الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154599 / تحميل: 6638
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

(٥)

بعثته ونزول الوحي إليه

«بَعَثَ اللهُ سُبْحانَهُ نَبِيَّهُ الأَكْرَم عَلَى حِينِ فَتَرةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، وَاعْتِزَام مِنَ الفِتَنِ وَانتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ الحُروبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرةُ الغُرورِ، عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وإياسٍ مِن ثَمرِهَا، وَاغوِرَار مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَار الهُدى، وَظَهَرتْ اَعلامُ الرَّدى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبَها، ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيفَةُ، وَشِعارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ » (١) .

بعث على رأس الأربعين من عمره، وبُشّر بالنبوّة والرسالة، وأمّا الشهر الذي بعث فيه، ففيه أقوال وآراء، فالشيعة الإمامية تبعاً لأئمّة أهل البيت: على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في سبع وعشرين من رجب.

روى الكليني عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وروى أيضاً عن الإمام الكاظمعليه‌السلام أنّه قال: بعث الله عزّ وجلّ محمّداً رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب(٣) .

روى المفيد عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: في اليوم السابع والعشرين من رحب نزلت النبوّة على رسول الله، إلى غير ذلك من الروايات(٤) .

وأمّا غيرهم فمن قائل بأنّه بعث في سبعة عشر من شهر رمضان أو ثمانية عشر أو أربع وعشرين من هذا الشهر أو في الثاني عشر من ربيع الأوّل.

__________________

(١) إقتباس من كلام الإمام أمير المؤمنين في نهج البلاغة الخطبة ٨٥، طبعة عبده.

(٢) و (٣) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

(٤) البحار: ج ١٨ ص ١٨٩ ـ نقلاً عن الكافي وأمالي ابن الشيخ.

١٠١

وبما أنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، كيف وهم نجوم الهدى ومصابيح الدجى وأحد الثقلين الذين تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده، فيجب علينا الوقوف دون نظرهم ولا نجتازه، نعم دلّ الذكر الحكيم على أنّ القرآن نزل في شهر رمضان قال سبحانه:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) ( البقرة / ١٨٥ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ( القدر / ١ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) ( الدخان / ٣ ).

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على نزوله في شهر رمضان.

والإستدلال بهذه الآيات على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث في شهر رمضان مبني على إقتران البشارة بالنبوّة، بنزول القرآن وهو بعد غير ثابت، فلو قلنا بالتفكيك وأنّه بعث في شهر رجب، وبشّر بالنبوّة فيه، ونزل القرآن في شهر رمضان، لما كان هناك منافاة بين بعثته في رجب، ونزول القرآن في شهر رمضان.

ويؤيّد ذلك أي عدم اقتران النبوّة بنزول القرآن ما نقله غير واحد عن عائشة: إنّ أوّل ما بدء به رسول الله من النبوّة حين أراد الله كرامته، الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رؤيا في نومه إلّا جاءت كفلق الصبح، قالت: وحبّب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحبّ إليه من أن يخلو وحده(١) .

لكن الظاهر من ذيل ما روته عائشة أنّ النبوّة كانت مقترنة بنزول الوحي والقرآن الكريم، ولنذكر نص الحديث بتمامه ثمّ نذيّله ببيان بعض الملاحظات حوله.روى البخاري: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه وهو التعبّد في الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاء الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثمّ أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣، السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٣٤.

١٠٢

فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني الثالثة ثمّ أرسلني، فقال:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) (١) .

وفي هذه الرواية تأمّلات واضحة:

١ ـ ما هو المبرّر لجبرئيل أن يروّع النبي الأعظم، وأن يؤذيه بالعصر إلى حدٍّ أنّه يظن انّه الموت ؟ يفعل به ذلك وهو يراه عاجزاً عن القيام بما يأمره به، ولا يرحمه ولا يلين معه ؟

٢ ـ لماذا يفعل ذلك ثلاث مرات لا أكثر ولا أقل ؟

٣ ـ لماذا صدّقه في الثالثة، لا في المرّة الاُولى ولا الثانية مع أنّه يعلم أنّ النبي لا يكذب ؟

٤ ـ هل السند الذي روى به البخاري قابل للإحتجاج مع أنّ فيه الزهري وعروة.

أمّا الزهري فهو الذي عرف بعمالته للحكام، وإرتزاقه من موائدهم، وكان كاتباً لهشام بن عبد الملك ومعلّماً لأولاده، وجلس هو وعروة في مسجد المدينة فنالا من عليٍّ، فبلغ ذلك السجادعليه‌السلام حتى وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك، فحُكِم لأبي على أبيك، وأمّا أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكّة لأريتك كن أبيك(٢) .

أمّا عروة بن الزبير الذي حكم عليه ابن عمر بالنفاق وعدّه الاسكافي من التابعيين الذين يضعون أخباراً قبيحة في عليّعليه‌السلام (٣) .

نعم رواه ابن هشام والطبري في تفسيره وتاريخه(٤) بسند آخر ينتهي إلى

__________________

(١) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

(٢) أي بيت أبيك.

(٣) الصحيح من سيرة النبي الأعظم: ص ٢٢٣.

(٤) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٥، تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٦٢، وتاريخه: ج ٣ ص ٣٥٣.

١٠٣

أشخاص يستبعد سماعهم الحديث عن نفس الرسول الأكرم ودونك أسماؤهم:

١ ـ عبيد بن عمير، ترجمه ابن الاثير، قال: ذكر البخاري أنّه رأى النبي وذكر مسلم أنّه ولد على عهد النبي وهو معدود من كبار التابعين يروي عن عمر وغيره(١) .

٢ ـ عبد الله بن شداد، ترجمه ابن الأثير وقال: ولد على عهد النبي، روى عن أبيه وعن عمر وعليّ(٢) .

٣ ـ عائشة، زوجة النبي، حيث تفرّدت بنقل هذا الحديث ومن المستبعد جداً أن لا يحدّث النبي هذا الحديث غيرها مع تلهف غيرها إلى سماع أمثال هذا الحديث.

نعم ورد مضمون الحديث في تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ونقله من أعلام الطائفة ابن شهر آشوب في مناقبه(٣) أو المجلسي في بحاره(٤) .

لكن الكلام في صحّة نسبة التفسير الموجود إلى الإمام العسكريعليه‌السلام وأمّا المناقب فإنّه يورد الأحاديث والتواريخ مرسلة لا مسندة، والمجلسي اعتمد على هذه المصادر التي عرفت حالها.

وبذلك يظهر أنّه لا دليل على أنّ البشارة بالنبوّة كانت مقترنة بنزول القرآن، وبذلك ينسجم نزول القرآن في شهر رمضان مع كون البعثة في شهر رجب، نعم أورد العلّامة الطباطبائي على هذه النظرية بقوله: إذا بعث النبي في اليوم الثاني والعشرين من شهر رجب وبينه وبين شهر رمضان أكثر من ثلاثين يوماً فكيف تخلو البعثة في هذه المدّة من نزول القرآن ؟ على أنّ سورة العلق أوّل سورة نزلت على رسول الله وأنّها

__________________

(١) اُسد الغابة: ج ٣ ص ٣٥٣.

(٢) نفس المصدر: ج ٤ ص ١٨٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ج ١ ص ٤٠ ـ ٤٤.

(٤) بحار الأنوار: ج ١٨ ص ١٩٦.

١٠٤

نزلت بمصاحبة البعثة(١) .

يلاحظ على ما ذكر:

١ ـ انّ الوجه الأوّل من كلامه مجرّد استبعاد، فأيّ إشكال في أن يكون النبي قد بشّر بالنبوّة ونزِّل القرآن بعد شهر وبضعة أيام.

٢ ـ وأمّا الوجه الثاني فلأنّ الروايات نطقت بأنّها أوّل سورة نزلت وليس فيها ما يدلّ على اقتران نزولها بأوّل عهد البعثة.

سؤال وإجابة:

إذا كان القرآن نازلاً في شهر رمضان فإنّ معناه أنّ مجموعه نزل في هذا الشهر مع أنّه نزل قرابة مدّة ثلاثة وعشرين سنة فكيف التوفيق بين هذين الأمرين ؟

وأمّا الإجابة فقد اُجيب عنه بأجوبة نذكرها واحداً تلو الآخر.

الأوّل: إنّ للقرآن نزولين: نزول دفعي وقد عبّر عنه بلفظ الإنزال الدال على الدفعة، ونزول تدريجي وهو الذي يعبّر عنه بالتنزيل. قال سبحانه:( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ( هود / ١ ) فإنّ هذا الإحكام في مقابل التفصيل، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً، وقطعة قطعة، والإحكام كونه على وجه لا يتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميّز بعض من بعض، لرجوعه إلى معنى واحد، لا أجزاء ولا فصول فيه، فعلى ذلك فالقرآن نزل دفعة واحدة على قلب النبي الأعظم، ثمّ صار ينزل تدريجياً حسب المناسبات والوقائع والأحداث(٢) .

وعلى ذلك فلا مانع من نزول جميع القرآن في شهر رمضان نزولاً دفعياً، ثمّ نزوله نحو ما في بضعة وعشرين سنة.

__________________

(١) تفسير الميزان: ج ٢ ص ١٣.

(٢) الميزان: ج ٢ ص ١٤ ـ ١٦.

١٠٥

ويلاحظ عليه: أنّ ما ذكره مبني على الفرق بين « الإنزال » و « التنزيل »، وأنّ الأوّل عبارة عن النزول الدفعي، والثاني عن النزول التدريجي مع أنّه لا دليل عليه، فإنّ الثاني أيضاً استعمل في النزول الدفعي. قال تعالى حاكياً عن المشركين:( وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) ( الاسراء / ٩٣ ).

وقال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ( الفرقان / ٣٢ ) فلو كان التنزيل هو النزول التدريجي فلماذا وصفه بقوله: « جملة واحدة ».

الثاني: إنّ القرآن نزل دفعة واحدة إلى البيت المعمور حسب ما نطقت به الروايات الكثيرة ثمّ صار ينزل تدريجياً على الرسول الأعظم.

روى حفص بن غياث عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) وإنّما اُنزل في عشرين بين أوّله وآخره، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام « نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثمّ نزل في طول عشرين سنة »(١) .

ولو صحّت الرواية يجب التعبّد بها، وإلّا فما معنى نزول القرآن الذي هو هدى للناس إلى البيت المعمور، وأيّ صلة بهذا النزول بهداية الناس الذي يتكلّم عنه القرآن ويقول:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ) ؟

قال الشيخ المفيد:

« الذي ذهب إليه أبو جعفر(٢) حديث واحد لا يوجب علماً ولا عملاً ونزول

__________________

(١) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ ص ١٨٢، والدر المنثور: ج ٦ ص ٣٧٠.

(٢) مراده الصدوق، وقد ذهب إلى أنّ القرآن قد نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ انزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة.

١٠٦

القرآن على الأسباب الحادثة حالاً لا يدلّ على خلاف ما تضمّنه الحديث، وذلك أنّه قد تضمّن حكم ما حدث، وذكر ما جرى على وجهه، وذلك لا يكون على الحقيقة إلّا لحدوثه عند السبب، الخ.

ثمّ استعرض آيات كثيرة نزلت لحوادث متجددة(١) .

الثالث: إنّ القرآن يطلق على الكلّ والجزء، فمن الممكن أن يكون المراد بنزول القرآن في شهر رمضان هو شروع نزوله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر، فكما يصحّ نسبة النزول إليه في شهر رمضان إذا نزل جملة واحدة، تصحّ نسبتة إليه إذا نزل أوّل جزء منه في شهر رمضان واستمرّ نزوله في الأشهر القادمة طيلة حياة النبي.

فيقال: نزل القرآن في شهر رمضان أي بدأ نزوله في هذا الشهر، وله نظائر في العرف، فلو بدأ فيضان الماء في المسيل يقال جرى السيل في يوم كذا وإن استمرّ جريانه وفيضانه عدّة أيام.

وهذا هو الظاهر من صاحب « المنار » حيث يقول: وأمّا معنى إنزال القرآن في رمضان مع أنّ المعروف باليقين أنّ القرآن نزل منجّماً في مدّة البعثة كلّها، فهو أنّ إبتداء نزوله كان في رمضان، ذلك في ليلة منه سمّيت ليلة القدر أي الشرف، والليلة المباركة كما في آيات اُخرى. وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه، على أنّ لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كلّه ويطلق على بعضه.

الرابع: إنّ جملة القرآن وإن لم تنزل في تلك الليلة، لكن لـمّا نزلت سورة الحمد بها وهي تشتمل على جلِّ معارف القرآن، فكأنّ القرآن اُنزل فيه جميعاً فصحّ أن يقال: إنّا اَنزلناه في ليلة القدر.

يلاحظ عليه: أنّه لو كانت سورة الحمد أوّل سورة نزلت على رسول الله لكان حق الكلام أن يقال: قل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أو يقال:

__________________

(١) تصحيح الإعتقاد: ص ٥٨.

١٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم، قل: الحمد لله ربّ العالمين(١) .

وهذا يعرب عن أنّ سورة الحمد ليست أوّل سورة نزلت على النبي.

هذه هي الوجوه التي ذكرها المفسّرون المحقّقون والثالث هو الأقوى.

أوّل ما نزل على رسول الله:

ذكر أكثر المفسّرين أنّ أوّل سورة نزلت على رسول الله هي سورة العلق، وتدل عليه روايات أئمّة أهل البيت. روى الكليني عن الصادقعليه‌السلام قال: أوّل ما نزل على رسول الله( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) وآخر سورة هو قوله:( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) ومثله عن الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) .

ولعلّ المراد نزول آيات خمس من أوّلها لا جميع السورة.

لأنّ قوله سبحانه في نفس تلك السورة:( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ *عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ) لا يناسب أن تكون أوّل ما نزل، بل هو حاك عن وجود تشريع للصلاة، ووجود من يقيمها حتّى واجه نهي بعض المشركين، وهذا لا يتّفق مع كونه أوّل ما نزل.

أساطير وخرافات

دلّت الأدلة العقلية والآيات القرآنية على أنّ الأنبياء مصونون عن الخطأ والإشتباه في تلقّي الوحي أوّلاً، وضبطه ثانياً، وإبلاغه ثالثاً وأنّهم لا يشكّون فيما يلقى في روعهم من أنّه ربّ العالمين وأنّ ما يعاينونه رسول إله العالمين، والكلام كلامه، لا يشكّون في ذلك طرفة عين ولا يتردّدون بل يتلقّونه بنفس مطمئنة.

__________________

(١) الميزان: ج ٢ ص ٢١ ـ ٢٢.

(٢) البرهان في تفسير القرآن: ج ١ المقدّمة الباب الخامس عشر ص ٢٩، وتاريخ القرآن للزنجاني: ص ٣٠.

١٠٨

هذا هو القرآن الكريم يذكر كيفيّة بدء نزول الوحي إلى موسى وأنّه تلقّاه بلا تردّد ولا تريّث. بذكره في سور مختلفة:

يقول:( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ *إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى *وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ *إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَٰهَ إلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ *اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ *قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) ( طه / ١١ ـ ٣٥ ).

ترى أنّ الكليم عندما فُوجئ بنزول الوحي، تلقّاه بصدر رحب، ولم يتردّد في أنّه وحيه سبحانه وأمره، ولذلك سأل سبحانه أن يشرح له صدره، وييسر له أمره، ويحلّ العقدة التي في لسانه، ويجعل له وزيراً من أهله، يشدّ به أزره ويشركه في أمره.

يقول سبحانه:( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( النحل / ٨ ـ ٩ ).

وجاءت هذه القصة في سورة القصص على وفق ما وردت في السورتين(١) .

ومن لاحظ هذه الآيات يقف على أنّ موقف الأنبياء من الوحي هو موقف الإنسان المتيقّن المطمئنّ إليه، وهذه خاصّة تعمّ جميع الأنبياء:

نرى أنّه سبحانه يذكر رؤية النبي الأكرم، ومواجهته لمعلّمه الذي وصفه القرآن بـ « شديد القوى ».

يقول:( إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ *وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَىٰ *ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ *فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ

__________________

(١) القصص: ٢٩ ـ ٣٥.

١٠٩

مَا أَوْحَىٰ *مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ *أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ) ( النجم / ٤ ـ ١٢ ).

فأي كلمة أصرح في توصيف إيمان النبي واذعانه في مجال الوحي ومواجهة أمينه من قوله سبحانه:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) أي صدق القلب عمل العين. ويحتمل أن يكون المراد، ما رآه الفؤاد.

قال العلّامة الطباطبائي:

فالمراد بالفؤاد، فؤاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمير الفاعل في « ما رأى » راجع إلى الفؤاد، والرؤيا رؤيته ولابدع في نسبة الرؤية وهي مشاهدة العيان إلى الفؤاد، فإنّ للإنسان نوعاً من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواسّ الظاهرة، والتخيّل والتفكّر بالقوى الباطنة كما أنّنا نشاهد من أنفسنا أنّنا نرى وليست هذه المشاهدة العيانية رؤية بالبصر ولا معلوماً بالفكر، وكذا نرى من أنفسنا أنّنا نسمع ونشمّ ونذوق ونلمس، ونشاهد أنّنا نتخيّل ونتفكّر، وليست هذه الرؤية ببصر أو بشيء من الحواسّ الظاهرة أو الباطنة(١) .

فالله سبحانه يؤيّد صدق النبي فيما يدّعيه من الوحي ورؤية آيات الله الكبرى، سواء كانت بالعين أو بالفؤاد.

وعلى كل تقدير فهذه الآيات وغيرها تدلّ على أنّ الأنبياء وغيرهم لا يشكّون ولا يتردّدون فيما يواجهون من الاُمور الغيبيّة.

وعلى ضوء ذلك تقف على أنّ ما ملأ كتب السيرة وبعض التفاسير في مجال بدء الوحي وأنّه تردّد النبي وشكّ عندما بشّر بالنبوّة وشاهد ملك الوحي وامتلأ روعاً وخوفاً إلى حدّ حاول أن يلقي نفسه من شاهق، وعاد إلى البيت فكلّم زوجته فيما واجهه، وعادت زوجته تسلّيه وتقنعه بأنّه رسول ربّ العالمين، وأنّ ما رآه ليس إلّا أمراً حقّاً.

إذ كل ذلك أساطير وخرافات، تناقض البراهين العقليّة وما يتلقّاه الإنسان

__________________

(١) الميزان: ج ١٩ ص ٣٠.

١١٠

من قصص الأنبياء الواردة في القرآن الكريم، وقد دسّها الأحبار والرهبان وسماسرة الحديث والقصّاصون في كتب القصص والسير والحديث، ونحن نكتفي في المقام بما ذكره البخاري في صحيحه وابن هشام في سيرته، فإنّ استقصاء كل ما ورد حول هذا الموضوع من الروايات المدسوسة يدفع بنا إلى تأليف رسالة مفردة، ولكن فيما ذكرنا غنىً وكفاية. قال البخاري:

( بعد ذكر نزول أمين الوحي عليه في جبل حراء ) « فرجع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد ( رضي الله عنها ) فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة ـ واخبرها الخبر ـ لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان أمرئً تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمخرجي هم ؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وان يدركني يومك، أنصرك نصراً مؤزّراً ثمّ لم ينشب(١) ورقة أن توفّي وفتر الوحي »(٢) .

هذا ما لدى البخاري، وأمّا صاحب السيرة النبوية فبعدما ذكر مسألة الغتّ ينقل عن النبي أنّه قال:

« فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول:

__________________

(١) أي لم يلبث.

(٢) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣.

١١١

يا محمّد، أنت رسول الله وأنا جبرئيل، قال: فوقفت أنظر إليه، فما أتقدّم وما أتأخّر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلّا رأيته كذلك، فما زلت واقفاً، ما أتقدّم أمامي، وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا على مكّة ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثمّ انصرف عنّي وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت ؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكّة ورجعوا إليّ، ثمّ حدّثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عمّ واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إنّي لأرجو أن تكون نبيّ هذه الاُمّة ».

ثمّ يذكر انطلاق خديجة إلى ورقة بن نوفل، وما أجابها به ورقة بنفس النص الذي ذكره البخاري ثمّ يذكر لقاء النبي ورقة بن نوفل، وهو يطوف بالكعبة، فسأله ورقة بما رأى وسمع، فأخبره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنّك لنبيّ هذه الاُمّة.

ثمّ عقبه بذكر ما قامت به خديجة من إمتحان صدق نبوّته فذكر أنّها قالت لرسول الله: أي ابن عمّ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا إذا جاءك ؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فاخبرني به، فجاءه جبرئيل، فقال رسول الله لخديجة: هذا جبرئيل قد جائني، قالت: قم يا بن عمّ فاجلس على فخذي اليسرى، قال: فقام رسول الله فجلس عليها، قالت: هل ترى ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل فاجلس على فخذي اليمنى، فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه ؟ قال: نعم، قالت: فتحوّل واجلس في حجري، فتحوّل فجلس في حجرها، قالت هل تراه، قال: نعم، فتحسّرت وألقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه ؟ قال: لا.

قالت: يا ابن عم أثبت وابشر، فو الله هذا ملك وما هذا بشيطان(١) .

وقال الطبري ـ بعد ما ذكر نزول جبرئيل إليه وتعليم آيات من سورة العلق ـ

__________________

(١) السيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٩، وتاريخ الطبري: ج ٢ ص ٤٩ ـ ٥٠.

١١٢

ثمّ دخلت على خديجة وقلت: زمّلوني زمّلوني حتى ذهب عنّي الروع، ثمّ أتاني وقال: يا محمّد، أنت رسول الله.

قال: لقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتبدّى لي حين هممت بذلك، فقال: يا محمّد، أنا جبرئيل وأنت رسول الله، ثمّ قال: إقرأ، قلت: ما اقرأ ؟ قال: فأخذني فغتني ثلاث مرات حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ قال: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، فقرأت فأتيت خديجة، فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري فقالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً، ووالله إنّك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدّي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ، ثمّ انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، فقالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني فأخبرته خبري، فقال: هذا الناموس الذي اُنزل على موسى بن عمران .

نظرة تحليلية حول هذه النصوص:

إنّ هذه النصوص التاريخية التي نقلها المشايخ كالبخاري وابن هشام والطبري، وتلقّاها الآخرون من بعدهم على أنّها حادثة متسالم عليها تضاد ما يستشفه الإنسان من التدبّر في حالات الأنبياء في القرآن الكريم وتناقض البديهة العقلية، وإليك بيان ما فيها من نقاط الضعف وعلائم الجعل والتهافت:

١ ـ إنّ النبوّة كما عرفت منصب إلهي لا يفيضه الله إلّا على من امتلك زخماً هائلاً من القدرات الروحية والقوى النفسية العالية حتّى يقوى على معاينة الوحي، ومشاهدة الملائكة، فعندئذٍ فلا معنى لما ذكره البخاري: « لقد خشيت على نفسي » أفيمكن أن ينزل الوحي الإلهي على من لا يفرّق بين لقاء الملك، ولقاء الجنّ ومكالمتهما حتى يخشى على نفسه الجنون أو الموت ؟

٢ ـ وأسوأ منه ما ذكره الطبري من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله همّ أن يرمي بنفسه من شاهق من جبل، فندم عليه ورجع عنه حين سمع كلام جبرئيل يا محمّد أنا جبرئيل.

١١٣

إنّ هذا الكلام يعرب من أنّ نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن نفساً مستعدّة لتحمّل الوحي على حدٍّ، همّ أن يقتل نفسه بالإلقاء من حالق، وهل هذا هو إلّا نفس الجنون الذي كان المشركون يصفونه به طيلة بعثته، فوا عجباً نسمعه من أعوانه وأنصاره ومن لسان زوجته.

٣ ـ إنّ قول خديجة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّا والله ما يخزيك الله أبداً، تعرب من أنّها كانت أوثق إيماناً بنبوّته من نفس الرسول. فهل يمكن التفوّه بذلك، وما حاجة النبي الأعظم الذي قال تعالى في حقّه:( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) ( النساء / ١١٣ ) إلى هذا التسلّي ؟

وهل يصحّ ويتعقّل للنبيّ أنّ يشكّ في رسالة نفسه حتى يستفتي زوجته فيزول شكّه بتصديقها ؟

٤ ـ ذكر البخاري: أنّ خديجة انطلقت مع رسول الله إلى ورقة، فأخبره رسول الله بما وقع، فأجاب ورقة بما ذكره، وأنّ ما نزل عليه هو الناموس الذي نزّله الله على موسى.

ومعنى هذا أن يكون ورقة أعلم بالسرّ المودع في قلب رسول الله من نفسه، كما أنّ معنى ذلك أنّ كلاًّ من الزوجين كانا شاكّين في صحّة الرسالة، فانطلقا إلى متنصّر وقرأ وريقات من العهدين حتى يستفتياه ليزيل عنهما حجاب الشكّ وغشاوة الريب.

٥ ـ إنّ معنى ما ذكره البخاري من أنّ ورقة أخبر النبي بأنّه: يسخر منك قومك، وتعجّب الرسول من هذا الكلام وقال: أوَ مخرجي هم ؟ كون المرسل إليه أعلم من الرسول وأفضل منه.

٦ ـ إنّ ما ذكره ابن هشام من « أنّ الرسول كلّما رفع رأسه إلى السماء لينظر ما رأى إلّا رجلاً صافّاً قدميه في اُفق السماء، فلا ينظر في ناحية من السماء إلّا رآه فيها » يشبه كلام المصابين في عقولهم وشعورهم، والمختلّين في أفكارهم، فلا يرون في

١١٤

كل جهة إلّا الصورة المتخيّلة، لطغيانها على مخيّلتهم وشعورهم، أعاذنا الله من إكالة الشنائع بمقام النبوّة، بنحو لا يليق بساحة العاديين من الناس فضلاً عن النبي الأكرم خاتم النبّيين.

٧ ـ انظر إلى امتحان خديجة لبرهان النبوّة فإنّ ظاهرها أنّها كانت شاكّة في نبوّة زوجها، ولكنّها استحصلت اليقين على الوجه الذي سمعته في كلام ابن هشام والطبري، ولكن أيّ صلة بين رفع الخمار وإلقائه وعدم رؤية جبرئيل، وهل لرفع الخمار وتعرية شعر الرأس تأثير في غياب أمين الوحي عن البيت ؟

نرى أنّه سبحانه ينقل في غير سورة من سور القرآن الكريم مكالمة الملائكة زوجة الخليل وتبشيرها بالولد. فهل يمكن لنا أن نقول بعد ذلك: إنّ زوجة الخليل لو كانت مكشوفة الرأس لامتنعت الملائكة من دخول بيت الخليلعليه‌السلام (١) .

٨ ـ إنّ ورقة بن نوفل على حدّ تصريح نصّ الرواية كان بادي بدئه نصرانيّاً بعد ما كان مشركاً، فمقتضى الحال أن يشبّه الرسول الأعظم بالمسيح الذي كان يعتقد بنبوّته، لا بالكليم. أو ليس هذا يعرب عن لعب يد الأحبار في الخفاء في اصطناع هذه الأحاديث ودورهم في تشويش صفاء رسالة الرسول الأعظم بأمثال هذه الأساطير والمهاترات والخرافات ؟

٩ ـ نحن على ثقة ويقين بأنّ النبوّة منصب إلهي لا يتحمّله إلّا الأمثل والأكمل فالأكمل من الناس، ولا يقوم بأعباء مهامّها إلّا من امتلك قدرة روحيّة خاصّة تبعث في نفسه الإذعان والتسليم، والإنقياد حينما يتمثّل له رسول ربّه وأمين وحيه، فلا تأخذه المسكنة ولا يستولي عليه الخوف عند سماع كلامه ووحيه، وقد درسنا وضع الكليم عندما فوجئ بالوحي فما حاق به الروع ولا أحاط به الخوف، ولا همّ بإلقاء نفسه إلى غير ذلك ممّا ورد في هذه الروايات، وبما أنّ القرآن هو المرجع الفصل في تمييز الصحيح من الزائف في جملة هذه الروايات، يحتّم علينا إعراض

__________________

(١) لاحظ هود / ٧١ ـ ٧٣، الذاريات / ٢٩.

١١٥

الصفح عنها، وضربها عرض الجدار، مضافاً إلى ما فيها من التناقض والإختلاف في حكاية القصّة كما هو معلوم لمن تدبّر فيها وتأمّل نصّها.

فرية إنقطاع الوحي وفتوره

وقفت على ما في الروايات السابقة من الوضع والدسّ بهدف تشويه صفاء صورة رسالة النبي الأكرم فهلمّ معي نتناول فريّة اُخرىٰ حيكت على المنوال السابق، وللغاية نفسها، وهي مسألة إنقطاع الوحي بعد نزول آيات من سورة العلق، أو سورة المدّثّر، أو سورة الحمد على إختلاف في أوّل سورة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حازت هذه الفريّة على نصيب من الإهتمام والتقدير في كتب السيرة والتفسير حتى أنّ الدكتور محمد حسنين هيكل، أرسلها إرسال المسلّمات في كتابه بقوله: « انتظر هداية الوحي إيّاه في أمره، وإنارة سبيله، فإذا الوحي يفتر، واذا جبرئيل لا ينزل عليه، إلى أن قال: وقد روي أنّ خديجة قالت له: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قلاك، وتولّاه الخوف والوجل، فهما يبعثانه من جديد، يطوي الجبال وينقطع في حراء يرتفع بكل نفسه ابتغاء وجه ربّه، يسأله: لم قلاه بعد أن اصطفاه، ولم تكن خديجة بأقلّ منه إشفاقاً ووجلاً ويتمنّى الموت صادقاً لولا أنّه كان يشعر بما اُمر به، فيرجع إلى نفسه، ثمّ إلى ربّه، ولقد قيل: إنّه فكّر في أن يلقي بنفسه من أعلى حراء أو أبي قبيس وأيّ خير في الحياة، وهذا أكبر عمله فيها يدوي وينقضي، وأنّه لذلك تساور هذه المخاوف، إذ جاءه الوحي بعد طول فتوره إذ نزل عليه بقوله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ *مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ *وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَىٰ *وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ *أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ *وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ *فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ *وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) ( سورة الضحى )(١) .

هذا ما يذكره رجل مثقّف في القرن العشرين في حقّ النبي الأكرم، فما ظنّك

__________________

(١) حياة محمد:صلى‌الله‌عليه‌وآله ص ١٣٨.

١١٦

بغيره ممّن سبقه من الذين يتعبّدون بالروايات ولا يحيدون عن شاذّها وسقيمها قيد أنملة وقدر شعرة، وأصل هذه الفرية يرجع إلى كتب السيرة والتفسير، وإليك ما يذكره واحد من اُولئك من أمثال الطبري حيث يصرّح في تفسيره بما نصّه:

١ ـ عن ابن زيد: إنّ هذه السورة نزلت على رسول الله تكذيباً من الله قريشاً في قيلهم لرسول الله لـمّا أبطأ عليه الوحي: « قد ودّع محمّداً ربّه وقلاه ».

٢ ـ عن ابن عبد الله: لـمّا أبطأ جبرئيل على رسول الله، فقالت امرأة من أهله أو من قومه: ودّع الشيطان محمّداً، فأنزل الله عليه:( وَالضُّحَىٰ ـ إلى قوله ـمَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٣ ـ عن جندب البجلي: أبطأ جبرئيل على النبي حتّى قال المشركون ودّع محمّداً ربّه، فأنزل الله:( وَالضُّحَىٰ ) ، وعنه قالت امرأة لرسول الله: ما أرى صاحبك إلّا قد أبطأ عنك، فنزلت هذه الآية.

وفي رواية اُخرى عنه: ما أرى شيطانك إلّا قد تركك.

٤ ـ عن عبد الله بن شدّاد: إنّ خديجة قالت للنبي: ما أرىٰ ربّك إلّا قد قَلاك، فأنزل الله( وَالضُّحَىٰ ) .

٥ ـ وعن قتادة: إنّ جبرئيل أبطأ عليه بالوحي، فقال ناس من الناس: ما نرى صاحبك إلّا قد قلاك فودّعك، فأنزل الله:( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ) .

٦ ـ عن ضحّاك: مكث جبرئيل عن محمّد، فقال المشركون: قد ودّعه ربّه.

٧ ـ عن ابن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبرئيل على النبي، فجزع جزعاً شديداً، وقالت خديجة: أرىٰ ربّك قد قلاك، ممّا نرى من جزعك، قالت: فنزلت( وَالضُّحَىٰ ) (١) .

يلاحظ على هذه الروايات وعلى فرية فترة إنقطاع الوحي عدّة اُمور:

١ ـ إنّ هذه الروايات التي ملأت التفاسير وكتب السير، رويت عن اُناس

__________________

(١) تفسير الطبري: ج ٣٠ ص ١٤٨.

١١٧

لا يركن إليهم كقتادة والضحّاك فإنّهما كانا يأخذان تفسير القرآن عن أهل الكتاب(١) . وجلّها بل كلّها مرسلة غير مسندة إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ إنّها اختلفت في القائل الذي شَمِت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « ودّعك ربّك » فربّما يسند إلى امرأة من أهله أو قومه وأخرى إلى المشركين، وثالثة إلى طائفة من الناس، ورابعة إلى زوجته خديجة.

إنّ نسبة هذا القول إلى زوجته الطاهرة التي آمنت به يوم بعثته، وقد عرفت فضائله وملكاته النفسيّة عن كثب، بعيداً جداً.

٣ ـ إنّها إختلفت في مدة الفترة. قال ابن جريج: احتبس عنه الوحي إثنى عشر يوماً، وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً، وقيل: خمسة وعشرين يوماً، وقال مقاتل: أربعين يوماً(٢) ، وفي فتح الباري: أنّه كان ثلاث سنين(٣) كما في السيرة الحلبية وفيها أيضاً: إنّها كانت سنتين ونصفاً، وعلى قول: سنتين، إلى غير ذلك من الأقوال المختلفة التي تحكي عن اضطراب في الرواية والنقل.

٤ ـ إختلفت الرواية في سبب الفترة وانقطاع الوحي.فتارة زعموا أنّ سببها هو أنّ اليهود سألوا رسول الله عن مسائل ثلاث: عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن قصّة ذي القرنين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأخبركم غداً ولم يستثنِ، فاحتبس عنه الوحي، فقال المشركون ما قالوا، فنزلت(٤) .

واُخرى قالوا: إنّ عثمان أهدى إليه عنقود عنب، وقيل: عذق تمر، فجاء سائل فأعطاه، ثمّ اشتراه عثمان بدرهم، فقدّمه إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) لاحظ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج ١، ص ٤٦، يقول: إنّ الضحّاك بن مزاحم فقد ضعّفه يحيى بن سعيد، وكان يروي عن ابن عباس، وأنكر ملاقاته له حتى قيل: إنّه ما رآه قط، وأمّا قتادة فقد ذكروا: أنّه مدلّس.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٢.

(٣) السيرة الحلبية: ج ١ ص ٢٦٢.

(٤) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧، نقله عن جمع من المفسّرين.

١١٨

ثانياً، ثمّ عاد السائل فأعطى وهكذا ثلاث مرّات، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ملاطفاً لا غضبان: أسائل أنت يا فلان أم تاجر ؟ فتأخّر الوحي أيّاماً فاستوحش فنزلت.

وثالثة: رووا عن ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خولة، وكانت تخدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جرواً دخل تحت سرير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمات ولم تشعر به، فمكث رسول الله أربعة أيّام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ! ما حدث في بيت رسول الله ؟ جبرئيل لا يأتيني ! فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير من هذا اليوم، فأخذ برده فلبسها وخرج، فقلت في نفسي لو هيّأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجرو ميّتاً، فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار، فجاء النبي ترعد لحيته، وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة، فقال يا خولة دثّريني، فأنزل الله تعالى:( وَالضُّحَىٰ *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) (١) .

ورابعة: انّ المسلمين قالوا: يا رسول الله مالك لا ينزل عليك الوحي ؟ فقال: وكيف ينزل عليّ وأنتم لا تنقّون رواجبكم، وفي رواية: براجمكم، ولا تقصّون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، فنزل جبرئيل بهذه السورة، فقال النبي: ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً، ولكنّي عبد مأمور، ثمّ أنزل عليه:( وَمَا نَتَنَزَّلُ إلّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ) ( مريم / ٦٤ )(٢) .

إنّ الإضطراب في أسباب فتور الوحي يعرب عن عدم صحّة الرواية.

أمّا الأوّل: فلو صحّ فيلزم كون زمان إنقطاع الوحي في العام السابع من البعثة لأنّ قريشاً أرسلت النضر بن الحارث وابن أبي معيط إلى أحبار اليهود يسألانهم عن النبي الأكرم، وقالا لهم: إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار اليهود: سلوهُ عن ثلاث نأمركم بهنّ، فجاؤوا إلى رسول الله، وقالوا: يا محمّد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل، قد كانت لهم قصّة عجب ،

__________________

(١) روح المعاني: ج ١٠ ص ١٥٧.

(٢) تفسير القرطبي: ج ٢٠ ص ٩٣، ومجمع البيان: ج ١٠ ص ٥٥ ( طبع صيدا ).

١١٩

وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن، فانصرفوا عنه(١) .

نحن ننزّه ساحة النبي الأكرم الذي نشأ نشأة الأنبياء في عالم مليء بالطهر والقداسة، أن يخبرهم على وجه قاطع بأنّه سيجيبهم غداً على أسئلتهم تلك فمن أين علم أنّه سبحانه ينزل الوحي عليه غداً ؟ أو أنّه سبحانه يجيب عن أسئلتهم عن طريق الوحي ؟

وأمّا الثاني: فهو أشبه بالقصص الموضوعة، فهل من المعتاد أن يباع عنقود عنب ثلاث مرّات في السوق، ومثله عذق تمر ؟ ولعلّ الجاعل كان يهدف إلى إختلاق الفضائل لعثمان فحسب أنّ هذا الموضع مناسب له.

وأمّا الثالث: فبعيد جدّاً، إذ كيف يمكن أن يموت الجرو تحت سرير النبي أو في زاوية من البيت ولا يلتفت إليه ؟ على أنّ ظاهر الرواية أنّ إنقطاع الوحي كان بعد تلقّي النبي لنزول الوحي مدّة مديدة حيث إنّ خولة قالت: « وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة » فإنّ ذلك يعرب عن أنّ الحادثة كانت في أزمنة متأخّرة من بدء البعثة، مع أنّ المشهور أنّها كانت في بدء البعثة ـ أي بعد نزول سورة العلق أو آيات منها ـ.

وأمّا الرابع: فهو أشبه بحمل النبي وزر الغير، فإنّ عدم قصّ المسلمين شواربهم، أو عدم تنظيف رواجبهم لا يكون سبباً لإنقطاع الوحي، قال سبحانه:( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ( الأنعام / ١٦٤ ).

هذه الوجوه كلّها تدفع بنا إلى القول: بأنّ مسألة انقطاع الوحي فرية تاريخيّة صنعتها يد الجعل والوضع لغاية أو غايات خاصّة، ولم يكن هناك أيّة فترة، وإنّما المسألة كانت بصورة اُخرى:

__________________

(١) السيرة النبويّة لإبن هشام: ج ١، ص ٣٠١.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً. قال: فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضا (ع) فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة!

قال: فإذا خادمٌ أسودُ قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟قلت: نعم. قال: إنزل فنزلت، فأقعدني في الدهليز ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالةٌ أخرى! من أين يعرف هذا الخادم إسمي وليس في هذا البلد أحدٌ يعرفني ولادخلته قط!

قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إياها وقلت: هذه ثالثة، ثم رجع إليَّ وقال: أدخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: يا يوسف أما بَانَ لك؟ فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: هيهات هيهات، أما إنك لا تسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا. يا يوسف، إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك. كذبوا والله، إنها لتنفع أمثالك، إمض فيما وافيت فإنك سترى ما تحب!

قال: فمضيت إلى باب المتوكل، فنِلت كلما أردت، وانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهومسلم حسن التشيع، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت والده وكان يقول: أنا بشارة مولاي (ع) ».

٤٠١

ملاحظات

١. هذا المسيحي من الموصل من كفرتوثا، وهي قرب رأس عين على الحدود العراقية السورية. وكان شخصية لأن المتوكل طلب حضوره للتحقق من قضية أو لتكليفه بأمر مهم. وكان يعرف إمامة أهل البيت وخصائص الإمام (ع) وينذر له، ويعتقد أنه بنذره يؤمِّن نفسه من خطر المتوكل. وهذا من مؤشرات انتشار التشيع في بقاع العالم الإسلامي، وقد ورد أن أحد العمال الشيعة هناك دعا شخصاً الى التشيع، وأرسله ليرى الإمام الهادي (ع) فرآه واستبصر.

٢. لاحظ أن المتوكل كان منع الإمام الهادي (ع) من الركوب، أي الخروج من سامراء والمشاركة في مناسباتها الإجتماعية، فهويخاف أن « يفتن » به الناس!

٣. يظهر أن يعقوب بن يوسف كان يخاف من المتوكل إن هو أسلم وأعلن تشيعه. ومع ذلك بشره الإمام (ع) بأن إيمانه به نوع من الولاية وأنه ينفعه: إنها لتنفع أمثالك. ثم بشره بأنه يرزق ولداً يكون مؤمناً، فكان كما أخبر (ع).

وفي الحديث دليل على أن ولاية أهل البيت (ع) قد توجد بدرجة ما في غير المسلم وأنها تنفعهم في الآخرة.

١٠. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام (ع):

قال الطبري الشيعي في دلائل الإمامة / ٤١٩: « وحدثني أبوعبد الله القمي، قال: حدثني ابن عياش، قال: حدثني أبوالحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي

٤٠٢

الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة، قال: حدثني أبي قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصاء فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهومنصرف من دار موسى بن بغا، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي، يعني علي بن محمد بن الرضا (ع) وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو!

قلت: وكيف ذلك؟ قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً، ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيلٌ وراعٍ أنك لا تحدث به عني أحداً، فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس.

قلت: لك علي ذلك، فحدثني به وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان.

قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهوعلى فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهوأسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له، لا وحق المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس وقلت في نفسي: ثياب سودٌ، ودابةٌ سوداء ورجلٌ أسود « كان (ع) شديد السمرة » سواد في سواد في سواد! فلما بلغ إلي وأحدَّ النظر قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد! قال

٤٠٣

أبي (رحمه الله): قلت له: أجل فلا تحدث به أحداً، فما صنعتَ وما قلت له؟ قال: سقط في يدي فلم أجد جواباً. قلت له: أفما ابيض قلبك لما شاهدت؟

قال: الله أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إليَّ فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواده، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم، ثم مات في مرضه ذلك، وحضرت الصلاة عليه (رحمه الله) ».

١١. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر:

روى الكشي « ١ / ٦٠٧ »: « عن علي بن جعفر قال: عُرض أمري على المتوكل، فأقبل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال له: لا تُتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه، فإن عمه أخبرني أنه رافضي، وأنه وكيل علي بن محمد! وحلف أن لا يخرج من الحبس إلا بعد موته! فكتبت إلى مولانا: أن نفسي قد ضاقت، وأني أخاف الزيغ! فكتب إلي: أما إذا بلغ الأمر منك ما أرى فسأقصد الله فيك! فما عادت الجمعة حتى أخرجت من السجن.

وفي رواية ثانية: كان عليّ بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن (ع) فسعيَ به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه، واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار، وكلمه عبيد الله فعرض جامعهُ على المتوكل فقال: يا عبيد الله لوشككت فيك لقلت إنك رافضي، هذا وكيل فلان وأنا على قتله.

٤٠٤

قال: فتأدّى الخبر إلى علي بن جعفر، فكتب إلى أبي الحسن (ع): يا سيدي اللهَ اللهَ فيَّ فقد والله خفتُ أن أرتاب، فوقَّع (ع) في رقعته: أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك. وكان هذا في ليلة الجمعة، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت علته حتى صُرخ عليه يوم الإثنين، فأمر بتخلية كل محبوس عُرض عليه إسمه حتى ذكر هوعلي بن جعفر فقال لعبيد الله: لِمَ لم تعرض عليَّ أمره؟فقال: لا أعود إلى ذكره أبداً. قال: خل سبيله الساعة، وسله أن يجعلني في حل، فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن (ع) فجاور بها، وبرأ المتوكل من علته ».

١٢. قصة زينب الكذابة:

روى في الخرائج « ١ / ٤٠٤ » عن أبي هاشم الجعفري قال: « ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص)! فقال لها المتوكل: أنت امرأة شابة، وقد مضى من وقت وفاة رسول الله (ص) ما مضى من السنين. فقالت: إن رسول الله (ص) مسح على رأسي وسأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم.

فدعا المتوكل كل مشايخ آل أبي طالب، وولد العباس وقريش فعرفهم حالها. فروى جماعة وفاة زينب في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية؟ فقالت: كذب وزور، فإن أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت. فقال لهم المتوكل: هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا: لا. قال: أنا برئ من العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها. قالوا: فأحضر ابن الرضا فلعل عنده شيئاً من الحجة غير ما عندنا.

٤٠٥

فبعث إليه فحضر فأخبره خبر المرأة فقال: كذبت فإن زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا. قال: فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها. قال: ولا عليك فهاهنا حجة تلزمها وتلزم غيرها. قال: وما هي؟ قال: لحوم ولد فاطمة (ع) محرمة على السباع، فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرها.

فقال لها: ما تقولين؟ قالت: إنه يريد قتلي. قال: فهاهنا جماعة من ولد الحسن والحسين فأنزل من شئت منهم.

قال: فوالله لقد تغيرت وجوه الجميع! فقال بعض المتعصبين: هويحيل على غيره لم لا يكون هو؟ فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع. فقال: يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك؟ قال: ذاك إليك.

قال: فافعل، قال: أفعل إن شاء الله. فأتى بسلم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسد. فنزل أبوالحسن (ع) إليها، فلما دخل وجلس صارت إليه، ورمت بأنفسها بين يديه، ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه!

فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده، ثم يشير له بيده إلى الإعتزال فيعتزل ناحية، حتى اعتزلت كلها وقامت بإزائه.

فقال له الوزير: ما كان هذا صواباً، فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر ـ خبره. فقال له: أبا الحسن ما أردنا بك سوءً، وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت، فأحب أن تصعد. فقام وصار إلى السلم وهي حوله تتمسح بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع. فرجعت وصعد فقال: كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس.

٤٠٦

فقال لها المتوكل: إنزلي. قالت: اللهَ الله ادعيتُ الباطل، وأنا بنت فلان، حملني الضر ـ على ما قلت! فقال المتوكل: ألقوها إلى السباع، فبعثت والدته واستوهبتها منه، وأحسنت إليها ».

١٣. بستان الآس:

كان المتوكل يسمي ابنه المنتصر الرافضي لأنه يتشيع ويسخر منه! قال المنتصر: « زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه، فلما استوى الآس كُلُّهُ وحَسُن، أمَرَ الفرَّاشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان، وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليَّ وقال: يا رافضي سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرَّ، فإنك تزعم أنه يعلم الغيب! فقلت: يا أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب، فأصبحت إلى أبي الحسن من الغد وأخبرته بالأمر فقال: يا بني، إمض أنت واحفر الأصل الأصفر، فإن تحته جمجمة نخرة، واصفراره لبخارها ونتنها! قال ففعلت ذلك فوجدته كما قال، ثم قال لي: يا بني لاتخبرن أحداً بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله ». « الثاقب في المناقب / ٥٣٨ ».

فقد وصفه المتوكل بالرافضي، واتهمه بأنه يعبد إمامه (ع) ووصف سمرة الإمام (ع) بالسواد سخريةً منه. أما الجمجمة فقد تكون لأحد ندمائه الذين قتلهم!

١٤. معرفة الإمام (ع) باللغات:

« عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مرَّ بنا بَغَا أيام الواثق، في طلب الأعراب، فقال أبوالحسن: أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي،

٤٠٧

فخرجنا فوقفنا، فمرت بنا تعبئته فمر بنا تركي، فكلمه أبوالحسن (ع) بالتركي فنزل عن فرسه فقبل حافر فرس الإمام (ع)! فَحَلَّفْتُ التركي فقلت له: ما قال لك الرجل؟ قال: هذا نبي؟! قلت: ليس هو بنبي. قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة ». « الثاقب في المناقب لابن حمزة / ٥٣٩ ».

« عن علي بن مهزيار قال: أرسلت إلى أبي الحسن الثالث (ع) غلامي وكان صقلابياً فرجع الغلام إلي متعجباً، فقلت له: ما لك يا بني؟ قال: وكيف لا أتعجب! ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا »! « الإختصاص للمفيد / ٢٨٩ ».

١٥. لسنا في خان الصعاليك:

« عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على أبي الحسن (ع) فقلت: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: هاهنا أنت يا ابن سعيد، ثم أومأ بيده فقال: أنظر، فنظرت، فإذا بروضات آنفات، وروضات ناظرات، فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء، وأنهار تفور، فحار بصري وحسرت عيني، فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك ».

١٦. برذون أبي هاشم الجعفري:

« عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن (ع) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد والإبطاء عنك،

٤٠٨

فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك على وجه الأرض، فقال: قواك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك. قال: فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت ».

أقول: المسافة بين بغدا وسامرء نحو مئة كيلو متر، ومعناه أن بغل أبي هاشم كان يقطعها في أربع ساعات أو خمس، وأن الله تعالى استجاب دعاء الإمام (ع) بتقوية البغل، أو طيِّ الأرض إذا ركبه أبو هاشم. فكان يتحرك من بغداد صباحاً ويزور الإمام (ع) ويبقى الى العصر، ويعود الى بغداد في نفس اليوم.

١٧. المتوكل يستعين بمشعوذ:

« عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله، وكان المتوكل لعاباً، فأراد أن يُخجل علي بن محمد الرضا (ع)، فقال لذلك الرجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدم بأن يخبز رقاقاً خفافاً واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، فقعدوا وأحضر علي بن محمد (ع) للطعام، وجعل له مسورة عن يساره، وكان عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمد (ع) يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء ومد يده إلى أخرى، فطيرها ذلك الرجل، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع، فضرب علي بن محمد (ع) يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال: خذيه. فابتلعت الرجل

٤٠٩

وعادت كما كانت إلى المسورة. فتحير الجميع ونهض أبوالحسن علي بن محمد، فقال له المتوكل: سألتك إلا جلست ورددته. فقال: والله لا تراه بعدها، أتسلط أعداء الله على أولياء الله! وخرج من عنده، فلم يُرَ الرجل بعد ذلك ». « الثاقب ٤٩٩ ».

وفي رواية أنه قال للمتوكل: « إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل »!

ويظهر أن هذا النوع من الشعبذة كان معروفاً في الهند والعراق مما ورثه البابليون عن هاروت وماروت، فقد استعمله المنصور مع الصادق (ع) والرشيد مع الكاظم (ع). راجع: الإمام الكاظم سيد بغداد / ٢١٢.

١٨. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير:

في الخرائج « ١ / ٤٠٤ »: « قال أبوهاشم الجعفري: إنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت، فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلا يَسمع ما يقال له، ولا يُسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (ع) سكتت الطيور فلا يُسمع منها صوتٌ واحد إلى أن يخرج من عنده، فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها.

قال: وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان، وكان يجلس في مجلس له عالٍ ويرسل تلك القوابج تقتتل وهوينظر إليها ويضحك منها، فإذا وافى علي بن محمد (ع) إليه في ذلك المجلس، لصقت تلك القوابج بالحيطان، فلا تتحرك من مواضعها حتى ينصرف، فإذا انصرف عادت في القتال ».

٤١٠

١٩ . إخباره (ع) بأجله:

في الهداية الكبرى / ٣٤٢: « عن أحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي، قالا: حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من بلاد قم وما يليها، وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن (ع) فلما وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجلٌ راكبٌ على جمل، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال: يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم، فقلنا من أين يرحمك الله، فقال: من سيدكم أبي محمد الحسن (ع) يقول لكم: أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمد، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقرحت أجفاننا لذلك، ولم نظهره. وتركنا المسير.

واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه، وأصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن (ع)، فقلنا لا إله إلا الله ترى الرسول الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس، فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه، فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره، فلما جَن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن (ع)، نبكي ونشكي إلى فقده، فإذا نحن بيدٍ قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول: يا أحمد هذا التوقيع إعمل به وبما فيه، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسن المسكين لله رب العالمين، إلى شيعته المساكين: أما بعد، فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل الصبر عليه،

٤١١

وهوحسبنا في أنفسنا وفيكم، ونعم الوكيل، ردوا ما معكم ليس هذا أوان وصوله إلينا، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا، ولوشئنا ما ضركم، وأمرنا يرد عليكم، ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء، إلى أيوب بن سليمان، الآن فردوها فإنه حملها ممتحناً لنا بها بما فعله، وهوممن وقف عند جدي موسى بن جعفر (ع) فردوا صرته عليه، ولا تخبروه!

فرجعنا إلى قم، فأقمنا بها سبع ليال، ثم جاءنا أمر ابنه: قد بعثنا إليكم إبلاً غير إبلكم، إحملا ما قِبَلَكُما عليها واخليا لها السبيل، فإنها واصلةٌ إليَّ! وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق، على وجه الأول منها بهذا الشرح، وهومثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة، فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم، فلما كان من قابل خرجنا نريده (ع) فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا: يا أحمد ومحمد، أدخلا من الباب الذي بجانب الدار، وانظرا ما حملتماه على الإبل، فلا تفقدا منه شيئاً. فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير، فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه، فما فقدنا منه شيئاً، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها، وكنا قد رددناها على أيوب، فقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقلنا: إنها من سيدنا، فصاح بنا من مجلسه: فما لكما بدت لكما سؤاتكما! فسمعنا الصوت فأتينا إليه فقال: من أيوب، وقتَ وردت الصرة عليه فقبل الله إيمانه وقبل هديته، فحمدنا الله وشكرناه على ذلك، فكان هذا من دلائله (ع) ».

٤١٢

الفصل الخامس عشر:

شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي (ع) وأصحابه

روى عن الإمام الهادي (ع) مئات الرواة

عَدَّ الشيخ الطوسي والبرقي قدس الله روحيهما، أسماء خمس مئة وستة عشر راوياً رووا عنه (ع). وعَدَّ السيد القزويني في موسوعة الإمام الهادي (ع) ثلاث مئة وسبعة وتسعين راوياً.

وترجم الباحث عبد الحسين الشبستري في كتابه: النور الهادي الى أصحاب الإمام الهادي (ع)، لمئة وثلاثة وتسعين من أصحابه (ع).

ويتسع المجال لأن نذكر نماذج من أصحابه وتلاميذه، صلوات الله عليه.

١. الصقر بن أبي دلف:

١. لما أحضرالمتوكل الإمام الهادي (ع) الى سامراء، خاطر الصقر بنفسه وذهب الى زيارته، وكان يعرف حاجب المتوكل فأدخله الى السجن، وزار الإمام (ع)، فرآهم حفروا له قبراً بجانبه! وأمره الإمام أن يودع ويذهب، لئلا يبطشوا به! وروى الصقرعدة أحاديث في تنزيه الله تعالى، منها أن الإمام الهادي (ع) قال له: « إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه بَراءٌ في الدنيا والآخرة. يا ابن أبي دلف: إن الجسم محُدث والله محدثه ومجسمه ». « التوحيد للصدوق / ١٠٤ ».

٤١٣

٢. ذكرنا في فصل إحضار الإمام الى سامراء، أنه لا يبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف، الذي خرج على هارون الرشيد، ثم تصالح معه وصار والياً من قبله على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج قرب طهران. وكتبنا عنه في القبائل العراقية، في قبيلة عجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن بعض أولاده بغداد، وبعضهم الحلة، وبقي بعضهم في إيران، وكان منهم ولاةٌ في زمن الواثق والمتوكل.

وقد ترجم المؤرخون لشعراء وعلماء من ذرية أبي دلف، ومنهم ابن إدريس الحلي الفقيه الشيعي المشهور، ومنهم الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب الإكمال في تراجم الرجال. « وفيات الأعيان: ٣ / ٣٠٦ ».

وقال ابن الأثير في الكامل‏ « ٧ / ٤٧٩ »: « ذكر الحرب بين عسكر المعتضد وأولاد أبي دلف. وفيها سار عبيد الله بن سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالجبل فسار عمر إليه بالإمان في شعبان، فأذعن بالطاعة، فخلع عليه وعلى أهل بيته ».

٢ ـ ٣. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي:

١. وهما: أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور، وعم أبيه: أبو موسى: عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور.

ونلاحظ أن محمداً يروي كثيراً عن عم أبيه عيسى، وأن رواياته ذات أهمية خاصة ودلالات كبيرة، فموضوعاتها علاقة الإمام الهادي (ع) بالنظام أو مكانة

٤١٤

أميرالمؤمنين علي (ع) والعترة عند الله تعالى ورسوله (ص). فهي سياسية أو عقائدية من الدرجة الأولى، وقد تبلغ أربعين رواية.

ويروي العم عن الزبير بن بكار « دلائل الإمامة / ٤٧٥ » ويقول إنه من حواريِّي الإمام الهادي (ع). وكان يسكن سامراء من سنة ٢٣٩ ، كما نسبه النجاشي، وروى عنه الجوهري في سامراء، في مقتضب الأثر / ١١ .

٢. روى عنه الطوسي في أماليه / ٢٧٥ ، روايات عديدة، وسنده: الفحام، أي عمير بن يحيى الفحام، عن المنصوري الصغير، عن عم أبيه.

ومنها الرواية المتقدمة المليئة بالدلالة: « الفحام، قال: حدثني المنصوري، قال: حدثني عم أبي، قال: دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب، فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما شربته قط. فقال: أنت تشرب مع علي بن محمد! فقلت له: ليس تعرف من في يدك، إنما يضرك ولا تضره، ولم أُعِد ذلك عليه.

قال: فلما كان يوماً من الأيام، قال لي الفتح بن خاقان: قد ذَكر الرجل يعني المتوكل، خبر مال يجئ من قم، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به، فقل لي: من أي طريق يجئ حتى أجتنبه! فجئت إلى الإمام علي بن محمد (ع) فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي: لايكون إلا خيرٌ يا أبا موسى، لمَ لمَْ تُعِد الرسالة الأوَّلَة؟ فقلت: أجللتك يا سيدي. فقال لي: المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه، فبِتْ عندي، فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام، وقال لي: قد جاء الرجل ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج وخذ ما معه، فخرجت

٤١٥

فإذا معه الزنفيلجة فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه فقال: قل له: هات المخنقة التي قالت لك القُمِّيَّة: إنها ذخيرة جدتها! فخرجتُ إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه فقال لي: قل له: الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا، فخرجت إليه فقلت له ذلك، فقال: نعم، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة، وأنا أمضي فأجئ بها. فقال: أخرج فقل له: إن الله تعالى يحفظ ما لنا وعلينا، هاتها من كتفك، فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه، فخرج إليه (ع) فقال له: قد كنتُ شاكاً فتيقنتُ »!

٣. تدل الرواية على أن عيسى المذكور كان من شخصيات بني العباس، ومن المحترمين عند المتوكل، بحيث يدخل عليه وهو يشرب الخمر.

وكان المتوكل يعرف علاقته بالإمام (ع) وتشيعه له، فدعاه ليشرب الخمر معه، ثم استثنى وقال له أنت لاتشرب معي، بل تشرب مع إمامك علي بن محمد!

وهذه خباثة من المتوكل، لأنه يعرف أن الإمام (ع) لا يشرب، وقد أجابه عيسى بجواب وقال إنه لم يُعده عليه، حتى لايغضبه!

قال له: « ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا تضره. ولم أعد ذلك عليه ».

ومعناه: أنك لاتعرف علي بن محمد (ع) من هو، وإنك بحبسك إياه وكلامك عليه تضر نفسك، ولا تضره!

٤١٦

٤. يظهر أن عيسى هذا كان لا يقبل الولاية، أو كان المتوكل لا يوليه بلداً بسبب ولائه للعلويين! وقد ولى على المدينة ومكة عمه وابن عمه: محمد بن عيسى، وابن عمه: علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور. « صبح الأعشى: ٤ / ٢٧١ ».

٥. وكان عيسى (رحمه الله) يعيش في سامراء، وله مخصصات من المتوكل كبقية شخصيات العباسيين، فقد قال (رحمه الله) كما في أمالي الطوسي / ٢٨٥: « قصدتُ الإمام (ع) يوماً فقلت: يا سيدي، إن هذا الرجل قد اطَّرَحني وقطع رزقي ومَلَّني، وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، فإذا سألتَهُ شيئاً منه يلزمُهُ القبول منك، فينبغي أن تتفضل علي بمسألته. فقال: تكفى إن شاء الله.

فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل، رسولٌ يتلو رسولاً، فجئت والفتح على الباب قائم فقال: يا رجل، ماتأوي في منزلك بالليل؟ كَدَّ هذا الرجل مما يطلبك! فدخلتُ وإذا المتوكل جالس في فراشه، فقال: يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا نفسك، أيُّ شئ لك عندي؟ فقلت: الصلة الفلانية، والرزق الفلاني، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها.

فقلت للفتح: وافى عليُّ بن محمد إلى هاهنا؟فقال: لا. فقلت: كتب رقعة؟ فقال: لا. فوليت منصرفاً فتبعني، فقال لي: لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك، فالتمس لي منه دعاء! فلما دخلت إليه (ع) قال لي: يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا. فقلت: ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا لي: إنك ما مضيت إليه ولا سألته. فقال: إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه وعودنا إذا سألنا الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا.

٤١٧

قلت: إن الفتح قال لي كيت وكيت. قال: إنه يوالينا بظاهره، ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به. إذا أخلصتَ في طاعة الله، واعترفتَ برسول الله (ص) وبحقنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك.

قلت: يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الأدعية. قال: هذا الدعاء كثيراً ما أدعو الله به، وقد سألت الله أن لا يُخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو:

يا عُدَّتي عند العُدد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسند، ويا واحد يا أحد ويا قل هو الله أحد، أسالك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً، أن تصلي عليهم، وتفعل بي كيت وكيت ».

٦. العجيب أن الفتح بن خاقان وزير المتوكل أخبر عيسى أن المتوكل أمره أن يراقب مجئ أموال الى الإمام (ع) من قم، وطلب منه أن يخبره بطريق مجيئها، ليبتعد عن مراقبة ذلك الطريق! وطبيعي أن يراجع عيسى إمامه الهادي (ع) فراجعه، وكان المعجز الذي حكاه عيسى (رحمه الله) ويظهر منه أن عيسى تعود أن يرى من الإمام (ع) الآيات والكرامات!

٧. كان عيسى ملازماً للإمام الهادي (ع)، وقد استفاد منه أنه ألَّفَ كتاباً مما رواه عنه، ويروي كتابه ابن أخيه أحمد، ولم يصل الينا مع الأسف.

قال النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة / ٢٩٧: « عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور أبو موسى السر من رائي، روى عن أبي الحسن علي بن محمد (ع). أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام قال: حدثنا أبو الحسن

٤١٨

محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى قال: حدثنا عم أبو موسى عيسى بن أحمد، عن أبي الحسن (ع) بالنسخة ».

٨. ويظهر من الرواية حسن فهم الفتح بن خاقان وزير المتوكل، فقد فهم أن الإمام الهادي (ع) دعا لعيسى فليَّن الله له قلب المتوكل، فأوصى عيسى أن يطلب من الإمام (ع) أن يدعو له، وأجاب الإمام (ع) عن طلبه بقوله: الدعاء لمن يدعو به. إذا أخلصت في طاعة الله، واعترفت برسول الله (ص) وبحقنا أهل البيت، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك.

ومعناه: أن استجابة الدعاء متوقفة على نوعية الشخص الذي يدعو، وكل مسلم يطيع الله ويوالي النبي وعترته الطاهرين (ع)، إذا دعا، لايحرمه الله تعالى.

وتعبيره (ع) عن الفتح: يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه، تعبير دقيقٌ، وهو حالة أقل من العداء الصريح.

٩. نلاحظ أن عيسى يستعمل كلمة الإمام مطلقة بدون قيد للإمام الهادي (ع) فيقول دخلت على الإمام، قلت للإمام الخ. وهذا يدل على أنها في القرن الثالث صارت كالعلم لإمام العترة من أهل البيت (ع).

١٠. في الختام لا بد أن نسجل تعجبنا من إهمال علماء العامة للمنصورييْن، وعدم رواياتهم عنهما، وعدم ترجمتهما في مصادرالجرح والتعديل، مع أنهما عباسيان من أولاد المنصور مؤسس التسنن الجديد. ولعل السبب في ذلك أن رواياتهما رحمهما الله صريحة في التشيع، لا يحتملها حتى بعض الشيعة، كالذي

٤١٩

رواه الرضي في خصائص الأئمة (ع) / ٧٨: « حدثني أبو محمد هارون بن موسى، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور قال: حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور، قال: حدثني الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر (ع) قال: حدثني أبي علي قال: حدثني أبي محمد قال: حدثني أبي علي، قال: حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر، قال: حدثني أبي محمد، قال: حدثني أبي علي، قال: حدثني أبي الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، والصلاة، قال، قال رسول الله (ص): يا علي، مَثَلُكُم في الناس مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق فمن أحبكم يا علي نجا، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار.

ومَثَلُكُم يا علي مثل بيت الله الحرام، من دخله كان آمناً، فمن أحبكم ووالاكم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار. يا علي: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) . ومن كان له عذرٌ فله عذرُهُ، ومن كان فقيراً فله عذره، ومن كان مريضاً فله عذره، وإن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً، في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم »!

فهذا الحديث ثقيل عليهم، لأنه يجعل ولاية علي والعترة (ع)، من أصول الدين.

٤. خيران الأسباطي:

جعل السيد الخوئي في رجاله « ٨ / ٨٧ » خيران الأسباطي، وخيران الخادم، وخيران بن إسحاق الزاكاني واحداً، وهو الظاهر. وقال: ثقةٌ من أصحاب الهادي (ع) وقال الكشي: وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه: حدثني

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477