الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154430 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وأنّـكَ خـالدُ الـذكرى ويـبقى

حـديثكَ تـستطيبُ بـهِ النسيمُ

أبـا الأعـوادِ والـحكمِ اللواتي

تـمثّلَ فـيهما الأدبُ الـصميمُ

تَـرِفُّ عـلى روائـعها قـلوبٌ

لـرقّـتها ويـهـتزُّ الـجـسومُ

رأيـتكَ تـسحرُ الألبابَ وعظاً

فـكانت فـي يـديكَ كما ترومُ

وآلافُ الأنـامِ إلـيكَ تـصغى

ووجـهكَ لاحَ مـطلعُهُ الـوسيمُ

ودوّى صـوتكَ الـمرهوب فيها

كـأنّكَ فـي الـلقا أسـدٌ هجومُ

وقـد ضـاقَ المكانُ بهم فضلّتْ

عـلـى مـرآكَ أرواحٌ تـحومُ

مـواقفُ لـستُ أُحـصيها بعدٍّ

على الدنيا وهل تُحصى النجومُ

* * *

أبـا الأعوادِ منبركَ المرجّى

لـنفعِ الـناسِ يعلوهُ الوجومُ

فـهل أسـندتهُ لـفتى أبيٍّ

وهـل أحـدٌ يقومُ بما تقومُ

فمَنْ لشبابِ هذا العَصْرِ يهدي

إذا عصفت بفكرتهِ السمومُ

تُـجاذبهُ العواملُ ليس يدري

عـلى أيّ الـمبادئ يستديمُ

وجـاءت موجةُ الإلحادِ يقفو

خطاها الشرُّ والخطرُ الجسيمُ

أيا خطباءَ هذا العصرِ جدّوا

فـما بـلغَ المرامَ فتى تؤومُ

فـإنّ منابرَ الإسلامِ عطشى

إلى خـطباءِ زانتهم علومُ

تُـتـوّجهم عـقولٌ نـيّراتٌ

يـكون سنادها الذوقُ السليمُ

ويـمزجهم بهذا الشعبِ ذوقٌ

كـما امـتزجَ المنادمُ والنديمُ

وإنّ شعارها الإخلاصُ مهما

تـجاهلت الأسافلُ والخصومُ

لـيلمسَ منكمُ الشعبُ انطلاقاً

إلى اُفـقٍ جلت عنهُ الغيومُ

كفاكُمْ حربَ جسّاسٍ وصخرٍ

وما تبكي الطلولُ أو الرسومُ

فـما في عصركم قتبٌ وكورٌ

ولا سـلعٌ وربـعٌ والـغميمُ

أروهم حلوةَ الإسلامِ تزهو

جـوانـبهُ ومـنبعهُ الـعميمُ

وذا قـرآنـكمْ فـيهِ كـنوزٌ

يـحيرُ بوصفها اللبُّ الحليمُ

وكـان بـهِ اكتشافٌ وارتقاءٌ

وكـان بهِ الصراطُ المستقيمُ

أطـبّاءَ النفوسِ وهل رضيتم

لـمجتمعٍ يـعيثُ بهِ السقيمُ

وذي جـذواتكم تخبو ويبقى

يـسودُ بـجوّنا الفكرُ العقيمُ

٢١

فـكونوا للمنابرِ صوتَ حقٍّ

وسـيفاً لـيس يـعروهُ ثلومُ

خطيبُ القومِ أرجحهم كمالاً

خـبيرٌ بـالسقامِ بـهِ عليمُ

يكوَّن من شظايا القلبِ وعظاً

كأنّ عظاتهُ جمعت كلومُ(1)

5 - قال في ذكرى مولد سيّد الشهداء الحسينعليه‌السلام :

باسمِ الحسينِ حلتْ لنا الأشعارُ

وسـمتْ بـفضلِ سموّهِ الأفكارُ

وتـنـبّهتْ آمـالُنا وتـفتّحتْ

فـرحاً كـما تـتفتّح الأَزهـارُ

وتـبسّمتْ دنـيا السّرورِ مليئةً

بـالمبهجاتِ وأشـرقت أنـوارُ

وتـباشرت حورُ الجنانِ وهلّلتْ

لـجمالِ طـلعةِ وجههِ الأنظارُ

هـذي الـثغورُ يحفّها استبشارُ

والـحفلُ يـعبَقُ نشرهُ المعطارُ

لـمّا أبـو الأحرارِ أشرقَ نورُه

أضـحت لـهُ تتباشرُ الأحرارُ

طـافَ الهَناءُ يُديرُ كأسَ مديحه

وتـعـلّلت بـحديثهِ الـسمّارُ

اِسـمُ الـحسينِ وما ألذَّ حروفَه

فـكأنّهُ الـشهدُ الـحَلالُ يُـدارُ

ذكـرى إبـائَك عـزّةٌ وفخارُ

درسٌ بـهِ تـتحدّثُ الأعصارُ

أما روى الراوون بعضَ فصوله

راحـت فـلاسفةُ الزمانِ تُحارُ

وتـيقّنوا أنّ الـحسينَ ونـهجَهُ

لا جـورَ يـحكمهُ ولا استعمارُ

عـلّمتنا مـعنى الحياةِ بموقفٍ

فـيهِ تـمثّلَ عـزمُكَ الـجبّارُ

وأريـتنا أنّ الـمماتَ سـعادةٌ

ولـدى المهانةِ ترخصُ الأعمارُ

خـلّدتَ يعربَ مذْ عقدتَ لهامها

تـاجاً عـليهِ مـن عُلاكَ وقارُ

وكـسوتها حـللَ الخلودِ وإنّها

لا الـعصرُ يـبليها ولا الأدهارُ

إنْ مـرّ ذكرٌ للحسينِ تمثّل الـ

إعـظامُ والإجـلالُ والإكـبارُ

وإذا ذكـرتَ يزيدَ تبصرُ كومةً

مـن فـسقهِ يـطفو عليهِ العارُ

الـحقّ إشـعاعٌ يـلجُّ ضـياؤه

عـبرَ الـقرونِ ونـورهُ سيّارُ

فـبكلّ قـلبٍ نـبرةٌ لـشعورِه

وبـكلّ نـفسٍ رنّـةٌ وشـعارُ

أكـذا يـدومُ الـحقُّ في أبطاله

أكــذا تـخلّدُ آلـهُ الأطـهارُ

____________________

(1) ذكر الاُستاذ شبّر في كتابه ( أدب الطفّ 10 / 142 ) أنّ هذه القصيدة قالها في رثاء الشيخ كاظم نوح، بينما ذكرت مجلّة الإيمان في عددها الخاص بالشيخ اليعقوبي ص31 أنّها في رثاء اليعقوبي، وإنّي أرى لا مانع من تكرارها في الشخصيّتين وإن نُظمت في إحداهما، والأقوى أنّه الشيخ كاظم نوح.

٢٢

هـذا الـحسينُ ضريحهُ نوّارُ

عـكفت بـعتبةِ بـابهِ الزوّارُ

فـبكلّ نـفسٍ روعـةٌ لجلالِه

وبـكلِّ قـلبٍ مـرقدٌ ومزارُ

تـسمو على فلكِ السماءِ قبابه

ويـشعُّ لـلقصّادِ مـنهُ مـنارُ

وتـحطُّ تـيجانُ الملوكِ ببابه

ولـها ملاذٌ في الحمى وجوارُ

تـنهارُ أعماقُ القرونِ وذكرُه

بـاقٍ فـلا يـبلى ولا يـنهارُ

يا زمرةَ الجيلِ الحديثِ تيقّظوا

لـمصيركم خُلقَ الزمانُ مهارُ

هدفُ الحسينِ عليه نبني مجدنا

وبـضوءِ نهضتهِ لنا استبصارُ

الـدورُ دوركمُ خذوا بنصيبكمْ

مـن قبل أن تتصرّمَ الأعمارُ

6 - قصيدة رائعة في مولد الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان (أسرار المولد):

يـا محفلَ الذكرى لسيّد البشر

أذع فـتاريخكَ تـاريخٌ أغـر

فـإنّما الـمولودُ فـيكَ أحـمدٌ

مَـن حرّر العقلَ وأطلقَ الفكر

أذع فـهذا الـمنقذُ الأكبرُ والـ

مـشرّعُ الأعظمُ والأبُ الأبر

شـعّ عـلى الـعالمِ نورهُ فذا الـ

ـتمدينُ من لئلاءِ عقلهِ ازدهر

لـقد سما بالعربِ حتّى أذعنت

مـمالكُ الأرضِ لهم بحراً وبر

وطـأطـأت تـواضعاً لـعزّه

جـباهُ قيصرٍ وكسرى والخزر

بجنبكَ «الإيوان» فاحفِه الخبرْ

حقّاً ترى عند «جُهينة» الخبر

قـف وانظر الشقَّ بجنبهِ غدا

آيـةَ إعجازٍ على مرِّ العُصر

سـله وسـائل شـرفاته ففي

صـموته تـقرأ أفصحَ العبر

لأيّ أمـرٍ حـلّ تـنشقّ ومن

قـلّصَ ذلـك النعيمَ والبطر

ونـار فـارس خبت ألم تكن

مُذ ألف عامٍ قد تقادحت شرر

سـمعاً أبا العُرب وتاجها الذي

كـوّنَ مـنهم أُمّـةً ذات خطر

وزجّـها نـحو الـخلودِ عاقداً

لـها لـواءً رفّ فـوقهُ الظفر

وانـتشلَ الـعالمَ مـن تدهورٍ

يـؤولهُ الـلاتَ ويـعبدُ الحجر

وبـاعثاً دستورَ حقّ يكفِ للـ

سـعادةِ الـكبرى بآياتٍ غرر

لأنـتَ نـعمَ الحظّ قد كنت لها

لـكننّا بـئسَ الـعشير والنّفر

يا صاحبَ النورِ أضعنا مبدأً

يـمشي مع العقلِ سموّاً وكبر

تـنـاوحتنا طـغـمةٌ أجـلّها

لـو قـلت أنّـها حثالةُ البشر

يـضيمني أنّ يـدي تـعافني

وأنّ غيري نالَ في يدي الوطر

٢٣

ما كنتُ بالمأسوفِ لو أنّ أخي

يـدري إلى أينَ وأينَ المستقر

ولا الـمضام لـو تماسكت إذا

مـا قـيلَ لي أنّ أخاكَ قد عثر

يـا وتـر الساسةِ كم تطربهمْ

أجل وضرب العودِ يقطعُ الوتر

يا محفلَ الذكرى أبن لمَنْ وعا

مـقامَ طه في الحديثِ والسور

عـلّمهمُ الـغايةَ مـن تـذكاره

وسـرّ هـاتيك الرموز والدرر

أكـان يُـعلي قـدرهُ وشـأنه

بـعد ثـناءِ اللهِ شعرُ من شعر

بـموجةِ التصفيقِ يسمو شأوهُ

وبـالوفودِ زُمـراً إثـر زمر

ذي روح أحمدٍ وقد رفّت على

حـفلكمُ تـطلبُ جـوهرَ الأثرْ

ترى أضعنا الروحَ من أعمالنا

وأنّـنا قـد اجـتزينا بالصور

يـا خـابطَ السير تبصّر حسناً

سـيركَ مـعوجّ فكرّر البصر

الـفخرُ أن يُـقالَ شـقّ للعلا

طريقهُ ما الفخرُ عاث أو سكر

وطـالباً إصـلاحنا كـفى بأن

نـأمنَ منكَ الاعتداءَ والضرر

هـذي تجاربُ الحياةِ قد قضت

أن نكتفي لا نبتغي خيراً وشر

7 - وله غديريّة ألقاها في احتفال (منتدى النشر) في النجف عام 1363 هـ:

لـمَنْ الـحفلُ رائـعاً يـتلالا

يـزدهي مـنظراً ويزهو جمالا

ولـمَنْ هـذهِ الـروائعُ تُـتلى

والأنـاشيدُ بـاسمِ مَـنْ تتولّى

قـيلَ قـد توّج الوصي وهذي

بـهجةُ الـتاجِ زانتِ الاحتفالا

وانـتشقنا طـيبَ الـولايةِ منه

وسـعـدنا بـنـعمةِ اللهِ حـالا

واهـتدينا بـنورهِ مـذ تـجلّى

بـسماءِ الـدينِ الـحنيفِ هلالا

وعـلى مشرع (الغديرِ) احتسينا

فـي كـؤوسِ الولا نميراً زلالا

وجـديرٌ هـذا الـشعورُ بـيومٍ

فـيهِ ديـنُ الإلـهِ تـمّ كـمالا

رنّـةُ الوحي في المسامعِ دوّت

تـملأ الـنفسَ هـيبةً وجلالا

بـلّغ الـناسَ مـا أتـاك وإلاّ

لـم تـبلّغ وحـي الإلـهِ تعالى

إنّـمـا أنـتَ مـنذرٌ وعـليٌّ

هــو هـادٍ يُـسيّر الـضُلاّلا

فـي فـلاةٍ تـكادُ تـلهبُ ناراً

ولـظى حـرّها يـذيبُ الرمالا

وإذا بالرسولِ يلقى عصا السيـ

ـرِ وتـلكَ الـجموعُ تلقى الرحالا

وتـعالى الـهتافُ مـنه أجيبوا

داعـي اللهِ فـاستخفّوا عـجالا

كـسيولٍ جـاشت وراءَ سيولٍ

أو جبالٍ في السيرِ تقفوا الجبالا

٢٤

زمـرٌ قـد تـحاشدت حـولَ طه

حـشدها يـومَ مـنه ترجو النوالا

غـصّت الـبيدُ واستحالت رجالاً

ونـواحي الـفضاءِ ضاقت مجالا

ورقـى مـنبرَ الـحدوجِ ومـدّت

نـحـوهُ الـهامُ خـضّعاً إجـلالا

وانـبرى يرسلُ الخطابَ وذاك الـ

ـجمـعُ مُـصغٍ تـهيّباً وامـتثالا

ونـعـى نـفـسهُ وقـالَ أتـاني

أمـرُ ربّـي وحـثّني الـترحالا

وأنــا راحــلٌ وبـعدي عـليٌّ

واحــدُ الـدهرِ مَـوئلاً ومـآلا

سـنّـةُ الأنـبياءِ قـدماً تـمشّت

تـقطعُ الـدهرَ والـقرونَ الطوالا

هـل نـبيٌّ مـضى بـغيرٍ وصيٍّ

فـاسألوا الـدهرَ واسألوا الأجيالا

خـصّـهُ اللهُ بـالإمـامةِ لـمّـا

كــانَ لـلحقِّ والـرشادِ مـثالا

هـو أقـضاكمُ وبـابُ عـلومي

فــاقَ فـضلاً وبِـذاكُمُ إفـضالا

وهـو فـيكم مـمثّلي ووصـيِّ

لـعنَ اللهُ مَـنْ عـليه اسـتطالا

أُمّـتـي لا أراكـمُ بـعدَ مـوتي

قــد رجـعتم نـواكصاً جـهّالا

فـاستجابوا وعـجّت الـبيدُ منهم

تـحسبُ الأرضَ زلـزلت زلزالا

ورســولُ الـهدى يـردّدُ فـيهم

ربّـي والـي الـذي لـحيدرَ والا

عـنهُ سـل مـحكمَ الكتابِ وسائل

آلَ عـمـرانَ واســأل الأنـفالا

مَـنْ بـبدرٍ وتـلك أوّلُ حـربٍ

قـد رآهـا وقـد أراهـا الـوبالا

مَـنْ دحـى البابَ مَنْ باُحدٍ تلقّى

عـمدَ الـدينِ حـين زالَ ومـالا

مَنْ قضى غيره على الشركِ قل لي

مَـنْ لـعمرِ بـيومِ صال وصالا

صـولةً تـفضلُ الـعباداتِ طرّاً

وسـمـا شـأوهـا وعـزّ مـنالا

ولـكم مـوقف يـرنّ بإذنِ الدهـ

ـرِ والـدهـرُ مـنهُ يـلقى انـذهالا

هـكـذا فَـلْتَكُ الـبطولةُ دومـاً

(هـكـذا هـكـذا وإلاّ فـلا لا)

8 - وله في ذكرى ولادة الإمام الصادقعليه‌السلام :

يـا قـلمَ التاريخِ سجّلْ لنا

يـوماً مـن الأيّـام معدودا

أذعْ فـذا يـومٌ لـهُ شـأنهُ

كـانَ على التاريخ مشهودا

حدّثْ عن الصّادقِ واستنطق الـ

ـتاريخَ يروي الدُرَّ منضودا

وحـدّث الـعالَمَ عـن عالِمٍ

قـد مـلأ الـدنيا أسـانيدا

تَـبلى الأقـاويلُ وأقـوالُهُ

بـاقـيةٌ تــزدادُ تـخليدا

آراؤه الـغـرُّ وأفـكـارُه

يـعجزُ عنها الحصرُ تعديدا

٢٥

مـا حـدَّ اُفق العلم في غايةٍ

ولا يـرى الـعالَم مـحدودا

شـتّان مـنْ يـفتَحُ أبوابه

ومَـنْ يـعدُّ البابَ مسدودا

سـلِ ابن حيّان وسل غيرَه

أئـمّـةَ الـعلم الـصناديدا

مَنْ طبّق الدنيا سوى جعفرٍ

مـعـارفاً تَـزدادُ تـرديدا

وسـلْ تـلاميذَ لـهُ أنّـهم

كـانوا عـلى الدّنيا أسانيدا

هـم فـتحوا لـلكيميا بابَه

وكـان منهُ البابُ موصودا

وخـلّدوا الـدهرَ بـأقلامهم

أفـنوا ربـيعَ العمر تسهيدا

وخـلّفوا أغـلى تـراثٍ لنا

لو لم يكنْ في النّاس مجحودا

9 - وله قصيدة بعنوان (يوم المحنة) قالها على إثر انتكاسة العرب في حرب حزيران 1967، اُذيعتْ من دار الإذاعة العراقية، ووُضِعَتْ في المناهج الرسمية لمدارس المقاصد في لبنان، وهي:

يَـومٌ عـلى الدهرِ لا يُطفى له لَهَبُ

إنْ تـنسهُ العُرْبُ ما هم بعدهُ عُربُ

وإن غفت عن طلابِ الثأرِ لا سجعت

يـوماً بـأمجادها الأقـلامُ والـكتبُ

عـهدي بـها لا تـقرّ الضيمَ شيمتُها

حـتّى ولـو طالتِ الأعوامُ والحقبُ

الـعيشُ بـالذلِّ مـرٌّ فـي تجرّعه

والـموتُ بـالعزّ حلوٌ وردهُ عذبُ

مـت إن تمت قاهراً والنفسُ راضية

ولا تـمت صاغراً والحقُّ مُغتصبُ

شـراذمُ مـن نـفايا الأرض تبعثها

ثـعالبُ الـغربِ فـيها يشهدُ الذَّنَبُ

تـدوسُ أقـدسَ أرضٍ مـن معابدنا

ونـحنُ نـبصرها بـالرغمِ تُستلبُ

فـواجعٌ بـغّضت طـعم الـحياةَ لنا

وكـدّرت صـفو عيشٍ فهو مكتئبُ

سـادَ الوجومُ على الأقطارِ وانكمشت

هذي الوجوهُ وعمّ السخطُ والصخبُ

لا عـينَ في الشرقِ إلاّ وهي ساهرةٌ

ولا مـشاعرَ إلاّ وهـي تـضطربُ

تـجاوبت نـخوةُ الإسـلامِ طـائعةً

وأعـلنت أنّـها طـوعٌ لـما يجبُ

وألـهبت عزماتِ العُربِ وانتفضت

حـميّةٌ فـهي كـالبركانِ تـلتهبُ

عـسى يكون وراءَ الصمتِ منطلقٌ

يُـجلى بـهِ الغمُّ والأحزانُ والكُرَبُ

بـالأمسِ انـكلترا تُـدعى صديقتَنا

والـيوم قـد جاءنا من ويلها الحَرَبُ

مـاذا جـنيناهُ قُـل لي من صداقتنا

ظـهرٌ فـيُركبُ أو ضـرعٌ فيُحتلبُ

وذي ربـيـبتها بـل [قـل] ولـيدتُها

ولا تـسل هـل لـها بين الأنامِ أبُ

قـد صرّحَ الحقّ وانزاحت بهِ الريبُ

وشـفّ عـن جـسمهِ ثوبٌ لهُ قُشبُ

٢٦

قـف بـي على الأردن المشهود موقفُه

لألـثم الـجرحَ لـكنّ الـحشا يـجبُ

قـذائفُ الـنارِ عـاثت فـي محاسنِه

وشـوّهت أوجـهاً تـستافها الـشهبُ

قـف بـي عـلى قبلةِ الإسلامِ أسألها

عـمّا جـرى مـن دواهٍ كلّها خطبُ

ومـسجدِ الـصخرةِ الـمحزونِ منظرُه

بـالدمعِ والـدمِ مـطبوعٌ ومـختضبُ

قـد أوحـشَ المنبرَ العالي وقد ذويت

أعــوادُهُ فـهـي تـنعاهُ وتـنتحبُ

ثـمّ اسـتمع رنّـةَ الـمحرابِ أحزنه

فَـقْدَ الـمصلّينَ مـذ طـلاّبهُ غربوا

وحـيّ تـلكَ الـمروجَ الخضرِ ناعيةً

أحـبابها فـهي ثـكلى خَـدُّها تَـرِبُ

يـا طـيبَ عيشٍ على الوادي باُمسيةٍ

رقّـت ورقّ الـهوى والماءُ والعُشبُ

أبـناءَ عـمّانَ لا يـحزنكَ ما ارتكبوا

فـالكأس سـكّابة طـوراً ومـنسكبُ

والـعـربُ مـغلوبةٌ يـوماً وغـالبةٌ

مـا كـلّ سـبّاقةٍ تـجري لها الغلبُ

أدّيــت قـسـطك والأيّـام شـاهدة

وإنّ يـومـكَ فـيهِ تـفخرُ الـعربُ

ووقـفـةٍ لاُسـودِ الـرافدينِ غـدت

أرسى من الهضبِ لا بل دونها الهضبُ

جـيشُ الـعراقِ وحـامي سورَ منعتِه

إن سـارَ كـان لـهُ الإقـدامُ والغلبُ

عـاشت دمـشقُ فـلا عُتبى ولا عتبٌ

لـقـد أرتـنا نـضالاً كـلّهُ عـجبُ

يـومٌ تـهجّم وجـهُ الـبغي وانبعثت

قـواذفُ الـشرّ يسري جيشها اللجبُ

نـيـرانُهُ تـمـلأ الأجــواءِ قـاذفةً

لـهيبها ضـاقَ فـيها اُفـقها الرحبُ

وتـقـتـفيها أسـاطـيـلٌ مـدمّـرة

حـتّـى إذا أخـذت لـلغابِ تـقتربُ

هـبّـت مـغـاويرُ سـوريّا مـشمرةً

كـالاُسدِ لـم يـثنها خوفٌ ولا رهبُ

فـهل رأيـتَ اُسـودَ الـغابِ مغضبةً

دونَ الـحمى أرأيـتَ الـليثَ إذ يثبُ

أبـناء يـعربَ جـدّوا فـي عزائمكمْ

فـالأمرُ قـد جـدّ والأسـماعُ ترتقبُ

وإنّ أحـسـابكم أمـسـت تُـطالبكمْ

فـحقّقوا أمـلاً يـسمو بـهِ الـحسبُ

10 - وله في رثاء الخطيب الشهير الشيخ محمّد علي قسّام، يقول السيّد جواد شبّر في أدب الطفّ 10 / 65:... وكان يوم 29 كانون الثاني 1954، يوم مجيء جثمانه للنجف من الأيّام المشهودة؛ فقد اُقيمت على روحه عدّة فواتح، كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في (مسجد الهندي) بالنجف، وكنتُ ممّن شارك بقصيدة مطلعها:

سند الشريعة في جميعِ الأعصرِ

هذي الروائعُ من خطيبِ المنبرِ

ذاك الذي يُمسي ويُصبح ناشراً

عـلمَ الـجهادِ كقائدٍ في عسكرِ

أمـعلّم الأجـيالِ تنثرُ جوهراً

فـكأنّ صدركَ معدنٌ من جوهرِ

٢٧

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت متوّجاً

بـالأنجبينَ وكـلّ ليثٍ قسورِ

يـا مـنبرَ الإسلامِ دمت منوّراً

طـولَ الزمانِ بكلّ عقلٍ أنورِ

يـا منبرَ الإسلامِ دمت مضمّخاً

بـالرائعاتِ مـن الفمِ المتعطّرِ

ومجالسٍ هي كالمدارسِ روعةٌ

اُمٌّ لـكـلّ مـهـذّبٍ مـتنوّرِ

الـمنبر الـعالي رسالة مرشدٍ

جـاءت لـعقلِ النابِهِ المتحرّرِ

الـمنبر الـعالي حكيمٌ مبصرٌ

يصفُ الدواءَ بحكمةِ المتبصّرِ

يـا فارسَ الميدان عزّ عَلَيّ أن

تهوي وحولكَ سابغاتِ الضمّرِ

يـا مَنْ إذا أرسلت لفظك لؤلؤاً

جـرتِ الـعيونُ بلؤلؤٍ متحدّرِ

أو قمت في أعلى المنابرِ خاطباً

فـكأنّ قولكَ ريشةٌ لمصوّرِ(1)

11 - ومِن روائع شعره القصيدة التي حيّا بها الإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء عند عودته من مؤتمر باكستان عام 1371 هـ(2) :

كـذا يـلمعُ الـقمرُ الـنيّرُ

كـذا ينهضُ المصلحُ الأكبرُ

كـذا ترتقي عالياتُ النفوس

وهـامُ الأثـيرِ لـها مـنبرُ

كـذا يعذبُ العمرُ في مثل ذا

وإلاّ فـما قَـدْرُ مَنْ عَمّروا

كـذا يشمخُ العلمُ فوقَ السُّها

فما عرشُ كسرى وما قيصرُ

أشـيخَ الـشريعةِ بل رمزها

ومـفخرها عـشتَ يا مفخرُ

أُقــدّسُ شـخصك إذ إنّـه

مـثالُ الـكمالِ مـتى يذكرُ

إذا مـا انتسبتَ إلى «جعفرٍ»

فـحسبكَ مـنتسباً «جعفرُ»

لأن حـسبتك الـورى واحدا

«ففيك انطوى العالمُ الأكبرُ»

نـهضتَ لتجلوَ رينَ القلوب

وتـوقظَ جـيلاً بـدا يشعرُ

نهضتَ وبُوركتَ مِن ناهضٍ

فـما وثـبةُ الاُسـدِ إذ تزأرُ

وأبلغتَ في النصحِ في مجمعٍ

تـجدّدُ تـاريخهُ الأعـصرُ

وهزّ صدى صوتك المشرقين

ودوّى كـقـاذفـةٍ تـفـجرُ

حـياةَ الـشعوبِ بـأبطالها

وتـاريخها مـجدها الأزهرُ

إذا جـمعَ الناسَ «نيروزُهم»

فـنيروزنا وجـهكَ الأنـورُ

فـطـرت ولـكن بـآمالنا

ورحـت بـأرواحنا تـعبرُ

____________________

(1) القصيدة بكاملها نشرتها مجلّة العرفان اللبنانيّة مجلّد 41 ص1164.

(2) أدب الطفّ 10 / 49.

٢٨

فـحدّث أبـا الصالحاتِ التي

تـعالت سـناءً فـلا تسترُ

تـحدّث إلـينا فكلّ الحواس

شـعورٌ وأكـبادنا حـضّرُ

أتـينا لـنصدرَ عـن موردٍ

ومـنكَ حلى الوردُ والمصدرُ

تـحدّث فـهذي القلوب التي

تـرفرفُ جـائتكَ تـستخبرُ

تـلـقّتكَ تـفرشُ أكـبادها

وخـفّـت لـلقياكَ تـستبشرُ

تـحدّث ألـستَ أميرَ البيان

إذا مـا جـرى لفظهُ يسحرُ

أَبِـنْ لـلوفودِ عن المسلمين

فـمثلكَ لـلجرحِ مَـنْ يسبرُ

أَبِنْ فالحديثُ حديثُ الشجون

ومـن وقـعهِ القلبُ يستعبرُ

فـكيف تلمّستَ شرعَ الهدى

وهـل مـن أمانٍ بها تسمرُ

كـأنّي بـروحِ النبي الكريم

عـلى كـثبٍ نـحونا تنظرُ

متى هانَ شعبك يا مصطفى

مـتى ذلّ قومك واستُعمروا

مـتى طأطأت جبهةُ الفاتحين

لـذلّ اليهودِ إذا استصغروا

أيـا قـالعَ البابَ بابَ اليهود

ويـا فـاتحَ الحصنَ يا حيدرُ

تـداعت لـتدرك أوتـارها

وأنـتَ عـلى ردّهـا أقـدرُ

أبـا الشرعِ هـذي يـدٌ بـرّة

يـوافيكَ فـيها الفتى (شبّرُ)

12 - وقال في تأبين الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ما جئتُ أرثيكَ أو أذري الدموعَ أسىً

إنّ الـرثاءَ لـشخصٍ ماتَ واندرسا

قـالوا لـقد مـاتَ قلتُ اليومَ مولدُه

ونـجمهُ قـد تـجلّى يـطردُ الغلسا

والـيوم يـبدأ تـاريخٌ لـهُ عـبقٌ

وطـيبُ تـأريخه قـد أنعشَ الجُلَسا

مـا الـحيُّ مقياسهُ مرُّ السنين ولو

طـالَ الـبقاءُ ولا تـردادهُ النفسا

إنّ الـحـياةَ بـأفـكارٍ يـخـلّدها

عبرَ العصورِ وغرساً صالحاً غرسا

وآخــذاً بـيـدِ الـعافي ومـنقذه

سـواء أحـسنَ هـذا أم إلـيه أسا

* * *

مـا كان أحمدُ في عصرٍ يعيشُ به

إلاّ كـشعلةِ نـورٍ تـحملُ الـقبسا

يعيشُ في الناسِ لكن روحُهُ انفردت

عنهم كمَنْ عاشَ بين الخلقِ محتبسا

سـما إلى عـالمٍ أسـمى بفكرته

لـذاك مـهما خـلا في نفسهِ أنسا

فـلا تـرى مـعهُ في بيتِ عزلته

إلاّ الـيراعة أَمَّ الـشعرُ والطرسا

* * *

٢٩

إيـهٍ أبـا الـخالداتِ النيّراتِ سنا

والـسائراتِ أقامَ الدهرُ أم جلسا

هـذي روائـعك الـغرّا يـردّدها

فـمُ الزمانِ ومن أنوارها اقتبسا

أمـواجُها انـدفعت تـتلو أشعّتها

تـجلي العقولَ ومنها تغمرُ اليبسا

وذي الهواجسُ ما أحلى هواجسَها

تـداعبُ الروحَ إن دقّت لها جرسا

رفّـت تـناغيك هـمساً في تدلّلها

والحبّ يعذبُ إن ناغى وإن همسا

أشـعّـةٌ فــي مـعانيها مـلوّنةٌ

إشعاعها مشرفٌ عن روحك انعكسا

إن كنتَ حلّقت أو أبدعت لا عجبٌ

قـرآنُ أحـمد قـدماً حيّر القسسا

وأذعـنت لـغةُ الفصحى لروعته

وعـادَ مـنطيقها مـستسلماً خرسا

الـناظمُ الـدرَ نـظماً لا نظيرَ له

بالشعرِ ينبوعهُ الصافي قد انبجسا

والمرسلُ الشعرَ سهلاً غير ممتنعٍ

سـلساله العذبُ يجري سائغاً سلسا

* * *

زَهـدتَ فـي هذه الدنيا وزخرفِها

إذ أنت أرفع ممّن يرتضي الدنسا

وكـنت تـهزأ ممّن راح يعشقها

ومَـنْ بـأوطارها قد ظلّ منغمسا

نـفسٌ ترى فوق هام النجم رفعتَها

وبـزّةٌ إذ تـراها بـزّة الـبؤسا

تـريـهمُ إنّ دنـياكم وبـهرجَها

كـشملتي هـذه من سامها بخسا

لاويت دهرك حتّى رضت جامحه

كـمن يروِّضُ من فرسانها فرسا

بـعزمة شـهد الـتأريخُ واقـعها

مـا كـنتَ هـيّابةً يوماً ولا نكسا

عـرفت دنـياك مذ وازنت قيمتها

وإنّـها عـرفتك الـنيقد الـمرسا

وكـم دعتك لِوصلٍ وهي ضاحكةٌ

لـكن رأتك على ما تبتغي علبسا(*)

رحماك ليست نفوس الناس واحدةً

إن خفّ ذاك فهذا في الوجود رسا

هـذي الـحياة وكم غذّيتها حكماً

غرّا وأرسيتَ من أركانها اُسسا

فـكنت تـشبعها بـحثاً وتـجربةً

وكـنت تـنشرها درساً لمن درسا

وتـوضح القول مجلوّاً ومزدهراً

فـلم يـعد بـعد فيها الأمر ملتبسا

دُمْ لـلخلود فـذي الأيّـام طوعك والـ

ـدهرُ استلان وإن قدماً عليك قسا

13 - وقال محيّياً الشيخ الأميني صاحب (الغدير) بمناسبة افتتاح مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام العامّة في النجف، بعنوان (تحيّة المؤسّسة الفكريّة):

مـعهد الفكرِ طاولَ الدهرَ فخرا

ذاك يـبلى وأنتَ تخلدُ ذكرى

كلُّ شيء فانٍ سوى العلم والعد

لِ فإن شئت سل بإيوان كسرى

سـاندت ركـنك القديم يدُ العلـ

ـمِ فـلا زـت خـالداً مـشمخرّا

____________________

(*) هكذا وردت المفردة الأخيرة (علبسا)، ومعها يختل المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٣٠

منجباً كلّ أصيد يبعث النشـ

ـأ يـقود الأجيال عقلاً وفكرا

منجباً كلّ أصيد يجعل الدّهـ

ـرَ غـلاماً لـديه نـهياً وأمرا

وبرغم الزمان جئت ويبقى

لك عبداً وأنت لا زلت حُرّا

* * *

عـشت يـا صرحُ للعلوم مناراً

فـاض أشعاعُه على الكون بدرا

همّةُ المصلح (الأمينيّ) ثارتْ

فـاستثارت لـها الـعزائمُ طرّا

قـد أشـادتك بـعد جـهدٍ جهيدِ

كـرعت في سبيلك الصّاب مُرّا

ضـربت فـوقك القلوبُ رواقاً

يـوم قـدّت من العزائم صخرا

بـسطت مـن شُغافها لك أرضاً

وبـنت فـي ضلوعها لك وكرا

ثـمّ راحت عليك تحنو احتفاظاً

مـثلما تـحفظ الأضـالع سرّا

معهد الفكر هل علمت بأنّ الشيـ

ـخَ أفـنى من أجل عمرك عمرا

ومـشى ثـابت الخُطى باتّزانٍ

أشـبع الـدهرَ خـبرةً ثمّ سبرا

هـازئاً بـالخطوب تعرف منه

إنّ فـي أمـره مـع الله سـرّا

أي أبـا الطيّبات أحـييت فـينا

أمـلاً كـاد أن يـبدّد صـبرا

يـوم ضاق الفضا قنوطاً ولكن

فـاض من راحتيك يمناً ويسرا

قـد أرتـنا الأيّـامُ حمر المنايا

وتـرينا أنـت الأمانيَ خضرا

بـمساعيك قـام لـلعلم صرحٌ

عـشت لـلعلم والـديانة ذخرا

هـمّةٌ تـدفع الـسماء وعـزمٌ

يـسع الـكون مـذ يـنفذ أمرا

لـك فـي الـصالحات غرُّ أيادٍ

ويـدٌ في (الغدير) بيضاءُ غرّا

وحـقـيقٌ أقـول إنّـك فـينا

رابـح الـنشأتين دنـياً وأُخرا

14 - ودخل يوماً عائداً الخطيب المعروف السيّد علي الهاشمي على إثر وعكة صحيّة، فخاطبه:

متى كان في الظنّ أنّي أراك

ألـيف الـفراشِ حليفَ الألمْ

متى حوّمت حولك الواهمات

مـتى نـهشتك نيوبُ السّقمْ

متى زعزعتك سوافي الرّياح

وعـهدي بـك طـودٌ أشَـمْ

ألـست المُعاني الّذي يمتلي

نـشاطاً يزينك لطف الشّممْ

وثغرك ذاك الضحوك الوقور

يـعـطّر أجـواءنا بـالنّسمْ

٣١

فأجابه السيّد علي الهاشمي:

هـزار الـغريّين أتـحفتني

بـغرّاء تـذهب عنّي السّقمْ

نـظمت قـوافيها كـالعقود

فـنعم الـمنظّم والـمنتظمْ

فـقـبّلتها بـفـم الامـتنان

مـقلٌّ لـتقبيلها ألـف فـمْ

وجـلت بـبحرِ تـقاطيعها

بـمطرفةٍ دمـعُها مـنسجمْ

ومـا ذاك إلاّ اشـتياقٌ إليك

لأنّـك أنـت الـذي لا تُذمْ

فدم «يا جواداً» بكلّ الصِفات

ويـا عـلماً رفّ فوقَ العلمْ

وإنّـي لأكـبر هـذا الحنان

فـحبّك لي من جليل النِّعمْ

شعر التاريخ عند الخطيب شُبّر

1 - قال في تاريخ وفاة والده السيّد علي شبّر:

يـا أيّـها الـسائلُ عـن تاريخِه

مضى وأبقى العملَ الأبقى علي(1)

2 - وأرّخ فقيد الشباب السيّد نعيم الدين ابن السيّد عبّاس شبّر:

حـملتُ لـقبره إكليلَ وردٍ

وحنَّ القلبُ مِن شَغَفٍ وأنّا

وقلتُ لأدمعي سقياً فدهري

عـلينا بـالفراق لقد تجنّى

فنادتني احتبِسْ للدمع عيناً

فذا ماءُ الشباب يفيض عينا

وذا تـاريخه يـزهو بهاءً

نـعيمٌ لـلنعيم مضى مُهنّا

3 - وقال في تاريخ تمديد رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للإمام السيّد موسى الصدر:

زهى المجلسُ الشيعيُّ والصدرُ زانه

بـطلعته الـغرّاء يـرفلُ مـأنوسا

فـعوّذته بـالغرِّ مـن آل هـاشمٍ

بـأربعِ عـشرٍ تدفع الضرَّ والبؤسا

أضـفناهمُ لـليمنِ مـذْ قيلَ أرّخوا

وقـلنا لـقد اُوتيت سؤلك يا موسى

4 - وقال مؤرّخاً بناء حسينيّة الزهراءعليها‌السلام في المنصوريّة (الكويت):

دارٌ لأهل البيت تسمو علاً

لـله فـيها بـعضُ أسراره

شعّتْ بنورِ السبطِ مذ أرّخوا

تـرفُّ إشـعاعاً بـأنواره

5 - وقال مؤرّخاً وفاة العلاّمة الشيخ حسين الفيليرحمه‌الله :

فـي يوم عاشوراءَ فارَقْتَنا

وقد بكتهُ السحبُ دمعاً صيّبا

____________________

(1) المقصود كتاب (العمل الأبقى في شرح العروة الوثقى) - للسيّد علي شبّر.

٣٢

ذاك الحسينُ واحدُ الفضلِ الذي

تـاريخهُ نـورُ حـسين غُيّبا

6 - وقال في تاريخ تزيين المرقد المطهّر للإمام عليعليه‌السلام بالمرايا والزجاج البديع:

مرآةُ قدس الله شعَّ سناؤها

فـتموّجتْ بزجاجةِ المرآةِ

قال الموحّدُ فيه أرِّخ زاهياً

مصباحُ نور الله في المشكاةِ

نشاطاته الاُخرى

1 - المباراة الدوليّة الثقافية للتأليف حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام : هذا المشروع التاريخي طرحه السيّد على الوجيه السيّد هاشم شُبَّررحمه‌الله ، وهو تخصيص جوائز نقديّة لكلّ مَنْ يؤلّف كتاباً حول شخصيّة الإمام عليعليه‌السلام على أن يفوز من خلال المباراة.

وكان السيّد أميناً لسرّ اللجنة المنظّمة للمسابقة، فوجّه نِداءً لأرباب الفكر والأدب في العالم بعد ما أعلن برنامجه، وتشكّلتْ اللجنة المُحكّمة، وكانت تتألّف مِن أفذاذ العلم والوعي والتُقى، الأعلام الثلاثة: الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيّد موسى بحر العلوم، فقُدّمت الكتب مِن قبل مؤلّفيها، فكانت النتائج كما يلي:

الفائز الأوّل: كتاب (الإمام علي - نبراس ومتراس) لمؤلّفه الكاتب اللبناني المعروف الاُستاذ سليمان كتّاني، وهو رجل مسيحي.

الفائز الثاني: كتاب (ملامح من عبقريّة الإمام) بقلم الدكتور مهدي محبوبة.

الفائز الثالث: كتاب (الإمام علي - رجل الإسلام المخلّد)، تأليف الاُستاذ عبد المجيد لُطفي.

ومن الكتب التي وقع الاختيار على طبعها كتاب (الإمام علي - أسد الإسلام وقدّيسه) للكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، وهو مسيحي.

2 - اهتمامه بالشعراء الشعبيين وتشجيعهم على الكتابة في رثاء سيّد الشهداء، وقد قرّض الديوان الشعري لكلّ مِن:

أ - الحاج محمّد باقر الإيرواني - شعراء الحسينعليه‌السلام .

ب - الشاعر المرحوم هادي القصّاب - ديوان الهداية الحسينيّة.

ج - الخطيب المرحوم الشيخ محمّد حسن دگسن - الروضة الدگسنيّة.

د - الحاج زاير - الشاعر الشعبي العراقي.

هـ - السيّد الشرع - منهل الشرع.

3 - اهتمامه ببناء وتشييد مراقد وأصحاب أهل البيتعليهم‌السلام كسعيه لبناء مرقد زيد الشهيدعليه‌السلام ، ومرقد رشيد الهجري، وكميل بن زياد وغيرهم مِن الأفذاذ والمظلومين؛ فقد كان

٣٣

يبذل لعمرانها من ماله الخاص.

4 - تحقيقه لبعض الكتب العظيمة ونشرها؛ فقد اعتنى السيّد بنشر ديوان (جواهر وصور) للفقيه السيّد عبّاس شبّر، وإخراجه أجمل إخراج بحلّة قشيبة وورق مؤطر بإطار ملوّن جميل يحيط بالقطعة الشعريّة، كما إنّه جمع وطبع وأشرف على إصدار ديوان (الموشور) للسيّد عبّاس شبّررحمه‌الله .

وقد كان للسيّد جواد الدور الرائد في صدور كتاب (الأخلاق) للسيّد عبد الله شبّر الذي عنى بنشره وطبعه. أمّا كتاب (تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين - للراغب الأصفهاني) فقد عنى السيّد بنشره وإصداره؛ لأهمّيّته العلميّة.

5 - على صعيد الإصلاح: السيّد جواد شبّر كان من الروّاد الأوائل لحركة الإصلاح المنبري والاجتماعي. يقول في مقال كتبه تحت عنوان (الوعي نواة الإصلاح) في مجلّة الوعي الإسلامي: من أعذب الكلمات على السمع والروح كلمة الإصلاح، إنّها خفيفة على المشاعر، لطيفة في الأحاسيس، يترشّفها السامع ويتمنّى تحقيقها، ويتغنّى بها المجتمع ويهوى تطبيقها، لكن تختلف الآراء في الطريق المؤدّية إليها والوصول إلى أهدافها.

فالبعض يرى ذلك منحصراً في تسليم القيادة إلى موجّه حكيم، وهو الذي يقود الأُمّة إلى ساحل السلامة والنجاة، أمّا عقيدتي فهي أنّ أقرب الطرق إلى الإصلاح هو إيجاد الوعي العام في الأُمّة واليقظة في الشعب، والعمل على أن يشعر الكلّ بواجب المسؤوليّة، ولا يتحقّق ذلك إلاّ عن طريق الكتابة والخطابة، وتعاون الفرد والجماعة؛ فـ (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ))(1) .

أمّا محاولاته الإصلاحيّة فيما يتعلّق بمؤسسة المنبر الحسيني فلقد كان من المبادرين السباقين لصيانة هذه المؤسسة الكبرى من الفوضى والترهّل، وحمايتها من الانحدار والتسيّب، ووضع الأسس والضوابط للانطلاق بها إلى مستوى المسؤوليّة، والارتقاء إلى مصاف المؤسّسات الإسلاميّة الهادفة.

يقول الخليلي في ترجمة الشيخ محمّد علي اليعقوبي أثناء حديثه عن الدعوة إلى إصلاح خطباء المنابر: وكان من أنشط العاملين في حلبة الإصلاح والدعوة إلى تهذيب الخطباء هو الخطيب السيّد جواد شبّر؛ ففتح في مدرسة المنتدى صفّاً خاصّاً بتعليم الخطباء فنّ الخطابة، وتهذيب الأخبار التي يروونها، وإعدادهم إعداداً يتّفق وروح العصر(2) .

____________________

(1) مجلة الوعي الإسلامي الكويتيّة، السنة الأُولى - العدد الثاني سنة 1965 م.

(2) هكذا عرفتهم - للخليلي 1 / 159، ومجلة الإيمان، عدد خاص في ذكرى اليعقوبي، سنة 1312 هـ.

٣٤

ولعمر الحقّ أنّ هذه المهمّة الشاقّة نحن بأمسّ الحاجّة إلى مَنْ يشمّر عن ساعد الجدّ ويتصدّى لتهذيب وتقويم هذه المؤسسة الهامّة؛ لئلاّ تكون مرتعاً سهلاً لمَنْ هبّ ودبّ، وسوقاً سوداء للمتاجرين بدماء الحسينعليه‌السلام ونبل أهدافه وشرف قضيّته(1) .

مؤلّفاته

للسيّد عدّة كتب ألّفها في حياته المعطاءة، وهذه أهمّها:

1 - إلى ولدي: كتاب في الأدب التربوي، جمع فيه عيون الشعر لأساطين الشعراء، طُبِع الطبعة الأُولى في النجف سنة 1954 م، ثمّ أعدتُ طبعه (مصوراً) في قم سنة 1984 م.

2 - قبس مِن حياة أمير المؤمنينعليه‌السلام : وُزّع على الجمهور الذي شارك في الاحتفال بمناسبة ميلاد الإمام الحسينعليه‌السلام في النجف الأشرف.

3 - أشعة مِن حياة الصّادقعليه‌السلام : قُدّمَ هدية للمحتفلين بمولد سيّد الشهداء سنة 1385 هـ - 1965 م في النجف الأشرف.

4 - مقتل الحسينعليه‌السلام - عبرة المؤمنين: وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

5 - المطالب النفيسة: يقع في ثلاثة مجلّدات في التراجم والأخلاق والفلسفة الإسلاميّة (مخطوط).

6 - شواهد الأديب: مختارات شعريّة في ثلاثة أجزاء (مخطوط).

7 - المقتطفات: نوادر وحكم وأدب في جزئين ضخمين (مخطوط).

8 - شعراء العصر الحاضر (مخطوط).

9 - سوانح الأفكار في منتخب الأشعار: ثلاث مجلّدات في مدح ومراثي أهل البيتعليهم‌السلام (مخطوط)(2) .

10 - المناهج الحسينيّة: مجموعة مجالس قرأها في لبنان - مجلد واحد طبع في بيروت ثمّ أُعيد طبعه في قم.

11 - ديوان شعره: وفيه كثير من المراسلات والمساجلات، والقطع المستملحة والأوصاف البديعة(3) (مخطوط).

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 330.

(2) مشهد الإمام 3 / 160.

(3) شعراء الغري - للخاقاني 2 / 473.

٣٥

12 - أدب الطفّ أو شعراء الحسين - طُبع منه 10 أجزاء.

13 - الإسلام دين ودولة - 3 مجلّدات (مخطوط).

14ـ الأخلاق الإسلاميّة - 3 مجلّدات (مخطوط).

موقف بطولي وتأريخي

هنالك موقف تاريخي للسيّد الوالد ذكرته للأخ السيّد داخل، فدوّنه في موسوعته (معجم الخطباء)(1) قائلاً: ( يقول النجلُ الأصغر لسيّدنا المترجم الخطيب السيّد أمين عن أحد معارفه إنّه التقى في الهند بأحد عملاء النظام، وكان يتولّى تعذيبه عندما كان سجيناً، ولكنّه لم يعرفه لتغيير ملامحه، فاتّصل به وتظاهر بأنّه من الموالين للنّظام، وسأله عن بعض المساجين وبينهم السيّد جواد شبّر، فقال: إنّ أمر هذا الرجل لعجيب؛ فقد اجتمع مدير الأمن بضباطه ذات يوم ودار الحديث حوله وكيفيّة التعامل معه، وأخيراً قرّروا استمالته وتقديم العروض المغرية لتبديل موقفه، فاجتمعوا به وتحدّثوا معه بأنّك شخصيّة عراقية هامّة، ولك المواقف المشهودة، والخطب المؤثرة، والكلمة المسموعة في أوساط الشعب، فلا نريد منك سوى أن ترقى المنبر في الصحن الحيدري أو أيّ مكان عام وتخطب مشيداً بالسيّد الرئيس، وتشجب ما يقوم به الخميني اتّجاه العراق... إلخ!

ويذكّرني هذا المكر بمكر معاوية عندما طلب من الأحنف بن قيس بأن يرقى المنبر ويمتدح يزيد، فقال: لو تركتني لكان خيراً. قال: لماذا؟ قال: لأمرين؛ إذا صدقت أغضبتك، وإذا كذبت أغضبت الله. فلمّا طلبوا ذلك من السيّد مقابل إطلاق سراحه وإعطائه جواز سفره وبعض الإغراءات الأُخرى، أخرج السيّد لسانه وقال: اقطعوا لساني خير ممّا تدعونني إليه.

تحيّة لك أيّها البطل، ومرحى لصلابتك أيّها العظيم، وطبتَ حيّاً وميتاً، والسّلام عليك كلّما بدأ يعود ورحمة الله وبركاته.

قالوا في السيّد جواد شبّر

* قال الاُستاذ الأديب علي الخاقاني في (شعراء الغري): والسيّد جواد أديب ذكي، وخطيب شجاع، يعبّر عن كثير من الآلام التي يتحسّسها مجتمعه، ويندفع في تصوير ما يراه صالحاً لقومه بلهجة يغلب عليها الحماس، ويتخلّلها لون من الثورة النفسيّة؛ ولحماسه القوي فقد تصوّره فريق أنّه يتصنّع ذلك، غير أنّ مَنْ عرف سلوكه يعرف أنّه

____________________

(1) معجم الخطباء 1 / 348.

٣٦

صادق بتعبيره. (شعراء الغري 2 / 472).

* ووصفه الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني في معجمه: عالم فاضل، خطيب متكلّم، شاعر مجدّد، مؤلّف مؤرّخ متتبّع، نظم الشعر وجاهد بقلمه ولسانه في سبيل عقيدته ورسالته وتشيّعه الذي يعتبر بحقّ الإسلام الصحيح.

كتب بحوثاً ومواضيع توجيهيّة وأدبيّة في الصحف دلّت على تفوّقه العلمي ونضوجه الأدبي، اعتقلته السلطة الرعناء في شهر رمضان وضاع خبره حتّى هذه الساعة. (معجم رجال الفكر 2 / 713).

* وقال المرجاني في خطباء المنبر: هو أحد حسنات النجف الأشرف، وأحد خطبائها البارزين، وتراه إذا رقى ذروة المنبر انحدر كالسيل المتدفّق. واسع الرواية، قوي الحجّة. (1 / 136).

* وقال صاحب كتاب ومضات الشباب: اجتمعت له أسباب التوفيق في الحياة من انتشار صيت، وحسن حال، واستيعاب معرفة، ورخامة صوت، ونشاط أدبي ملموس الأثر؛ فانطلقت خلفه عيون فريق من مرتقي المنابر الذين يشاركونه المزاولة ولا يشاركونه المؤهّلات والمقام. (مشهد الإمام 4 / 154).

* قال الفقيه المظلوم الشيخ محمّد تقي الجواهري: السيّد جواد ليس له نظير في خطابته؛ فهو يركّز العقيدة. (المناهج الحسينيّة، تقديم: علي محمّد علي دخيّل).

* وقال العلاّمة الشيخ قاسم محيي الدين: الجواد هو رجل المناسبة، وأمل المستقبل في الخطابة. (خطباء المنبر 1 / 137).

* وقال العلاّمة العبقري الشيخ محمّد جواد مغنية في ختام تقديمه لموسوعة أدب الطفّ: وختاماً نسجّل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفوء، صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد أبياتها، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطّلاع. (أدب الطفّ 1 / 16).

* ولمّا كان الشيخ محمّد جواد مغنية يقطن في المدرسة الشبّريّة، كنت أذهب إلى غرفته للاستفادة، ومرّةً حضر مجلساً حسينياً أُقيم في باحة المدرسة وقد قرأ الوالد، ولمّا انتهى قلت للشيخ مغنية: ما رأيكم بقراءة الوالد؟

فقال لي: إنّ أباك خطيب العُلماء، وعالم الخطباء.

* ومن ذكرياتي: تبادل الرسائل باستمرار بين الوالد والكاتب (روكس بن زائد العزيزي) رئيس رابطة حقوق الإنسان في الأُردن، فقد كنتُ أقرأ على ظرف رسائله كلّها عبارة: (... إلى أمير المنابر جواد شبّر...).

٣٧

* في لقاء مع آية الله العلاّمة السيّد محمّد مُفتي الشيعة في قم المقدسة(1) قال: كان الخطيب الفاضل السيّد جواد شبّر خطيباً مُبرزاً، واعياً جامعاً في خطابته، متكلّماً متميّزاً لفصاحته وبلاغته وشجاعته؛ حيث يُبيّن المطالب المنبريّة المهمّة... متحدّياً... دون تردّد ومداهنة...

وقد عرفته من الخطباء المتميّزين في شدّة ولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ... مهيمناً على تلك المطالب، عارفاً بحُضّار مجالسه من العلماء والعامّة من الناس.

وكان هو الخطيب الذي يُختارُ غالباً لارتقاء المنبر الشريف في مجالس العلماء والمراجع... وكان ممّن ينصبُّ عليه الاهتمام في تأبين العلماء والمراجع؛ لإحاطته بكثير ممّا يتعلّق بسيرهم وحياتهم وآثارهم.

وممّا أتذكّره أنّه كان المعوّل عليه في تأبين العلماء والمراجع: السيّد الحكيم، والسيّد الميلاني، والسيّد عبد الهادي الشيرازي، والسيّد جواد التبريزي، والشيخ حسين الحلّي، والسيّد محمود الشاهرودي، وآقا بزرك الطهراني وغيرهم مِن أعلام الدين (رضوان الله تعالى عليهم).

* وقال الشيخ عبد الحسين الحويزي مخاطباً السيّد جواد شبّر(2) :

يـا آلَ شبّر لم تزل أنوارُكمْ

تـأبى بـأنديةِ الهدى إطفاءا

عرجت بكم هممٌ لغاياتِ العُلا

سبقت فجاوزت المدى إسراءا

تلامذته

يعتبر الخطيب السيّد جواد شبّر مدرسة واعية معطاءة تميّزت بإخلاصها وشموليّتها؛ فقد كان السَيّد موسوعة أدبيّة فقهيّة، حديثيّة تاريخيّة، فكنتُ عندما أجلس معه أو في مجالسه العامّة، أخرج بزيادة علم ومعرفة وأدب. وقد تتلمذ على يديه جمع من الخطباء نذكر بعضهم:

1 - الخطيب السيّد حسن الكشميري(3) .

2 - الخطيب الشيخ صالح الدجيلي(4) .

____________________

(1) اللقاء في تاريخ 18 شعبان 1420 هـ.

(2) أدب الطف 10 / 128.

(3) كما يشير هو في مجالسه من على المنبر، بل ويفتخر بذلك، ومعجم الخطباء 2 / 337.

(4) نقلاً عن السيّد حسن الكشميري.

٣٨

3 - الخطيب الشيخ شاكر القرشي(1) .

4 - الخطيب السيّد داخل السيّد حسن(2) .

5 - الخطيب السيّد عامر الحلو(3) .

6 - الخطيب الشيخ صالح الجزائري(4) .

7 - الخطيب الشيخ عبد الأمير أبو الطابوق(5) .

سيّدي الاُستاذ والوالد والمُربّي، أيّها المُغيّب عنّا في السجون، يا مَن خَدَمْتَ منبر جدّك الحسينعليه‌السلام أكثر مِن نصف قَرن، ثمّ أودعوك في زنزانات مُظلمة. أيّها الأسد الهصور، كُنت تقول لنا - نحن أبناؤك -: مَنْ منكم يسلك طريقي، طريق الخطابة الحسينيّة؟

فكانت (اُمنيتك)، وها أنا أُحقّق أُمنيتك أيّها الكبير العظيم، وعلى طريقك ونهجك أيّها المخلص.

أدعو لك مع مُحبّيك وجمهورك بالفرج من أيدي الطغاة.

أدعو لك بدموعي الممزوجة بلوعتي على فراقك.

أدعو لك مِن على منبر جدّك الذبيح، مِن على نفس المنبر الذي كُنّا نراك عليه، وكلّنا آذان صاغية لحديثك المُمتع:

فـما اسـتشعرَ الـمُصغي إليك مَلالةً

ولا قُلتَ إلاّ قال مِن طَرَبٍ: زِدني

فـأعظمُ مَـجدي كـان إنّـك لي أبٌ

وأكـبرُ فـخري كان قولك: ذا اِبني

ولدك: محمّد أمين        

7 ذو القعدة 1420 - 13/2/2000

____________________

(1) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 4 / 135.

(2) نقلاً عن خطباء المنبر الحسيني - للمرجاني 6 / 142.

(3) معجم الخطباء 2 / 361.

(4) خطباء المنبر الحسيني 5 / 174، ومعجم الخطباء 4 / 212.

(5) معجم الخطباء 7 / 224.

٣٩

الحسينعليه‌السلام عبرة المؤمنين

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون ) «آل عمران 169 - 170».

عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسفَ اللون، ظاهرَ الحزن، ودموعُه تتحادر مِن عينيه، فقلتُ: يابنَ رسول الله، مِمّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: (( أوَ في غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسينعليه‌السلام أُصيب في مثل هذا اليوم؟! )) ثمّ بكى أبو عبد الله حتّى اخضلّت لحيته بدموعه.

المقدّمة

احتفال الأئمّة بيوم عاشوراء

جرت عادة الشيعة الإماميّة على الاحتفال بذكرى واقعة الطفّ الدامية، واتّخاذ يوم مقتل سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام يوم حزن وبكاء، اتّخذوا ذلك على سيرة الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)؛ فقد كان الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام إذا هلّ هلال عاشوراء اشتدّ حزنه، وعَظُمَ بكاؤه على مُصاب جدّه الحسينعليه‌السلام ، وتَفِدُ إليه الناس من كلّ جانب ومكان يُعزّونه بالحسينعليه‌السلام ويبكون وينوحون معه.

وكان الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تَغلبُ عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

عنك راض وملائكة سماواته عنك راضون، وملائكة أرضه عنك راضون. قال: ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة ».

أحمد حجة الله في أرضه:

في النهاية لابن كثير « ١٠ / ٣٧٠ »: « قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد وقيل قبل أن يمتحن: يا ميمون ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل. فعجبت من هذا عجباً شديداً، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة علي بن المديني فقال: صدق، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصاراً وأعواناً، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان. ثم أخذ أبوعبيد يطري أحمد ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.

وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه. وقال علي بن المديني: إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان.

وقال أيضاً: إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، ثم قال: ومن يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله ».

فقد أحمد كفقد النبي (ص):

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٢٠ »: « كانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة المتوكل بمدينة السلام، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، ودفن بباب حرب في الجانب الغربي، وصلى عليه محمد بن طاهر، وحضر جنازته خلق من الناس لم يُرَ مثل ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف قبله،

٢٢١

وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأمور: منها أن رجلًا منهم كان ينادي: إلعنوا الواقف عند الشبهات، وهذا بالضد عما جاء عن صاحب الشريعة (ع) في ذلك. وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف موقفاً بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته:

وأظلمت الدنيا لفقد محمد

وأظلمت الدنيا لفقدابن حنبل

يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد (ع)، وأنها أظلمت عند موت ابن حنبل، كظلمتها عند موت الرسول (ص) ».

من لم يحبه فليس بسني:

في تاريخ دمشق « ٥ / ٢٩٣ »: « سمعت ابن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل، فاعلموا أنه صاحب سنة ».

أجاب في سبعة أيام عن سبعين ألف مسألة:

في طبقات الحنابلة « ١ / ١٢ »: « وقال إسماعيل بن حرب: أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جئ به إلى العسكر، فإذا هوسبعون ألفاً ».

أي بلغ عدد المسائل التي أجاب عليها في سامراء سبعين ألف مسألة، وقد بقي فيها نحوأسبوع! فيكون أجاب في اليوم عن عشرة آلاف!

أحمد يزوره الله في قبره:

في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / ٤٥٤: « حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي، وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على

٢٢٢

عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أوسافين، فقلت: إنما تم هذا على قبرالإمام أحمد من كثرة الغيث! فسمعته من القبر وهويقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي فهوينشر ويتلى في المحاريب. فأقبلت على لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله! لأن معي شعرات من شعره! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرتين »!

هكذا هكذا، وإلا فلا، لا:

قال ابن عربي في الفتوحات « ١ / ٢٤٧ »: « رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل، المتبع، المقتدي، سيد وقته، في تركه أكل البطيخ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله (ص)! فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول (ص) في حركاته وسكناته، وجميع أفعاله وأحواله. وإنما عرف هذا منه، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد، بالقول والعمل والحال، لأن ذلك أمكن في نفس السامع فهو « أي ابن حنبل » وأمثاله، حفاظ الشريعة على هذه الأمة ».

وقال في الفتوحات « ٤ / ٤٥٧ »: « ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ، فقيل له في ذلك فقال: ما بلغني كيف كان رسول الله (ص) يأكله! فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه. وبمثل هذا تقدم علماء هذه

٢٢٣

الأمة على سائر علماء الأمم. هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه: فاتبعوني يحببكم الله. وقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة »! ونحوه في الفتوحات « ٤ / ٨٤ ».

أقول: هذا استحمارٌ للناس! بأن هذا الإمام أحمد كان ملتزماً حرفياً بـ « سنة » النبي (ص) حتى في تفاصيل المستحبات والمباحات! وأنه بلغ من تقواه أنه لم يأكل البطيخ لأنه يريد أن يقتدي فيه برسول الله (ص)، وحيث لم يبلغه كيف كان يأكله، فقد تركه!

ثم افتخر ابن عربي بفعله وقال: هكذا هكذا، وإلا فلا، لا. أي هكذا فليكن التدين والإقتداء برسول الله (ص)، وإلا فلا!

وعلى هذا يجب على ابن حنبل وابن عربي وتلاميذهم، أن يتركوا أكثر الأعمال والتصرفات من أكل وشرب ورواح ومجئ ونوم ويقظة وتعلم وتعليم، إلا ما ثبت لهم فيه السنة وفي تفاصيله، فيقتدوا به!

هذا، وفي تاريخ بغداد « ٥ / ١٨٧ » أن أحمد مات سنة ٢٤١، وعمره سبع وسبعون سنة.

٢٢٤

الفصل العاشر:

الإمام الهادي (ع) ينقض مذهب أحمد والمتوكل

المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم

اتفق المؤرخون على أن المأمون أعلم الخلفاء العباسيين والأمويين. وقد ورد وصفه في حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى الى الزهراء (ع)، وفيه أسماء الأئمة من أبنائها (ع)، فقال عن الثامن منهم: « يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح « ذوالقرنين » إلى جنب شر خلقي. حقَّ القولُ مني لأسرِّنَّهُ بمحمد ابنه، وخليفته من بعده ووارث علمه ». « الكافي: ١ / ٥٢٧ ».

أما مسألة أن القرآن مخلوق أوغير مخلوق، فأخذها المأمون من متكلمي المسلمين قبله، ورفعها شعاراً فقال: من قال إنه غير مخلوق فمعناه أنه قديمٌ مع الله تعالى فيكون شريكاً لله، أويكون كلام الله جزءً منه فيكون الله مركباً. وهذا يخالف قوله تعالى: وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.

وبدأ المأمون في سنة ٢١٢ بامتحان العلماء والمحدثين، فكان يحبس من لم يقل إن القرآن مخلوق، ويُحَرِّم عليه أن يكون قاضياً، أوموظفاً في الدولة.

واستمر الإمتحان عشرين سنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق، حتى تولى المتوكل سنة ٢٣٢ فأوقفه، وتعصب للرأي الآخر، وقال إن القرآن قديمٌ غير مخلوق، وتبنى أحاديث رؤية الله تعالى بالعين.

٢٢٥

وقد اتفق المؤرخون على أن المتوكل لم يكن له بضاعة من العلم، وأنه كان يتزيا بزي المخنثين فحبسه أخوه الواثق ليمنعه من التخنث. ولم يَدَّعِ ولا ادعى له أحدٌ أنه كان عالماً، وأنه اختار مذهباً بموازين علمية، بل كان يعيش في مجتمع فيه صراع بن اتجاهين: اتجاه يؤكد على تنزيه الله تعالى عن الجسم والشبيه، ويقول بفضائل أهل البيت (ع)، واتجاه يميل الى التجسيم، ويكره أهل البيت النبوي بشكل صريح أومبطن، فتبنى هذا الإتجاه.

ومن الظواهر العجيبة أن القول بالتشبيه توأمٌ دائماً مع عداوة أهل البيت (ع). فأينما وجدت مُجسماً فهوناصبي، وأينما وجدت ناصيباً فهومُجسم أو مُشبِّه! لذلك يترجح عندنا أن المتوكل كان مبغضاً لعلي (ع) من نشأته، وعندما صار خليفة تجمع عليه أشكاله فعلموه التشبيه وأحاديث رؤية الله تعالى بالعين!

جواب أهل البيت (ع) على مقولة خلق القرآن

كان موقف الأئمة (ع) النهي عن الإنشغال بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق.

فقد سئل الإمام الصادق (ع) قبل المأمون بخمسين سنةً: « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن؟ فقال: هوكلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله وهوالكتاب العزيز الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ». « أمالي الصدوق / ٦٣٨ ».

٢٢٦

وسئل الإمام الكاظم (ع): « يا ابن رسول الله، ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم إنه مخلوق، وقال قوم إنه غير مخلوق؟ فقال (ع): أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول إنه كلام الله عز وجل ». « أمالي الصدوق / ٦٤٧ ».

وكذلك موقف الإمام الرضا (ع) وهومعاصر للمأمون، ففي أمالي الصدوق / ٦٣٩: « عن الحسين بن خالد، قال: قلت للرضا (ع): يا ابن رسول الله، أخبرني عن القرآن، أخالق أومخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله ».

الإمام الهادي (ع) يشرح مسألة خلق القرآن

وعندما تفاقمت مقولة القرآن مخلوق في زمن الإمام الهادي (ع) كتب الى بعض شيعته ببغداد: « بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة، وإلا يفعل فهي الهلكة. نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه. وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله. لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين. جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون ». « أمالي الصدوق / ٦٣٩ ».

فقد أعطى الإمام (ع) القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق، لكنه مَنَعَ من وصف كلامه تعالى بأنه مخلوق، حتى لايتسرب الى الذهن حدوثٌ للمتكلم.

ومعنى قوله (ع): تكلف المجيب ما ليس عليه: أنه أجاب بغير علم وهو لايعرف مفهوم وجود القرآن، ولا مفهوم المخلوق وغير المخلوق.

٢٢٧

وأما قوله (ع): فتعاطى السائل ما ليس له، فقد يشكل عليه بأنه كيف يصح المنع من السؤال، وتقسيم المسائل الى ما ينبغي طرحه وما لاينبغي.

والجواب: لأنه لايصح السؤال إلا إذا كان واضحاً محدداً، وهذا في مسألتنا يتوقف على فهم السائل لمعنى القرآن ومعنى الخلق، وإلا فلا يحق له السؤال.

والسائل في نظر الإمام (ع) لايفقه معنى القرآن، وأنواع وجوده، قبل نزوله الى جبرئيل، ثم نزول جبرئيل به الى الرسول (ص) ثم عندنا، الى أن يتجسد بصورة إنسان في يوم القيامة!

أما معنى الخلق فالسائل أشد جهلاً به، فهو أنواع، ونحن لا نعرف كيفية خلق المطر وتكوين ذرَّاته الأولى مع أنه يتم أمام أعيننا. ولا كيفية خلق أنفسنا من عدم ولا كيفية تسويتها بعد ذلك ولا القوى التي سواها الله بها، وأقسم بها!

وما دام السائل لايفقه جوهر سؤاله ولا مغزاه، فهويتعاطى أمراً لايفقهه، ولا يعرف لغته التي تستعمل فيه، فيفرض ألفاظه على الموضوع، كالذي يسأل عن مسألة رياضية معقدة بألفاظ عامية، لا تصلح للتعبير عنها.

قال الشريف المرتضى في رسائله « ١ / ١٥٢ »: « وسأل أحسن الله توفيقه عن القرآن هل هومخلوق أوغير مخلوق؟ الجواب، وبالله التوفيق: إن القرآن مُحدثٌ لا محالة، وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض، لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك، ونقيضه بفقد الادراك، والمتجدد لا يكون إلا محدثاً، والنقيض لا يكون قديماً، وما ليس بقديم وهوموجود محدث، فكيف لا

٢٢٨

يكون القرآن محدثاً وله أول وآخر وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث مصرحاً غير ملوح، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف.

فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه، لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أومختلق أنه مكذوب مضاف إلى غير فاعله، ولهذا قال الله عز وجل: إن هذا إلا اختلاق. وتخلقون إفكاً . ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته.

وقد ورد عن أئمتنا (ع) في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه مخلوق، وأنهم (ع) قالوا: لا خالق ولا مخلوق.

وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في قصة التحكيم: إنني ما حكمت مخلوقاً وإنما حكمت كتاب الله عز وجل. ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا (ع) من وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه، وإن لم يصرحوا (ع) به ».

وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف « ٦ / ١١٩ »: « كلام الله تعالى: فعله، وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً. وقال أكثر المعتزلة إنه مخلوق، وفيهم من منع من تسميته بذلك، وهوقول أبي عبد الله البصري وغيره. وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومحمد: إنه مخلوق. قال محمد: وبه قال أهل المدينة. قال الساجي: ما قال به أحد من أهل المدينة.

قال أبويوسف: أول من قال بأن القرآن مخلوق أبوحنيفة. قال سعيد بن سالم: لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون، فقال: إن القرآن مخلوق هذا

٢٢٩

ديني ودين أبي وجدي. وروي عن جماعة من الصحابة الإمتناع من تسميته بأنه مخلوق. وبه قال جعفر بن محمد الصادق (ع) فإنه سئل عن القرآن فقال: لا خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، وبه قال أهل الحجاز ..

ولم يُرْوَ عن واحد من هؤلاء أنه قال: القرآن قديم، أوكلام الله قديم. وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه: ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها، فمنها قوله: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً. وقال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُبِينٍ. فسماه عربياً والعربية محدثة. وقال: نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، فوصفه بالتنزيل. وهذه كلها صفات المحدث. ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر »!

الإمام الهادي (ع) يوضح أصول التوحيد

١. ردَّ الإمام (ع) ما نسبه المجسمة الى رسول الله (ص) من أحاديث عن رؤية الله تعالى بالعين. قال أحمد بن إسحاق الأشعري وهومن كبار علماء قم: « كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الإشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه، وكان ذلك التشبيه. لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات ». « الكافي: ١ / ٩٧ ».

٢٣٠

٢. في الإحتجاج « ٢ / ٢٥٠ »: « سئل أبوالحسن (ع) عن التوحيد فقيل له: لم يزل الله وحده لا شئ معه ثم خلق الأشياء بديعاً، واختار لنفسه الأسماء، ولم تزل الأسماء والحروف له معه قديمة؟

فكتب: لم يزل الله موجوداً ثم كَوَّنَ ما أراد، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طُرُف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين، عن الدَّرْكِ لعجيب شأنه، أوالوقوع بالبلوغ على عُلُوِّ مكانه، فهو بالموضع الذي لايتناهى، وبالمكان الذي لم تقع عليه عيون بإشارة ولا عبارة. هيهات هيهات »!

٣ . وفي التوحيد للصدوق / ٦١: « عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال: لقيته (ع) على الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهوسائر إلى العراق فسمعته يقول: من اتقى الله يُتقى، ومن أطاع الله يطاع. فتلطفت في الوصول إليه فوصلت فسلمت فرد علي السلام، ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبالِ بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فَقَمِنٌ أن يُسلط عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به. جلَّ عما وصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في بُعده قريب، وفي قربه بعيد، كيَّف الكيف فلا يقال له: كيف. وأيَّن الأينَ فلا يقال له أين، إذ هومبدع الكيفوفية والأينونية.

٢٣١

يا فتح: كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق، فإنه جَسَّمَ الأجسام، وهوليس بجسم ولا صورة، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، مبرأٌ من ذات، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه.

وهواللطيف الخبير، السميع البصير، الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، منشئ الأشياء، ومجسم الأجسام، ومصور الصور.

لوكان كما يقول المشبهة، لم يعرف الخالق من المخلوق، ولا الرازق من المرزوق ولا المنشئ من المنشأ، لكنه المنشئ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه، إذ كان لا يشبهه شئ.

قلت: فالله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟

فقال: أَحَلْتَ ثبتك الله، إنما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمى، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد، فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهوأجزاء مجزأة ليس سواء، دمه غير لحمه، ولحمه غير دمه، وعصبه غير عروقه، وشعره غير بشره، وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق، فالإنسان واحد في الإسم، لا واحد في المعنى، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره، ولا اختلاف فيه، ولا تفاوت، ولا زيادة، ولا نقصان.

فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى، غير أنه بالإجتماع شئ واحد.

٢٣٢

قلت: فقولك: اللطيف فسره لي، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل غير أني أحب أن تشرح لي، فقال: يا فتح إنما قلت: اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هوأصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى، والمولود من القديم، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ.

قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ( تبارك الله أحسن الخالقين ) . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار.

قلت: إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسى، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك، إن هذا لهوالعجب!

٢٣٣

فقال: ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهولا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهوشاء ذلك، ولولم يشأ لم يأكلا، ولوأكلا لغلبت مشيتهما مشية الله. وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل (ع)، وشاء أن لا يذبحه، ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل!

قلت: فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار، قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين. ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات، ولم يشغله سمع عن سمع، قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.

قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك.

قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون؟

قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. وقوله: وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ. وقال: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لوكان كيف كان يكون.

٢٣٤

فقمت لأقبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت وبي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه، لما تبينت من الخير والحظ.

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر، فهذا معنى مشيته فيهما، ولوشاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر، ثم أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته، كما قال العالم (ع) ».

٤. ورواه المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٥ »، بلفظ آخر وفيه: « كيَّفَ الكيفَ فلا يقال كيف، وأيَّنَ الأينَ فلا يقال أين، إذ هومنقطع الكيفية والأينية، الواحد الأحد جل جلاله. بل كيف يوصف بكنهه محمد (ص) وقد قرنَ الخليل إسمه باسمه، وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، فقال: وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . وقال تبارك اسمه يحكى قول من ترك طاعته: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا. أم كيف يوصف من قَرَنَ الجليل طاعتَه بطاعة رسول الله (ص) حيث يقول: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.

يا فتح: كما لا يوصف الجليل جل جلاله، ولا يوصف الحجة، فكذلك لا يوصف المؤمن المُسَلِّمُ لأمرنا، فنبينا (ص) أفضل الأنبياء، ووصينا (ع) أفضل الأوصياء. ثم قال لي بعد كلام: فأوردِ الأمر إليهم وَسَلِّمْ لهم.

٢٣٥

ثم قال لي: إن شئت. فانصرفت منه. فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت: يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟ فقال لي: سل وأَصِخْ الى جوابها سمعك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، فأما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك. إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم، وكل ما اطلع الرسول عليه، فقد اطلع أوصياؤه عليه.

يا فتح: عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم فقلت: متى أيقنتُ أنهم هكذا: فهم أرباب! معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون!

فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به، فاقمعه بمثل ما نبأتك به!

قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك فرجت عني، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب. قال: فسجد (ع) فسمعته يقول في سجوده: راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً. ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك! وما ضرَّ عيسى أن هلك من هلك. إذا شئت رحمك الله. قال: فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس.

٢٣٦

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهومتكئ، وبين يديه حنطة مقلوَّة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا فقال: أجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام، وهوالسميع العليم. تبارك الله عما يقول الظالمون، وعلا علواً كبيراً. ثم قال: اذا شئت رحمك الله.

وقدم به (ع) بغداد، وخرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه ».

وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة

« عن الصقر بن دلف عن أبي الحسن الثالث (ع) قال: يا ابن دلف، إن الجسم محدث والله محدثه ومجسمه ». « الفصول المهمة: ١ / ١٤٧ ».

عن حمزة بن محمد قال: « كتبت إلى أبي الحسن (ع) أسأله عن الجسم والصورة فكتب: سبحان من ليس كمثله شئ، لا جسمٌ ولا صورة ». « الكافي: ١ / ١٠٢ ».

وكتب اليه أيوب بن نوح يسأله عن الله عز وجل: « أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها، أولم يعلم ذلك حتى خلقها، وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون؟ فوقع بخطه: لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء ». « الكافي: ١ / ١٠٨ ».

٢٣٧

وكتب اليه إبراهيم بن محمد الهمداني: « إن من قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة. فكتب (ع) بخطه: سبحان من لايُحد ولايُوصف ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير ». « الكافي: ١ / ١٠٢ ».

وفي الكافي « ١ / ١٠٥ »: « عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة فكتب: دع عنك حيرة الحيران، واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان ».

أقول: كان هشام بن الحكم رضي الله عنه أقوى المناظرين في بغداد، وكان هارون الرشيد يعقد له مجالس المناظرة مع كبار علماء المذاهب والأديان، ويجلس خلف الستار يستمع. ويظهر أن هشاماً قال ذات مرة عن الله تعالى إنه جسم لا كالأجسام، بدل أن يقول شئ لا كالأشياء، فطار بها خصومه وقالوا هومجسم!

أما هشام بن سالم الجواليقي رضي الله عنه، فربما روى حديث أن الله على صورة الإنسان، وقد يكون قَبِلَه، فطار بها خصومه وحرفوا كلامه أيضاً!

قال الشهرستاني في الملل والنحل « ١ / ١٨٥ »: « وقال هشام بن سالم: إنه تعالى على صورة إنسان، أعلاه مُجَوَّفٌ وأسفله مصمت، وهو نور ساطعٌ يتلألأ، وله حواسٌّ خمسٌ ويد ورجلٌ وأنفٌ وأذنٌ وفمٌ. وله وَفْرَةٌ سوداءُ هي نورٌ أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم ».

٢٣٨

وقال الأميني في الغدير « ٢ / ٢٨٤ » عن كتاب الملل والنحل: « هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي الفِصَل في بذاءة المنطق، غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن تفنيدها، فإليك نماذج منها:

١ ـ قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذوأبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ ـ قال في حق علي: إنه إلهٌ واجب الطاعة.

٣ ـ وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان، أعلاه مجوف وأسفله مصمت وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس، ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهونور أسود، لكنه ليس بلحم ولا دم. وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء، مع قوله بعصمة الأئمة.

٤ ـ وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً، ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ ـ قال محمد بن النعمان: إن الله نورٌ على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش، والعرش تحمل الرب، وهومن مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً ». انتهى.

أقول: وكل ذلك مكذوباتهم على الشيعة أوتحريفٌ لكلامهم، وقد نشروا هذه الأكاذيب يومها، فسأل الشيعة عنها الأئمة (ع) فنفوا مقولة الجسم والصورة.

٢٣٩

المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي (ع)

وفي مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥٠٧ »: « قال المتوكل لابن السكيت: إسأل ابن الرضا مسأله عوصاء بحضرتي، فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا، وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟

فقال أبوالحسن (ع): بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، وأثبت الحجة عليهم. وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، في زمان الغالب على أهله الطب، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم. وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر، ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم، وأثبت الحجة عليهم.

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب. فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته، وإنما هوصاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد على ابن السكيت جوابها، وأمره أن يكتب: سألت عن قول الله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ، فهوآصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف، ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان (ع) أودعه آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته وولايته من بعده، ولتأكيد الحجة على الخلق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477