الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154412 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فمع قرب ابن حنبل من المتوكل وبعده عن أهل البيت (ع) لكن موجة الغضب العامة على المتوكل لهدمه قبر الحسين (ع) تجعله يشك في أقرب الناس اليه!

3. أبوهاشم الجعفري هو: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهو من كبار أصحاب الأئمة المعصومين (ع)، ولم يكن من خطهم الثورة كالزيديين، لكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين منهم إذا نُكبوا، ويدافعون عنهم. قال السيد الخوئي « 8 / 122 » : « أبوهاشم الجعفري (رحمه الله): كان عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، شريف القدر، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع). وقال الشيخ: داود بن القاسم الجعفري، يكنى أبا هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (ع)، وقد شاهد جماعة منهم: الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر، وقد روى عنهم كلهم (ع). وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، وكان مقدماً عند السلطان وله كتاب، أخبرنا به عدة من أصحابنا ».

4. بنوطاهر وآل طاهر: هم أولاد طاهر بن الحسين وأقاربه، وهوقائد جيش المأمون في حربه مع أخيه الأمين، وهوالذي احتل بغداد وقتل الأمين. وقد أطلق المأمون يده في خراسان حتى عرفت بالدولة الطاهرية، كما أطلق يد آل طاهر في العراق، فكانت بغداد بيد إسحاق بن إبراهيم.

قال ابن الأثير في الكامل « 7 / 236 »: « وفيها « 235 » توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهوابن أخي طاهر بن الحسين، وكان صاحب

١٨١

الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل. ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه، وجزع المتوكل لموته ».

وقال اليعقوبي « 2 / 488 »: « وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد من خراسان سنة 237، فصيَّر إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم ».

وبنوطاهر ليسوا خزاعيين، بل من موالي خزاعة، وأصلهم من أمراء فارس. قال العمري في أنساب الطالبين / 383: « وأما ابن طاهر فهومحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان، أسلم جده رزيق على يد عبيد الله بن طلحة الطلحات الخزاعي، والي سجستان فنسب إليه ولقب بالخزاعي لهذا السبب، لا لانتمائه الى قبيلة خزاعة من جهة النسب.

وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب الى أمراء الفرس الأولين، ويذكر منها في عالم الحرب والأدب والنجدة أفرادٌ كثيرون، وكان مصعب يتولى أعمال مَرْو مع أعمال هراة. وأول من نبغ من هذه الأسرة واشتهر في عهد بني العباس، طاهر بن الحسين بن مصعب، أبلى في خدمة المأمون أحسن بلاء وأخلص له ونصح في ولائه وتوطيد ملكه، فولاه خراسان وأطلق يده فيها، فأصبحت دولة طاهرية مستقلة في حكومتها، لا تربطها ببغداد الا خطبة المنبر.

وكان محمد بن عبد الله بن طاهر عظيم النفوذ في الدولة، تميل الخلافة حيث يميل ومات محمد في ذي الحجة من سنة 253 ، وهوالذي أنفذ جيشاً الى يحيى ».

ويظهر أن بني طاهر كانوا كأسيادهم العباسيين يعتقدون بصدق النبي (ص)، وبأنهم غصبوا سلطانه من أهل بيته (ع) وظلموهم وقتلوهم بغير حق.

١٨٢

فقد روى أبوالفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتله يحيى بن عمر العلوي، فأرسل عائلته الى خراسان، لأنه كان يعتقد أن قتله لبني علي (ع) سيسبب زوال ملكه! « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان، وقال: إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة، وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج »! « مقاتل الطالبيين / 423 ».

وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات الداخلية بين خلفاء بني عباس، ومات محمد بن عبد الله بن طاهر في حرب المعتز في أواخر سنة 253 : فـ « اشتد وجد المعتز عليه، وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله ». « الأعلام: 6 / 222 ».

وانتهت دولة آل طاهر بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك! « نثر الدرر: 1 / 265 ».

ويؤكد ما ذكرنا من اعتقاد بني طاهر بأهل البيت (ع) ما رواه الصدوق في الخصال / 53: « عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال: كنت واقفاً على أبي وعنده أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبوالصلت الهروي: حدثني علي بن موسى الرضا، وكان والله رضاً كما سمي، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي (ع) قال: قال رسول الله (ص): الايمان قولٌ وعملٌ فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سُعُوطُ المجانين، إذا سُعِطَ به المجنون أفاق ».

١٨٣

5. تدل قصيدة ابن الرومي على أنه كان شيعياً (رحمه الله). وشعره ملئ بالصنعة وفيه تكلف، وهو لايرقى الى شعر الطبقة الأولى من شعراء العصر العباسي.

كما تدل قصيدته على أن الأبنة والشذوذ كان منتشراً في شخصيات العباسيين، وأن العلويين كانوا طاهرين من هذا الرجس، لاحظ قوله:

أروني امرأ منهم يُزَنُّ بأُبنة

ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

وقوله: يُزَنُّ بأبنةٍ: فعل زَنَّ بتشديد النون بمعنى: اتَّهم.

قال ابن فارس «3/5»: « يقال أزننت فلاناً بكذا، إذا اتهمته به. وهو يُزَنُّ به ».

دور قم المميز في زمن الإمام الهادي (ع)

1. تميزت قم بموقعها الجغرافي ، في طريق خراسان، فكل قاصد من العراق أوالحجاز الى خراسان وما وراء النهر، يمر بها.

2. وتميزت ثانياً بمركزها التجاري ، فقد كانت ضريبتها السنوية مليوني درهم!

قال الطبري « 7 / 183 »: « وفي هذه السنة « 210 » خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج. ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج وكان خراجهم ألفي ألف درهم ». وتقدم ذلك في سيرة الإمام الجواد (ع).

3. وتميزت ثالثاً بشجاعة أهلها وثوراتهم، فقد احتاج المأمون في مهاجمتها الى ثلاث فرق، وكان عمدة أهلها الأشعريون.

قال البلاذري في فتوحه « 2 / 386 »: « وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت عنوةً وقتل من أهلها خلق كثير ».

١٨٤

وقال البلاذري في فتوحه « 2 / 398 »: « ولما كانت سنة 253 ، وجه أمير المؤمنين المعتز بالله، موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان. وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته ».

وفي رجال الطوسي / 443: « إبراهيم بن عبد الله بن سعيد، قال: لما توجه موسى بن بغا إلى قم فوطأها وطأة خشنة، وعظم بها ما كان فعل بأهلها، فكتبوا بذلك إلى أبي محمد صاحب العسكر (ع) يسألونه الدعاء لهم، فكتب إليهم أن ادعوا بهذا الدعاء في وتركم، وهو وذكر الدعاء ». « محمد بن الحسين بن سعيد بن عبد الله بن سعيد الطبري، يكنى أبا جعفر، خاصي، روى عنه التلعكبري وقال: سمعت منه سنة ثلاثين وثلاث مائة وفيما بعدها، وله منه إجازة. وسمع منه الدعاء الذي كتب به إلى أهل قم، وروى حديث ابن بغا لما توجه إلى قم ».

وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان سنة 253 قبل وفاة الهادي (ع) بسنة، وقبل قتل المعتز بسنتين. « ثقات ابن حبان: 2 / 331 ». وسيأتي ذكرها إن شاء الله في سيرة الإمام العسكري (ع).

وتميزت قم بأنها مصدر نصرة للأئمة (ع) « وكان قد سعيَ بأبي الحسن إلى المتوكل، وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ». « تاريخ الذهبي: 18 / 199 ».

١٨٥

وكان القميون يحملون أخماسهم وهداياهم الى الإمام (ع) في سامراء، وكانت الدولة تحاول كشف ذلك ومعاقبة القميين.

وتميزت قم خامساً، بأنها العاصمة الدينية لأهل البيت (ع) في إيران، فقد كانت مركزاً علمياً فيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة (ع)، وكان الشيعة يأخذون منهم فتاواهم ومعالم دينهم، ويدفعون اليهم أخماسهم ليوصلوها الى الإمام (ع).

« وعن الصادق (ع): إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهوالكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ». « البحار: 57 / 216 ».

هذا، وكان لقم صلة بمصر لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها الى مصر، ونبغ منهم قادة عسكريون كالقائد المعروف: محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل البجة في السودان الذين منعوا المسلمين مناجم الذهب، فوضع لهم خطة وانتصر عليهم، وأسر ملكهم علي بابا، وجاء به أسيراً الى سامراء سنة 241.

وقد روى الطبري تفصيل ذلك في تاريخه « 7 / 379 ».

١٨٦

الفصل التاسع:

مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين (ع)

كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق

قال الخليل في العين « 3 / 338 »: « الحنبل: الضخم البطن في قصر. ويقال: هوالخُف أوالفرو الخلق. والحِنبال والحِنبالة: القصير الكثيرالكلام ».

وأضاف ابن منظور « 11 / 182 »: « الحَنْبَل والحِنْبَال والحِنْبَالة: القصيرالكثير اللحم. والحُنْبُل: طَلْعُ أُمّ غَيْلان ». وهي شجرة العُضَاه، وثمرها كاللوبياء لايؤكل .

وكان أحمد بن محمد بن حنبل من العلماء العاديين في بغداد، ولم يشتهرحتى أحضره المأمون ليمتحنه في خلق القرآن في سنة 212، فقد كان المأمون يُحضرالعلماء ويحذرهم من القول بأن القرآن غير مخلوق، لأنها تعني أنه قديمٌ مع الله تعالى، وأن الله مركبٌ وكلامه جزءٌ منه، وهذا شرك!

فإذا أصرَّ أحدٌ منهم على أن القرآن قديم، كان يُعَزَّره ويحرمه من تولي القضاء. وفي سنة 218، أرسلوا الى المأمون أربعة علماء الى طرطوس ليمتحنهم وكان منهم أحمد بن حنبل، وقبل أن يصلوا جاءهم خبر موت المأمون، فأرجعوهم الى السجن ببغداد، وواصل المعتصم سياسة أخيه المأمون في امتحانهم.

قال السبكي في طبقات الشافعية « 2 / 53 »: « سمعت أبا العباس بن سعد يقول: لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مَرْوٍ: أحمد بن حنبل أبوعبد الله، وأحمد

١٨٧

بن نصر بن مالك الخزاعي، ومحمد بن نوح بن ميمون، المضروب، ونعيم بن حماد، وقد مات في السجن مقيداً. فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه، وهذه نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك، دعاه عبد الله الإمام هارون وهوالواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة، فجعله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون. والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل. والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك. وكذلك نعيم بن حماد ».

اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته!

اتهموه بأنه آوى ثائراً علوياً، وهي تهمة عقوبتها القتل! قال الذهبي في تاريخه « 18 / 84 »: « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم. فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلَبة، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا وإذا أبوعبد الله قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: وَرَدَ على أمير المؤمنين أن عندكم علوياً ربصته لتبايع عليه وتُظهره. في كلام طويل. ثم قال له مظفر: ما تقول؟

١٨٨

قال: ما أعرف من هذا شيئاً، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وآثره لأدعوالله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار. في كلام كثير غير هذا. وقال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ.

قال: فأحْلَفَهُ بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين.

قال: وفتشوا منزل أبي عبد الله والسِّرْب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ »!

أقول: يدل اتهامهم على الشعبية الواسعة للعلويين ورُعب السلطة منهم! وكان المتوكل يعرف أن أحمد ليس في خط العلويين، لكنه من خوفه احتمل أن يكونوا أغروه! كما تفاجأ ابن حنبل فسارع بالقول: « إني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي ومكرهي، وأوثره عليَّ، وأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار ». فقبل منه المتوكل وسُرَّ به واستقدمه الى سامراء وأكرمه، واتفق معه .

أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات

قال الآلوسي في جلاء العينين « 1 / 242 »: « بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من ولايته لتسيير أحمد بن حنبل، فقد نقل غير واحد أنه وجه المتوكل إلى إسحق بن إبراهيم يأمره بحمله إليه، فوجه إسحق إليه وقال له: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي يأمرني بإشخاصك إليه فتأهب لذلك ».

وأحضره المتوكل في أواخر عمره، وكان أحمد يومها في الثالثة والسبعين، وعاش بعدها ثلاث سنوات ونصفاً.

١٨٩

ففي تاريخ الذهبي « 18 / 119 »: « ولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله فذهب إليه فقرأ عليه كتاب المتوكل فقال له: يأمرك بالخروج. فقال: أنا شيخ ضعيف عليل. فكتب عبد الله بما رد عليه، فورد جواب الكتاب بأن أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجه عبد الله جنوده، فباتوا على بابنا أياماً حتى تهيأ أبوعبد الله للخروج، فخرج، وخرج صالح، وعبد الله، وأبو رميلة.

قال صالح: كان حَمْلُ أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين، فكان قَلَّ يومٌ يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ...

لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام، ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به، فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً، وجعلت أنا أدعولأمير المؤمنين، ودعوت لوصيف. ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ ولم يعلم أبوعبد الله، فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار قالوا: هذه دار إيتاخ. فقال: حولوني، إكتروا لي. فلم نزل حتى اكترينا له داراً.

وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والفاكهة والثلج وغير ذلك. فما نظر إليها أبوعبد الله، ولا ذاق منها شيئاً.

وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهماً. وكان يحيى بن خاقان وابنه عبيد الله وعلي بن الجهم، يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل.

١٩٠

ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً، وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام لا يأكل ولا يشرب، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام. قال: إني مطيق. قلت: بحقي عليك. قال: فإني أفعل، فأتيته بسويق فشرب. ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده، فقال له عبيد الله بن يحيى: فإن أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك. قال: هم مستعفون فردها عليه، فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله.

ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر، فبعث إليه أبوعبد الله: إنهم في كفاية وليست بهم حاجة. فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فأمسك أبوعبد الله. فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.

قال حنبل: فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج، ودخل المطبب على المتوكل فقال: يا أمير المؤمنين أحمد ليست به علة في بدنه، إنما هومن قلة الطعام والصيام والعبادة.

وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل. فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه ويدعوله ويجعله في حجره. فامتنع أبوعبد الله من ذلك، ثم أجاب رجاء أن يطلق وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز فامتنع، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه.

١٩١

وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق، فدخل أبوعبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه، فلما رأته قالت: يا بني، الله الله في هذا الرجل فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله فَأْذَنْ له فليذهب. فدخل أبوعبد الله على المعتز فقال: السلام عليكم وجلس، ولم يسلم عليه بالإمرة. قال: فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول: لما دخلت عليه وجلست قال مؤدب الصبي: أصلح الله الأمير، هذا الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك. فرد عليه الغلام وقال: إن علمني شيئاً تعلمته. قال أبوعبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره. وكان صغيراً.

فأذن له بالإنصراف، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن تفرش لك حَرَّاقَة تنحدر فيها. فقال أبوعبد الله: أطلبوا لي زورقاً فأنحدر فيه الساعة، فطلبوا له زورقاً فانحدر فيه من ساعته ..

وجاء عن لسان ولده الآخر صالح: فلما كان من الغد جاء يعقوب فقال: البشرى يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد أعفيتك عن لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار. فإن شئت فالبس القطن، وإن شئت فالبس الصوف. فجعل يحمد الله على ذلك ».

أقول: توجد عدة روايات عن إحضار أحمد الى سامراء. وقد حاول أحمد ومحبوه أن يقولوا إنه كان زاهداً في الدنيا، ولم يكن راغباً في تكريم المتوكل، ولا بالمناصب والأموال، لأن المتوكل عند المسلمين ظالم لا يجوز الركون اليه!

١٩٢

وفي كلام أحمد وأبنائه نقاط ضعف، ومنها كلام أحمد عن صغر سن المعتز، بينما كان عمره لما زاره أحمد نحوسبع عشرة سنة. فقد خلع نفسه سنة 255 ، وعمره أربع وعشرون سنة. « مروج الذهب: 4 / 81 ».

اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة!

في النهاية لابن كثير « 10 / 373 »: « وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع وثلاثين ومائتين، ثم مكث إلى سنة وفاته، وما من يوم إلا ويسأل عنه المتوكل ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها، ويستشيره في أشياء تقع له. ولما قدم المتوكل بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من قبولها وتفرقتها، وقال: إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره، فردها ».

وفي تاريخ الذهبي « 20 / 203 »: « قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: أمر المتوكل بمساءلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء ».

أي أمر أن يأخذوا برأيه في تعيين القضاة في الدولة، فلايعينوا إلا من وافق عليه. وفي المقابل تبنى أحمد طاعة المتوكل، ونشر أحاديث التشبيه والتجسيم!

قال المَلَطي العسقلاني في: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / 7: « وقال أمير المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل: يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة فأظهرني على السنة والجماعة. وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين، مما كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه ».

١٩٣

وقال تلميذه أبو بكر المروذي: « سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردُّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححها وقال: قد تلقتها الأمة بالقبول، وتُمَرُّ الأخبار كما جاءت ». « طبقات الحنابلة لأبي يعلى: 1 / 56 ».

وهذه هي أحاديث صفات الله تعالى ورؤيته بالعين، التي رفضها الأئمة من أهل البيت (ع) ومالك بن أنس صاحب المذهب، ويريدها المتوكل!

مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي (ع)

بدأ حكم المتوكل أواخر سنة 232 . وفي سنة 233 ، أحضرالإمام الهادي (ع) الى سامراء وفرض عليه الإقامة الجبرية، وحاول قتله بتهمة أنه ينوي الخروج عليه فظهرت للإمام (ع) كرامات ومعجزات، فهابه وزراء المتوكل والقادة وأحبوه، وكانت أم المتوكل تعتقد أنه ولي الله تعالى وتنذر له النذور في المهمات!

وفي السنة التالية استقدم المتوكل المحدثين المجسمين، الذين يقولون إن الله يُرى بالعين، والقرآن غير مخلوق، وقرَّبهم وأعطاهم جوائز ومناصب.

وكان المتوكل يريد تغيير خط الخلافة فيتبنى المجسمة، لكن نفوذ ابن دؤاد كان قوياً، فهوالذي دبَّر خلافة أبيه المعتصم ورتَّبَ قتل العباس بن المأمون. وهوالذي رتب بيعة أخيه الواثق. وهو الذي خلع ابن الواثق ودبَّر بيعة المتوكل وأخرجه من السجن وجاء به الى كرسي الخلافة.

قال في تاريخ بغداد « 1 / 314 »: « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد، ويستحي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق، وعقد

١٩٤

الأمر له والقيام به من بين الناس. فلما فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أول ما وليَ المتوكل الخلافة، ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه.

ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم وَحَدَّرَهُم إلى بغداد، وولي يحيى بن أكثم ما كان إلى ابن أبي دؤاد ».

فكان المتوكل يمهد تمهيدات لضرب ابن دؤاد، الى أن تم عزله في سنة 237، وجاء بابن حنبل الى سامراء، واتخذه مرجعاً.

قال ابن أحمد بن حنبل: « لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلما حاذى بنا قالوا: هذا وصيف، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد: الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك: إن الله قد أمكنك من عدوك، يعني ابن أبي دؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به ». « تاريخ الذهبي: 18 / 119 ».

وهذا يدل على أن وصيفاً اتفق مع المتوكل، وكان مهتماً بأن تكثر الشكاية من ابن أبي دؤاد لتبرير عزله، وإعلان مرجعية أعدائه القائلين بقدم القرآن والتشبيه.

احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر!

وكان عزل ابن دؤاد وتولية خصمه ابن أكثم، وإنزال جثة ابن نصر، ودعوة أحمد الى سامراء وإعلان مرجعيته. كل ذلك حول شهر رمضان سنة 237.

١٩٥

قال ابن كثير في النهاية « 10 / 306 »: « ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة، أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين إلى بعد عيد الفطر بيوم أويومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية (رحمه الله). وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق ».

وقال في النهاية « 10 / 348 »: « وفي عيد الفطر منها « سنة 237 » أمر المتوكل بإنزال جثة أحمد بن نصر الخزاعي، والجمع بين رأسه وجسده وأن يسلم إلى أوليائه، ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً، واجتمع في جنازته خلق كثير جداً، وجعلوا يتمسحون بها وبأعواد نعشه، وكان يوماً مشهوداً. ثم أتوا إلى الجذع الذي صلب عليه فجعلوا يتمسحون به، وأرهج العامة بذلك فرحاً وسروراً، فكتب المتوكل إلى نائبه يأمره بردعهم عن تعاطي مثل هذا، وعن المغالاة في البشر.

ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم الكلام لوتكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت. وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير.

ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل واستدعاه من بغداد إليه، فاجتمع به فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه فاستحيا منه أحمد كثيراً، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه، ثم نزعها نزعاً عنيفاً وهويبكي رحمه الله تعالى.

١٩٦

وارتفعت السُّنَّة جداً في أيام المتوكل عفا الله عنه، وكان لايولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد، وكان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبي دؤاد عن مشورته، وقد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر ».

أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل

كانت مدة مرجعية أحمد للدولة ثلاث سنوات ونصفاً، لأن مجيئه الى سامراء في شهر رمضان سنة 337، ووفاته في ربيع الثاني سنة 341.

لكنها كانت مرجعية مؤثرة، حيث حققت إنجازين كبيرين عند أصحابهما:

الأول: ترسيخ حزب المجسمة النواصب، الذين كان يقودهم ابن صاعد، وعرفوا بإسم الصاعدية. وكانوا في زمن المتوكل وبعده تياراً متطرفاً.

ويظهر أنهم صاروا بعد ذلك مذهباً لهم آراؤهم التي تخالف المسلمين!

قال المقدسي في البدء والتاريخ « 5 / 149 »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا « ص » لأنه رويَ: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

وهم مجسمة الحنابلة الذين يشكو منهم أهل بغداد وأئمة الحنابلة المعتدلون كابن الجوزي. وهم الأجداد الحقيقيون لابن تيمية وأتباعه الوهابية.

والإنجاز الثاني: تأليف صحيح البخاري، فقد كان البريد يصل من المتوكل في سامراء الى أحمد بن حنبل في بغداد كل يوم، وكان البخاري مشغولاً بتأليف

١٩٧

كتابه، وقد زار أحمد بن حنبل ثمان مرات، وكان يسانده ويمدحه، وكان تعيين جميع القضاة ومساعدات جميع المحدثين عن طريق أحمد بن حنبل.

وعندما أكمل البخاري صحيحه عرضه على أحمد فارتضاه، وطلب منه أن يسكن بغداد، فكان البخاري يتأسف لأنه لم يسمع كلامه، ولم يأت الى بغداد.

قال الخطيب في تاريخ بغداد « 2 / 22 »: « محمد بن يوسف يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ماودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قال أبوعبد الله: فأنا الآن أذكر قوله ».

وفي تغليق التعليق لابن حجر « 5 / 423 »: « قال العقيلي: لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة ».

محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية!

1. لن تستطيع أن تفهم نظرية عمر بن الخطاب بأن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أحرف، فقد قال بعض محبيه إنه حاول فهمها ثلاثين سنة وتوصل الى بضعة ثلاثين وجهاً، لكن ليس منها وجهٌ معقول!

ولن تستطيع حتى لوكنت حنبلياً أن تفهم محنة ابن حنبل التي أحيت الدين! وهي أنه سجن سنتين، وضربوه ثمانية وثلاثين سوطاً، فأحيا بذلك الدين!

١٩٨

قالوا: حبس هو وثلاثة، فمات أحدهم في الطريق، ومات الثاني في السجن بعد عشر سنين، وقتل الثالث بعد سجنه بأكثر من عشر سنين، وعفوا عن أحمد، فأحيا الله الدين بمن أطلقوه، وليس بمن قتلوه، ولا بمن مات في السجن!

ولن تستطيع معرفة كيف صار ابن حنبل أعظم شخص في الأمة بعد النبي (ص)!

قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 13 و 227 »: « قال علي بن المديني: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبوبكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل في يوم المحنة! ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل. قال قلت له: يا أبا الحسن ولا أبوبكر الصديق؟ قال: ولا أبوبكر الصديق، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب »!

وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 369 »: « قال البخاري: لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة. وقال إسماعيل بن الخليل: لوكان أحمد في بني إسرائيل لكان نبياً ».

وصادروا لأحمد صفات أئمة الشيعة فقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: « أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه »! « تاريخ بغداد: 5 / 183 ».

2. قصة المحنة كما يسمونها: أن المأمون أمر بإرسال المحدثين الذين لم يقبلوا أن القرآن مخلوق، اليه الى طرسوس، فأرسلوا اليه من بغداد أربعة: أحمد بن حنبل،

١٩٩

وأحمد بن نصر، ومحمد بن نوح بن ميمون، ونُعَيْم بن حماد. فمات المأمون وهم في الطريق فأرجعوهم الى بغداد. ومات محمد بن ميمون في الطريق.

وأحضر المعتصم أحمد بن حنبل وناظره وأطلق سراحه، لأنه قال لهم: أنا أقول بقول أمير المؤمنين! كما شهد بذلك المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي.

وبقي نُعيم بن حماد في السجن عشر سنوات حتى مات. وبقي أحمد بن نصر في السجن ثلاث عشرة سنة، فأحضره الواثق ابن المعتصم وقتله.

3. ولكل واحد من هؤلاء الأربعة، قصةٌ ومحاكمةٌ ومناظرةٌ، وأعظمهم بلاءً أحمد بن نصر، حيث أصر على رأيه بأن القرآن غير مخلوق حتى قتله الواثق بيده! لكنهم أهملوه وبالغوا في محنة ابن حنبل، وبالغَ هو في الحديث عن « بطولته » في السجن وصموده تحت سياط الخليفة، وتفوقه في مناظرته لقاضي قضاة المعتصم والواثق. وروى لنفسه ورووا له الكرامات والمعجزات في المحنة!

قال المروزي في مسائل الإمام أحمد / 109، وابن كثير في النهاية، ملخصاً « 10 / 365 »: « وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن، وفي عام ثماني عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء والقضاة والمفتين على القول بخلق القرآن الكريم، وكان آنذاك منشغلاً بغزوالروم، فكتب إلى نائبه إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعوالناس إلى القول بخلق القرآن، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الإمتناع من

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً. قال: فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا (ع) فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة!

قال: فإذا خادمٌ أسودُ قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟قلت: نعم. قال: إنزل فنزلت، فأقعدني في الدهليز ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالةٌ أخرى! من أين يعرف هذا الخادم إسمي وليس في هذا البلد أحدٌ يعرفني ولادخلته قط!

قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إياها وقلت: هذه ثالثة، ثم رجع إليَّ وقال: أدخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: يا يوسف أما بَانَ لك؟ فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: هيهات هيهات، أما إنك لا تسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا. يا يوسف، إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك. كذبوا والله، إنها لتنفع أمثالك، إمض فيما وافيت فإنك سترى ما تحب!

قال: فمضيت إلى باب المتوكل، فنِلت كلما أردت، وانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهومسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت والده وكان يقول: أنا بشارة مولاي (ع) ».

٤٠١

ملاحظات

١. هذا المسيحي من الموصل من كفرتوثا، وهي قرب رأس عين على الحدود العراقية السورية. وكان شخصية لأن المتوكل طلب حضوره للتحقق من قضية أو لتكليفه بأمر مهم. وكان يعرف إمامة أهل البيت وخصائص الإمام (ع) وينذر له، ويعتقد أنه بنذره يؤمِّن نفسه من خطر المتوكل. وهذا من مؤشرات انتشار التشيع في بقاع العالم الإسلامي، وقد ورد أن أحد العمال الشيعة هناك دعا شخصاً الى التشيع، وأرسله ليرى الإمام الهادي (ع) فرآه واستبصر.

٢. لاحظ أن المتوكل كان منع الإمام الهادي (ع) من الركوب، أي الخروج من سامراء والمشاركة في مناسباتها الإجتماعية، فهويخاف أن « يفتن » به الناس!

٣. يظهر أن يعقوب بن يوسف كان يخاف من المتوكل إن هو أسلم وأعلن تشيعه. ومع ذلك بشره الإمام (ع) بأن إيمانه به نوع من الولاية وأنه ينفعه: إنها لتنفع أمثالك. ثم بشره بأنه يرزق ولداً يكون مؤمناً، فكان كما أخبر (ع).

وفي الحديث دليل على أن ولاية أهل البيت (ع) قد توجد بدرجة ما في غير المسلم وأنها تنفعهم في الآخرة.

١٠. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام (ع):

قال الطبري الشيعي في دلائل الإمامة / ٤١٩: « وحدثني أبوعبد الله القمي، قال: حدثني ابن عياش، قال: حدثني أبوالحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي

٤٠٢

الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، قال: حدثني أبي قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصاء فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهومنصرف من دار موسى بن بغا، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي، يعني علي بن محمد بن الرضا (ع) وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو!

قلت: وكيف ذلك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً، ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيلٌ وراعٍ أنك لا تحدث به عني أحداً، فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس.

قلت: لك علي ذلك، فحدثني به وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان.

قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهوعلى فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهوأسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له، لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس وقلت في نفسي: ثياب سودٌ، ودابةٌ سوداء ورجلٌ أسود « كان (ع) شديد السمرة » سواد في سواد في سواد! فلما بلغ إلي وأحدَّ النظر قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد! قال

٤٠٣

أبي (رحمه الله): قلت له: أجل فلا تحدث به أحداً، فما صنعتَ وما قلت له؟ قال: سقط في يدي فلم أجد جواباً. قلت له: أفما ابيض قلبك لما شاهدت؟

قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إليَّ فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم، ثم مات في مرضه ذلك، وحضرت الصلاة عليه (رحمه الله) ».

١١. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر:

روى الكشي « ١ / ٦٠٧ »: « عن علي بن جعفر قال: عُرض أمري على المتوكل، فأقبل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال له: لا تُتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه، فإن عمه أخبرني أنه رافضي، وأنه وكيل علي بن محمد! وحلف أن لا يخرج من الحبس إلا بعد موته! فكتبت إلى مولانا: أن نفسي قد ضاقت، وأني أخاف الزيغ! فكتب إلي: أما إذا بلغ الأمر منك ما أرى فسأقصد الله فيك! فما عادت الجمعة حتى أخرجت من السجن.

وفي رواية ثانية: كان عليّ بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن (ع) فسعيَ به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه، واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار، وكلمه عبيد الله فعرض جامعهُ على المتوكل فقال: يا عبيد الله لوشككت فيك لقلت إنك رافضي، هذا وكيل فلان وأنا على قتله.

٤٠٤

قال: فتأدّى الخبر إلى علي بن جعفر، فكتب إلى أبي الحسن (ع): يا سيدي اللهَ اللهَ فيَّ فقد والله خفتُ أن أرتاب، فوقَّع (ع) في رقعته: أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك. وكان هذا في ليلة الجمعة، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت علته حتى صُرخ عليه يوم الإثنين، فأمر بتخلية كل محبوس عُرض عليه إسمه حتى ذكر هوعلي بن جعفر فقال لعبيد الله: لِمَ لم تعرض عليَّ أمره؟فقال: لا أعود إلى ذكره أبداً. قال: خل سبيله الساعة، وسله أن يجعلني في حل، فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (ع) فجاور بها، وبرأ المتوكل من علته ».

١٢. قصة زينب الكذابة:

روى في الخرائج « ١ / ٤٠٤ » عن أبي هاشم الجعفري قال: « ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص)! فقال لها المتوكل: أنت امرأة شابة، وقد مضى من وقت وفاة رسول الله (ص) ما مضى من السنين. فقالت: إن رسول الله (ص) مسح على رأسي وسأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم.

فدعا المتوكل كل مشايخ آل أبي طالب، وولد العباس وقريش فعرفهم حالها. فروى جماعة وفاة زينب في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية؟ فقالت: كذب وزور، فإن أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت. فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا: لا. قال: أنا برئ من العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها. قالوا: فأحضر ابن الرضا فلعل عنده شيئاً من الحجة غير ما عندنا.

٤٠٥

فبعث إليه فحضر فأخبره خبر المرأة فقال: كذبت فإن زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا. قال: فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها. قال: ولا عليك فهاهنا حجة تلزمها وتلزم غيرها. قال: وما هي؟ قال: لحوم ولد فاطمة (ع) محرمة على السباع، فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرها.

فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنه يريد قتلي. قال: فهاهنا جماعة من ولد الحسن والحسين فأنزل من شئت منهم.

قال: فوالله لقد تغيرت وجوه الجميع! فقال بعض المتعصبين: هويحيل على غيره لم لا يكون هو؟ فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع. فقال: يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك؟ قال: ذاك إليك.

قال: فافعل، قال: أفعل إن شاء الله. فأتى بسلم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد. فنزل أبوالحسن (ع) إليها، فلما دخل وجلس صارت إليه، ورمت بأنفسها بين يديه، ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه!

فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده، ثم يشير له بيده إلى الإعتزال فيعتزل ناحية، حتى اعتزلت كلها وقامت بإزائه.

فقال له الوزير: ما كان هذا صواباً، فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر ـ خبره. فقال له: أبا الحسن ما أردنا بك سوءً، وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت، فأحب أن تصعد. فقام وصار إلى السلم وهي حوله تتمسح بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع. فرجعت وصعد فقال: كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس.

٤٠٦

فقال لها المتوكل: إنزلي. قالت: اللهَ الله ادعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان، حملني الضر ـ على ما قلت! فقال المتوكل: ألقوها إلى السباع، فبعثت والدته واستوهبتها منه، وأحسنت إليها ».

١٣. بستان الآس:

كان المتوكل يسمي ابنه المنتصر الرافضي لأنه يتشيع ويسخر منه! قال المنتصر: « زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه، فلما استوى الآس كُلُّهُ وحَسُن، أمَرَ الفرَّاشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان، وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليَّ وقال: يا رافضي سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرَّ، فإنك تزعم أنه يعلم الغيب! فقلت: يا أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب، فأصبحت إلى أبي الحسن من الغد وأخبرته بالأمر فقال: يا بني، إمض أنت واحفر الأصل الأصفر، فإن تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها! قال ففعلت ذلك فوجدته كما قال، ثم قال لي: يا بني لاتخبرن أحداً بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله ». « الثاقب في المناقب / ٥٣٨ ».

فقد وصفه المتوكل بالرافضي، واتهمه بأنه يعبد إمامه (ع) ووصف سمرة الإمام (ع) بالسواد سخريةً منه. أما الجمجمة فقد تكون لأحد ندمائه الذين قتلهم!

١٤. معرفة الإمام (ع) باللغات:

« عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مرَّ بنا بَغَا أيام الواثق، في طلب الأعراب، فقال أبوالحسن: أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي،

٤٠٧

فخرجنا فوقفنا، فمرت بنا تعبئته فمر بنا تركي، فكلمه أبوالحسن (ع) بالتركي فنزل عن فرسه فقبل حافر فرس الإمام (ع)! فَحَلَّفْتُ التركي فقلت له: ما قال لك الرجل؟ قال: هذا نبي؟! قلت: ليس هو بنبي. قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة ». « الثاقب في المناقب لابن حمزة / ٥٣٩ ».

« عن علي بن مهزيار قال: أرسلت إلى أبي الحسن الثالث (ع) غلامي وكان صقلابياً فرجع الغلام إلي متعجباً، فقلت له: ما لك يا بني؟ قال: وكيف لا أتعجب! ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا »! « الإختصاص للمفيد / ٢٨٩ ».

١٥. لسنا في خان الصعاليك:

« عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على أبي الحسن (ع) فقلت: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: هاهنا أنت يا ابن سعيد، ثم أومأ بيده فقال: أنظر، فنظرت، فإذا بروضات آنفات، وروضات ناظرات، فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء، وأنهار تفور، فحار بصري وحسرت عيني، فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك ».

١٦. برذون أبي هاشم الجعفري:

« عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن (ع) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد والإبطاء عنك،

٤٠٨

فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك على وجه الأرض، فقال: قواك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك. قال: فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت ».

أقول: المسافة بين بغدا وسامرء نحو مئة كيلو متر، ومعناه أن بغل أبي هاشم كان يقطعها في أربع ساعات أو خمس، وأن الله تعالى استجاب دعاء الإمام (ع) بتقوية البغل، أو طيِّ الأرض إذا ركبه أبو هاشم. فكان يتحرك من بغداد صباحاً ويزور الإمام (ع) ويبقى الى العصر، ويعود الى بغداد في نفس اليوم.

١٧. المتوكل يستعين بمشعوذ:

« عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله، وكان المتوكل لعاباً، فأراد أن يُخجل علي بن محمد الرضا (ع)، فقال لذلك الرجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدم بأن يخبز رقاقاً خفافاً واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، فقعدوا وأحضر علي بن محمد (ع) للطعام، وجعل له مسورة عن يساره، وكان عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمد (ع) يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء ومد يده إلى أخرى، فطيرها ذلك الرجل، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع، فضرب علي بن محمد (ع) يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال: خذيه. فابتلعت الرجل

٤٠٩

وعادت كما كانت إلى المسورة. فتحير الجميع ونهض أبوالحسن علي بن محمد، فقال له المتوكل: سألتك إلا جلست ورددته. فقال: والله لا تراه بعدها، أتسلط أعداء الله على أولياء الله! وخرج من عنده، فلم يُرَ الرجل بعد ذلك ». « الثاقب ٤٩٩ ».

وفي رواية أنه قال للمتوكل: « إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل »!

ويظهر أن هذا النوع من الشعبذة كان معروفاً في الهند والعراق مما ورثه البابليون عن هاروت وماروت، فقد استعمله المنصور مع الصادق (ع) والرشيد مع الكاظم (ع). راجع: الإمام الكاظم سيد بغداد / ٢١٢.

١٨. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير:

في الخرائج « ١ / ٤٠٤ »: « قال أبوهاشم الجعفري: إنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت، فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلا يَسمع ما يقال له، ولا يُسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (ع) سكتت الطيور فلا يُسمع منها صوتٌ واحد إلى أن يخرج من عنده، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها.

قال: وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان، وكان يجلس في مجلس له عالٍ ويرسل تلك القوابج تقتتل وهوينظر إليها ويضحك منها، فإذا وافى علي بن محمد (ع) إليه في ذلك المجلس، لصقت تلك القوابج بالحيطان، فلا تتحرك من مواضعها حتى ينصرف، فإذا انصرف عادت في القتال ».

٤١٠

١٩ . إخباره (ع) بأجله:

في الهداية الكبرى / ٣٤٢: « عن أحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي، قالا: حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من بلاد قم وما يليها، وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن (ع) فلما وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجلٌ راكبٌ على جمل، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال: يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم، فقلنا من أين يرحمك الله، فقال: من سيدكم أبي محمد الحسن (ع) يقول لكم: أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمد، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقرحت أجفاننا لذلك، ولم نظهره. وتركنا المسير.

واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه، وأصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن (ع)، فقلنا لا إله إلا الله ترى الرسول الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس، فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه، فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره، فلما جَن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن (ع)، نبكي ونشكي إلى فقده، فإذا نحن بيدٍ قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول: يا أحمد هذا التوقيع إعمل به وبما فيه، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسن المسكين لله رب العالمين، إلى شيعته المساكين: أما بعد، فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل الصبر عليه،

٤١١

وهوحسبنا في أنفسنا وفيكم، ونعم الوكيل، ردوا ما معكم ليس هذا أوان وصوله إلينا، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا، ولوشئنا ما ضركم، وأمرنا يرد عليكم، ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء، إلى أيوب بن سليمان، الآن فردوها فإنه حملها ممتحناً لنا بها بما فعله، وهوممن وقف عند جدي موسى بن جعفر (ع) فردوا صرته عليه، ولا تخبروه!

فرجعنا إلى قم، فأقمنا بها سبع ليال، ثم جاءنا أمر ابنه: قد بعثنا إليكم إبلاً غير إبلكم، إحملا ما قِبَلَكُما عليها واخليا لها السبيل، فإنها واصلةٌ إليَّ! وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق، على وجه الأول منها بهذا الشرح، وهومثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة، فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم، فلما كان من قابل خرجنا نريده (ع) فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا: يا أحمد ومحمد، أدخلا من الباب الذي بجانب الدار، وانظرا ما حملتماه على الإبل، فلا تفقدا منه شيئاً. فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير، فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه، فما فقدنا منه شيئاً، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها، وكنا قد رددناها على أيوب، فقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقلنا: إنها من سيدنا، فصاح بنا من مجلسه: فما لكما بدت لكما سؤاتكما! فسمعنا الصوت فأتينا إليه فقال: من أيوب، وقتَ وردت الصرة عليه فقبل الله إيمانه وقبل هديته، فحمدنا الله وشكرناه على ذلك، فكان هذا من دلائله (ع) ».

٤١٢

الفصل الخامس عشر:

شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي (ع) وأصحابه

روى عن الإمام الهادي (ع) مئات الرواة

عَدَّ الشيخ الطوسي والبرقي قدس الله روحيهما، أسماء خمس مئة وستة عشر راوياً رووا عنه (ع). وعَدَّ السيد القزويني في موسوعة الإمام الهادي (ع) ثلاث مئة وسبعة وتسعين راوياً.

وترجم الباحث عبد الحسين الشبستري في كتابه: النور الهادي الى أصحاب الإمام الهادي (ع)، لمئة وثلاثة وتسعين من أصحابه (ع).

ويتسع المجال لأن نذكر نماذج من أصحابه وتلاميذه، صلوات الله عليه.

١. الصقر بن أبي دلف:

١. لما أحضرالمتوكل الإمام الهادي (ع) الى سامراء، خاطر الصقر بنفسه وذهب الى زيارته، وكان يعرف حاجب المتوكل فأدخله الى السجن، وزار الإمام (ع)، فرآهم حفروا له قبراً بجانبه! وأمره الإمام أن يودع ويذهب، لئلا يبطشوا به! وروى الصقرعدة أحاديث في تنزيه الله تعالى، منها أن الإمام الهادي (ع) قال له: « إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه بَراءٌ في الدنيا والآخرة. يا ابن أبي دلف: إن الجسم محُدث والله محدثه ومجسمه ». « التوحيد للصدوق / ١٠٤ ».

٤١٣

٢. ذكرنا في فصل إحضار الإمام الى سامراء، أنه لا يبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف، الذي خرج على هارون الرشيد، ثم تصالح معه وصار والياً من قبله على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج قرب طهران. وكتبنا عنه في القبائل العراقية، في قبيلة عجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن بعض أولاده بغداد، وبعضهم الحلة، وبقي بعضهم في إيران، وكان منهم ولاةٌ في زمن الواثق والمتوكل.

وقد ترجم المؤرخون لشعراء وعلماء من ذرية أبي دلف، ومنهم ابن إدريس الحلي الفقيه الشيعي المشهور، ومنهم الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب الإكمال في تراجم الرجال. « وفيات الأعيان: ٣ / ٣٠٦ ».

وقال ابن الأثير في الكامل‏ « ٧ / ٤٧٩ »: « ذكر الحرب بين عسكر المعتضد وأولاد أبي دلف. وفيها سار عبيد الله بن سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالجبل فسار عمر إليه بالإمان في شعبان، فأذعن بالطاعة، فخلع عليه وعلى أهل بيته ».

٢ ـ ٣. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي:

١. وهما: أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور، وعم أبيه: أبو موسى: عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور.

ونلاحظ أن محمداً يروي كثيراً عن عم أبيه عيسى، وأن رواياته ذات أهمية خاصة ودلالات كبيرة، فموضوعاتها علاقة الإمام الهادي (ع) بالنظام أو مكانة

٤١٤

أميرالمؤمنين علي (ع) والعترة عند الله تعالى ورسوله (ص). فهي سياسية أو عقائدية من الدرجة الأولى، وقد تبلغ أربعين رواية.

ويروي العم عن الزبير بن بكار « دلائل الإمامة / ٤٧٥ » ويقول إنه من حواريِّي الإمام الهادي (ع). وكان يسكن سامراء من سنة ٢٣٩ ، كما نسبه النجاشي، وروى عنه الجوهري في سامراء، في مقتضب الأثر / ١١ .

٢. روى عنه الطوسي في أماليه / ٢٧٥ ، روايات عديدة، وسنده: الفحام، أي عمير بن يحيى الفحام، عن المنصوري الصغير، عن عم أبيه.

ومنها الرواية المتقدمة المليئة بالدلالة: « الفحام، قال: حدثني المنصوري، قال: حدثني عم أبي، قال: دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب، فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما شربته قط. فقال: أنت تشرب مع علي بن محمد! فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك ولا تضره، ولم أُعِد ذلك عليه.

قال: فلما كان يوماً من الأيام، قال لي الفتح بن خاقان: قد ذَكر الرجل يعني المتوكل، خبر مال يجئ من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به، فقل لي: من أي طريق يجئ حتى أجتنبه! فجئت إلى الإمام علي بن محمد (ع) فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي: لايكون إلا خيرٌ يا أبا موسى، لمَ لمَْ تُعِد الرسالة الأوَّلَة؟ فقلت: أجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه، فبِتْ عندي، فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام، وقال لي: قد جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج وخذ ما معه، فخرجت

٤١٥

فإذا معه الزنفيلجة فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه فقال: قل له: هات المخنقة التي قالت لك القُمِّيَّة: إنها ذخيرة جدتها! فخرجتُ إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه فقال لي: قل له: الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا، فخرجت إليه فقلت له ذلك، فقال: نعم، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة، وأنا أمضي فأجئ بها. فقال: أخرج فقل له: إن الله تعالى يحفظ ما لنا وعلينا، هاتها من كتفك، فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه، فخرج إليه (ع) فقال له: قد كنتُ شاكاً فتيقنتُ »!

٣. تدل الرواية على أن عيسى المذكور كان من شخصيات بني العباس، ومن المحترمين عند المتوكل، بحيث يدخل عليه وهو يشرب الخمر.

وكان المتوكل يعرف علاقته بالإمام (ع) وتشيعه له، فدعاه ليشرب الخمر معه، ثم استثنى وقال له أنت لاتشرب معي، بل تشرب مع إمامك علي بن محمد!

وهذه خباثة من المتوكل، لأنه يعرف أن الإمام (ع) لا يشرب، وقد أجابه عيسى بجواب وقال إنه لم يُعده عليه، حتى لايغضبه!

قال له: « ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا تضره. ولم أعد ذلك عليه ».

ومعناه: أنك لاتعرف علي بن محمد (ع) من هو، وإنك بحبسك إياه وكلامك عليه تضر نفسك، ولا تضره!

٤١٦

٤. يظهر أن عيسى هذا كان لا يقبل الولاية، أو كان المتوكل لا يوليه بلداً بسبب ولائه للعلويين! وقد ولى على المدينة ومكة عمه وابن عمه: محمد بن عيسى، وابن عمه: علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور. « صبح الأعشى: ٤ / ٢٧١ ».

٥. وكان عيسى (رحمه الله) يعيش في سامراء، وله مخصصات من المتوكل كبقية شخصيات العباسيين، فقد قال (رحمه الله) كما في أمالي الطوسي / ٢٨٥: « قصدتُ الإمام (ع) يوماً فقلت: يا سيدي، إن هذا الرجل قد اطَّرَحني وقطع رزقي ومَلَّني، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، فإذا سألتَهُ شيئاً منه يلزمُهُ القبول منك، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته. فقال: تكفى إن شاء الله.

فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل، رسولٌ يتلو رسولاً، فجئت والفتح على الباب قائم فقال: يا رجل، ماتأوي في منزلك بالليل؟ كَدَّ هذا الرجل مما يطلبك! فدخلتُ وإذا المتوكل جالس في فراشه، فقال: يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا نفسك، أيُّ شئ لك عندي؟ فقلت: الصلة الفلانية، والرزق الفلاني، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها.

فقلت للفتح: وافى عليُّ بن محمد إلى هاهنا؟فقال: لا. فقلت: كتب رقعة؟ فقال: لا. فوليت منصرفاً فتبعني، فقال لي: لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك، فالتمس لي منه دعاء! فلما دخلت إليه (ع) قال لي: يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا. فقلت: ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا لي: إنك ما مضيت إليه ولا سألته. فقال: إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه وعودنا إذا سألنا الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا.

٤١٧

قلت: إن الفتح قال لي كيت وكيت. قال: إنه يوالينا بظاهره، ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به. إذا أخلصتَ في طاعة الله، واعترفتَ برسول الله (ص) وبحقنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك.

قلت: يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الأدعية. قال: هذا الدعاء كثيراً ما أدعو الله به، وقد سألت الله أن لا يُخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو:

يا عُدَّتي عند العُدد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسند، ويا واحد يا أحد ويا قل هو الله أحد، أسالك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، أن تصلي عليهم، وتفعل بي كيت وكيت ».

٦. العجيب أن الفتح بن خاقان وزير المتوكل أخبر عيسى أن المتوكل أمره أن يراقب مجئ أموال الى الإمام (ع) من قم، وطلب منه أن يخبره بطريق مجيئها، ليبتعد عن مراقبة ذلك الطريق! وطبيعي أن يراجع عيسى إمامه الهادي (ع) فراجعه، وكان المعجز الذي حكاه عيسى (رحمه الله) ويظهر منه أن عيسى تعود أن يرى من الإمام (ع) الآيات والكرامات!

٧. كان عيسى ملازماً للإمام الهادي (ع)، وقد استفاد منه أنه ألَّفَ كتاباً مما رواه عنه، ويروي كتابه ابن أخيه أحمد، ولم يصل الينا مع الأسف.

قال النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة / ٢٩٧: « عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور أبو موسى السر من رائي، روى عن أبي الحسن علي بن محمد (ع). أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام قال: حدثنا أبو الحسن

٤١٨

محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى قال: حدثنا عم أبو موسى عيسى بن أحمد، عن أبي الحسن (ع) بالنسخة ».

٨. ويظهر من الرواية حسن فهم الفتح بن خاقان وزير المتوكل، فقد فهم أن الإمام الهادي (ع) دعا لعيسى فليَّن الله له قلب المتوكل، فأوصى عيسى أن يطلب من الإمام (ع) أن يدعو له، وأجاب الإمام (ع) عن طلبه بقوله: الدعاء لمن يدعو به. إذا أخلصت في طاعة الله، واعترفت برسول الله (ص) وبحقنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك.

ومعناه: أن استجابة الدعاء متوقفة على نوعية الشخص الذي يدعو، وكل مسلم يطيع الله ويوالي النبي وعترته الطاهرين (ع)، إذا دعا، لايحرمه الله تعالى.

وتعبيره (ع) عن الفتح: يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه، تعبير دقيقٌ، وهو حالة أقل من العداء الصريح.

٩. نلاحظ أن عيسى يستعمل كلمة الإمام مطلقة بدون قيد للإمام الهادي (ع) فيقول دخلت على الإمام، قلت للإمام الخ. وهذا يدل على أنها في القرن الثالث صارت كالعلم لإمام العترة من أهل البيت (ع).

١٠. في الختام لا بد أن نسجل تعجبنا من إهمال علماء العامة للمنصورييْن، وعدم رواياتهم عنهما، وعدم ترجمتهما في مصادرالجرح والتعديل، مع أنهما عباسيان من أولاد المنصور مؤسس التسنن الجديد. ولعل السبب في ذلك أن رواياتهما رحمهما الله صريحة في التشيع، لا يحتملها حتى بعض الشيعة، كالذي

٤١٩

رواه الرضي في خصائص الأئمة (ع) / ٧٨: « حدثني أبو محمد هارون بن موسى، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور قال: حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدثني الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر (ع) قال: حدثني أبي علي قال: حدثني أبي محمد قال: حدثني أبي علي، قال: حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر، قال: حدثني أبي محمد، قال: حدثني أبي علي، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، والصلاة، قال، قال رسول الله (ص): يا علي، مَثَلُكُم في الناس مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق فمن أحبكم يا علي نجا، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار.

ومَثَلُكُم يا علي مثل بيت الله الحرام، من دخله كان آمناً، فمن أحبكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار. يا علي: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) . ومن كان له عذرٌ فله عذرُهُ، ومن كان فقيراً فله عذره، ومن كان مريضاً فله عذره، وإن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً، في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم »!

فهذا الحديث ثقيل عليهم، لأنه يجعل ولاية علي والعترة (ع)، من أصول الدين.

٤. خيران الأسباطي:

جعل السيد الخوئي في رجاله « ٨ / ٨٧ » خيران الأسباطي، وخيران الخادم، وخيران بن إسحاق الزاكاني واحداً، وهو الظاهر. وقال: ثقةٌ من أصحاب الهادي (ع) وقال الكشي: وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه: حدثني

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477