الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154536 / تحميل: 6633
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عن محبته، وأريد أن آمرك بشئ فعرفني كيف قلبك فيه، فقال: أنت تعلم كيف أفعل، فقل لي ما شئت حتى أفعله ثم إنه أمسك عنه مدة مديدة ودعا به، فقال: يا باغر، قد حضرت حاجة أكبر من الحاجة التي قدمتها فكيف قلبك؟ قال: قلبي على ما تحبُّ فقل ما شئت حتى أفعله، فقال: هذا المنتصر ـ قد صح عندي أنه على إيقاع التدبير عليَّ وعلى غيري حتى يقتلنا، وأريد أن أقتله فكيف ترى نفسك في ذلك؟

ففكر باغر في ذلك ونكس رأسه طويلًا وقال: هذا لا يجئ منه شئ، قال: وكيف؟ قال: يقتل الابن والأبُ باقٍ؟ إذاً لا يستوي لكم شئ، ويقتلكم أبوه كلكم به، قال: فما ترى عندك؟ قال: نبدأ بالأب أولاً فنقتله، ثم يكون أمر الصبي أيسر من ذلك، فقال له: ويحك وتفعل هذا ويتهيأ؟ قال: نعم أفعله، وأدخل عليه حتى أقتله، فجعل يردد عليه، فيقول: لا تفعل غير هذا، ثم قال له: فادخل أنت في أثري فإنْ قتلته وإلا فاقتلني وضَعْ سيفك عليَّ، وقل: أراد أن يقتل مولاه، فعلم بغا حينئذ أنه قاتله، وتوجه له في التدبير في قتل المتوكل ».

وقد روى الطبري « ٧ / ٤٣٤ » تفاصيل كثيرة، في مكافأة باغر على قتله المتوكل، وفي صراع الأتراك فيما بينهم، وصراعهم مع الخلافة.

٣٤١

القائد وصيف التركي:

١. قال الصفدي في الوافي « ٢٧ / ٢٥٩ »: « الأمير التركي وصيف، غلام الإمام المتوكل، كان من كبار الأمراء القواد، استولى على المعتز، واحتجرَ واصطفى لنفسه الأموال والذخائر، فشغبت عليه الفراغنة والأشروسنية، وطالبوه بالأرزاق، فقال مالكم عندنا إلا التراب! فوثبوا عليه وقتلوه بالدبابيس، وقطعوا رأسه ونصبوه على رمح في سنة ثلاث وخمسين ومائتين.

وكان وصيف هو وبغا الشرابي، قد حجرا على المستعين، حتى قال الشاعر:

خليفةٌ في قفصٍ

بينَ وصيفٍ وبَغَا

يقول ما قالا له

كما تقول البَبَّغَا

وكان في الأصل مملوكاً لشيخ من أهل قم، اشتراه لما سُبِيَ من الديلم، وأحسن تربيته، وأسلمه مع ابنه في المكتب، وكان إذا وقع في يده شئ تركه عند بقال في المحلة. ثم إنه بعد بلوغه تعلق بالعمل بالسلاح، ثم توجه مع بعض الجند إلى خراسان بعدما أخذ ماله من عند البقال، ثم تقلبت به الأحوال إلى أن اتصل بالمتوكل. ولما تولى وصيف على قم طلب الشيخ أستاذه واعترف له بالرق، فأنكر ذلك، فقال له: أنا مملوكك فلان، ودفع إليه ثلاث بدر وقماشاً ودواب وطيباً بمثل ذلك، وأمر لابن الشيخ بعشرة آلاف درهم، وبعث إلى زوجة الشيخ وبناته مالاً كثيراً، ودفع إلى البقال خمس مائة دينار، وقال: يا أهل قم، ما على وجه الأرض أحدٌ أوجب حقاً عليَّ منكم، إلا أني أخالفكم في التشيع ».

٢. كان وصيف قائداً كبيراً عند الواثق، ولما مات عمل لتولية المتوكل: « لما توفي حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد

٣٤٢

بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق وهوغلام أمرد، فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية فإذا هوقصير فقال لهم وصيف: أما تتقون الله تُولون مثل هذا الخلافة، وهولا يجوز معه الصلاة ».

فاستقر رأيهم على تولية جعفر وجاؤوا به من السجن. « الطبري: ٧ / ٣٤١ ».

ولهذا صار وصيف مقرباً عند المتوكل، وقد ورد أنه عندما جاء أحمد بن حنبل الى بغداد لقيه في الطريق فلم يسلم عليه مباشرةً، وأرسل له شخصاً يسلم عليه نيابةً عنه ويقول له: حرض المتوكل على خصمك ابن أبي دؤاد ليعزله!

قال الذهبي في تاريخه « ١٨ / ٨٧ »: « قال حنبل في حديثه فأخبرني أبي قال: لما دخلنا إلى العساكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف.

وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يَقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به. فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً. وجعلت أنا أدعولأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف ».

وهذا يدل على غطرسة وصيف، وعلى أن نظرتهم لأحمد بن حنبل كانت عادية!

٣. وعندما أراد المتوكل أن يغدر بإيتاخ، أرسله الى الحج: « فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ». « الطبري: ٧ / ٣٥٠ ».

٣٤٣

٤. ثم غدر المتوكل بوصيف، فقلص صلاحياته وكتب فرامين بمصادرة أمواله في البلاد.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء « ١٢ / ٣٨ »: « وانحرفت الأتراك على المتوكل لمصادرته وصيفاً وبغا، حتى اغتالوه ».

وقال ابن تغري في مورد اللطافة « ١ / ١٥٧ »: « وكان المتوكل بايع ولده المنتصر محمداً. ثم إنه أراد أن يعزله ويولي ولده المعتز لمحبته لأمه قبيحة، فسأل المتوكل ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لأخيه المعتز فأبى، فغضب المتوكل عليه، وصار يحضره المجالس العامة ويحط منزلته، ويتهدده ويشتمه ويتوعده.

ثم اتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لكونه صادر وصيف التركي وبغا، فاتفق الأتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل ».

٥. قال الذهبي في سيره « ١٢ / ٣٩ »: « وسكر المتوكل سكراً شديداً، ومضى من الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم، فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان والجلساء والندماء، وبقي الفتح، فما رأيت أحداً أقوى نفساً منه بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته وبعج آخر الفتح بسيفه، فأخرجه من ظهره، وهوصابر لايزول، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا، فَلُفَّا في بساط ثم دفنا معاً.

وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك، لا سيما من يُبعده أبوه ».

٣٤٤

وفي سمط النجوم « ٣ / ٤٦٦ »: « حملهم الطغيان على الفتك بالخليفة المتوكل، لما أراد أن يصادر مملوك أبيه وصيفاً التركي لكثرة أمواله وخزائنه، فتعصب له باغر التركي، وانحرف الأتراك عن المتوكل فدخل باغر ومعه عشرة أتراك، وهو في مجلس أنسه، بعد مضي هزيع من الليل، فصاح الفتح: ويلكم هذا سيدكم وابن سيدكم! وهرب من كان حوله من الغلمان والندمان على وجوههم، فبقي الفتح وحده والمتوكل غائب سكران، فضربه باغر بالسيف على عاتقه فقدَّه إلى حقوه، فطرح الفتح نفسه عليه، فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً، فلفهما معاً في بساط ومضى هو ومن معه، ولم ينتطح في ذلك عنزان ».

٦. وأرسل المنتصر وصيفاً الى غزو الروم، وكتب له أن يبقى هناك أربع سنين، ففي تاريخ الطبري « ٧ / ٤٠٨ »: « كتب معه المنتصر كتاباً إلى وصيف يأمره بالمقام ببلاد الثغر، إذا هوانصرف من غزاته أربع سنين، يغزو في أوقات الغزو منها ».

وهذا يدل على أن المنتصر أخذ يعمل للتخلص من وصيف، فلما قتل المنتصر عاد وصيف وبغا، وصار مقربين عند المستعين الذي صار خليفةً بعد المنتصر.

وفي التنبيه والإشراف / ٣١٥: « وبويع المستعين أحمد بن محمد المعتصم في اليوم الذي توفي فيه المنتصر، وغلب على التدبير والأمر والنهي أوتامش بن أخت بغا الكبير ولم يزل مقيماً بسر من رأى إلى أن قَتَلَ وصيفٌ وبُغَا باغرَ التركي أحد المتقدمين في قتل المتوكل، فشغب الموالي وتحزبوا، فانحدر ومعه وصيف وبغا إلى مدينة السلام، لثلاث خلون من المحرم سنة ٢٥١. وبايع الأتراك بسر من رأى أبا عبد الله المعتز لحرب من بمدينة السلام، فكانت الحروب بينهم سنة إلا أياماً يسيرة، والقيم بأمر المستعين محمد

٣٤٥

بن عبد الله بن طاهر، إلى أن خلع المستعين نفسه، وسَلَّم َالخلافة إلى المعتز لليلتين خلتا من المحرم سنة ٢٥٢ وصار إليه وصيف وبغا فردهما إلى مراتبهم، ولم يزل يعمل في الحيلة عليهما إلى أن شغب الموالي فقتلوا وصيفاً الجمعة سلخ شوال سنة ٢٥٣ ».

القائد صالح بن وصيف:

برز صالح بن وصيف بعد قتل أبيه، وكانت له أدوار في قيادة الترك لا تقل عن أبيه، فكان الأمر الناهي في خلافة المستعين، وهوالذي اتفق مع بُغا على قتل باغر قاتل المتوكل، فثار عليهما الجند الأتراك، فهربا مع أبيه وصيف والخليفة المستعين الى بغداد، فبايع الأتراك المعتز، ووقعت الحرب بينه وبينه والمستعين، ثم اتفقوا على خلع المستعين وتثبيت المعتز في الخلافة.

ورجع صالح بن وصيف الى سامراء وبايع المعتز، ثم جاء بالمهتدي من بغداد الى سامراء ونصبه خليفة، وأجبر المعتز على خلع نفسه، ثم قتله، وصار الآمر الناهي في دولة المهتدي، حتى جاء القائد التركي موسى بن بُغا بجيشه من الري فقتل صالح بن وصيف، ثأراً للمعتز، وقتل المهتدي أيضاً!

في تاريخ الخلفاء / ٢٦٤، ملخصاً: « وقدم موسى بن بُغا من الري يريد سامرا، لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه، فصاحت العامة على ابن وصيف: يا فرعون قد جاءك موسى! فطلب موسى من بغا الإذن على المهتدي فلم يأذن له، فهجم بمن معه عليه وهوجالس في دار العدل فأقاموه وحملوه على فرس ضعيفة وانتهبوا القصر، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو يقول: يا موسى إتق الله، ويحك ما تريد! قال: والله ما نريد إلا خيراً، فاحلف

٣٤٦

لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف، فحلف لهم، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالحاً ليناظروه على أفعاله فاختفى، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري مكانه، فجرى في ذلك كلام، ثم تكلموا في خلعه. فخرج إليهم المهتدي من الغد متلقداً بسيفه، فقال: قد بلغني شأنكم، لست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفي! والله لأضربن ما استمسكت قائمته بيدي، أما دينٌ، أما حياءٌ، أما رعةٌ؟ لم يكن الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله؟

ثم قال: ما أعلم عِلْمَ صالح، فرضوا وانفضوا. ونادى موسى بن بغا: من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار، فلم يظفر به أحد، واتفق أن بعض الغلمان دخل زقاقاً وقت الحر، فرأى باباً مفتوحاً فدخل فمشى في دهليز مظلم، فرأى صالحاً نائماً، فعرفه وليس عنده أحد، فجاء إلى موسى فأخبره، فبعث جماعة فأخذوه وقُطعت رأسه، وطِيفَ به فكتب المهتدي إلى بكيال أن يقتل موسى ومفلحاً أحد أمراء الأتراك أيضاً، أو يمسكهما، ويكون هوالأمير على الأتراك كلهم! فأوقف بكيال موسى على كتابه وقال: إني لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي وساروا إليه، فقاتل عن المهتدي المغاربة والفراغنة والأشروسنية، وقُتل من الأتراك في يوم أربعة آلاف، ودام القتال إلى أن هُزم جيش الخليفة وأُمسك هو، فعُصِر على خصيتيه فمات، وذلك في رجب سنة ست وخمسين »!

٣٤٧

رئيس الأطباء بخت يشوع:

١. معنى بختيشوع: عبد المسيح، فالبخت في اللغة السريانية العبد، ويشوع عيسى (ع). وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته لأعمالها، وخدم هارون الرشيد، وتميز في أيامه ». « طبقات الأطباء / ١٨٦ ».

« جورجس بن جبرئيل: طبيب سرياني الأصل. هوأبو بختيشوع الطبيب ورأس هذا البيت. كان رئيس الأطباء في جنديسابور، واعتل المنصور العباسي، فأُرشد إليه، فاستدعاه فقدم بغداد سنة ١٤٨ ، فأحبه المنصور، فمكث حظياً عنده ونقل له كتباً كثيرة من اليونانية إلى العربية. ثم اعتل جورجس وطلب الأوبة إلى جنديسابور فأذن له المنصور، فعاد سنة ١٥٢ ومات فيها.

من تصانيفه عدا ما ترجمه إلى العربية: كناش، ألفه بالسريانية وترجمه حنين بن إسحاق الى العربية ». « الأعلام: ٢ / ١٤٦ »

٢. وفي طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة / ٢٠١: « بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع: كان سريانياً نبيل القدر، وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال، ما لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره، وكان يضاهي المتوكل في اللباس والفرش. ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية.

قال فثيون الترجمان: لما ملك الواثق الأمر، كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن أبي دؤاد يعاديان بختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته، وكمال

٣٤٨

مروءته، فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به، فسخط عليه الواثق وقبض على أملاكه وضياعه، وأخذ منه جملة طائلة من المال، ونفاه إلى جندي سابور، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين، فلما اعتل بالإستسقاء وبلغ الشدة في مرضه، أنفذ من يحضر بختيشوع، ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع.

ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات، مبلغاً يفوق الوصف، فحسده المتوكل وقبض عليه.

قال فثيون الترجمان: كان المعتز بالله قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع معها من أخذ شئ من الأدوية والأغذية، فشق ذلك على المتوكل كثيراً، واغتم به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهوعلى حاله في الإمتناع، فمازحه وحادثه، فأدخل المعتز يده في كُمِّ جُبةِ وَشْيٍ يمانٍ مُثقله، كانت على بختيشوع وقال: ما أحسن هذا الثوب، فقال بختيشوع: يا سيدي ما له والله نظير في الحسن وثمنه عليَّ ألف دينار، فكل لي تفاحتين وخذ الجبة، فدعا بتفاح فأكل اثنتين، ثم قال له: تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها، وعندي ثوب هو أخٌ لها فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه، فشرب شربة سكنجبين، ووافق ذلك اندفاع طبيعته. فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه.

فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبداً لبختيشوع.

٣٤٩

٣. وحدث أبومحمد بدر بن أبي الإصبع، عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه، أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع: أدعني. فقال: السمع والطاعة فقال: أريد أن يكون ذلك غداً. قال: نعم وكرامة. وكان الوقت صائفاً وحره شديداً. فقال بختيشوع لأعوانه: وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيْش فإنه ليس لنا منه ما يكفي، فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك، وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع، فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها، خيْشاً، حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيَّش. وإنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة، فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ، وأحضر ـ أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يَدْلِكُونَ الخيشَ بذلك البطيخ ليلتهم كلها، وأصبح وقد انقطعت روائحه ..

وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة « طبق » في كل جونة بابُ خبز سَميد دَسْتٍ رِقاق، وزن الجميع عشرون رطلاً، وحَمَلٌ مشويٌّ وجَدْيٌ باردٌ، وفائقةٌ ودجاجتين مصدرتان، وفرخان ومصوصان، وثلاثة ألوان، وجام حلواء.

فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجِدَّته فقال: أي شئ ذهب برائحته، فأعاد عليه حديث البطيخ، فعجب من ذلك، وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة، وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين، لم

٣٥٠

يُرَ مثلهما لأمثاله، وفُرقت الجُوَنُ على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية، لكل واحد جونة.

وقال: قد أمنتُ ذمَّهم لأنني ما كنت آمن لوأطعموا على موائد، أن يرضى هذا ويغضب الآخر، ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع، فإذا أعطى كل إنسان جونةً من هذه الجُوَن كفته، واستشرف المتوكل على الطعام، فاستعظمه جداً. وأراد النوم فقال لبختيشوع: أريد أن تنومني في موضع مضئ، لا ذباب فيه، وظن أنه يتعنته بذلك، وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان « أوني الدبس » في سطوح الدار، ليجتمع الذباب عليه، فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة! ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله كُواء فيها جامات يضئ البيت منها، وهومخيَّش مُظَهَّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور، فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب، لا يدري ما هي، لأنه لم يرَ في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار، ولا خلف الخيش لا طاقات، ولا موضع يجعل فيه شئ من ذلك، فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها، فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات، محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام، التي فيها التفاح والبطيخ المستخرج ما فيها، المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور، والشراب العتيق، والزعفران الشعر.

٣٥١

ورأى الفتح غلماناً قد وُكلوا بتلك الطاقات، مع كل غلام مجمرة فيها نِدٌّ يسجره ويبخر به، والبيت من داخله إزارٌ من اسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا تبين، تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت.

فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده، كثر تعجبه منه، وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته، وانصرف من داره قبل أن يستتم يومه، وادعى شيئاً وجده من التياث بدنه، وحقد عليه ذلك، فنكبه بعد أيام يسيرة، وأخذ له مالاً كثيراً لا يُقدر، ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف سراويل دبيقي سيتيزي، في جميعها تكك إبريسم أرميني.

وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته، وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها وباع شيئا كثيراً، وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل، فاشتراه الحسين بن مخلد بستة آلاف دينار. وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار.

ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف دينار، فأجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف.

وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة.

ولما توفي بختيشوع خلف عبيد الله ولده وخلف معه ثلاث بنات، وكان الوزراء والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال، فتفرقوا واختفوا، وكان موته يوم الأحد لثمان بقين من صفر، سنة ست وخمسين ومائتين ».

٣٥٢

٤. وفي معرفة الجواهر لأبي الريحان البيروني « ١ / ٧٠ »: « دخل بختيشوع على المتوكل يوم مهرجان « عيد نيروز الفرس » فقال: أين هديتك؟ فقال: هديتي لم يملكها خليفة قبلك ولا مَلِك! وأخرج ملعقة زبرجد توزن ثمانية مثاقيل، وحكى عن أبيه جبريل أنه فصد دنانير جارية يحيى بن خالد، وأنه لما عاد إليها للتثنية وجدها تأكل رماناً بهذه الملعقة، وحين تم التسريح وشد العرق قالت له: خذ هذه الملعقة فأخذتها. فاعجب بها المتوكل وقال بحقٍّ ما أهلكوا أنفسهم!

وأحضر عتاب الجوهرى لتقويمها فنكل وقال: ما أعرف لهذه قيمة »!

٥. وفي تاريخ الطبري « ٣ / ٣٨٢ »: « وفيها « سنة ٢٤٤ » غضب المتوكل على بختيشوع وقبض ماله، ونفاه إلى البحرين ».

وفي تاريخ الطبري « ٧ / ٣٨٧ »: « وفيها « سنة ٢٤٥ » ضرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة، وأثقل بالحديد، وحبس في المطبق في رجب ».

أقول: تدل هذه النصوص على أن المتوكل شخصية مريضة، فبدل أن يُقدر طبيبه ويحبه، ويستفيد من فكره ونبوغه لنفع المسلمين، أونفعه الشخصي، حسده وحقد عليه ودمر حياته، وخسَّرَ المجتمع طبيباً نابغاً!

فلا شك أنه مريض بالحسد، وصاحب شخصية معقدة غير سوية.

٣٥٣

تسليط العلماء النواصب والمجسمة على الأمة

تقدم في ترجمة المتوكل أنه قَرَّبَ النواصب والمجسمة: « فكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان وهما من بنى عبس، وكانا من حفاظ الناس. فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً من الناس فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة. وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً ». « تاريخ بغداد: ١٠ / ٦٧ ».

وتقدمت ترجمة بعضهم، ولا يتسع المجال لترجمة الجميع، ومنهم يحيى بن محمد بن صاعد عالم جسمة الحنابلة، وجده من غلمان المنصور. « العرش لابن أبي شيبة / ٢٦ ».

هشام بن عمار الدمشقي:

وهذه فقرات من ترجمته من سيرأعلام النبلاء: ١١ / ٤٢٠، قال: « الإمام الحافظ العلامة المقرئ، عالم أهل الشام، أبوالوليد السلمي وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة، وروى الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام ..

٣٥٤

قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ. كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطاً، فكان إذا جاء الليل أقرأ عليه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة يقعد وأقرأ عليه فيقول: يا صالح ليس هذه ورقة، هذه شقة!

قال: وكان يأخذ على كل ورقتين درهماً ويشارط ويقول: إن كان الخط دقيقاً فليس بيني وبين الدقيق عمل سمعت محمد بن عوف يقول: أتينا هشام بن عمار في مزرعة له، وهوقاعد على مورج له وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط عليك. فقال: رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً، يعني يمزح.

أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال وجَّهَ المتوكل بعض ولده ليكتب عني قال: ونحن نلبس الأزر ولا نلبس السراويلات فجلست فانكشف ذكري فرآه الغلام، فقال: إستتر يا عم. قلت: رأيته، قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله!

قال: فلما دخل على المتوكل ضحك، قال فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم! إحملوا إليه ألف دينار.

قلت: لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس

٣٥٥

أدناهم وما فيهم من دني على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً.

قال أبوهريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه ويقول ربنا تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة وفيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشترى. وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً ..

ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإنَّ بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا »!

ونلاحظ في شخصية هشام ابن عمار ماديته، وعدم تقيد الأخلاقي، وأحاديث تجسيم الله تعالى وتشبيهه، وكأن الله تعالى شخص من أقارب هشام بن عمار ورواته!

٣٥٦

علي بن جهم: مستشار المتوكل:

قال القاضي نور الله في الصوارم المهرقة / ٣٠٠: « وقد أرشدهم إلى ذلك كلام القاضي ابن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور، عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي، حيث قال ما حاصله: إن التسنن لا يجتمع مع حب علي بن أبي طالب! وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى اشتراط بغض علي (ع) بقدر شعيرة، أوحبة رمانة، في صحة الإسلام، مشهورٌ، وفي ألسنة الجمهور مذكور »!

وفي الإمامة وأهل البيت « ٣ / ١٩٣ »: « وكان المتوكل يقرب علي بن جهم لا لشئ إلا لأنه كان يبغض أمير المؤمنين علي المرتضى رضي الله عنه وكرم الله وجهه في الجنة، وكان ابن الجهم هذا مأبوناً، سمعه أبوالعيناء يوماً يطعن على الإمام علي، فقال له: إنك تطعن على الإمام علي، لأنه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط، وأنت أسفلهما ».

وقال في شرح النهج « ٣ / ١٢٢ »: « ومن المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم الشاعر وكان مبغضاً لعلي (ع). وقد هجاه أبوعبادة البحتري فقال فيه:

إذا ما حُصَّلَتْ عَلْيَا قريشٍ

فلا في العِير أنتَ ولا النَّفِير

وما الجهْمُ بن بدر حينَ يعزى

من الأقمار ثَمَّ ولا البدور

علامَ هجوتَ مجتهداً علياً

بما لفَّقتَ من كذبٍ وزور

أمالك في استكَ الوجْعاءِ شُغْلٌ

يكفُّك عن أذى أهل القبور

قال أبوالفرج: وكان علي بن الجهم من الحشوية، شديد النصب، عدواً للتوحيد والعدل خطب امرأة من قريش فلم يزوجوه، وبلغ المتوكل ذلك فسأل عن

٣٥٧

السبب فحدث بقصة بني سامة بن لؤي، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان أدخلهم فيها، وأن علياً (ع) أخرجهم منها، فارتدوا، وأنه قتل من ارتد منهم وسبى بقيتهم فباعهم من مصقلة بن هبيرة.

فضحك المتوكل وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم مروان بن أبي حفصة المكنى أبا السمط وهومروان الأصغر، وكان المتوكل يغريه بعلي بن الجهم، ويضعه على هجائه وثلبه فيضحك منهما، فقال مروان:

إن جهماً حين تنسبهُ

ليس من عُجْمٍ ولا عَرَبِ

لجِّ في شتمي بلا سببٍ

سارقٌ للشعر والنسب

من أناسٍ يَدَّعُونَ أباً

ماله في الناس من عقب ».

٣٥٨

الفصل الثالث عشر:

الإمام الهادي (ع) مع المنتصر والمستعين والمعتز

ثلاثة خلفاء في ست سنين

عاصرالإمام الهادي صلوات الله عليه بعد المتوكل، ثلاثة خلفاء في ست سنين: المنتصر « ٢٤٧ ـ ٢٤٨ » والمستعين « ٢٤٨ ـ ٢٥٢ » والمعتز « ٢٥٢ ـ ٢٥٥ ». واستشهد (ع) في خلافة المعتز. ثم جاء المهتدي « ٢٥٥ ـ ٢٥٦ » فحكم سنة واحدة ثم جاء المعتمد فحكم طويلاً: « ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ».

عصفت العاصفة بالمتوكل ومن بعده!

جرت سفينة النظام العباسي بريحٍ طيبةٍ في زمن المتوكل، فكانت الأمور طَوْعَ يديه، وعشرات ألوف الجنود الأتراك الذين اشتراهم أبوه يركعون أمامه ويؤدون له فروض الإحترام. وتوسع في البذخ والترف حتى فاق آباءه وأجداده في عدد القصور التي شيدها، والجواري التي ملكها، والملايين التي أنفقها!

ثم جاء غضب الله على المتوكل والعباسيين، فاضطرب نظام الخلافة بعده، وقصرت أعمار الخلفاء، وتسلط القادة الأتراك على مقدرات الدولة!

فقد ارتكب المتوكل خطأ فادحاً عندما قتل إيتاخ القائد العام للجنود الأتراك، وكان أبوه المعتصم سَلَّمَهُ الى إيتاخ وهو طفلٌ فربَّاه، وكان المتوكل يناديه يا أبي!

٣٥٩

وبقتله حقد عليه الأتراك، حتى قتلوه شرقتلة وهو سكران، ونصبوا بدله ابنه المنتصر، لأنه كان على خلاف مع أبيه.

قال الطبري « ٧ / ٣٩٠ » ملخصاً: « ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين، كان فيها مقتل المتوكل سبب ذلك: أن المتوكل كان أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل، وإقطاعها الفتح بن خاقان. فكُتبت الكتب بذلك وصارت إلى الخاتم « غرفة ختم المراسيم » على أن تتقدم يوم الخميس لخمس خلون من شعبان، فبلغ ذلك وصيفاً واستقر عنده الذي أُمر به في أمره.

وذكر بعضهم أن المتوكل عزم هو والفتح أن يُصِيِّرا غداهم عند عبد الله بن عمر البازيار، يوم الخميس لخمس ليال خلون من شوال، على أن يفتك بالمنتصر ويقتل وصيفاً وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ووجوههم، فكثر عبثه يوم الثلاثاء قبل ذلك بيوم، فيما ذكر ابن الحفصي بابنه المنتصر، مرةً يشتمه، ومرةً يسقيه فوق طاقته، ومرةً يأمر بصفعه، ومرةً يتهدده بالقتل ..

حدثني بعض من كان في الستارة من النساء أنه التفت إلى الفتح فقال له: برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطمه يعني المنتصر!

فقام الفتح ولطمه مرتين يُمِرُّ يده على قفاه! فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليَّ مما تفعله بي! فقال: إسقوه »!

وقال الذهبي في سيره: ١٢ / ٣٩، وتاريخه: ١٨ / ٢٠١: « وسكر المتوكل سكراً شديداً، ومضى من الليل ثلاث ساعات، إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم،

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477