الذي هو من أئمة الكفر قال تعالى في حقّه: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (5) ، فإمامة الكفر أيضاً فيها هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود من الكمال الإنساني؛ ولذا

____________________

(1) طه: 82.

(2) إبراهيم: 4.

(3) الأنبياء: 72 - 73.

(4) السجدة: 24.

(5) القصص: 41.

١٠٢

قال تعالى: ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ) (1) ، فإمامة الحقّ هي الهداية والإيصال إلى المطلوب وولاية على الناس في أعمالهم بأمر ملكوتي من اللَّه عزّ وجلّ كما يستفاد من قوله تعالى: ( يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، وإمامة الباطل أيضاً هداية وإيصال، ولكن إلى الضلال وخلاف المقصود.

والحاصل: أن مقام الهداية الإلهية الحقّة - بقول مطلق - يساوق مقام الإمامة والخلافة الربّانية؛ وهذا يعني أن هناك مقاماً ثالثاً غير الشهادة الأولى والشهادة الثانية لابدّ أن يعتقد به المسلم لكي يكون مهتدياً مؤمناً، فقوله تعالى: ( آمَنَ ) إشارة إلى الشهادة الأولى والثانية، وقوله: ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) إشارة إلى الإيمان والعمل بالشريعة الذي هو مقام النبوّة، وقوله: ( ثُمَّ اهْتَدَى ) إشارة إلى ذلك المقام الثالث والشهادة الثالثة؛ وهي الولاية والإمامة.

سورة الحمد وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام :

وإذا لم يعتقد بها الشخص ولم يجعلها واسطة بينه وبين ربّه لا يتحقّق منه الإيمان ولا العمل الصالح، فولاية وإمامة أهل البيت عليهم‌السلام واسطة ووسيلة يتوسَّل بها العبد إلى اللَّه عزّ وجلّ لقبول عقيدته وعبادته، وهذا ما صرّحت به سورة الحمد، التي يقرؤها المسلم في اليوم والليلة عشر مرّات على أقل تقدير.

فإن سورة الحمد تعرّضت للشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة،

____________________

(1) طه: 79.

١٠٣

فقوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) (1) إشارة إلى الشهادة الأولى، وهي كلمة (لا إله إلّا اللَّه)، وقوله تعالى: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (2) إشارة إلى أصل المعاد، الذي هو من أصول الدين، وقوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (3) إشارة إلى مقام التشريع والنبوّة؛ لأن العبادة لا تتحقّق إلّا بالسير على خطى النبوّة والرسالة، وقوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) (4) إشارة إلى مقام الإمامة في الأمة، فهناك مجموعة في الأمة الإسلامية ندعو اللَّه عزّ وجلّ في اليوم والليلة أن يهدينا صراطهم المستقيم، المنزّه عن الغضب في العمل وعن الضلال في العلم؛ أي صراط المعصومين علماً وعملاً، وهؤلاء الهداة الهادون إلى الصراط المستقيم وصفهم اللَّه تعالى بثلاثة نعوت:

الأول: أنهم منْعَم عليهم بنعمة خاصّة دون بقية الأمة وسائر البشر، نظير ما أنعم اللَّه على النبيِّين.

الثاني: أنهم لا يغضب اللَّه عليهم قطّ، وإلّا لَمَا كانت لهم صلاحية الهداية لجميع الأمة.

الثالث: أنهم لا يضلّون قط، وإلّا لم يكونوا هداة هادين لكل الأمة.

ولم يحدّثنا القرآن عن ثلّة عن هذه الأمة قد خصصوا بنعمة وحظوة وحبوة

____________________

(1) الحمد: 2 - 3.

(2) الحمد: 4.

(3) الحمد: 5.

(4) الحمد: 6 - 7.

١٠٤

إلهية خاصة دون بقية الأمة إلّا أهل البيت عليهم‌السلام كما في ولاية الفي‏ء في قوله تعالى: ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (1) ، وكما في ولاية الخمس في قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (2) ، وكذا التطهير في قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ، والمودّة والولاية في قوله تعالى: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4) وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (5) ، وعلم الكتاب في قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (6) وغيرها من الآيات المخصِّصة

لهم عليهم‌السلام بمقامات دون سائر الأمة إلى يوم القيامة، فلا توجد مجموعة في الأمة الإسلامية معصومة عن الغضب والضلال سوى أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين أنعم اللَّه عزّ وجلّ عليهم بالطهارة من الرجس والغواية في العلم والعمل كما قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (7) .

ويتحصّل من ذلك: أن سورة الحمد اشتملت على أصول الدين من التوحيد والمعاد والنبوّة والإمامة، وقارئ الحمد يطلب من اللَّه تعالى الهداية إلى الصراط

____________________

(1) سورة الحشر: 7.

(2) سورة الأنفال: 41.

(3) سورة الأحزاب: 33.

(4) سورة الشورى: 23.

(5) سورة المائدة: 55.

(6) سورة الواقعة: 77 - 79.

(7) الأحزاب: 33.

١٠٥

المستقيم، وأن يجعل له هداة وأئمة يهتدي بهم، وهذا يعني أن ضمّ الشهادة الثالثة بالإمامة إلى الشهادة الثانية بالرسالة والنبوّة للنبيّ

الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يوجب الخروج عن الشرك وقبول الإيمان والعبادة.

ومن ذلك كلّه يتضح المراد من قول الإمام الباقر عليه‌السلام لسدير وهو مستقبل البيت: (يا سدير، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا، وهو قول اللَّه: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) (1) - ثم أومأ إلى صدره - إلى ولايتنا) (2) .

إذن تمام الحجّ وسائر العبادات بالهداية إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام والتوسّل والتوجّه بهم إلى اللَّه عزّ وجل.

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ:

قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود × وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) (3) .

فهذه الآية المباركة تنصّ على أن اللَّه عزّ وجلّ جعل مكان البيت مبوّءاً وسكناً لإبراهيم عليه‌السلام ، وأن إبراهيم عليه‌السلام هو المتكلّم الأوّل والناطق الرسمي عن اللَّه تعالى في الندبة إلى الحجّ، فهو يأمر الناس بحجّ بيت اللَّه الحرام كما نصّت على ذلك روايات الفريقين.

____________________

(1) طه: 82.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 393.

(3) الحج: 26 - 27.

١٠٦

ثم إن التعبير الآخر في الآية المباركة بعد الأذان في الناس بالحجّ ( يَأْتُوكَ رِجَالاً ) ، فالمجي‏ء ليس إلى البيت ولا إلى اللَّه عزّ وجلّ مباشرة، بل المجي‏ء أوّلاً إلى إبراهيم عليه‌السلام .

فالإتيان إلى الحجّ تلبية وإجابة للنداء الإلهي إنما يتمّ بالوفادة على وليّ اللَّه، ويكون الحجّ الذي هو القصد إلى اللَّه عزّ وجلّ بواسطة الإتيان إلى إبراهيم عليه‌السلام ، الذي هو وجيه عند اللَّه تعالى يتوجّه إليه ويُقصد لإقامة الصلاة والطواف وسائر مناسك الحجّ العبادية، فلابدّ من الوفود على إبراهيم عليه‌السلام ومحبّته وهويّ الأفئدة إليه.

وهذه الآية المباركة تتوافق في المضمون مع ما تقدّم من قوله تعالى: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الُْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (1) ، فإبراهيم عليه‌السلام وذرّيته أسكنهم اللَّه عزّ وجلّ البيت الحرام وبوّأهم فيه لإقامة الصلاة وتشييد الدين وتطهير البيت للطائفين والقائمين والرّكع السجود، والإيذان في الناس بالحجّ، ولكن لا قيمة للحجّ ولا مقبولية عند اللَّه عزّ وجلّ إلّا بالمجي‏ء إلى إبراهيم عليه‌السلام وذريّته من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، وهويّ القلوب والأفئدة إليهم ومحبّتهم ومودّتهم وتولّيهم وإبراز الطاعة لهم وجعلهم واسطة في القصد إلى اللَّه تعالى.

فتبويء اللَّه عزّ وجلّ لإبراهيم البيت، وإسكان إبراهيم ذريَّته فيه من أجل الوفود عليهم ومودّتهم، هو الذي جعل من البيت الحرام مكاناً ومقصداً لإقامة العبادة فيه، والأحجار بما هي أحجار لولا ذلك تكون وثناً يعبد من دون اللَّه

____________________

(1) إبراهيم: 37.

١٠٧

عزّ وجلّ كما كان الحجّ في الجاهلية. ولذا ورد أن من المستحبّات عند الدخول إلى البيت الحرام إلقاء التحيّة والسلام على سيّد الأنبياء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم السلام على النبيّ إبراهيم عليه‌السلام (1) .

فعن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام قال: (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، بسم اللَّه وباللَّه ومن اللَّه وما شاء اللَّه، والسلام على أنبياء اللَّه ورسله والسلام على رسول اللَّه، والسلام على إبراهيم والحمد للَّه رب العالمين) (2) .

فالمجي‏ء إلى النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلى إبراهيم عليه‌السلام مجي‏ء وإتيان وقصد إلى اللَّه عزّ وجل، وكذا أهل البيت عليهم‌السلام ؛ لأنهم الذريّة والأمة المسلمة الذين دعا إبراهيم والنبيّ الأكرم إلى مودّتهم ومحبّتهم.

إذن، الأنبياء والأوصياء هم أبواب اللَّه التي يتّجه إلى اللَّه تعالى بها، ولولا ذلك لا يكون الحجّ حجّاً إبراهيمياً، بل حجّ الجاهلية.

8 - الأنبياء مصدر البركة:

قال تعالى حكاية عن قول عيسى عليه‌السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاة وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (3) .

وهذا يعني أن عيسى عليه‌السلام جعله اللَّه عزّ وجلّ مصدر البركة والتبرّك أين ما حل؛ ولذا كان ببركته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللَّه تعالى، فهو

____________________

(1) ابن حمزة، الوسيلة، ص172.

(2) الصدوق، المقنع، ص255.

(3) مريم: 31.

١٠٨

وجيه وواسطة في قضاء الحوائج في كلّ مكان حلّ فيه، فما بالك بخاتم الأنبياء عليه‌السلام وأهل بيته الأطهار ومَن يصلّي عيسى خلفه عند نزوله ويكون وزيراً له؟!

وكذا ورد في الآيات المباركة أن الماء مصدر البركة والخيرات كما في قوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) (1) ، فإذا كان اللَّه تعالى ببركة الماء المنزل من السماء ينبت الجنان ويحيي الأرض بعد موتها، فكيف بك بأنبياء اللَّه ورسله وخلفائه الأوصياء؟!

9 - البقعة المباركة:

وهي الطائفة من الروايات التي تعرّضت لذكر البقعة المقدّسة والمباركة التي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيها موسى عليه‌السلام كقوله تعالى: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَ نَارًا فَقَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يَا مُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) ، وقوله تعالى: ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (3) ، وكذا قوله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ) (4) .

____________________

(1) ق: 9.

(2) طه: 9 - 12.

(3) النازعات: 15 - 16.

(4) مريم: 51 - 52.

١٠٩

وقوله عزّ وجلّ: ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ ِلأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِي‏ءِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (1) .

وقد أقسم اللَّه عزّ وجلّ بهذه البقعة المباركة لعظمتها، بالإضافة إلى بقع ثلاث أخرى، وذلك في قوله تعالى: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (2) ، وهذا قسم من اللَّه عزّ وجلّ ببلد التين، وهو المدينة، وبلد الزيتون وهو بيت المقدس، وطور سينين الكوفة، والبلد الأمين، وهو مكّة، كما ورد ذلك عن الإمام الكاظم عليه‌السلام ؛ حيث قال: (واختار من البلدان أربعة؛ فقال عزّ وجلّ: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) فالتين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سنين الكوفة، وهذا البلد الأمين مكّة) (3) .

هذا من طرقنا.

وكذلك من طرق السنّة، ولكن بتفسير التين بالبيت الحرام، وتفسير الطور بأنه الجبل الذي كلّم اللَّه عزّ وجلّ فيه موسى عليه‌السلام (4) ، ولا تنافي في ذلك إذ لعلّ ذلك هو الوادي المقدّس بين جبل طور والكوفة كما ذكر ذلك بعض المفسّرين.

____________________

(1) القصص:29 - 30.

(2) التين: 1 - 3.

(3) الصدوق، الخصال، ص225، والنيسابوري، روضة الواعظين، ص405.

(4) ابن الجوزي، زاد المسير، ج8، ص275.

١١٠

وقد ورد في الحديث أن محلّ قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام أوّل طور سيناء. عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال: (كان في وصيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام : أن أخرجوني إلى الظهر [أي ظهر الكوفة]، فإذا تصوّبتْ أقدامكم واستقبلتكم ريح، فادفنوني؛ وهو أوّل طور سيناء. ففعلوا ذلك) (1) .

والحاصل: إن القرآن يؤكّد أن هناك بقعة مقدّسة مباركة، فيها هبطت الملائكة بالوحي على موسى عليه‌السلام ، ولابدّ أن تقدّس وتُعظّم ويُتقرّب فيها إلى اللَّه عزّ وجلّ ويكلّم اللَّه تعالى فيها الأنبياء.

قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى ( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (2) :

(المقدّس: المطهّر، والقدس: الطهارة، والأرض المقدّسة أي المطهّرة) إلى أن قال: (وقد جعل اللَّه تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض) (3) .

وهذا يعني أن هناك أماكن مقدّسة فيها ينزل الوحي وتفتح أبواب السماء، وفيها يزداد الأجر ويقبل الدعاء ويتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل.

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهيّة:

خلقة الأنوار الخمسة لأصحاب الكساء في سورة النور؛ قال تعالى: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا

____________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 34.

(2) طه: 12.

(3) تفسير القرطبي، ج11، ص175.

١١١

شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي‏ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

إن هذه الآية المباركة تنصّ على وجود بيوت خاصّة أذن اللَّه أن ترفع وتعظّم ويذكر فيها اسمه، وفي تلك البيوت يسبّح للَّه عزّ وجلّ وتقبل العبادة ويسمع الذكر، وتحت قبّتها يرفع الدعاء وتفتّح أبواب السماء وتحصل القربة إلى اللَّه تعالى، فهي بيوت مباركة ومقدّسة جعلها اللَّه تبارك وتعالى وسيلة وواسطة ومحلّاً لقبول العبادة والذكر والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.

ومن الجدير بالذكر أن تلك البيوت بيوتاً خاصّة، وهي مهبط الوحي والقداسة والطهارة. والشاهد على ذلك أن الجار والمجرور في قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بذلك النور الذي ضربه اللَّه عزّ وجلّ مثلاً للناس، فالنور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، وقد ذكرت الآية المباركة أن هذا النور نور السماوات والأرض، أي محيط بهما ومهيمن عليهما وأشرف منهما في الخلقة والرتبة الوجودية.

ثمّ إن ذلك النور مخلوق من مخلوقات اللَّه تعالى، أُضيف إليه عزّ وجلّ في الآية إضافة الفعل إلى فاعله، وهو عبارة عن أنوار خمسة شامخة، ضرب اللَّه تعالى لكلّ واحد منها مثلاً حسّياً لتقريب الفكرة وتنزيل الحقيقة إلى رقيقة

____________________

(1) النور: 35 -37.

١١٢

يفهمها البشر، وليس هذا النور عين الذات الإلهية؛ لأنها أحدية المعنى لا تعدّد ولا تكثّر فيها، والنور المذكور في الآية المباركة متعدّد منشعب إلى خمسة أنوار، مستقل بعضها عن البعض الآخر.

والأنوار الخمسة التي ضُربت مثلاً هي:

أولاً: المشكاة.

ثانياً: المصباح.

ثالثاً: الزجاجة.

رابعاً: الكوكب الدُّرِّي

خامساً: الشجرة المباركة.

ثم تقول الآية الكريمة بعد ذلك: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) .

وفي اللغة العربية يقول علماء البلاغة: كل تشبيه جملة مستقلة برأسها، وتفيد معنىً ومغزىً مستقلاً، فالآية بصدد التعرض إلى خلقة النور، وأن أحد مراحل الخلقة الإلهية هي المخلوقات النورية، وهي أنوار خمسة، تعظم في الخلقة الملائكةَ والروح والجنّ والإنس ومطلق الموجودات الأخرى، وهي أنوار مشتقّ بعضها من بعض، ومرتبط بعضها بالبعض الآخر كما هو ظاهر الآية المباركة.

وهذه الأنوار المباركة المحيطة بالسماوات والأرض، هي الأسماء والكلمات التي لم تعلم بها الملائكة، مع أن الملائكة ملأت أركان السماوات والأرض؛ لأنها هي التي تدبّرها وتدير شؤونها، وهو المشار إليه في تعليم آدم الأسماء وعرض اللَّه تعالى لها على الملائكة، فلم يعلموا بها، فأنبأهم آدم بها،

١١٣

ووصفها اللَّه بأنها غيب السماوات والأرض (1) ، وكما ورد هذا المعنى في روايات الفريقين (2) .

ولو كانت تلك الأسماء من عالم السماء والأرض، لعلمت بها الملائكة، ومن ذلك يعلم أن الأسماء التي علّمها اللَّه عزّ وجلّ آدم وجهلتها الملائكة، كانت مخلوقات محيطة بعالم السماوات والأرض.

وهذا نوع من أنواع التشاهد بين الآيات القرآنية، فالأنوار الخمسة المذكورة في سورة النور هي الأسماء التي خفيت عن الملائكة وعلّمها اللَّه تعالى آدم، وهي كما سيأتي موجودات حيّة عاقلة شاعرة من عالم النور كما عبّر عنها في سورة البقرة بضمير (هم) واسم الإشارة (هؤلاء)، وهما لفظتان لا تستعملان في الذوات الجامدة، بل في الذوات الحيّة الشاعرة العاقلة.

ويتحصّل من ذلك وجود مخلوقات خمسة نورية محيطة بالسماوات والأرض، أفضل من الملائكة ولا تحيط الملائكة بها علماً، بل إن اللَّه تعالى شرّف آدم على جميع مخلوقاته، بما فيهم المقرّبين من كبار الملائكة، كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل بفضل تلك الأنوار، وبفضلها أيضاً استحقّ مقام الخلافة الإلهية، وسجد له الملائكة كلّهم أجمعون.

ومن ذلك يتضح أن هذه الأنوار الخمسة هي باطن (غيب) وملكوت السماوات والأرض؛ لأن نور كلّ شي‏ء بمنزلة الروح له، ومن دونه يكون ظلمانياً، والنور في المقام ليس هو النور الحسّي الذي يظهر الصفات العارضة

____________________

(1) سورة البقرة: 31 - 33.

(2) بصائر الدرجات، ص89، الطبراني، المعجم الأوسط، ج4، ص44.

١١٤

على الشي‏ء، بل هو نور الخلقة الذي يوجد الشي‏ء ويكوّنه ويظهره من كتم العدم إلى الوجود، فنور السماوات والأرض أي ملكوتهما وباطنهما ومظهرهما من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وهو اسم اللَّه الأعظم الذي هو غير المسمّى، يفوق في القدرة والعظمة كافّة المخلوقات في السماوات والأرض.

وسيأتي أن تلك الأنوار الخمسة المباركة - وهي الأسماء التي علّمها اللَّه تعالى آدم وتاب بفضلها عليه من خطيئته، وابتلى بها إبراهيم لنيل مقام الإمامة - هم خمسة أصحاب الكساء وأهل آية المباهلة: محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فهم أهل البيت، وهم النور الإلهي الذي حلّ في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، لتكون محلّاً للذكر والتسبيح والعبادة والتوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ وتشييد معالم الدين.

ولذا أخرج السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن أنس ابن مالك وبريدة، قال: قرأ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ قال: (بيوت الأنبياء)، فقام إليه أبو بكر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة عليهم‌السلام ، قال: (نعم، من أفاضلها) (1) .

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه‌السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ) قال: (هي بيوت النبي صلَّى الله عليه وآله) (2) .

كذلك عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قوله: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ

____________________

(1) الدرّ المنثور، ج 5، ص50.

(2) الكافي، ج8، ص331، ح510.

١١٥

تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) قال: (هي بيوت الأنبياء، وبيت علي منها) (1) .

وقد تقدّم رواية الحاكم في المستدرك أن من الكلمات التي تاب اللَّه بها على آدم (وهي الأسماء التي شُرّف آدم بها على الملائكة كخليفة، لأن الكلمات أعظم مقاماً من آدم إذ بها تاب اللَّه عليه)، أن من أعظم تلك الكلمات والأسماء هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد في المستدرك أنه لولاه لَمَا خلق آدم ولا الجنة ولا النار (2) ويتشاهد هذان الحديثان النبويان على أن أوّل الأنوار الخمسة والأسماء التي تعلّمها آدم وتوسّل بها هو خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا بالنسبة إلى الأنوار الخمسة المباركة.

الأئمة التسعة من ولد الحسين عليه‌السلام في آية النور:

وأمَّا قوله تعالى: ( نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، فهو إشارة إلى استمرار وديمومة قانون الإمامة والخلافة الإلهية بعد تلك الأنوار الخمسة إلى يوم القيامة، نور على نور يهدي اللَّه لنوره من يشاء، و(على)؛ أي على إثر وعقب، لغة في أحد المعاني المستعملة في لفظ (على) بالتضمين لمعنى الإثر؛ والشاهد على ذلك ما تقدّم من أن الهداية هي الإيصال إلى المطلوب، وقد جاء ذكر الهداية تفسيراً وبياناً لمقام الإمامة والولاية كما في قوله تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ، فالتعبير بالهداية في الآية المباركة يراد منه الإمامة، وهو مقتضى معنى النور أيضاً؛ إذ هو الهادي إلى صراط اللَّه تعالى.

____________________

(1) تفسير القمي: ج2 ص79.

(2) المستدرك، ج 2، ص 671 و 672

١١٦

ولذا ورد عن الإمام محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) قال: (يعني إماماً مؤيّداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك من لدن آدم إلى يوم القيامة) (1) .

وعن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ، قال: قلت ( نُورٌ عَلَى نُورٍ ) ؟ قال: (الإمام في إثر الإمام) (2) .

وورد أيضاً عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) قال: (يهدي لولايتنا من أحبّ) (3) .

بيان آخر للآية المباركة:

هناك بيان آخر للآية الكريمة التي نحن بصدد الاستدلال بها، أدقّ وأعمق وأدلّ على المطلوب من البيان الأول؛ وهو:

بعد أن تبيّن أن قوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ ) متعلّق بالنور، وأن النور في بيوت أذن اللَّه أن ترفع، نقول:

إن الآية الثالثة التي ذكرناها في المقام، وهو قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) ، هذه الجملة من المبتدأ والخبر كلّها بدل من قوله تعالى ذكره: ( فِي بُيُوتٍ ) ، أي أنها في محلّ جرّ بدل من البيوت؛ ويكون المعنى على ذلك: أن البيوت رجال لا تلهيهم تجارة، وليست هي

____________________

(1) توحيد الصدوق، ص158، ح4.

(2) المصدر، ص157، ح3.

(3) مناقب ابن المغازلي، ص263، ح361.

١١٧

بيوت حجارة، ولا طين.

والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة نشير إلى بعضها:

أ - قوله تعالى: ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ) ليس فاعلاً لقوله عزّ وجل: ( يُسَبِّحُ ) ؛ وذلك طبقاً لقراءة أهل البيت عليه‌السلام ، حيث إن قراءتهم لكلمة يسبَّح (بفتح الباء) مبني للمجهول، وبناءً على هذا لا تكون كلمة ( رِجَالٌ ) فاعلاً لـ (يسبَّح) وإنما تكون مبتدءاً والجملة التي بعدها خبر، والجملة بتمامها عطف بدل على بيوت، فالبيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع، وإلى ذلك يشير قول الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام إلى قتادة البصري(فقيه أهل البصرة) عندما سأله قائلاً:

(أصلحك اللَّه، واللَّه لقد جلست بين يدي الفقهاء، وقدّام ابن عبَّاس، فما اضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : (ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) فأنت ثَمَّ، ونحن أولئك)، فقال له قتادة: صدقت واللَّه، جعلني اللَّه فداك، واللَّه ما هي بيوت حجارة ولا طين) (1) .

وكذلك ما ورد عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه‌السلام ؛ حيث قال: (إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى، وصل اللَّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة رسوله بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللَّه ولا رسوله، وهو الإقرار بما نزل من عند اللَّه: ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) والتمسوا البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم

____________________

(1) الكافي، ج6، ص256، ح1.

١١٨

( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) (1) .

ثم إن تلك القراءة بفتح الباء في (يسبَّح) قرأ بها أيضاً ابن عامر وأبو بكر وابن شاهي عن حفص (2) .

إذن، يتحصّل أن النور في بيوت هي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

أهل البيت عليهم‌السلام معصومون بأعالي درجات العصمة:

ب - قوله عزّ وجل: ( لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ ) . فإن هذا المقطع من الآية المباركة يشير إلى أن هؤلاء الرجال معصومون بأعلى درجات العصمة، وهي عصمة السرّ التي هي فوق عصمة الجوارح؛ إذ لا يلهون برهة من حياتهم عن ذكر اللَّه، فهم في ذكر دائم، وهذا يعني أن أولئك الرجال ثلّة خاصة في الأمة الإسلامية يتميّزون عن بقيّة المسلمين وأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين انفضّ أكثرهم من حوله وتركوه قائماً عندما سمعوا بالتجارة كما نصّت على هذه الحادثة سورة الجمعة؛ وذلك في قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3) .

ففي الروايات لم يبقَ مع النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا اثني عشر أو ثمانية رجال،

____________________

(1) الكافي، ج1، ص182، ح6.

(2) الطوسي، لاحظ التبيان، ج7، ص439، وابن الجوزي، زاد المسير، ج5، ص364.

(3) الجمعة: 11.

١١٩

وانفضّ الباقون إلى اللّهو والتجارة (1) .

وفي بعض الروايات لم يبقَ إلّا علي عليه‌السلام (2) .

ولا شك أنه لا يوجد ثلّة معصومة في هذه الأمة غير أهل آية التطهير، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فنالوا بذلك أعلى درجات العصمة والطهارة.

وهذا يعني أن تلك الأنوار الخمسة المباركة في بيوت وأبدان طاهرة، وهم رجال معصومون من الغفلة عن ذكر اللَّه عزّ وجل، يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.

وتلك البيوت والرجال أذن اللَّه أن يرفع ذكرهم، كما قال اللَّه تعالى لنبيّه: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، ولا شك أن معنى ذلك هو وجوب التعظيم والطاعة لهم والانقياد لولايتهم والتوجّه بهم إلى اللَّه تعالى في العبادة، كما أمر اللَّه عزّ وجلّ الملائكة بالخضوع والسجود لآدم وجعل الخضوع واسطة للانقياد إلى الأوامر الإلهية.

إذن، لا يقبل اللَّه عزّ وجلّ من العباد الطاعة، إلّا برفع تلك البيوت وتعظيم أولئك الرجال، والإتيان بالطاعات امتثالاً لأمر اللَّه وأمر رسوله وأمر أُولي الأمر من هذه الأمة.

قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ

____________________

(1) لاحظ: الطبري، جامع البيان، ج28، ص132.

(2) شرف الدين، تأويل الآيات، ج2، ص693.

١٢٠

البشارة بمولد الإمام زين العابدين عليه‌السلام

عند اقتران الإمام الحسين عليه‌السلام بالسيّدة الجليلة شاه زنان بارك الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام لولده قائلا :

« يا أبا عبد الله ، ليلدنّ لك منها غلام خير أهل الأرض » (١) .

وفعلا فقد تحقّق ما أخبر عنه الإمام عليه‌السلام ، فقد ولدت لولده الحسين عليه‌السلام سيّد الساجدين وتاج البكّائين زين العابدين صاحب رسالة الحقوق ، والتي هي من أذخر الرسائل الحقوقية ، والصحيفة السجّادية وهي إنجيل آل محمّد (٢) .

__________________

(١) الأحاديث الغيبية ٢ : ١٧٦.

(٢) قد ذكرنا مفصّلا عن حياة الإمام عليّ بن الحسين عليهما‌السلام في كتابنا : حياة الإمام زين العابدين عليه‌السلام في مجلّدين.

١٢١

مقتل الإمام الرضا عليه‌السلام

عن النعمان بن سعد قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسّمّ ظلما ، اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم ابن عمران موسى عليه‌السلام ، ألا فمن زاره في غربته غفر الله عزّ وجلّ له ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ... » (١) .

لقد تحقّق ما أخبر به عليه‌السلام فقد رزق الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام بالإمام الرضا ، والذي هو أثرى شخصية عرفها التأريخ بعلومه ومعارفه في زمانه ؛ إذ فتك به المأمون العباسي بالسمّ بعد ما غرّبه عن الأوطان فمضى عليه‌السلام شهيدا محتسبا (٢) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٥٨.

(٢) قد ذكرنا عن حياته مفصلا في كتابنا : حياة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، في مجلّدين.

١٢٢

مدينة بغداد

اجتاز الإمام عليه‌السلام على أرض بغداد ، فقال عليه‌السلام :

« ما تدعى هذه الأرض؟ ».

فقالوا له : بغداد.

قال : « نعم ، تبنى هاهنا مدينة » ، وذكر أوصافها (١) .

وتحقّق ذلك ، فقد بنيت بغداد وازدهرت في العصر العباسي ، فكانت عاصمة الدنيا ، وذكر الرواة أنّ الحسن بن ذكوان الفارسي التقى بالإمام ، وطلب منه أن يدعو الله له.

فقال له الإمام : « إنّك ستعمّر ، وتحمل إلى مدينة يبنيها رجل من بني عمّي العبّاس تسمّى بغداد ، ولا تصل إليها ، وتموت بموضع يقال له المدائن ».

فكان كما قال عليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٢٢.

(٢) بحار الأنوار ٤١ : ٣٠٧.

١٢٣

عدد ملوك بني العبّاس

وكان ممّا أخبر به الإمام عليه‌السلام أنّه عدد ملوك بني العباس الذين يحكمون العالم الإسلامي ، قال عليه‌السلام :

« ويل هذه الامّة من رجالهم الشّجرة الملعونة الّتي ذكرها ربّكم تعالى ، أوّلهم خضراء وآخرهم هزماء ، ثمّ يلي بعدهم أمر أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رجال : أوّلهم أرأفهم ، وثانيهم أفتكهم ، وخامسهم كبشهم ، وسابعهم أعلمهم ، وعاشرهم أكفرهم ، يقتله أخصّهم به ، وخامس عشرهم كثير العناء ، قليل الغناء ، وسادس عشرهم أقضاهم للذمم ، وأوصلهم للرّحم ، كأنّي أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن يأخذه جنده بكظمه ، من ولده ثلاث رجال : سيرتهم سيرة الضّلال ، الثّاني والعشرون منهم الشّيخ الهرم ، تطول أعوامه ، وتوافق الرّعيّة أيّامه ، السّادس والعشرون منهم يشرد الملك منه شرود النّقنق (١) ، ويعضده الهزرة المتفيهق ، لكأنّي أراه على جسر الزّوراء قتيلا ، ذلك بما قدّمت يداك ، وإنّ الله ليس بظلاّم للعبيد » (٢) .

__________________

(١) النّقنق : جمعه نقانق ، ذكر النّعامة.

(٢) بحار الأنوار ٤١ : ٣٢٢.

١٢٤

وأوضح المجلسي بنود هذه الخطبة قال :

« إنّ أوّلهم ـ أي أوّل بني العبّاس ـ هو السفاح كان أرأفهم (١) .

وأنّ ثانيهم هو المنصور كان أفتكهم ، أي أجرأهم ، وأشجعهم ، وأكثرهم قتلا للناس خدعة وغدرا.

وأنّ خامسهم وهو الرشيد كان كبشهم ؛ إذ لم يستقرّ ملك أحد منهم كاستقرار ملكه ، وأنّ سابعهم وهو المأمون كان أعلمهم ، واشتهار وفور علمه من بينهم يغني عن البيان.

وأنّ عاشرهم وهو المتوكّل أكفرهم بل أكفر الناس كلّهم أجمعين لشدّة نصبه وإيذائه لأهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم وسائر الخلق ، وأنّ من قتله كان من غلمانه الخاصّة.

وأنّ خامس عشرهم المعتمد على الله أحمد بن المتوكّل ، وهو وإن كان زمان خلافته ثلاث وعشرين سنة لكن كان في أكثر زمانه مشتغلا بحرب صاحب الزنج وغيره ، فلذا وصفه عليه‌السلام بكثرة العناء.

وسادس عشرهم المعتضد بالله رأى في النوم رجلا أتى دجلة فمدّ يده إليها ، فاجتمع مائها فيها ، ثمّ فتح كفّه ففاض الماء ، فسأل المعتضد أتعرفني؟ قال : لا ، قال : أنا عليّ بن أبي طالب إذا جلست على سرير الخلافة فأحسن إلى أولادي ، فلمّا وصلت إليه الخلافة أحبّ العلويّين وأحسن إليهم ، فلذا وصفه عليه‌السلام بقضاء العهد وصلة الرحم.

وثامن عشرهم هو جعفر الملقّب بـ المقتدر بالله ، وخرج مونس الخادم من جملة عسكره ، وأتى الموصل واستولى عليه ، وجمع عسكرا ورجع وحارب

__________________

(١) أي أرأفهم من بين ملوك بني العباس على العلويّين.

١٢٥

المقتدر في بغداد ، وانهزم عسكر المقتدر ، وقتل هو في المعركة ، واستولى على الخلافة من بعده ثلاثة من أولاده ، الراضي بالله محمّد بن المقتدر ، والمتّقي بالله إبراهيم بن المقتدر ، والمطيع لله فضل بن المقتدر.

وأمّا الثاني والعشرون منهم فهو المكتفي بالله عبد الله ، وادّعى الخلافة بعد مضي إحدى وأربعين سنة من عمره ـ سنة ثلاثة وثلاثين وثلاثمائة ـ ، واستولى أحمد ابن بويه في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة على بغداد ، وأخذ المكتفي وسمل عينه وتوفّي في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.

ويقال : إنّه كانت أيام خلافته سنة وأربعة أشهر.

ويحتمل أن يكون من خطأ المؤرّخين أو رواة الحديث بأن يكون في الأصل الخامس والعشرون أو السادس والعشرون ، فالأوّل هو القادر بالله أحمد بن إسحاق ، وقد عمّر ستا وثمانين سنة ، وكانت مدّة خلافته إحدى وأربعين سنة ، والثاني القائم بأمر الله كان عمره ستّا وسبعين سنة وخلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر.

ويحتمل أن يكون عليه‌السلام إنّما عبّر عن القائم بأمر الله بالثاني والعشرين لعدم اعتداده بخلافة القاهر بالله ، والراضي بالله والمقتدر بالله والمكتفي بالله لعدم استقلالهم وقلّة أيام خلافتهم.

فعلى هذا يكون السادس والعشرون الراشد بالله ، فإنّه هرب في حماية عماد الدين الزنجي ، ثمّ قتله بعض الفدائيّين ، فقد قتل في أصفهان.

ويحتمل أن يكون المراد بالسادس والعشرين المستعصم ، فإنّه قتل كذلك وهو آخرهم ، وإنّما عبّر عنه كذلك مع كونه السابع والثلاثين منهم لكونه السادس والعشرين من عظمائهم ، لعدم استقلال كثير منهم وكونهم مغلوبين للمماليك والأتراك.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد السادس والعشرون من العباس وأولاده ، فإنّهم

١٢٦

اختلفوا في أنّه هل هو الرابع والعشرون من أولاد العباس أو الخامس والعشرون منهم ، وعلى الأخير يكون بانضمام العباس السادس والعشرون وعلى الأخيرين يكون مكان يعضده يقصده » (١) .

__________________

(١) بحار الأنوار ٤١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

١٢٧

فتنة الزنج

من الأحداث الجسام التي أخبر عن وقوعها الإمام عليه‌السلام هي فتنة صاحب الزنج ، فقد زعم أنّه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، وقد احتفّ به الزنج ، ووعدهم بالتحرير والظفر بأموال الدولة وتسخيرها لمصالحهم ، فانصاعوا له ، والتفّوا حوله ، وقد تحدّث المؤرّخون عن تفصيل الحادثة والفتوحات التي تمّت له ، وإلى ما جرى عليه.

وعلى أي حال فلنستمع إلى ما قاله الإمام عليه‌السلام في وصف جيشه وإلى الدمار الذي حلّ في البلاد من جرائمهم ، قال عليه‌السلام :

« يا أحنف ، كأنّي به ـ أي بصاحب الزنج ـ وقد سار بالجيش الّذي لا يكون له غبار ولا لجب ، ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النّعام ».

أشار الإمام عليه‌السلام إلى أوصاف جيش صاحب الزنج ، وأنّهم في منتهى التدريب العسكري ، لا غبار لهم ، ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل ، وهذه الأوصاف أروع ما توصف به الجيوش المنظّمة التي بلغت الذروة في تدريبها.

ثمّ عرض الإمام عليه‌السلام إلى ما تعانيه البلاد من الدمار والخراب من ذلك الجيش قال عليه‌السلام :

« ويل لسكككم العامرة والدّور المزخرفة الّتي لها أجنحة كأجنحة

١٢٨

النّسور ، وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الّذين لا يندب قتيلهم ، ولا يفقد غائبهم ... » (١)

وقد عانت البلاد الإسلامية أقسى ألوان المحن والخطوب من جيش صاحب الزنج ، فقد تهدّمت الدور وتخرّبت المزارع وتدهور الاقتصاد العامّ ، وكان ذلك في سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقد ذكرت مصادر التاريخ تفصيل تلك الأحداث المروعة المؤسفة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٨ : ١٢٥.

١٢٩

حكومة بني بويه

أخبر الإمام عليه‌السلام عن حكومة بني بويه فقال :

« ويخرج من ديلمان بنو الصّيّاد (١) ، ثمّ يستشري أمرهم حتّى يملكوا الزّوراء ، ويخلعوا الخلفاء ... ».

فقام شخص وقال : كم مدّتهم يا أمير المؤمنين؟

فقال عليه‌السلام : « مائة ـ أي مائة عام ـ أو تزيد قليلا ».

واستطرد الإمام عليه‌السلام في ذكرهم قائلا :

« والمترف ابن الأجذم يقتله ابن عمّه على دجلة ... ».

أشار عليه‌السلام إلى عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة أبي الحسين ، وكان معزّ الدولة أقطع اليد ، قطعت يده لنكوصه في الحرب ، وكان ابنه مترفا صاحب لهو وشرب ، قتله عضد الدولة فناخسرو ابن عمّه بقصر الجصّ على دجلة ، وسلب ملكه ، فأما خلعهم للخلفاء فإنّ معزّ الدولة خلع المستكفي ، وأقام عوضه المطيع ، وبهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة ، وخلع الطائع ورتّب مكانه القادر ، وكانت مدّة ملكهم كما أخبر به الإمام عليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد : كان أبوهم يصيد السمك ، ويتقوّت به هو وعياله ، فأخرج من ولده ملوكا ثلاثة ، ونشر رايتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ : ٤٩.

١٣٠

دولة المغاربة

من المغيّبات التي أخبر عنها الإمام عليه‌السلام ظهور دولة للعلويّين بالمغرب العربي بقيادة أبي عبد الله المهدي ، وهو أوّل ملوكهم ، قال عليه‌السلام :

« ثمّ يظهر صاحب القيروان الغضّ البضّ ، ذو النّسب المحض ، المنتجب من سلالة ذي البداء ، المسجّى بالرّداء » (١) .

قال ابن أبي الحديد : « كان عبيد الله المهدي أبيض ، مترفا ، مشربا بحمرة ، رخص البدن تار (٢) الأطراف ، وذو البداء هو إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، وهو المسجّى بالرداء ؛ لأنّ أباه سجّاه بردائه لمّا مات ، وأدخل عليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته ، وتزول عنهم الشبهة في أمره » (٣) .

ومن المؤسف أنّه لم تؤمن بموت إسماعيل كوكبة من الشيعة وهم الإسماعيلية ، فقد اعتقدوا بحياته ، وأنّه ارتفع إلى السماء كما ارتفع السيّد المسيح.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ : ٤٩.

(٢) التار : الممتلئ جسمه ريا.

(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ : ٤٩.

١٣١

الثورة في طبرستان

من المغيّبات التي أخبر عنها الإمام عليه‌السلام ظهور ثورة طبرستان يقوم بها بعض السادة كالناصر والداعي وغيرهما ، قال عليه‌السلام :

« وإنّ لآل محمّد بالطّالقان لكنز سيظهره الله إذا شاء دعاؤه حتّى يقوم بإذن الله فيدعو إلى دين الله » (١) .

وتحقّق ذلك ، فقد ثار هؤلاء السادة الأعلام في طالقان رافعين شعار الإسلام ، ومتبنّين الدعوة إلى حكم القرآن.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ : ٤٨.

١٣٢

حكومة القرامطة

وأخبرنا الإمام عن القرامطة الفئة الضالّة التي لا عهد لها بالإسلام. قال عليه‌السلام فيهم :

« ينتحلون لنا الحبّ والهوى ، ويضمرون لنا البغض والقلى ، وآية ذلك قتلهم ورّاثنا ، وهجرهم أحداثنا » (١) .

ظهرت القرامطة على مسرح الحياة الإسلامية ، فأشاعت الفساد والقتل والنهب والدمار ، وقد أحلّت ما حرّم الله تعالى ، وحرّمت ما أحلّ الله ، وهي كالشيوعية في تعاليمها ومروقها من الدين ، وقد استباحوا قتل السادة العلويّين ، فقد قتلوا كوكبة من أعلامهم ذكر أسماءهم أبو الفرج الأصفهاني (٢) .

وقد عرفوا بالنصب والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، فقد اجتاز أبو الطاهر سليمان بن الحسن الجنابي ، وهو من أعلامهم على مدينة النجف الأشرف وعلى مدينة كربلاء المقدّسة ، ولم يعرج على زيارة المرقدين المكرّمين (٣) .

__________________

(١) المصدر السابق ١٠ : ١٤.

(٢) مقاتل الطالبيّين : ٤٥٠.

(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٠ : ١٤.

١٣٣

التتر

من المغيّبات التي أخبر عنها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والتي تحقّقت بعد مئات من السنين هي المحنة الكبرى التي امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا ، وهي افول الخلافة الإسلامية ، وانطواء حكم بني العباس الذين أسرفوا في اقتراف ما حرّم الله ، فقد كانت لياليهم الحمراء حافلة بالخمور والمجون ، ولم يكن للإسلام حكم واقعي وإنّما صورة حكم.

وعلى كلّ حال فقد زحف التتر إلى احتلال عاصمة الإسلام بغداد ، وسقطت بذلك الدولة الإسلامية العظمى ، وقد أمعنوا في قتل الأبرياء وإشاعة الخوف والارهاب بين المسلمين ، وعمدوا إلى تدمير المعالم الإسلامية في المدينة ، وكان من أفجعها تدمير المكتبة المستنصرية التي كانت تضمّ مئات آلاف الكتب ، فالقيت في حوض دجلة ، وبذلك فقد خسر العالم الإسلامي أهمّ ثرواته الفكرية والعلمية.

ولنستمع إلى ما قاله الإمام عليه‌السلام في وصف التتر ، وما يلحقونه في بلاد المسلمين من الدمار الشامل قال عليه‌السلام :

« كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة (١) ، يلبسون السّرق (٢)

__________________

(١) المجان : جمع مجن ـ بكسر الميم ـ : الترس ، سمّي مجنا لأنّه مستتر به.

(٢) السرق : شقق الحرير.

١٣٤

والدّيباج ، ويعتقبون (١) الخيل العتاق. ويكون هناك استحرار قتل حتّى يمشي المجروح على المقتول ، ويكون المفلت أقلّ من المأسور! » (٢) .

وانبرى بعض أصحاب الإمام قائلا له : لقد اعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ...

فتبسّم الإمام عليه‌السلام وقال له :

« يا أخا كلب ، ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم ـ يعني أنّه مستقى ومستمدّ من أخيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ. وإنّما علم الغيب علم السّاعة ، وما عدّده الله سبحانه بقوله : ( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) ، فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومن يكون في النّار حطبا ، أو في الجنان للنّبيّين مرافقا. فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلاّ الله ، وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيّه فعلّمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطمّ (٣) عليه جوانحي » (٤) .

وقد أوضح الإمام عليه‌السلام العلم الذي عنده إنّما هو مستمدّ من أخيه وابن عمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه ليس بعلم الغيب الذي لم يطّلع عليه أحد سوى الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة.

__________________

(١) يعتقبون الخيل : أي يجتنبونها لينتقلوا من غيرها إليها.

(٢) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٢ : ١٤.

(٣) تضطم : أي تجتمع عليها جوانح صدري.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٨ : ٢١٥.

١٣٥

وعلى أي حال فقد تحقّق ما أخبر به الإمام عليه‌السلام ، فقد احتلّ الجناة التتر مدينة بغداد ، وسقطت بذلك الدولة الإسلامية ، وقد أمعن الغزاة في قتل الأبرياء وعاثوا فسادا في الأرض.

ومن المؤكّد أنّ السبب في هذه المأساة الخالدة سوء السياسة العباسية ، الذين اقترفوا كلّ ما حرّم الله ، ولم يؤثر عن الكثيرين منهم إلاّ الفسق والفجور ومناجزة المصلحين ، ومعاداة أهل البيت عليهم‌السلام والامعان في قتلهم ومطاردة شيعتهم وأنصارهم ، وبذلك فقد فتحوا الطريق لهولاكو في غزو بغداد والقضاء على الدولة الإسلامية.

١٣٦

الفتن بعد وفاته

وأحاط الإمام عليه‌السلام أصحابه بما يحدث بعد وفاته من الفتن والخطوب ، قال عليه‌السلام :

« وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفي من الحقّ ، ولا أظهر من الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله ؛ وليس عند أهل ذلك الزّمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته ، ولا أنفق (١) منه إذا حرّف عن مواضعه ؛ ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف ، ولا أعرف من المنكر! فقد نبذ الكتاب حملته ، وتناساه حفظته ؛ فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيّان ، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو.

فالكتاب وأهله ـ وهم أهل البيت ـ في ذلك الزّمان في النّاس وليسا فيهم ، ومعهم وليسا معهم! لأنّ الضّلالة لا توافق الهدى ، وإن اجتمعا.

فاجتمع القوم على الفرقة ، وافترقوا عن الجماعة ، كأنّهم أئمّة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ، فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه ، ولا يعرفون إلاّ خطّه وزبره (٢) . ومن قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة ، وسمّوا

__________________

(١) أنفق : أي أروج.

(٢) الزبر : الكتابة.

١٣٧

صدقهم على الله فرية ، وجعلوا في الحسنة عقوبة السّيّئة » (١) .

وتحقّقت هذه الخطوب بعد وفاة الإمام عليه‌السلام ، فقد آل الحكم إلى معاوية ، ومن بعده إلى بني مروان ، ولم يألوا جهدا في محاربة الإسلام ، والبغي والقتل لحماته ، وقد جمد الكتاب ، وساد المنكر ، وراج الباطل ، وأقبل الناس على مآثم الحياة ، واقتراف الرذائل ، وأعرب عليه‌السلام عن ذلك في حديث آخر قال عليه‌السلام :

« وأخذوا ـ أي الناس ـ يمينا وشمالا ظعنا في مسالك الغيّ ، وتركا لمذاهب الرّشد. فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد ، ولا تستبطئوا ما يجيء به الغد. فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه. وما أقرب اليوم من تباشير غد! » (٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة : ٦٣ ، الخطبة ١٤٧.

(٢) نهج البلاغة : ٦٤ ، الخطبة ١٥٠.

١٣٨

أحداث آخر الزمان

وتحدّث باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا يحدث في آخر الزمان من الفتن والبلاء ، وقد أدلى بذلك في كثير من المناسبات والتي منها :

١ ـ قال عليه‌السلام :

« يأتي على النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل ، ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر ، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف ، يعدّون الصّدقة فيه غرما ، وصلة الرّحم منّا ، والعبادة استطالة على النّاس! فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء ، وإمارة الصّبيان ! » (١)

إنّ البشرية تكون في قوس النزول ، وفي منتهى الانحطاط إذا سارت فيها هذه الامور التي تفضّل ببيانها الإمام.

٢ ـ قال عليه‌السلام :

« يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلاّ رسمه ، ومن الإسلام إلاّ اسمه ، ومساجدهم يومئذ عامرة من البناء ، خراب من الهدى ، سكّانها وعمّارها شرّ أهل الأرض ، منهم تخرج الفتنة ، وإليهم تأوي

__________________

(١) نهج البلاغة ـ قصار الحكم ٤ : ٦٤٧.

١٣٩

الخطيئة ؛ يردّون من شذّ عنها فيها ، ويسوقون من تأخّر عنها إليها. يقول الله تعالى : فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة تترك الحليم فيها حيران ، وقد فعل ، ونحن نستقيل الله عثرة الغفلة » (١) .

إنّ الإسلام العظيم الذي ارتضاه الله دينا لجميع البشرية أينما كانوا لا صلاح ولا سعادة ولا استقرار من دونه ، وقد يأتي زمان على المسلمين فينحرفون عنه ، ولا يبقى منه إلاّ اسمه ، وذلك أسوأ الأزمان وأكثرها قتاما.

٣ ـ قال عليه‌السلام :

« يأتي على النّاس زمان عضوض (٢) ، يعضّ الموسر فيه على ما في يديه ولم يؤمر بذلك ، قال الله سبحانه ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) . تنهد فيه الأشرار ، وتستذلّ الأخيار ، ويبايع المضطرّون ، وقد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع المضطرّين » (٣) .

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الملاحم والمغيّبات التي أدلى بها الإمام عليه‌السلام ، وقد تحقّقت على مسرح الحياة ، وبها نطوي الحديث عن هذا الكتاب الذي هو جزء من موسوعة حياته.

__________________

(١) نهج البلاغة ـ قصار الحكم ٤ : ١٨٣.

(٢) العضوض : الشديد.

(٣) نهج البلاغة ـ قصار الحكم ٤ : ٤٦١.

١٤٠

141

142

143