الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154424 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الفصل الخامس:

خطة المتوكل لإبادة أهل البيت (ع) وشيعتهم

كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « ٧ / ٥٦ »: « وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء: المأمون، والمعتصم، والواثق، في محبة علي وأهل بيته!

وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي، منهم علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي، وعمر بن فرج الرخجي، وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة.

وكانوا يخوفونه من العلويين، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم، والإساءة إليهم. ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان، فغطت هذه السيئة جميع حسناته، وكان من أحسن الناس سيرة، ومنع الناس من القول بخلق القرآن، إلى غير ذلك من المحاسن ».

وهذا وغيره يدل على أن سياسة المتوكل في بغض أهل البيت (ع) لم تكن عابرة، بل كانت عن عمد وإصرار، وتخطيط!

١٠١

أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز!

قال أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥: « واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البِرِّ بهم، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ، إلا أنهكه عقوبةً وأثقله غُرْماً! حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر!

إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثرمخالفة أبيه في جميع أحواله، ومضادة مذهبه ».

أقول: لاحظ الإنحطاط الذي وصل اليه عمر الرخجي غلام المتوكل، حيث حبس آل الرسول (ص) في المدينة، ومنع من يحتاج منهم الى الطعام والشر ـ اب أن يطلب مساعدة أحد، ثم كان يعاقب من يساعده بعقاب شديد وغرامة كبيرة!

وهو بذلك يتعمد إفقارهم وإذلالهم ليموتوا جوعاً!

وقد دفع ذلك عدداً منهم الى الثورة في هذا البلد وذاك، لأن المسلمين يثقون بهم ولا يثقون بالعباسيين، ومنهم من يبذل نصرته ودمه للعلويين.

ومعنى: كان القميص بين عدد من العلويات أنه قد يوجد مجموعة نساء في بيت، ليس عندهن ثياب وافية للصلاة بعددهن، فيتبادلن الثوب للصلاة فتصلي فيه واحدة بعد الأخرى، ثم يجلسن للعمل بثيابهن غير الساترة!

١٠٢

قال البيومي في الإمامة وأهل البيت « ٣ / ١٩٣ »: « وهكذا شرَّع من يسمونه أمير المؤمنين المتوكل على الله، أن تقبع العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات، يتبادلن القميص المرقع عند الصلاة، وأن تختال الفاجرات العاهرات بالحلي وحلل الديباج، بين الإماء والعبيد ».

اضطهد المتوكل الشيعة في مصر

في البيان للمقريزي « ١ / ٣٩ »: « ظلت مصر ملجأً آمناَ لآل علي بن أبي طالب إلى أن جاء زمن المتوكل العباسي، وكان يبغض العلويين، فأمر واليه في مصر بإخراج آل علي بن أبي طالب منها، فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام ٢٣٦، ثم نقلوا إلى المدينة في العام نفسه، واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ».

وقال البلاذري في أنساب الأشراف: ٣ / ١٣٧، ونحوه الطبري: ٦ / ٤١٦: « كان إدريس بن عبد الله بن حسن في وقعة فخ مع الحسين بن علي، فهرب في خلافة الهادي إلى مصر، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن منصور، الذي يعرف بالمسكين، وكان واضح يتشيع، فحمله على البريد إلى المغرب ».

وفي المواعظ للمقريزي « ٤ / ١٥٩ »: « ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق، فأخرجهم إسحاق بن يحيى الختلي أمير مصر، وفرق فيهم الأموال ليتجملوا بها، وأعطى كل رجل ثلاثين ديناراً، والمرأة خمسة عشر ديناراً، فخرجوا لعشر خلون من رجب سنة ست وثلاثين ومائتين، وقدموا العراق فأخرجوا إلى المدينة في شوال منها، واستتر من كان

١٠٣

بمصر على رأي العلوية، حتى أن يزيد بن عبد الله أمير مصر ضرب رجلاً من الجند في شئ وجب عليه، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه، فزاده ثلاثين درة « ضربة » ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكل، فورد الكتاب على يزيد بضرب ذلك الجندي مائة سوط، فضربها، وحمل بعد ذلك إلى العراق في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين!

وتتبع يزيد الروافض فحملهم إلى العراق، ودل في شعبان على رجل يقال له محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه بويع له، فأحرق الموضع الذي كان به وأخذه فأقر على جمع من الناس بايعوه، فضرب بعضهم بالسياط، وأخرج العلوي هو وجمع من آل أبي طالب، إلى العراق في شهر رمضان. ومات المتوكل في شوال ».

وفي النجوم الزاهرة « ٢ / ٣٠٩ »: « يزيد بن عبد الله بن دينار « والي مصرسنة ٢٤٢ » تتبع الروافض بمصر وأبادهم، وعاقبهم، وامتحنهم، وقمع أكابرهم، وحمل منهم جماعة إلى العراق على أقبح وجه. ثم التفت إلى العلويين فجرت عليهم منه شدائد من الضيق عليهم، وأخرجهم من مصر ».

واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج

في تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٨٥ »: « وسخط على عمر بن فرج الرخجي وعلى أخيه محمد، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك، فوجه كتاباً في حمله، وقبضت

١٠٤

أموالهما، وكان ذلك في سنة ٢٣٣، وكان عمر محبوساً ببغداد، ومحمد محبوساً بسر من رأى، فأقاما سنتين ».

وقال الطبري « ٧ / ٣٤٧ »: « فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فحبس عنده وكتب في قبض ضياعه وأمواله وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار، ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من المتاع ستة عشر بعيراً فرشاً، ومن الجوهر قيمة أربعين ألف دينار ».

أقول: كان محمد بن الفرج (رحمه الله) عالماً تقياً مؤلفاً، ويظهر أن سبب قبوله ولاية مصر أن المتوكل جعل ولايتها لابنه المنتصر فولاه عليها.

ولا بد أن يكون محمد استأذن الإمام الهادي (ع) لأنه ملتزم بطاعته، ومكانته عنده جليلة، وقد أرسل اليه ينبهه الى الإستعداد لغضب المتوكل!

ففي الكافي « ١ / ٥٠٠ » عن النوفلي قال: « قال لي محمد بن الفرج: إن أبا الحسن (ع) كتب إليه: يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما كتب إلي حتى ورد عليَّ رسولٌ حملني من مصر مقيداً، وضَرَبَ على كل ما أملك « صادره »! وكنت في السجن ثمان سنين.

ثم ورد عليَّ منه (ع) في السجن كتاب فيه: يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. فقرأت الكتاب فقلت: يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن، إن هذا لعجب! فما مكثت أن خُلِّيَ عني، والحمد لله ».

١٠٥

وفي الإرشاد « ٢ / ٣٠٤ »: « وروى أحمد بن عيسى قال: أخبرني أبويعقوب قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا، وقد استقبل أبا الحسن (ع) فنظر إليه نظراً شافياً، فاعتل محمد بن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائداً بعد أيام من علته، فحدثني أن أبا الحسن (ع) قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه، قال: فكُفِّنَ فيه والله ».

أقول: ترجمنا لمحمد رضي الله عنه في سيرة الجواد (ع) وكان من كبار أصحاب الأئمة (ع). وأخوه عمر من أشد النواصب، وعلاقتهما مع ذلك جيدة!

واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر

روت مصادر التاريخ أن المتوكل أمر بإهانة قاضي قضاة مصر: أبي بكر محمد بن أبي الليث، بحجة أنه أكل أموال الناس، والسبب أمر آخر!

ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي « ١ / ٢٥٣ »: « وفي سنة سبع وثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر أبي بكر محمد بن أبي الليث، وأن يضربه ويطوف به على حمار! ففعل ونعمَ ما فعل، فإنه كان ظالماً من رؤوس الجهمية، وولي القضاء بدله الحارث بن مسكين من أصحاب مالك وبعد تمنُّع، وأهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد المظالم إلى أهلها ».

لكن الظاهر خلافاً للسيوطي أن سبب عزله أنه حكم لخصم وكيل أم المتوكل، وحكم بوراثة أبناء البنات، فنقم عليه المتوكل، لأنه يجب أن يحكم دائماً لوكلاء الخليفة ومن يتعلق به! ويجب أن يحكم بوراثة العم والعصبة، لأن العباسيين

١٠٦

يعتبرون الحكم بوراثة أبناء البنات حكماً بوراثة الحسن والحسين (ع) لخلافة النبي (ص) دون عمه العباس، ولذلك يحكمون بوراثة العشيرة!

قال ابن حجر في كتابه: رفع الإصر عن قضاة مصر « ١ / ١٢١ »: « خوصم إلى الحارث في دار من دور السيدة أم الخليفة فحكم على وكيلها، فأخرج الدار من يده ودفعها للخصم، فكتب بذلك الوكيل إلى العراق، فجاء كتاب الفضل بن مروان إلى أمير مصر ينكر على الحارث ذلك ويقول في كتابه: إن الحارث لم يزل معروفاً بالإنحراف عن السلطان والمباعدة لأسبابه، فتُكلمه أن مقام وكلاء جهة أمير المؤمنين في ضياعها ودورها ومستغلاتها بمصر، مقامُ من يحوطها.

ويأمرُ برد الدار التي كانت في أيديهم لهم، كما كانت قبل حكمه فيها، وترك النظر في شئ مما في أيدي وكلائها بما يوهن أمرهم!

وتأمره بالتقدم إلى الحارث، بعدم التعرض إلى النظر في شئ يتعلق بأمير المؤمنين وبمنعه من ذلك إن حاوله. وكتب في ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين.

ولم يزل الحارث على طريقته حتى حكم في دار الفيل، وهي دار أبي عثيم مولى مسلمة بن مخلد، وكان تحبيسها في سنة ثلاث وتسعين. وأصل ذلك أن جماعة من قضاة مصر منهم توبة والفضل بن فضالة والعمري وهارون الزهري أخرجوا وتاجاً مولى أبي عثيم من الحبس « الوقف » لأن صاحب الحبس لم يسمه في كتاب تحبيسه. ثم آل الاستحقاق إلى محمد بن ناصح مولى أبي عثيم، وإلى عزة بنت عمرو بن رافع مولى ابن عثيم، فتوفيت عزة وتركت ولدها إبراهيم بن عبد

١٠٧

الصمد المعروف بابن السائح، فخاصمهم فيها فأخرجهم الزهري، وحكم بإخراج بني البنات من العقب.

فلما ولي محمد بن أبي الليث فسخ حكم الزهري ودفع نصيبها إلى بني السائح. فلما ولي الحارث بن مسكين فسخ حكم ابن أبي الليث، وأخرج بني السائح فخرج إسحاق بن إبراهيم بن عبد الصمد بن السائح، إلى العراق فتظلم من الحارث ورفع قصته إلى المتوكل، فأمر بإحضار الفقهاء فحضروا، واتفقوا على تخطئة الحارث في الحكم المذكور، وتناولوه بألسنتهم!

وكان الفقهاء الذين نظروا في قضية الحارث على رأي الكوفيين، وحكم الحارث إنما هوعلى رأي المدنيين، وبلغ ذلك الحارث ما جرى هناك من ذكره، فخشي من العزل، فبادر بكتاب إلى العراق يستعفي، فصادف وصول كتابه عقب أمر المتوكل بعزله، فكتب إليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قاضي العراق: إن كتابك وصل باستعفائكم فأنهيت كتابك إلى أمير المؤمنين وأنك تستعفي مما تقلدته من القضاء، فأمر أيده الله بإجابتك إلى ذلك وإعفائك إسعافاً لك فيما سألت، وتفضلاً بما أدى إلى موافقة فراقك في العمل بحسب ذلك موفقاً. وكتب المتوكل إلى أمير مصر يزيد بن عبد الله بن الأغلب بالنظر في قضية ابن السائح، فجمع أهل البلد من الفقهاء والشيوخ، وكان ورود الكتاب عليه بالصرف في يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين ».

١٠٨

أقول: العجب من بعض الرواة كالذهبي والسيوطي، حيث ذموا الحارث بن أبي الليث وجعلوه جهمياً، ظالماً آكلاً أموال الناس، وإنما ذنبه أنه خالف هوى المتوكل في بعض أحكامه، فغضب عليه المتوكل، وقلده الرواة!

قال الذهبي في سيره « ٩ / ٤٤٦ » : « وبعث المتوكل إلى نائبه بمصر فحلق لحية قاضي القضاة محمد بن أبي الليث وضربه، وطوف به على حمار في رمضان وسجن، وكان ظلوماً جهمياً، ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين، فكان يضربه كل حين عشرين سوطاً ليؤدي ما وجب عليه، فإنا لله ».

وقال ابن حجر: « فكانوا يحضرون محمد بن أبي الليث كل يوم بين يدي الحارث، فيضربه عشرين سوطاً، ليخرج عما يجب عليه من الحقوق، فأقام على ذلك أياماً ثم أشير عليه بتركه. وقيل له إنه لا ينبغي للقاضي فعل ذلك لقبحه، فصرفه ».

وواصل المتوكل اضطهاد ابن أبي الليث، فصادر أمواله وأموال أقاربه، ولو كانت مهمة لذكروها. وحمله الى بغداد ومات فيها سنة ٢٥٥ . « تاريخ بغداد « ٢ / ٢٩١ ».

واضطهد أحد تجار بغداد

وذكر الطبري في تاريخه قصة وجيه في بغداد، قتله المتوكل بتهمة شتم الشيخين، والمرجح أنه كان معارضاً للمتوكل أومحباً لأهل البيت (ع)، فقد كانت قصته بعد غضب أهل بغداد لهدم قبر الحسين (ع) وكتابتهم شتم المتوكل على الجدران، فيظهر أن السلطة دبرت له هذه التهمة، وقتله الخليفة هذه القتلة!

١٠٩

قال الطبري « ٧ / ٣٧٥ »: « وفيها « سنة ٢٤١ » ضُرِب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم، صاحب خان عاصم ببغداد ضرب فيما قيل ألف سوط. وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضي الشرقية عليه، أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة، وسبعة عشر رجلاً، شهاداتهم فيما ذكر مختلفة من هذا النحو، فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل، فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط، فإذا مات رمى به في دجلة، ولم تدفع جيفته إلى أهله! فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى:

بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله وحفظك، وأتم نعمته عليك. وصل كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات، وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنهم وإكفارهم ورميهم بالكبائر، ونسبتهم إلى النفاق وغير ذلك، مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وتثبتك في أمر أولئك الشهود، وما شهدوا به، وما صح عندك من عدالة من عُدِّل منهم، ووضح لك من الأمر فيما شهدوا به، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك، فعرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك، فأمر بالكتاب إلى أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله، بما قد نفذ إليه مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله وإحياء سنته، والإنتقام ممن ألحد فيه، وأن يضرب الرجل حداً في مجمع الناس

١١٠

حد الشتم، وخمس مائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها، فإن مات ألقيَ في الماء من غير صلاة، ليكون ذلك ناهياً لكل ملحد في الدين خارج من جماعة المسلمين، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم هذا، قد قال بعضهم: إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم، لما ضُرب تُرك في الشمس حتى مات ثم رُمِيَ به في دجلة ».

أقول: آل عاصم عائلة كوفية من بني ضبة، سكن بعضهم في بغداد، وفيهم من أصحاب الأئمة (ع)، وعرف منهم العاصمي وكيل الإمام المهدي (ع).

وقد يكون منهم هذا الشهيد ابن عاصم، الذي قتله المتوكل بافتراء عليه، فقد ترجم علماؤنا لعدة رجال من آل عاصم.

قال الشيخ في الفهرست / ٧٣: « أحمد بن محمد بن عاصم، أبو عبد الله، وهو ابن أخي علي بن عاصم المحدث، ويقال له العاصمي، ثقة في الحديث سالم الجنبة، أصله الكوفة سكن بغداد، وروى عن شيوخ الكوفيين. وله كتب ».

وروى الحاكم في المستدرك « ٣ / ٣٩٤ »: « حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عاصم بن بلال الضبي الشهيد، ثنا أحمد بن محمد بن علي بن رزين، ثنا علي بن خشرم، ثنا أبو مخلد عطاء بن مسلم، ثنا الأعمش، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه ». لكن وصف الشهيد قد يكون لشخص في السند لا يوافق قتله زمن المتوكل. وكذا قول الحاكم في « ٣ / ٤٦٥ »:

١١١

« فحدثنيه أبو عبد الله، محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عاصم الشهيد، رضي الله عنه ». ولذلك نتوقف فيه.

نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « ١ / ٣٥١ »: « كان بالدينور « غرب إيران من جهة العراق » شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة، وكان له أصحاب يجتمعون إليه ويأخذون عنه ويدرسون عنده، يقال له: بشر الجعاب، فرفع صاحب الخبر بالدينور الى المتوكل أن بالدينور رجلاً رافضياً يحضره جماعة من الرافضة ويتدارسون الرفض، ويسبون الصحابة ويشتمون السلف.

فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد الله بن يحيى بالكتاب إلى عامله على الدينور بإشخاص بشر هذا، والفرقة التي تجالسه. فكتب عبيد الله بن يحيى بذلك، فلما وصل إلى العامل كتابه، وكان صديقاً لبشر الجعاب حسن المصافاة له شديد الإشفاق عليه، همَّهُ ذلك وشقَّ عليه، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب به في أمره، وأمر أصحابه فقال له بشر: عندي في هذا رأيٌ إن استعملته كنت غير مستبطأ فيما أُمرت به، وكنت بمنجاة مما أنت خائف عليَّ منه.

قال: وما هو؟ قال: بالدينور شيخ خفاف إسمه بشر، ومن الممكن المتيسر أن تجعل مكان الجعاب الخفاف، وليس بمحفوظ عنده ما نسبت إليه من الحرفة والصناعة، فَسُرَّ العامل بقوله وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير استواء خطها وانبساطه، ووصل الباء بما صارت به فاء، فكان أخبره عن بشر

١١٢

الخفاف أنه أبله في غاية البله والغفلة، وأنه هزأة عند أهل بلده وضحكة! وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ما طلوه بدينه ولَوَوْهُ بحقه، واعتلوا بأنواع الباطل عليه، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه وابتدروا يعدونه الوفاء، ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم إليهم، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها ما يريدونه، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة، وحملوه على ما تقدم من السنة، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته!

فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم، والإقبال عليه بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة، ساكناً إلى أنه من ركاكته وفهاهته بما يضحك الحاضرين، ويحسم الإشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه الثلاثة.

فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم فأمر أن يجَلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم، وأمر فعلق بينه وبينهم سلبية، ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده، ففعل ذلك.

١١٣

وجلس عبيد الله واستدعى المحضرين فقُدِّموا إليه يَقْدَمُهم بشر الخفاف، فلما جلسوا أقبل عبيد الله على بشر فقال له: أنت بشر الخفاف؟ فقال: نعم. فسكنت نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة وإتمام هذه المدالسة، وجواز هذه المغالطة، فقال له: إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شئ أنكره، فأمر بالكشف عنه وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته، فقال له بشر: نحن حاضرون فما الذي تأمرنا به؟ قال: بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع إليك قوم فيخوضون معك في الترفض وشتم الصحابة، فقال بشر: ما أعرف من هذا شيئاً. قال: قد أمرت بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم، فقال: ما تقول في السلف؟ فقال: لعن الله السلف. فقال له عبيد الله: ويلك أتدري ما تقول! قال: نعم، لعن الله السلف! فخرج خادم من بين يدي المتوكل فقال لعبيد الله: يقول لك أمير المؤمنين سله الثالثة، فإن أقام على هذا فاضرب عنقه، فقال له: إني سائلك هذه المرة فإن لم تتب وترجع عما قلت أمرت بقتلك، فما تقول الآن في السلف؟ فقال: لعن الله السلف قد خَرَّبَ بيتي وأبطل معيشتي، وأتلف مالي، وأفقرني، وأهلك عيالي!

قال: وكيف؟ قال: أنا رجل أسلف الأَكَرة وأهل الدستان الخفاف والتمسكات على أن يوفوني الثمن مما يحصل من غلاتهم، فأصير إليهم عند حصول الغلة في بيادرهم، فإذا أحرزوا الغلات دفعوني عن حقي، وامتنعوا من توفيتي مالي.

ثم يعودون عند دخول الشتاء فيعتذرون إلي ويحلفون بالله لا يعاودون مطلي وظلمي، فإنهم يؤدون إلي المتقدم والمتأخر من مالي، فأجيبهم إلى ما يلتمسونه

١١٤

وأعطيهم ما يطلبونه، فإذا جاء وقت الغلة عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من ظلمي وكسر مالي، فقد اختلَّت حالي، وافتقرت عيالي!

قال: فسمع ضحك عال من وراء السبيبة، وخرج الخادم فقال: إستحلل هؤلاء القوم وخل سبيلهم! فقالوا: يا أمير المؤمنين في حل وسعة، فصرفهم، فلما توسطوا صحن الدار قال بعض الحاضرين: هؤلاء قوم مجانٌّ محتالون، وصاحب الخبر مسقط لا يكتب إلا بما يعلمه ويثق بصحته، وينبغي أن يستقصي الفحص عن هذا والنظر فيه، فأمر بردهم فلما أمروا بالرجوع قال بعض الجماعة التابعة لبعض: ليس هذا من ذلك الذي تقدم، فينبغي أن نتولى الكلام نحن ونسلك طريق الجد والديانة، فرجعوا فأمروا بالجلوس، ثم أقبل عبيد الله على القوم فقال: إن الذي كتب في أمركم ليس ممن تقدم على الكتب بما لا يقبله علماً ويحيط به خبراً، وقد أخذ أمير المؤمنين باستئناف امتحانكم وإنعام التفتيش عن أمركم.

فقالوا: إفعل ما أمرت به، فقال: من خير الناس بعد رسول الله؟ قلنا: علي بن أبي طالب، فقال الخادم بين يديه: قد سمعت ما قالوا، فأخبر أمير المؤمنين به، فمضى ثم عاد فقال: يقول لكم أمير المؤمنين هذا مذهبي. فقلنا: الحمد لله الذي وفق أمير المؤمنين في دينه، ووفقنا لاتباعه وموافقته على مذهبه.

ثم قال لهم: ما تقولون في أبي بكر رضي الله عنه؟ فقالوا رحمة الله على أبي بكر نقول فيه خيراً، قال فما تقولون في عمر؟ قلنا: رحمة الله عليه ولا نحبه. قال: ولمَ؟ قلنا: لأنه أخرج مولانا العباس من الشورى. قال فسمعنا من وراء السبيبة

١١٥

ضحكاً أعلى من الضحك الأول، ثم أتى الخادم فقال لعبيد الله عن المتوكل أتبعهم صلة، فقد لزمتهم في طريقهم مؤونة واصرفهم، فقالوا: نحن في غنى وفي المسلمين من هوأحق بهذه الصلة وإليها أحوج. وانصرفوا ».

أقول: هذا يدل على نهاية نصب المتوكل، بحيث إذا جاءه خبر عن شيخ له جماعة يدرسون عنده ويتبعون مذهب أهل البيت (ع)، يبادر الى البطش بهم!

كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد!

ذكرنا في سيرة الإمام الكاظم (ع) أن مسجد براثا أسسه أمير المؤمنين (ع) في عودته من حرب الخوارج سنة ٣٨، وأنه كان مركزاً للشيعة قبل تأسيس بغداد، وكانت الكرخ بلدة فيها شيعة. ثم أسس المنصور بغداد بين براثا والكرخ.

قال في معجم البلدان: ١ / ٣٦٢: « بُرَاثا: بالثاء المثلثة والقصر: محلةٌ كانت في طرف بغداد في قِبْلة الكرخ وجنوبي باب مُحَوِّل وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة ».

وفي أمالي الطوسي / ١٩٩، عن الإمام الباقر (ص) قال: « إن أمير المؤمنين (ص) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس: إنها الزوراء، فسيروا وجَنِّبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة، فلما أتى موضعاً من أرضها قال: ما هذه الأرض؟ قيل أرض بحرا، فقال: أرض سباخ، جنبوا ويَمِّنوا. فلما أتى يمنة السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له: يا راهب، أَنْزِلُ هاهنا؟ فقال له الراهب: لا تنزل هذه الأرض بجيشك. قال: ولمَ؟ قال: لأنه لا ينزلها إلا نبي أووصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله، هكذا نجد في كتبنا.

١١٦

فقال له أمير المؤمنين: فأنا وصي سيد الأنبياء (ص) وسيدُ الأوصياء. فقال له الراهب: فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد؟ قال له أمير المؤمنين: أنا ذلك. فنزل الراهب إليه فقال: خذ عليَّ شرائع الإسلام، إني وجدت في الإنجيل نعتك وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى (ص)! فقال أمير المؤمنين (ص): قف ولا تخبرنا بشئ ثم أتى موضعاً فقال: إلكزوا هذه، فلكزه برجله (ص) فانبجست عين خرارة، فقال: هذه عين مريم التي انبعثت لها!

ثم قال: إكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال علي (ص): على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا! فنصب أمير المؤمنين (ص) الصخرة وصلى إليها، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دَعْوِة « مسافة قريبة » ثم قال: أرض براثا، هذا بيت مريم (ع) هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء (ع) »!

وفي مناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٠٠: « قال أمير المؤمنين: فاجلس يا حُبَاب، قال: وهذه دلالةٌ أخرى، ثم قال: فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير مسجداً، فبنى حباب الدير مسجداً، ولحق أمير المؤمنين (ص) إلى الكوفة، فلم يزل بها مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين (ص)، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا ».

ومن ذلك اليوم والى عصرنا الحاضر، صار مسجد براثا مركزاً علمياً وعبادياً واجتماعياً للشيعة، ومَعْلَماً من معالم بغداد.

١١٧

وقد شهد في العصور المختلفة حملات وحشية من السلطة، ومن الحنابلة المتطرفين الذين أسس حزبهم المتوكل.

وتقدم أن ابن عقدة (رحمه الله) كان يأتي من الكوفة الى بغداد، فيملي أحاديثه على المسلمين في مسجد براثا. وأن النواصب أتباع المتوكل اعتدوا عليه وحبسوه!

وقد شهدت بغداد ومسجد براثا خاصة أنواعاً من اضطهاد السلطة للشيعة.

قال ابن طاووس في الملاحم والفتن / ٢٦٠: « قال السليلي مصنف الكتاب: فرأيت مسجد براثا وقد هدمه الحنبليون، وحفروا قبوراً فيه، وأخذوا أقواماً قد حفر لهم قبور فغلبوا أهل البيت ودفنوهم فيه، إرادةَ تعطيل المسجد وتصييره مقبرة، وكان فيه نخل فقطع، وأحرق جذوعه وسقوفه! وذلك في سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة , فعطل من سنته الحج، وقد كان خرج سليمان بن الحسن يعني القرمطي في أول هذه السنة، فقطع على الحاج وقتلهم وعطل الحاج، ووقع الثلج ببغداد فاحترق نخلهم من البرد فهلك. فأخبرني مولاي ناقد أن أبا عمرو قاضي بغداد قال له: احترق لي بقرية على ثلاث فراسخ ببغداد يقال لها صرصر مائة ألف نخلة. قال السليلي: فأي شأن أحسن، وأي أمر أوضح من هذا ».

أقول: ما تقدم إنما هو نماذج من ظلم المتوكل للشيعة في البلاد، فتصور!

١١٨

الفصل السادس:

هدم المتوكل قبر الإمام الحسين (ع)

عقدة المتوكل من الإمام الحسين (ع) وزواره

١. في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥: « وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره، يسئ الرأي فيهم، فحسَّن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله. وكان من ذلك أن كَرَبَ قبر الحسين (ع) وعَفَّى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به، فقتله، أوأنهكه عقوبة!

فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء وقد شاهد ذلك، قال: كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة، وكانت قد زارت قبر الحسين (ع) وبلغها خبره، فأسرعت الرجوع، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان، فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت: إلى قبر الحسين. فاستطير غضباً وأمر بمولاتها فحبست، واستصفى أملاكها.

١١٩

وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه، وإخراب كل ما حوله، فمضى ذلك وخرب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله، نحومائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه! وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه.

فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل، حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا، حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط شيئاً من الطيب!

فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشئ من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة، حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات، وأعدناه إلى ما كان عليه ».

أقول: الأشناني المذكور من أعلام العامة، فهو يدل على التأثير الواسع لهدم قبر الحسين (ع) على السنة أيضاً، وقد كان عمر الأشناني يومها خمس عشرة سنة.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضراً ، فإنّه إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك الجميعَ ، وليس له أخذ نصيبه ؛ لما فيه من تضرّر المشتري.

فإن أخذ الجميعَ ثمّ قدم ثانٍ ، أخذ منه النصفَ ؛ لأنّه لا شفيع الآن غيرهما ، ووجدت المطالبة منهما دون الثالث ، فكانت الشفعة بينهما ، فإن قدم الثالث ، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء ، فإن عفا الثاني ، استقرّ على الأوّل ، وإن عفا الثالث ، استقرّ عليهما.

ولو كان للشقص غلّة حصلت في يد الأوّل ، لم يشاركه الثاني فيها ؛ لأنّه مَلَك الجميعَ بالأخذ ، وقد حصل النماء في ملكه ، فكانت كما لو انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.

وكذا إن أخذ الثاني وحصلت الغلّة في يده ، لم يشاركه الثالث فيها.

ولو خرج الشقص مستحقّاً ، قال أكثر الشافعيّة : إنّ العهدة على المشتري يرجع الثلاثة عليه ، ولا يرجع أحدهم على الآخَر ؛ لأنّ الشفعة [ ليست ](١) مستحقّة عليهم(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : يرجع الثاني على الأوّل ، والثالث يرجع عليهما ، والأوّل يرجع على المشتري ، لأنّ الثاني أخذ من الأوّل ودفع الثمن إليه(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من اجرة ونقص قيمة الشقص ، فأمّا الثمن فكلّ يستردّ ما سلّمه ممّن سلّمه إليه‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٥ - ١٨٦.

٣٤١

بلا خلاف(١) . وهو المعتمد.

مسالة ٨٠٣ : لو قال الأوّل : لا آخذ الجميعَ وإنّما أنتظر مجي‌ء الشركاء ليأخذوا أو يعفوا‌ ، فالأقرب : عدم سقوط شفعته بذلك ، لأنّ له غرضاً في الترك ، وهو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ويحتاج إلى ثمن كثير ربما لا يقدر عليه في تلك الحال ، ومع ذلك يؤدّي حاله إلى عدم التمكّن من العمارة على ما يريده ، وربما انتزع منه فيضيع تعبه ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّه تسقط شفعته ؛ لأنّه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت(٢) .

وليس بجيّد ؛ لعدم تمكّنه من أخذ حقٍّ لا ينازعه فيه غيره.

ولو قال الثاني : لا آخذ النصف ، بل الثلث خاصّةً لئلّا يحضر الثالث فيأخذ منّي ، فله ذلك ؛ لأنّه يأخذ دون حقّه ، بخلاف الأوّل ؛ لأنّ أخذه لبعض الشقص تبعيض للشقص على المشتري ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

ويُشكل بأنّه يريد أن يأخذ بعض ما يخصّه ، وليس لأحد الشفيعين أن يأخذ بعض ما يخصّه. فإن أخذ الثلث إمّا على هذا الوجه أو بالتراضي ، وهو سهمان من ستّة ، ثمّ قدم الثالث ، فله أن يأخذ من الأوّل نصف ما في يده ، فإن أخذه ، فلا كلام. وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فله ذلك ؛ لأنّ حقّه ثابت في كلّ جزء.

ثمّ له أن يقول للأوّل : ضمّ ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٤ :١٨٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

٣٤٢

لأنّا متساويان.

وتصحّ المسألة من ثمانية عشر ؛ لأنّا نحتاج إلى عددٍ لثُلْثه ثُلْث ، وهو تسعة ، مع الثاني - منها - ثلاثة ، ومع الأوّل ستّة ، فيأخذ الثالث من الثاني(١) واحداً ويضمّه إلى ما مع الأوّل وهو ستّة ، فلا تنقسم ، فنضرب(٢) اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة ، تبقى أربعة عشر ، للأوّل والثالث نصفين ، وهذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار ، فتكون جملتها اثنين وسبعين - قال بعض الشافعيّة : لمـّا ترك الثاني سدساً للأوّل صار عافياً عن بعض حقّه ، فيبطل جميع حقّه على الأصحّ ، كما سبق ، فينبغي أن يسقط حقّ الثاني كلّه ، ويكون الشقص بين الأوّل والثالث(٣) - فكأنّ الثالث يقول للأوّل : نحن سواء في الاستحقاق ، ولم يترك واحد منّا شيئا من حقّه ، فنجمع ما معنا ونقسمه ، بخلاف الثاني ، لأنّه ترك شيئا من حقّه. ولأنّه لمـّا قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، وذلك ثلثا سهم ، ولا يسقط حقّه بما تركه في يد الأوّل ، ثمّ يضمّ ما معه إلى ما في يد الأوّل ، وهو أربعة أسهم ، فيكون أربعة أسهم وثلثي سهم يقتسمانها نصفين ، لأنّه يطالب الأوّل بثلث نصيبه ، وهو سهم من ثلاثة وثلث السهم الذي تركه الثاني ، لأنّه لو أخذه لأخذ ثلثه ، ويبقى ثلثا هذا السهم تركه الثاني ، وسقط حقّه عنه ، فيقتسمانه بينهما ، فيحصل له ذلك من أربع جهات ، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما ، وهو ربع ما بيده ، وضمّه إلى ما في يد الأوّل والثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكلّ واحد‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيأخذ الثاني من الثالث ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نضرب ». والأنسب ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

٣٤٣

خمسة.

مسالة ٨٠٤ : لو أخذ الأوّل الشقص بالشفعة ثمّ وجد به عيباً فردّه ثمّ قدم الثاني ، كان له أخذ جميع الشقص - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الشفيع فسخ تملّكه ، ورجع إلى المشتري بالسبب الأوّل ، فكان للشفيع الآخَر أن يأخذه ، كما لو عفا.

وقال محمد بن الحسن الشيباني : إنّه لا يأخذ إلّا حصّته ؛ لأنّ الأوّل لم يعف عن الشفعة ، وإنّما ردّ ذلك لأجل العيب ، فلم يتوفّر نصيبه على الآخَر ، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسببٍ آخَر(٢) .

والفرق بين صورة النزاع وبين عوده بسببٍ آخَر ثابت ؛ لأنّه عاد غير الملك الأوّل الذي تعلّقت به الشفعة.

مسالة ٨٠٥ : لو حضر اثنان وأخذا الشقص واقتسماه‌ ، كان للثالث بعد حضوره نقض القسمة ، والمطالبة بحصّته من الشفعة ، وله أن يأخذ من كلّ واحدٍ منهما ثلث ما في يده ، وتبقى القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان بذلك ، وإلّا فلكلٍّ منهما الفسخ ؛ لأنّه إنّما رضي بأخذ الجميع ، والقسمة لم تقع فاسدةً في نفسها ، بل وقعت صحيحةً ، وتعقَّبها البطلان المتجدّد ، فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه ، كان له الفسخ.

ولو قدم الثالث وأحد الشريكين كان غائباً ، فإن قضى له القاضي على الغائب ، أخذ من الحاضر الثلث ، ومن الغائب الثلث. وإن لم يقض ، أخذ من الحاضر الثلث ؛ لأنّه قدر ما يستحقّه ممّا في يده ، وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٦.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦.

٣٤٤

الشافعيّة ، والثاني : النصف ؛ لأنّ أحدهما إذا كان غائباً ، صار كأنّهما الشفيعان ، فيقتسمان بينهما بالسويّة(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن حضر الغائب وغاب هذا الحاضر ، فإن كان أخذ من الحاضر ثلث ما في يده ، أخذ من الذي كان غائباً وحضر ثلثَ ما في يده أيضاً(٢) . وإن كان قد أخذ من الحاضر النصفَ ممّا في يده ، أخذ من هذا سدس ما في يده ، فيتمّ بذلك نصيبه ، ويكون ذلك من ثمانية وأربعين ، والمبيع اثنا عشر أخذ ستّةً.

مسالة ٨٠٦ : لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصاً‌ ، فقال الشفيع : أنا آخذ ما باع فلان وأترك ما باع فلان الآخر ، كان له ذلك ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) ، وقد سلف(٥) .

ولو باع واحد من اثنين ، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما ، دون الآخر - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّهما مشتريان ، فجاز(٧) للشفيع أخذ نصيب أحدهما.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٢) كلمة « أيضاً » لم ترد في « س » والطبعة الحجريّة.

(٣) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، المغني ٥ : ٥٣٠.

(٥) راجع ص ٣٧ ، المسألة ٥٦٣.

(٦) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧ ، المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨.

(٧) في الطبعة الحجريّة : « فكان » بدل « فجاز ».

٣٤٥

وقال أبو حنيفة : يجوز بعد القبض ، ولا يجوز قبله في إحدى الروايتين ، لأنّه قبل القبض يكون تبعيضاً للصفقة على البائع(١) ؛ بناءً على أصله في أنّه يأخذ المبيع منه.

وهو ممنوع ، على أنّ الباقي يأخذه المشتري والآخَر ، وليس تبعيضاً.

وكذا لو باع اثنان من واحد ، فإنّ للشفيع أن يأخذ الحصّتين أو حصّة أحدهما دون الآخَر ؛ لما تقدّم ، خلافاً لأبي حنيفة ولمالك(٢) .

ولو باع الشريكان من اثنين ، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود ، وللشفيع أخذ الكلّ أو ما شاء منهما إمّا ثلاثة أرباعه ، وهو نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخَر ، أو يأخذ نصف الجملة إمّا بأن يأخذ نصيب أحدهما أو نصف نصيب كلّ واحد ، أو يأخذ ربع الجملة ، وهو نصف نصيب أحدهما.

مسالة ٨٠٧ : لو باع أحد الشريكين بعض(٣) نصيبه من رجل ثمّ باع منه الباقي ثمّ علم شريكه ، كان له أن يأخذ المبيع أوّلاً خاصّةً ، أو ثانياً خاصّةً ، أو هُما معاً بالشفعة ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكمَ نفسه ، فإن عفا عن الأوّل وأراد أخذ الثاني ، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأوّل ؛ لأنّ ملكه على الأوّل لم يستقرّ ؛ لأنّ للشفيع أخذه ، فلا يستحقّ به شفعته ، كما لو ارتهن بعضه واشترى الباقي ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : ليس له أن يأخذ النصيبين معاً ، وإنّما له أن يأخذ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نصف » بدل « بعض ».

(٤) اُنظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

٣٤٦

الأوّل ونصف الثاني - وبه قال بعض الشافعيّة - لأنّ ملكه ثبت له على الأوّل ، فإذا اشترى الثاني ، كان شريكاً له بالنصف(١) .

مسالة ٨٠٨ : إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقةً واحدة‌ ، فإن عفا [ الشريك ](٢) عن أحدهم ، صحّ عفوه ، ولم يجز للمعفوّ عنه مشاركته في الشفعة على الآخَرَيْن ؛ لأنّ ملك المعفوّ عنه لم يسبق ملكهما ، وإنّما ملك الثلاثة دفعة واحدة ، وإنّما يستحقّ الشفعة بملكٍ سابق لملك المشتري.

فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود على الترتيب فعفا الشريك عن المشتري الأوّل ، وطلب من الآخرين ، كان للمشتري الأوّل مشاركته في شفعة الآخرَيْن ؛ لأنّ ملكه سابق لشرائهما.

وكذا إن عفا عن الأوّل والثاني ، شاركاه في حقّ الشفعة على الثالث.

ولو عفا عن الثاني خاصّةً ، كان له مشاركته في شفعة الثالث ، دون الأوّل.

ولو عفا عن الثالث خاصّة ، لم يكن له مشاركته في شفعة الأوّلين.

ولو عفا عن الثاني والثالث ، لم يشاركاه في شفعة الأوّل ، لأنّهما حين وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.

مسالة ٨٠٩ : لو وكّل أحد الشركاء الثلاثة ثانيَهم‌ ، فباع الوكيل نصيبه ونصيب مُوكِّله صفقةً واحدة ، كان للثالث الشفعةُ ، وليس للوكيل ولا للموكّل شفعة على الآخَر ؛ لعدم الأولويّة. ولأنّهما بائعان.

وهل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخَر؟ الأقوى ذلك ؛ لأنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٥ : ٥٣٣.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٣٤٧

المالك اثنان ، فهو كما لو تولّيا العقد ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : ليس له ؛ لأنّ العاقد واحد في الطرفين اعتباراً بالوكيل(١) .

ولو كانت الدار لاثنين فوكّل أحدهما الآخَر ببيع نصف نصيبه ، وجوّز له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقةً واحدة ، فباع كذلك ، وأراد الموكّل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحقّ النصف الباقي ، فله ذلك ؛ لأنّ الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكّل فيه - وهو ملكه - وعلى ما فيه شفعة - وهو ملك الوكيل - فأشبه مَنْ باع شقصين من دارين صفقةً واحدة.

فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الاُخرى ، فلكلٍّ أن يأخذ ما هو شريك فيه ، سواء وافقه الآخَر في الأخذ أو لا. وإن كان شفيعهما واحداً ، جاز له أخذ الجميع ، وأخذ أيّتهما شاء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

مسالة ٨١٠ : لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحدٍ ولكلّ واحد من الآخَرَيْن الربع‌ ، فقارض أحد هذين الرجلين الآخَرَ على ألف ، فاشترى العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف ، فلا شفعة هنا ؛ لأنّ البائع لا شفعة له فيما باع ، والشريك الآخَر ربّ المال ، والثالث هو العامل ، وربّ المال والعامل بمنزلة الشريكين في المبتاع ، فلا يستحقّ أحدهما على الآخَر شفعة فيما ابتاعه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

فإن باع الذي كان صاحب النصف الربعَ الذي بقي له من أجنبيّ ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٢ ، والمغني ٥ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٥٤٧.

٣٤٨

فالشقص للشفعة أثلاثاً ، الثلث بالربع الذي لربّ المال ، والثلث بالربع الذي للعامل ، والثلث لمال المضاربة وكان مال القراض بمنزلة شريكٍ آخَر ؛ لأنّ حكمه متميّز عن مال كلّ واحد منهما.

مسالة ٨١١ : لو اشترى بعيراً وشقصاً بعبد وجارية‌ ، وقيمة البعير والشقص مائتان كلّ واحد بمائة ، وكذا قيمة العبد مائة ، وقيمة الجارية مائة ، تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد والجارية.

فإن تلف البعير قبل القبض ، بطل فيه العقد ، ولا يبطل في الشقص ، وهو أحد قولي الشافعيّة(١) في طريق تفريق الصفقة ، فإن قلنا : يبطل ، بطل الكلّ وسقطت الشفعة. وإن قلنا : يصحّ في الشقص ، صحّ فيه بنصف العبد والجارية ، وأخذه الشفيع بقيمة ذلك.

وإن تلف العبد ، بطل العقد في نصف البعير ونصف الشقص ، وأخذ الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.

مسالة ٨١٢ : لو كانت الدار بين أربعة بالسويّة فاشترى اثنان منهم من واحد نصيبه وهو الربع ، استحقّ الذي لم يشتر عليهما الشفعة ، واستحقّ كلّ واحد من المشتريين ؛ لأنّه شريك ، فلا يسقط حقّه من الشفعة ، وتبسط الدار ثمانية وأربعين سهماً ، فالربع اثنا عشر ، وفيه أربع صُور :

أ - أن يطالب كلّ واحد بشفعة ، فيقتسمون المبيع أثلاثاً ، فيحصل لكلّ واحد أربعة.

ب - أن يعفو كلّ واحد من الشريكين عن صاحبه ، ويطالب الذي لم يشتر ، فإنّه يأخذ من كلّ واحد منهما نصف ما في يده ؛ لأنّه ممّا اشتراه‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٤٩

كلّ واحد شريكه في الشفعة ؛ إذ لا شفعة فيه إلّا لهما ، فيحصل للّذي لم يشتر نصفُ السهم ستّة ، ولكلّ واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.

ج - أن يعفو الذي لم يشتر خاصّة ، فكلّ واحد من المشتريين يأخذ من صاحبه ما في يده ، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكلّ واحد ستّة.

د - أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخَر ، فإنّه يأخذ ممّن لم يعف عنه سهمين ، وتبقى معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفوّ عنه سهمين ، ويأخذ الذي لم يعف عنه من المعفوّ عنه ثلاثة أسهم نصف ما في يده ؛ لأنّه لا شفيع في هذا السهم سواهما ، فيحصل مع كلّ واحد منهما خمسة ، ومع العافي سهمان.

البحث الثامن : في الحِيَل المسقطة للشفعة.

مسالة ٨١٣ : يجوز استعمال الحِيَل بالمباح مطلقاً عندنا وعند جماعة من العامّة ، خلافاً لأحمد بن حنبل(١) .

فإذا أراد أن يشتري الشقص ولا تلزمه شفعة ، أمكنه أن يشتريه بثمن مشاهد لا يعلمان قدره ولا قيمته إذا لم يكن من المكيلات والموزونات ، ثمّ يخرجه عن ملكه بتلفٍ أو غيره بحيث لا يتمكّن من العلم به وقت المطالبة بالشفعة ، فإذا طُولب بالشفعة وتعذّر عليه معرفة الثمن ، سقطت الشفعة ، فإن ادّعى الشفيع أنّ الثمن كان معلوماً وذكر قدره فأنكر المشتري ، قُدّم قول المشتري مع اليمين.

ولو كان الثمن مكيلاً أو موزوناً ، فقال المشتري : إنّه كان جزافاً أو كان‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥١١.

٣٥٠

معلوماً وقد نسيته ، لم يُسمع منه في الجزاف عندنا ، وطُولب بجوابٍ صحيح ، فإن أجاب وإلّا جُعل ناكلاً.

ومَنْ قال : إنّه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان صحيحاً؟ الأقرب عندي ذلك - وهو قول أكثر الشافعيّة(١) - لأنّ نسيان المشتري ممكن ، وقد يكون الثمن جزافاً عند مجوّزيه ، فإذا أمكن ، حلف عليه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يكون جواباً صحيحاً ، فيقال له : إمّا أن تجيب بجوابٍ صحيح ، وإلّا جعلناك ناكلاً ، ويحلف الشفيع ، كما لو ادّعى رجل على آخَر ألف درهم دَيْناً ، فقال : لا أعلم قدر دَيْنك ، لم يكن جواباً(٢) .

والفرق : أنّ المدّعي يدّعي عليه قدراً معيّناً ، وهو لا يجيب عنه لا بإقرارٍ ولا بإنكارٍ ، فلهذا جعلناه ناكلاً ، وفي مسألتنا قوله : « إنّ الثمن كان جزافاً ، أو : لا أذكره » إنكار للشفعة ؛ لأنّه إذا كان كذلك ، لا تجب الشفعة.

نعم ، لو قال : لا أدري لك شفعة أم لا ، كان كمسألة الدَّيْن.

ولأنّ الدَّيْن إن لم يعلمه مَنْ هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له ، فيجعل القول قوله مع يمينه ، وهنا هذا هو العاقد ، وإذا كان جزافاً أو لا يعلم ، فلا طريق للشفيع إلى معرفته.

مسالة ٨١٤ : لو أتلف المشتري الثمن المعيّن قبل القبض وكان قد قبض الشقص وباعه ، سقطت الشفعة ، وصحّ تصرّف المشتري ، وكان عليه قيمة الشقص للبائع.

____________________

(١و٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٥١

ولو أراد المتبايعان التوصّل إلى رغبة الشفيع عن الشفعة ، اشتراه بألف إذا كان يساوي مائةً ثمّ يبيعه بالألف سلعة تساوي مائةً ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، وجب عليه دفع الألف. وكذا إذا باعه سلعة تساوي مائةً بألفٍ ثمّ اشترى الشقص المساوي مائةً بألف ، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه ، أخذه بالألف.

وهذا يصحّ عندنا مطلقاً.

وعند الشافعي إنّما يصحّ إذا لم يشترط مشتري الشقص على بائعه أخذ السلعة بالثمن في العقد ، فإنّه متى شرط ذلك ، بطل العقد عنده ، ويحصل على المشتري بشراء ما يساوي مائة بألفٍ غررٌ(١) .

مسالة ٨١٥ : لو نُقل الشقص بهبةٍ أو صلح أو بجَعْله مالَ إجارة أو غيرها من العقود المغايرة للبيع ، فلا شفعة عندنا.

ووافقنا الشافعي(٢) في كلّ عقد لا يشتمل على المعاوضة ، وعلى أنّهما إذا اتّفقا على أن يهب أحدهما الشقص للآخَر ويهب الآخَر الثمن ، ويكون هذا الاتّفاق قبل عقد الهبة ويعقدانها مطلقةً ، فلا تجب الشفعة.

ولو اتّفقا على بيع الشقص بألف وهو يساوي مائةً ثمّ يُبرئه من تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا على ذلك ، رغب الشفيع عن أخذه ؛ لأنّه لو طلبه لزمه الألف.

مسالة ٨١٦ : ومن الحِيَل أن يبيعه جزءاً من الشقص بثمنه كلّه‌ ، ويهب له الباقي أو يهبه بعض الشقص ، أو يملّكه إيّاه بوجهٍ آخَر غير البيع ، ثمّ‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٣٥٢

يبيعه الباقي ، فإنّه لا شفعة عند مَنْ يُبطلها مع الكثرة ، أو يبيعه بثمن حاضر مجهول القدر عند مَنْ يُجّوزه ، ويقبضه البائع ولا يزنه ، بل ينفقه أو يمزجه بمالٍ له مجهول ، فتندفع الشفعة على أصحّ قولي الشافعيّة(١) .

ولو باع بعض الشقص ثمّ باع الباقي ، لم يكن للشفيع أخذ جميع المبيع ثانياً على أحد الوجهين(٢) .

ولو وكّل البائع شريكه بالبيع فباع ، لم يكن له الشفعة على أحد الوجهين(٣) .

مسالة ٨١٧ : لا يكره دفع الشفعة بالحيلة‌ ؛ إذ ليس فيها دفع حقٍّ عن الغير ، فإنّ الشفعة إنّما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض ، فإذا لم يوجد بيع أو وُجد مع معارض الشفعة ، فلا شفعة ؛ لعدم الثبوت ، وبه قال أبو يوسف(٤) .

وقال محمد بن الحسن : يكره(٥) .

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : الثاني(٦) ، ولا يكره عندهم دفع شفعة الجار بالحيلة قطعاً(٧) .

ولو اشترى عُشْر الدار بتسعة أعشار الثمن ، فلا يرغب الشفيع ؛ لكثرة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢و٣) الوجهان للشافعيّة أيضاً ، اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٤و٥) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

(٧) روضة الطالبين ٤ : ١٩٦.

٣٥٣

الثمن ، ثمّ يشتري تسعة أعشاره بعُشْر الثمن ، فلا يتمكّن الجار من الشفعة ؛ لأنّ المشتري حالة الشراء شريك في الدار ، والشريك مقدّم على الجار ، أو يخطّ البائع على طرف ملكه خطّاً ممّا يلي دار جاره ، ويبيع ما وراء الخطّ ؛ لأنّ ما بين ملكه وبين المبيع فاصلاً ، ثمّ يهبه الفاصل.

البحث التاسع : في اللواحق.

مسالة ٨١٨ : لو مات المديون وله شقص يستوعبه الدَّيْن فبِيع شقصٌ في شركته‌ ، كان للورثة الشفعةُ ؛ لأنّ الدَّيْن لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة على ما يأتي ، وبه قال الشافعي(١) ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) وبعض الشافعيّة(٣) .

ولو كان للمديون دار فبِيع بعضها في الدّين ، لم يكن للورثة الشفعة ، لأنّ البيع يقع لهم ، فلا يستحقّون الشفعة على أنفسهم.

ولو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه ، تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه ؛ لأنّ البيع على الميّت إنّما كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة ، فصار البيع كأنّه قد وقع في حال الحياة ، والوارث كان شريكه في حال الحياة ، فتثبت له الشفعة ، ولا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دَيْنه ؛ لأنّا إذا جعلنا البيع كأنّه وقع في حال الحياة ، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤ ، المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٢) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

٣٥٤

وقال أكثرهم : لا شفعة ؛ لأنّ الدَّيْن لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث ، فإذا بِيع فقد بِيع ملك الوارث عليه ، فلا يستحقّ الشفعة ، كما لو كان له على رجل دَيْنٌ وهو غائب فباع بعض داره ثمّ قدم ، لم تثبت له الشفعة ، كذا هنا(١) .

وما ذكره أوّلاً بعضهم فليس بشي‌ء ؛ لأنّه إنّما يلحق بحال الحياة إذا وجد سببه في حال الحياة وما لا يمكن(٢) ابتداؤه بعد الوفاة ، ولو كان كذلك ، لم يكن للوارث أن يقضي الدَّيْن من عنده ، ويمنع(٣) من البيع.

وهذا عندي هو المعتمد.

لا يقال : هذا الدَّيْن وجب على الميّت ، فلا يجوز أن يباع غيره فيه ، وإنّما يُجعل كأنّه بِيع عليه.

لأنّا نقول : مَنْ يقول : إنّ الملك ينتقل إلى الوارث قد لزمه ما اُلزم ؛ لأنّه يبطل ملك الوارث لأجل دَيْن الميّت ، على(٤) أنّ ذلك لا يمنع(٥) ؛ لأنّ هذا الدَّيْن يتعلّق(٦) بهذه العين ؛ لأنّها مُلكت من جهة السبب ، ألا ترى أنّ العبد إذا جنى ، تعلّقت الجناية برقبته ، وهي ملك لمولاه ، ويُباع فيها وإن لم يكن الدَّيْن على مولاه.

مسالة ٨١٩ : لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار ولكلٍّ من الآخَرَيْن ربع‌ ، فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه ، والآخَر غائب ، ثمّ باع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « وما لم يكن ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « ويمتنع ».

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : « وعلى ».

(٥) في « س ، ي » : « لا يمتنع ».

(٦) في « ي » : « تعلّق ».

٣٥٥

صاحب ثلاثة الأرباع ربعاً منها لرجل ، ثمّ قدم الشريك الغائب ، كان له أخذ ما يخصّه من المبيع الأوّل بالشفعة ، وهو ثُمْنٌ ، ويأخذ المبيع الثاني بأجمعه ؛ إذ لا شفيع غيره.

فإن أراد العفو عن الثاني والأخذ من الأوّل ، أخذ من المشتري الثاني سهماً من ستّة ، ومن الأوّل سهمين من ستّة ؛ لأنّا نفرض الدار أربعة وعشرين سهماً ؛ إذ لا تخرج صحيحةً من أقلّ.

وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ صاحب النصف اشترى الربع ، فكان بينه وبين الغائب نصفين إن قلنا : إنّ للمشتري شفعةً وإنّ الشفعة على عدد الرؤوس فإذا باع الربع ممّا في يده وفي يده ثلاثة أرباع ، فقد باع ثلث ما في يده ، وهو ستّة ، وبقي في يده اثنا عشر ، وللغائب شفعة ثلاثة أسهم ، فإذا قدم ، أخذ من المشتري ثلث ما استحقّه ، وهو سهم واحد ، لأنّه حصل له ثلث ما كان في يد بائعه ، وأخذ من الأوّل سهمين.

وإن جعلنا الشفعة على قدر النصيب ، فالذي يستحقّ الغائب سهمان من الستّة ، لأنّ ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا سهم ، ويأخذ من المشتري الأوّل سهماً وثُلثاً ومن الثاني ثلثي سهم.

هذا إذا عفا عن الثاني ، وإن عفا عن الأوّل وأخذ من الثاني ، أخذ من المشتري ما اشتراه ، وهو ستّة أسهم ، لأنّ شريكه بائع ، فلا شفعة له.

وإن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين ، أخذ ما في يد الثاني ، وأخذ من الأوّل سهمين إن جعلنا الشفعة على عدد الرؤوس ، وإن قلنا : على قدر النصيب ، يأخذ سهماً وثُلثاً.

مسالة ٨٢٠ : لو بِيع شقص وله شفيعان فعفا أحدهما ومات الآخَر وكان وارثه هو العافي‌ ، كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة ،

٣٥٦

ولا يبطلها العفو السابق ؛ لأنّ العفو وقع عمّا يملكه بالأصالة لا بالميراث.

وكذا لو قذف رجل أباهما وهو ميّت فعفا أحدهما ، كان للآخَر استيفاء الحدّ كملاً ، فإن مات وكان العافي وارثَه ، كان له استيفاؤه بالنيابة عن مورّثه.

مسالة ٨٢١ : قد سلف(١) أنّ الإقالة لا توجب الشفعة ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) . وكذا الردّ بالعيب وإن كان على سبيل التراضي ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : تثبت الشفعة إن وقع الردّ بالتراضي ، لأنّه نقل الملك بالتراضي ، فأشبه البيع(٤) .

وهو خطأ ، لأنّه فسخ ، وليس بمعاوضة ، ولهذا يعتبر فيه العوض الأوّل ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كالفسخ بالخيار.

ولو لم يقايله(٥) ، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره ، كان للشفيع الشفعة ، لأنّه عفا عمّا استحقّه بالعقد الأوّل ، وهذا عقد يستحقّ به الشفعة ، فوجبت له.

تذنيب : إذا كان الثمن معيّناً فتلف قبل القبض ، بطل البيع والشفعة ؛ لأنّه تعذّر التسليم ، فتعذّر إمضاء العقد ، بخلاف الإقالة والردّ بالعيب.

____________________

(١) في ص ٢٣٠ ، المسألة ٧٢٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨ ، المغني ٥ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٥.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٤ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٨.

(٥) في « ي » : « ولم يقابل ». وفي الطبعة الحجريّة : « ولم يقابله » بالباء. وفي « س » : « ولم يقايله » بالياء. والصحيح ما أثبتناه.

٣٥٧

ولو ظهر الثمن المعيّن مستحقّاً ، بطل البيع أيضاً والشفعة.

ولو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف ، صحّ بيعه ، وللشفيع أخذه بالشفعة ، وبطل البيع الأوّل.

أمّا لو باعه ثمّ ظهر استحقاق الثمن المعيّن ، بطل الثاني أيضاً ، ولا شفعة ؛ لأنّ المقتضي لبطلان البيع الاستحقاقُ لا ظهورُه.

آخَر : لو وجبت الشفعة وقضى له القاضي بها والشقص في يد البائع ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع : أقلني ، فأقاله ، لم تصحّ الإقالة ؛ لأنّها إنّما تصحّ بين المتبايعين ، وليس للشفيع ملكٌ من جهة البائع ، فإن باعه منه ، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.

مسالة ٨٢٢ : لو كان أحد الشريكين في الدار غائباً وله وكيل فيها‌ ، فقال الوكيل : قد اشتريته منه ، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة ؛ لأنّ إقرار الوكيل لا يقبل في حقّ موكّله. ولأنّه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرّد دعوى الوكيل ، لثبت للوكيل جميع توابع الملك ، فكان لو مات(١) الموكّل ، لم يفتقر الوكيل في دعوى الشراء منه إلى بيّنة ، بل يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الموكّل ، ويسأله عن ذلك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ الحاضر يأخذه بالشفعة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه - لأنّه أقرّ بحقٍّ له فيما في يده(٢) .

ويذكر الحاكم ذلك في السجلّ ، فإن قدم الغائب وصدّقه ، فلا كلام.

وإن أنكر البيع فإن أقام مدّعيه البيّنةَ ، بطل إنكاره ، وإن لم يُقم بيّنةً ، حلف المنكر ، ثمّ يردّ النصف عليه واُجرة مثله وأرش نقصه إن كان ، وله أن‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « فكان كما لو مات ».

(٢) المغني ٥ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٣٥٨

يرجع بذلك على مَنْ شاء ، فإن رجع على الوكيل ، رجع به على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، لم يرجع به على الوكيل ؛ لأنّ التلف حصل في يده.

وفي وجهٍ للشافعيّة : أنّه يرجع عليه ؛ لأنّه غرَّه(١) .

مسالة ٨٢٣ : لو حكم حاكمُ شرعٍ باعتقاده أنّ الشفعة تثبت مع الكثرة‌ ، لم يعترض عليه مَنْ لا يعتقد ذلك من الحُكّام.

وكذا عند الشافعي إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار ، لم يعترض عليه في الظاهر ، وفي الحكم باطناً عندهم خلاف(٢) .

أمّا نحن فإن كان الآخذ مقلّداً وقلّد مَنْ يجب تقليده ، كان مباحاً له في الباطن. وإن كان مجتهداً ، لم يجز له أن يأخذ على خلاف مذهبه.

مسالة ٨٢٤ : لو اشترى الشقص بكفٍّ من الدراهم لا يعلم(٣) وزنها‌ ، أو بصُبرة حنطة لا يعلم كيلها ، فعندنا يبطل البيع.

وعند مَنْ جوَّزه تُكال أو تُوزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر(٤) .

فإن كان غائباً فتبرّع البائع بإحضاره أو أخبر عنه واعتُمد قوله ، فذاك ، وإلّا فليس للشفيع أن يكلّفه الإحضار والإخبار عنه.

ولو هلك وتعذّر الوقوف عليه ، تعذّر الأخذ بالشفعة.

وهذا يتأتّى مثله عندنا ، وهو أن يبيع بما لا مِثْل له ثمّ يتلف قبل العلم بقيمته.

ولو أنكر الشفيع الجهالة ، فإن عيّن قدراً وقال للمشتري : قد اشتريتَه‌

____________________

(١و٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لم يعلم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٥٩

بكذا ، وقال المشتري : لم يكن قدره معلوماً ، فأصحّ القولين عند الشافعيّة : أنّه يقنع منه بذلك ، ويحلف عليه(١) ، وهو المعتمد عندي في عدم العلم بالقيمة.

وقال ابن سريج : لا يُقبل منه ذلك ، ولا يحلف ، بل إن أصرّ على ذلك ، جُعل ناكلاً ، ورُدّت اليمين على الشفيع(٢) .

وكذا الخلاف لو قال : نسيت(٣) (٤) .

وإن لم يعيّن الشفيع قدراً لكن ادّعى على المشتري أنّه يعلمه وطالَبه بالبيان ، فللشافعيّة وجهان أصحّهما عندهم : لا تُسمع دعواه حتى يعيّن قدراً ، فيحلف المشتري حينئذٍ أنّه لا يعرف. والثاني : تُسمع ، ويحلف المشتري على ما يقوله ، فإن نكل ، حلف الشفيع على علم المشتري ، وحُبس المشتري حتى يُبيّن قدره.

فعلى الأوّل طريق الشفيع أن يعيّن قدراً ، فإن وافقه المشتري ، فذاك ، وإلّا حلّفه على نفيه ، فإن نكل ، استدلّ الشفيع بنكوله ، وحلف على ما عيّنه ، وإن حلف المشتري ، زاد وادّعى ثانياً ، وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري ، فيستدلّ الشفيع بنكوله ويحلف ، وهذا(٥) لأنّ اليمين عندهم قد تستند إلى التخمين.

قالوا : ولهذا له أن يحلف على خطّ أبيه إذا سكنت نفسه إليه(٦) .

وهذا باطل ، وأنّ اليمين لا تصحّ إلّا مع العلم والقطع دون الظنّ‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انسيت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وهكذا » بدل « وهذا ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٦ - ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٥.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477