الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154483 / تحميل: 6631
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وصيف ألف ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار، وأخذ منها من الجواهر ما قيمته ألفا ألف دينار.

وكان الجند سألوا المعتز في خمسين ألف دينار ويصطلحون معه، فسألها المعتز في ذلك فقالت: ما عندي شئ. فلما رأى ابن وصيف هذا المال قال: قبح الله قبيحة عرَّضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار، وعندها هذا كله ».

وفي تاريخ الخلفاء / ٢٦٢: « أخذوالمعتز بعد خمس ليال من خلعه، فأدخلوه الحمام فلما اغتسل عطش فمنعوه الماء، ثم أخرج فسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتاً، وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين، واختفت أمه قبيحة، ثم ظهرت في رمضان وأعطت صالح بن وصيف مالاً عظيماً، من ذلك ألف ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار، وسفط فيه مكوك زمرد، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار، وكيلجة ياقوت أحمر وغير ذلك، فقومت السفاط بألفي ألف دينار!

فلما رأى ابن وصيف ذلك قال: قبحها الله عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار، وعندها هذا، فأخذ الجميع ونفاها إلى مكة، فبقيت بها إلى أن تولى المعتمد، فردها إلى سامرا، وماتت سنة أربع وستين ».

وقال الذهبي في سيره « ١٢ / ٥٣٥ »: يمدح المهتدي الذي بايعوه بعد المعتز: « وكان المهتدي أسمر رقيقاً مليح الوجه، ورعاً، عادلاً، صالحاً، متعبداً، بطلاً، شجاعاً، قوياً في أمر الله، خليقاً للإمارة، لكنه لم يجد معيناً ولا ناصراً وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين، يجلس بنفسه ويُجلس بين يديه الكتاب

٣٨١

يعملون الحساب وقد ضرب جماعة من الكبار، ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد لرفضٍ فيه وفي أوائل خلافته عَبَّأ موسى بن بغا جيشه، وشهر السلاح بسامراء لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، ولأخذه أموال أمه قبيحة وأموال الدواوين فهجم بمن معه والمهتدي جالس في دار العدل، فأقاموه وحملوه على أكدش « بغل » وانتهبوا القصر ..

ثم خرج المهتدي وعليه ثياب بيض وتقلد سيفاً، وأمر بإدخالهم إليه فقال: قد بلغني شأنكم، ولست كالمستعين والمعتز، والله ما خرجت إلا وأنا متحنط وقد أوصيت، وهذا سيفي فلأضربن به ما استمسك بيدي، أما دينٌ أما حياءٌ أما رِعَةٌ؟ كم يكون الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله! فركب المهتدي وصالح بن علي في عنقه المصحف يصيح: أيها الناس، أنصروا إمامكم ..

وتفلل جمع المهتدي واستحر بهم القتل، فولى والسيف في يده يقول: أيها الناس قاتلوا عن خليفتكم، ثم دخل دار صالح بن محمد بن يزداد، ورمى السلاح ولبس البياض ليهرب من السطح، وجاء حاجب باكيال فأعلم به، فهرب فرماه واحد بسهم ونفحه بالسيف، ثم حمل إلى الحاجب فأركبوه بغلاً وخلفه سائس، وضربوه وهم يقولون: أين الذهب؟ فأقرَّ لهم بست مئة ألف دينار مودعة ببغداد، فأخذوا خطه بها، وعَصَرَ تركيٌّ على أنثييه فمات! وقيل: أرادوا منه أن يخلع نفسه فأبى فقتلوه (رحمه الله)، وبايعوا المعتمد على الله ».

٣٨٢

أقول: نلاحظ أن المهتدي ليس بطلاً كما زعم الذهبي. كما نلاحظ أن الخليفة صار جزءاً من الأطراف التركية المتصارعة، بل آلةً بيدها!

وأن صراع الأتراك بينهم كان شديداً، فقد جاء موسى بن بغا من خراسان لينتقم من وصيف ويحاسبه على ثروته الطائلة، التي حصل عليها!

قتل المهتدي ونصب المعتمد « أحمد بن المتوكل »

حدثت تطورات عديدة بعد شهادة الإمام الهادي (ع)، فقد ظهرت حركة الزنج في البصرة، وحركة الخوارج في الموصل، وانقسم الترك الى قسمين: قسم مع المهتدي في سامراء بقيادة صالح بن وصيف، وقسم ضدهم بقيادة موسى بن بغا، وسيأتي ذلك إن شاء الله في سيرة الإمام الحسن العسكري (ع).

وكانت نهاية المهتدي لأنه حاول أن يوقع بين الأتراك، فاتفقوا عليه فكشف المهتدي مؤامرتهم، فقتل القائد بايكباك، فجاش الترك عليه وهاجموه، وكانت بينهم معارك انتهت بهزيمة المهتدي وقتله.

قال الطبري « ٧ / ٥٨٢ »: « وفي رجب من هذه السنة « ٢٥٦ » لأربع عشرة ليلة خلت منه خلع المهتدي، وتوفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب.

ذُكر أن ساكني الكرخ بسامرا والدور تحركوا لليلتين خلتا من رجب من هذه السنة يطلبون أرزاقهم، فوجه إليهم المهتدى طبايغو الرئيس عليهم، وعبد الله أخا المهتدي، فكلمهم فلم يقبلوا منهما، وقالوا نحن نريد أن نكلم أمير المؤمنين

٣٨٣

مشافهة، وخرج أبونصر بن بغا تحت ليلته إلى عسكر أخيه وهوبالسن بالقرب من الشاري، ودخل دار الجوسق جماعة منهم ».

ثم ذكر الطبري محاورة المهتدي مع بايكباك، وكيف قام بقتله وألقى رأسه الى الأتراك فجاشوا واتحدوا، ليأخذوا منه ثأرهم!

قال الطبري « ٧ / ٥٨٤ »: « فاجتمع جميع الأتراك فصار أمرهم واحداً، فجاء منهم زهاء عشرة آلاف رجل، وجاء طوغتيا أخو بايكباك وأحمد بن خاقان حاجب بايكباك في نحو من خمس مائة، مع من جاء مع طغوتيا من الأتراك والعجم.

وخرج المهتدي ومعه صالح بن علي والمصحف في عنقه يدعوالناس إلى أن ينصروا خليفتهم، فلما التحم الشر مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى أصحابهم الذين مع أخي بايكباك، وبقي المهتدي في الفراغنة والمغاربة ومن خف معه من العامة، فحمل عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حران موتور فنقض تعبيتهم وهزمهم، وأكثر فيهم القتل وولوا منهزمين، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور، وهو ينادى يا معشر الناس أنصروا خليفتكم! حتى صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وهوبعد خشبة بابك، وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة، فدخلها ووضع سلاحه ولبس البياض ليعلوداراً وينزل أخرى ويهرب، فطلب فلم يوجد.

وجاء أحمد بن خاقان في ثلاثين فارساً يسأل عنه، حتى وقف على خبره في دار ابن جميل، فبادرهم ليصعد فرُمِيَ بسهم وبُعِج بالسيف، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أو بغل، وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخرثي، فأقر لهم بست مائة

٣٨٤

ألف قد أودعها الكرخي الناس ببغداد، وأصابوا عنده خَسَف الواضحة، مغنية، فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار. ودفعوه إلى رجل فوطأ على خصييه حتى قتله »!

أخبار الإمام الهادي (ع) في عهد المستعين والمعتز

اتضح بما تقدم أن الخلافة كانت بعد المعتز للمهتدي، ثم للمعتمد، وكانت شهادة الإمام الهادي (ع) سنة ٢٥٤، في خلافة المعتز، قبل المعتمد. فعبارة: سمه المعتمد، التي وردت في سيرته (ع) تصحيفٌ أو لأن المعتمد كان منفذاً.

وفي مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥٣٠ »: « علي بن محمد بن زياد الصيمري قال: دخلت على أبي أحمد بن عبد الله بن طاهر، وفي يديه رقعة أبي محمد (ع) فيها: إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين، وهو آخذه بعد ثلاث، فلما كان اليوم الثالث خلع، وكان من أمره ما كان، إلى أن قتل ».

وزمن هذه الحادثة لا بد أن يكون سنة ٢٥٢، وأن يكون أبا محمد ورد فيها بدل أبا الحسن (ع) لأن المستعين خلع نفسه في هذه السنة، ثم قتلوه.

والرواية تدل على أن المستعين كان يؤذي الإمام الهادي (ع) ويستهدفه فدعا عليه، وأخبر أن دعاءه يستجاب بعد ثلاثة أيام!

كما توجد حادثة رويت على أنها للمستعين مع الإمام العسكري (ع)، فلا بد أن تكون في حياة الإمام الهادي (ع) أيضاً، لأن المستعين مات قبل شهادته (ع).

وقد رواها الكليني « ١ / ٥٠٧ » وخلاصتها أن المستعين كان عنده بغلٌ عجزت الرَّاضَةُ عن ترويضه، فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن

٣٨٥

بن الرضا حتى يجئ، فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه، قال: فبعث إلى أبي محمد ومضى معه أبي فقال أبي: لما دخل أبومحمد الدار كنت معه فنظر أبومحمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار، فعدل إليه فوشَّع بيده على كفله، قال فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه، ثم صار إلى المستعين فسلم عليه فرحب به وقرب، فقال: يا أبا محمد ألجم هذا البغل » ثم تقول الرواية: إنه ألجمه وأسرجه وركبه، فتعجب الخليفة ووهبه له.

ومعناها أن المستعين دبَّرَ هذه المكيدة للإمام الحسن العسكري (ع) أو أراد أن يمتحن مقامه عند الله تعالى، وهل يخضع له البغل الشموس.

وبما أن المستعين مات بدعوة الإمام الهادي فلا بد أن تكون القصة في حياته (ع) وربما كانت معه هو، وجعلها الراوي مع ولده الحسن (ع). أو يكون الخليفة الذي هوطرفها، غير المستعين.

٣٨٦

الفصل الرابع عشر:

من معجزات الإمام الهادي (ع)

الأئمة أفضل أوصياء الأنبياء (ع)

لكل واحد من الأئمة (ع) معجزات كثيرة، وقد حفظ الرواة للإمام الهادي (ع) أكثر من مئة معجزة، وتقدم عددٌ منها، ونورد فيما يلي عدداً آخر، ونذكر قبلها حديثاً يصف ما أعطى الله تعالى لأئمة العترة النبوية.

قال النوفلي « الكافي: ١ / ٢٣١ »: « سمعته (ع) يقول: إسم الله الأعظم ثلاثةٌ وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرفٌ فتكلم به، فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيَّره إلى سليمان (ع)، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً. وحرفٌ عند الله مستأثرٌ به في علم الغيب ».

وفي عيون أخبار الرضا (ع) « ١ / ١٩٢ »: « للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختوناً ويكون مطهراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً، « تحدثه الملائكة » ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لودعا على صخره لانشقت بنصفين إن الإمام مؤيدٌ بروح القدس، وبينه وبين الله عمودٌ من نور، يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه يبسط له فيعلم، ويقبض عنه فلا يعلم ».

٣٨٧

يحيى بن هرثمة يحدث بمعجزات الإمام (ع)

يوجد قبر في ضواحي مشهد الإمام الرضا (ع) يزوره الناس ويسمونه: خاجه مراد، فقصدناه ووجدنا مكتوباً عليه أنه قبر هرثمة بن أعين، وقيل قبر يحيى بن هرثمة. فندمنا على سفرنا لأنا لا نزور قبر هرثمة وأمثاله من قادة جيش العباسيين! فقد كان يحيى كأبيه هرثمة قائداً عند المتوكل، ينفذ أوامره القذرة في قتل المسلمين، ثم واصل ذلك مع غيره من الخلفاء. ولا يوجد ليحيى حسنة في تاريخه إلا روايته لمعجزات الإمام الهادي (ع)! وقوله إنه تاب وأناب عندما رآها، وهومجرد قول بلا عمل.

قال الطبري « ٧ / ٤٧٩ »: « وفيها « سنة ٣٤٨ » كانت وقعة بين يحيى بن هرثمة وأبي الحسين بن قريش، قتل من الفريقين جماعة، ثم انهزم أبوالحسين بن قريش ».

وقد أورد السيد الخوئي في معجمه « ٢١ / ١٠٢ » رواية تشيعه ولم يعلق بشئ.

ووصفه في مستدرك سفينة البحار « ٣ / ٢٨ » بحُسْنُ الخاتمة , ولا نعرف له حسنةً إلا روايته لما شاهد من معجزات الإمام الهادي (ع)، وذلك بعد موت المتوكل.

١. ظهر الماء في الصحراء ورويت القافلة:

قال المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٢ »: « وروي عن يحيى بن هرثمة قال: رأيت من دلائل أبي الحسن (ع) الأعاجيب في طريقنا. منها: أنا نزلنا منزلاً لا ماء فيه فأشفينا ودوابنا وجمالنا من العطش على التلف، وكان معنا جماعة وقوم قد تبعونا من أهل المدينة، فقال أبوالحسن (ع): كأني أعرف على أميال موضع ماء. فقلنا له: إن نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنا معك. فعدل بنا عن الطريق فسرنا نحو ستة أميال « نحوعشرة كيلومتر » فأشرفنا على واد كأنه زهرالرياض فيه

٣٨٨

عيون وأشجار وزروع، وليس فيها زارع ولا فلاح ولا أحد من الناس، فنزلنا وشربنا وسقينا دوابنا، وأقمنا الى بعد العصر ثم تزودنا وارتوينا، وما معنا من القرب ورحنا راحلين. فلم نبعد أن عطشتُ وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة يشده في منطقته. وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام، ونظرتُ فإذا هو قد أنسي الكوز في المنزل الذي كنا فيه. فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد سريع وأغذ السير، حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدباً يابساً، قاعاً مَحْلاً، لاماء فيه ولا زرع ولاخضرة، ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال ومناخاتهم، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام! فأخذته وانصرفت ولم أعَرِّفْه شيئاً من الخبر. فلما قربت من القطر والعسكر وجدته (ع) واقفاً ينتظر فتبسم صلى الله عليه ولم يقل لي شيئاً، ولا قلت له سوى ما سأل من وجود الكوز فأعلمته أني وجدته!

٢. عرف الإمام بموعد نزول المطر في الصيف:

قال يحيى: وخرج في يوم صائف آخر ونحن في ضحو وشمس حاميةٌ تُحرق، فركب من مضربه وعليه ممطر، وذنبُ دابته معقودٌ وتحته لبدٌ طويل، فجعل كل من في العسكر وأهل القافلة يضحكون تعجباً ويقولون: هذا الحجازي ليس يعرف الرأي، فما سرنا أميالاً حتى ارتفعت سحابة من ناحية القبلة وأظلمت وأظلتنا بسرعة، وأتى من المطر الهاطل كأفواه القرب، فكدنا أن نتلف وغرقنا حتى جرى الماء من ثيابنا الى أبداننا وامتلأت خفافنا، وكان أسرع وأعجل من

٣٨٩

أن يمكن أن نحط ونخرج اللبابيد، فصرنا شهرةً، وما زال (ع) يتبسم تبسماً ظاهراً تعجباً من أمرنا ». « إثبات الوصية / ٢٣٤ ».

٣. الإمام يشفي عين طفل ويرد بصره:

قال يحيى: وصارت إليه في بعض المنازل امرأة معها ابنٌ لها أرمدُ العين، ولم تزل تستذل وتقول: معكم رجل علوي دُلوني عليه حتى يرقي عين ابني هذا. فدللناها عليه ففتح عين الصبي حتى رأيتها ولم أشك أنها ذاهبة، فوضع يده عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحاها فإذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علة »!

٤. رواية أخرى لحادثة المطر في الصيف:

في الخرائج « ١ / ٣٩٢ » والثاقب لابن حمزة / ٥٥١، عن يحيى بن هرثمة، قال: « دعاني المتوكل فقال: إختر ثلاث مائة رجل ممن تريد، واخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فأحضروا علي بن محمد بن الرضا إلى عندي مكرماً معظماً مبجلاً. قال: ففعلت وخرجنا. وكان في أصحابي قائد من الشراة « الخوارج » وكان لي كاتب يتشيع، وأنا على مذهب الحشوية « أهل الحديث » وكان ذلك الشاري يناظرذلك الكاتب، وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق. فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلاوهي قبر أوستكون قبراً؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبوراً كما تزعمون؟ قال فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق. أين

٣٩٠

من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبوراً؟! وتضاحكنا ساعة، إذ انخذل الكاتب في أيدينا. قال: وسرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا فدخلت إليه، فقرأ كتاب المتوكل فقال: إنزلوا وليس من جهتي خلاف. قال: فلما صرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياطٌ وهويقطع من ثياب غلاظ خفاتين « الخفتان: معطف وهوالقفطان » له ولغلمانه، ثم قال للخياط: إجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا، وبكر بها إليَّ في هذا الوقت. ثم نظر إلي وقال: يا يحيى، إقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت.

قال: فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين، وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب! ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهويقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، وأتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: أدخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس. ثم قال: إرحل يا يحيى.

فقلت في نفسي: وهذا أعجب من الأول، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس! فخرجت وأنا أستصغر فهمه.

٣٩١

فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودَّت وأرعدت وأبرقت، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بَرَداً مثل الصخور، وقد شدَّ على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس، وقال لغلمانه: إدفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنساً.

وتجمعنا والبَرَد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلاً، وزالت ورجع الحرُّ كما كان، فقال لي: يا يحيى إنزل أنت ومن بقي من أصحابك ليدفنوا من قد مات من أصحابك. ثم قال: فهكذا يملأ الله هذه البرية قبوراً!

قال: فرميت بنفسي عن دابتي وعدوت إليه فقبَّلت ركابه ورجله، وقلت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنتُ كافراً، وإنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي. قال يحيى: وتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى ».

ملاحظة

شَنَّعَ ذلك الخارجي على زميله الكاتب الشيعي بما رويَ عن أمير المؤمنين (ع): « ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر، أوستكون قبراً » ولم أجد هذا الحديث في المصادر المعروفة. لكن معناه صحيح فكل بقعة، أي كل نوع من الأرض فيه قبور أو سيكون فيه، وليس معناه أن كل مكان في الأرض قبرٌ أوسيكون قبراً.

قال الخليل في العين « ١ / ١٨٤ »: « البَقْعُ: لونٌ يخالف بعضه بعضاً، مثل الغراب الأسود في صدره بياض، غراب أبقع، وكلب أبقع. والبقعة: قطعة من أرض على غير هيئة التي على جنبها، كل واحدة منها بقعة وجمعها بقاع وبقع ».

٣٩٢

على أن كل تستعمل للتعميم النسبي، فقد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى عن اليهود: ( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ ) . « الأعراف: ١٦٨ » قال: « هم اليهود بسطهم الله في الأرض، فليس من الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة ». « تفسير ابن أبي حاتم: ٥ / ١٦٠٥ » وبهذا المعنى وردت البقعة في حديث المهدي (ع): « وينزل روح الله عيسى بن مريم (ع) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها ولا تبقى في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها ». « كمال الدين: ٢ / ٣٤٥ ».

وقصد الخارجي من تشنيعه على الكاتب، تكذيب أمير المؤمنين (ع)، ولعل الكاتب شكى الى الإمام الهادي (ع) سخريتهم به، فأجرى الله على يد (ع) هذه الكرامة لتصديق ما رواه عن أمير المؤمنين (ع)!

أما قول ابن هرثمة: وتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى. فادعاء لم يصح!

٥. رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة:

في الخرائج « ١ / ٤١٥ »: « روى أبومحمد البصري، عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد، قال: كلما أجرينا ذكر أبي الحسن (ع) فقال لي: يا أبا محمد لم أكن في شئ من هذا الأمر وكنت أعيب على أخي، وعلى أهل هذا القول عيباً شديداً بالذم والشتم، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن (ع) فخرجنا إلى المدينة، فلما خرج وصرنا في بعض الطريق، طوينا المنزل وكان يوماً صائفاً شديد الحر، فسألناه أن ينزل قال: لا.

فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب، فلما اشتد الحر والجوع والعطش فينا، ونحن إذ ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئاً ولا ظلاً ولا ماء نستريح إليه، فجعلنا نشخص

٣٩٣

بأبصارنا نحوه. فقال: ما لكم أحسبكم جياعاً وقد عطشتم؟ فقلنا: إي والله، وقد عيينا يا سيدنا. قال: عَرِّسُوا « إنزلوا » وكلوا واشربوا.

فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئاً نستريح إليه، ولا نرى ماءً ولا طلاً. قال: ما لكم! عَرِّسُوا. فابتدرت إلى القطار لأنيخ ثم التفتُّ وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالمٌ من الناس، وإني لأعرف موضعهما أنه أرض بَرَاحٌ قفرٌ، وإذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده! فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مراراً!

فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلاً، وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني، فقلت في نفسي: والله لأعرفن هذا كيف هو؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين، وتغوطت في ذلك الموضع، وتهيأت للصلاة.

فقال أبوالحسن: استرحتم؟ قلنا: نعم، قال: فارتحلوا على اسم الله، فارتحلنا فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة، وكأن الله لم يخلق ثم شجرةً ولا ماءً وظلالاً ولا بللاً! فتعجبت ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة والإيمان به والمعرفة منه. وأخذت الأثر ولحقت القوم، فالتفت إليَّ أبوالحسن (ع) وقال: يا أبا العباس فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد كنت شاكاً، ولقد أصبحت وأنا

٣٩٤

عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة. فقال: هوكذلك، هم معدودون معلومون، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً ».

أقول: لم أجد ترجمة أبي العباس خال كاتب إبراهيم بن محمد، والظاهر أن إبراهيم بن محمد هذا هوالعباسي المسمى بُرَيْه، وقد ذكر الطبري « ٦ / ٤٧٢ و ٦٠٤، و: ٨ / ١٥ » أنه كان والياً على الحرمين، وأنه حج بالناس سنة ٢٥٩.

٦. ما ظهر للفتح بن يزيد الجرجاني:

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٥ »: « وروى الحميري قال: حدثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني وأبا الحسن (ع) الطريق لما قدم به المدينة فسمعته في بعض الطريق يقول: من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع.

فلم أزل أدلف حتى قربت منه ودنوت، فسلمت عليه ورد عليَّ السلام فأول ما ابتدأني أن قال لي: يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فليوقن أن يحل به سخط المخلوقين.

يا فتح إن الله جل جلاله لايوصف إلا بما وصف به نفسه، فأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار أن تحيط به، جل عما يصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه وقرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كيَّفَ الكيف فلا يقال كيف، وأيَّنَ الأين فلا يقال أين، إذ هومنقطع الكيفية والأينية، الواحد الأحد جل جلاله، بل كيف يوصف بكنهه محمد (ص) وقد قرن الخليل اسمه باسمه وأشركه

٣٩٥

في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته، فقال: وما نقموا منه إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله. وقال تبارك اسمه يحكي قول من ترك طاعته: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . أم كيف يوصف من قرن الجليل طاعته بطاعة رسول الله (ص) حيث يقول: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.

يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله، ولايوصف الحجة، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا. فنبينا (ص) أفضل الأنبياء ووصينا (ص) أفضل الأوصياء. ثم قال لي بعد كلام: فأورد الأمر إليهم وسلم لهم. ثم قال لي: إن شئت. فانصرفت منه. فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام فقلت: يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية؟

فقال لي: سل وأصخْ الى جوابها سمعك، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، فاما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك الله، إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكل ما عند الرسول فهوعند العالم، وكل ما اطلع الرسول عليه فقد اطلع أوصياؤه عليه.

يا فتح: عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك وأشكَّكَ في بعض ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم! فقلتَ متى أيقنت أنهم هكذا فهم أرباب! معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون داخرون راغمون. فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به فاقمعه بمثل

٣٩٦

ما نبأتك به. قال فتح: فقلت له: جعلني الله فداك فرجت عني، وكشفت ما لبَّسَ الملعون عليَّ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب.

قال: فسجد (ع) فسمعته يقول في سجوده: راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً.

ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك وما ضر عيسى إن هلك من هلك. إذا شئت رحمك الله. قال: فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس.

فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهومتكئ وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لاينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا. فقال: أجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام وهوالسميع العليم. تبارك الله عما يقول الظالمون وعلا علواً كبيراً. ثم قال: إذا شئت رحمك الله ».

٧. قال البغدادون: أقبل بيت الله الحرام:

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٦ »: « وقُدم به (ع) بغداد وخَرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه، فحدث أبوعبد الله محمد بن أحمد الحلبي القاضي قال: حدثني الخضر بن محمد البزاز وكان شيخاً مستوراً ثقة، يقبله القضاة والناس قال: رأيت في المنام كأني على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر ـ والناس مجتمعون خلق كثير يزحم بعضهم بعضاً، وهم يقولون: قد أقبل بيت الله الحرام.

٣٩٧

فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر والديباج والقَباطي، قد أقبل ماراً على الأرض، يسير حتى عبر الجسر، من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي، والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة، وهي التي آخر من ملكها بعد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر القمي، وأبوبكر الفتى بن أخت إسماعيل بن بلبل بدر الكبير الطولوي، المعروف بالحمامي، فإنه أقطعها.

فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة، حتى انتهيت الى الجسر، فرأيت الناس مجتمعين وهم يقولون: قد قدم ابن الرضا من المدينة، فرأيته قد عبر من الجسر على شهري تحته كبير، يسير عليه المسير رفيقاً، والناس بين يديه وخلفه، وجاء حتى دخل دار خزيمة بن حازم، فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها.

ثم خرج الى سر من رأى فتلقاه جملة من أصحاب المتوكل حتى دخل إليهم، فأعظمه وأكرمه ومهد له. ثم انصرف عنه الى دار أعدت له وأقام بسر من رأى ».

أقول: يدلك هذا على علاقة الناس العقائدية العميقة بالإمام الهادي (ع)، فالبزاز هذا من علماء العامة، وقد رأى هذا المنام عن الإمام (ع).

٨. عرف الإمام (ع) ما في ضميره فاستبصر:

في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٧ »: « وروى احمد بن محمد بن قابنداذ الكاتب الإسكافي قال: تقلدت ديار ربيعة وديار مضر، فخرجت وأقمت بنصيبين، وقلدت عمالي وأنفذتهم الى نواحي أعمالي، وتقدمت أن يحمل اليَّ كل واحد منهم كل من يجده في عمله ممن له مذهب، فكان يردُ علي في اليوم الواحدُ والإثنان والجماعة منهم،

٣٩٨

فأسمع منهم وأعامل كل واحد بما يستحقه. فأنا ذات يوم جالسٌ إذ ورد كتاب عامل بكفرتوثي يذكر أنه قد وجه إليَّ برجل يقال له إدريس بن زياد، فدعوت به فرأيته وسيماً قسيماً قبلته نفسي، ثم ناجيته فرأيته ممطوراً ورأيته من المعرفة بالفقه والأحاديث على ما أعجبني، فدعوته الى القول بإمامة الإثني عشر (ع) فأبى وأنكر عليَّ ذلك وخاصمني فيه!

وسألته بعد مقامه عندي أياماً أن يهب لي زَوْرَةً الى سر من رأى لينظر الى أبي الحسن (ع) وينصرف فقال لي: أنا أقضي حقك بذلك.

وشخص بعد أن حملته، فأبطأ عني وتأخر كتابه، ثم إنه قدم فدخل إليَّ فأول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكياً لم أتمالك حتى بكيت، فدنا مني وقبل يدي ورجلي ثم قال: يا أعظم الناس منةً، نجيتني من النار وأدخلتني الجنة.

وحدثني فقال لي: خرجت من عندك وعزمي إذا لقيت سيدي أبا الحسن (ع) أن أسأله من مسائل، وكان فيما أعددته أن أسأله عن عرق الجنب، هل يجوز الصلاة في القميص الذي أعرق فيه وأنا جنب أم لا؟ فصرت الى سر من رأى، فلم أصل إليه وأبطأ من الركوب لعلة كانت به، ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه يركب، فبادرت ففاتني ودخل دار السلطان فجلست في الشارع، وعزمت أن لا أبرح أوينصرف. واشتد الحرُّ عليَّ فعدلت الى باب دار فيه، فجلست أرقبه ونعست فحملتني عيني فلم أنتبه إلا بمقرعة قد وضعت على كتفي، ففتحت عيني فإذا هومولاي أبوالحسن (ع) واقف على دابته، فوثبت فقال لي: يا إدريس

٣٩٩

أما آن لك؟ فقلت: بلى يا سيدي. فقال: إن كان العرق من حلال فحلال، وإن كان من حرام فحرام. من غير أن أسأله، فقلت به وسلمت لأمره ».

أقول: قول الإمام (ع): أما آن لك يدل على أنه رأى منه آيات قبل أن يجيبه على ما في نفسه. لكنه لم يذكرها في هذا الحديث.

٩. النصراني الكاتب مع الإمام الهادي (ع):

في الخرائج « ١ / ٣٩٦ »: « عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا، يسمى يوسف بن يعقوب، وكان بينه وبين والدي صداقة. قال: فوافى ونزل عند والدي فقال ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيتُ إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلا أني قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار، قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا، معي! فقال له والدي: وفقت في هذا. قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له أبي: حدثني بحديثك.

قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا (ع) قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي. قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا! لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره. قال: فتفكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد، ولا أمنعه من حيث يريد،

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477