الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام0%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف: الشيخ علي الكوراني
تصنيف:

الصفحات: 477
المشاهدات: 144765
تحميل: 5838

توضيحات:

الإمام علي الهادي عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144765 / تحميل: 5838
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

وقد واجه الإمام الهادي (ع) ضلالتيْ النص والتجسيم، فصدع بتنزيه الله تعالى وبفضائل جده أمير المؤمنين (ع)، وتعمد أن يكون دخوله الى العراق عن طريق حائل، ثم النجف، ليكون فيها يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة ويزور قبر جده أمير المؤمنين (ع) مع وفود شيعته هناك، ويطلق نص الزيارة المعروفة بزيارة الغدير، وهي في الحقيقة منشور إسلامي يبين مقام عليٍّ (ع) في الإسلام، وولايته المفروضة في رقاب الأمة.

وهذا نص الزيارة من كتاب المزار لمحمد بن المشهدي (قدس سره) / 263، قال:

« أخبرني الفقيه الأجل أبوالفضل شاذان بن جبرئيل القمي رضي الله عنه، عن الفقيه العماد محمد بن أبي القاسم الطبري، عن أبي علي، عن والده، عن محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن روح، وعثمان بن سعيد العمري، عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه صلوات الله عليهما، وذكر أنه (ع) زار بها في يوم الغدير، في السنة التي أشخصه المعتصم « المتوكل ». تقف عليه وتقول:

السلام على محمد رسول الله، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة رب العالمين. أمين الله على وحيه، وعزائم أمره، الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله، ورحمة الله وبركاته، وصلواته وتحياته.

السلام على أنبياء الله ورسله، وملائكته المقربين، وعباده الصالحين.

السلام عليك يا أميرَ المؤمنين، وسيدَ الوصيين، ووارثَ علم النبيين، ووليَّ ربِّ العالمين، ومولايَ ومولى المؤمنين، ورحمةُ الله وبركاته.

٢٦١

السلام عليك يا أمير المؤمنين، يا أمينَ الله في أرضه، وسفيرَه في خلقه، وحجتَه البالغة على عباده. السلام عليك يا دينَ الله القويم، وصراطَه المستقيم.

السلام عليك أيها النبأُ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، وعنه يُسألون.

السلام عليك يا أمير المؤمنين. آمنتَ بالله وهم مشركون، وصَدَّقْتَ بالحق وهم مكذبون، وجاهدتَ وهم محجمون، وعبدتَ الله مخلصاً له الدين، صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين، ألا لعنةُ الله على الظالمين.

السلام عليك يا سيدَ المسلمين، ويعسوبَ المؤمنين، وإمامَ المتقين، وقائدَ الغرِّ المحجلين، ورحمةُ الله وبركاته.

أشهد أنك أخو الرسولِ ووصيُّه، ووارثُ علمه، وأمينُهُ على شرعِه، وخليفتُهُ في أمته وأولُ من آمنَ بالله، وصَدَّقَ بما أَنزلَ على نبيه. وأشهد أنه قد بلَّغ عن الله ما أنزله فيك، وصَدَعَ بأمره، وأوجب على أمته فرضَ ولايتك، وعقد عليهم البيعةَ لك، وجعلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما جعلك الله كذلك، ثم أشهدَ الله تعالى عليهم فقال: ألستُ قد بلغت؟ فقالوا: اللهم بلى، فقال: اللهم اشهد وكفى بك شهيداً، وحاكماً بين العباد. فلعن الله جاحدَ ولايتك بعدَ الإقرار، وناكثَ عهدك بعدَ الميثاق.

وأشهد أنك أوفيتَ بعهد الله تعالى، وأن الله تعالى مُوفٍ بعهده لك: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

وأشهد أنك أميرُ المؤمنين الحقُّ، الذي نطق بولايتك التنزيلُ، وأخذ لك العهدَ على الأمة بذلك الرسولُ. وأشهد أنك وعمَّك وأخاك، الذين تاجرتم الله بنفوسكم فأنزل الله فيكم: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ

٢٦٢

فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

أشهد يا أمير المؤمنين أن الشاك فيك ما آمنَ بالرسول الأمين، وأن العادلَ بك غيرَك عادلٌ عن الدين القويم، الذي ارتضاه لنا رب العالمين، فأكمله بولايتك يوم الغدير.

وأشهد أنك المعنيُّ بقول العزيز الرحيم: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

ضلَّ والله وأضلَّ من اتبع سواك، وعَنَدَ عن الحق من عاداك.

اللهم سمعنا لأمرك، وأطعنا واتبعنا صراطك المستقيم، فاهدنا ربنا ولا تزغ قلوبنا بعد الهدى عن طاعتك، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك.

وأشهد أنك لم تزل للهوى مخالفاً، وللتُّقَى مُحَالفاً، وعلى كظْم الغيظ قادراً، وعن الناس عافياً، وإذا عُصِيَ الله ساخطاً، وإذا أطيع الله راضياً، وبما عهد الله إليك عاملاً، راعياً ما استحفظتَ، حافظاً ما استودعتَ، مبلغاً ما حمُلِّتْ َ، منتظراً ما وُعِدت.

وأشهد أنك ما اتقيتَ ضارعاً، ولا أمسكتَ عن حقك جازعاً، ولا أحجمتَ عن مجاهدة عاصيك ناكلأ، ولا أظهرتَ الرضا بخلاف ما يُرضي اللهَ مُداهناً، ولا وَهَنْتَ لما أصابك في سبيل الله، ولا ضعفتَ ولا استكنتَ عن طلب حقك مراقباً.

معاذ الله أن تكون كذلك، بل إذْ ظُلِمْتَ فاحتسبتَ ربك، وفوضتَ إليه أمرك، وذَكَّرْتَ فما ذكروا، وَوَعَظْتَ فما اتَّعظوا، وخوفتهم الله فما خافوا.

٢٦٣

وأشهد أنك يا أمير المؤمنين جاهدتَ في الله حقَّ جهاده، حتى دعاكَ الله إلى جواره، وقبضكَ إليه باختياره، وألزمَ أعداءك الحجة، بقتلهم إياك، لتكونَ لك الحجةُ عليهم مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه.

السلام عليك يا أميرَ المؤمنين، عبدتَ الله مخلصاً، وجاهدتَ في الله صابراً، وجُدْتَ بنفسك صابراً محتسباً، وعملتَ بكتابه، واتبعتَ سُنَّةَ نبيه (ص)، وأقمتَ الصلاةَ، وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف، ونهيت عن المنكرَ ما استطعت، مبتغياً مرضاةَ ما عند الله، راغباً فيما وعدَ الله. لا تَحْفَلُ بالنوائب، ولا تَهِنُ عندَ الشدائد، ولا تُحْجِمُ عن محارب. أفِكَ من نسبَ غير ذلك، وافترى باطلاً عليك، وأولى لمن عَنَدَ عنك.

لقد جاهدتَ في الله حق الجهاد، وصبرتَ على الأذى صبرَ احتساب، وأنت أولُ من آمن بالله وصلى له، وجاهدَ وأبدى صفحتَه في دار الشرك، والأرضُ مشحونةٌ ضلالةً، والشيطانُ يُعبد جهرةً. وأنت القائل لا تزيدني كثرةُ الناس حولي عِزَّةً، ولا تُفَرُّقُهُمْ عني وَحشة، ولو أسلمني الناس جميعاً لم أكن مُتضرعاً.

اعتصمتَ بالله فعززتَ، وآثرتَ الآخرةَ على الأولى فزهدتَ، وأيدكَ الله وهداكَ وأخلصكَ واجتباك. فما تناقضتْ أفعالُك، ولا اختلفتْ أقوالُك، ولا تقلَّبتْ أحوالُك، ولا ادعيتَ ولا افتريتَ على الله كذباً، ولا شرهتَ إلى الحطام، ولا دنَّسَتْكَ الآثام، ولم تزل على بيِّنةٍ من ربك ويقينٍ من أمرك، تهدي إلى الحق والى صراط مستقيم.

أشهد شهادةَ حقٍّ، وأقسم بالله قسمَ صِدقٍ أنَّ محمداً وآلَهُ صلواتُ الله عليهم ساداتُ الخلق، وأنكَ مولايَ ومولى المؤمنين، وأنك عبدُ الله ووليُّهُ، وأخوالرسول ووصيُّهُ ووارثُهُ، وأنه القائل لك: والذي بعثني بالحق ما آمنَ بي من كَفَرَ بك، ولا أقرَّ بالله من

٢٦٤

جَحَدَك. وقد ضلَّ من صدَّ عنك، ولم يهتد إلى الله تعالى ولا إليَّ من لا يهتدى بك، وهوقول ربي عز وجل: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى، إلى ولايتك.

مولايَ، فضلك لا يخفى، ونورُك لا يُطفى، وإنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الأشقى.

مولاي، أنت الحجةُ على العباد، والهادي إلى الرشاد، والعدةُ للمعاد.

مولاي، لقد رفع الله في الأولى منزلتَك، وأعلى في الآخرة درجتَك، وبَصَّرَكَ ما عميَ على من خالفك، وحالَ بينك وبين مواهبِ الله لك. فلعنَ الله مُسْتَحِلِّي الحرمةِ منك وذائدي الحقِّ عنك. وأشهدُ أنهم الأخسرون: الذين تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ.

وأشهد أنك ما أقدمتَ ولا أحجمت ولا نطقتَ ولا أمسكتَ إلا بأمر من الله ورسوله. قلت: والذي نفسي بيده لنظر إليَّ رسول الله (ص) أضرب قُدَّاَمُه بسيفي فقال: يا عليُّ أنت عندي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي. وأُعلمك أن موتَك وحياتَك معي وعلى سنتي. فوالله ما كذبتُ ولا كُذِّبْتُ، ولا ضَلَلْتُ ولا ضُلَّ بي، ولا نسيتُ ما عهد إليَّ ربي، وإني لعلى بينة من ربي، بَيَّنَهَا لنبيه، وبينها النبي لي، وإني لعلى الطريق الواضح، ألقطه لقطاً.

صدقتَ والله، وقلتَ الحق، فلعن الله من ساواك بمن ناواك، والله جل ذكره يقول: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوالألْبَابِ. ولعَنَ الله من عَدَلَ بك مَن فَرَضَ الله عليه ولايتَك.

وأنت وليُّ الله وأخو رسوله، والذابُّ عن دينه، والذي نطق القرآن بتفضيله، قال الله تعالى: وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً. وقال الله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ

٢٦٥

وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ.

أشهد أنك المخصوصُ بِمِدْحَةِ الله، المُخلص لطاعة الله، لم تَبْغِ بالهدى بَدَلاً، ولم تُشرك بعبادة ربِّك أحداً، وأن الله تعالى استجاب لنبيه (ص) فيك دعوتَه، ثم أمره باظهار ما أولاكَ لأمته، إعلاءً لشأنك، وإعلاناً لبرهانك، ودَحْضَاً للأباطيل، وقطعاً للمعاذير. فلما أشفقَ من فتنة الفاسقين، واتَّقى فيك المنافقين، أوحى الله رب العالمين: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .

فوضع عن نفسه أوزارَ المسير، ونهض في رمضاء الهجير، فخطبَ فأسمع، ونادى فأبلغ، ثم سألهم أجمع فقال: هل بلغتُ؟ فقالوا: اللهم بلى، فقال: اللهمَّ اشهد. ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: بلى، فأخذ بيدك وقال: من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصرْ من نصرَه، واخذل من خذله. فما آمنَ بما أنزل الله فيك على نبيه إلا قليل، ولا زادَ أكثرهم إلا تخسيراً.

ولقد أنزلَ الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ .

٢٦٦

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

اللهم إنا نعلم أن هذا هو الحقُّ من عندك، فالعن من عارضه واستكبر، وكذبَ به وكفر. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

السلام عليك يا أميرَ المؤمنين، وسيدَ الوصيين، وأولَ العابدين، وأزهدَ الزاهدين، ورحمةُ الله وبركاته، وصلواته وتحياته. أنتَ مطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه الله، لا تريد منهم جزاءً ولا شكوراً، وفيك أنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوكَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

وأنت الكاظمُ للغيظ، والعافي عن الناس والله يحب المحسنين. وأنت الصابرُ في البأساء والضراء وحين البأس، وأنت القاسمُ بالسوية، والعادلُ في الرعية، والعالمُ بحدود الله من جميع البرية.

والله تعالى أخبر عما أولاك من فضله بقوله: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ. أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

وأنت المخصوص بعلم التنزيل، وحكم التأويل، ونصرِ الرسول، ولك المواقف المشهورة، والمقامات المشهورة، والأيام المذكورة، يوم بدر، ويوم الأحزاب: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً. وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا

٢٦٧

فِرَاراً. وقال الله تعالى: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً. فقتلت عَمْرَهُم، وهزمت جمعهم: وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً.

ويوم أُحُد: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ. وأنت تذود بهم المشركين عن النبي ذات اليمين وذات الشمال، حتى صرفهم عنكم خائفين .

ويوم حنين، على ما نطق به التنزيل: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ. والمؤمنون أنتَ ومن يليك. وعمُّك العباس ينادي المنهزمين: يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة، حتى استجاب له قوم قد كفيتهم المؤونة، وتكفلت دونهم المعونة، فعادوا آيسين من المثوبة، راجين وعد الله تعالى بالتوبة، وذلك قوله جل ذكره: ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وأنت حائزٌ درجة الصبر، فائزٌ بعظيم الأجر.

ويوم خيبر، إذ أظهر الله خَوَرَ المنافقين، وقطع دابرَ الكافرين، والحمد لله رب العالمين: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْؤُولاً.

مولاي، أنت الحجةُ البالغة، والمحجةُ الواضحة، والنعمةُ السابغة، والبرهانُ المنير، فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل، وتباً لشانئك ذي الجهل. شهدتَ مع النبي جميع حروبه ومغازيه، تحمل الراية أمامه، وتضرب بالسيف قُدامه.

ثم لحزمك المشهور، وبصيرتك بما في الأمور، أمرك في المواطن، ولم يكُ عليك أمير.

٢٦٨

وكم من أمرٍ صدَّك عن إمضاء عزمك فيه التُّقى، واتبع غيرك في نيله الهوى، فظنَّ الجاهلون أنك عجزت عما إليه انتهى، ضلَّ والله الظان لذلك وما اهتدى.

ولقد أوضحتَ ما أشكل من ذلك لمن توهَّمَ وامْتَرى، بقولك صلى الله عليك: قد يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحيلة، ودونَها حاجزٌ من تقوى الله، فيدعُها رأيَ العين، وينتهزُ فرصتها من لا جريحة له في الدين! صدقتَ وخسر المبطلون.

وإذ ماكرك الناكثان فقالا: نريدُ العمرة، فقلت لهما: لعمري ما تريدان العُمْرَة لكن الغَدْرَة، وأخذت البيعة عليهما، وجددتَ الميثاق، فجدَّا في النفاق، فلما نبهتهما على فعلهما أغفلا وعادا، وما انتفعا، وكان عاقبة أمرهما خسرا.

ثم تلاهما أهل الشام، فسرت إليهم بعد الإعذار، وهم لا يدينون دين الحق ولا يتدبرون القرآن، همجٌ رعاعٌ ضالون، وبالذي أنزل على محمد فيك كافرون، ولأهل الخلاف عليك ناصرون. وقد أمر الله تعالى باتباعك وندب إلى نصرك، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

مولايَ بك ظهر الحق، وقد نبذه الخلق، وأوضحتَ السنن بعد الدروس والطمْس، ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل، ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل، وعدوك عدو الله، جاحدٌ لرسول الله، يدعو باطلاً، ويحكم جائراً، ويتأمر غاصباً، ويدعو حزبه إلى النار. وعمار يجاهد وينادي بين الصفين: الرواحَ الرواحَ إلى الجنة. ولما استسقى فسقيَ اللبن كبَّرَ وقال: قال لي رسول الله (ص): آخر شرابك من الدنيا ضياحٌ من لبن، وتقتلك الفئة الباغية، فاعترضه أبوالعادية الفزاري فقتله. فعلى أبي العادية لعنةُ الله ولعنةُ ملائكته ورسله أجمعين، وعلى من سلَّ سيفه عليك وسللتَ عليه سيفك يا أمير المؤمنين، من المشركين والمنافقين إلى يوم الدين، وعلى من رضي َبما ساءك ولم

٢٦٩

يكرهه، وأغمض عينه ولم ينكره، أو أعان عليك بيد أو لسان، أو قعد عن نصرك، أوخذَّلَ عن الجهاد معك، أوغَمَطَ فضلك، أوجَحَد حقك، أوعَدَلَ بك من جعلك الله أولى به من نفسه. وصلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته، وسلامه وتحياته، وعلى الأئمة من آلك الطاهرين، إنه حميد مجيد.

والأمر الأعجب والخطب الأفظع، بعد جَحْدِكَ حَقَّكَ، غَصْبُ الصديقة الزهراء سيدة النساء فدكاً، ورد شهادتك وشهادة السيدين سلالتك، وعترة أخيك المصطفى صلوات الله عليكم، وقد أعلى الله تعالى على الأمة درجتَكم، ورفعَ منزلتكم، وأبانَ فضلَكم، وشرَّفَكم على العالمين، فأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراً!

قال الله جل وعز: إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلا الْمُصَلِّينَ، فاستثنى الله تعالى نبيه المصطفى، وأنت يا سيد الأوصياء، من جميع الخلق فما أعْمَهَ من ظلمك عن الحق.

ثم أفرضوك سهم ذوي القربى مَكراً، وأحادوهُ عن أهله جَوْراً، فلما آل الأمر إليك أجريته على ما أجريا، رغبةً عنه بما عند الله لك، فأشبهتْ محنتك بهما محنَ الأنبياء (ع) عند الوحدة وعدم الأنصار.

وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح (ع) إذ أجبت كما أجاب، وأطعت كما أطاع إسماعيلُ، صابراً محتسباً، إذ قال له: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . وكذلك أنت لما أباتَك النبي صلى الله عليكما، وأمرك أن تضطجع في مرقده، واقياً له بنفسك، أسرعتَ إلى إجابته مطيعاً، ولنفسك على القتل موطناً، فشكر الله تعالى طاعتك، وأبان عن جميل فعلك بقوله جل ذكره: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) .

٢٧٠

ثم محنتُك يوم صفين، وقد رُفعت المصاحف حيلةً ومكراً، فأعرضَ الشكُّ وعَزَفَ الحق، واتُّبع الظن، أشبهتْ محنة هارون إذ أمره موسى على قومه فتفرقوا عنه، وهارون يناديهم: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى.

وكذلك أنت لما رُفِعَتِ المصاحف قلت: يا قوم إنما فتنتم بها وخدعتم، فعصوك وخالفوا عليك، واستدعوا نصب الحكمين، فأبيت عليهم، وتبرأت إلى الله من فعلهم وفوضته إليهم. فلما أسفر الحق وسَفِهَ المُنكر، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد، واختلفوا من بعده، وألزموك على سفه التحكيم الذي أبيته، وأحبوه وحظرته، وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه. وأنت على نهج بصيرةٍ وهدى، وهم على سنن ضلالةٍ وعمى، فما زالوا على النفاق مصرين، وفي الغيِّ مترددين، حتى أذاقهم الله وبال أمرهم، فأمات بسيفك من عاندك فشقيَ وهوى، وأحيا بحجتك من سعد فهدى.

صلوات الله عليك غاديةً ورائحةً، وعاكفةً وذاهبةً، فما يحيطُ المادحُ وصفَك، ولا يُحبطُ الطاعنُ فضلَك. أنت أحسنُ الخلق عبادةً، وأخلصهم زهادةً، وأذبُّهُم عن الدين. أقمت حدود الله بجهدك، وفللتَ عساكر المارقين بسيفك، تُخمد لهبَ الحروب ببنانك، وتهتكُ ستورُ الشُّبَه ببيانك، وتكشف لَبْسَ الباطل عن صريح الحق، لا تأخذك في الله لومة لائم. وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين، وتقريظ الواصفين، قال الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.

ولما رأيتَ أنك قد قاتلت الناكثين والقاسطين والمارقين، وصدَقك رسول الله (ص) وعدَه، فأوفيت بعهده، قلت: أما آن أن تخضب هذه من هذه، أم متى يبعث أشقاها،

٢٧١

واثقاً بأنك على بينة من ربك، وبصيرة من أمرك، قادماً على الله، مستبشراً ببيعك الذي بايعتَه به، وذلك هوالفوز العظيم.

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك، بجميع لعناتك، وأصْلِهِمْ حَرَّ نارك، والعن من غصبَ وليَّكَ حقه، وأنكرَ عهدَه، وجحدَه بعد اليقين والإقرار بالولاية له، يوم أكملت له الدين.

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين، ومن قتلَه، وأشياعَهم وأنصارَهم. اللهم العن ظالمي الحسين وقاتليه، والمتابعين عدوَّه وناصريه، والراضين بقتله وخاذليه، لعناً وبيلاً.

اللهم العن أول ظالم ظلم آل محمد، ومانعيهم حقوقهم. اللهم خص أول ظالم وغاصب لآل محمد باللعن، وكل مُسْتَنٍّ بما سنَّ إلى يوم الدين.

اللهم صل على محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين وآله الطاهرين، واجعلنا بهم متمسكين، وبموالاتهم من الفائزين الآمنين، الذين لا خوف عليهم ولايحزنون. إنك حميد مجيد ».

ملاحظات

1. نلاحظ صراحة العقيدة التي طرحها الإمام (ع) في أمير المؤمنين (ع)، وذلك في مواجهة الحملة التي كان المتوكل يشنها على أمير المؤمنين (ع) وأبنائه، وعمله لإبادتهم، وإقامته الحفلات في دار الخلافة للسخرية من أمير المؤمنين (ع)!

فكأن الإمام (ع) يقول للشيعة: واجهوا خطة المتوكل والنواصب ومحاولاتهم طمس فضائل أمير المؤمنين (ع) والطعن في شخصيته، بإعلان عقيدتكم فيه كاملة غير منقوصة، وبينوا جهاده ونصرته لرسول الله (ص) من بدء البعثة الى

٢٧٢

شهادته، ولوتضمن ذلك التعريض بمن ظلمه وخالفه، من الذين لم يسهموا في نصرة النبي (ع) بضربة سيف ولا رمية سهم، وكانوا يهربون في الحروب، فجعلوهم أنداداً لعلي (ع)!

وهكذا يقدم منشور الغدير مذهب أهل البيت (ع) كاملاً صريحاً ما عدا تسمية الأشخاص بأسمائهم. وبذلك يُعلم الإمام الهادي (ع) شيعته أن يَتَحَدَّوُا الخليفة ونظامه بالجهر بمذهبهم ومقام علي (ع) الذي جعله الله له في الإسلام.

2. انتشرت هذه الزيارة من يومها، فقد كان جمهور الشيعة ينتظرون إمامهم صلوات الله عليه في النجف، ليتعلموا منه، ويزوروا معه أمير المؤمنين (ع).

ويدل على ما ذكرناه أنه (ع) مرَّ لساعات قرب بغداد، فازدحم عليه شيعته، حتى أن والي بغداد أخَّر زيارته له الى الليل من ازدحام الناس. فلا بد أن يكون اجتماع النجف أكثر لأن شيعته (ع) في الكوفة أكثر عدداً منهم في بغداد، وأجرأ.

3. تضمنت زيارة الغدير أهم أسس عقيدة الولاية الواجبة على المسلمين لأمير المؤمنين وأئمة عترة النبي (ع). ونكتفي هنا ببيان فهرس علمي لما تضمنته.

فهرس علمي أولي لزيارة الغدير

1. افتتح الإمام الزيارة بالسلام على نبينا والأنبياء (ع)، ثم بدأ بالسلام على أمير المؤمنين (ع) لأنه وارثهم وفي سياقهم.

٢٧٣

2. وأول صفة وصفه بها: أمير المؤمنين ، وخاطبه بها في كل الزيارة ليثبت عقيدة أهل البيت (ع) بأنها لقب خاص به (ع)، أنزله الله وبلغه رسوله (ص) فأخذه الآخرون مع ما أخذوا مما خص الله به علياً (ع) من ألقاب وصفات.

3. لقب: سيد الوصيين: فعقيدتنا في أوصياء الأنبياء (ع) أن الوصي يتناسب مقامه مع من هو وصيه، ونبينا (ص) سيد الأنبياء، فوصيه سيد الأوصياء (ع).

4. وارث علم النبيين: لأن عقيدتنا أن النبي (ص) ورَّث علم الكتاب، وكل مواريث الأنبياء (ع)، الى علي والعترة (ع).

5. وولي رب العالمين، ومولاي ومولى المؤمنين: فقد استحق الولاية على الناس بأمر الله تعالى لعمق ولايته لله، قال عز وجل: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . « المائدة: 55 ».

6. يا أمين الله في أرضه: فهوأمين الله على الدين، وعلى علوم النبي (ص)، وعلى إدارة أمور المسلمين. وهي أمانة بأمر الله تعالى، على كل الرسالة وتطبيقها.

7. وسفيره في خلقه: فقد ختمت سفارة النبوة بين الله وخلقه بنبينا (ص)، لكن سفارة الإمامة والوصية لم تنته. فالأئمة هم سفراء الله تعالى الى خلقه.

8. وحجته البالغة على عباده: والحجة تقوم على العباد بالعلم والمعجزة، وقد كانا عند علي والأئمة (ع).

٢٧٤

9. السلام عليك يا دين الله القويم: فعلي هوالدين لأنه تجسيد للدين، واتِّباعه اتباعٌ للدين. فهومع القرآن والقرآن معه، كما نص رسول الله (ص).

10. وصراطه المستقيم: والصراط المستقيم مصطلح قرآني للوحي الذي نزل على رسول الله (ص)، وهَدْيِ الرسول وسيرته، وقد تجسد في هَدْي علي (ع) وسيرته.

11. السلام عليك أيها النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، وعنه يسألون: تفسير للآيات التي نزلت في أول البعثة عندما جمع النبي (ص) بني هاشم واختار منهم علياً بأمر ربه، وكان غلاماً، فقالت قريش: يريد النبوة والملك لبني هاشم، وقد جعل ابن عمه وصيه! وقد روى محمد بن سليمان في المناقب « 2 / 276 » من تفسير القطان عن وكيع، عن سفيان عن السدي، عن عبد خير، عن علي قال: « أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله (ص) فقال: يا محمد هذا الأمر بعدك، لنا أم لِمَنْ؟ قال: يا صخر الأمر بعدي لمن هوبمنزلة هارون من موسى! قال: فأنزل الله تعالى: ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ العَظِيمِ، الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) . منهم المصدق بولايته وخلافته، ومنهم المكذب بهما ».

12. آمنتَ بالله وهم مشركون، وصَدَّقْتَ بالحق وهم مكذبون: وهذه عقيدتنا في أن علياً وخديجة (ع) أول المؤمنين. وقد قال سعد بن أبي وقاص إن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين. أما عمر فأسلم قريب هجرة النبي (ص).

13. وجاهدتَ وهم مُحْجِمُون: وهذا معروف عنه في الحروب والمهمات الصعبة. وقد وصف علي (ع) من جعلوهم أنداداً له بقوله، كما في رواية سليم بن قيس / 247:

٢٧٥

« ألا إن العجب كل العجب من جُهال هذه الأمة وضُلالها، وقادتها وساقتها إلى النار، لأنهم قد سمعوا رسول الله (ص) يقول عوداً وبدءً: ما ولَّت أمة رجلاً قط أمرها وفيهم أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا! فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط، ما منهم رجل جمع القرآن، ولا يدعي أن له علماً بكتاب الله ولا سنة نبيه. وقد علموا يقيناً أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه، وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله وأقضاهم بحكم الله.

وإنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله (ص) ولا غَناء معه في جميع مشاهده، فلا رمى بسهم، ولا طعن برمح، ولا ضرب بسيف، جبناً ولؤماً، ورغبةً في البقاء. وقد علموا أن رسول الله (ص) قاتل بنفسه فقتل أبيَّ بن خلف، وقتل مسجع بن عوف، وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء، وأحقهم بذلك.

وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري، ولا نزلت برسول الله (ص) شديدة قط، ولا كَرَبَهُ أمرٌ ولا ضاق مستصعب من الأمر، إلا قال: أين أخي علي، أين سيفي، أين رمحي، أين المفرج غمي عن وجهي! فيقدمني فأتقدم فأفديه بنفسي، ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه. ولله عز وجل ولرسوله بذلك المَنُّ والطَّوْلُ، حيث خصني بذلك ووفقني له. لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين، وإن بعض من سميت ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن، ولا فتح ولا نصر، غير مرة واحدة،

٢٧٦

ثم فرَّ ومنح عدوه دُبُرَه، ورجع يُجَبِّن أصحابه ويجبنونه، وقد فرَّ مراراً! فإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم وتَغَيَّر « أظهر الغيرة » وأمر ونهى »!

14. وعبدتَ الله مخلصاً له الدين، صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين، ألا لعنة الله على الظالمين: إشارة الى الظلامة الكبرى التي أوقعوها بالأمة في حرمانها منه (ع) وظلامته هو، بسلب حقه.

15. السلام عليك يا سيد المسلمين، ويعسوبَ المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين: وهذه صفات وصفه بها النبي (ص)، وروتها مصادر الطرفين.

ففي أمالي الصدوق / 188: « معاشر الناس، إن علياً مني وأنا من علي، خُلق من طينتي، وهوإمام الخلق بعدي، يُبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهوأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، وخير الوصيين، وزوج سيدة نساء العالمين، وأبوالأئمة المهديين.

معاشر الناس: من أحب علياً أحببته، ومن أبغض علياً أبغضته، ومن وصل علياً وصلته، ومن قطع علياً قطعته، ومن جفا علياً جفوته، ومن والى علياً واليته، ومن عادى عليا عاديته.

معاشر الناس: أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً ».

وفي مجمع الزوائد « 9 / 102 »: « وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي بيد علي فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق

٢٧٧

الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين ».

16. أشهد أنك أخو الرسول: روى الجميع أن النبي (ص) اتخذه أخاً دون غيره ففي الدر المنثور: 3 / 205: « عن ابن عباس قال: كان رسول الله آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة، وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر وطلحة، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وقال لسائر أصحابه: تآخوا، وهذا أخي، يعني علي بن أبي طالب ».

17. ووصيه: وأحاديث الوصية متواترة صريحة، لكن فسرها المخالفون بأن النبي (ص) جعله وصيه على أهل بيته، مع أنها تنص على أنه وصيه على أمته!

18. ووارث علمه: وقد شهدوا بأنه أعلم الصحابة، فقال عمر بن الخطاب: « وأقضانا علي » « البخاري: 5 / 149 » والأعلم بالقضاء هوالأعلم مطلقاً.

وقال الله تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) . وأولهم وخيرهم علي (ع).

19. وأمينه على شرعه، وخليفته في أمته: ويكفي في النص على خلافة علي (ع) الحديث الصحيح في أول البعثة عندما أمر الله رسوله (ص) أن ينذر عشيرته الأقربين ويتخذ من يعاهده منهم على مؤازرته في دعوته، وزيراً وخليفة، فاستجاب له علي (ع) وأعلنه لهم وصياً وخليفة وأمرهم بطاعته!

٢٧٨

فقد رواه الطبري في تاريخه « 2 / 63 » وفيه أن النبي (ص) قال لهم: « يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم؟ قال فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع »! وأبوالفداء: 1 / 117، وغيره.

ورواه الطبري في تفسيره « 19 / 149 » لكن قال فيه: « إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا ». فحرفه لأنه يخاف نقل النص على خلافة علي (ع)!

أما محمد حسين هيكل فأورده كتابه حياة محمد في الطبعة الأولى / 104، ثم حذفه من الطبعة الثانية / 139!

وقال الشيخ مُغْنِيَّة في فلسفة التوحيد والولاية / 179: « وذلك لقاء خمس مائة جنيه، أولقاء شراء ألف نسخة من كتابه »! أي من سفارة الوهابية .

20. وأول من آمن بالله، وصدق بما أنزل على نبيه: بهذا شهد له رسول الله (ص) ووصفه بالصديق الأكبر والفاروق، لكنهم صادروا صفاته وأعطوها لغيره!

21. وأشهد أنه قد بلغ عن الله ما أنزله فيك، وصدع بأمره: وهذا معروف عند الجميع. قال المناوي في فيض القدير « 4 / 468 »: « قال الإمام أحمد: ما جاء في أحد

٢٧٩

من الفضائل ما جاء في علي! وقال النيسابوري: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان، ما ورد في حق علي ».

22. وأوجب على أمته فرض ولايتك: فعقد عليهم البيعة لك، وجعلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما جعله الله، ثم أشهد الله تعالى عليهم فقال: ألست قد بلغت؟ فقالوا: اللهم بلى، فقال: اللهم اشهد، وكفى بك شهيداً وحاكماً بين العباد:

هذه الفقرات من نصوص خطبة النبي (ص) في يوم الغدير، وقد روى أصلها أكثر من مئة صحابي، وروى مخالفونا منها ما فيه حجة بالغة كالحديث الصحيح الذي لامطعن لأحد في سنده، رواه في تاريخ دمشق: 42 / 233 وغيره، عن أبي هريرة قال: « من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهويوم غدير خم لما أخذ النبي « ص » بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم! فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ».

23. فلعن الله جاحدَ ولايتك بعد الإقرار، وناكثَ عهدك بعد الميثاق: هذا اللعن للجاحدين الذي عرفوا فتمت عليهم الحجة، ثم أنكروا، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا. أما غير الجاحدين، فبعضهم لايعرف القضية لكنه أطاع من خالف أمير المؤمنين (ع) فأولئك محشورون مع ساداتهم. وبعضهم لايعرف وأحسن الظن بالذين خالفوا، فهؤلاء مُرجون لأمر الله تعالى.

٢٨٠