الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154482 / تحميل: 6631
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الفصل الخامس:

خطة المتوكل لإبادة أهل البيت (ع) وشيعتهم

كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « ٧ / ٥٦ »: « وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء: المأمون، والمعتصم، والواثق، في محبة علي وأهل بيته!

وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي، منهم علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي، وعمر بن فرج الرخجي، وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة.

وكانوا يخوفونه من العلويين، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم، والإساءة إليهم. ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان، فغطت هذه السيئة جميع حسناته، وكان من أحسن الناس سيرة، ومنع الناس من القول بخلق القرآن، إلى غير ذلك من المحاسن ».

وهذا وغيره يدل على أن سياسة المتوكل في بغض أهل البيت (ع) لم تكن عابرة، بل كانت عن عمد وإصرار، وتخطيط!

١٠١

أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز!

قال أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥: « واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البِرِّ بهم، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ، إلا أنهكه عقوبةً وأثقله غُرْماً! حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر!

إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثرمخالفة أبيه في جميع أحواله، ومضادة مذهبه ».

أقول: لاحظ الإنحطاط الذي وصل اليه عمر الرخجي غلام المتوكل، حيث حبس آل الرسول (ص) في المدينة، ومنع من يحتاج منهم الى الطعام والشر ـ اب أن يطلب مساعدة أحد، ثم كان يعاقب من يساعده بعقاب شديد وغرامة كبيرة!

وهو بذلك يتعمد إفقارهم وإذلالهم ليموتوا جوعاً!

وقد دفع ذلك عدداً منهم الى الثورة في هذا البلد وذاك، لأن المسلمين يثقون بهم ولا يثقون بالعباسيين، ومنهم من يبذل نصرته ودمه للعلويين.

ومعنى: كان القميص بين عدد من العلويات أنه قد يوجد مجموعة نساء في بيت، ليس عندهن ثياب وافية للصلاة بعددهن، فيتبادلن الثوب للصلاة فتصلي فيه واحدة بعد الأخرى، ثم يجلسن للعمل بثيابهن غير الساترة!

١٠٢

قال البيومي في الإمامة وأهل البيت « ٣ / ١٩٣ »: « وهكذا شرَّع من يسمونه أمير المؤمنين المتوكل على الله، أن تقبع العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات، يتبادلن القميص المرقع عند الصلاة، وأن تختال الفاجرات العاهرات بالحلي وحلل الديباج، بين الإماء والعبيد ».

اضطهد المتوكل الشيعة في مصر

في البيان للمقريزي « ١ / ٣٩ »: « ظلت مصر ملجأً آمناَ لآل علي بن أبي طالب إلى أن جاء زمن المتوكل العباسي، وكان يبغض العلويين، فأمر واليه في مصر بإخراج آل علي بن أبي طالب منها، فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام ٢٣٦، ثم نقلوا إلى المدينة في العام نفسه، واستتر من كان بمصر على رأي العلوية ».

وقال البلاذري في أنساب الأشراف: ٣ / ١٣٧، ونحوه الطبري: ٦ / ٤١٦: « كان إدريس بن عبد الله بن حسن في وقعة فخ مع الحسين بن علي، فهرب في خلافة الهادي إلى مصر، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن منصور، الذي يعرف بالمسكين، وكان واضح يتشيع، فحمله على البريد إلى المغرب ».

وفي المواعظ للمقريزي « ٤ / ١٥٩ »: « ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق، فأخرجهم إسحاق بن يحيى الختلي أمير مصر، وفرق فيهم الأموال ليتجملوا بها، وأعطى كل رجل ثلاثين ديناراً، والمرأة خمسة عشر ديناراً، فخرجوا لعشر خلون من رجب سنة ست وثلاثين ومائتين، وقدموا العراق فأخرجوا إلى المدينة في شوال منها، واستتر من كان

١٠٣

بمصر على رأي العلوية، حتى أن يزيد بن عبد الله أمير مصر ضرب رجلاً من الجند في شئ وجب عليه، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه، فزاده ثلاثين درة « ضربة » ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكل، فورد الكتاب على يزيد بضرب ذلك الجندي مائة سوط، فضربها، وحمل بعد ذلك إلى العراق في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين!

وتتبع يزيد الروافض فحملهم إلى العراق، ودل في شعبان على رجل يقال له محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه بويع له، فأحرق الموضع الذي كان به وأخذه فأقر على جمع من الناس بايعوه، فضرب بعضهم بالسياط، وأخرج العلوي هو وجمع من آل أبي طالب، إلى العراق في شهر رمضان. ومات المتوكل في شوال ».

وفي النجوم الزاهرة « ٢ / ٣٠٩ »: « يزيد بن عبد الله بن دينار « والي مصرسنة ٢٤٢ » تتبع الروافض بمصر وأبادهم، وعاقبهم، وامتحنهم، وقمع أكابرهم، وحمل منهم جماعة إلى العراق على أقبح وجه. ثم التفت إلى العلويين فجرت عليهم منه شدائد من الضيق عليهم، وأخرجهم من مصر ».

واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج

في تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٨٥ »: « وسخط على عمر بن فرج الرخجي وعلى أخيه محمد، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك، فوجه كتاباً في حمله، وقبضت

١٠٤

أموالهما، وكان ذلك في سنة ٢٣٣، وكان عمر محبوساً ببغداد، ومحمد محبوساً بسر من رأى، فأقاما سنتين ».

وقال الطبري « ٧ / ٣٤٧ »: « فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فحبس عنده وكتب في قبض ضياعه وأمواله وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار، ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من المتاع ستة عشر بعيراً فرشاً، ومن الجوهر قيمة أربعين ألف دينار ».

أقول: كان محمد بن الفرج (رحمه الله) عالماً تقياً مؤلفاً، ويظهر أن سبب قبوله ولاية مصر أن المتوكل جعل ولايتها لابنه المنتصر فولاه عليها.

ولا بد أن يكون محمد استأذن الإمام الهادي (ع) لأنه ملتزم بطاعته، ومكانته عنده جليلة، وقد أرسل اليه ينبهه الى الإستعداد لغضب المتوكل!

ففي الكافي « ١ / ٥٠٠ » عن النوفلي قال: « قال لي محمد بن الفرج: إن أبا الحسن (ع) كتب إليه: يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك. قال: فأنا في جمع أمري لست أدري ما كتب إلي حتى ورد عليَّ رسولٌ حملني من مصر مقيداً، وضَرَبَ على كل ما أملك « صادره »! وكنت في السجن ثمان سنين.

ثم ورد عليَّ منه (ع) في السجن كتاب فيه: يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي. فقرأت الكتاب فقلت: يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن، إن هذا لعجب! فما مكثت أن خُلِّيَ عني، والحمد لله ».

١٠٥

وفي الإرشاد « ٢ / ٣٠٤ »: « وروى أحمد بن عيسى قال: أخبرني أبويعقوب قال: رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا، وقد استقبل أبا الحسن (ع) فنظر إليه نظراً شافياً، فاعتل محمد بن الفرج من الغد، فدخلت عليه عائداً بعد أيام من علته، فحدثني أن أبا الحسن (ع) قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه، قال: فكُفِّنَ فيه والله ».

أقول: ترجمنا لمحمد رضي الله عنه في سيرة الجواد (ع) وكان من كبار أصحاب الأئمة (ع). وأخوه عمر من أشد النواصب، وعلاقتهما مع ذلك جيدة!

واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر

روت مصادر التاريخ أن المتوكل أمر بإهانة قاضي قضاة مصر: أبي بكر محمد بن أبي الليث، بحجة أنه أكل أموال الناس، والسبب أمر آخر!

ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي « ١ / ٢٥٣ »: « وفي سنة سبع وثلاثين بعث إلى نائب مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر أبي بكر محمد بن أبي الليث، وأن يضربه ويطوف به على حمار! ففعل ونعمَ ما فعل، فإنه كان ظالماً من رؤوس الجهمية، وولي القضاء بدله الحارث بن مسكين من أصحاب مالك وبعد تمنُّع، وأهان القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد المظالم إلى أهلها ».

لكن الظاهر خلافاً للسيوطي أن سبب عزله أنه حكم لخصم وكيل أم المتوكل، وحكم بوراثة أبناء البنات، فنقم عليه المتوكل، لأنه يجب أن يحكم دائماً لوكلاء الخليفة ومن يتعلق به! ويجب أن يحكم بوراثة العم والعصبة، لأن العباسيين

١٠٦

يعتبرون الحكم بوراثة أبناء البنات حكماً بوراثة الحسن والحسين (ع) لخلافة النبي (ص) دون عمه العباس، ولذلك يحكمون بوراثة العشيرة!

قال ابن حجر في كتابه: رفع الإصر عن قضاة مصر « ١ / ١٢١ »: « خوصم إلى الحارث في دار من دور السيدة أم الخليفة فحكم على وكيلها، فأخرج الدار من يده ودفعها للخصم، فكتب بذلك الوكيل إلى العراق، فجاء كتاب الفضل بن مروان إلى أمير مصر ينكر على الحارث ذلك ويقول في كتابه: إن الحارث لم يزل معروفاً بالإنحراف عن السلطان والمباعدة لأسبابه، فتُكلمه أن مقام وكلاء جهة أمير المؤمنين في ضياعها ودورها ومستغلاتها بمصر، مقامُ من يحوطها.

ويأمرُ برد الدار التي كانت في أيديهم لهم، كما كانت قبل حكمه فيها، وترك النظر في شئ مما في أيدي وكلائها بما يوهن أمرهم!

وتأمره بالتقدم إلى الحارث، بعدم التعرض إلى النظر في شئ يتعلق بأمير المؤمنين وبمنعه من ذلك إن حاوله. وكتب في ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين.

ولم يزل الحارث على طريقته حتى حكم في دار الفيل، وهي دار أبي عثيم مولى مسلمة بن مخلد، وكان تحبيسها في سنة ثلاث وتسعين. وأصل ذلك أن جماعة من قضاة مصر منهم توبة والفضل بن فضالة والعمري وهارون الزهري أخرجوا وتاجاً مولى أبي عثيم من الحبس « الوقف » لأن صاحب الحبس لم يسمه في كتاب تحبيسه. ثم آل الاستحقاق إلى محمد بن ناصح مولى أبي عثيم، وإلى عزة بنت عمرو بن رافع مولى ابن عثيم، فتوفيت عزة وتركت ولدها إبراهيم بن عبد

١٠٧

الصمد المعروف بابن السائح، فخاصمهم فيها فأخرجهم الزهري، وحكم بإخراج بني البنات من العقب.

فلما ولي محمد بن أبي الليث فسخ حكم الزهري ودفع نصيبها إلى بني السائح. فلما ولي الحارث بن مسكين فسخ حكم ابن أبي الليث، وأخرج بني السائح فخرج إسحاق بن إبراهيم بن عبد الصمد بن السائح، إلى العراق فتظلم من الحارث ورفع قصته إلى المتوكل، فأمر بإحضار الفقهاء فحضروا، واتفقوا على تخطئة الحارث في الحكم المذكور، وتناولوه بألسنتهم!

وكان الفقهاء الذين نظروا في قضية الحارث على رأي الكوفيين، وحكم الحارث إنما هوعلى رأي المدنيين، وبلغ ذلك الحارث ما جرى هناك من ذكره، فخشي من العزل، فبادر بكتاب إلى العراق يستعفي، فصادف وصول كتابه عقب أمر المتوكل بعزله، فكتب إليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قاضي العراق: إن كتابك وصل باستعفائكم فأنهيت كتابك إلى أمير المؤمنين وأنك تستعفي مما تقلدته من القضاء، فأمر أيده الله بإجابتك إلى ذلك وإعفائك إسعافاً لك فيما سألت، وتفضلاً بما أدى إلى موافقة فراقك في العمل بحسب ذلك موفقاً. وكتب المتوكل إلى أمير مصر يزيد بن عبد الله بن الأغلب بالنظر في قضية ابن السائح، فجمع أهل البلد من الفقهاء والشيوخ، وكان ورود الكتاب عليه بالصرف في يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين ».

١٠٨

أقول: العجب من بعض الرواة كالذهبي والسيوطي، حيث ذموا الحارث بن أبي الليث وجعلوه جهمياً، ظالماً آكلاً أموال الناس، وإنما ذنبه أنه خالف هوى المتوكل في بعض أحكامه، فغضب عليه المتوكل، وقلده الرواة!

قال الذهبي في سيره « ٩ / ٤٤٦ » : « وبعث المتوكل إلى نائبه بمصر فحلق لحية قاضي القضاة محمد بن أبي الليث وضربه، وطوف به على حمار في رمضان وسجن، وكان ظلوماً جهمياً، ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين، فكان يضربه كل حين عشرين سوطاً ليؤدي ما وجب عليه، فإنا لله ».

وقال ابن حجر: « فكانوا يحضرون محمد بن أبي الليث كل يوم بين يدي الحارث، فيضربه عشرين سوطاً، ليخرج عما يجب عليه من الحقوق، فأقام على ذلك أياماً ثم أشير عليه بتركه. وقيل له إنه لا ينبغي للقاضي فعل ذلك لقبحه، فصرفه ».

وواصل المتوكل اضطهاد ابن أبي الليث، فصادر أمواله وأموال أقاربه، ولو كانت مهمة لذكروها. وحمله الى بغداد ومات فيها سنة ٢٥٥ . « تاريخ بغداد « ٢ / ٢٩١ ».

واضطهد أحد تجار بغداد

وذكر الطبري في تاريخه قصة وجيه في بغداد، قتله المتوكل بتهمة شتم الشيخين، والمرجح أنه كان معارضاً للمتوكل أومحباً لأهل البيت (ع)، فقد كانت قصته بعد غضب أهل بغداد لهدم قبر الحسين (ع) وكتابتهم شتم المتوكل على الجدران، فيظهر أن السلطة دبرت له هذه التهمة، وقتله الخليفة هذه القتلة!

١٠٩

قال الطبري « ٧ / ٣٧٥ »: « وفيها « سنة ٢٤١ » ضُرِب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم، صاحب خان عاصم ببغداد ضرب فيما قيل ألف سوط. وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضي الشرقية عليه، أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة، وسبعة عشر رجلاً، شهاداتهم فيما ذكر مختلفة من هذا النحو، فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل، فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط، فإذا مات رمى به في دجلة، ولم تدفع جيفته إلى أهله! فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى:

بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله وحفظك، وأتم نعمته عليك. وصل كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات، وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنهم وإكفارهم ورميهم بالكبائر، ونسبتهم إلى النفاق وغير ذلك، مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وتثبتك في أمر أولئك الشهود، وما شهدوا به، وما صح عندك من عدالة من عُدِّل منهم، ووضح لك من الأمر فيما شهدوا به، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك، فعرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك، فأمر بالكتاب إلى أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله، بما قد نفذ إليه مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله وإحياء سنته، والإنتقام ممن ألحد فيه، وأن يضرب الرجل حداً في مجمع الناس

١١٠

حد الشتم، وخمس مائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها، فإن مات ألقيَ في الماء من غير صلاة، ليكون ذلك ناهياً لكل ملحد في الدين خارج من جماعة المسلمين، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم هذا، قد قال بعضهم: إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم، لما ضُرب تُرك في الشمس حتى مات ثم رُمِيَ به في دجلة ».

أقول: آل عاصم عائلة كوفية من بني ضبة، سكن بعضهم في بغداد، وفيهم من أصحاب الأئمة (ع)، وعرف منهم العاصمي وكيل الإمام المهدي (ع).

وقد يكون منهم هذا الشهيد ابن عاصم، الذي قتله المتوكل بافتراء عليه، فقد ترجم علماؤنا لعدة رجال من آل عاصم.

قال الشيخ في الفهرست / ٧٣: « أحمد بن محمد بن عاصم، أبو عبد الله، وهو ابن أخي علي بن عاصم المحدث، ويقال له العاصمي، ثقة في الحديث سالم الجنبة، أصله الكوفة سكن بغداد، وروى عن شيوخ الكوفيين. وله كتب ».

وروى الحاكم في المستدرك « ٣ / ٣٩٤ »: « حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن عاصم بن بلال الضبي الشهيد، ثنا أحمد بن محمد بن علي بن رزين، ثنا علي بن خشرم، ثنا أبو مخلد عطاء بن مسلم، ثنا الأعمش، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه ». لكن وصف الشهيد قد يكون لشخص في السند لا يوافق قتله زمن المتوكل. وكذا قول الحاكم في « ٣ / ٤٦٥ »:

١١١

« فحدثنيه أبو عبد الله، محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عاصم الشهيد، رضي الله عنه ». ولذلك نتوقف فيه.

نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « ١ / ٣٥١ »: « كان بالدينور « غرب إيران من جهة العراق » شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة، وكان له أصحاب يجتمعون إليه ويأخذون عنه ويدرسون عنده، يقال له: بشر الجعاب، فرفع صاحب الخبر بالدينور الى المتوكل أن بالدينور رجلاً رافضياً يحضره جماعة من الرافضة ويتدارسون الرفض، ويسبون الصحابة ويشتمون السلف.

فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد الله بن يحيى بالكتاب إلى عامله على الدينور بإشخاص بشر هذا، والفرقة التي تجالسه. فكتب عبيد الله بن يحيى بذلك، فلما وصل إلى العامل كتابه، وكان صديقاً لبشر الجعاب حسن المصافاة له شديد الإشفاق عليه، همَّهُ ذلك وشقَّ عليه، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب به في أمره، وأمر أصحابه فقال له بشر: عندي في هذا رأيٌ إن استعملته كنت غير مستبطأ فيما أُمرت به، وكنت بمنجاة مما أنت خائف عليَّ منه.

قال: وما هو؟ قال: بالدينور شيخ خفاف إسمه بشر، ومن الممكن المتيسر أن تجعل مكان الجعاب الخفاف، وليس بمحفوظ عنده ما نسبت إليه من الحرفة والصناعة، فَسُرَّ العامل بقوله وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير استواء خطها وانبساطه، ووصل الباء بما صارت به فاء، فكان أخبره عن بشر

١١٢

الخفاف أنه أبله في غاية البله والغفلة، وأنه هزأة عند أهل بلده وضحكة! وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ما طلوه بدينه ولَوَوْهُ بحقه، واعتلوا بأنواع الباطل عليه، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه وابتدروا يعدونه الوفاء، ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم إليهم، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها ما يريدونه، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة، وحملوه على ما تقدم من السنة، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته!

فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم، والإقبال عليه بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة، ساكناً إلى أنه من ركاكته وفهاهته بما يضحك الحاضرين، ويحسم الإشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه الثلاثة.

فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم فأمر أن يجَلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم، وأمر فعلق بينه وبينهم سلبية، ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده، ففعل ذلك.

١١٣

وجلس عبيد الله واستدعى المحضرين فقُدِّموا إليه يَقْدَمُهم بشر الخفاف، فلما جلسوا أقبل عبيد الله على بشر فقال له: أنت بشر الخفاف؟ فقال: نعم. فسكنت نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة وإتمام هذه المدالسة، وجواز هذه المغالطة، فقال له: إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شئ أنكره، فأمر بالكشف عنه وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته، فقال له بشر: نحن حاضرون فما الذي تأمرنا به؟ قال: بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع إليك قوم فيخوضون معك في الترفض وشتم الصحابة، فقال بشر: ما أعرف من هذا شيئاً. قال: قد أمرت بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم، فقال: ما تقول في السلف؟ فقال: لعن الله السلف. فقال له عبيد الله: ويلك أتدري ما تقول! قال: نعم، لعن الله السلف! فخرج خادم من بين يدي المتوكل فقال لعبيد الله: يقول لك أمير المؤمنين سله الثالثة، فإن أقام على هذا فاضرب عنقه، فقال له: إني سائلك هذه المرة فإن لم تتب وترجع عما قلت أمرت بقتلك، فما تقول الآن في السلف؟ فقال: لعن الله السلف قد خَرَّبَ بيتي وأبطل معيشتي، وأتلف مالي، وأفقرني، وأهلك عيالي!

قال: وكيف؟ قال: أنا رجل أسلف الأَكَرة وأهل الدستان الخفاف والتمسكات على أن يوفوني الثمن مما يحصل من غلاتهم، فأصير إليهم عند حصول الغلة في بيادرهم، فإذا أحرزوا الغلات دفعوني عن حقي، وامتنعوا من توفيتي مالي.

ثم يعودون عند دخول الشتاء فيعتذرون إلي ويحلفون بالله لا يعاودون مطلي وظلمي، فإنهم يؤدون إلي المتقدم والمتأخر من مالي، فأجيبهم إلى ما يلتمسونه

١١٤

وأعطيهم ما يطلبونه، فإذا جاء وقت الغلة عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من ظلمي وكسر مالي، فقد اختلَّت حالي، وافتقرت عيالي!

قال: فسمع ضحك عال من وراء السبيبة، وخرج الخادم فقال: إستحلل هؤلاء القوم وخل سبيلهم! فقالوا: يا أمير المؤمنين في حل وسعة، فصرفهم، فلما توسطوا صحن الدار قال بعض الحاضرين: هؤلاء قوم مجانٌّ محتالون، وصاحب الخبر مسقط لا يكتب إلا بما يعلمه ويثق بصحته، وينبغي أن يستقصي الفحص عن هذا والنظر فيه، فأمر بردهم فلما أمروا بالرجوع قال بعض الجماعة التابعة لبعض: ليس هذا من ذلك الذي تقدم، فينبغي أن نتولى الكلام نحن ونسلك طريق الجد والديانة، فرجعوا فأمروا بالجلوس، ثم أقبل عبيد الله على القوم فقال: إن الذي كتب في أمركم ليس ممن تقدم على الكتب بما لا يقبله علماً ويحيط به خبراً، وقد أخذ أمير المؤمنين باستئناف امتحانكم وإنعام التفتيش عن أمركم.

فقالوا: إفعل ما أمرت به، فقال: من خير الناس بعد رسول الله؟ قلنا: علي بن أبي طالب، فقال الخادم بين يديه: قد سمعت ما قالوا، فأخبر أمير المؤمنين به، فمضى ثم عاد فقال: يقول لكم أمير المؤمنين هذا مذهبي. فقلنا: الحمد لله الذي وفق أمير المؤمنين في دينه، ووفقنا لاتباعه وموافقته على مذهبه.

ثم قال لهم: ما تقولون في أبي بكر رضي الله عنه؟ فقالوا رحمة الله على أبي بكر نقول فيه خيراً، قال فما تقولون في عمر؟ قلنا: رحمة الله عليه ولا نحبه. قال: ولمَ؟ قلنا: لأنه أخرج مولانا العباس من الشورى. قال فسمعنا من وراء السبيبة

١١٥

ضحكاً أعلى من الضحك الأول، ثم أتى الخادم فقال لعبيد الله عن المتوكل أتبعهم صلة، فقد لزمتهم في طريقهم مؤونة واصرفهم، فقالوا: نحن في غنى وفي المسلمين من هوأحق بهذه الصلة وإليها أحوج. وانصرفوا ».

أقول: هذا يدل على نهاية نصب المتوكل، بحيث إذا جاءه خبر عن شيخ له جماعة يدرسون عنده ويتبعون مذهب أهل البيت (ع)، يبادر الى البطش بهم!

كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد!

ذكرنا في سيرة الإمام الكاظم (ع) أن مسجد براثا أسسه أمير المؤمنين (ع) في عودته من حرب الخوارج سنة ٣٨، وأنه كان مركزاً للشيعة قبل تأسيس بغداد، وكانت الكرخ بلدة فيها شيعة. ثم أسس المنصور بغداد بين براثا والكرخ.

قال في معجم البلدان: ١ / ٣٦٢: « بُرَاثا: بالثاء المثلثة والقصر: محلةٌ كانت في طرف بغداد في قِبْلة الكرخ وجنوبي باب مُحَوِّل وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة ».

وفي أمالي الطوسي / ١٩٩، عن الإمام الباقر (ص) قال: « إن أمير المؤمنين (ص) لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس: إنها الزوراء، فسيروا وجَنِّبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة، فلما أتى موضعاً من أرضها قال: ما هذه الأرض؟ قيل أرض بحرا، فقال: أرض سباخ، جنبوا ويَمِّنوا. فلما أتى يمنة السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له: يا راهب، أَنْزِلُ هاهنا؟ فقال له الراهب: لا تنزل هذه الأرض بجيشك. قال: ولمَ؟ قال: لأنه لا ينزلها إلا نبي أووصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله، هكذا نجد في كتبنا.

١١٦

فقال له أمير المؤمنين: فأنا وصي سيد الأنبياء (ص) وسيدُ الأوصياء. فقال له الراهب: فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد؟ قال له أمير المؤمنين: أنا ذلك. فنزل الراهب إليه فقال: خذ عليَّ شرائع الإسلام، إني وجدت في الإنجيل نعتك وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى (ص)! فقال أمير المؤمنين (ص): قف ولا تخبرنا بشئ ثم أتى موضعاً فقال: إلكزوا هذه، فلكزه برجله (ص) فانبجست عين خرارة، فقال: هذه عين مريم التي انبعثت لها!

ثم قال: إكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال علي (ص): على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا! فنصب أمير المؤمنين (ص) الصخرة وصلى إليها، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دَعْوِة « مسافة قريبة » ثم قال: أرض براثا، هذا بيت مريم (ع) هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء (ع) »!

وفي مناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٠٠: « قال أمير المؤمنين: فاجلس يا حُبَاب، قال: وهذه دلالةٌ أخرى، ثم قال: فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير مسجداً، فبنى حباب الدير مسجداً، ولحق أمير المؤمنين (ص) إلى الكوفة، فلم يزل بها مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين (ص)، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا ».

ومن ذلك اليوم والى عصرنا الحاضر، صار مسجد براثا مركزاً علمياً وعبادياً واجتماعياً للشيعة، ومَعْلَماً من معالم بغداد.

١١٧

وقد شهد في العصور المختلفة حملات وحشية من السلطة، ومن الحنابلة المتطرفين الذين أسس حزبهم المتوكل.

وتقدم أن ابن عقدة (رحمه الله) كان يأتي من الكوفة الى بغداد، فيملي أحاديثه على المسلمين في مسجد براثا. وأن النواصب أتباع المتوكل اعتدوا عليه وحبسوه!

وقد شهدت بغداد ومسجد براثا خاصة أنواعاً من اضطهاد السلطة للشيعة.

قال ابن طاووس في الملاحم والفتن / ٢٦٠: « قال السليلي مصنف الكتاب: فرأيت مسجد براثا وقد هدمه الحنبليون، وحفروا قبوراً فيه، وأخذوا أقواماً قد حفر لهم قبور فغلبوا أهل البيت ودفنوهم فيه، إرادةَ تعطيل المسجد وتصييره مقبرة، وكان فيه نخل فقطع، وأحرق جذوعه وسقوفه! وذلك في سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة , فعطل من سنته الحج، وقد كان خرج سليمان بن الحسن يعني القرمطي في أول هذه السنة، فقطع على الحاج وقتلهم وعطل الحاج، ووقع الثلج ببغداد فاحترق نخلهم من البرد فهلك. فأخبرني مولاي ناقد أن أبا عمرو قاضي بغداد قال له: احترق لي بقرية على ثلاث فراسخ ببغداد يقال لها صرصر مائة ألف نخلة. قال السليلي: فأي شأن أحسن، وأي أمر أوضح من هذا ».

أقول: ما تقدم إنما هو نماذج من ظلم المتوكل للشيعة في البلاد، فتصور!

١١٨

الفصل السادس:

هدم المتوكل قبر الإمام الحسين (ع)

عقدة المتوكل من الإمام الحسين (ع) وزواره

١. في مقاتل الطالبيين / ٣٩٥: « وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره، يسئ الرأي فيهم، فحسَّن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله. وكان من ذلك أن كَرَبَ قبر الحسين (ع) وعَفَّى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح له، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به، فقتله، أوأنهكه عقوبة!

فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء وقد شاهد ذلك، قال: كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة، وكانت قد زارت قبر الحسين (ع) وبلغها خبره، فأسرعت الرجوع، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان، فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت: إلى قبر الحسين. فاستطير غضباً وأمر بمولاتها فحبست، واستصفى أملاكها.

١١٩

وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه، وإخراب كل ما حوله، فمضى ذلك وخرب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله، نحومائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه! وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه.

فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل، حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا، حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط شيئاً من الطيب!

فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشئ من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة، حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات، وأعدناه إلى ما كان عليه ».

أقول: الأشناني المذكور من أعلام العامة، فهو يدل على التأثير الواسع لهدم قبر الحسين (ع) على السنة أيضاً، وقد كان عمر الأشناني يومها خمس عشرة سنة.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477