الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154428 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وأنّـكَ خـالدُ الـذكرى ويـبقى

حـديثكَ تـستطيبُ بـهِ النسيمُ

أبـا الأعـوادِ والـحكمِ اللواتي

تـمثّلَ فـيهما الأدبُ الـصميمُ

تَـرِفُّ عـلى روائـعها قـلوبٌ

لـرقّـتها ويـهـتزُّ الـجـسومُ

رأيـتكَ تـسحرُ الألبابَ وعظاً

فـكانت فـي يـديكَ كما ترومُ

وآلافُ الأنـامِ إلـيكَ تـصغى

ووجـهكَ لاحَ مـطلعُهُ الـوسيمُ

ودوّى صـوتكَ الـمرهوب فيها

كـأنّكَ فـي الـلقا أسـدٌ هجومُ

وقـد ضـاقَ المكانُ بهم فضلّتْ

عـلـى مـرآكَ أرواحٌ تـحومُ

مـواقفُ لـستُ أُحـصيها بعدٍّ

على الدنيا وهل تُحصى النجومُ

* * *

أبـا الأعوادِ منبركَ المرجّى

لـنفعِ الـناسِ يعلوهُ الوجومُ

فـهل أسـندتهُ لـفتى أبيٍّ

وهـل أحـدٌ يقومُ بما تقومُ

فمَنْ لشبابِ هذا العَصْرِ يهدي

إذا عصفت بفكرتهِ السمومُ

تُـجاذبهُ العواملُ ليس يدري

عـلى أيّ الـمبادئ يستديمُ

وجـاءت موجةُ الإلحادِ يقفو

خطاها الشرُّ والخطرُ الجسيمُ

أيا خطباءَ هذا العصرِ جدّوا

فـما بـلغَ المرامَ فتى تؤومُ

فـإنّ منابرَ الإسلامِ عطشى

إلى خـطباءِ زانتهم علومُ

تُـتـوّجهم عـقولٌ نـيّراتٌ

يـكون سنادها الذوقُ السليمُ

ويـمزجهم بهذا الشعبِ ذوقٌ

كـما امـتزجَ المنادمُ والنديمُ

وإنّ شعارها الإخلاصُ مهما

تـجاهلت الأسافلُ والخصومُ

لـيلمسَ منكمُ الشعبُ انطلاقاً

إلى اُفـقٍ جلت عنهُ الغيومُ

كفاكُمْ حربَ جسّاسٍ وصخرٍ

وما تبكي الطلولُ أو الرسومُ

فـما في عصركم قتبٌ وكورٌ

ولا سـلعٌ وربـعٌ والـغميمُ

أروهم حلوةَ الإسلامِ تزهو

جـوانـبهُ ومـنبعهُ الـعميمُ

وذا قـرآنـكمْ فـيهِ كـنوزٌ

يـحيرُ بوصفها اللبُّ الحليمُ

وكـان بـهِ اكتشافٌ وارتقاءٌ

وكـان بهِ الصراطُ المستقيمُ

أطـبّاءَ النفوسِ وهل رضيتم

لـمجتمعٍ يـعيثُ بهِ السقيمُ

وذي جـذواتكم تخبو ويبقى

يـسودُ بـجوّنا الفكرُ العقيمُ

٢١

فـكونوا للمنابرِ صوتَ حقٍّ

وسـيفاً لـيس يـعروهُ ثلومُ

خطيبُ القومِ أرجحهم كمالاً

خـبيرٌ بـالسقامِ بـهِ عليمُ

يكوَّن من شظايا القلبِ وعظاً

كأنّ عظاتهُ جمعت كلومُ(1)

5 - قال في ذكرى مولد سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام :

باسمِ الحسينِ حلتْ لنا الأشعارُ

وسـمتْ بـفضلِ سموّهِ الأفكارُ

وتـنـبّهتْ آمـالُنا وتـفتّحتْ

فـرحاً كـما تـتفتّح الأَزهـارُ

وتـبسّمتْ دنـيا السّرورِ مليئةً

بـالمبهجاتِ وأشـرقت أنـوارُ

وتـباشرت حورُ الجنانِ وهلّلتْ

لـجمالِ طـلعةِ وجههِ الأنظارُ

هـذي الـثغورُ يحفّها استبشارُ

والـحفلُ يـعبَقُ نشرهُ المعطارُ

لـمّا أبـو الأحرارِ أشرقَ نورُه

أضـحت لـهُ تتباشرُ الأحرارُ

طـافَ الهَناءُ يُديرُ كأسَ مديحه

وتـعـلّلت بـحديثهِ الـسمّارُ

اِسـمُ الـحسينِ وما ألذَّ حروفَه

فـكأنّهُ الـشهدُ الـحَلالُ يُـدارُ

ذكـرى إبـائَك عـزّةٌ وفخارُ

درسٌ بـهِ تـتحدّثُ الأعصارُ

أما روى الراوون بعضَ فصوله

راحـت فـلاسفةُ الزمانِ تُحارُ

وتـيقّنوا أنّ الـحسينَ ونـهجَهُ

لا جـورَ يـحكمهُ ولا استعمارُ

عـلّمتنا مـعنى الحياةِ بموقفٍ

فـيهِ تـمثّلَ عـزمُكَ الـجبّارُ

وأريـتنا أنّ الـمماتَ سـعادةٌ

ولـدى المهانةِ ترخصُ الأعمارُ

خـلّدتَ يعربَ مذْ عقدتَ لهامها

تـاجاً عـليهِ مـن عُلاكَ وقارُ

وكـسوتها حـللَ الخلودِ وإنّها

لا الـعصرُ يـبليها ولا الأدهارُ

إنْ مـرّ ذكرٌ للحسينِ تمثّل الـ

إعـظامُ والإجـلالُ والإكـبارُ

وإذا ذكـرتَ يزيدَ تبصرُ كومةً

مـن فـسقهِ يـطفو عليهِ العارُ

الـحقّ إشـعاعٌ يـلجُّ ضـياؤه

عـبرَ الـقرونِ ونـورهُ سيّارُ

فـبكلّ قـلبٍ نـبرةٌ لـشعورِه

وبـكلّ نـفسٍ رنّـةٌ وشـعارُ

أكـذا يـدومُ الـحقُّ في أبطاله

أكــذا تـخلّدُ آلـهُ الأطـهارُ

____________________

(1) ذكر الاُستاذ شبّر في كتابه ( أدب الطفّ 10 / 142 ) أنّ هذه القصيدة قالها في رثاء الشيخ كاظم نوح، بينما ذكرت مجلّة الإيمان في عددها الخاص بالشيخ اليعقوبي ص31 أنّها في رثاء اليعقوبي، وإنّي أرى لا مانع من تكرارها في الشخصيّتين وإن نُظمت في إحداهما، والأقوى أنّه الشيخ كاظم نوح.

٢٢

هـذا الـحسينُ ضريحهُ نوّارُ

عـكفت بـعتبةِ بـابهِ الزوّارُ

فـبكلّ نـفسٍ روعـةٌ لجلالِه

وبـكلِّ قـلبٍ مـرقدٌ ومزارُ

تـسمو على فلكِ السماءِ قبابه

ويـشعُّ لـلقصّادِ مـنهُ مـنارُ

وتـحطُّ تـيجانُ الملوكِ ببابه

ولـها ملاذٌ في الحمى وجوارُ

تـنهارُ أعماقُ القرونِ وذكرُه

بـاقٍ فـلا يـبلى ولا يـنهارُ

يا زمرةَ الجيلِ الحديثِ تيقّظوا

لـمصيركم خُلقَ الزمانُ مهارُ

هدفُ الحسينِ عليه نبني مجدنا

وبـضوءِ نهضتهِ لنا استبصارُ

الـدورُ دوركمُ خذوا بنصيبكمْ

مـن قبل أن تتصرّمَ الأعمارُ

6 - قصيدة رائعة في مولد الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان (أسرار المولد):

يـا محفلَ الذكرى لسيّد البشر

أذع فـتاريخكَ تـاريخٌ أغـر

فـإنّما الـمولودُ فـيكَ أحـمدٌ

مَـن حرّر العقلَ وأطلقَ الفكر

أذع فـهذا الـمنقذُ الأكبرُ والـ

مـشرّعُ الأعظمُ والأبُ الأبر

شـعّ عـلى الـعالمِ نورهُ فذا الـ

ـتمدينُ من لئلاءِ عقلهِ ازدهر

لـقد سما بالعربِ حتّى أذعنت

مـمالكُ الأرضِ لهم بحراً وبر

وطـأطـأت تـواضعاً لـعزّه

جـباهُ قيصرٍ وكسرى والخزر

بجنبكَ «الإيوان» فاحفِه الخبرْ

حقّاً ترى عند «جُهينة» الخبر

قـف وانظر الشقَّ بجنبهِ غدا

آيـةَ إعجازٍ على مرِّ العُصر

سـله وسـائل شـرفاته ففي

صـموته تـقرأ أفصحَ العبر

لأيّ أمـرٍ حـلّ تـنشقّ ومن

قـلّصَ ذلـك النعيمَ والبطر

ونـار فـارس خبت ألم تكن

مُذ ألف عامٍ قد تقادحت شرر

سـمعاً أبا العُرب وتاجها الذي

كـوّنَ مـنهم أُمّـةً ذات خطر

وزجّـها نـحو الـخلودِ عاقداً

لـها لـواءً رفّ فـوقهُ الظفر

وانـتشلَ الـعالمَ مـن تدهورٍ

يـؤولهُ الـلاتَ ويـعبدُ الحجر

وبـاعثاً دستورَ حقّ يكفِ للـ

سـعادةِ الـكبرى بآياتٍ غرر

لأنـتَ نـعمَ الحظّ قد كنت لها

لـكننّا بـئسَ الـعشير والنّفر

يا صاحبَ النورِ أضعنا مبدأً

يـمشي مع العقلِ سموّاً وكبر

تـنـاوحتنا طـغـمةٌ أجـلّها

لـو قـلت أنّـها حثالةُ البشر

يـضيمني أنّ يـدي تـعافني

وأنّ غيري نالَ في يدي الوطر

٢٣

ما كنتُ بالمأسوفِ لو أنّ أخي

يـدري إلى أينَ وأينَ المستقر

ولا الـمضام لـو تماسكت إذا

مـا قـيلَ لي أنّ أخاكَ قد عثر

يـا وتـر الساسةِ كم تطربهمْ

أجل وضرب العودِ يقطعُ الوتر

يا محفلَ الذكرى أبن لمَنْ وعا

مـقامَ طه في الحديثِ والسور

عـلّمهمُ الـغايةَ مـن تـذكاره

وسـرّ هـاتيك الرموز والدرر

أكـان يُـعلي قـدرهُ وشـأنه

بـعد ثـناءِ اللهِ شعرُ من شعر

بـموجةِ التصفيقِ يسمو شأوهُ

وبـالوفودِ زُمـراً إثـر زمر

ذي روح أحمدٍ وقد رفّت على

حـفلكمُ تـطلبُ جـوهرَ الأثرْ

ترى أضعنا الروحَ من أعمالنا

وأنّـنا قـد اجـتزينا بالصور

يـا خـابطَ السير تبصّر حسناً

سـيركَ مـعوجّ فكرّر البصر

الـفخرُ أن يُـقالَ شـقّ للعلا

طريقهُ ما الفخرُ عاث أو سكر

وطـالباً إصـلاحنا كـفى بأن

نـأمنَ منكَ الاعتداءَ والضرر

هـذي تجاربُ الحياةِ قد قضت

أن نكتفي لا نبتغي خيراً وشر

7 - وله غديريّة ألقاها في احتفال (منتدى النشر) في النجف عام 1363 هـ:

لـمَنْ الـحفلُ رائـعاً يـتلالا

يـزدهي مـنظراً ويزهو جمالا

ولـمَنْ هـذهِ الـروائعُ تُـتلى

والأنـاشيدُ بـاسمِ مَـنْ تتولّى

قـيلَ قـد توّج الوصي وهذي

بـهجةُ الـتاجِ زانتِ الاحتفالا

وانـتشقنا طـيبَ الـولايةِ منه

وسـعـدنا بـنـعمةِ اللهِ حـالا

واهـتدينا بـنورهِ مـذ تـجلّى

بـسماءِ الـدينِ الـحنيفِ هلالا

وعـلى مشرع (الغديرِ) احتسينا

فـي كـؤوسِ الولا نميراً زلالا

وجـديرٌ هـذا الـشعورُ بـيومٍ

فـيهِ ديـنُ الإلـهِ تـمّ كـمالا

رنّـةُ الوحي في المسامعِ دوّت

تـملأ الـنفسَ هـيبةً وجلالا

بـلّغ الـناسَ مـا أتـاك وإلاّ

لـم تـبلّغ وحـي الإلـهِ تعالى

إنّـمـا أنـتَ مـنذرٌ وعـليٌّ

هــو هـادٍ يُـسيّر الـضُلاّلا

فـي فـلاةٍ تـكادُ تـلهبُ ناراً

ولـظى حـرّها يـذيبُ الرمالا

وإذا بالرسولِ يلقى عصا السيـ

ـرِ وتـلكَ الـجموعُ تلقى الرحالا

وتـعالى الـهتافُ مـنه أجيبوا

داعـي اللهِ فـاستخفّوا عـجالا

كـسيولٍ جـاشت وراءَ سيولٍ

أو جبالٍ في السيرِ تقفوا الجبالا

٢٤

زمـرٌ قـد تـحاشدت حـولَ طه

حـشدها يـومَ مـنه ترجو النوالا

غـصّت الـبيدُ واستحالت رجالاً

ونـواحي الـفضاءِ ضاقت مجالا

ورقـى مـنبرَ الـحدوجِ ومـدّت

نـحـوهُ الـهامُ خـضّعاً إجـلالا

وانـبرى يرسلُ الخطابَ وذاك الـ

ـجمـعُ مُـصغٍ تـهيّباً وامـتثالا

ونـعـى نـفـسهُ وقـالَ أتـاني

أمـرُ ربّـي وحـثّني الـترحالا

وأنــا راحــلٌ وبـعدي عـليٌّ

واحــدُ الـدهرِ مَـوئلاً ومـآلا

سـنّـةُ الأنـبياءِ قـدماً تـمشّت

تـقطعُ الـدهرَ والـقرونَ الطوالا

هـل نـبيٌّ مـضى بـغيرٍ وصيٍّ

فـاسألوا الـدهرَ واسألوا الأجيالا

خـصّـهُ اللهُ بـالإمـامةِ لـمّـا

كــانَ لـلحقِّ والـرشادِ مـثالا

هـو أقـضاكمُ وبـابُ عـلومي

فــاقَ فـضلاً وبِـذاكُمُ إفـضالا

وهـو فـيكم مـمثّلي ووصـيِّ

لـعنَ اللهُ مَـنْ عـليه اسـتطالا

أُمّـتـي لا أراكـمُ بـعدَ مـوتي

قــد رجـعتم نـواكصاً جـهّالا

فـاستجابوا وعـجّت الـبيدُ منهم

تـحسبُ الأرضَ زلـزلت زلزالا

ورســولُ الـهدى يـردّدُ فـيهم

ربّـي والـي الـذي لـحيدرَ والا

عـنهُ سـل مـحكمَ الكتابِ وسائل

آلَ عـمـرانَ واســأل الأنـفالا

مَـنْ بـبدرٍ وتـلك أوّلُ حـربٍ

قـد رآهـا وقـد أراهـا الـوبالا

مَـنْ دحـى البابَ مَنْ باُحدٍ تلقّى

عـمدَ الـدينِ حـين زالَ ومـالا

مَنْ قضى غيره على الشركِ قل لي

مَـنْ لـعمرِ بـيومِ صال وصالا

صـولةً تـفضلُ الـعباداتِ طرّاً

وسـمـا شـأوهـا وعـزّ مـنالا

ولـكم مـوقف يـرنّ بإذنِ الدهـ

ـرِ والـدهـرُ مـنهُ يـلقى انـذهالا

هـكـذا فَـلْتَكُ الـبطولةُ دومـاً

(هـكـذا هـكـذا وإلاّ فـلا لا)

8 - وله في ذكرى ولادة الإمام الصادقعليه‌السلام :

يـا قـلمَ التاريخِ سجّلْ لنا

يـوماً مـن الأيّـام معدودا

أذعْ فـذا يـومٌ لـهُ شـأنهُ

كـانَ على التاريخ مشهودا

حدّثْ عن الصّادقِ واستنطق الـ

ـتاريخَ يروي الدُرَّ منضودا

وحـدّث الـعالَمَ عـن عالِمٍ

قـد مـلأ الـدنيا أسـانيدا

تَـبلى الأقـاويلُ وأقـوالُهُ

بـاقـيةٌ تــزدادُ تـخليدا

آراؤه الـغـرُّ وأفـكـارُه

يـعجزُ عنها الحصرُ تعديدا

٢٥

مـا حـدَّ اُفق العلم في غايةٍ

ولا يـرى الـعالَم مـحدودا

شـتّان مـنْ يـفتَحُ أبوابه

ومَـنْ يـعدُّ البابَ مسدودا

سـلِ ابن حيّان وسل غيرَه

أئـمّـةَ الـعلم الـصناديدا

مَنْ طبّق الدنيا سوى جعفرٍ

مـعـارفاً تَـزدادُ تـرديدا

وسـلْ تـلاميذَ لـهُ أنّـهم

كـانوا عـلى الدّنيا أسانيدا

هـم فـتحوا لـلكيميا بابَه

وكـان منهُ البابُ موصودا

وخـلّدوا الـدهرَ بـأقلامهم

أفـنوا ربـيعَ العمر تسهيدا

وخـلّفوا أغـلى تـراثٍ لنا

لو لم يكنْ في النّاس مجحودا

9 - وله قصيدة بعنوان (يوم المحنة) قالها على إثر انتكاسة العرب في حرب حزيران 1967، اُذيعتْ من دار الإذاعة العراقية، ووُضِعَتْ في المناهج الرسمية لمدارس المقاصد في لبنان، وهي:

يَـومٌ عـلى الدهرِ لا يُطفى له لَهَبُ

إنْ تـنسهُ العُرْبُ ما هم بعدهُ عُربُ

وإن غفت عن طلابِ الثأرِ لا سجعت

يـوماً بـأمجادها الأقـلامُ والـكتبُ

عـهدي بـها لا تـقرّ الضيمَ شيمتُها

حـتّى ولـو طالتِ الأعوامُ والحقبُ

الـعيشُ بـالذلِّ مـرٌّ فـي تجرّعه

والـموتُ بـالعزّ حلوٌ وردهُ عذبُ

مـت إن تمت قاهراً والنفسُ راضية

ولا تـمت صاغراً والحقُّ مُغتصبُ

شـراذمُ مـن نـفايا الأرض تبعثها

ثـعالبُ الـغربِ فـيها يشهدُ الذَّنَبُ

تـدوسُ أقـدسَ أرضٍ مـن معابدنا

ونـحنُ نـبصرها بـالرغمِ تُستلبُ

فـواجعٌ بـغّضت طـعم الـحياةَ لنا

وكـدّرت صـفو عيشٍ فهو مكتئبُ

سـادَ الوجومُ على الأقطارِ وانكمشت

هذي الوجوهُ وعمّ السخطُ والصخبُ

لا عـينَ في الشرقِ إلاّ وهي ساهرةٌ

ولا مـشاعرَ إلاّ وهـي تـضطربُ

تـجاوبت نـخوةُ الإسـلامِ طـائعةً

وأعـلنت أنّـها طـوعٌ لـما يجبُ

وألـهبت عزماتِ العُربِ وانتفضت

حـميّةٌ فـهي كـالبركانِ تـلتهبُ

عـسى يكون وراءَ الصمتِ منطلقٌ

يُـجلى بـهِ الغمُّ والأحزانُ والكُرَبُ

بـالأمسِ انـكلترا تُـدعى صديقتَنا

والـيوم قـد جاءنا من ويلها الحَرَبُ

مـاذا جـنيناهُ قُـل لي من صداقتنا

ظـهرٌ فـيُركبُ أو ضـرعٌ فيُحتلبُ

وذي ربـيـبتها بـل [قـل] ولـيدتُها

ولا تـسل هـل لـها بين الأنامِ أبُ

قـد صرّحَ الحقّ وانزاحت بهِ الريبُ

وشـفّ عـن جـسمهِ ثوبٌ لهُ قُشبُ

٢٦

قـف بـي على الأردن المشهود موقفُه

لألـثم الـجرحَ لـكنّ الـحشا يـجبُ

قـذائفُ الـنارِ عـاثت فـي محاسنِه

وشـوّهت أوجـهاً تـستافها الـشهبُ

قـف بـي عـلى قبلةِ الإسلامِ أسألها

عـمّا جـرى مـن دواهٍ كلّها خطبُ

ومـسجدِ الـصخرةِ الـمحزونِ منظرُه

بـالدمعِ والـدمِ مـطبوعٌ ومـختضبُ

قـد أوحـشَ المنبرَ العالي وقد ذويت

أعــوادُهُ فـهـي تـنعاهُ وتـنتحبُ

ثـمّ اسـتمع رنّـةَ الـمحرابِ أحزنه

فَـقْدَ الـمصلّينَ مـذ طـلاّبهُ غربوا

وحـيّ تـلكَ الـمروجَ الخضرِ ناعيةً

أحـبابها فـهي ثـكلى خَـدُّها تَـرِبُ

يـا طـيبَ عيشٍ على الوادي باُمسيةٍ

رقّـت ورقّ الـهوى والماءُ والعُشبُ

أبـناءَ عـمّانَ لا يـحزنكَ ما ارتكبوا

فـالكأس سـكّابة طـوراً ومـنسكبُ

والـعـربُ مـغلوبةٌ يـوماً وغـالبةٌ

مـا كـلّ سـبّاقةٍ تـجري لها الغلبُ

أدّيــت قـسـطك والأيّـام شـاهدة

وإنّ يـومـكَ فـيهِ تـفخرُ الـعربُ

ووقـفـةٍ لاُسـودِ الـرافدينِ غـدت

أرسى من الهضبِ لا بل دونها الهضبُ

جـيشُ الـعراقِ وحـامي سورَ منعتِه

إن سـارَ كـان لـهُ الإقـدامُ والغلبُ

عـاشت دمـشقُ فـلا عُتبى ولا عتبٌ

لـقـد أرتـنا نـضالاً كـلّهُ عـجبُ

يـومٌ تـهجّم وجـهُ الـبغي وانبعثت

قـواذفُ الـشرّ يسري جيشها اللجبُ

نـيـرانُهُ تـمـلأ الأجــواءِ قـاذفةً

لـهيبها ضـاقَ فـيها اُفـقها الرحبُ

وتـقـتـفيها أسـاطـيـلٌ مـدمّـرة

حـتّـى إذا أخـذت لـلغابِ تـقتربُ

هـبّـت مـغـاويرُ سـوريّا مـشمرةً

كـالاُسدِ لـم يـثنها خوفٌ ولا رهبُ

فـهل رأيـتَ اُسـودَ الـغابِ مغضبةً

دونَ الـحمى أرأيـتَ الـليثَ إذ يثبُ

أبـناء يـعربَ جـدّوا فـي عزائمكمْ

فـالأمرُ قـد جـدّ والأسـماعُ ترتقبُ

وإنّ أحـسـابكم أمـسـت تُـطالبكمْ

فـحقّقوا أمـلاً يـسمو بـهِ الـحسبُ

10 - وله في رثاء الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي قسّام، يقول السيّد جواد شبّر في أدب الطفّ 10 / 65:... وكان يوم 29 كانون الثاني 1954، يوم مجيء جثمانه للنجف من الأيّام المشهودة؛ فقد اُقيمت على روحه عدّة فواتح، كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في (مسجد الهندي) بالنجف، وكنتُ ممّن شارك بقصيدة مطلعها:

سند الشريعة في جميعِ الأعصرِ

هذي الروائعُ من خطيبِ المنبرِ

ذاك الذي يُمسي ويُصبح ناشراً

عـلمَ الـجهادِ كقائدٍ في عسكرِ

أمـعلّم الأجـيالِ تنثرُ جوهراً

فـكأنّ صدركَ معدنٌ من جوهرِ

٢٧

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت متوّجاً

بـالأنجبينَ وكـلّ ليثٍ قسورِ

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت منوّراً

طـولَ الزمانِ بكلّ عقلٍ أنورِ

يـا منبرَ الإسلامِ دمت مضمّخاً

بـالرائعاتِ مـن الفمِ المتعطّرِ

ومجالسٍ هي كالمدارسِ روعةٌ

اُمٌّ لـكـلّ مـهـذّبٍ مـتنوّرِ

الـمنبر الـعالي رسالة مرشدٍ

جـاءت لـعقلِ النابِهِ المتحرّرِ

الـمنبر الـعالي حكيمٌ مبصرٌ

يصفُ الدواءَ بحكمةِ المتبصّرِ

يـا فارسَ الميدان عزّ عَلَيّ أن

تهوي وحولكَ سابغاتِ الضمّرِ

يـا مَنْ إذا أرسلت لفظك لؤلؤاً

جـرتِ الـعيونُ بلؤلؤٍ متحدّرِ

أو قمت في أعلى المنابرِ خاطباً

فـكأنّ قولكَ ريشةٌ لمصوّرِ(1)

11 - ومِن روائع شعره القصيدة التي حيّا بها الإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عند عودته من مؤتمر باكستان عام 1371 هـ(2) :

كـذا يـلمعُ الـقمرُ الـنيّرُ

كـذا ينهضُ المصلحُ الأكبرُ

كـذا ترتقي عالياتُ النفوس

وهـامُ الأثـيرِ لـها مـنبرُ

كـذا يعذبُ العمرُ في مثل ذا

وإلاّ فـما قَـدْرُ مَنْ عَمّروا

كـذا يشمخُ العلمُ فوقَ السُّها

فما عرشُ كسرى وما قيصرُ

أشـيخَ الـشريعةِ بل رمزها

ومـفخرها عـشتَ يا مفخرُ

أُقــدّسُ شـخصك إذ إنّـه

مـثالُ الـكمالِ مـتى يذكرُ

إذا مـا انتسبتَ إلى «جعفرٍ»

فـحسبكَ مـنتسباً «جعفرُ»

لأن حـسبتك الـورى واحدا

«ففيك انطوى العالمُ الأكبرُ»

نـهضتَ لتجلوَ رينَ القلوب

وتـوقظَ جـيلاً بـدا يشعرُ

نهضتَ وبُوركتَ مِن ناهضٍ

فـما وثـبةُ الاُسـدِ إذ تزأرُ

وأبلغتَ في النصحِ في مجمعٍ

تـجدّدُ تـاريخهُ الأعـصرُ

وهزّ صدى صوتك المشرقين

ودوّى كـقـاذفـةٍ تـفـجرُ

حـياةَ الـشعوبِ بـأبطالها

وتـاريخها مـجدها الأزهرُ

إذا جـمعَ الناسَ «نيروزُهم»

فـنيروزنا وجـهكَ الأنـورُ

فـطـرت ولـكن بـآمالنا

ورحـت بـأرواحنا تـعبرُ

____________________

(1) القصيدة بكاملها نشرتها مجلّة العرفان اللبنانيّة مجلّد 41 ص1164.

(2) أدب الطفّ 10 / 49.

٢٨

فـحدّث أبـا الصالحاتِ التي

تـعالت سـناءً فـلا تسترُ

تـحدّث إلـينا فكلّ الحواس

شـعورٌ وأكـبادنا حـضّرُ

أتـينا لـنصدرَ عـن موردٍ

ومـنكَ حلى الوردُ والمصدرُ

تـحدّث فـهذي القلوب التي

تـرفرفُ جـائتكَ تـستخبرُ

تـلـقّتكَ تـفرشُ أكـبادها

وخـفّـت لـلقياكَ تـستبشرُ

تـحدّث ألـستَ أميرَ البيان

إذا مـا جـرى لفظهُ يسحرُ

أَبِـنْ لـلوفودِ عن المسلمين

فـمثلكَ لـلجرحِ مَـنْ يسبرُ

أَبِنْ فالحديثُ حديثُ الشجون

ومـن وقـعهِ القلبُ يستعبرُ

فـكيف تلمّستَ شرعَ الهدى

وهـل مـن أمانٍ بها تسمرُ

كـأنّي بـروحِ النبي الكريم

عـلى كـثبٍ نـحونا تنظرُ

متى هانَ شعبك يا مصطفى

مـتى ذلّ قومك واستُعمروا

مـتى طأطأت جبهةُ الفاتحين

لـذلّ اليهودِ إذا استصغروا

أيـا قـالعَ البابَ بابَ اليهود

ويـا فـاتحَ الحصنَ يا حيدرُ

تـداعت لـتدرك أوتـارها

وأنـتَ عـلى ردّهـا أقـدرُ

أبـا الشرعِ هـذي يـدٌ بـرّة

يـوافيكَ فـيها الفتى (شبّرُ)

12 - وقال في تأبين الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ما جئتُ أرثيكَ أو أذري الدموعَ أسىً

إنّ الـرثاءَ لـشخصٍ ماتَ واندرسا

قـالوا لـقد مـاتَ قلتُ اليومَ مولدُه

ونـجمهُ قـد تـجلّى يـطردُ الغلسا

والـيوم يـبدأ تـاريخٌ لـهُ عـبقٌ

وطـيبُ تـأريخه قـد أنعشَ الجُلَسا

مـا الـحيُّ مقياسهُ مرُّ السنين ولو

طـالَ الـبقاءُ ولا تـردادهُ النفسا

إنّ الـحـياةَ بـأفـكارٍ يـخـلّدها

عبرَ العصورِ وغرساً صالحاً غرسا

وآخــذاً بـيـدِ الـعافي ومـنقذه

سـواء أحـسنَ هـذا أم إلـيه أسا

* * *

مـا كان أحمدُ في عصرٍ يعيشُ به

إلاّ كـشعلةِ نـورٍ تـحملُ الـقبسا

يعيشُ في الناسِ لكن روحُهُ انفردت

عنهم كمَنْ عاشَ بين الخلقِ محتبسا

سـما إلى عـالمٍ أسـمى بفكرته

لـذاك مـهما خـلا في نفسهِ أنسا

فـلا تـرى مـعهُ في بيتِ عزلته

إلاّ الـيراعة أَمَّ الـشعرُ والطرسا

* * *

٢٩

إيـهٍ أبـا الـخالداتِ النيّراتِ سنا

والـسائراتِ أقامَ الدهرُ أم جلسا

هـذي روائـعك الـغرّا يـردّدها

فـمُ الزمانِ ومن أنوارها اقتبسا

أمـواجُها انـدفعت تـتلو أشعّتها

تـجلي العقولَ ومنها تغمرُ اليبسا

وذي الهواجسُ ما أحلى هواجسَها

تـداعبُ الروحَ إن دقّت لها جرسا

رفّـت تـناغيك هـمساً في تدلّلها

والحبّ يعذبُ إن ناغى وإن همسا

أشـعّـةٌ فــي مـعانيها مـلوّنةٌ

إشعاعها مشرفٌ عن روحك انعكسا

إن كنتَ حلّقت أو أبدعت لا عجبٌ

قـرآنُ أحـمد قـدماً حيّر القسسا

وأذعـنت لـغةُ الفصحى لروعته

وعـادَ مـنطيقها مـستسلماً خرسا

الـناظمُ الـدرَ نـظماً لا نظيرَ له

بالشعرِ ينبوعهُ الصافي قد انبجسا

والمرسلُ الشعرَ سهلاً غير ممتنعٍ

سـلساله العذبُ يجري سائغاً سلسا

* * *

زَهـدتَ فـي هذه الدنيا وزخرفِها

إذ أنت أرفع ممّن يرتضي الدنسا

وكـنت تـهزأ ممّن راح يعشقها

ومَـنْ بـأوطارها قد ظلّ منغمسا

نـفسٌ ترى فوق هام النجم رفعتَها

وبـزّةٌ إذ تـراها بـزّة الـبؤسا

تـريـهمُ إنّ دنـياكم وبـهرجَها

كـشملتي هـذه من سامها بخسا

لاويت دهرك حتّى رضت جامحه

كـمن يروِّضُ من فرسانها فرسا

بـعزمة شـهد الـتأريخُ واقـعها

مـا كـنتَ هـيّابةً يوماً ولا نكسا

عـرفت دنـياك مذ وازنت قيمتها

وإنّـها عـرفتك الـنيقد الـمرسا

وكـم دعتك لِوصلٍ وهي ضاحكةٌ

لـكن رأتك على ما تبتغي علبسا(*)

رحماك ليست نفوس الناس واحدةً

إن خفّ ذاك فهذا في الوجود رسا

هـذي الـحياة وكم غذّيتها حكماً

غرّا وأرسيتَ من أركانها اُسسا

فـكنت تـشبعها بـحثاً وتـجربةً

وكـنت تـنشرها درساً لمن درسا

وتـوضح القول مجلوّاً ومزدهراً

فـلم يـعد بـعد فيها الأمر ملتبسا

دُمْ لـلخلود فـذي الأيّـام طوعك والـ

ـدهرُ استلان وإن قدماً عليك قسا

13 - وقال محيّياً الشيخ الأميني صاحب (الغدير) بمناسبة افتتاح مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام العامّة في النجف، بعنوان (تحيّة المؤسّسة الفكريّة):

مـعهد الفكرِ طاولَ الدهرَ فخرا

ذاك يـبلى وأنتَ تخلدُ ذكرى

كلُّ شيء فانٍ سوى العلم والعد

لِ فإن شئت سل بإيوان كسرى

سـاندت ركـنك القديم يدُ العلـ

ـمِ فـلا زـت خـالداً مـشمخرّا

____________________

(*) هكذا وردت المفردة الأخيرة (علبسا)، ومعها يختل المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٠

منجباً كلّ أصيد يبعث النشـ

ـأ يـقود الأجيال عقلاً وفكرا

منجباً كلّ أصيد يجعل الدّهـ

ـرَ غـلاماً لـديه نـهياً وأمرا

وبرغم الزمان جئت ويبقى

لك عبداً وأنت لا زلت حُرّا

* * *

عـشت يـا صرحُ للعلوم مناراً

فـاض أشعاعُه على الكون بدرا

همّةُ المصلح (الأمينيّ) ثارتْ

فـاستثارت لـها الـعزائمُ طرّا

قـد أشـادتك بـعد جـهدٍ جهيدِ

كـرعت في سبيلك الصّاب مُرّا

ضـربت فـوقك القلوبُ رواقاً

يـوم قـدّت من العزائم صخرا

بـسطت مـن شُغافها لك أرضاً

وبـنت فـي ضلوعها لك وكرا

ثـمّ راحت عليك تحنو احتفاظاً

مـثلما تـحفظ الأضـالع سرّا

معهد الفكر هل علمت بأنّ الشيـ

ـخَ أفـنى من أجل عمرك عمرا

ومـشى ثـابت الخُطى باتّزانٍ

أشـبع الـدهرَ خـبرةً ثمّ سبرا

هـازئاً بـالخطوب تعرف منه

إنّ فـي أمـره مـع الله سـرّا

أي أبـا الطيّبات أحـييت فـينا

أمـلاً كـاد أن يـبدّد صـبرا

يـوم ضاق الفضا قنوطاً ولكن

فـاض من راحتيك يمناً ويسرا

قـد أرتـنا الأيّـامُ حمر المنايا

وتـرينا أنـت الأمانيَ خضرا

بـمساعيك قـام لـلعلم صرحٌ

عـشت لـلعلم والـديانة ذخرا

هـمّةٌ تـدفع الـسماء وعـزمٌ

يـسع الـكون مـذ يـنفذ أمرا

لـك فـي الـصالحات غرُّ أيادٍ

ويـدٌ في (الغدير) بيضاءُ غرّا

وحـقـيقٌ أقـول إنّـك فـينا

رابـح الـنشأتين دنـياً وأُخرا

14 - ودخل يوماً عائداً الخطيب المعروف السيّد علي الهاشمي على إثر وعكة صحيّة، فخاطبه:

متى كان في الظنّ أنّي أراك

ألـيف الـفراشِ حليفَ الألمْ

متى حوّمت حولك الواهمات

مـتى نـهشتك نيوبُ السّقمْ

متى زعزعتك سوافي الرّياح

وعـهدي بـك طـودٌ أشَـمْ

ألـست المُعاني الّذي يمتلي

نـشاطاً يزينك لطف الشّممْ

وثغرك ذاك الضحوك الوقور

يـعـطّر أجـواءنا بـالنّسمْ

٣١

فأجابه السيّد علي الهاشمي:

هـزار الـغريّين أتـحفتني

بـغرّاء تـذهب عنّي السّقمْ

نـظمت قـوافيها كـالعقود

فـنعم الـمنظّم والـمنتظمْ

فـقـبّلتها بـفـم الامـتنان

مـقلٌّ لـتقبيلها ألـف فـمْ

وجـلت بـبحرِ تـقاطيعها

بـمطرفةٍ دمـعُها مـنسجمْ

ومـا ذاك إلاّ اشـتياقٌ إليك

لأنّـك أنـت الـذي لا تُذمْ

فدم «يا جواداً» بكلّ الصِفات

ويـا عـلماً رفّ فوقَ العلمْ

وإنّـي لأكـبر هـذا الحنان

فـحبّك لي من جليل النِّعمْ

شعر التاريخ عند الخطيب شُبّر

1 - قال في تاريخ وفاة والده السيّد علي شبّر:

يـا أيّـها الـسائلُ عـن تاريخِه

مضى وأبقى العملَ الأبقى علي(1)

2 - وأرّخ فقيد الشباب السيّد نعيم الدين ابن السيّد عبّاس شبّر:

حـملتُ لـقبره إكليلَ وردٍ

وحنَّ القلبُ مِن شَغَفٍ وأنّا

وقلتُ لأدمعي سقياً فدهري

عـلينا بـالفراق لقد تجنّى

فنادتني احتبِسْ للدمع عيناً

فذا ماءُ الشباب يفيض عينا

وذا تـاريخه يـزهو بهاءً

نـعيمٌ لـلنعيم مضى مُهنّا

3 - وقال في تاريخ تمديد رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للإمام السيّد موسى الصدر:

زهى المجلسُ الشيعيُّ والصدرُ زانه

بـطلعته الـغرّاء يـرفلُ مـأنوسا

فـعوّذته بـالغرِّ مـن آل هـاشمٍ

بـأربعِ عـشرٍ تدفع الضرَّ والبؤسا

أضـفناهمُ لـليمنِ مـذْ قيلَ أرّخوا

وقـلنا لـقد اُوتيت سؤلك يا موسى

4 - وقال مؤرّخاً بناء حسينيّة الزهراءعليها‌السلام في المنصوريّة (الكويت):

دارٌ لأهل البيت تسمو علاً

لـله فـيها بـعضُ أسراره

شعّتْ بنورِ السبطِ مذ أرّخوا

تـرفُّ إشـعاعاً بـأنواره

5 - وقال مؤرّخاً وفاة العلاّمة الشيخ حسين الفيليرحمه‌الله :

فـي يوم عاشوراءَ فارَقْتَنا

وقد بكتهُ السحبُ دمعاً صيّبا

____________________

(1) المقصود كتاب (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) - للسيّد علي شبّر.

٣٢

ذاك الحسينُ واحدُ الفضلِ الذي

تـاريخهُ نـورُ حـسين غُيّبا

6 - وقال في تاريخ تزيين المرقد المطهّر للإمام عليعليه‌السلام بالمرايا والزجاج البديع:

مرآةُ قدس الله شعَّ سناؤها

فـتموّجتْ بزجاجةِ المرآةِ

قال الموحّدُ فيه أرِّخ زاهياً

مصباحُ نور الله في المشكاةِ

نشاطاته الاُخرى

1 - المباراة الدوليّة الثقافية للتأليف حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام : هذا المشروع التاريخي طرحه السيّد على الوجيه السيّد هاشم شُبَّررحمه‌الله ، وهو تخصيص جوائز نقديّة لكلّ مَنْ يؤلّف كتاباً حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام على أن يفوز من خلال المباراة.

وكان السيّد أميناً لسرّ اللجنة المنظّمة للمسابقة، فوجّه نِداءً لأرباب الفكر والأدب في العالم بعد ما أعلن برنامجه، وتشكّلتْ اللجنة المُحكّمة، وكانت تتألّف مِن أفذاذ العلم والوعي والتُقى، الأعلام الثلاثة: الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد موسى بحر العلوم، فقُدّمت الكتب مِن قبل مؤلّفيها، فكانت النتائج كما يلي:

الفائز الأوّل: كتاب (الإمام علي - نبراس ومتراس) لمؤلّفه الكاتب اللبناني المعروف الاُستاذ سليمان كتّاني، وهو رجل مسيحي.

الفائز الثاني: كتاب (ملامح من عبقريّة الإمام) بقلم الدكتور مهدي محبوبة.

الفائز الثالث: كتاب (الإمام علي - رجل الإسلام المخلّد)، تأليف الاُستاذ عبد المجيد لُطفي.

ومن الكتب التي وقع الاختيار على طبعها كتاب (الإمام علي - أسد الإسلام وقدّيسه) للكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، وهو مسيحي.

2 - اهتمامه بالشعراء الشعبيين وتشجيعهم على الكتابة في رثاء سيّد الشهداء، وقد قرّض الديوان الشعري لكلّ مِن:

أ - الحاج محمّد باقر الإيرواني - شعراء الحسينعليه‌السلام .

ب - الشاعر المرحوم هادي القصّاب - ديوان الهداية الحسينيّة.

ج - الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسن دگسن - الروضة الدگسنيّة.

د - الحاج زاير - الشاعر الشعبي العراقي.

هـ - السيّد الشرع - منهل الشرع.

3 - اهتمامه ببناء وتشييد مراقد وأصحاب أهل البيتعليهم‌السلام كسعيه لبناء مرقد زيد الشهيدعليه‌السلام ، ومرقد رشيد الهجري، وكميل بن زياد وغيرهم مِن الأفذاذ والمظلومين؛ فقد كان

٣٣

يبذل لعمرانها من ماله الخاص.

4 - تحقيقه لبعض الكتب العظيمة ونشرها؛ فقد اعتنى السيّد بنشر ديوان (جواهر وصور) للفقيه السيّد عبّاس شبّر، وإخراجه أجمل إخراج بحلّة قشيبة وورق مؤطر بإطار ملوّن جميل يحيط بالقطعة الشعريّة، كما إنّه جمع وطبع وأشرف على إصدار ديوان (الموشور) للسيّد عبّاس شبّررحمه‌الله .

وقد كان للسيّد جواد الدور الرائد في صدور كتاب (الأخلاق) للسيّد عبد الله شبّر الذي عنى بنشره وطبعه. أمّا كتاب (تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين - للراغب الأصفهاني) فقد عنى السيّد بنشره وإصداره؛ لأهمّيّته العلميّة.

5 - على صعيد الإصلاح: السيّد جواد شبّر كان من الروّاد الأوائل لحركة الإصلاح المنبري والاجتماعي. يقول في مقال كتبه تحت عنوان (الوعي نواة الإصلاح) في مجلّة الوعي الإسلامي: من أعذب الكلمات على السمع والروح كلمة الإصلاح، إنّها خفيفة على المشاعر، لطيفة في الأحاسيس، يترشّفها السامع ويتمنّى تحقيقها، ويتغنّى بها المجتمع ويهوى تطبيقها، لكن تختلف الآراء في الطريق المؤدّية إليها والوصول إلى أهدافها.

فالبعض يرى ذلك منحصراً في تسليم القيادة إلى موجّه حكيم، وهو الذي يقود الأُمّة إلى ساحل السلامة والنجاة، أمّا عقيدتي فهي أنّ أقرب الطرق إلى الإصلاح هو إيجاد الوعي العام في الأُمّة واليقظة في الشعب، والعمل على أن يشعر الكلّ بواجب المسؤوليّة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق الكتابة والخطابة، وتعاون الفرد والجماعة؛ فـ (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ))(1) .

أمّا محاولاته الإصلاحيّة فيما يتعلّق بمؤسسة المنبر الحسيني فلقد كان من المبادرين السباقين لصيانة هذه المؤسسة الكبرى من الفوضى والترهّل، وحمايتها من الانحدار والتسيّب، ووضع الأسس والضوابط للانطلاق بها إلى مستوى المسؤوليّة، والارتقاء إلى مصاف المؤسّسات الإسلاميّة الهادفة.

يقول الخليلي في ترجمة الشيخ محمّد علي اليعقوبي أثناء حديثه عن الدعوة إلى إصلاح خطباء المنابر: وكان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدعوة إلى تهذيب الخطباء هو الخطيب السيّد جواد شبّر؛ ففتح في مدرسة المنتدى صفّاً خاصّاً بتعليم الخطباء فنّ الخطابة، وتهذيب الأخبار التي يروونها، وإعدادهم إعداداً يتّفق وروح العصر(2) .

____________________

(1) مجلة الوعي الإسلامي الكويتيّة، السنة الأُولى - العدد الثاني سنة 1965 م.

(2) هكذا عرفتهم - للخليلي 1 / 159، ومجلة الإيمان، عدد خاص في ذكرى اليعقوبي، سنة 1312 هـ.

٣٤

ولعمر الحقّ أنّ هذه المهمّة الشاقّة نحن بأمسّ الحاجّة إلى مَنْ يشمّر عن ساعد الجدّ ويتصدّى لتهذيب وتقويم هذه المؤسسة الهامّة؛ لئلاّ تكون مرتعاً سهلاً لمَنْ هبّ ودبّ، وسوقاً سوداء للمتاجرين بدماء الحسينعليه‌السلام ونبل أهدافه وشرف قضيّته(1) .

مؤلّفاته

للسيّد عدّة كتب ألّفها في حياته المعطاءة، وهذه أهمّها:

1 - إلى ولدي: كتاب في الأدب التربوي، جمع فيه عيون الشعر لأساطين الشعراء، طُبِع الطبعة الأُولى في النجف سنة 1954 م، ثمّ أعدتُ طبعه (مصوراً) في قم سنة 1984 م.

2 - قبس مِن حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام : وُزّع على الجمهور الذي شارك في الاحتفال بمناسبة ميلاد الإمام الحسينعليه‌السلام في النجف الأشرف.

3 - أشعة مِن حياة الصّادقعليه‌السلام : قُدّمَ هدية للمحتفلين بمولد سيّد الشهداء سنة 1385 هـ - 1965 م في النجف الأشرف.

4 - مقتل الحسينعليه‌السلام - عبرة المؤمنين: وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

5 - المطالب النفيسة: يقع في ثلاثة مجلّدات في التراجم والأخلاق والفلسفة الإسلاميّة (مخطوط).

6 - شواهد الأديب: مختارات شعريّة في ثلاثة أجزاء (مخطوط).

7 - المقتطفات: نوادر وحكم وأدب في جزئين ضخمين (مخطوط).

8 - شعراء العصر الحاضر (مخطوط).

9 - سوانح الأفكار في منتخب الأشعار: ثلاث مجلّدات في مدح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام (مخطوط)(2) .

10 - المناهج الحسينيّة: مجموعة مجالس قرأها في لبنان - مجلد واحد طبع في بيروت ثمّ أُعيد طبعه في قم.

11 - ديوان شعره: وفيه كثير من المراسلات والمساجلات، والقطع المستملحة والأوصاف البديعة(3) (مخطوط).

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 330.

(2) مشهد الإمام 3 / 160.

(3) شعراء الغري - للخاقاني 2 / 473.

٣٥

12 - أدب الطفّ أو شعراء الحسين - طُبع منه 10 أجزاء.

13 - الإسلام دين ودولة - 3 مجلّدات (مخطوط).

14ـ الأخلاق الإسلاميّة - 3 مجلّدات (مخطوط).

موقف بطولي وتأريخي

هنالك موقف تاريخي للسيّد الوالد ذكرته للأخ السيّد داخل، فدوّنه في موسوعته (معجم الخطباء)(1) قائلاً: ( يقول النجلُ الأصغر لسيّدنا المترجم الخطيب السيّد أمين عن أحد معارفه إنّه التقى في الهند بأحد عملاء النظام، وكان يتولّى تعذيبه عندما كان سجيناً، ولكنّه لم يعرفه لتغيير ملامحه، فاتّصل به وتظاهر بأنّه من الموالين للنّظام، وسأله عن بعض المساجين وبينهم السيّد جواد شبّر، فقال: إنّ أمر هذا الرجل لعجيب؛ فقد اجتمع مدير الأمن بضباطه ذات يوم ودار الحديث حوله وكيفيّة التعامل معه، وأخيراً قرّروا استمالته وتقديم العروض المغرية لتبديل موقفه، فاجتمعوا به وتحدّثوا معه بأنّك شخصيّة عراقية هامّة، ولك المواقف المشهودة، والخطب المؤثرة، والكلمة المسموعة في أوساط الشعب، فلا نريد منك سوى أن ترقى المنبر في الصحن الحيدري أو أيّ مكان عام وتخطب مشيداً بالسيّد الرئيس، وتشجب ما يقوم به الخميني اتّجاه العراق... إلخ!

ويذكّرني هذا المكر بمكر معاوية عندما طلب من الأحنف بن قيس بأن يرقى المنبر ويمتدح يزيد، فقال: لو تركتني لكان خيراً. قال: لماذا؟ قال: لأمرين؛ إذا صدقت أغضبتك، وإذا كذبت أغضبت الله. فلمّا طلبوا ذلك من السيّد مقابل إطلاق سراحه وإعطائه جواز سفره وبعض الإغراءات الأُخرى، أخرج السيّد لسانه وقال: اقطعوا لساني خير ممّا تدعونني إليه.

تحيّة لك أيّها البطل، ومرحى لصلابتك أيّها العظيم، وطبتَ حيّاً وميتاً، والسّلام عليك كلّما بدأ يعود ورحمة الله وبركاته.

قالوا في السيّد جواد شبّر

* قال الاُستاذ الأديب علي الخاقاني في (شعراء الغري): والسيّد جواد أديب ذكي، وخطيب شجاع، يعبّر عن كثير من الآلام التي يتحسّسها مجتمعه، ويندفع في تصوير ما يراه صالحاً لقومه بلهجة يغلب عليها الحماس، ويتخلّلها لون من الثورة النفسيّة؛ ولحماسه القوي فقد تصوّره فريق أنّه يتصنّع ذلك، غير أنّ مَنْ عرف سلوكه يعرف أنّه

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 348.

٣٦

صادق بتعبيره. (شعراء الغري 2 / 472).

* ووصفه الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني في معجمه: عالم فاضل، خطيب متكلّم، شاعر مجدّد، مؤلّف مؤرّخ متتبّع، نظم الشعر وجاهد بقلمه ولسانه في سبيل عقيدته ورسالته وتشيّعه الذي يعتبر بحقّ الإسلام الصحيح.

كتب بحوثاً ومواضيع توجيهيّة وأدبيّة في الصحف دلّت على تفوّقه العلمي ونضوجه الأدبي، اعتقلته السلطة الرعناء في شهر رمضان وضاع خبره حتّى هذه الساعة. (معجم رجال الفكر 2 / 713).

* وقال المرجاني في خطباء المنبر: هو أحد حسنات النجف الأشرف، وأحد خطبائها البارزين، وتراه إذا رقى ذروة المنبر انحدر كالسيل المتدفّق. واسع الرواية، قوي الحجّة. (1 / 136).

* وقال صاحب كتاب ومضات الشباب: اجتمعت له أسباب التوفيق في الحياة من انتشار صيت، وحسن حال، واستيعاب معرفة، ورخامة صوت، ونشاط أدبي ملموس الأثر؛ فانطلقت خلفه عيون فريق من مرتقي المنابر الذين يشاركونه المزاولة ولا يشاركونه المؤهّلات والمقام. (مشهد الإمام 4 / 154).

* قال الفقيه المظلوم الشيخ محمّد تقي الجواهري: السيّد جواد ليس له نظير في خطابته؛ فهو يركّز العقيدة. (المناهج الحسينيّة، تقديم: علي محمّد علي دخيّل).

* وقال العلاّمة الشيخ قاسم محيي الدين: الجواد هو رجل المناسبة، وأمل المستقبل في الخطابة. (خطباء المنبر 1 / 137).

* وقال العلاّمة العبقري الشيخ محمّد جواد مغنية في ختام تقديمه لموسوعة أدب الطفّ: وختاماً نسجّل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفوء، صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد أبياتها، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطّلاع. (أدب الطفّ 1 / 16).

* ولمّا كان الشيخ محمّد جواد مغنية يقطن في المدرسة الشبّريّة، كنت أذهب إلى غرفته للاستفادة، ومرّةً حضر مجلساً حسينياً أُقيم في باحة المدرسة وقد قرأ الوالد، ولمّا انتهى قلت للشيخ مغنية: ما رأيكم بقراءة الوالد؟

فقال لي: إنّ أباك خطيب العُلماء، وعالم الخطباء.

* ومن ذكرياتي: تبادل الرسائل باستمرار بين الوالد والكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، فقد كنتُ أقرأ على ظرف رسائله كلّها عبارة: (... إلى أمير المنابر جواد شبّر...).

٣٧

* في لقاء مع آية الله العلاّمة السيّد محمّد مُفتي الشيعة في قم المقدسة(1) قال: كان الخطيب الفاضل السيّد جواد شبّر خطيباً مُبرزاً، واعياً جامعاً في خطابته، متكلّماً متميّزاً لفصاحته وبلاغته وشجاعته؛ حيث يُبيّن المطالب المنبريّة المهمّة... متحدّياً... دون تردّد ومداهنة...

وقد عرفته من الخطباء المتميّزين في شدّة ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ... مهيمناً على تلك المطالب، عارفاً بحُضّار مجالسه من العلماء والعامّة من الناس.

وكان هو الخطيب الذي يُختارُ غالباً لارتقاء المنبر الشريف في مجالس العلماء والمراجع... وكان ممّن ينصبُّ عليه الاهتمام في تأبين العلماء والمراجع؛ لإحاطته بكثير ممّا يتعلّق بسيرهم وحياتهم وآثارهم.

وممّا أتذكّره أنّه كان المعوّل عليه في تأبين العلماء والمراجع: السيّد الحكيم، والسيّد الميلاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي، والسيّد جواد التبريزي، والشيخ حسين الحلّي، والسيّد محمود الشاهرودي، وآقا بزرك الطهراني وغيرهم مِن أعلام الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

* وقال الشيخ عبد الحسين الحويزي مخاطباً السيّد جواد شبّر(2) :

يـا آلَ شبّر لم تزل أنوارُكمْ

تـأبى بـأنديةِ الهدى إطفاءا

عرجت بكم هممٌ لغاياتِ العُلا

سبقت فجاوزت المدى إسراءا

تلامذته

يعتبر الخطيب السيّد جواد شبّر مدرسة واعية معطاءة تميّزت بإخلاصها وشموليّتها؛ فقد كان السَيّد موسوعة أدبيّة فقهيّة، حديثيّة تاريخيّة، فكنتُ عندما أجلس معه أو في مجالسه العامّة، أخرج بزيادة علم ومعرفة وأدب. وقد تتلمذ على يديه جمع من الخطباء نذكر بعضهم:

1 - الخطيب السيّد حسن الكشميري(3) .

2 - الخطيب الشيخ صالح الدجيلي(4) .

____________________

(1) اللقاء في تاريخ 18 شعبان 1420 هـ.

(2) أدب الطف 10 / 128.

(3) كما يشير هو في مجالسه من على المنبر، بل ويفتخر بذلك، ومعجم الخطباء 2 / 337.

(4) نقلاً عن السيّد حسن الكشميري.

٣٨

3 - الخطيب الشيخ شاكر القرشي(1) .

4 - الخطيب السيّد داخل السيّد حسن(2) .

5 - الخطيب السيّد عامر الحلو(3) .

6 - الخطيب الشيخ صالح الجزائري(4) .

7 - الخطيب الشيخ عبد الأمير أبو الطابوق(5) .

سيّدي الاُستاذ والوالد والمُربّي، أيّها المُغيّب عنّا في السجون، يا مَن خَدَمْتَ منبر جدّك الحسينعليه‌السلام أكثر مِن نصف قَرن، ثمّ أودعوك في زنزانات مُظلمة. أيّها الأسد الهصور، كُنت تقول لنا - نحن أبناؤك -: مَنْ منكم يسلك طريقي، طريق الخطابة الحسينيّة؟

فكانت (اُمنيتك)، وها أنا أُحقّق أُمنيتك أيّها الكبير العظيم، وعلى طريقك ونهجك أيّها المخلص.

أدعو لك مع مُحبّيك وجمهورك بالفرج من أيدي الطغاة.

أدعو لك بدموعي الممزوجة بلوعتي على فراقك.

أدعو لك مِن على منبر جدّك الذبيح، مِن على نفس المنبر الذي كُنّا نراك عليه، وكلّنا آذان صاغية لحديثك المُمتع:

فـما اسـتشعرَ الـمُصغي إليك مَلالةً

ولا قُلتَ إلاّ قال مِن طَرَبٍ: زِدني

فـأعظمُ مَـجدي كـان إنّـك لي أبٌ

وأكـبرُ فـخري كان قولك: ذا اِبني

ولدك: محمّد أمين        

7 ذو القعدة 1420 - 13/2/2000

____________________

(1) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 4 / 135.

(2) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 6 / 142.

(3) معجم الخطباء 2 / 361.

(4) خطباء المنبر الحسيني 5 / 174، ومعجم الخطباء 4 / 212.

(5) معجم الخطباء 7 / 224.

٣٩

الحسينعليه‌السلام عبرة المؤمنين

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) «آل عمران 169 - 170».

عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسفَ اللون، ظاهرَ الحزن، ودموعُه تتحادر مِن عينيه، فقلتُ: يابنَ رسول الله، مِمّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: (( أوَ في غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسينعليه‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم؟! )) ثمّ بكى أبو عبد الله حتّى اخضلّت لحيته بدموعه.

المقدّمة

احتفال الأئمّة بيوم عاشوراء

جرت عادة الشيعة الإماميّة على الاحتفال بذكرى واقعة الطفّ الدامية، واتّخاذ يوم مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم حزن وبكاء، اتّخذوا ذلك على سيرة الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ فقد كان الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام إذا هلّ هلال عاشوراء اشتدّ حزنه، وعَظُمَ بكاؤه على مُصاب جدّه الحسينعليه‌السلام ، وتَفِدُ إليه الناس من كلّ جانب ومكان يُعزّونه بالحسينعليه‌السلام ويبكون وينوحون معه.

وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تَغلبُ عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، فحُملا على بعير وسُيِّرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد.

ولما اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون، فأعيدا إلى السجن ولبث فيه أحمد ثمانية وعشرين شهراً، وقيل نيفاً وثلاثين شهراً.

وعقد المعتصم مجلساً واستدعى أحمد من السجن، وأحضر ـ الفقهاء فناظروه بحضرته ثلاثة أيام فغلبهم، فحرضوا الخليفة عليه فقال له: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه.

قال أحمد: فأُخذت وسُحبت، وخُلعت وجئ بالعُقَابين « خشب يثبت به المضروب » والسياط وأنا أنظر، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم: شدَّ قطع الله يديك، ويجئ الآخر فيضربني سوطين. فذهبَ عقلي فلم أُحِسّ بالضرب، وَأَرْعَبَهُ ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت!

ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين.

وتولى الخلافة ابنه الواثق، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن، وقتل بيده أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في عهده معتقلاً في منزله، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس، ولا يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها ».

٢٠١

وقال أحمد في العلل « ١ / ٦٩ »: « وفي أثناء ذلك كله يتعطف به الخليفة « المعتصم » ويقول: يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي، فيقول الإمام: يا أمير المؤمنين، يأتوني بآية من كتاب الله أوسنة عن رسول الله حتى أجيبهم إليها. فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين: هذا كافر ضال مضل. وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حميَ واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة وهويظن أنهم على شئ.

قال الإمام أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. قال الإمام: فأخذت وسُحبت وخُلعت وجئ بالعُقَابَيْن والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله الله، إن رسول الله قال: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث وتلوت الحديث، وإن رسول الله قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. فبمَ تستحل دمي ولم آت شيئاً من هذا؟ يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك. فكأنه أمسك.

ثم لم يزالوا به يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر. فأمر بي فقمت بين العقابين وجئ بكرسي فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي

٢٠٢

الخشبتين فلم أفهم، فتخلعت يداي، وجئ بالضرابين ومعهم السياط، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له: يعني المعتصم: شد قطع الله يديك، ويجئ الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك، فضربوني أسواطاً فأغميَ عليَّ وذهب عقلي مراراً، فإذا سكن الضرب يعود عليَّ عقلي.

وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك، الخليفة على رأسك، فلك إقبل، وأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب ثم جاء إليَّ الثالثة، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب!

ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب. وأرعبه ذلك من أمري، وأمرني فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من رجلي وكان ذلك في اليوم العشرين من رمضان، سنة إحدى وعشرين ومأتين.

وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً. وقيل: ثمانين سوطاً، ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً. ويقول أشاباض أحد الجلادين: ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطاً، لوضربته فيلاً لهدمته ».

٥. تكفي الرواية المتقدمة لسجن أحمد وهي رواية أتباعه، ليحكم الباحث بأن المعتصم أطلقه لأنه أقرَّ له بأن القرآن مخلوق، وتكرار أحمد لقوله: ذهب عقلي، تبريرٌ لإقراره لهم، فهويقول: لقد غبت عن الوعي، ولم أدرِ ماذا قلت لهم!

٢٠٣

وقال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٦٨ »: « ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً، وقيل ثمانين سوطاً، ولكن كان ضرباً مبرحاً شديداً جداً. وقد كان الإمام أحمد رجلاً رقيقاً أسمر اللون ».

يقصد: كان أحمد أسمر نحيفاً نحيل الجسم، لايتحمل جسمه الضرب!

ونحن نثق بشهادة اليعقوبي المعاصر لأحمد، قال في تاريخه « ٢ / ٤٧٢ »: « وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن، فقال أحمد: أنا رجل علمت علماً، ولم أعلم فيه بهذا. فأحضر له الفقهاء، وناظره عبد الرحمن بن إسحاق وغيره، فامتنع أن يقول إن القرآن مخلوق، فضرب عدة سياط، فقال إسحاق بن إبراهيم: ولني يا أمير المؤمنين مناظرته، فقال: شأنك به! فقال إسحاق: هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أوعلمته من الرجال؟ قال: بل علمته من الرجال. قال: شيئاً بعد شئ أوجملة؟ قال: علمته شيئاً بعد شئ. قال: فبقي عليك شئ لم تعلمه؟ قال: بقي عليَّ. قال: فهذا مما لم تعلمه، وقد علمكه أمير المؤمنين. قال: فإني أقول بقول أمير المؤمنين. قال: في خلق القرآن؟ قال: في خلق القرآن! فأشهد عليه وخلع عليه، وأطلقه إلى منزله ».

كما نصت على ذلك شهادة الجاحظ المعاصر لأحمد، وهو من الأشاعرة المتعصبين ضد الشيعة، قال في رسائله « ٣ / ٢٩٢ » في مناقشته لأتباع أحمد: « فنحن لم نُكفِّر إلا من أوسعناه حجة، ولم نمتحن إلا أهل التهمة، وليس كشف المتهم من التجسس، ولا امتحان الظنين من هتك الأسرار. ولوكان كل كشف هتكاً وكل

٢٠٤

امتحان تجسساً، لكان القاضي أهتك الناس لستر، وأشد الناس كشفاً لعورة. والذين خالفوا في العرش إنما أرادوا نفي التشبيه فغلطوا، والذين أنكروا أمر الميزان إنما كرهوا أن تكون الأعمال أجساماً وأجراماً غلاظاً.

فإن كانوا قد أصابوا فلا سبيل عليهم، وإن كان قد أخطأوا فإن خطأهم لايتجاوز بهم إلى الكفر. وقولهم وخلافهم بعد ظهور الحجة تشبيهٌ للخالق بالمخلوق، فبين المذهبين أبين الفرق. وقد قال صاحبكم للخليفة المعتصم يوم جمع الفقهاء والمتكلمين والقضاة والمخلصين، إعذاراً وإنذاراً: امتحنتني وأنت تعرف ما في المحنة، وما فيها من الفتنة، ثم امتحنتني من بين جميع هذه الأمة!

قال المعتصم: أخطأت، بل كذبت، وجدتُ الخليفة قبلي قد حبسك وقيدك، ولولم يكن حبسك على تهمة لأمضى الحكم فيك، ولولم يَخَفْك على الإسلام ما عَرَض لك، فسؤالي إياك عن نفسك ليس من المحنة، ولا من طريق الإعتساف ولا من طريق كشف العورة، إذ كانت حالك هذه الحال وسبيلك هذه السبيل.

وقيل للمعتصم في ذلك المجلس: ألا تبعث إلى أصحابه حتى يشهدوا إقراره، ويعاينوا انقطاعه، فينقض ذلك استبصارهم فلا يمكنه جحد ما أقر به عندهم؟ فأبى أن يقبل ذلك وأنكره عليهم وقال: لا أريد أن أوتى بقوم إن اتهمتهم ميزتُ فيهم بسيرتي فيهم، وإن بان لي أمرهم أنفذت حكم الله فيهم، وهم ما لم أوتَ بهم كسائر الرعية، وكغيرهم من عوام الأمة، وما من شئ أحب إليَّ من الستر، ولا شئ أولى بي من الأناة والرفق، وما زال به رفيقاً، وعليه رقيقاً، ويقول: لأن

٢٠٥

أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق! حتى رآه يعاند الحجة، ويكذب صراحاً عند الجواب. وكان آخر ما عاند فيه وأنكر الحق وهو يراه: أن أحمد بن أبي دواد قال له: أليس لا شئ إلا قديم أوحديث؟ قال: نعم. قال: أوليس القرآن شيئاً؟ قال: نعم. قال: أوليس لا قديم إلا الله؟ قال: نعم. قال: فالقرآن إذا حديث؟ قال: ليس أنا متكلم. وكذلك كان يصنع في جميع مسائله، حتى كان يجيبه في كل ما سأل عنه، حتى إذا بلغ المخنق، والموضع الذي إن قال فيه كلمة واحدة برئ منه صاحبه قال: ليس أنا متكلم!

فلا هوقال في أول الأمر: لا علم لي بالكلام، ولا هوحين تكلم فبلغ موضع ظهور الحجة، خضع للحق. فمقته الخليفة وقال عند ذلك: أفٍّ لهذا الجاهل مرة والمعاند مرة. وأما الموضع الذي واجه فيه الخليفة بالكذب، والجماعة بالقحة وقلة الإكتراث وشدة التصميم، فهوحين قال له أحمد بن أبي دواد: تزعم أن الله رب القرآن؟ قال: لوسمعت أحداً يقول ذلك لقلت. قال: أفما سمعت ذلك قط من حالف ولا سائل، ولا من قاص، ولا في شعر، ولا في حديث!

قال: فعرف الخليفة كذبه عند المسألة، كما عرف عنوده عند الحجة.

وأحمد بن أبي دواد حفظك الله أعلم بهذا الكلام، وبغيره من أجناس العلم، من أن يجعل هذا الإستفهام مسألة، ويعتمد عليها في مثل تلك الجماعة. ولكنه أراد أن يكشف لهم جرأته على الكذب، كما كشف لهم جرأته في المعاندة. فعند ذلك ضربه الخليفة. وأية حجة لكم في امتحاننا إياكم، وفي إكفارنا لكم.

٢٠٦

وزعم يومئذ أن حكم كلام الله كحكم علمه، فكما لا يجوز أن يكون علمه محدثاً ومخلوقاً، فكذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقاً محدثاً.

فقال له: أليس قد كان الله يقدر أن يبدل آية مكان آية، وينسخ آية بآية، وأن يذهب بهذا القرآن ويأتي بغيره، وكل ذلك في الكتاب مسطور؟

قال: نعم. قال: فهل كان يجوز هذا في العلم، وهل كان جائزاً أن يبدل الله علمه ويذهب به ويأتي بغيره؟ قال: ليس.

وقال له: روينا في تثبيت ما نقول الآثار، وتلونا عليك الآية من الكتاب، وأريناك الشاهد من النقول التي بها لزم الناس الفرائض، وبها يفصلون بين الحق والباطل، فعارضنا أنت الآن بواحدة من الثلاث.

فلم يكن ذلك عنده، ولا استخذى من الكذب عليه في غير هذا المجلس، لأن عدة من حضره أكثر من أن يطمع أحدا أن يكون الكذب يجوز عليه.

وقد كان صاحبكم هذا يقول: لا تقية إلا في دار الشرك. فلوكان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية، فقد أعمل التقية في دار الإسلام، وقد أكذب نفسه. وإن كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه، وليس منكم. على أنه لم ير سيفاً مشهوراً، ولا ضرب ضرباً كثيراً، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار، مشعثة الأطراف، حتى أفصح بالإقرار مراراً!

٢٠٧

ولا كان في مجلس ضيق، ولا كانت حاله حال مؤيسة، ولا كان مثقلاً بالحديد ولا خلع قلبه بشدة الوعيد. ولقد كان ينازع بألين الكلام، ويجيب بأغلظ الجواب، ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش.

وعبتم علينا إكفارنا إياكم، واحتجاجنا عليكم بالقرآن والحديث، وقلتم: تكفروننا على إنكار شئ يحتمله التأويل ويثبت بالأحاديث، فقد ينبغي لكم أن لا تحتجوا في شئ من القدر والتوحيد بشئ من القرآن، وأن لا تكفروا أحداً خالفكم في شئ! وأنتم أسرع الناس إلى إكفارنا، وإلى عداوتنا والنصب لنا ».

أقول: هاتان شهادتان على أن أحمد لم يصمد أمام امتحان المعتصم، إحداهما من اليعقوبي الثقة المتثبت، والثانية من الجاحظ وقد واجه بها الحنابلة فلم يردوها.

ويؤيد ذلك أن المسعودي قال إن المعتصم ضرب أحمد ليقول بخلق القرآن، وكأنه قال به. قال في مروج الذهب « ٣ / ٤٦٤ »: « وفيها « سنة ٢١٩ » ضَرَب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً ليقول بخلق القرآن ».

وروى ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٠٥ » أن أحمد استعطف المعتصم بأن خالد بن ابراهيم الشيباني من أنصار بني العباس، قال: « وحين أحضره المعتصم بين يديه سلَّمَ وتكلم بكلام أعجب الناس، ثم قال في أثناء كلامه: يا أمير المؤمنين إن لآبائى سبقاً في هذه الدعوة، فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم بأن القرآن كلام الله ». وهو يقصد أبا داود

٢٠٨

خالد بن إبراهيم الذهلي. وكان نقيباً وليس من أجداد أحمد، لكن حنبلاً وأولاده كانوا يتقربون به الى السلطة.

ويظهر أنهم أطلقوا أحمد، لأنه أقر بما أرادوا وتشفع اليهم بالذهلي الذي يتقرب اليه أبوه حنبل. ولوأنه لم يقر لهم بخلق القرآن لم يطلق، ولم يسمح له بالتحديث والإفتاء! بل بقي في السجن مع نُعيم بن حماد، فقد بقي بعده في السجن عشر سنين حتى مات، ودفنوه ولم يصلوا عليه!

قال في تاريخ بغداد « ١٣ / ٣١٥ »: « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: سنة تسع وعشرين ومائتين، فيها مات نعيم بن حماد، وكان مقيداً محبوساً لامتناعه من القول بخلق القرآن، فَجُرَّ بأقياده فألقيَ في حفرة، ولم يُكفن ولم يُصل عليه ».

أما زميله الآخر ابن نصر فبقي ثلاث عشرة سنة: « قال محمد بن إسحاق السراج: قتل أحمد بن نصر بن مالك يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين. وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلت من شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين ». « تاريخ بغداد: ٥ / ٣٨٣ ».

٤. زعم أحمد أنه كان معه سرٌّ رباني نجَّاه من السجن والألم! مع أنه قال إنه ضرب بضعاً وثلاثين سوطاً، وأغمي عليه مرات من الألم، أو من الخوف.

قال في العلل « ١ / ٧٣ »: « ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه. فأخذتُ وسحبتُ وخُلعت وجئ بالعُقَابَيْن « خشبتان لتثبيت المجلود » والسياط، وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي (ص) مصرورة في ثوبي، فجردوني منه ».

٢٠٩

وروى الذهبي في تاريخ « ٥ / ١٠٦٣ » عن حنبل قال: « أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال: هذه من شعر النبي، فأوصى عند موته أن يجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه. ففعل به ذلك عند موته ».

وقال في سيره « ١١ / ٢١٢ »: « عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه يغمسها في الماء ويشربه يستشفي به ».

أقول: الفضل بن الربيع كان حاجب المنصور، وحسب قول أحمد إن بعض ولده أعطاه ثلاث شعرات من شعر النبي (ص)، ولعله يقصد أحد أحفاده، وكان له أولاد كثرة موظفون في الدولة، ولا يمكن إثبات صدق الذي أعطاه الشعرات، وأنها من أثر النبي (ص)!

أحاط ابن حنبل نفسه بهالةٍ من المبالغات!

تجد في حديث أحمد عن نفسه، وحديث أتباعه عنه، كثيراً من المبالغة وغير المعقول، فهوالذي أسس الغلو في شخصه، وربى عليه تلاميذه وأولاده!

ويكفي مبالغته في كتابه المسند وقد اعتبره كله صحيحاً، وقال إنه اختاره من مئات ألوف الأحاديث، وأن ما لايوجد فيه، فهوغير صحيح!

قال الإمام الحنبلي أبوموسى المديني الأصفهاني المتوفى سنة ٥٨١، في كتابه خصائص مسند الإمام أحمد / ١٣، طبعة مكتبة التوبة بالرياض ـ ١٤١٠هجرية: « قال لنا حنبل

٢١٠

بن إسحاق: جمعنا عمي « أحمد » لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني تاماً، غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبع مائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه، وإلا فليس بحجة.

سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث، ولم يكتب سواداً في بياض إلا قد حفظه!

سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي رحمه الله تعالى: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجعوا إليه.

قال الشيخ الحافظ أبوموسى رحمه الله: ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طُعن في أمانته ».

قال أبو زرعة الرازي « تاريخ بغداد: ٥ / ١٨٥ »: « كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث! فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذَاكَرْتُهُ فأخذت عليه الأبواب ».

فهو إذن، يحفظ مليون حديث، واختار منها سبع مئة وخمسين ألفاً، ثم اختار منها الصحيح، وهومسنده الذي بلغت أحاديثه نحوثلاثين ألفاً!

وهذا الكلام لا يوافقه عليه أحد من المحدثين، حتى علماء الحنابلة أنفسهم!

كما أن مسنده يستحيل أن يكون كله صحيحاً، لكثرة المتناقضات فيه.

٢١١

فإذا تجاوزنا كتابه، وجدنا يغلو في شخصه، وأولاده صالح وحنبل وعبد الله يغلون فيه، وتلاميذه خاصة المروزي. وتبدأ مبالغتهم من طفولته، ونسبه، الى علمه، وزهده في الدنيا، وموته، وقبره، وأن الله تعالى ينزل ويزور قبره!

قالوا عن أصل أحمد: جاءت أمه الى بغداد وهي حاملة به

قالوا: كان حنبل جندياً في بخارى في زمن المنصور، مع المسيب بن زهير، وقد أدبه المسيب هو وإسحاق بن عيسى السعدي، لأنهما حركا الجند للشغب، فضربهما المسيب وحلق رأسيهما، وقد يكون نفاه الى مرو، أورضي عليه وولاه سرخس، لأنهم قالوا وليَ سرخس، وكان من أبناء الدعوة. « تاريخ بغداد: ٥ / ١٨١ ».

والصحيح أن حنبلاً أوغيره من أجداده لم يكونوا من أبناء الدعوة العباسية، بل أحد أقاربهم الهذليين، والمرجح أنه قريبهم بالتحالف أو الولاء.

وذكروا أن محمداً مات في مَرْوخراسان، وخرجت زوجته وهي حامل بأحمد، وجاءت الى بغداد فولدته. ولم يذكروا هل تزوجت بعد ذلك.

وقد تفرد ابن كثيرفقال « النهاية: ١٠ / ٣٥٩ »: « قالوا: وقدم به أبوه من مرو وهوحمل فوضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة، وتوفي أبوه وهوابن ثلاث سنين فكفلته أمه ».

مع أن أحمد نفسه قال إن أمه جاءت به وهوحمل في بطنها، ولم يقل أحدٌ غير ابن كثير إن أباه جاء به! ولعله اخترع ذلك ليرفع المهانة عن إمامه أحمد!

٢١٢

لم يكن أحمد من شيبان وقد يكون حليفهم

لم يَدَّعِ أحمد طول عمره أنه من شيبان، فقد قال يحيى بن معين: « ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب قط محمد بن الفضل يقول: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، وكان يجئ في كل يوم فيأخذ منه حاجته، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الله، بلغني أنك من العرب، فقال: يا أبا النعمان نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً ». « تهذيب الكمال: ١ / ٤٤٤ ».

لكن ابنه الصغير صالح كتب نسباً، وقالوا رآه أبوه ولم ينكره. ولم يذكر صالح من أين أخذه! قال ابن كثير في النهاية « ١٠ / ٣٥٩ » « ورويَ عن صالح بن الإمام أحمد قال: رأى أبي هذا النسب في كتاب لي فقال: وما تصنع به؟ ولم ينكر النسب ».

وحرفوا كلام ابنه صالح، فصار النسب في كتاب لأبيه، قال الذهبي في سيره « ١١ / ١٧٨ »: « قال الحافظ أبومحمد بن أبي حاتم في كتاب مناقب أحمد: حدثنا صالح بن أحمد، قال: وجدت في كتاب أبي نسبه، فساقه إلى مازن »!

والنسب كما في كتاب العلل « ١ / ٤٥ »: « أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ».

٢١٣

وقد تبناه الحنابلة، وقال عنه المزي في تهذيب الكمال « ١ / ٤٤٣ »: « وهكذا قال أبو نصر بن ماكولا، إلا أنه زاد بعد مازن: ابن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. وقال الحافظ أبوبكر الخطيب: قول عباس الدوري وأبي بكر بن أبي داود أن أحمد من بني ذهل بن شيبان غلط، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هذا هوعم ذهل بن شيبان وهذا هوذهل المسن الذي منه دغفل ابن حنظلة، والقعقاع بن شور فينبغي أن يقال: أحمد بن حنبل الذهلي ».

ومع أنه لم يشهد بهذا النسب أحدٌ من خبراء الأنساب، فقد اعتبره الحنابلة صحيحاً، وافتخروا بأن إمامهم عربي، في محيط يفتخر بالعرب ويحتقر الموالي!

أما قولهم إن حنبلاً كان من أبناء الدعوة العباسية، فقد أخذوه من كلام أحمد المتقدم الذي استعطف به المعتصم، كما في كتاب: الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٠٥ » لابن العمراني قال: « ثم قال في أثناء كلامه: يا أمير المؤمنين إن لآبائي سبقاً في هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم ».

وهويقصد أبا داود خالد بن إبراهيم الذهلي الذي كان نقيباً، وهومن فرع آخر، وليس من أجداد أحمد، وإن افتخر به حنبل.

كان جده حنبل مجنداً مشاغباً

قالوا إن جده حنبلاً كان مجنداً في بخارى، وكان مشاغباً فأدبه قائده. وقالوا إنه صار والي سرخس، ولم أجد مؤشراً على صحة هذا القول، فلوترقى وصار والياً على محافظة مهمة في خراسان كسرخس، فلماذا كان ابنه محمد في مَرْو فقيراً؟

٢١٤

قال في تاريخ بغداد « ٥ / ١٨١ »: « وجده حنبل بن هلال وليَ سرخس، وكان من أبناء الدعوة. فسمعت إسحاق بن يونس صاحب ابن المبارك يقول: ضرب حنبلَ بن هلال وأبا النجم إسحاق بن عيسى السعدي المسيبُ بن زهير الضبي ببخارى، في دسهم إلى الجند في الشغب، وحلقهما ».

وقلنا إن الذي كان من أبناء الدعوة وتقرب به أحمد الى العباسيين، هوخالد بن إبراهيم الشيباني، وهوبحسب النسب الذي ادعوه لأحمد من أعمام آبائه:

قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب / ٣١٩: « ومن بني عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة: أبوداود خالد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن قعبل بن الحارث، أحد النقباء لبنى العباس، وهوولي خراسان بعد أبي مسلم. ومنهم: دغفل النسابة، وهودغفل بن حنظلة بن يزيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة. والقعقاع بن شور ومطير بن القعقاع بن شور، حكم بجهة الموصل. والفقيه الجليل أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وابناه: عبد الله قاضي حمص، وصالح قاضي الثغر وابن ابنه: زهير بن صالح، محدث. وابن أخيه محمد بن أحمد بن صالح، محدث ».

فالنقيب أبو داود الذهلي، كان قائداً عند أبي مسلم، قال ابن خلدون « ٣ / ١٢٤ »: « ثم بعث أبومسلم كعباً من النقباء إلى أبيورد فافتتحها، ثم أبا داود خالد بن إبراهيم من النقباء إلى بلخ، وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري، فجمع له أهل بلخ

٢١٥

وترمذ وجند طخارستان، ونزل الجوزجان ولقيهم أبوداود فهزمهم، وملك مدينة بلخ ». وقال في أنساب الأشراف « ٤ / ٢٢٨ »: « لما مات أبوداود خالد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن قعبل بن ثابت بن سالم بن حذلم بن الحارث بن عمروبن سالم بن الحارث بن عمروبن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، كتب المنصور إلى أبي عصام عبد الرحمن بن سليم بولاية خراسان، ثم عزله بعد أربعين يوماً ».

والنتيجة: أن أحمد لم يقل يوماً إنه عربي، لكن أولاده قالوا ذلك لحاجتهم اليه بعد أن صار أبوهم أحمد مشهوراً. ونسبه الذي ذكروه لايوجب الإطمئنان، ولا ينطبق على ما رووه عن جده حنبل، إلا أن يكون حنبل حليفاً لهلال بن أسد وليس ابنه، أوكان أصله من تميم، وهو يخفيه لأنه من أولاد حرقوص بن زهير.

قال علماءٌ: إن أحمد من ذرية حرقوص رأس الخوارج؟

ألَّفَ الطبري المؤرخ كتاباً في إثبات سند حديث الغدير، سماه: الرد على الحرقوصية، وهو يقصد الحنابلة.

وقد تكون تسميته لهم بالحرقوصية لأن إمامهم ابن حنبل من ذرية رئيس الخوارج حرقوص بن زهير، أولأنهم نواصب كالخوارج أتباع حرقوص.

وقد اختار المستشرق كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي « ٣ / ٥٠ » في تفسير إسم: الرد على الحرقوصية ، أن الحرقوصية هم الحنابلة، وأن الطبري سماهم بذلك، لأن أحمد بن حنبل من أولاد زهير بن حرقوص!

٢١٦

وقال السيد ابن طاوس (قدس سره) في الإقبال / ٤٥٣: « من ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير، صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية، روى فيه حديث الغدير وما نص النبي (ص) على علي بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً ».

وقال في الطرائف / ٣٨: « ورأيت في بعض ما صنفه الطبري في صحة خبر يوم الغدير أن إسم الكتاب: الرد على الحرقوصية، يعني الحنبلية، لأن أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي، وقيل: إنما سماه الطبري بهذا الإسم، لأن البر بهاري الحنبلي تعرض للطعن في شئ مما يتعلق بخبر يوم غدير خم ».

وجزم به الصدوق في علل الشرائع « ٢ / ٤٦٧ » فروى عن إبراهيم بن سفيان: « إنما كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب (ع) أن جده ذا الثدية قتله علي بن أبي طالب يوم النهروان، وكان رئيس الخوارج ». ونحوه المناقب « ٣ / ٢١ و ٢٢٠ ».

وذكر النجاشي الرجالي المعروف / ٣٢٢، كتاب الرد على الحرقوصية، قال: « محمد بن جرير أبوجعفر الطبري عامي، له كتاب الرد على الحرقوصية، ذكر طرق خبر يوم الغدير، أخبرنا القاضي أبوإسحاق إبراهيم بن مخلد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن جرير بكتابه الرد على الحرقوصية ».

وعليه، لابد أن يكون انتساب جده حنبل الى بني شيبان بالتحالف، تهرباً من نسبه الى حرقوص التميمي ذي الثدية، لأنه نسبٌ منفورٌ عند جميع المسلمين!

٢١٧

كانت الفارسية اللغة الأم لأحمد بن حنبل

وذلك لأن أمه فارسية من مَرْو، وعاش في بغداد بين المَرْوِيين الخراسانيين، فقد روى الذهبي في سيره « ١١ / ٢١٨ » عن حفيده زهير بن صالح، قال: « وسأل « أحمد » ابن خالته عمن بقي من أهله بخراسان، في خلال الأكل، فربما استعجم عليه فيكلمه جدي بالفارسية، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي ».

ومما يشير الى محيطه الفارسي قول تلميذه المروذي في: الرد على الجهمية / ٤٧: « كان أبوعبد الله لا يلحن في الكلام، قال: وأخبرت أنه لما نوظر بين يدي الخليفة لم يتعلق عليه بلحن وقال لي ابن أبي حسان الوراق: طلب مني أبوعبد الله وهو في السجن كتاب حمزة في العربية، فدفعته إليه فنظر فيه قبل أن يُمتحن ».

سبب تناقض ابن حنبل في موقفه من أهل البيت (ع)

يوجد تناقض في أحاديث ابن حنبل وأقواله في أهل البيت النبوي (ع)! ولا نجد سبباً لذلك إلا الجو السياسي الذي كان يميل اليهم في زمن المأمون والمعتصم والواثق، ثم صار جواً معادياً لهم في زمن المتوكل!

ففي طبقات الحنابلة « ١ / ٣٢٠ »: « سمعت محمد بن منصور يقول: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علياً قال: أنا قسيم النار؟ فقال: وما تنكرون من ذا، أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟ قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا في الجنة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعلي قسيم النار ».

٢١٨

وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي « ١ / ٢٥٧ »: « وحكى جدي أبوالفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول، بإسناده الى صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي إن قوماً ينسبوننا الى توالي يزيد؟ فقال يا بني، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت: فلم لاتلعنه؟ فقال: وهل رأيتني لعنت شيئاً يا بني، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال في قوله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم . فهل يكون فساد أعظم من القتل ». والمسائل والرسائل المروية عن أحمد: ١ / ٤١٠، والصواعق المحرقة / ٢٢٢.

وقال ابن حجر في فتح الباري « ٧ / ٨١ »: « أخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال: إعلم أن علياً كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه، كياداً منهم لعلي! فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له! وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، لكن ليس فيها مايصح من طريق الإسناد. وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما ».

وفي مناقب آل أبي طالب « ١ / ٢٢٥ »: « وسأل المعتصم أحمد بن حنبل: كان أبوبكر أفضل الصحابة أم علي؟ قال: أبو بكر أفضل الصحابة وعلي أفضل أهل البيت، قال: أترجح ابن العم على العم؟ قال: إن حمزة والعباس قالا ذلك لرسول الله يوم أمر بسد الأبواب ».

٢١٩

أقول: كان كلام ابن حنبل في تفضيل علي وأهل البيت (ع) وفي ذم معاوية ويزيد وبني أمية، قبل أن يؤسس المتوكل حزب أهل الحديث والأثر، ويجعله إماماً لهم، ويتبنى بغض علي (ع) وحب معاوية وأحاديث التشبيه والرؤية!

أما بعد ذلك، فصار مذهب ابن حنبل مدح بني أمية، وبغض عليٍّ لكن قليلاً، وانتبه أن لا تبغضه كثيراً فتخرج عن السنة!

روى البياضي في الصراط المستقيم « ٣ / ٢٢٤ »: « قال أحمد: لا يكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً ». وفي علل الشرائع « ٢ / ٤٦٨ »: « سمعت علي بن خشر ـ م يقول كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب (ع) فقال: لايكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً! قال علي بن خشرم: فقلت لا يكون الرجل سنياً حتى يحبه كثيراً. وفي غير هذه الحكاية قال علي بن خشرم: فضربوني وطردوني »!

من غلوالحنابلة ومبالغاتهم في إمامهم وأنفسهم

مَلَك ( بحري ) يبشر أحمد:

في تاريخ بغداد « ٥ / ١٨٦ »: « حدثنا سلمة بن شبيب قال: كنا عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فدق الباب، وكنا قد دخلنا عليه خفياً، فظننا أنه قد غَمز بنا، فدق ثانية وثالثة، فقال أحمد: أدخل. قال: فدخل فسلم وقال: أيكم أحمد؟ فأشار بعضنا إليه، قال: جئت إلى البحر من مسيرة أربع مائة فرسخ، أتاني آتٍ في منامي فقال: إئت أحمد بن حنبل وسل عنه فإنك تُدل عليه، وقل له: إن الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477