الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154545 / تحميل: 6636
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عنك راض وملائكة سماواته عنك راضون، وملائكة أرضه عنك راضون. قال: ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة ».

أحمد حجة الله في أرضه:

في النهاية لابن كثير « ١٠ / ٣٧٠ »: « قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن: يا ميمون ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل. فعجبت من هذا عجباً شديداً، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة علي بن المديني فقال: صدق، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصاراً وأعواناً، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان. ثم أخذ أبوعبيد يطري أحمد ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.

وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه. وقال علي بن المديني: إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان.

وقال أيضاً: إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، ثم قال: ومن يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله ».

فقد أحمد كفقد النبي (ص):

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٢٠ »: « كانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة المتوكل بمدينة السلام، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، ودفن بباب حرب في الجانب الغربي، وصلى عليه محمد بن طاهر، وحضر جنازته خلق من الناس لم يُرَ مثل ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف قبله،

٢٢١

وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأمور: منها أن رجلًا منهم كان ينادي: إلعنوا الواقف عند الشبهات، وهذا بالضد عما جاء عن صاحب الشريعة (ع) في ذلك. وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف موقفاً بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته:

وأظلمت الدنيا لفقد محمد

وأظلمت الدنيا لفقدابن حنبل

يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد (ع)، وأنها أظلمت عند موت ابن حنبل، كظلمتها عند موت الرسول (ص) ».

من لم يحبه فليس بسني:

في تاريخ دمشق « ٥ / ٢٩٣ »: « سمعت ابن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل، فاعلموا أنه صاحب سنة ».

أجاب في سبعة أيام عن سبعين ألف مسألة:

في طبقات الحنابلة « ١ / ١٢ »: « وقال إسماعيل بن حرب: أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جئ به إلى العسكر، فإذا هوسبعون ألفاً ».

أي بلغ عدد المسائل التي أجاب عليها في سامراء سبعين ألف مسألة، وقد بقي فيها نحوأسبوع! فيكون أجاب في اليوم عن عشرة آلاف!

أحمد يزوره الله في قبره:

في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / ٤٥٤: « حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي، وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على

٢٢٢

عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أوسافين، فقلت: إنما تم هذا على قبرالإمام أحمد من كثرة الغيث! فسمعته من القبر وهويقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي فهوينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله! لأن معي شعرات من شعره! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرتين »!

هكذا هكذا، وإلا فلا، لا:

قال ابن عربي في الفتوحات « ١ / ٢٤٧ »: « رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل، المتبع، المقتدي، سيد وقته، في تركه أكل البطيخ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله (ص)! فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول (ص) في حركاته وسكناته، وجميع أفعاله وأحواله. وإنما عرف هذا منه، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد، بالقول والعمل والحال، لأن ذلك أمكن في نفس السامع فهو « أي ابن حنبل » وأمثاله، حفاظ الشريعة على هذه الأمة ».

وقال في الفتوحات « ٤ / ٤٥٧ »: « ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ، فقيل له في ذلك فقال: ما بلغني كيف كان رسول الله (ص) يأكله! فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه. وبمثل هذا تقدم علماء هذه

٢٢٣

الأمة على سائر علماء الأمم. هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه: فاتبعوني يحببكم الله. وقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة »! ونحوه في الفتوحات « ٤ / ٨٤ ».

أقول: هذا استحمارٌ للناس! بأن هذا الإمام أحمد كان ملتزماً حرفياً بـ « سنة » النبي (ص) حتى في تفاصيل المستحبات والمباحات! وأنه بلغ من تقواه أنه لم يأكل البطيخ لأنه يريد أن يقتدي فيه برسول الله (ص)، وحيث لم يبلغه كيف كان يأكله، فقد تركه!

ثم افتخر ابن عربي بفعله وقال: هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. أي هكذا فليكن التدين والإقتداء برسول الله (ص)، وإلا فلا!

وعلى هذا يجب على ابن حنبل وابن عربي وتلاميذهم، أن يتركوا أكثر الأعمال والتصرفات من أكل وشرب ورواح ومجئ ونوم ويقظة وتعلم وتعليم، إلا ما ثبت لهم فيه السنة وفي تفاصيله، فيقتدوا به!

هذا، وفي تاريخ بغداد « ٥ / ١٨٧ » أن أحمد مات سنة ٢٤١، وعمره سبع وسبعون سنة.

٢٢٤

الفصل العاشر:

الإمام الهادي (ع) ينقض مذهب أحمد والمتوكل

المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم

اتفق المؤرخون على أن المأمون أعلم الخلفاء العباسيين والأمويين. وقد ورد وصفه في حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى الى الزهراء (ع)، وفيه أسماء الأئمة من أبنائها (ع)، فقال عن الثامن منهم: « يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح « ذوالقرنين » إلى جنب شر خلقي. حقَّ القولُ مني لأسرِّنَّهُ بمحمد ابنه، وخليفته من بعده ووارث علمه ». « الكافي: ١ / ٥٢٧ ».

أما مسألة أن القرآن مخلوق أوغير مخلوق، فأخذها المأمون من متكلمي المسلمين قبله، ورفعها شعاراً فقال: من قال إنه غير مخلوق فمعناه أنه قديمٌ مع الله تعالى فيكون شريكاً لله، أويكون كلام الله جزءً منه فيكون الله مركباً. وهذا يخالف قوله تعالى: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.

وبدأ المأمون في سنة ٢١٢ بامتحان العلماء والمحدثين، فكان يحبس من لم يقل إن القرآن مخلوق، ويُحَرِّم عليه أن يكون قاضياً، أوموظفاً في الدولة.

واستمر الإمتحان عشرين سنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق، حتى تولى المتوكل سنة ٢٣٢ فأوقفه، وتعصب للرأي الآخر، وقال إن القرآن قديمٌ غير مخلوق، وتبنى أحاديث رؤية الله تعالى بالعين.

٢٢٥

وقد اتفق المؤرخون على أن المتوكل لم يكن له بضاعة من العلم، وأنه كان يتزيا بزي المخنثين فحبسه أخوه الواثق ليمنعه من التخنث. ولم يَدَّعِ ولا ادعى له أحدٌ أنه كان عالماً، وأنه اختار مذهباً بموازين علمية، بل كان يعيش في مجتمع فيه صراع بن اتجاهين: اتجاه يؤكد على تنزيه الله تعالى عن الجسم والشبيه، ويقول بفضائل أهل البيت (ع)، واتجاه يميل الى التجسيم، ويكره أهل البيت النبوي بشكل صريح أومبطن، فتبنى هذا الإتجاه.

ومن الظواهر العجيبة أن القول بالتشبيه توأمٌ دائماً مع عداوة أهل البيت (ع). فأينما وجدت مُجسماً فهوناصبي، وأينما وجدت ناصيباً فهومُجسم أو مُشبِّه! لذلك يترجح عندنا أن المتوكل كان مبغضاً لعلي (ع) من نشأته، وعندما صار خليفة تجمع عليه أشكاله فعلموه التشبيه وأحاديث رؤية الله تعالى بالعين!

جواب أهل البيت (ع) على مقولة خلق القرآن

كان موقف الأئمة (ع) النهي عن الإنشغال بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق.

فقد سئل الإمام الصادق (ع) قبل المأمون بخمسين سنةً: « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن؟ فقال: هوكلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله وهوالكتاب العزيز الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ». « أمالي الصدوق / ٦٣٨ ».

٢٢٦

وسئل الإمام الكاظم (ع): « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق، وقال قوم إنه غير مخلوق؟ فقال (ع): أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول إنه كلام الله عز وجل ». « أمالي الصدوق / ٦٤٧ ».

وكذلك موقف الإمام الرضا (ع) وهومعاصر للمأمون، ففي أمالي الصدوق / ٦٣٩: « عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرضا (ع): يا ابن رسول الله، أخبرني عن القرآن، أخالق أومخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ».

الإمام الهادي (ع) يشرح مسألة خلق القرآن

وعندما تفاقمت مقولة القرآن مخلوق في زمن الإمام الهادي (ع) كتب الى بعض شيعته ببغداد: « بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة، وإلا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه. وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله. لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين. جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون ». « أمالي الصدوق / ٦٣٩ ».

فقد أعطى الإمام (ع) القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق، لكنه مَنَعَ من وصف كلامه تعالى بأنه مخلوق، حتى لايتسرب الى الذهن حدوثٌ للمتكلم.

ومعنى قوله (ع): تكلف المجيب ما ليس عليه: أنه أجاب بغير علم وهو لايعرف مفهوم وجود القرآن، ولا مفهوم المخلوق وغير المخلوق.

٢٢٧

وأما قوله (ع): فتعاطى السائل ما ليس له، فقد يشكل عليه بأنه كيف يصح المنع من السؤال، وتقسيم المسائل الى ما ينبغي طرحه وما لاينبغي.

والجواب: لأنه لايصح السؤال إلا إذا كان واضحاً محدداً، وهذا في مسألتنا يتوقف على فهم السائل لمعنى القرآن ومعنى الخلق، وإلا فلا يحق له السؤال.

والسائل في نظر الإمام (ع) لايفقه معنى القرآن، وأنواع وجوده، قبل نزوله الى جبرئيل، ثم نزول جبرئيل به الى الرسول (ص) ثم عندنا، الى أن يتجسد بصورة إنسان في يوم القيامة!

أما معنى الخلق فالسائل أشد جهلاً به، فهو أنواع، ونحن لا نعرف كيفية خلق المطر وتكوين ذرَّاته الأولى مع أنه يتم أمام أعيننا. ولا كيفية خلق أنفسنا من عدم ولا كيفية تسويتها بعد ذلك ولا القوى التي سواها الله بها، وأقسم بها!

وما دام السائل لايفقه جوهر سؤاله ولا مغزاه، فهويتعاطى أمراً لايفقهه، ولا يعرف لغته التي تستعمل فيه، فيفرض ألفاظه على الموضوع، كالذي يسأل عن مسألة رياضية معقدة بألفاظ عامية، لا تصلح للتعبير عنها.

قال الشريف المرتضى في رسائله « ١ / ١٥٢ »: « وسأل أحسن الله توفيقه عن القرآن هل هومخلوق أوغير مخلوق؟ الجواب، وبالله التوفيق: إن القرآن مُحدثٌ لا محالة، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض، لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك، ونقيضه بفقد الادراك، والمتجدد لا يكون إلا محدثاً، والنقيض لا يكون قديماً، وما ليس بقديم وهوموجود محدث، فكيف لا

٢٢٨

يكون القرآن محدثاً وله أول وآخر وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف.

فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أومختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله، ولهذا قال الله عز وجل: إن هذا إلا اختلاق. وتخلقون إفكاً . ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته.

وقد ورد عن أئمتنا (ع) في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق، وأنهم (ع) قالوا: لا خالق ولا مخلوق.

وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في قصة التحكيم: إنني ما حكمت مخلوقاً وإنما حكمت كتاب الله عز وجل. ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا (ع) من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه، وإن لم يصرحوا (ع) به ».

وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف « ٦ / ١١٩ »: « كلام الله تعالى: فعله، وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً. وقال أكثر المعتزلة إنه مخلوق، وفيهم من منع من تسميته بذلك، وهوقول أبي عبد الله البصري وغيره. وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومحمد: إنه مخلوق. قال محمد: وبه قال أهل المدينة. قال الساجي: ما قال به أحد من أهل المدينة.

قال أبويوسف: أول من قال بأن القرآن مخلوق أبوحنيفة. قال سعيد بن سالم: لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون، فقال: إن القرآن مخلوق هذا

٢٢٩

ديني ودين أبي وجدي. وروي عن جماعة من الصحابة الإمتناع من تسميته بأنه مخلوق. وبه قال جعفر بن محمد الصادق (ع) فإنه سئل عن القرآن فقال: لا خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، وبه قال أهل الحجاز ..

ولم يُرْوَ عن واحد من هؤلاء أنه قال: القرآن قديم، أوكلام الله قديم. وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه: ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها، فمنها قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً. وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ. فسماه عربياً والعربية محدثة. وقال: نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، فوصفه بالتنزيل. وهذه كلها صفات المحدث. ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر »!

الإمام الهادي (ع) يوضح أصول التوحيد

١. ردَّ الإمام (ع) ما نسبه المجسمة الى رسول الله (ص) من أحاديث عن رؤية الله تعالى بالعين. قال أحمد بن إسحاق الأشعري وهومن كبار علماء قم: « كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الإشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه، وكان ذلك التشبيه. لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات ». « الكافي: ١ / ٩٧ ».

٢٣٠

٢. في الإحتجاج « ٢ / ٢٥٠ »: « سئل أبوالحسن (ع) عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شئ معه ثم خلق الأشياء بديعاً، واختار لنفسه الأسماء، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟

فكتب: لم يزل الله موجوداً ثم كَوَّنَ ما أراد، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طُرُف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين، عن الدَّرْكِ لعجيب شأنه، أوالوقوع بالبلوغ على عُلُوِّ مكانه، فهو بالموضع الذي لايتناهى، وبالمكان الذي لم تقع عليه عيون بإشارة ولا عبارة. هيهات هيهات »!

٣ . وفي التوحيد للصدوق / ٦١: « عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته (ع) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهوسائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يُتقى، ومن أطاع الله يطاع. فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام، ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبالِ بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فَقَمِنٌ أن يُسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به. جلَّ عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في بُعده قريب، وفي قربه بعيد، كيَّف الكيف فلا يقال له: كيف. وأيَّن الأينَ فلا يقال له أين، إذ هومبدع الكيفوفية والأينونية.

٢٣١

يا فتح: كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جَسَّمَ الأجسام، وهوليس بجسم ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرأٌ من ذات، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه.

وهواللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، منشئ الأشياء، ومجسم الأجسام، ومصور الصور.

لوكان كما يقول المشبهة، لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه، إذ كان لا يشبهه شئ.

قلت: فالله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟

فقال: أَحَلْتَ ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد، فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهوأجزاء مجزأة ليس سواء، دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الإسم، لا واحد في المعنى، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان.

فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى، غير أنه بالإجتماع شئ واحد.

٢٣٢

قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هوأصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.

قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ( تبارك الله أحسن الخالقين ) . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار.

قلت: إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسى، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك، إن هذا لهوالعجب!

٢٣٣

فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهولا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهوشاء ذلك، ولولم يشأ لم يأكلا، ولوأكلا لغلبت مشيتهما مشية الله. وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل (ع)، وشاء أن لا يذبحه، ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل!

قلت: فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار، قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين. ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات، ولم يشغله سمع عن سمع، قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك.

قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون؟

قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. وقوله: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون.

٢٣٤

فقمت لأقبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت وبي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه، لما تبينت من الخير والحظ.

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولوشاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر، ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته، كما قال العالم (ع) ».

٤. ورواه المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٥ »، بلفظ آخر وفيه: « كيَّفَ الكيفَ فلا يقال كيف، وأيَّنَ الأينَ فلا يقال أين، إذ هومنقطع الكيفية والأينية، الواحد الأحد جل جلاله. بل كيف يوصف بكنهه محمد (ص) وقد قرنَ الخليل إسمه باسمه، وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، فقال: وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . وقال تبارك اسمه يحكى قول من ترك طاعته: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا. أم كيف يوصف من قَرَنَ الجليل طاعتَه بطاعة رسول الله (ص) حيث يقول: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.

يا فتح: كما لا يوصف الجليل جل جلاله، ولا يوصف الحجة، فكذلك لا يوصف المؤمن المُسَلِّمُ لأمرنا، فنبينا (ص) أفضل الأنبياء، ووصينا (ع) أفضل الأوصياء. ثم قال لي بعد كلام: فأوردِ الأمر إليهم وَسَلِّمْ لهم.

٢٣٥

ثم قال لي: إن شئت. فانصرفت منه. فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت: يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟ فقال لي: سل وأَصِخْ الى جوابها سمعك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، فأما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك. إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم، وكل ما اطلع الرسول عليه، فقد اطلع أوصياؤه عليه.

يا فتح: عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم فقلت: متى أيقنتُ أنهم هكذا: فهم أرباب! معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون!

فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به، فاقمعه بمثل ما نبأتك به!

قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك فرجت عني، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد (ع) فسمعته يقول في سجوده: راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً. ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك! وما ضرَّ عيسى أن هلك من هلك. إذا شئت رحمك الله. قال: فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس.

٢٣٦

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهومتكئ، وبين يديه حنطة مقلوَّة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا فقال: أجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام، وهوالسميع العليم. تبارك الله عما يقول الظالمون، وعلا علواً كبيراً. ثم قال: اذا شئت رحمك الله.

وقدم به (ع) بغداد، وخرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه ».

وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة

« عن الصقر بن دلف عن أبي الحسن الثالث (ع) قال: يا ابن دلف، إن الجسم محدث والله محدثه ومجسمه ». « الفصول المهمة: ١ / ١٤٧ ».

عن حمزة بن محمد قال: « كتبت إلى أبي الحسن (ع) أسأله عن الجسم والصورة فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ، لا جسمٌ ولا صورة ». « الكافي: ١ / ١٠٢ ».

وكتب اليه أيوب بن نوح يسأله عن الله عز وجل: « أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أولم يعلم ذلك حتى خلقها، وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون؟ فوقع بخطه: لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء ». « الكافي: ١ / ١٠٨ ».

٢٣٧

وكتب اليه إبراهيم بن محمد الهمداني: « إن من قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة. فكتب (ع) بخطه: سبحان من لايُحد ولايُوصف ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ». « الكافي: ١ / ١٠٢ ».

وفي الكافي « ١ / ١٠٥ »: « عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان ».

أقول: كان هشام بن الحكم رضي الله عنه أقوى المناظرين في بغداد، وكان هارون الرشيد يعقد له مجالس المناظرة مع كبار علماء المذاهب والأديان، ويجلس خلف الستار يستمع. ويظهر أن هشاماً قال ذات مرة عن الله تعالى إنه جسم لا كالأجسام، بدل أن يقول شئ لا كالأشياء، فطار بها خصومه وقالوا هومجسم!

أما هشام بن سالم الجواليقي رضي الله عنه، فربما روى حديث أن الله على صورة الإنسان، وقد يكون قَبِلَه، فطار بها خصومه وحرفوا كلامه أيضاً!

قال الشهرستاني في الملل والنحل « ١ / ١٨٥ »: « وقال هشام بن سالم: إنه تعالى على صورة إنسان، أعلاه مُجَوَّفٌ وأسفله مصمت، وهو نور ساطعٌ يتلألأ، وله حواسٌّ خمسٌ ويد ورجلٌ وأنفٌ وأذنٌ وفمٌ. وله وَفْرَةٌ سوداءُ هي نورٌ أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم ».

٢٣٨

وقال الأميني في الغدير « ٢ / ٢٨٤ » عن كتاب الملل والنحل: « هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي الفِصَل في بذاءة المنطق، غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن تفنيدها، فإليك نماذج منها:

١ ـ قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذوأبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ ـ قال في حق علي: إنه إلهٌ واجب الطاعة.

٣ ـ وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان، أعلاه مجوف وأسفله مصمت وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس، ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهونور أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم. وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء، مع قوله بعصمة الأئمة.

٤ ـ وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً، ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ ـ قال محمد بن النعمان: إن الله نورٌ على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش، والعرش تحمل الرب، وهومن مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً ». انتهى.

أقول: وكل ذلك مكذوباتهم على الشيعة أوتحريفٌ لكلامهم، وقد نشروا هذه الأكاذيب يومها، فسأل الشيعة عنها الأئمة (ع) فنفوا مقولة الجسم والصورة.

٢٣٩

المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي (ع)

وفي مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥٠٧ »: « قال المتوكل لابن السكيت: إسأل ابن الرضا مسأله عوصاء بحضرتي، فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟

فقال أبوالحسن (ع): بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، وأثبت الحجة عليهم. وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، في زمان الغالب على أهله الطب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم. وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر، ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم، وأثبت الحجة عليهم.

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب. فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته، وإنما هوصاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد على ابن السكيت جوابها، وأمره أن يكتب: سألت عن قول الله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ، فهوآصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف، ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان (ع) أودعه آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده، ولتأكيد الحجة على الخلق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477