الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام8%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154411 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٣. وأعاد المسلمون قبر الحسين (ع) في زمن هارون، ورتبت أمه الخيزران خَدَماً له، وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد، أن يجري عليهم راتباً شهرياً!

فقد روى الطبري في تاريخه « ٦ / ٥٣٦ » عن: « القاسم بن يحيى قال: بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير « أي كربلاء » قال فأتيَ بهم فنظر إليه الحسن بن راشد وقال: ما لك؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضر ـ ني ولست آمنه على نفسي! قال له: فإذا دخلت عليه فسألك فقل له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع! فلما دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن، أحضروه! قال فلما حضر قال: ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير؟ قال: رحم الله من صيَّره في الحير، أمرتني أم موسى « الخيزران » أن أصيره فيه، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً! فقال: ردوه إلى الحير، وأجروا عليه ما أجرته أم موسى »! وابن راشد معاون الوزير ابن يقطين (رحمه الله). « تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٠١ ».

نهب الوهابية لقبر الحسين (ع)

١. لم يهدم أحدٌ قبر الحسين (ع) بعد المتوكل، طوال أحد قرناً، حتى هاجم الوهابية كربلاء غدراً، وهدموا القبر الشريف سنة ١٢١٦ هجرية!

وعُقدة الوهابيين من قبر الحسين (ع) وزواره نفس عقدة المتوكل! ولا عجب فالمتوكل إمامهم ومؤسس مذهبهم في التجسيم وعداوة أهل البيت (ع)!

أخذه من بني أمية وكعب الأحبار، وجعله حزباً وجماعة، وسماهم أهل الحديث والأثر، وجعل ابن حنبل إمامهم!

١٤١

وقد أغار الوهابيون على كربلاء سنة ١٢١٦، في يوم عيد الغدير، وكان أغلب أهل كربلاء في زيارة أمير المؤمنين (ع) في النجف. وكان والي بغداد يومها سليمان باشا الكبير، ووالي كربلاء عمرآغا، وكان غائباً عن كربلاء، وقيل إنه تواطأ مع الوهابية، ولذلك لم تدافع الحامية التركية عن البلد. وكان المهاجمون بقيادة محمد بن سعود، وعددهم نحوألفين، فدخلوا البلد بدون مقاومة تقريباً، وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم: أقتلوا المشركين! وقتلوا من صادفوه، وهدموا قبر الحسين (ع) وسرقوا تحفه وذهبه، وقلعوا القضب المعدنية والسياج والمرايا، ونهبوا النفائس من هدايا الباشوات والأمراء والملوك، والشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة، وكل ما وجدوا فيها، وقيل إن من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة، وعشرين سيفاً محلاة بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة، وأوانٍ ذهبية وفضية، وفيروزاً وألماساً، وغيرها. وقتلواقرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح الشريف، وخمس مائة في الصحن الشريف، ولم يرحموا شيخاً ولا طفلاً.

وقدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة، وقدرهم آخرون خمسة أضعاف ذلك.

ولم يلبثوا فيها إلا ضحوةً، وخرجوا من كربلاء قرب الظهر، حاملين تلك الأموال، المنهوبة من حرم الحسين (ع) ومن بيوت المسلمين!

٢. وبعد هذه الحادثة هاجم الوهابيون النجف مرات ففشلوا في اقتحامها، وهاجموا كربلاء ثانية ففشلوا أيضاً. قال السيد الأمين في كشف الإرتياب / ٢٠: « وفي سنة ١٢١٦، جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي، جيشاً عظيماً من أعراب نجد، وغزا به العراق وحاصر كربلاء، ثم دخلها عنوة وأعمل في

١٤٢

أهلها السيف، ولم ينج منهم إلا من فر هارباً، أواختفى في مخبأ، أوتحت حطب ونحوه، ولم يعثروا عليه وهدم قبر الحسين (ع) واقتلع الشباك الموضوع على القبر الشريف، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر ولم يرعَ لرسول الله (ص) ولا لذريته حرمةً، وأعاد بأعماله ذكرى فاجعة كربلاء ويوم الحرة، وأعمال بني أمية والمتوكل العباسي. ويقول أهل العراق وهم أعلم بما جرى في بلادهم: إنه ربط خيله في الصحن الشريف، وطبخ القهوة ودقها في الحضرة الشريفة!

وقال العلامة السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة، وفي عصره كان غزوهم للعراق: إن سعوداً الوهابي الخارج في أرض نجد، اخترع ما اخترع في الدين، وأباح دماء المسلمين وتخريب قبور الأئمة المعصومين (ع)، فأغار في السنة المذكورة على مشهد الحسين (ع) وقتل الرجال والأطفال، وأخذ الأموال وعاث في الحضرة المقدسة، فأفسد بنيانها وهدم أركانها.

قال: وفي الليلة التاسعة من شهر صفر سنة ١٢٢١ قبل الصبح هجم علينا سعود

الوهابي في النجف ونحن في غفلة، حتى أن بعض أصحابه صعد السور وكادوا يأخذون البلد، فظهرت لأمير المؤمنين (ع) المعجزات الظاهرة والكرامات الباهرة، فقتل من جيشه كثير ورجع خائباً.

قال: وفي جمادى الآخرة سنة ١٢٢٢ جاء الخارجي الذي إسمه سعود إلى العراق بنحومن عشرين ألف مقاتل أوأزيد، فجاءت النذر بأنه يريد أن يدهمنا في النجف الأشرف غيلة، فتحذرنا منه وخرجنا جميعاً إلى سور البلد، فأتانا ليلاً فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور بالبنادق والأطواب.

١٤٣

فمضى إلى الحلة، فرآهم كذلك. ثم مضى إلى مشهد الحسين (ع) على حين غفلة نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور، وقتل منهم وقتلوا منه، ورجع خائباً، وعاث في العراق، وقتل من قتل.

قال: وفي سنة ١٢٢٥ أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف الأشرف ومشهد الحسين (ع)، وقد قطعوا الطريق، ونهبوا زوار الحسين (ع) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان، وقتلوا منهم جماً غفيراً وأكثر القتلى من العجم، وربما قيل إنهم مائة وخمسون، وبقي جملة من الزوار في الحلة، ما قدروا أن يأتوا إلى النجف كأنها في حصار، والأعراب ممتدة من الكوفة، إلى فوق مشهد الحسين (ع) بفرسخين أوأكثر ».

أقول: مصادر هذه الغارات الوهابية كثيرة: ومنها سجلات الخلافة العثمانية، والإنكليز الذين كانوا وراء الوهابية! راجع: أعيان الشيعة: ٤ / ٣٠٧ وتحفة العالم: ١٠ / ٢٨٩، وشهداء الفضيلة / ٢٨٨ ودائرة المعارف الإسلامية للأمين: ١ / ١٩٢ وتأريخ العراق للعزاوي: ٦ / ١٤٤. وبغية النبلاء في تاريخ كربلاء، وتراث كربلاء: للسيد سلمان آل طعمة.

٣. يتبجح الوهابية بوقاحةٍ الى يومنا بأنهم هاجموا كربلاء وهدموا قبر الحسين صلوات الله عليه! ويسمونها غزوة الإمام محمد بن سعود لكربلاء!

وقد كتب أحدهم: « وقفة مع غزوة كربلاء، واغتيال الإمام العادل الزاهد عبد العزيز بن محمد بن سعود: قال العلامة المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر الناصري التميمي رحمه الله تعالى: ثم دخلت السنة السادسة عشرة بعد المائتين والألف، وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة، والخيل والعناق المشهورة، من جميع حاضرة نجد وباديتها، والجنوب، والحجاز، وتهامة، وغير ذلك، وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين رضي الله عنه. وذلك في ذي القعدة، فحشد عليها المسلمون، وتسوروا جدرانها، ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة

١٤٤

الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين رضي الله عنه. وأخذوا ما في القبة وما حولها، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر، وكانت مرصوفة بالزمرد والياقين والجواهر. وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال، والسلاح، واللباس، والفرش، والذهب والفضة، والمصاحف الثمينة، وغير ذلك، ما يعجز عنه الحصر، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة، وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال، وقتل من أهلها قريب ألفي رجل. ثم إن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض المعروف فجمع الغنائم، وعزل أخماسها، وقسم باقيها في المسلمين غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان، ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه ». « عنوان المجد في تاريخ نجد: ١ / ١٢٢ ».

أقول: هذا المنطق غايةُ الصلف والتبجح بجريمة لا تبرير لها شرعاً ولا قانوناً! لكنهم الوهابية أبناء بني أمية، يفعلون الجرائم ولا يخجلون، بل يفتخرون بها!

٤. وعلى أثر مهاجمة كربلاء تمكن أحد الشيعة الذي قتل الوهابية ابنه فيها، أن ينتقم من أميرهم عبد العزيز بن محمد بن سعود، ويقتله في مقره في نجد!

قال المدعو: ابن بشر، في تاريخ نجد: « ثم دخلت السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف، وفي هذه السنة في العشر الأواخر من رجب قُتل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية، وهوساجد أثناء صلاة العصر. انقض عليه رجل قيل إنه كردي من أهل العمارية بلد الأكراد المعروفة عند الموصل، ادعى أن إسمه عثمان أقبل من وطنه لهذا القصد محتسباً، حتى وصل الدرعية في صورة درويش وادعى أنه مهاجر، وأظهر التمسك والطاعة، وتعلم شيئاً من القرآن، فأكرمه عبد العزيز وأعطاه وكساه، وطلب الدرويش منه أن يعلمه أركان الإسلام، وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها مما كانوا يعلمونه الغريب المهاجر إليهم، وكان قصده غير ذلك. فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود، فطعنه في خاصرته أسفل البطن بخنجر معه قد أخفاه وأعدها لذلك، وهوقد تأهب للموت، فاضطرب أهل

١٤٥

المسجد وماج بعضهم في بعض، ولم يكن يدرون ما الأمر، فمنهم المنهزم، ومنهم الواقف، ومنهم الكار إلى وجهة هذا العدوالعادي، وكان لما طعن عبد العزيز أهوى على أخيه عبد الله وهوإلى جانبه وبرك عليه ليطعنه، فنهض عليه وتصارعا، وجرح عبد الله جرحاً شديداً، ثم إن عبد الله صرعه وضربه بالسيف وتكاثر عليه الناس وقتلوه، وقد تبين لهم وجهة الأمر.

ثم حمل الإمام إلى قصره وقد غاب ذهنه وقرب نزعه، لأن الطعنة قد هوت إلى جوفه فلم يلبث أن توفي بعدما صعدوا به إلى القصر. رحمه الله تعالى وعفى عنه. واشتد الأمر بالمسلمين وبهتوا، وكان ابنه سعود في نخله المعروف بمشيرفه في الدرعية فلما بلغه الخبر أقبل مسرعاً واجتمع الناس عنده، وقام فيهم ووعظهم موعظة بليغة، وعزاهم فقام الناس وبايعوه خاصتهم وعامتهم وعزوه بأبيه. ثم كتب إلى أهل النواحي نصيحة يعظهم ويخبرهم بالأمر ويعزيهم، ويأمرهم بالمبايعة. وكل أهل بلد وناحية يبايعون أميرهم سعود فبايع جميع أهل النواحي والبلدان، وجميع رؤساء قبائل العربان ولم يختلف منهم اثنان، ولا انتطح عنزان. إن هذا الدرويش الذي قتل عبد العزيز من أهل بلد الحسين رضي الله عنه: رافضي خبيث، خرج من وطنه لهذا القصد بعد ما قتلهم سعود فيها، وأخذ أموالهم كما تقدم، فخرج ليأخذ الثأر، وكان قصده سعود فلم يقدر عليه، فقتل عبد العزيز، وهذا والله أعلم أحرى بالصواب، لأن الأكراد ليسوا بأهل رفض، ولا في قلوبهم غل على المسلمين ». « عنوان المجد: « ١ / ١٢٥ ».

أقول: رحم الله ذلك الشهيد الذي خطط وتلطف في أمره وحمل روحه على كفه، حتى جاءت ساعة الثأر لرسول الله (ص) وسبطه الحسين (ع) وللمؤمنين المغدورين في حرمه فتقدم من رأس النواصب وطعنه متقرباً بذلك الى الله تعالى.

ثم قتل شهيداً بيد النواصب، فحشره الله مع نبيه وأهل بيته الذين بذل فيهم مهجته.

١٤٦

الفصل السابع:

الوهابية أبناء المتوكل وبناته

إصرار الوهابية على تفجير قبر الحسين (ع)

ما زال هدم قبر الحسين (ع) هدفاً للوهابية! وما زالت فتاوى علمائهم العميان والعوران تصرُّ على ذلك، وهم يضمون الى قبر الحسين (ع) قبور الأولياء في العراق والعالم، بل قبة قبر النبي (ص).

قال مفتيهم ابن باز في فتاويه عن الأولياء « ١٢ / ١١٤ »: « فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم ولا يضرون، لأنهم قد فقدوا الحياة، وفقدوا القدرة على التصرف، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولايضرون إلا بإذن الله. هم بزعمهم أنهم يستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفروا أيضاً! بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولهذا لا تجوز عبادتهم ولا دعاؤهم ولا الإستغاثة بهم ولا النذر لهم ولا طلبهم المدد، ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي، أوعند قبر الحسين، أوعند قبر الكاظم، أوعند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني، أوما أشبه ذلك من طلب المدد والغوث أنه يكفر بالله، بل يشرك بالله سبحانه وتعالى، فيجب الحذر من ذلك والتوبة من ذلك والتواصي بترك ذلك.

ولا يصلى خلف هؤلاء، لأنهم مشركون بعملهم هذا شركاً أكبر، فلا يصلى خلفهم ولا يصلى على ميتهم، لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه

١٤٧

الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان عليه أبوجهل وأشباهه من كفار مكة، وعليه كفار العرب وهودعاء الأموات والإستغاثة بالأموات والأشجار والأحجار، هذا عين الشرك بالله عز وجل، والله يقول سبحانه: ولوأشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ».

فقد افترى هذا المفتي على زائري قبر النبي (ص) والأولياء (ع) بأنهم يعبدونهم! وبنى على افترائه حكم تكفيرهم وقتلهم واستباحة أموالهم ونسائهم، وتحريم الصلاة خلفهم، والصلاة على جنائزهم، ودفنهم في مقابر المسلمين!

فهويقول لك: أنت قلت: يا رسول الله إشفع لي، فأنت تعتقد أنه إلهٌ، فقد كفرتَ فيجب أن أقتلك وآخذ مالك ونساءك غنيمة، ويحرم أن نصلي على جنازتك وأن ندفنك في مقابر المسلمين، بل يجب أن ترمي جنازتك للكلاب!

هذه ثقافتهم ومنطقهم: فتاوى فجَّة متعجرفة! بعيدة عن الفقاهة وعن أدب الحياة.

ويكفي أن نسأل هذا المفتي: أخبرنا، هل يحاسب الله زائري نبيه (ص) وأوليائه (ع) على نياتهم واعتقادهم هم، أم على ما تدعيه أنت فيهم؟!

لكنك ترى الوهابي عاقصاً قرنيه، يزعم أن قوله قول الله تعالى، ثم لايفقه غيره! ولذلك ما زالوا مصرين على هدم قبور الأنبياء والأولياء (ع)، وفي طليعتها قبة قبر النبي (ص) وقبر الحسين (ع).

وقد حاولوا بعد احتلال أمريكا للعراق، إقناع الأمريكان بأن يسلموهم الحكم في العراق، أي الى حفنة السلفية عملاء السعودية!

١٤٨

لكن الأمريكان بشروا العراقيين بالديمقراطية والإنتخابات، فكان لابد لهم من العملية الديمقراطية، حتى لوكانت نتيجتها أن تحكم الأغلبية الشيعية.

ومن يومها نشط الوهابية في مجموعاتهم الإرهابية في تفجير مواكب الشيعة الزائرين للمشاهد المشرفة، وركزوا محاولاتهم لتفجير مشاهد الأئمة (ع)!

وقد شهد العراق جرائمهم الوحشية على مدى سنوات، ووثقتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ووثقناها في موقع خاص باسم: طريق كربلاء.

وقد حاولوا مراراً تفجير ضريح الإمام الحسين (ع)، ففشلت محاولاتهم.

قام الوهابيون بتفجير قبر الإمام الهادي (ع)

قام إرهابيون نواصب يرتدون زي الشرطة العراقية، بتفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري (ع)، وذلك بتاريخ: ٢٣ / محرم الحرام / ١٤٢٨ ـ الموافق٢٢ فبراير ٢٠٠٦.

وكان للخبر وقع الصاعقة على المسلمين في العراق وغيره، وكان من ردات فعله أن مجموعات من شباب الشيعة هاجمت في بغداد عدداً من مساجد السنة، فسارع المراجع الى الدعوة الى ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء فتنة طائفية.

وعمت مظاهر الغضب مدن العراق، وخرج آلاف الشيعة في مظاهرات احتجاجية على تفجير المشهد، وخرج جيش المهدي في مدينة الصدر والسماوة إلى الشوارع، وهم يرتدون الملابس السوداء ويحملون الأعلام والرايات، ويرددون هتافات منددة بمن وصفوهم بالبعثيين والوهابية والنواصب.

١٤٩

وحدثت أعمال قتل عشوائي في بغداد والمناطق المجاورة لها، وعثر على رفات ٤٧ مدنياً في حفرة بالقرب من بغداد، وأفاد الوقف السني أن مايقرب ١٦٨مسجداً سنياً تعرض للهجوم، وتم قتل ١٠ أئمة في المساجد، وخطف ١٥ آخرين في بغداد، وأفادت جهات أمنية أن حصيلة العنف بعد التفجير قد تتجاوز ١٠٠ قتيلاً، وبالقرب من سامراء قام مسلحون بقتل مراسلة قناة العربية أطوار بهجت مع اثنين من المصورين، الذين قصدوا المكان لتغطية الأحداث.

فيما قام مسلحون يرتدون زي الشرطة بقتل ١١شخص سني في البصرة، كما قام مسلحون بالهجوم على أحد السجون، وأخذوا بعض الأشخاص وقتلوهم.

وقد استنكرت الجريمة دول وشخصيات عديدة، منهم وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، قال: إن مثل هذه العمليات تتنافى مع جميع المعتقدات ‏‏والأديان السماوية، وتهدف إلى تقويض وحدة العراقيين.

وعَبَّرَ كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة عن صدمته وأسفه البالغ لوقوع هذه الجريمة الشنعاء. وأدان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج عبد الرحمن بن حمد العطية، التفجير الذي استهدف مرقد الإمامين الهادي والعسكري في مدينة سامراء، مجدداً رفض دول مجلس التعاون للتطرف والعنف بمختلف أشكاله وصوره. وأدانت الحكومة الفرنسية بشدة عملية التفجير عبر بيان لها أكدت فيه أنها تدين بأشد لهجة ممكنة هذا الهجوم ضد أحد المواقع الأكثر

١٥٠

قداسة في العراق، وشدد البيان على ضرورة وضع حد لكافة الأعمال التي تنشر الكراهية والعنف.

وكذلك أدان مصدر رسمي سوري بشدة الإعتداءات الإجرامية النكراء، والتعرض الآثم للأضرحة القدسية والمساجد والمؤسسات الدينية، ووصفه بأنه عمل يستهدف إثارة الفتنة في العراق، وتمزيق وحدته الوطنية.

وأدان وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ ‏التفجير الذي استهدف مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء.

ووصف رئيس كتلة تيار المستقبل سعد الحريري الإعتداء بأنه محاولة للإيقاع بين المسلمين في العراق، معرباً عن استنكاره لهذا العمل ‏الذي يناقض كل القيم الدينية والحضارية.

وبعث أميرالكويت برقية إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني عبر فيها عن استنكار الكويت وإدانتها الشديدة لعملية التفجير، مؤكداً أن هذه الأعمال التي تستهدف الإماكن المقدسة وقتل الأبرياء بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، وتتنافى مع كل القيم الانسانية.

وبعث العاهل الأردني عبد الله الثاني برقية إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني يؤكد فيها أن التعرض للمرقد إساءة لكل المسلمين من مختلف المذاهب، مؤكداً وقوفه قيادة وشعباً إلى جانب العراق.

وأصدر مراجع النجف بيانات استنكروا فيها الجريمة، ودعوا الناس الى ضبط النفس.

١٥١

وجاء في بيان المرجع السيد الحسيني السيستاني:

« يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْكَرِهَ الْكَافِرُونَ »

إن الكلمات قاصرة عن إدانة هذه الجريمة النكراء، التي قصد التكفيريون من ورائها إيقاع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي، ليتيح لهم ذلك الوصول إلى أهدافهم الخبيثة. إن الحكومة العراقية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى ـ إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة في وقف مسلسل الأعمال الإجرامية التي تستهدف الإماكن المقدسة، وإذا كانت أجهزتها الأمنية عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة، فإن المؤمنين قادرون على ذلك بعون الله تبارك وتعالى.

إننا إذ نعزي إمامنا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف بهذا المصاب الجلل نعلن الحداد العام لذلك سبعة أيام، وندعوالمؤمنين ليعبروا خلالها بالأساليب السلمية، عن احتجاجهم وإدانتهم لانتهاك الحرمات واستباحة المقدسات، مؤكدين على الجميع وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروعة، أن لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة طائفية، طالما عملوا على إدخال العراق في أتونها. ٢٣ / المحرم الحرام / ١٤٢٧ هـ

رُعونة الوهابية في تفجير مآذن المشهد الشريف!

سلمت من معالم مشهد الروضة العسكرية مئذنتان ذهبيتان، فلم يرق ذلك للوهابيين، فقاموا بعد نحو سنة بتفجيرها أيضاً، ظناً منهم أن المسلمين لن يعيدوا بناءها، وقد خاب ظنهم ومسعاهم، فقد أعاد المسلمون مشهد ابن بنت نبيهم (ص) بأحسن مما كان، وافتتحوه للزيارة رغم أنوف النواصب.

١٥٢

رُعونة الوهابية في الدفاع عن المتوكل!

يتضح لكل باحث بنظرة فاحصة، في شخصية المتوكل وحياته، أنه:

ـ شاب مترف كان يطيل شعره من الخلف، ليكون كشعر المرأة، على طريقة المخنثين، ويعيش مع أصدقائه أبناء القادة الأتراك الفاسدين.

ـ أمر الواثق بحبسه ومنعه من الخروج، لئلا يكثر لغط الناس على بيت الخليفة.

ـ ولما مات الواثق جاؤوا به من سجن التخنث، وبايعوه خليفة.

ـ كان حقوداً قاتلاً، فلم يترك أحداً له فضل عليه إلا وقتله أو عزله. فقد قتل القائد إيتاخ التركي الذي رباه في بيته، وعزل القاضي ابن أبي دؤاد الذي اختاره خليفة. وهكذا أكثر وزرائه وكتابه! وكان يأمر بضرب الشخص ألف سوط حتى يموت، وهذا لا يقره شرع ولا عقل!

ـ كان مسرفاً في البذخ والترف، يبنى قصوراً لا يحتاجها، وينفق عليها وعلى حفلاته ألوف الملايين من أموال المسلمين.

ـ كان يبغض علياً والحسن والحسين (ع) ويعادي من يحبهم، ويعقد مجالس للغناء يسخر فيها من علي (ع)! وقد قتل ابن السكيت لأنه فضل علياً والحسنين (ع) عليه وعلى ولديه!

ـ لم يَدَّعِ المتوكل لنفسه ما ادعوه له: أنه من أهل الدين والتقوى!

فما هو الموجب إذن، لأن يتبناه الوهابية، ويقتلوا أنفسهم في الدفاع عنه؟

الجواب: أنهم أهل هوى وتعصب، ولاتوجد مقومات إيجابية في شخصية المتوكل، إلا أنه مؤسس حزبهم المجسم الناصبي التكفيري!

١٥٣

ولزيادة المعرفة بتهافت منطقهم نورد فقرة من حوارات شبكة النت، حيث سأل رجل شيخاً وهابياً عن هدم المتوكل لقبر الإمام الحسين (ع)، وكتب له:

فهل يكفيك أخي الكريم ما سبق لإثبات ما كان عليه المتوكل من نُصب؟ ألا يكون النُّصْب بدعةً عندك وانحرافاً عن منهج السلف، وهذه أعظم وأشنع وأشد، وأعيذك بالله منها، فالإ نحراف عن آل البيت انحراف عن الدين وتضييع لوصية لرسول الله، ونقص في محبته، وهو بدعةٌ ضلالة، ورذيلةٌ منكرة باء بكبرها بنو أمية، وورثها عنهم جماعة من المنتسبين إلى السنة، وأخاف أن يكون عدم استثنائك لهذا الناصبي الخبيث، من بقايا هذا الإرث!

لقد ورثت عن أجدادك العباسيين، بغضهم للعلويين، وإعلانهم الحرب عليهم بعد أن سلبوهم الحكم، ونقضهم ما عاهدوهم عليه من أخذ البيعة للرضا من آل محمد، بل قتلهم والتنكيل بهم كما فعلوا بمحمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم وكل أقاربهم وشيعتهم! ولئن كان هذا هو السبب فلبئس ما أتيت، إذ لو كان رسول الله محور حبنا وولائنا، فآل علي أحب إلينا من آل العباس، فهم أحفاد سيدة نساء العالمين، وأحفاد أمير ومولى المؤمنين، وأحفاد السبطين، وأجدادهم هم خاصة آل البيت، بل أولى الناس بذلك وأحراهم، فقد جللهم المصطفى بكسائه وقال هؤلاء أهل بيتي، ولم يجلل معهم العباس ولا الزوجات المرضيات رضي الله عن الجميع، وقد جمعهم دون غيرهم لمباهلة أهل نجران ولم يجمع معهم غيرهم، فكان أولى بك الإنتصار لهم، حباً لرسول

١٥٤

الله، وليس الإنتصار لمن آذاهم وأبغضهم من أمثال أبي جعفر وهارون، فهذه هي حقيقة المحبة لآل البيت، المحبة المجردة عن كل عصبية أو قبلية أو قومية.

أن تعتبر ما كان منه في قضية خلق القرآن، ماحياً لهذه السيئات العظيمة، والله ما ذلك بماحٍ ولا مكفر، فبدعة النصب أخزى وأشنع وأقبح. فبدعة الخلق لأصحابها تأويلات ومتمسكات قربت أو بعدت، أما النصب فلا متمسك له إلا العداء لآل البيت النبوي، وخاصة آل علي الذين هم خاصة آل البيت وخلاصتهم. وعليه فحتى لوكان موقفه ذلك حسنةً ودوافع ذلك محل دراسة، فهي مغمورة في بحر هذه السيئات والخطايا المقيتة، عليه من الله ما يستحق!

فأجابه الوهابي أبو عبد الرحمن، الذي يدعي أنه من ذرية العباسيين، قال:

الحمد لله الذي خلق الخلق فجعلهم قبائل وعشائر وبيوتاً، فجعلني من خيرهم قبيلةً وعشيرةً وبيتاً، والشكر له سبحانه الذي أراد كَوْناً تفرق المسلمين إلى فرق فجعلني من خيرهم فرقة أهل السنة والجماعة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، الذي أخبر أن كل الفرق في النار، إلا من كان على مثل ما كان عليه هو وأصحابه، أما بعد:

فنحن نرحب بأي نقد ورد، حتى لو كان نَفَسَ الرد والنقد نفَساً شيعياً واضحاً لأنه لاينقصنا ولله الحمد علم ولا حلم، فجدنا الحبر البحر، وحلمنا كما قال ابن كثير في البداية والنهاية المجلد الخامس عشر / ٥٦٧ : حِلْمُ العباسيين غزير.

١٥٥

أما بالنسبة لما كتبته، فكما أشرت في بداية كلامي أن النَّفَسَ الشيعي واضحٌ في كلامك وأسلوبك، وحنقك على بني العباس أبقاهم الله شوكة في حلوق أهل البدع أجمعين. وسأرد على كلامك رداً تفصيلياً، لكن سأبدأ بنقل كلام أئمة أهل السنة عن جدي الإمام ناصر السنة والدين، وقامع البدعة والمبتدعين، وعدو المعتزلة والروافض المشركين، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين المتوكل (رحمه الله):

الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه السنة: ١ / ١٣٤: كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، يعني المتوكل، أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن، لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة. وأملى علي أبي إلى عبيد الله بن يحيى: أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته، فقد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين أيده الله، من أمر القرآن بما حضرني، وإني أسأل الله عز وجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين أعزه الله بتأييده، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين أيده الله عز وجل، فنفى الله تعالى بأمير المؤمنين أعزه الله كل بدعة وانجلى عن الناس كل ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس، فصرف الله عز وجل ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين أعز الله نصره، ووقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً، ودعوا الله عز وجل لأمير المؤمنين. فأسأل الله تعالى أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء.

١٥٦

وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين أدام الله عزه، وأن يزيد في نيته ويعينه.

قال الخلال في كتابه السنة « ١٨٤ »: أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وذكر الخليفة المتوكل (رحمه الله) فقال: إني لأدعو له بالصلاح والعافية، وقال: لئن حدث به حدث لتنظرن ما يحل بالإسلام.

قال العباسي السلفي: وهذا من أصح الأسانيد للإمام أحمد (رحمه الله).

الإمام الدارمي (رحمه الله): قال في نقضه على المريسي الجهمي العنيد « ١ / ٥٣٤ »: فلم تزل الجهمية سنوات يركبون فيها أهل السنة والجماعة، بقوة ابن أبي داؤد المحاد لله ولرسوله، حتى استخلف المتوكل (رحمه الله)، فطمس الله به آثارهم، وقمع به أنصارهم حتى استقام أكثر الناس على السنة الأولى، والمنهاج الأول.

الإمام شيخ الإسلام بن تيمية (رحمه الله): قال في مجموع الفتاوى « ٤ ٢١ »: وكان في أيام المتوكل قد عز الإسلام، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم. ففي عهده رفعت المحنة بخلق القرآن.

وقال في مجموع الفتاوى « ٣ / ٢٥ »: ثم إن الله كشف الغمة عن الأمة في ولاية المتوكل على الله، الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية الذين أقاموا المحنة لأهل السنة، فأمر المتوكل برفع المحنة وإظهار الكتاب والسنة، وأن يروى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.

١٥٧

الإمام بن كثير (رحمه الله): قال في البداية والنهاية « ١٤ ٣١٧ »: وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكناني، صاحب كتاب الحِيدة، على المتوكل وكان من خيار الخلفاء.

وقال أيضاً « ١٤ ٤٥٤ »: وكان المتوكل محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين. وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية.

وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور، قال فقلت: المتوكل؟ قال: المتوكل. قلت: فما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقليل من السنة أحييتها.

قال الشريف أبو عبد الرحمن العباسي السلفي حفيد المتوكل: فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل، ولا يتتبعون زلاته، لأنهم يعلمون أنه لا أحد معصوم من الزلل، ولأنهم يعلمون حسناته الكبيرة وجهوده العظيمة في نصرة السنة وأهلها، ويعلمون مدى بغض أهل البدع له، وخاصة الروافض والمعتزلة.

وقد كتب في ذمه في هذا العصر المبتدع حسن المالكي، وقد رد عليه أهل السنة وذبوا عن المتوكل (رحمه الله)، راجع كتاب قمع الدجاجلة لعبد العزيز الراجحي، تقديم العلامة الفوزان.

١٥٨

وأما اتهامك له بالنصب (رحمه الله) فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة، والرد على ما استند عليه في اتهامه بذلك (رحمه الله) وأعلى درجته، وهي ثلاث حوادث أو قصص، فصلنا الكلام عنها في مقالنا ذلك.

وأنت في تسويدك هذا قد ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النُّصب، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي «! » الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة والسنة، في كتابنا عقيدة بني العباس.

والثاني هو الإمام الذهبي (رحمه الله) وقد اضطرب كلامه في هذا، فمرة يقول: وكان في المتوكل نصب. ومرة يقول: وكان معروفاً بالنصب. ومرة قال: ولم يصح عنه النصب. كما في تاريخ الإسلام. فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه (رحمه الله)، وحاشاه، فهو الذي قال عنه أحمد: إن الله نفى به كل بدعة، وهذا الذي فعلناه في مقالنا الآنف الذكر. انتهى.

أقول: لاحظ ما في جواب هذا الناصبي من عجرفة وتزوير:

١. فقد بدأ بالفخر بنفسه بأنه من خيرهم قبيلةً وعشيرةً وبيتاً! لأنه هاشمي عباسي كما يدعي، ففضل نفسه على الناس، لأنه من عشيرة رسول الله (ص)!

٢. ثم تغاضى عن ظلامة العترة النبوية وهم أقرب منه الى النبي (ص)، ودافع عمن ظلمهم! فهو يفتخر بابن العشيرة ويغمط حق الإبن الصلب!

١٥٩

ويعطي الحق لنفسه بقرابة العشيرة، وينكر حق العترة بنص القرآن والسنة!

٣. وبَّخ مخاطبه بأن كلامه فيه نَفَسٌ شيعي، فالنفَس المحب لعترة النبي (ص) جريمة، لكنه يفتخر بالنفس العباسي وكأنه هو الإسلام!

٤. دافع عن المتوكل بكلمات من مؤيديه: ابن حنبل، والخلال، والدارمي، وابن تيمية، والذهبي، وابن كثير. فهل انتهى علماء الإسلام بهؤلاء؟

وأين آراء الذامين وهم أعظم منهم؟ ثم ماذا قال هؤلاء، وهل نفوا عنه النُّصب ونفوا عنه شرب الخمر، والتخنث، والزنا، والقتل، وهدم قبر الحسين (ع)؟

ثم لاحظ قوله: « فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل ».

فهو يُدّلِّسُ على القارئ بأن أهل الحديث والأثر هم أهل السنة والجماعة، وأنهم يمدحون المتوكل، وإنما يثني عليه مجسمة الحنابلة، الذين نصحهم ابن الجوزي بكتابه: رد شبه التشبيه، وقال إنهم شانوا مذهب ابن حنبل وشوهوه!

٥. وإذا كان المتوكل من أئمة الهدى كما زعم، فلماذا يمدحون ابن حنبل بأنه لم يدخل بيته، ولم يأكل من طعامه، ولا أخذ من ماله، لأنه حرام أو مشبوه!

٦. ثم كابر الناصبي وأنكر أن المتوكل ناصبيٌّ، وهو أمرٌ أوضح من الشمس قال: وأما اتهامك له بالنصب (رحمه الله) فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة!

١٦٠

وقال: « ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النصب، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة والسنة في كتابنا عقيدة بني العباس »!

يقصد أن الطبري لم يَذكر عنه شيئاً من نصب المتوكل، وكأن الطبري عندما ذكر هدمه لقبر الحسين (ع) كان يمدحه بذلك ويثبت حبه للحسين (ع)!

ثم احتج باضطراب كلام إمامه الذهبي، قال: وقد اضطرب كلامه في هذا، فمرة يقول: وكان في المتوكل نصب. ومرة يقول: وكان معروفاً بالنصب. ومرة قال: ولم يصح عنه النصب. فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمه الله تعالى وحاشاه!

هكذا يتصور هذا الوهابي أنه بجرة قلم يجعل المتوكل تقياً، ويمحو عنه فحشاءه ومنكراته، ونصبه وعداوته لأهل البيت (ع)!

وقد دلس في كلام الذهبي وغيَّبه، فلاحظ ما قاله الذهبي لتعرف أنهم يُغيبون حتى كلام أئمتهم بسبب هواهم وتعصبهم!

قال الذهبي في سيره « 18 / 552 »: « ويروى أن المتوكل نظر إلى ولديه المعتز والمؤيد فقال لابن السكيت: من أحب إليك، هما، أو الحسن والحسين قال: قنبر، يعني مولى علي، خير منهما. قال: فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى كاد يهلك، فبقي

١٦١

يوما ومات. ومنهم من قال: حمل ميتاً في بساط، وبعث إلى ابنه بديته. وكان في المتوكل نُصب بلا خلاف ».

وقال في سيره « 13 / 18 »: « ويروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد فقال لابن السكيت: من أحب إليك: هما أو الحسن والحسين؟ فقال: بل قنبر، فأمر الأتراك فداسوا بطنه فمات بعد يوم. وقيل: حمل ميتاً في بساط. وكان في المتوكل نصب، نسأل الله العفو. مات سنة أربع وأربعين ومئتين ».

وقال في سيره « 12 / 25 »: « وفي سنة ست وثلاثين هدم المتوكل قبر الحسين رضي الله عنه، فقال البسامي أبياتاً منها:

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما

وكان المتوكل فيه نصبٌ وانحراف، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور، وأمر أن يزرع، ومنع الناس من انتيابه ».

وقال في سيره « 12 / 136 »: « عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني نصر بن علي أخبرني علي بن جعفر بن محمد، حدثني أخي موسى، عن أبيه، عن أبيه، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم: أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة. قلت: هذا حديث منكر جداً.

ثم قال عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بهذا، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: الرجل من أهل السنة ولم يزل به

١٦٢

حتى تركه. وكان له أرزاق فوفرها عليه موسى. قال أبو بكر الخطيب عقيبه: إنما أمر المتوكل بضربه، لأنه ظنه رافضياً. قلت: والمتوكل سني لكن فيه نصب، وما في رواة الخبر إلا ثقةٌ ما خلا علي بن جعفر، فلعله لم يضبط لفظ الحديث، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم من حبه وبث فضيلة الحسنين ليجعل كل من أحبهما في درجته في الجنة، فلعله قال: فهو معي في الجنة. وقد تواتر قوله (ع): المرء مع من أحب. ونصرُ بن علي، فمن أئمة السنة الأثبات ».

لاحظ أن الذهبي صحح الحديث، لكن مع تخفيف بعض ألفاظه، وحكم بنُصب المتوكل في عدة موارد ونصوص!

وقال الذهبي في تاريخه: 17 / 18: « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من الدور، وأن تعمل مزارع. ومنع الناس من زيارته وحُرث وبقي صحراء! وكان معروفاً بالنصب، فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، دعبل وغيره ».

وفي سير أعلام النبلاء: 12 / 35: « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور، فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان، وهجته الشعراء كدعبل وغيره ».

أما قوله: ولم يصح عنه النصب، الذي حاول هذا الوهابي أن يتشبث به، فجاء في سيره « 12 / 41 »: « وقيل: لم يصح عنه النصب، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي، وأعطاه أربعة آلاف دينار. فالله أعلم ».

١٦٣

وقال في سيره « 9 / 448 »: « وبويع المنتصر من الغد بالقصر الجعفري يوم خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين، وقيل: لم يصح عنه النصب، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي، وأعطاه أربعة آلاف دينار، فالله أعلم ».

فما زال مع مدحه يحكم بأنه ناصبي، ويذكر نفي نصبه بقيلَ، ولا يقبله.

وقال في تاريخه « 18 / 199 »: « ورد أن بعضهم رآه في النوم فقال له: ما فعل الله بك قال: غفر لي بقليل من السنة أحييتها. وقد كان المتوكل منهمكاً في اللذات والشرب، فلعله رُحم بالسنة ولم يَصح عنه النصب ».

فهو يقول: قيل إن المتوكل نجا في الآخرة حسب هذا المنام، فإن صح ذلك فربما كانت نصرته للسنة توجب غفران انهماكه في الشهوات.

ثم يقول: أما قضية نُصبه فلا تغفر بذلك، فإن صح هذا المنام وكان حجة، فلعل أخبار نصبه الثابتة لم تكن صحيحة. فهو احتمال مطلق في مقابل اليقين!

فاعجب لمن يتشبثون باحتمال في مقابل يقين، وبمنام رؤيَ في مقابل حق مبين!

١٦٤

الفصل الثامن:

ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين (ع)

اضطهد المتوكل العلويين فاتجهوا الى الثورة

قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 395: « لما وليَ المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي، فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد علي طبرستان ونواحي الديلم. وخرج بالري: محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين، يدعوإلى الحسن بن زيد، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور، فلم يزل في حبسه حتى هلك وكان ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

ثم خرج من بعده بالري: أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين

ابن علي بن أبي طالب، يدعوإلى الحسين بن زيد.

وخرج الكوكبي، وهوالحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير، لم يحمل هذا الكتاب إعادتها لطولها، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم، دون من خرج فلم يقتل ».

أقول: المتأمل في تاريخ الإسلام يجد أن الثورات بعد النبي (ص) كلها علوية، وغيرها تقليدٌ لها، أوسرقةٌ منها. فأول الثائرين على القرشيين أهل السقيفة: هو

١٦٥

علي (ع) ثم ولده الحسين (ع) سنة ستين للهجرة، ثم ولده زيد بن علي رضي الله عنه في الكوفة سنة 121للهجرة، ثم واصل ثورته ابنه يحيى بن زيد رضي الله عنه في خراسان، ثم ورثها الحسنيون والعباسيون حتى أسقطوا الدولة الأموية سنة 132 هجرية. وتواصلت ثورات العلويين ضد ظلم العباسيين، وتوزعت على بلاد مختلفة، كما رأيت في نص أبي الفرج، وقد حفل بها كتابه: مقاتل الطالبيين.

وقد انتشر العلويون في بلاد العالم الإسلامي شرقاً وغرباً، فظهرت ثوراتهم في اليمن ومصر وإفريقيا والمغرب غرباً، وإيران وما وراء النهر شرقاً.

وقد حاول المأمون أن ينهي ثورات العلويين، بإعطاء ولاية عهده شكلياً للإمام الرضا (ع)، فخفت ثوراتهم في زمنه، لكنها لم تنتهِ.

وكانت سياسة المأمون وبعده المعتصم والواثق لينة نسبياً مع أهل البيت (ع) لأنها سمحت برواية فضائلهم في الإسلام، لكنها في نفس الوقت عملت لقتل أئمتهم المعصومين (ع) واستعملت الشدة والقمع مع الثائرين منهم.

ثم جاء المتوكل بسياسة العداء لأهل البيت (ع) فنقم عليه عامة المسلمين لهدمه قبر الحسين (ع)، وكتبوا شتمه على جدران بغداد.

واندفع بعض العلويين الى الثورة في عصره، ولا يتسع المجال لتأريخ الثورات العلوية في عهد المتوكل، لكن نشير الى أن نجاح بعضها كثورة الحسنيين في المغرب والزيديين في شمال إيران، أوجد جواً عاماً في بغداد، مؤيداً لأهل البيت ومستنكراً للظلم العباسي.

١٦٦

وقد تصاعد هذا الجو حتى جاءت قوة آل بُويَه العسكرية الشيعية مقابل القوة التركية العباسية، وسيطرالبويهيون على بغداد سنة 320 هجرية، وصار الخليفة العباسي بيدهم. وكان ذلك بعد ثمانين عاماً من هدم قبر الحسين (ع). واستمر حكم البويهيين الشيعة أكثر من قرن حتى نشأت قوة الأتراك السلاجقة، فسيطروا على بغداد سنة 447، وعاد الخليفة العباسي الى أيدي الأتراك السنة.

الموجة الشعبية المؤيدة للإمام الهادي (ع)

اتفق المؤرخون على ثلاث ظواهر حدثت في الأمة بسبب هدم المتوكل لقبر الحسين (ع)، وكلها تدل على تعاطف الناس مع العلويين والإمام الهادي (ع)!

أولاها: أن شتم المتوكل كتب على جدران بغداد، وقد ذكرذلك عامة المؤرخين ولم يذكروا نص هذه الشتائم، ولا أن الدولة استطاعت أن تعاقب عليها.

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 374: « أمر بهدم قبر الحسين، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته وخُرِّبَ وبقيَ صحراء. وكان المتوكل معروفاً بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، فمما قيل في ذلك ».

وقال الذهبي في تاريخه: 17 / 18: « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من الدور، وأن تعمل مزارع. ومنع الناس من زيارته وحُرث وبقي صحراء! وكان معروفاً بالنصب، فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، دعبل وغيره ».

١٦٧

وفي سير أعلام النبلاء: 12 / 35: « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور، فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان، وهجته الشعراء كدعبل وغيره ».

وفي طبقات الشافعية: 2 / 54: « أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وحُرث وبقي صحراء فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه دعبل وغيره من الشعراء ».

وقال التنوخي في نشوار المحاضرة: 6 / 321: « كان المتوكل معروفاً بالنصب، أمر في السنة 236 بهدم قبر الحسين فكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان، وقال البسامي ». ونحوه الصفدي في الوافي: 11 / 102، والنجوم الزاهرة: 2 / 283.

والظاهرة الثانية: أن أحمد بن حنبل كان من جماعة المتوكل، لكن لما جاءت الى المتوكل إخبارية بأن أحمد خبَّأَ علوياً في بيته وهو يأخذ له البيعة ليثور، سارع بإرسال قوة وفتشوا بيت أحمد بن حنبل حتى غرف النساء والبئر وغيرها!

وهذا يدل على أن موجة التأييد للعلويين والكره للمتوكل كانت قوية الى حد أن المتوكل احتمل أن يكون صاحبه ابن حنبل وقع تحت تأثيرها ودخل فيها!

والظاهرة الثالثة: التعاطف العلني مع الثوار العلويين، ويكفي مثالاً لذلك أن البغداديين منعوا السلطة من صلب رأس العلوي الثائر يحيى بن عمر (رحمه الله).

١٦٨

قال الطبري « 7 / 428 »: « ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه، وكتب إليه بالفتح بيده، ونصب رأسه بباب العامة بسامرا، واجتمع الناس لذلك وكثروا وتذمروا!

وتولى إبراهيم الديزج نصبه لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة، ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد لينصب بها بباب الجسرفلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله، لكثرة من اجتمع من الناس! وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم على أخذه اجتمعوا، فلم ينصبه وجعله في صندوق في بيت السلاح في داره ».

لذلك تعاظم تأييد الناس للإمام الهادي (ع) حتى: « كتب بُرَيْحَة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين الى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منهما، فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير ». « إثبات الوصية: 1 / 232 ».

من الثورات العلوية في زمن المتوكل

ثورة يحيى بن عمر:

قال المسعودي في مروج الذهب: 4 / 63: « ظهر في هذه السنة وهي سنة ثمان وأربعين ومائتين بالكوفة: أبوالحسن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار، وأمه فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار. وقيل إن ظهوره كان بالكوفة سنة خمسين ومائتين، فقُتل وحمُل رأسه إلى بغداد وصُلب، فضج الناس من ذلك لما كان في نفوسهم من المحبة له، لأنه استفتح أموره بالكَفِّ عن

١٦٩

الدماء، والتوَرُّع عن أخذ شئ من أموال الناس، وأظهر العدل والإنصاف، وكان ظهوره لذلٍّ نزل به، وجفوةٍ لحقته، ومحنةٍ نالته من المتوكل وغيره من الأتراك. ودخل الناس الى محمد بن عبد الله بن طاهر « القائد العباسي والي بغداد » يهنئونه بالفتح، ودخل فيهم أبوهاشم الجعفري، وهوداود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، بينه وبين جعفر الطيار ثلاثة آباء، ولم يكن يعرف في ذلك الوقت أقعد نسباً في آل أبي طالب وسائر بني هاشم وقريش منه، وكان ذا زهد وورع ونسك وعلم، صحيح العقل سليم الحواس منتصب القامة، وقبره مشهور وقد أتينا على خبره وما روي عنه من الرواية عن أبيه ومن شاهد من سلفه في كتاب حدائق الأذهان في أخبار آل النبي (ص)، فقال لابن طاهر: أيها الأمير إنك لتُهَنَّأُ بقتل رجل لوكان رسول الله (ص) حياً لعُزِّيَ به!

فلم يجبه محمد، وخرج من داره وهويقول: يا بني طاهر البيتين.

وقد كان المستعين أمر بنصب الرأس، فأمر ابن طاهر بإنزاله لما رأى من الناس وما هم عليه، وفي ذلك يقول أبوهاشم الجعفري:

يا بني طاهرٍ كُلُوه وبِيًّا

إنَّ لحمَ النبيِّ غَيْرُ مَرِيِّ

إن وتراً يكون طالبُهُ اللهُ

لوِتْرٌ بالفوْتِ غَيْرُ حَرِيِّ

وقد رُثيَ أبوالحسين يحيى بن عمر بأشعار كثيرة، وقد أتينا على خبر مقتله وما رثي به من الشعر في الكتاب الأوسط.

وكان يحيى دَيِّناً كثير التعطف والمعروف على عوام الناس، باراً بخواصهم، واصلًا لأهل بيته، مؤثراً لهم على نفسه، مُثقَلَ الظهر بالطالبيات، يجهد نفسه

١٧٠

ببرّهن والتحنن عليهن، لم تظهر له زلة، ولا عرفت له خِزْيَة. ومما رثي به ما قاله فيه أحمد بن طاهر الشاعر، من قصيدة طويلة:

سلامٌ على الإسلام فهومودِّعٌ

إذا ما مضى آلُ النبيِّ فودَّعُوا

فَقَدْنا العُلا والمجدَ عند افتقادهم

وأضحت عروشُ المكرمات تَضعضع

أتجمع عَيْنٌ بين نومٍ ومضجعٍ

ولابن رسول الله في التربِ مضجع

فقد أقفَرَتْ دار النبيِّ محمدٍ

من الدين والإسلام فالدارُ بلْقَعُ

وقُتِّل آلُ المصطفى في خلالها

وبُدِّدَ شملٌ منهمُ ليس يجمع

ألم ترَ آلَ المصطفى كيف تصطفي

نفوسَهُمُ أمُّ المنون فتتبع

بني طاهر واللؤم منكم سجيةٌ

وللغدر منكم حاسرٌ ومُقنَّعُ

قواطعكم في الترك غير قواطعٍ

ولكنها في آل أحمد تقطع

لكم كل يوم مشربٌ من دمائهم

وغُلَّتها من شربها ليس تُنْقَعُ

رماحُكُمُ للطالبيينَ شُرَّعٌ

وفيكم رماحُ الترك بالقتل شُرَّع

لكم مرتعٌ في دار آل محمَّدٍ

وداركمُ للترك والجيش مرتع

أخِلْتم بأن الله يرعى حقوقكم

وحقُّ رسول الله فيكم مضيع

وأضحوا يُرَجُّون الشفاعة عنده

وليس لمن يرميه بالوِتْرِ يَشفع

ولما قُتل يحيى جزعت عليه نفوس الناس جزعاً كثيراً، ورثاه القريب والبعيد، وحزن عليه الصغير والكبير، وجزع لقتله الملئ والدنئ، وفي ذلك يقول بعض شعراء عصره ومن جزع على فقده:

بكت الخيلُ شَجْوَها بعد يحيى

وبَكاهُ المهنَّدُ المصقولُ

وبكتهُ العراقُ شرقاً وغرباً

وبكاهُ الكتابُ والتنزيلُ

والمصلَّى والبيتُ والركنُ والحِجْرُ

جميعاً لهم عليه عويل

١٧١

كيف لم تسقط السماء علينا

يوم قالوا: أبوالحسين قتيلُ

وبنات النبيِّ يندبن شَجْواً

مُوجَعاتٍ دموعُهُنَّ تسيل

ويؤبِّنَّ للرزية بدراً

فقدُهُ مفظعٌ عزيزٌ جليل

قَطَّعت وجهه سيوف الأعادي

بأبي وجههُ الوسيمُ الجميل

وليحيى الفتى بقلبي غليلٌ

كيف يؤذى بالجسم ذاك الغليل

قَتْلُه مُذْكِرٌ لقتل عليٍّ

وحسينٍ ويومَ أودى الرسول

فصلاة الإله وقفاً عليهم

ما بكى مُوجَعٌ وحَنَّ ثَكُول

وكان ممن رثاه علي بن محمد بن جعفر العلوي الِحمَّاني الشاعر، وكان ينزل بالكوفة في حِمَّان، فأضيف اليهم، فقال:

يا بقايا السَّلَف الصا

لح وَالتَّجْرِ الرَّبِيحْ

نحنُ للأيامِ من

بينِ قَتيلٍ وجريحْ

خاب وجهُ الأرضِ كَمْ

غَيَّبَ من وَجْهٍ صبيحْ

آهِ من يومك ما أَوْ

دَاهُ للقلبِ القَريحْ

وفيه يقول:

تضَوَّع مسكاً جانب القبر إذ ثوى

وما كان لولا شِلوُه يَتَضَوَّعُ

مصارعُ فتيانٍ كرامٍ أعزةٍ

أتيحَ ليحيى الخيرِ منهنَّ مَصْرَعُ

ومما رثى به علي بن محمد أيضاً أبا الحسين يحيى بن عمر فأجاد فيه، وافتخر على غيرهم من قريش، قوله:

لعمري لئن سُرَّتْ قريشٌ بِهَلْكِهِ

لما كانَ وقَّافاً غداةَ التَّوَقُّفِ

فإن ماتَ تلقاءَ الرماح فإنهُ

لمن معشرٍ يَشْنَوْنَ موتَ التترف

فلا تشمتوا فالقوم من يبقَ منهم

على سنن منهم مقام المخلف

١٧٢

لهم معكم إما جدعتم أنوفكم

مقامات ما بين الصَّفا والمعرَّف

تراثٌ لهم من آدمٍ ومحمدٍ

الى الثقلين من وصاياً ومِصحف »

وروى الطبري ثورة يحيى بن عمر بنحوما رواها المسعودي، وجاء فيها « 7 / 425 »: « ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، المكنى بأبي الحسين بالكوفة، وفيها كان مقتله ..

نالته ضيقة شديدة ولزمه دين ضاق به ذرعاً فلقى عمر بن فرج وهويتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان، أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ عليه عمر القول، فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه فحُبس، فلم يزل محبوساً إلى أن كفل به أهله، فأطلق بشخص إلى مدينة السلام « بشرط السكن في بغداد » فأقام بها بحال سيئة، ثم صار إلى سامرا فلقي وصيفاً في رزقٍ يُجرى له، فأغلظ له وصيف في القول وقال: لأي شئ يجرى على مثلك! فانصرف عنه، فذكر ابن أبي طاهر أن ابن الصوفي الطالبي حدثه أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها، فبات عنده ولم يعلمه بشئ مما عزم عليه، وأنه عرض عليه الطعام وتبين فيه أنه جائع، فأبى أن يأكل وقال: إن عشنا أكلنا!

قال: فتبينت أنه قد عزم على فتكةٍ. وخرج من عندي فجعل وجهه إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان عاملاً عليها، من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع يحيى بن عمر جمعاً كثيراً من الأعراب وضوى إليه جماعة من أهل الكوفة، فأتى الفلوجة فصار إلى قرية تعرف بالعمد ...

فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها وصار إلى بيت مالها فأخذ ما فيه، والذي وجد فيه ألفا دينار وزيادة شئ، ومن الورق

١٧٣

سبعون ألف درهم، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين، وأخرج جميع من كان فيهما وأخرج عمالها عنها، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي، وكان في عداد الشاكرية، فضربه يحيى بن عمر ضربة على قصاص شعره في وجهه أثخنته فانهزم ابن محمود مع أصحابه، وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب والمال. ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها وتبعته جماعة من الزيدية ثم أقام بالبستان فكثر جمعه.

فوجه محمد بن عبد الله لمحاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب، وضم إليه من ذوي البأس والنجدة من قواده جماعة وجماعة من خاصة الخراسانية ومضى يحيى بن عمر نحوالكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالاً شديداً، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب ..

ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية، ودعا إلى الرضا من آل محمد، وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه، وتولاه العامة من أهل بغداد، ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره.

وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيعهم، ودخل فيهم أخلاط لاديانة لهم فانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عُزَّلٌ بغير سلاح ضعيفي القوى خلقان الثياب، فداستهم الخيل، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه جوشن تَبَّتِي، وقد تقطر به البرذون فنزل إليه فذبحه وأخذ رأسه وجعله في

١٧٤

قوصرة، ووجهه مع عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن بن الخطاب، إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وادعى قتله غير واحد ...

ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد ونصب رأسه بباب العامة بسامرا ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد ليُنصب بها بباب الجسر، فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله، لكثرة من اجتمع من الناس ».

قصيدة ابن الرومي في رثاء يحيى العلوي

روى أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 420، ثورة يحيى بن عمر بشئ من التفصيل، ومما جاء فيه: « كان خرج في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر، فأمر المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي فسُلم إليه، فكلمه بكلام فيه بعض الغلظة فرد عليه يحيى وشتمه، فشكى ذلك إلى المتوكل، فأمر به فضُرب درراً، ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان، فمكث على ذلك مدة، ثم أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حيناً حتى خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد (ص).

وكان رضي الله عنه رجلاً فارساً شجاعاً، شديد البدن مجتمع القلب، بعيداً من رهق الشباب وما يعاب به مثله. كان مقيماً ببغداد، وكان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله، وكان ربما سخط على العبد أوالأمة من حشمه، فيلوي العمود في عنقه، فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه.

قال أبوالفرج: حدثني أحمد بن عبيد الله قال: حدثني أبوعبدالله بن أبي الحصين: أن يحيى بن عمر بما أراد الخروج بدأ فزار قبر الحسين (ع) وأظهر لمن حضره من

١٧٥

الزوار ما أراده، فاجتمعت إليه جماعة من الأعراب، ومضى فقصد شاهي فأقام بها إلى الليل، ثم دخل الكوفة ليلاً، وجعل أصحابه ينادون: أيها الناس أجيبوا داعي الله، حتى اجتمع إليه خلق كثير ..

ثم وصف معاركه وشهادته وقال: ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى، فوجه إليهم الحسين بن إسماعيل أبا جعفر الحسني يعلمهم أنه قد قتل، فشتموه وأسمعوه ما يكره وهموا به وقتلوا غلاماً له، فوجه إليهم أخاً كان لأبي الحسن يحيى بن عمر من أمه يعرف بعلي بن محمد الصوفي من ولد عمر بن علي بن أبي طالب، وكان رجلاً رفيقاً مقبولاً، فعرف الناس قتل أخيه فضجوا بالبكاء والصراخ والعويل وانصرفوا، وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد ومعه رأس يحيى بن عمر. فلما دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكاراً له ويقولون: إن يحيى لم يقتل، ميلاً منهم إليه، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء والصبيان يصيحون في الطرقات: ما قتل وما فر، ولكن دخل البر!

وقد كان خرج مع يحيى بن عمر جماعة من وجوه أهل الكوفة وأولى الفضل منهم، فسمعت بعض مشايخنا من الكوفيين يذكر وهومحمد بن الحسين، أن أبا محمد عبد الله بن زيدان البجلي خرج معه معلماً، وكان أحد فرسان أصحابه.

وقد لقيته أنا وكتبت عنه، وكنت أرى فيه من الحذر والتوقى من كثير من الناس ما يدل على صدق ما ذكر عنه. وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب، رُثِيَ بأكثر مما رثيَ به يحيى، واتفق في وقت مقتله

١٧٦

عدة شعراء مجيدون للقول، أولوا هوى في هذا المذهب، إلا أنني ذكرت بعض ذلك، كراهية الإطالة.

فمنه قول علي بن العباس الرومي يرثيه، وهي من مختار ما رُثيَ به، بل إن قلت إنها عين ذلك والمنظور إليه، لم أكن مبعداً، لولا أنه أفسدها بأن جاوز الحد وأغرق في النزع، تعدى المقدار بسب مواليه من بني العباس، وقوله فيهم من الباطل مالا يجوز ثم أوردها أبو الفرج وهي مئة وعشرة أبيات، نختار منها:

أمامك فانظر أيَّ نهيجك تنهج

طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ

ألا أيهذا الناسُ طالَ ضريرُكم

بآل رسول الله فاخشوا أوارتجوا

أكلُّ أوانٍ للنبيِّ محمدٍ

قتيل زكي بالدماء مضرَّج

تبيعون فيه الدين شر أئمة

فلله دين الله قد كاد يُمْرَج

بني المصطفى كم يأكلُ الناس شِلوَكم

لبلواكمُ عما قليلٍ مُفَرِّجُ

أما فيهمُ راعٍ لحق نبيهِ

ولا خائفٌ من ربه يتحرجُ

أبَعْدَ المكَنَّى بالحسين شهيدكم

تضاءُ مصابيحُ السماء فتُسرج

لنا وعلينا لا عليه ولا لهُ

تسجسجُ أسرابُ الدموع وتَنْشُجُ

وكيف نبكِّي فائزاً عند ربه

له في جنان الخلد عيشٌ مخرفج

فإلا يكن حياٌ لدينا فإنه

لدى الله حيٌّ في الجنان مزوج

وقد نال في الدنيا سناءً وصيةً

وقام مقاماً لم يقمه مزلَّج

أبيتُ إذا نام الخليُّ كأنما

تبطَّنَ أجفاني سيالٌ وعوسج

أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفهُ

يباشر مكواها الفؤاد فينضج

أحين تراءتك العيون جلاءها

وأقذاءها أضحت مراثيك تنسج

١٧٧

بنفسي وإن فات الفداء بك الردى

محاسنك اللاتي تمخُّ فتنهج

لمن تستجد الأرض بعدك زينةً

فتصبحُ في أثوابها تتبرج

سلامٌ وريحانٌ وروحٌ ورحمةٌ

عليك وممدودٌ من الظل سجسجُ

ولا بَرِحَ القاعُ الذي أنت جارُه

يرفُّ عليه الأقحوانُ المفلج

ألا أيها المستبشرون بيومه

أظلت عليكم غمةٌ لا تُفَرَّجُ

أكلكم أمسى اطمأن مهاده

بأن رسول الله في القبر مزعج

فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم

بوجه كأن اللون منه اليرندج

كدأب علي في المواطن قبله

أبي حسن والغصن من حيث يخرج

كأني به كالليث يحمي عرينه

وأشباله لا يزدهيه المهجهج

كأني أراهُ والرماح تنوشُهُ

شوارعُ كالأشطان تُدلى وتُخلج

كأني أراهُ إذ هوى عن جواده

وعُفر بالترب الجبين المشجج

أجنوا بني العباس من شنآنكم

وشدوا على ما في العياب واشرجوا

وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم

فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا

نظارٌ لكم إن يرجع الحق راجع

إلى أهله يوماً فتشجوا كما شجوا

على حين لا عذري لمعتذريكم

ولا لكم من حجة الله مخرج

فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم

وبينهم إن اللواقح تنتج

غررتم إذا صدقتم أن حالةً

تدوم لكم والدهر لونان أخرج

لعل لهم في منطوى الغيث ثائراً

سيسمو لكم والصبح في الليل مولج

بمجر تضيق الأرض من زفراته

له زجل ينفي الوحوش وهزمج

يؤيده ركنان ثبتان: رجلة

وخيل كإرسال الجراد وأوثج

عليها رجال كالليوث بسالة

بأمثالهم بثنى الأبي فيعنج

١٧٨

تدانوا فما للنفع فيهم خصاصة

تنفسه عن خيلهم حين ترهج

محضتكم نصحي وإني بعدها

لأعنق فيما ساءكم وأهملج

مهْ لا تعادوا غرة البغي بينكم

كما يتعادى شعلة النار عرفج

أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم

يكاد أخوكم بطنه يتبعج

تمشون مختالين في حجراتكم

ثقال الخطا أكفالكم تترجرج

وليدهم بادي الطوى ووليدكم

من الريف ريان العظام خدلج

تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم

ويشرع فيه أرتبيل وأبلج

فقد ألجمتهم خيفة القتل عنكم

وبالقوم جاج في الحيازم حوج

بنفسي الأولى كظتهم حسراتكم

فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا

ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم

كلابكم منها بهيم وديزج

وعيرتموهم بالسواد ولم يزل

من العرب المحاص أخضر أدعج

ولكنكم زرق يزين وجوهكم

بني الروم ألوان من الروم نعج

لئن لم تكن بالهاشميين عاهة

لما شكلكم تالله إلا المعلهج

بآية ألا يبرح المرء منكم

يكب على حر الجبين فيعفج

يبيت إذا الصهباء روت مشاشه

يساوره علج من الروم أعلج

فيطعنه في سبة السوء طعنة

يقوم لها من تحته وهو أفحج

لذاك بني العباس يصبر مثلكم

ويصبر للموت الكمي المدجج

فهل عاهة إلا كهذي وإنكم

لأكذب مسؤول عن الحق يلهج

أبى الله إلا أن يطيبوا وتخبثوا

وأن يسبقوا بالصالحات ويفلجوا

وإن كنتم منهم وكان أبوكم

أباهم فإن الصفو بالرنق يمزج

أروني امرأ منهم يزن بأبنة

ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

لعمري لقد أغرى القلوب ابن طاهر

ببغضائكم ما دامت الريح تنأج

١٧٩

وإني على الاسلام منكم لخائف

بوائق شتى بابها الآن مرتج

وفي الحزم أن يستدرك الناس أمركم

وحبلهم مستحكم العقد مدمج

نظارٌ فإن الله طالب وتره

بني مصعب لن يسبق الله مدلج

لعل قلوباً قد أطلتم غليلها

ستظفر منكم بالشفاء فتثلج

« وهي في ديوان ابن الرومي: 1 / 56 »

ملاحظات

1. من فوائد انتقال الخليفة الى سامراء وغيابه عن بغداد أن أهل بغداد تنفسوا الحرية، فكانوا يجهرون بتأييدهم للثائر العلوي، وإذا أمر الخليفة بصلب رأسه في بغداد، اعترضوا عليه وتجمهروا، فاضطر الوالي أن يخالف أمر الخليفة!

2. من الطبيعي في هذا الجو الموالي لأهل البيت (ع) أن يخاف المتوكل إذا وصل اليه خبرٌ بأن شخصية من العلويين موجودٌ في بغداد، وأنه يأخذ البيعة ليثور، وأنه مختبئ في بيت أحمد بن حنبل!

قال الذهبي في تاريخه « 18 / 84 »: « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم وقال ابن الكلبي « آمر السر ـ ية »: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ. قال: فأحْلفه بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين. قال: وفتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ: ورد الله الذين كفروا بغيظهم . فكتب بذلك إلى المتوكل فوقع منه موقعاً حسناً، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه ».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477