الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام0%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف: الشيخ علي الكوراني
تصنيف:

الصفحات: 477
المشاهدات: 144514
تحميل: 5821

توضيحات:

الإمام علي الهادي عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144514 / تحميل: 5821
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

موقف الإمام الرضا (ع) من الذين ألَّهُوه

وكذلك موقف الإمام الرضا (ع): ففي معجم رجال الحديث « 18 / 135 »: « قال أبو الحسن الرضا (ع): آذاني محمد بن الفرات، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد (ع) بمثله، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد. قال محمد بن عيسى: فأخبراني وغيرهما: أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة، أخبث قتلة ».

وفي الإعتقادات للصدوق / 99: « كان الرضا (ع) يقول في دعائه: اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. اللهم من زعم أننا أربابٌ فنحن إليك منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن إليك منه براء، كبراءة عيسى من النصارى ».

موقف الإمام الهادي (ع) من الذين ألَّهُوه

ففي رجال الطوسي « 2 / 805 »: « قال نصر بن الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني. لعن هؤلاء الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري (ع). وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين: ابن بابا القمي. قال سعد: حدثني العبيدي قال: كتب إلي العسكري (ع) ابتداءً منه: أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما، فإني محذرك وجميع مواليَّ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله،

٣٠١

مستأكليْن يأكلان بنا الناس، فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً. يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب! عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل، فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة ».

ونلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الملعونين على لسان الأئمة (ع) كانوا شخصيات في عصرهم، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء! وقد زاد عددهم في زمن الإمام الهادي (ع) الى نحو عشرين شخصاً. وكان له منهم مواقف حاسمة!

وسوف نأتي على خبرهم في سيرة الإمام الحسن العسكري (ع).

سند الزيارة الجامعة وشروحها

1. بحث علماؤنا سند الزيارة الجامعة ووثاقة رواتها، وتوقف بعضهم في موسى بن عمران النخعي، ووثقه بعضهم لوروده في سند كتاب كامل الزيارة، الذي نص مؤلفه أنه لايروي إلا عن ثقات، ووثقه السيد الخوئي لأنه ورد في سند علي بن إبراهيم القمي في تفسيره. ووثقه آخرون لأنه راوي أحاديث عمه الحسين بن يزيد النوفلي، وشيخه إسماعيل بن أبي زياد السكوني، وقد عمل الأصحاب بروايات السكوني، فيكون عملهم توثيقاً له الخ.

والصحيح أنه يكفي في توثيق موسى بن عمران، رواية كامل الزيارة عنه، فكيف إذا ضم الى ذلك بقية الأدلة والمؤشرات.

٣٠٢

وقد تعجبت من تشكيك المحقق الميرزا النوري (رحمه الله) في رواية الصدوق « مستدرك الوسائل: 11 / 171 » واعتماده رواية الكفعمي المرسلة! وقد كفانا الرد عليه السيد الخوئي (قدس سره) « معجم رجال الحديث: 17 / 347 ».

بل لا يحتاج الأمر عندي الى بحث السند بعد أن بلغ المتن مستوى من العلو والتميز بحيث يجزم من له خبرة بالعربية والقرآن والسنة، بأنه صادر من معدن العلم النبوي، وأن الرواة لو اجتمعوا على أن يضعوا مثله لما استطاعوا!

ويكفي لتصديق ما ذكرنا أن تتأمل في فقراتٍ من هذه الزيارة الفريدة.

إنها نوعٌ من الكلام الشامخ، تعيا عن غوره الأذهان، وتعجز عن أبعاده العقول، وتكل عنه المشاعر، وتنوء بحمله الصدور.

وكذلك هي لغة أهل البيت ومقاماتهم صلوات الله عليهم، فالأولى بمن صَعُبَ عليه شئ من معانيها أن لا يتعجل بنفيه، فلعل المشكلة في فهمه لا في النص.

2. للزيارة الجامعة بعض الشروح، من أوسعها شرح الشيخ أحمد الأحسائي (رحمه الله) وهومكتوب بلغة خاصة ومَشرب خاص، قلَّ من يستوعبه ويجزم بمقصوده.

ومن أحدث الشروح كتاب آية الله السيد الميلاني دام ظله، وقد رأيت منه مجلداً وهوشرح جيد نافع، جزى الله مؤلفه خيراً.

وينبغي الإلفات الى أن الزيارة الجامعة في عمقها وجمالها من نوع تعبير الصحيفة السجادية، وأنها مع الشروح الموجودة لها تحتاج الى شروح أخرى، تركز على أبعادها البلاغية، والفكرية، والكلامية المقارنة، والإجتماعية السياسية.

٣٠٣

نص الزيارة الجامعة

قال الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) « 1 / 304 »: « حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن عبد الوراق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتَّب، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وأبوالحسين الأسدي قالوا: حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع): علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم، فقال: إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين، وأنت على غسل. فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل: الله أكبر ثلاثين مرة.

ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار، وقارب بين خطاك، ثم قف وكبر الله عز وجل ثلاثين مرة. ثم ادْنُ من القبر وكبر الله أربعين مرة، تمام مئة تكبيرة، ثم قل:

السلام عليكم يا أهلَ بيت النبوة، وموضعَ الرسالة، ومختلفَ الملائكة، ومهبطَ الوحي، ومعدنَ الرسالة، وخزانَ العلم، ومنتهى الحلم، وأصولَ الكرم، وقادةَ الأمم وأولياءَ النعم، وعناصرَ الأبرار، ودعائمَ الأخيار، وساسةَ العباد، وأركانَ البلاد، وأبوابَ الإيمان، وأمناءَ الرحمن، وسلالةَ النبيين، وصفوةَ المرسلين، وعترةَ خِيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى، وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الأنبيا، والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، وحجج الله على أهل الآخرة والأولى، ورحمة الله وبركاته.

٣٠٤

السلام على محالِّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله، ورحمة الله وبركاته.

السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاء على مرضات الله، والمستقرين في أمر الله ونهيه، والتامين في محبة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرمين، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ورحمة الله وبركاته.

السلام على الأئمة الدُّعاة، والقادة الهُداة، والسادة الوُلاة، والذادة الحُماة، أهلِ الذكر وأولي الأمر، وبقيةِ الله، وخيرته، وحزبه، وعيبة علمه، وحجته، وصراطه، ونوره، وبرهانه، ورحمة الله وبركاته.

أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كما شهد الله لنفسه، وشهدت له ملائكته وأولوالعلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولوكره المشركون.

وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، المهديون المعصومون، المكرمون المقربون، المتقون الصادقون، المصطفوْن المطيعون لله، القوَّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته، وأعزكم بهداه، وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاءَ في أرضه، وحججاً على بريته، وأنصاراً لدينه وحفظةً لسره، وخزنةً لعلمه ومستودعاً لحكمته، وتراجمةً لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلاء على صراطه. عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهركم من الدنس، وأذهب عنكم الرجس، وطهركم تطهيرا.

٣٠٥

فعظمتم جلاله، وكبَّرتم شانَه، ومجَّدتم كرمه، وأدَمْتُم ذكره، ووكَّدتم ميثاقه، وأحكمتم عقدَ طاعته، ونصحتم له في السر والعلانية، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حق جهاده، حتى أعلنتم دعوته، وبينتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلمتم له القضا، وصدقتم من رسله من مضى. فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق، والحق معكم وفيكم، ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه.

وميراث النبوة عندكم، وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفصل الخطاب عندكم، وآيات الله لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه عندكم، وأمره إليكم.

من والاكم فقد والى الله، ومن عاداكم فقد عادى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله.

أنتم السبيلُ الأعظم، والصراطُ الأقوم، وشهداءُ دار الفناء، وشفعاءُ دار البقاء، والرحمةُ الموصولة، والآيةُ المخزونة، والأمانةُ المحفوظة، والبابُ المبتلى به الناس، من أتاكم نجا، ومن لم يأتكم هلك، إلى الله تدعون، وعليه تدلون، وبه تؤمنون، وله تسلمون، وبأمره تعملون، وإلى سبيله ترشدون، وبقوله تحكمون.

سَعِدَ والله من والاكم، وهلك من عاداكم، وخاب من جحدكم، وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم، وأمِنَ من لجأ إليكم، وسَلِمَ من صدَّقكم، وهُدِيَ من اعتصم بكم. من اتبعكم فالجنة مأواه، ومن خالفكم فالنارُ مثواه، ومن جحدكم كافر، ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم.

٣٠٦

أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى، وجارٍ لكم فيما بقي، وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة، طابت وطهرت، بعضها من بعض. خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحْدِقِين، حتى منَّ علينا فجعلكم الله في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طِيباً لخَلقنا، وطهارةً لأنفسنا، وتزكيةً لنا، وكفارةً لذنوبنا، فكنا عنده مُسْلِمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إياكم.

فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، وأعلى منازل المقربين، وأرفع درجات أوصياء المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتى لا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل، ولا صديقٌ ولا شهيدٌ، ولا عالمٌ ولا جاهل، ولا دنيٌّ ولا فاضل، ولا مؤمنٌ صالح، ولا فاجرٌ طالح، ولا جبارٌ عنيد، ولا شيطانٌ مريد، ولا خلقٌ فيما بين ذلك شهيد، إلا عَرَّفَهُمْ جلالة أمركم، وعِظَمَ خَطَرِكُم، وكِبَر شأنكم، وتمام نوركم، وصِدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده، وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه، وقرب منزلتكم منه.

بأبي أنتم وأمي، وأهلي ومالي وأسرتي، أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به. كافرٌ بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة من خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغضٌ لأعدائكم ومعاد لهم، وسلمٌ لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، محقق لما حققتم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارفٌ بحقكم، مقرٌّ بفضلكم، محتملٌ لعلمكم، محتجبٌ بذمتكم، معترفٌ بكم، مؤمنٌ بإيابكم، مصدقٌ برجعتكم، منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم، آخذٌ بقولكم، عاملٌ بأمركم، مستجيرٌ بكم، زائرٌ لكم عائذٌ بكم، لائذٌ بقبوركم، مستشفعٌ إلى الله عز وجل بكم، ومتقربٌ بكم إليه، ومقدمُكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي، في كل أحوالي وأموري، مؤمنٌ بسركم

٣٠٧

وعلانيتكم، وشاهدكم وغائبكم، وأولكم وآخركم، ومفوضٌ في ذلك كله إليكم، ومسلِّمٌ فيه معكم، وقلبي لكم مؤمن، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدة، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردكم في أيامه، ويظهركم لعدله، ويمكنكم في أرضه.

فمعكم معكم لا مع عدوكم، آمنت بكم، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم، وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم، ومن الجبت والطاغوت، والشياطين وحزبهم الظالمين لكم، والجاحدين لحقكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم، الشاكين فيكم، المنحرفين عنكم، ومن كل وليجة دونكم، وكل مُطاعٍ سواكم، ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار.

فثبتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم، ووفقني لطاعتكم، ورزقني شفاعتكم، وجعلني من خيار مواليكم، التابعين لما دعوتم إليه، وجعلني ممن يقتص آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويَكِرُّ في رجعتكم، ويُمَلَّكُ في دولتكم، ويُشَرَّفُ في عافيتكم، ويُمَكَّنُ في أيامكم، وتقر عينه غداً برؤيتكم.

بأبي أنتم وأمي، ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه إليكم، مواليَّ، لا أحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح كنهكم، ومن الوصف قدركم، وأنتم نور الأخيار، وهداة الأبرار، وحجج الجبار.

بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه، وبكم يُنَفِّسُ الهمَّ، وبكم يكشف الضرَّ، وعندكم ما تنزل به رسله، وهبطت به ملائكته، وإلى جدكم بعث الروح الأمين. آتاكم الله ما يؤت أحداً من العالمين، طأطأ كل شريف لشرفكم، وَبَخَعَ كل متكبر لطاعتكم، وخضع كل جبار

٣٠٨

لفضلكم، وذلَّ كل شئ لكم، وأشرقت الأرض بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم، بكم يسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن.

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، ذِكْرُكُم في الذاكرين، وأسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور. فما أحلى أسماءكم، وأكرم أنفسكم، وأعظم شأنكم، وأجل خطركم، وأوفى عهدكم. كلامكم نورٌ، وأمركم رشدٌ، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الإحسان، وسجيتكم الكرم، وشأنكم الحق والصدق والرفق، وقولكم حُكم وحَتم، ورأيكم علم وحلم وحزم، إن ذكر الخير كنتم أوله، وأصله، وفرعه، ومعدنه، ومأواه، ومنتهاه.

بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، كيف أصف حسن ثنائكم، وكيف أحصي جميل بلائكم، وبكم أخرجنا الله من الذل، وفرج عنا غمرات الكروب، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار.

بأبي أنتم وأمي ونفسي، بموالاتكم علمنا الله معالمَ ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا، وبموالاتكم تمت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود عند الله تعالى، والمكان المعلوم، والجاه العظيم، والشأن الرفيع، والشفاعة المقبولة.

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

٣٠٩

ياوليَّ الله، إن بينى وبين الله ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحقِّ من ائتمنكم على سره، واسترعاكم أمرَ خلقه، وقَرَنَ طاعتكم بطاعته، لمَّا استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي، إني لكم مطيع، من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم عصى الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاءَ أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم، وبحقهم، وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين ».

فهرس أولي للزيارة الجامعة

تتكون الزيارة الجامعة من الفصول التالية:

الفصل الأول: مراسم الزيارة ومقدماتها:

وهي الإغتسال للزيارة، والتشهد عند الوصول الى الباب، والتكبيرمئة مرة أثناء الدخول الى مشهد المعصوم (ع).

الفصل الثاني: التسليمات الخمس على الأئمة (ع):

السلام الأول: فيه تسع عشرة صفة للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة » الى قوله: « وعترة خيرة رب العالمين ».

السلام الثاني: فيه عشر صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى » الى قوله: « وحجج الله على أهل الآخرة والأولى ».

٣١٠

السلام الثالث: فيه سبع صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على محال معرفة الله » الى قوله: « وذرية رسول الله ».

السلام الرابع: فيه سبع صفات للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على الدعاة إلى الله » الى قوله: « وهم بأمره يعملون ».

السلام الخامس: فيه أربع عشرة صفة للأئمة (ع)، تبدأ بقوله: « السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة » الى قوله: « وصراطه ونوره وبرهانه ».

الفصل الثالث: التشهد والشهادة للأئمة (ع):

وهوتشهد لله تعالى بالوحدانية، ولرسوله (ص) بالرسالة، وشهادةٌ بإمامة الأئمة (ع) ومقاماتهم وسيرتهم، وقد تضمن أكثر من مئة صفة لهم (ع).

وتتكون الشهادة لهم من خمس فقرات:

الفقرة الأولى، الشهادة بما أعطاهم الله من نعم:

من قوله: « وأشهد أنكم الأئمة الراشدون » الى قوله: « وطهركم تطهيرا ».

الفقرة الثانية، أنهم قابلوا نعم الله بالطاعة والعبودية:

من قوله: « فعظمتم جلاله وكبَّرْتم شَانَهُ » الى: « وصدقتم من رسله من مضى ».

الفقرة الثالثة، أنهم (ع) ميزان الهدى والضلال والنجاة والهلاك:

من قوله: « فالراغب عنكم مارق » الى قوله: « ومن رد عليكم فهوفي أسفل درك ».

الفقرة الرابعة، في وحدة نور النبي والأئمة (ع) في عالم الخلق والحجة:

٣١١

من قوله: « أشهد أن هذا سابقٌ لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي ». الى قوله: « فكنا عنده مسلمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إياكم ».

الفقرة الخامسة، الدعاء للأئمة (ع) أن يبلغ الله فيهم هدفه:

من قوله: « فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين » الى قوله: « وخاصتكم لديه ».

الفقرة السادسة، الشهادة لله بولايتهم (ع) والبراءة من أعدائهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي » الى قوله: « ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار ».

الفصل الرابع: في أنهم (ع) الطريق الى الله تعالى دون غيرهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم » الى قوله: « وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن ».

الفصل الخامس: أن الله منَّ على البشر فجعل فيهم النبي وآله (ص):

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله: « إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ».

الفصل السادس: بيان نعمة النبي والأئمة (ع) على شيعتهم ومحبيهم:

من قوله: « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله: « سبحان ربنا ».

الفصل السابع: الإستشفاع والتوسل الى الله تعالى بالنبي والأئمة (ع):

من قوله: « ياولي الله إن بينى وبين الله ذنوباً » الى قوله: « وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم ».

٣١٢

الفصل الثاني عشر:

شخصيات عاصرت الإمام الهادي (ع)

قضاة القضاة

قاضي القضاة يحيى بن أكثم:

كتبنا له ترجمة مختصرة في سيرة الإمام الجواد (ع)، وقلنا إنه شاب خراساني مولى لبني تميم، أُعجب به المأمون واختاره من خاصته، ثم أرسله قاضياً على البصرة وشكا منه أهل البصرة لافتضاحه باللواط، فلم يقبل منهم المأمون، ثم زادت شكواهم بأنه أفسد أولادهم، فأخذه المأمون الى البلاط في بغداد.

قال المسعودي في مروج الذهب « 3 / 434 »: « فرُفع إلى المأمون أنه أفسد أولادهم بكثرة لواطه، فقال المأمون: لوطعنوا عليه في أحكامه قُبِل ذلك منهم! قالوا: يا أمير المؤمنين قد ظهرت منه الفواحش وارتكاب الكبائر، واستفاض ذلك عنه، وهوالقائل يا أمير المؤمنين، في صفة الغلمان وطبقاتهم ومراتبهم وفي أوصافهم وبلغ من إذاعته ومجاهرته باللواط، أن المأمون أمره أن يفرض لنفسه فرضاً يركبون بركوبه ويتصرفون في أموره، ففرض أربع مائة غلام مُرْداً، اختارهم حسان الوجوه فافتضح بهم، وقال في ذلك راشد بن إسحاق، يذكر ما كان من أمر يحيى ».

٣١٣

قال في وفيات الأعيان « 1 / 85 »: « قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان من قِبَل المأمون في آخر سنة 202، وهوحَدَث سِنُّهُ نيف وعشرون.

فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى: إختر لي من أصحابك جماعة يجالسونني ويكثرون الدخول إلي، فاختار منهم عشرين، فيهم ابن أبي دؤاد ».

وفي تاريخ بغداد « 14 / 201 »: « وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعاً، وكان المأمون ممن برع في العلوم، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هوعليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه، حتى قلده قضاء القضاء، وتدبير أهل مملكته، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئاً، إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم، ولا نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه، إلا يحيى بن أكثم، وابن أبي دؤاد ».

وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 465 »: « وشى يحيى بن أكثم بالمعتصم إلى المأمون، وقال له: إنه بلغني أنه يحاول الخلع، فوجه إليه يأمره بالقدوم ».

ولم تنفع احتياطات المأمون، فغلب بعده أخوه المعتصم على ابنه الضعيف العباس وأخذ منه الخلافة، وكان أول ما فعله المعتصم أن عزل يحيى بن أكثم، ونصب بدله صديقه ابن أبي دؤاد، ونقل الخلافة من أولاد المأمون الى أولاده، فتولاها ابنه الواثق، ثم أخوه المتوكل!

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « 1 / 85 »: « ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم ».

٣١٤

وكان المأمون طلب من يحيى بن أكثم أن يختار له ندماء خاصين، فاختار له مجموعة منهم ابن أبي دؤاد، الذي فاق ابن أكثم وتسلط على المأمون، ثم دبَّر الخلافة للمعتصم وقتل ابن المأمون، ثم دبرها للواثق، وبعده للمتوكل.

وحكم ابن أبي دؤاد نحوعشرين سنة، في خلافة المعتصم والواثق وقسم من خلافة المتوكل، ثم غضب عليه المتوكل فعزله وأعاد خصمه ابن أكثم، وأيد ذلك أحمد بن حنبل، لأن ابن أكثم كان يتقرب اليهم بالقول بعدم خلق القرآن.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد « 14 / 201 »: « سمعت يحيى بن أكثم يقول: القرآن كلام الله، فمن قال مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه »!

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 14 »: « وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين رضي المتوكل عن أبي محمد يحيى بن أكثم، فأُشخص الى سر من رأى وولي قضاء القضاة، وسخط على أحمد بن أبي دُواد وولده أبي الوليد محمد بن أحمد، وكان على القضاء، وأخذ من أبي الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وجوهراً بأربعين ألف دينار، وأحضر إلى بغداد ».

وفي تاريخ بغداد « 1 / 314 »: « عزل المتوكل أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد ووليها يحيى بن أكثم لسبع بقين من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين ».

لكن لم يطل رضا المتوكل على ابن أكثم، ففي الكامل لابن الأثير « 7 / 75 »: « في هذه السنة « 240 » عَزل يحيى بن أكثم عن القضاء، وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، وأربعة آلاف جريب بالبصرة »!

٣١٥

ومات ابن أكثم سنة 242، عن عمر امتد ثلاثاً وثمانين سنة، وامتلأ بالفتاوى المخالفة للشرع، وبأحكامٍ بالقتل والحبس ومصادرة الأموال، شملت ألوف المسلمين. وكانت أكبر جرائمه أن الحجة تمت عليه بإمامة الرضا والجواد والهادي (ع)، فكتمها وأمر بكتمانها، ثم شارك في قتلهم!

قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد:

وقد كتبنا له ترجمة مختصرة أيضاً في سيرة الإمام الجواد (ع)، وقلنا إنه حكم الأمة الإسلامية بلا منازع نحوعشرين سنة، حتى غضب عليه المتوكل. ولم يكن سلوكه أفضل من سلوك ابن أكثم، بل كان أشد نُصباً وعداوةً لأهل البيت (ع).

روى في تاريخ بغداد « 1 / 314 » عن محمد بن يحيى الصولي قال: « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد ويستحي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق، وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس. فلما فُلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أول ما ولي المتوكل الخلافة، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ووكل بضياعه وضياع أبيه. ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم، وحَدَّرَهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثم.

ومات أبوالوليد محمد بن أحمد ببغداد في ذي القعدة سنة أربعين ومائتين، ومات أبوه أحمد بعده بعشرين يوماً ».

٣١٦

أقول: سبحان مغير الأحوال، فقد كان ابن أبي دؤاد مطيعاً لسيده ابن أكثم، فاختاره نديماً للمأمون فصارت له عنده مكانة، وأراد إزاحة ابن أكثم فلم يستطع.

ثم وضع خطة للمعتصم فسرق الخلافة من ابن أخيه المأمون، فصار المعتصم خليفة وصار ابن أبي دؤاد مدبر المملكة، وحاكمها المطلق!

لقد عمل هذان القاضيان بقواعد سياسة القصور ومكائدها، بالخبث، والتجسس والتآمر، والتزلف، والتزييف، والكذب، والنفاق، والخديعة، والتلاعب بأحكام الله تعالى، ومفاهيم الدين، وقتل الخصم بالسم، وبأي طريقة ممكنة! كل ذلك من أجل البقاء في منصب، أوالحصول عليه، أوشفاء غيض، أو إثبات الذات، وإرضاء غرورها وكبريائها. أعاذنا الله وعباده المؤمنين.

قاضي القضاة ابن أبي الشوارب:

كان محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب كبير أسرة أبي الشوارب، وهو أموي من ذرية أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس.

كان محدثاً معروفاً في البصرة، وفيه ميلٌ الى التشيع، وقد أحضره المتوكل الى سامراء، فاتفق مع زميله إبراهيم التيمي أن لا يقبلا القضاء، فنكث التيمي!

قال في تاريخ بغداد « 6 / 148 »: « أشخص إبراهيم بن محمد التيمي ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، فلما حضرا دار المتوكل أمر بإدخال ابن أبي الشوارب، فلما دخل عليه قال: إني أريدك للقضاء. فقال: يا أمير المؤمنين لا أصلح له. فقال: تأبون يا بنى أمية إلا كبراً! فقال: والله يا أمير المؤمنين ما بي كبر، ولكني لا

٣١٧

أصلح للحكم. فأمر بإخراجه! وكان هو وإبراهيم التيمي قد تعاقدا أن لا يتولى واحد منهما القضاء، فدعا بإبراهيم فقال له المتوكل: إني أريدك للقضاء، فقال: على شريطة يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قال: أن تدعولي دعوة فإن دعوة الإمام العادل مستجابة! فولاه ».

أقول: لقد وفى ابن عبد الملك بعهده، لكن إبراهيم التيمي نكث، ثم تزلف الى المتوكل وطلب منه أن يدعوله، لأن دعاء الإمام العادل مستجاب!

ثم نجح المتوكل في إقناع الحسن بن أبي الشوارب، ونصبه قاضي القضاة.

قال في تاريخ بغداد « 7 / 422 »: « الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، القرشي ثم الأموي: وليَ القضاء بسر من رأى في أيام جعفر المتوكل وبعده ».

وقال الذهبي في سيره « 11 / 104 »: « لما ولي ولده الحسن بن أبي الشوارب القضاء تخوف عليه، وقال: يا حسن: أعيذ وجهك الحسن من النار ».

وقال في تاريخ بغداد « 5 / 251 »: « قال أبوالعلاء: فيرى الناس أن بَركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده، فوليَ منهم أربعة وعشرون قاضياً، منهم ثمانية تقلدوا قضاء القضاة، آخرهم أبوالحسن أحمد بن محمد بن عبد الله، وما رأينا مثله جلالة ونزاهة وصيانة ».

أقول: كيف يكون منصب القضاء مذموماً وتركه فضيلة، ثم يكون نعمةً على أولاده ببركة تركه له! فالأصح أن يقال إنه ترك القضاء، وتورط فيه أولاده. وقد رووا عنه

٣١٨

أنه كان يمدح المتوكل بأنه رد الدين وأحياه. « الأنساب: 3 / 465 » لكن امتناعه عن القضاء، يدل على الجو العام الذي يرى منصب القضاء منصب ظلم!

وسبب وصفه بالتشيع: أن جده عتاب بن أسيد الأموي محسوب على بني هاشم لأنه كان والي مكة من قبل النبي (ص) فكرهته قريش عندما بايعت أبا بكر، وحسبته على بني هاشم، ثم مات مسموماً.

ولعل السبب الأهم: ما رواه عنه الموفق الخوارزمي في المناقب / 316 في فضل علي (ع): « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ قال: سئل سلمان الفارسي عن علي بن أبي طالب وفاطمة، فقال سمعت رسول الله (ص) يقول: عليكم بعلي بن أبي طالب، فإنه مولاكم فأحبوه، وكبيركم فاتبعوه، وعالمكم فأكرموه، وقائدكم إلى الجنة فعززوه، وإذا دعاكم فأجيبوه، وإذا أمركم فأطيعوه أحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي، ما قلت لكم في علي إلا ما أمرني به ربي جلت عظمته ».

وما رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار / 118: « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب القرشي، عن ابن سليمان، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كنت عند علي بن أبي طالب في الشهر الذي أصيب فيه وهوشهر رمضان فدعا ابنه الحسن ثم قال: يا أبا محمد أعل المنبر فاحمد الله كثيراً وأثن عليه واذكر جدك رسول الله (ص) بأحسن الذكر، وقل: لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله ولداً عق أبويه، لعن الله عبداً أبق من مواليه، لعن الله غنماً ضلت عن الراعي. وانزل! فلما فرغ من خطبته ونزل، اجتمع الناس إليه

٣١٩

فقالوا: يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول الله نبئنا الجواب. فقال: الجواب على أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين: إني كنت مع النبي (ص) في صلاة صلاها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى، فاجتذبها فضمها إلى صدره ضماً شديداً، ثم قال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة، فلعن الله من عقنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت مَوْلَيَا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا، قل: آمين، قلت: آمين.

ثم قال: أنا وأنت رَاعِيَا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا، قل: آمين.

قال أمير المؤمنين: وسمعت قائليْن يقولان معي: آمين، فقلت: يا رسول الله ومن القائلان معي: آمين؟ قال: جبرئيل وميكائيل (ع) ».

أقول: يبدو أن محمد بن عبد الملك تأثر بابن عمه الأموي خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وكان من كبار شيعة أمير المؤمنين (ع)، وقد وقف أيام السقيفة هو وأحد عشر مهاجراً وأنصارياً، وواجهوا أبا بكر وعمر بشدة وخطبوا. وكان خالد من أبطال الإسلام، وقد ترجمنا له في: قراءة جديدة في الفتوحات.

أما أولاد محمد بن عبد الملك، فلم يكونوا مثل أبيهم، وسيأتي ذكر بعضهم في سيرة الإمام الهادي، والإمام الحسن العسكري (ع).

٣٢٠