الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154510 / تحميل: 6633
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

قال الطبري في تاريخه : زعموا أن الحسن البصري لما بلغه قتل حجر وأصحابه ، قال: صلّوا عليهم وكفنّوهم واستقبلوا بهم القبلة؟. قالوا : نعم. قال : حجّوهم وربّ الكعبة.

وذكر كثير من أهل الأخبار أن معاوية لما حضرته الوفاة ، جعل يغرغر بالموت ، ويقول : إن يومي منك يا حجر بن عدي لطويل.

(أقول) : ولكن هيهات ينفع الندم.

ترجمة حجر بن عدي

(الدرجات الرفيعة للسيد علي خان ، ص ٤٢٣)

هو حجر بن عديّ بن معاوية بن جبلة بن الأدبر الكندي. يكنى أبا عبد الرحمن ، ويسمى حجر الخير.

قال ابن عبد البرّ في (الإستيعاب) : كان حجر من فضلاء الصحابة ، شجاعا من المقدمين.

وقال غيره : كان من الأبدال ، وكان صاحب راية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو بعد من الرؤساء والزهاد. وشهد القادسية ، وهو الّذي فتح مرج عذراء. ومحبته وإخلاصه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أشهر من أن تذكر. وكان على كندة يوم صفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان.

وفي (أعلام الزركلي) : وسكن الكوفة إلى أن قدم زياد ابن أبيه واليا عليها ، فدعا به زياد فجاءه ، فحذّره من الخروج على بني أمية. فما لبث أن عرفت عنه الدعوة إلى مناوأتهم والاشتغال في السرّ بالقيام عليهم. فجيء به إلى دمشق ، فأمر معاوية بقتله بعد أن أعطاه الأمان ، فقتل في مرج عذراء (من قرى دمشق) مع أصحاب له.

٣٩٣ ـ إثارة مروان بن الحكم الفتنة بين معاوية والحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٥١ ط إيران)

روى الكلبي أن مروان بن الحكم قال يوما للحسينعليه‌السلام : لو لا فخركم بفاطمة

٣٦١

بم كنتم تفخرون علينا؟. فوثب الحسين (وكان شديد القبضة) فقبض على حلقه فعصره ، ولوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ، ثم تركه.

وأقبل الحسينعليه‌السلام على جماعة من قريش ، فقال : أنشدتكم الله إلا صدّقتموني إن صدقت. أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ومن أخي؟. أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي؟. قالوا : الله م لا.قال : وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه ، طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والله ما بين جابرسا وجابلقا [مدينتان إحداهما بباب المشرق والأخرى بباب المغرب] رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذ كان ، وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك!.

قال : فو الله ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب ، فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه.

٣٩٤ ـ دعايات مفتعلة :

شعر معاوية أن الأمة بكافة فصائلها تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتباره الحاكم الّذي يلي الخلافة بعد هلاك معاوية وبدون منافس. وذلك لشياع ذكره في الأمصار وعلى كل لسان. فهم كانوا لا يشكّون بأن الخلافة سوف تؤول إليه بعد هلاك معاوية. لذلك بدأ معاوية يختلق القصص المنقولة عن بعض الوشّائين والنمّامين ، بأن الحسينعليه‌السلام يفكر في الخروج عليه. لذلك كتب معاوية للحسينعليه‌السلام كتابا يذكّره فيه بعهده وصلحه.

٣٩٥ ـ كتاب معاوية للحسينعليه‌السلام يتهمه فيه بالفتنة وشقّ عصا الطاعة ، ويتوعده بالبطش به :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٣١)

قال السيد علي جلال الحسيني في كتابه (الحسين) ج ١ ص ١٦٤ :

روى ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) ج ١ ص ٢٨٤ وما بعدها ، وأبو عمرو محمّد بن عمر الكشي في (معرفة أخبار الرجال) ، وأبو جعفر الطوسي في (اختيار الرجال) طبع بومبي ص ٣٢ وما بعدها ؛ أن معاوية كتب إلى الحسينعليه‌السلام :

أما بعد ، فقد انتهت إليّ أمور عنك ، إن كانت حقا فقد أظنك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإن أحقّ الناس بالوفاء لمن

٣٦٢

أعطى بيعته ، من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها. وإن كان الّذي بلغني باطلا ، فإنك أنت أعدل الناس لذلك ، وحظّ نفسك فاذكر ، وبعهد الله أوف!. فإنك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك. فاتّق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

٣٩٦ ـ ردّ الحسينعليه‌السلام على كتاب معاوية ، وبيان بعض أعماله ونقضه للعهد:

(المصدر السابق ، ص ١٣٢)

فلما وصل الكتاب إلى الحسين رضي الله عنه ، كتب إليه :

أما بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا بغيرها عندك جدير ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى. وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون. واعلم بأني ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك ، وإلى أوليائك القاسطين (الجائرين) الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشيطان.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظّة والمواثيق المؤكدة ، جرأة على الله واستخفافا بعهده.

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، العبد الصالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه واصفر لونه؟. فقتلته بعد ما أمنّته وأعطيته من العهود ما لو فهمته (الوعول) لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست بمدّع (زياد بن سمية) المولود على فراش (عبيد) عبد ثقيف؟. فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا ، واتبعت هواك بغير هدى من الله. ثم سلطّته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك.

٣٦٣

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب إليك فيه زياد بن سمية أنه على دين علي كرم الله وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليعليه‌السلام ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟!.

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتق شقّ عصا هذه الأمة ، وأن تردّهم إلى فتنة. وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من أن أجاهدك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلك ، وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط. ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر ، لعلك لولم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب. واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة وقتلك أولياءه على التّهمة ، ونفيك لهم أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الشراب ويلعب بالكلاب. وما أراك إلا قد خسرت نفسك ، وتبّرت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي ، والسلام.

فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا.

استخلاف معاوية ليزيد

٣٩٧ ـ عزم معاوية على البيعة ليزيد بعد وفاة الحسنعليه‌السلام :

(الاستيعاب لابن عبد البر ، ج ١ ص ٣٧٦)

وكان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسنعليه‌السلام وعرّض بها ، بعد أن

٣٦٤

نكث بشروط صلحه مع الحسنعليه‌السلام ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد وفاة الحسنعليه‌السلام .

٣٩٨ ـ اعتماد معاوية على داهيتين :

(خطط الشام لمحمد كرد علي ، ج ١ ص ١٣٦)

ولما مات الحسنعليه‌السلام بعد أربعة أشهر من استيلائه على العراق ، صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس. فملك العراق والحجاز ومصر ، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعا أو كرها. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن العاص ، قريبه وعامله على مصر ، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة. وهما الداهيتان اللتان يقول فيهما الحسن البصري : إنهما أفسدا هذه الأمة ، لاحتيال الأول برفع المصاحف يوم صفين وتقرير التحكيم ، ولأن الثاني كان من الداعين لأخذ البيعة ليزيد.

٣٩٩ ـ المغيرة بن شعبة يشير على معاوية باستخلاف يزيد :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٥)

قال الحسن البصري : أفسد أمر الناس اثنان : عمرو بن العاص ، يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت ، ونال من القراء ، فحكمّ الخوارج ، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة.

والمغيرة بن شعبة ، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة ، فكتب إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا ، فأبطأ عنه. فلما ورد عليه قال : ما أبطأ بك؟. قال :أمر كنت أوطّئه وأهيّئه!. قال : وما هو؟. قال : البيعة ليزيد من بعدك. قال : أوقد فعلت؟. قال : نعم. قال : ارجع إلى عملك!.

فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك؟. قال : وضعت رجل معاوية في غرز غيّ ، لا يزال فيه إلى يوم القيامة.

قال الحسن البصري : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم ، ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

٤٠٠ ـ البيعة ليزيد :(العقد الفريد لابن عبد ربه ، ج ٤ ص ٣٠٢)

روى أبو الحسن المدائني قال : لما مات زياد بن أبيه سنة ٥٣ ه‍ ، أظهر معاوية عهدا مفتعلا ، فقرأه على الناس ، فيه عقد الولاية ليزيد بعده فلم يزل يروّض الناس لبيعته سبع سنين

٣٦٥

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه.فوفد عليه من كل مصر قوم. وكان فيمن وفد عليه من البصرة الأحنف بن قيس. ثم جلس معاوية في أصحابه ، وأذن للوفود فدخلوا عليه. وقد تقدّم إلى أصحابه أن يقولوا في يزيد. فأول من تكلم الضحاك بن قيس الخ.

٤٠١ ـ كلام الأحنف بن قيس في يزيد وبيعته :

(المصدر السابق)

ثم تكلم الأحنف بن قيس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بيزيد ، في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه. فإن كنت تعلمه لله رضا ولهذه الأمة فلا تشاور الناس فيه ، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.

٤٠٢ ـ خطبة مروان في مسجد المدينة يدعو إلى يزيد :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٧١)

أخبرنا سيد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي حدثنا من أدرك مروان بن الحكم ، أنه خطب الناس على المنبر ليدعو إلى يزيد بن معاوية [وكان والي معاوية على المدينة]. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، فجلس على قوائم المنبر ، فقال : لا ، ولا نعمة عين لك ، أدين الهرقليّة [نسبة إلى هرقل ملك الروم] ، كلما ذهب واحد جاء آخر؟. هلك أبو بكر فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، ثم نحّاها عنهم وجعلها في رجل من بني عديّ بن كعب. ثم هلك عمر ابن الخطاب فترك ولدا هم أطيب وأكثر من ولد معاوية ، فنحّاها عنهم وجعلها شورى بين الناس.

(قال) : وقالت عائشة : يا مروان ، أما والله إنكم للشجرة الملعونة التي ذكر الله في القرآن.

رواية أخرى للخطبة : (الفتوح لابن أعثم ، ج ٥ ص ١٧١)

وذكر هذه القصة أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه أطول من هذه.

قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يدعو الناس إلى بيعة يزيد ، ويخبره في كتابه أن أهل مصر والشام والعراق قد بايعوا.

٣٦٦

فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة ، فجمعهم في المسجد الأعظم. ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر الطاعة وحضّ عليها ، وذكر الفتنة وحذّر منها.

ثم قال في بعض كلامه : أيها الناس إن أمير المؤمنين قد كبر سنّه ، ودقّ عظمه ، ورقّ جلده ، وخشي الفتنة من بعده. وقد أراه الله رأيا حسنا ، وقد أراد أن يختار لكم وليّ عهد ، يكون لكم من بعده مفزعا ، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء ، وأراد أن يكون ذلك عن مشورة منكم وتراض ، فماذا تقولون؟.

(قال) فقال الناس من كل جانب : إنا مانكره ذلك إذا كان رضا. فقال مروان :فإنه قد اختار لكم الرضا الّذي يسير بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وهو ابنه (يزيد). قال : فسكت الناس.

وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ، وكذب من أمّرك بهذا.والله ما (يزيد) بمختار ولا رضا ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية في يزيد الخمور ، يزيد القرود ، يزيد الفهود.

فقال مروان : إن هذا المتكلم هو الّذي أنزل الله فيه :( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) [الأحقاف : ١٧].

(قال) فغضب عبد الرحمن ، وقال : يابن الزرقاء! أفينا تتأوّل القرآن ، وأنت الطريد ابن الطريد!. ثم بادر إليه فأخذ برجليه ، وقال : انزل يا عدوّ الله عن منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فليس مثلك من يتكلم [بهذا] على أعواده.

قال : فضجّت بنو أمية في المسجد. وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها متلفّعة بملاءة لها ، ومعها نسوة من قريش ، حتّى دخلت المسجد. فلما نظر إليها مروان كأنه فزع من ذلك ، فقال : سألتك بالله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا. فقالت عائشة : لا أقول إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباك ولعنك ، فأنت فضض من لعنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت الطريد ابن الطريد. أتكلّم أخي عبد الرحمن بما تكلمه!.فسكت مروان ولم يردّ عليها شيئا ، [ورجعت عائشة إلى منزلها] وتفرّق الناس.

٤٠٣ ـ عزل مروان بن الحكم عن المدينة :

ذكر الدينوري في (الإمامة والسياسة) ص ١٧٥ : أن معاوية بعد وفاة الإمام الحسنعليه‌السلام وتولية يزيد ، بعث إلى مروان وكان عامله على المدينة ، يطلب منه أخذ البيعة ليزيد من أهل المدينة ، فحاول مروان ذلك فلم يستطع. فبعث إلى معاوية

٣٦٧

بعدم تجاوب أهل المدينة معه. فعزله ، وعيّن مكانه سعيد بن العاص ، وهو جلف قاس ، فأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة. ثم قدم معاوية بنفسه إلى المدينة.

ترجمة مروان بن الحكم

[وأبيه الحكم بن أبي العاص]

هو أبو الحكم ، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية.

قال الذهبي في (العبر في خبر من غبر) ج ١ ص ٧١ :

وكان مروان كاتب السرّ لابن عمه عثمان ، وبسببه جرى على عثمان ما جرى. وكان قصيرا ، كبير الرأس واللحية ، دقيق الرقبة ، أوقص ، أحمر الوجه. يلقّب : خيط باطل ، لدقّة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ج ٥ ص ١٢٥ طبعة أنيقة : وكان والده الحكم مغموصا عليه في إسلامه ، وكان إظهاره الإسلام في يوم فتح مكة ، فكان يمرّ خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه ، فبقي على ذلك التخليج وأصابته خبلة.

وكان الحكم يفشي أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه وسيّره إلى الطائف مع بنيه ، وقال : لا يساكنّي. فلم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ، فكان ذلك مما نقم فيه عليه.

عن أبي هريرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت في النوم بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة «فأصبح كالمتغيّظ. فما رؤي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتّى مات (راجع مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ١٧٣).

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) : حدثنا روح بن عبد المؤمن المقري عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : استأذن الحكم بن أبي العاص على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه ، وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمنين وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا ، ويتّضعون في الآخرة».

٣٦٨

وكانت أم مروان صفية ، ويقال الصعبة بنت أبي طلحة ، وأمها مارية بنت موهب كندية ، وهي الزرقاء التي يعيّرون بها ، فيقال : بنو الزرقاء. وكان موهب قينا (أي عبدا).

وفي (أخبار الدول) للقرماني ، ص ١٣٢ :

روى الحاكم في كتاب (الفتن والملاحم) من المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه قال : كان لا يولد لأحد ولد إلا أتي به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيدعو له. فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هذا الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

ثم روى الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ائذنوا له لعنة الله عليه ذو مكر وخديعة. يعطون في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق».

٤٠٤ ـ جملة من أعمال مروان المشينة :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٩)

ذكر الذهبي وابن عبد البر وغيرهما شيئا من مخازي مروان ، منها : أنه أول من شقّ عصا المسلمين بلا شبهة. وقتل النعمان بن بشير ، أول مولود من الأنصار في الإسلام. وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة. وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل (غيلة من خلفه).

٤٠٥ ـ الغدر صفة متأصلة في مروان :

(نهج البلاغة ، خطبة رقم ٧١)

ومما يثبت أن صفة الغدر متأصلة في مروان ، أنه لما أخذ أسيرا يوم الجمل ، استشفع الحسن والحسينعليهما‌السلام إلى الإمامعليه‌السلام في أن يطلق سراحه ، فخلّى سبيله. فقالا لأبيهما : أتحبّ أن يبايعك يا أمير المؤمنين؟. فقالعليه‌السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته ، إنها كفّ يهودية ، لو بايعني بكفّه

٣٦٩

لغدر بسبته (أي إسته). أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر [يقصد بالأكبش الأربعة أولاد عبد الملك بن مروان وهم : الوليد وسليمان ويزيد وهشام].

٤٠٦ ـ هلاك مروان بن الحكم :

روى الواقدي كما في (تاريخ الطبري) ج ٢ ص ٥٧٦ قال :

تزوج مروان أرملة يزيد وهي (فاختة). وكان زواجه منها أشبه بأخذ الميراث ، منه بأن يكون زواجا ومصاهرة. وقد آلم ذلك نفس خالد بن يزيد ، الّذي أصبح في حجره. وكان مروان لا يألو جهدا في إسقاط خالد من أعين الناس ، وأخيرا حرمه مما كان قد وعده به في (الجابية) من أن تكون له الخلافة بعده.

فما كان من فاختة إلا أن انتقمت لابنها خالد من غدر مروان ، فغطّته بالوسادة وهو في سريره ، حتّى قتلته.

وقال الذهبي في (دول الإسلام) :

فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها ، فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم ، وقعدت هي وجواريها فوقها ، حتّى مات.

وقال البلاذري في (أنساب الأشراف) ص ١٥٩ طبع ليدن :

غدر مروان بخالد بن يزيد بن معاوية فيما وعده من ولاية العهد ، وأمه فاختة.ودخل عليه خالد على مرحلة من دمشق ، فقال له مروان : ما أدخلك عليّ في هذا الوقت يابن الرطبة؟!. فقال خالد : أمين مختبر ، أبعدها الله وأسحقها. وأتى أمه فأخبرها بما قال مروان. فقالت له : لن تسمع منه مثلها أبدا. ودخل مروان على أم خالد فتركته حتّى نام ، ثم عمدت إلى مرفقة محشوة ريشا فجعلتها على وجهه ، وجلست وجواريها عليها حتّى مات غمّا. ثم صرخت وجواريها وولولن وقلن :مات أمير المؤمنين بالفجأة.

وقال المسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٩٨ :

فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتّى مات. ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما ، فلما دخل عليها ناولته إياه فشرب. فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه وأمسك لسانه. فحضره عبد الملك وغيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى أم خالد ، يخبرهم أنها قتلته ، وأم خالد

٣٧٠

تقول : بأبي وأمي أنت ، حتّى عند النزع لم تشتغل عني ؛ إنه يوصيكم بي حتّى هلك.

٤٠٧ ـ معاوية ينقض عهوده ويحاول تولية يزيد :

(مختصر تاريخ العرب لسيد أمير علي ، ص ٧٢)

ولكي يضمن معاوية الخلافة لابنه يزيد ، لم يتردد قط في نكث العهود مع الحسين ابن عليعليهما‌السلام .

وقد كان الصلح المعقود بين الحسنعليه‌السلام ومعاوية ينص على الاعتراف بحق الحسينعليه‌السلام في الخلافة ، ولكن معاوية نقض العهد ، وأخذ لابنه البيعة. فحنق الحسينعليه‌السلام ، وزاد في حنقه فساد يزيد ، فلم يعترف قط بطاغية الشام.

وفي (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) ص ١٨٠ ط نجف :

وكان معاوية قد نقض شرط الحسن بن عليعليه‌السلام بعد موته ، وبايع لابنه يزيد.وامتنع الحسينعليه‌السلام من بيعته. وأعمل معاوية الحيلة حتّى أوهم الناس أنه بايعه ، وبقي على ذلك حتّى مات معاوية.

٤٠٨ ـ قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة ليزيد :

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ١٢٧)

روى ابن قتيبة في كتاب (الإمامة والسياسة) في قدوم معاوية إلى المدينة لأخذ البيعة لابنه يزيد ، أنه لما نزل المدينة دعا الحسينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى مجلس يضم خاصته. فلما استقرّ بهم المجلس ابتدأ معاوية فقال :

أما بعد ، فالحمد لله وليّ النعم ومنزل النقم ، وأشهد ألا إله إلا الله ، المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا ، وأن محمدا عبده المختص المبعوث إلى الجن والإنس كافة ، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. فأدّى عن الله وصدع بأمره ، وصبر على الأذى في جنبه ، حتّى وضح دين الله ، وأعزّ أولياءه ، وقمع المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون. فمضى صلوات الله عليه ، وقد ترك من الدنيا ما بذل له ، واختار منها الترك لما سخّر له ، زهادة واختيارا لله ، وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى. فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكوك ، وبين ذلك خوض طالما عالجناه ، مشاهدة ومكافحة ، ومعاينة وسماعا ، وما أعلم

٣٧١

منه فوق ما تعلمان. وقد كان أمر (يزيد) ما سبقتم إليه وإلى تجويزه ، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية ، من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد ، بما أيقظ العين وأحمد الفعل. هذا معناي في (يزيد) ، وفيكما فضل القرابة ، وحظوة العلم ، وكمال المروءة ، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ، ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما ، ومع علمه بالسنة وقراءة القرآن ، والحلم الّذي يرجح بالصم الصلاب. وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة ، قدّم على الصدّيق والفاروق ومن دونهما من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم [يريد بذلك عمرو بن العاص] ، وفي رسول الله أسوة حسنة. فمهلا بني عبد المطلب ، فأنا وأنتم شعبا نفع وجد ، وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما ، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما ، فردّا على ذي رحم مستعتب ، ما يحمد به البصيرة في عتابكما. وأستغفر الله لي ولكما.

٤٠٩ ـ ردّ الإمام الحسينعليه‌السلام على كلام معاوية :

(المصدر السابق ، ص ١٢٨)

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة ، فأشار إليه الحسينعليه‌السلام وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس.

فقام الحسينعليه‌السلام فحمد الله وصلّى على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال :

أما بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبّست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة ، والنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية ، فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السّرج ، ولقد فضّلت حتّى أفرطت ، واستأثرت حتّى أجحفت ، ومنعت حتّى بخلت ، وجرت حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب ، حتّى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرته عن (يزيد) من اكتماله وسياسته لأمة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به ، من استفزازه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السّبّق لأترابهن ، والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي ، تجده ناصرا. ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى الله بوزر

٣٧٢

هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحتفا في ظلم ، حتّى ملأت الأسقية. وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثنا ، ولقد لعمر الله أورثنا الرسولعليه‌السلام ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية ، من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له وقد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص فضيلة بصحبة الرسول وببيعته له ، وما صار لعمرو يومئذ حتّى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه فعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم». فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحوال وأولاها ، بالمجتمع عليه من الصواب؟. أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا ، وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون؟. تريد أن تلبس الناس شبهة ، يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟.( أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) وأستغفر الله لي ولكم.

٤١٠ ـ جرأة أبي قتادة الأنصاري على معاوية :

(أخبار الدول وآثار الأول للقرماني ، ص ١٢٩)

قال ابن أبي الدنيا : حجّ معاوية سنة إحدى وخمسين ، فلما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري. فقال له معاوية : تلقّاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار!.قال : لم يكن لنا دواب. قال : فأين النواضح؟. قال : عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. فسكت.

يقول القرماني : ولم نذكر في هذا الكتاب ما شجر بين معاوية وبين عليعليه‌السلام لما يتطرق للنفوس الضعيفة وأهل الأهواء من البغض لمعاوية رضي الله عنه.ونسكت عن حرب الصحابة ، فالذي جرى بينهم كان اجتهادا مجردا.

٣٧٣

تعليق على القرماني :

رغم احترامي للشيخ القرماني الدمشقي ، وثقتي بدينه وتقواه وتعظيمه لأهل البيتعليهم‌السلام ، إلا أن كلامه المتقدم لا يمكن السكوت عليه ، من عدة وجوه :

١ ـ يقول : إن ما شجر بين الصحابة الأولين هو من قبيل أن الواحد منهم قد اجتهد فأخطأ. وأقول : إن الخطأ في الاجتهاد مقبول بالنسبة لأهل العلم والذين قضوا حياتهم في الدين والفقه ، فهؤلاء بعد تحصيلهم كل هذه العلوم إذا اجتهدوا وصدف أن أخطؤوا فيمكن التجاوز عنهم. لكن هذا لا ينطبق على مثل مروان بن الحكم ومعاوية والحجاج وغيرهم. فمعاوية رجل ليس عنده أي رصيد من الدين ، وكل أعماله كانت صادرة من مصلحته الشخصية ، وهذا هو الّذي دعاه إلى تولية يزيد ، وهو يعلم أنه أفجر الناس أجمعين. فليس معاوية من الذين يجوز لهم الاجتهاد في أمور الدين أصلا ، حتّى نقول إنه اجتهد فأخطأ أو أصاب.

٢ ـ إن الاجتهاد الّذي يحتمل فيه الإصابة والخطأ ، هو الاجتهاد في الأمور المبهمة المشتبه فيها ، وليس في الأشياء الواضحة الثابتة مثل خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام . فكيف يجوز لأحد أن يجتهد فيها ، ويقول إنها صحيحة أو غير صحيحة بعد أن اجتمع المسلمون عليها. وهذا انطلاقا من كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«لا اجتهاد في موضع النص». فما عمله معاوية في عدم مبايعته للإمام عليعليه‌السلام وإراقته الدماء في سبيل ذلك ، هو ليس اجتهاد ، وإنما هو خروج كامل عن الدين والإسلام.

٣ ـ إن القرماني يقول : إن ما شجر بين الصحابة يلزم عدم ذكره بل ستره ، وإذا علمنا أن ما فعله معاوية وأمثاله من العمل على اقتتال المسلمين وإراقة دمائهم ، وبالتالي ضياع الإسلام تشتيت المسلمين ، هو يحصل في كل زمان ، ولا أحد يسكت عنه ، فكيف نسكت عن الأولين الذين هم كانوا أول من فتح باب الفتن والدماء على هذه الأمة ، وهم الذين سنّوا أساس الكفر والنفاق؟ إن هؤلاء أولى بالذكر والتعرية والإنكار ممن جاء بعدهم ، لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

٣٧٤

٤١١ ـ قصة عن مداهنة الناس لمعاوية لكسب الأموال :

(مرآة الجنان لليافعي ، ج ١ ص ١٤٦ ط ١)

روي أن معاوية لما نصّب ولده يزيد في ولاية العهد ، أقعده في قبة حمراء ، فجعل الناس يسلّمون على معاوية ، ثم يميلون إلى يزيد. حتّى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها.والأحنف بن قيس جالس. فقال له معاوية : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟. فقال :أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال معاوية [للرجل] : جزاك الله خيرا عن الطاعة ، وأمر له بألوف. فلما خرج لقيه ذلك الرجل ، فقال : يا أبا بحر إني لأعلم كذا وكذا وذمّ يزيد ، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال ، فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت. فقال الأحنف : إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيها.

٤١٢ ـ أيهما يخدع الآخر؟ :

يروى أنه لما ألزم معاوية الناس على البيعة ليزيد بولاية العهد ، بدأ الناس يتوافدون عليه جماعات لتهنئته وتقريظه. فخلا يزيد بأبيه يوما فقال له : يا أبت ، إني متعجب ما أدري أنحن نخدع الناس ، أم أن الناس يخدعوننا؟. فقال معاوية ليزيد قوله المشهور : يا بني ، من خادعته فتخادع لك ليخدعك ، فقد خدعته.

وهذا يبيّن أن كل أعمال معاوية هي خداع في خداع. ومن أوضح الأمثلة على هذا الخداع قصة أرينب بنت اسحق!.

قصة أرينب بنت اسحق

[التي تدل على كرم أخلاق مولانا الحسين]

[في مقابل دناءة أخلاق معاوية ويزيد]

تمهيد للقصة :

بعد أن ضرب معاوية على فخذه وهو يصلي في مسجد دمشق ، ونجا من الموت بأعجوبة ، جاءته الوفود إلى الشام تهنّئه بالصحة والسلامة. وكان من جملة من جاءه مسلّما واليه على العراق عبد الله بن سلّام ومعه زوجته (أرينب بنت اسحق) ذات

٣٧٥

الجمال الأخّاذ. وكان يزيد يجلس في إحدى شرفات قصر الخضراء حين رآها تدخل مع زوجها ، فهاج في صدره حبّ قديم وكان يعرفها من قبل ، فافتتن بها.

ثم إنه دخل على أبيه معاوية وقال له : لا بدّ لي من زواج (أرينب) مهما كلف الأمر. وبما أن يزيد هو الابن المدلل لأبيه ، والذي لا تردّ له حاجة ، عمل معاوية على تنفيذ رغبة ابنه ، ولو كان في ذلك المهانة والعار ، والدناءة وغضب الجبار.

٤١٣ ـ قصة أرينب بنت اسحق :

(الإتحاف بحب الإشراف للشبراوي ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٩)

يقول الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي :

فمن مكارم أخلاق الإمام الحسينعليه‌السلام ما حكاه ابن بدرون في (شرح قصيدة ابن عبدون) من قصة أرينب بنت اسحق زوجة عبد الله بن سلّام القرشي. وكان عبد الله هذا واليا لمعاوية على العراق ، وكانت أرينب هذه من أجمل نساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالا. وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ، ففتن بها ، فلما عيل صبره استراح في ذلك مع أحد خصيان معاوية ، وكان ذلك الخصي خاصّا بمعاوية واسمه رفيف ، فذكر رفيف ذلك لمعاوية ، وذكر شغفه بأرينب ، وأنه ضاق ذرعه بأمرها.

فبعث معاوية إلى يزيد فاستخبره من أمره ، فبثّ له شأنه ، فقال معاوية : مهلا يا يزيد!. قال : علام تأمرني بالمهل ، وقد انقطع منها الأمل. قال له معاوية : فأين حجاك ومروءتك؟. فقال له يزيد : قد عيل الصبر والحجى ، ولو كان أحد ينتفع به في الهوى ، لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلي به.

قال له : اكتم أمرك يا بني ، فإن البوح به غير نافعك ، والله بالغ أمره فيك ، ولا بدّ مما هو كائن.

وكانت أرينب بنت اسحق مثلا في أهل زمانها ، لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها. فأخذ معاوية في الحيلة حتّى يبلغ يزيد رضاه فيها.

فكتب معاوية إلى (عبد الله بن سلّام) وكان استعمله على العراق ، أن أقبل حين تنظر في كتابي لأمر فيه حظك إنشاء الله ، ولا تتأخر عنه ، وجدّ السير.

وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام ، أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه له ، وأعدّ

٣٧٦

فيه منزله ، ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء : إن الله قد قسم بين عباده نعما ، أوجب عليهم شكرها ، وحتم عليهم حفظها ، فحباني منهاعزوجل بأتم الشرف وأكرم الذكر ، وأوسع عليّ رزقه ، وجعلني راعي خلقه وأمينه في بلاده ، والحاكم في أمر عباده ، ليبلوني أأشكر أم أكفر. وأول ما ينبغي للعبد أن يفتقده وينظر فيه ، من استرعاه الله أمره ومن لا غنى له عنه. وقد بلغت لي ابنة [أي أدركت سن البلوغ] أريد إنكاحها ، وأنظر في اختيار من يباعلها ، لعل من يكون بعدي يقتدي فيه بهديي ، ويتّبع فيه أثري ، فإنه قد يبتزّ الملك بعدي ، من يغلب عليه ز هو الشيطان ، وتزيينه إلى تعطيل بناتهم ، فلا يردن لهن كفوا. وقد رضيت لابنتي عبد الله بن سلام القرشي ، لدينه وشرفه ومروءته وأدبه.

فقال أبو هريرة وأبو الدرداء : إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصّه به أنت ، لأنك صاحب رسول الله وكاتبه وصهره. قال معاوية :فاذكرا ذلك عني لعبد الله ، وقد جعلت لها في نفسها شوري ، غير أني لأرجو أن لا تخرج من رأيي إنشاء الله تعالى.

فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قاله لهما معاوية.

ثم إن معاوية دخل على ابنته فقال لها : إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة ، وعرضا عليك أمر عبد الله بن سلّام وإنكاحي إياك منه ، وحضّاك إلى المسارعة إلى هواي ، فقولي لهما : عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم ، غير أن تحته أرينب بنت اسحق ، وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء ، فأتناول منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ، ولست بفاعلة حتّى يفارقها.

فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام ، وأعلماه بالذي أمرهما معاوية ، وأنهما جاءاه خاطبين!. قال لهما : نعم ، أنتما تعلمان رضاي بذلك وحرصي على صهارة أمير المؤمنين. فرجعا إلى معاوية وذكرا له ذلك. فقال : أنا راض بذلك وطالب له ، لكني قد أعلمتكما أني جعلت لها في نفسها شوري ، فادخلا عليها واعرضا عليها ما أحببته لها. فدخلا عليها وعرضا عليها ذلك ، فقالت كالذي قال لها أبوها.

فأعلما عبد الله بن سلام بذلك ، فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا بقاء أرينب عنده ، أشهدها على طلاقها ثلاثا ، وأرسلهما يعلمان بذلك معاوية وابنته. فأظهر معاوية

٣٧٧

كراهية لما فعله عبد الله بن سلام ، وقال : ما أحببت طلاق زوجته ولا استحسنته ، ولكن انصرفا في عافية. ثم عودا إلينا فإننا نسعى في رضاها ، ويكون ذلك إنشاء الله.

وكتب إلى يزيد يعلمه بما كان من طلاق عبد الله لزوجته أرينب بنت اسحق.

ثم عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية ، فأمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها رضاها ، تبرّيا من الأمر ، ونظرا في القدر. وقال : لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها. فدخلا عليها وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام لزوجته أرينب ليسرّاها ، وذكرا من فضل عبد الله وكمال مروءته وكريم فخره. فقالت : جفّ القلم بما هو كائن ، وإنه في قريش لرفيع القدر ، وقد تعلمان أن التزويج جدّه جدّ وهزله جدّ ، والأناة في الأمور آمن لما يخاف فيها من المحذور ، وأن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها ، كان المرء بحسن العزاء خليقا ، وبالصبر عليها حقيقا. وإني سائلة عنه حتّى أعرف دخلة خبره ، ويتضح لي بالذي أريد علمه من أمره ، وإن كنت أعلم أن لا اختيار لأحدهما فيما هو كائن ، ومعلمتكما بالذي يزينه الله في أمره ، ولا قوة إلا بالله. قال الشيخان : وفقك الله وخار لك.

وتحدث الناس بالذي كان من طلاق عبد الله بن سلام امرأته ، وخطبته ابنة معاوية. واستحث عبد الله بن سلام الشيخين ، فأتياها ، فقالا لها : اصنعي ما أنت صانعة واستخيري الله ، فإنه يهدي من استهداه. قالت : أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار ، فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه. وقد سألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي ، مع اختلاف من استشرتهم فيه ، فمنهم الناهي عنه والآمر به ، واختلافهم أقل ما كرهت.

فلما بلغّاه كلامها ، علم أنه مخدوع. وقال متعزيا : ليس لأمر الله رادّ ، ولا لما بدّ منه صادّ ، فإن المرء وإن كمل له علمه واجتمع له عقله ، ليس بدافع عن نفسه قدرا برأي ولا كيد. ولعل ما سرّوا به لا يدوم لهم سروره ، ولا يدفع عنهم محذوره.

وشاع أمره وفشا في الناس ، وقالوا : خدعه معاوية حتّى طلقّ امرأته ، وإنما أرادها لابنه يزيد ، بئس ما صنع.

ولما انقضت أقراؤها (وهي العدّة) وجّه معاوية أبا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد. فخرج حتّى قدمها ، وبها يومئذ الحسين بن عليعليهما‌السلام . فقال

٣٧٨

أبو الدرداء حين قدم العراق : ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء غير زيارة الحسينعليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، إذا دخل موضعا هو فيه ، فإذا أديت حقه ذهبت إلى ما جئت إليه.

مبادرة رائعة :

فلما رآه الحسينعليه‌السلام قام إليه وصافحه إجلالا لصحبته من جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولموضعه من الإسلام. وقال له : ما أتى بك يا أبا الدرداء؟. قال : وجّهني معاوية خاطبا لابنه يزيد (أرينب بنت اسحق) فرأيت عليّ حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك. فشكر له الحسينعليه‌السلام ذلك وأثنى عليه. ثم قال : لقد كنت أردت نكاحها وعزمت على الإرسال إليها ، إذا انقضت أقراؤها ، فلم يمنعني من ذلك إلا تخيّر فعلك ، فقد أتى الله بك ، فاخطب رحمك الله لي وله [أي يزيد] التحري من تختاره منا ، وهي أمانة في عنقك حتّى تؤديها إليها ، واعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه. فقال : أفعل إنشاء الله.

فلما دخل أبو الدرداء على أرينب ، قال : أيتها المرأة ، إن الله خلق الأمور بقدرته ، وكوّنها بعزته ، فجعل لكل أمر قدرا ، ولكل قدر سببا ، فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ، ولا للخروج من عمله مناص ، فكان ما سبق لك وقدّر عليك ، الّذي كان من فراق عبد الله بن سلام إياك ، ولعل ذلك لا يضرّك ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن مليكها وولي عهده والخليفة من بعده : يزيد ابن معاوية ، والحسين ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أول من أقرّ به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة. وقد بلغك سناهما وفضلهما ، وجئتك خاطبا لهما ، فاختاري أيهما شئت.

فسكتت طويلا ، ثم قالت : يا أبا الدرداء ، لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب ، لأشخصت فيه الرسل إليك ، واتبعت فيه رأيك ولم أقتطعه دونك. فأما إذ كنت المرسل فيه ، فقد فوّضت أمري بعد الله إليك ، وجعلته في يديك ، فاختر لي أرضاهما لديك ، والله شاهد عليك ، فاقض في قصدي بالتحري ، ولا يصدّنك عن ذلك اتباع هوى ، فليس أمرهما عليك خفيّا ، ولست فيما طوّقتك غبيّا.

قال أبو الدرداء : أيتها المرأة إنما عليّ إعلامك ، وعليك الاختيار لنفسك.فقالت : عفا الله عنك ، إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنى به عنك ، فلا تمنعك رهبة

٣٧٩

أحد من قول الحق فيما طوّقتك. فقد وجبت عليك إذا الأمانة فيما حمّلتك. والله خير من روعي وخيف ، إنه بنا خبير لطيف.

فلما لم يجد بدّا من القول والإشارة ، قال : أي بنيّة ، ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ لك وأرضى عندي ، والله أعلم بخيرهما لك. وقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعا شفتيه على شفتي حسين ، فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله شفتيه.قالت : قد اخترته ورضيته فتزوجها الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام وساق لها مهرا عظيما.

وبلغ معاوية الّذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك ، ونكاح الحسينعليه‌السلام إياها ، فتعاظمه جدا ولامه شديدا. وقال : من يرسل ذا بله وعمى ، يركب خلاف ما يهوى. وكان عبد الله بن سلام قد استودع أرينب قبل فراقها بدرات مملوءة درّا ، وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه. وقد كان معاوية اطّرحه وقطع عنه جميع روافده لسوء قوله فيه وتهمته أنه خدعه. فلم يزل يجفوه حتّى عيل صبره ، وقلّ ما في يديه ، ولام نفسه على المقام لديه. فرجع إلى العراق ، وهو يذكر ماله الّذي استودعه إياها ، ولا يدري كيف يصنع فيه ، وأنّى يصل إليه ، وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ، وطلاقه إياها من غير شيء أنكره عليها.

ردّ الحقّ إلى أهله :

فلما قدم العراق لقي الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه ، ثم قال له : قد عرفت ما كان من خبري وخبر أرينب. وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالا عظيما ، وكان الّذي كان ، ولم أقبضه ، ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ، ولا أظن بها إلا جميلا. فذاكرها أمري وحاضضها على ردّ مالي إليّ ، فإن الله يحسن إليك ذكرك ، ويجزل به أجرك. فسكت عنه.

ولما انصرف الحسينعليه‌السلام إلى أهله ، قال لها : قدم عبد الله بن سلام ، وهو يحسن الثناء عليك ويحمل النشر عنك ، في حسن صحبتك ، وما آنسه قديما من أمانتك ، فسرّني بذلك وأعجبني. وذكر أنه كان استودعك مالا ، فأدّي إليه أمانته ، وردّي عليه ماله ، فإنه لم يقل إلا صدقا ، ولم يطلب إلا حقا. قالت : صدق.استودعني مالا لا أدري ما هو ، وإنه لمطبوع عليه بخاتمه ، ما حوّل فيه شيء إلى يومه ، وها هو فادفعه إليه بطابعه. فأثنى عليها الحسينعليه‌السلام خيرا. وقال : أدخله عليك حتّى تبرئي إليه منه ، كما دفعه إليك.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

النعش. قالوا جميعاً: فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن، خرج أبومحمد حافي القدم مكشوف الرأس، محلل الإزرار خلف النعش، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ اللحية بدموع على عينيه، يمشي راجلاً خلف النعش، مرةً عن يمين النعش ومرةً عن شمال النعش، ولا يتقدم النعش.

وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها، معتمٌّ محبتكُ الإزار، طلق الوجه، على حمار يماني، يتقدم النعش. فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة، ورأوا زي أبي محمد وفعله، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم، وكشفوا عمائمهم، ومنهم من شق جيبه، وحل إزاره، ولم يمش بالخفاف من الأمراء وأولياء السلطان أحد، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب، وركوبه وخلافه على أخيه ...

لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه، فأمر بأن يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان، وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات، وصلى السلطان بصلاتهم ..

وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح، ويشرب الشربات. وجعفر بغير هذه الصفة، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال.

٤٤١

قالوا جميعاً: وسمعنا الناس يقولون: هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا أبي محمد الحسن من شق جيبه. قالوا جميعاً: فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة. بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية: يعقوب على يوسف حزناً. قال: يا أسفي على يوسف، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».

وفي الهداية الكبرى / ٣٨٣: « حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا: أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن (ع) أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه، فركب أبو محمد إلى المعتز، فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه (ع) وأثبت له رزقه وزاد فيه، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه (ع)، واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه، فإنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري (ع) ».

وفي إثبات الوصية للمسعودى « ١ / ٢٤٢ »: « واعتل أبوالحسن علته التي مضى فيها صلى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين، فأحضر أبا محمد ابنه (ع) فسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء (ع) والسلاح، وأوصى إليه، ومضى صلى الله عليه، وَسِنُّه أربعون سنة.

وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة، فأقام مع أبيه (ع) نحوسبع سنين، وأقام منفرداً بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً.

٤٤٢

وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار، وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين، واجتمع خلق من الشيعة، ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد (ع) ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نص أبوالحسن عندهم عليه، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهم في ذلك إذْ خرج من الدار الداخلة خادمٌ فصاح بخادم آخر: يا رَيَّاشُ خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أمير المؤمنين وأعطها الى فلان وقل له: هذه رقعة الحسن بن علي. فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود، ثم خرج بعده أبومحمد (ع) حاسراً مكشوف الرأس، مشقوق الثياب، وعليه مبطنة بيضاء، وكان وجهه وجه أبيه (ع) لا يخطئ منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود، فلم يبق أحد إلا قام على رجله، ووثب إليه أبومحمد الموفق فقصده أبومحمد (ع) فعانقه ثم قال له: مرحباً بابن العم. وجلس بين بابي الرواق، والناس كلهم بين يديه.

وكانت الدار كالسوق بالأحاديث، فلما خرج وجلس أمسك الناس، فما كنا نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن (ع) فقال أبومحمد: ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها، فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد (ع) فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة، وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار

٤٤٣

موسى بن بقا، وقد كان أبومحمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس، وصلى عليه لما أخرج المعتمد، ثم دفن في دار من دوره.

واشتد الحر على أبي محمد (ع) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً « مصطبة » فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس، ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض، قد نزل عنه فسأله أن يركبه، فركب حتى أتى الدار ونزل.

وخرج في تلك العشية الى الناس، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن (ع) حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص. وتكلمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم: هل رأيتم أحداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال؟فوقَّعَ الى من قال ذلك: يا أحمق ما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هرون. وقام أبومحمد الحسن بن علي مقام أبيه (ع) ».

ملاحظات على شهادة الإمام (ع) ومراسم جنازته

١. شاء الله عز وجل أن يحفظ الإمام الهادي (ع) من المتوكل، وأفشل محاولاته لقتل الإمام (ع). وأن يُقِرَّ عين وليه الإمام الهادي (ع) فيريه نهاية عدوه المتوكل فسلط عليه غلمانه الأتراك، فقتلوه وهو سكران ذاهب العقل!

كما شاء عز وجل أن تكون شهادة الإمام (ع) بيد المعتز، وهو الزبير بن المتوكل وكانت أمه جميلة جداً فسماها المتوكل قبيحة لإبعاد الحسد عنها، وقد جمعت ثروةً طائلة لكنها بخلت أن تنقذ ابنها من القتل! وقد صح الحديث بأنه لايقتل

٤٤٤

الأنبياء والأوصياء (ع) إلا أولاد الحرام، فقد سئل الصادق (ع) عن قوله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ فقيل له: من كان يمنعه؟ قال: منعه أنه كان لرَشْدَةٍ، لأن الأنبياء والحجج لايقتلهم إلا أولاد زنا! « كامل الزيارات / ١٦٣ ».

٢. كانت شهادة الإمام (ع) بعد حرب استمرت سنة بين سامراء وبغداد، من محرم ٢٥١ الى ٢٥٢ ، بين خليفتين هما: المعتز والمستعين « الطبري: ٧ / ٤٤٥ » وحكم المعتز بعدها نحو ثلاث سنين الى سنة ٢٥٥ ، وأقدم على قتل الإمام (ع) في رجب في سنة ٢٥٤ ، ثم ثار عليه الأتراك وقتلوه في السنة التالية ٢٥٥ ، ونصبوا المهتدي.

فمن هو المستفيد من قتل الإمام الهادي (ع)، ومن الذي خطط لقتله؟

الأمر المرجح أن المخطِّط والمنفِّذ هو المعتز، فقد قتل المستعين مع أنه خلع نفسه وبايعه، ولعله كان يخاف من تفاقم الثورات العلوية، وأن يرفع ثائر منها إسم الإمام (ع) فينجذب الناس الى بيعته ويبايعوه!

٣. أمر المعتز أخاه المعتمد أن يقيم للإمام (ع) تشييعاً كبيراً، وأن تحمل جنازته الى دار الخلافة ليصلي عليها، قال في الهداية / ٢٤٨: « فإن السلطان لما عرف خبر وفاته، أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته، وأن يُحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه ». فصلوا عليه في دار الخليفة، ثم صلوا عليه في شارع كبير، ثم صلوا عليه في داره ودفنوه حيث أوصى. « مروج الذهب: ٤ / ٨٤، واليعقوبي: ٢ / ٥٠٠ ».

٤. كانت سياسة السلطة القرشية دائماً المبالغة في تشييع الإمام من العترة الطاهرة (ع)، ولهم في ذلك أغراض، أولها أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله!

٤٤٥

بل كانوا يحرصون على الكشف الطبي على جنازته، وإشهاد كبار القضاة والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه! حتى لايطالب بنو هاشم بدمه.

واستعملوا هذا الأسلوب مع خلفائهم الذين قتلوهم، فكانوا يقتلون الخليفة بالتعذيب أو عصر خصيتيه، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه!

قال في معالم الخلافة « ٣ / ٣٧١ »: « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس وأخرج المؤيد فقيل: إشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر!

ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين، فقال: إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر فيه، فأشهدوا!

ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل: إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقيل: إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته »!

لكنهم كانوا يسلمون جنازة الخليفة الى أقاربه، ولايهتمون بالصلاة عليه وتشييعه، لأنه ليس له جماهير محبة كالإمام (ع) ليكسبها لخليفة الجديد بذلك!

٥. يتضح من أخبار تشييع الإمام (ع) ودفنه، أنهم كانوا يهتمون بالتشييع والصلاة على الجنازة والدفن. وفي اليوم الثاني يجلس أهل الميت لقبول التعزية. ففي الهداية / ٢٤٩: « وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح قالوا جميعاً: فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة.

٤٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية: يعقوب على يوسف حزناً. قال: يا أسفي على يوسف، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».

٦. اشترى النبي وعترته الطاهرون صلوات الله عليهم، محال قبورهم الشر ـ يفة على سنة أبيهم إبراهيم (ع)، فقد نصت التوراة ومصادرنا على أنه اشترى مكان قبره في الخليل من عفرون الحثي، وكان مزرعة فيها الغار الذي دفن فيه هو وأسرته (ع). واشترى النبي (ص) مكان مسجدة وبيوته وقبره الشر ـ يف، عندما بركت قربه الناقة: « وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء، فأرضاهما معاذ ». « مناقب آل أبي طالب: ١ / ١٦٠ ».

واشترى الإمام الهادي (ع) داره في سامراء، ثم اشترى دوراً ضمها اليها.

قال في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٧ »: « وفي هذه السنة، يعني سنة أربع وخمسين ومائتين، توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى، في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني ».

وفي إثبات الوصية للمسعودي « ١ / ٢٤٣ »: « وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس، وصلى عليه لما أخرجه المعتمد، ثم دفن في دار من دوره ».

فهو يدل على أنها كانت دورٌ متعددة متصلة ببعضها، وتدل عليه نصوص كثيرة وصفت دار أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري (ع).

منها ما رواه في الإرشاد « ٢ / ٣١٧ » يصف ساحة إحداها ولعلها الدار الأساسية: « عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس

٤٤٧

أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن (ع) وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ».

ومنها قول الخادم كما في الكافي « ١ / ٣٢٩ »: « وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في دار الرجال، قال: فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال ».

شاعران من أصحاب الإمام (ع) رثياه

أبو الغوث المنبجي الطهوي:

قال ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / ٥٠: « وأنشدني أبو منصور عبد المنعم بن النعمان العبادي قال: أنشدني الحسن بن مسلم الوهبي أن أبا الغوث الطهوي المنبجي شاعر آل محمد (ص) أنشده بعسكر سرمن رأى. قال الوهبي: وإسم أبي الغوث أسلم بن مهوز من أهل منبج. وكان البحتري يمدح الملوك، وهذا يمدح آل محمد (ص)، وكان البحتري أبو عبادة ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث:

وَلِهْتُ إلى رُؤياكم وَلَهَ الصَّادي

يُذادُ عن الورد الرَّوِيِّ بِذَوَّادِ

مُحَلَّىً عن الورد اللذيذِ مساغُهُ

إذا طافَ وُرَّادٌ به بعدَ ُوَّراد

فأعملت فيكم كل هوجاء جسرةٍ

ذمولِ السُّرَى تَقتاد في كل مُقتاد

أجوبُ بها بيدَ الفَلا وتجوبُ بي

إليكَ ومالي غيرَ ذكركَ من زاد

فلما تراءتْ سُرَّ من رَا تَجَشَّمَتْ

إليك فَعَوْمُ الماء في مُفْعِمِ الوادي

فأدَّت إلينا تشتكي ألمَ السرى

فقلت اقصري فالعزمُ ليسَ بميَّاد

إذا ما بلغتِ الصادقينَ بني الرضا

فحسبُك من هادٍ يُشيرُ إلى هاد

٤٤٨

مقاويلُ إن قالوا بهاليلُ إن دُعوا

وُفَاةٌ بميعاد كُفَاةٌ لمرتاد

إذا أوعدوا أعْفَوْا وإن وعدوا وَفَوْا

فهم أهل فضلٍ عند وعدٍ وإيعاد

كرامٌ إذا ما أنفقوا المالَ أنفدوا

وليس لعلمٍ أنفقوهُ بإنفاد

ينابيعُ علم الله أطوادُ دينه

فهل من نفادٍ إن علمتَ لأطواد

نجومٌ متى نجمٌ خَبَا مثلُهُ بَدا

فصلى على الخابي المهمينُ والبادي

عبادٌ لمولاهم موالي عبادِه

شهودٌ عليهم يومَ حشر وإشهاد

هم حججُ الله اثنتي عشرةٍ متى

عددتَ فثاني عشرهم خَلَفُ الهادي

بميلاده الأنباءُ جاءتْ شهيرةً

فأعظمْ بمولودٍ وأكرمْ بميلاد

وقال ابن عياش: وهي طويلة كتبنا منها موضع الحاجة إلى الشاهد ».

محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري:

وروى ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / ٥٣: أن محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري، وهو من أصحاب الإمام الهادي (ع) قال عند مرض الإمام (ع):

مَادت الأرضُ بي وآذتْ

فؤادي واعترتني مواردُ العَرْوَاء

حينَ قيل الإمامُ نِضْوٌ عليلٌ

قلتُ نفسي فدتهُ كلَّ الفداء

مرضَ الدينُ لاعتلالك واعتلَّ

وغارت لهُ نجومُ السماء

عجباً إن مُنيت بالداء والسقم

وأنت الإمامُ حسمُ الداء

وأنت أسى الأدواء في الدين

والدنيا ومُحْي الأموات والأحياء

وقال بعد شهادته يرثيه ويعزي ابنه أبا محمد (ع) أولها:

الأرض حزناً زلزلتْ زلزالها

وأخرجتْ من جزعٍ أثقالها

ثم عدد الأئمة وتكملتهم بالخلف المهدي (ع) وذلك قبل ميلاده:

عشرُ نجوم أفَلَتْ في فُلكها

ويُطلع الله لنا أمثالها

٤٤٩

بالحسن الهادي أبي محمد

تُدْرِكُ أشياعُ الهدى آمالها

وبعده من يرتجى طلوعُهُ

يَظل جوابَ الفلا جزَّالها

ذو الغيبة الطولى وبالحق التي

لا يقبل الله من استطالها

يا حجج الرحمن إحدى عشرةٍ

آلف بثاني عشرها مآلها »

أقول: في قصيديتي المنبجي والصيمري دلالات عديدة، منها: أن مرض الإمام الهادي (ع) طال، وقد يكون سقي السم عدة مرات كما حدث لعدد من آبائه (ع)، ولم تصلنا تفاصيل أخبار سمه ومرضه صلوات الله عليه.

ومنها: أنه استقر عند المتشرعة أن كلمة الإمام على إطلاقها تعني المعصوم من العترة.

ومنها: أن مذهب الإمامة كان منتشراً معروفاً بين الناس، وأنهم يقولون بإمامة اثني عشر إماماً ربانياً، كما بشر النبي (ص) وأن الإمام الهادي (ع) هو العاشر، وأن حفيده هو المهدي الموعود (ع) الذي سيغيب طويلاً.

٤٥٠

الفصل السابع عشر

بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي (ع)

نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري (ع)

عقد في الكافي باباً « ١ / ٣٢٥ » بعنوان: باب الإشارة والنص على أبي محمد (ع)، أورد فيه بضعة عشرحديثاً، نص فيها على إمامة ولده الحسن بعده وبشر فيها بحفيده الإمام المهدي (ع). منها عن يحيى بن يسار القنبري قال: « أوصى أبو الحسن (ع) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.

وعن علي بن عمر النوفلي: « كنت مع أبي الحسن (ع) في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له: جلعت فداك هذا صاحبنا بعدك؟فقال:لا،صاحبكم بعدي الحسن ».

وعن أحمد بن مروان الأنباري قال: « كنت حاضراً عند مضيِّ أبي جعفر محمد بن علي، فجاء أبو الحسن (ع) فوُضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته، وأبو محمد قائم في ناحية، فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (ع) فقال: يا بنيَّ أحدث لله تبارك وتعالى شكراً، فقد أحدث فيك أمراً ».

أي أظهرَ الله تعالى أنك الإمام بعدي وليس أخاك الأكبر الذي توفي، كما تصور البعض، لأن أئمة العترة (ع) كما قال الله تعالى: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

ومن ذلك: « عن جماعة من بني هاشم، منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد بابَ أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في

٤٥١

صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا: قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً، سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لانعرفه فنظر إليه أبوالحسن (ع) بعد ساعة فقال: يا بنيَّ أحدثْ لله عز وجل شكراً، فقد أحدث فيك أمراً. فبكى الفتى وحمد الله تعالى واسترجع وقال: الحمد لله رب العالمين، وأنا أسأل الله عز وجل تمام نعمه لنا فيك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة، أو أرجح، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة، وأقامهُ مقامه ».

وعن أبي بكر الفهفكي قال: « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن مسائل، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: لو أني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده، وذلك بعد مضي محمد ابنه. فأجابني عن مسائلي: وكنتَ أردتَ أن تسألني عن الخلف، وأبو محمد ابني أصح آل محمد غريزةً، وأوثقهم عقيدةً بعدي، وهو الأكبر من ولدي، إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها. فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يُحتاج إليه، والحمد لله ».

وعن الجلاب قال: « كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب: أردتَ أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تغتم فإن الله عز وجل: لا يضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدي أبو محمد ابني، وعنده ما

٤٥٢

تحتاجون إليه، يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ».

تبشيره بحفيده المهدي الموعود (ع)

عن داود بن القاسم قال: « سمعت أبا الحسن (ع) يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (ع) ». « الكافي: ١ / ٣٢٧ ».

وفي كمال الدين / ٣٨٣: « عبد الله بن أحمد الموصلي قال: حدثنا الصقر بن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (ع) يقول: إن الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ».

وفي تفسير العسكري / ٣٤٤، عن الهادي (ع) قال: « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله. ولكنهم الذين يمسكون أزمَّةَ قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل ».

٤٥٣

أولاد الإمام الهادي (ع)

قال المفيد في الإرشاد « ٢ / ٣١٢ »: « وتوفي أبو الحسن (ع) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره بسر من رأى، وخلف من الولد: أبا محمد الحسن ابنه وهو الإمام من بعده، والحسين، ومحمداً، وجعفراً، وابنته عائشة. وكان مقامه بسر من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهراً، وتوفي وسنه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة ».

وفي الهداية الكبرى / ٣١٣: « وله من الولد: الحسن الإمام، ومحمد، والحسين، وجعفر المدعي الإمامة المعروف بالكذاب، المذكور بحديث جعفر الصادق (ع) ».

وقال الفخر الرازي في الشجرة المباركة في أنساب الطالبية / ٧٨: « أما أبو الحسن علي النقي فله من الأبناء ستة: أبو محمد الحسن العسكري الإمام، وأبو عبد الله جعفر الذي لقبوه ب‍الكذاب لا لطعن في نسبه، بل لأنه طعن في إمامة صاحب الزمان. والحسين مات قبل أبيه بسرمن رأى، وموسى، ومحمد هو أكبر أولاده، وعلي. واتفقوا على أن المعقب من أولاده ابنان: الحسن العسكري الإمام، وجعفر الكذاب. وله من البنات ثلاثة: عائشة، وفاطمة، وبريهة، وزوج بريهة محمد بن موسى بن محمد التقي ».

أقول: تفرد الفخر الرازي بذكر ثلاث بنات للهادي (ع)، ولعلها واحدة كان يطلق عليه أكثر من إسم، وبريهة التي ترجم لها لعلها بنت جعفر الكذاب، وكانت صالحة.

٤٥٤

وقال السيد ضامن بن شدقم في تحفة الأزهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار / ٤٦١: « فأبو الحسن علي النقي (ع) خلف أربعة بنين: أبا محمد الحسن العسكري (ع)، أمه أم ولد، والحسين، وأبا علي محمداً، وأبا كرين جعفراً الكذاب، وعايشة. أمهاتهم أمهات أولاد، وعقبهم أربعة أصول .. الخ. ».

وفي عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة / ١٩٩: « وأعقب من رجلين هما الإمام أبومحمد الحسن العسكري (ع) كان من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية، وهوالقائم المنتظر عندهم، من أم ولد إسمها نرجس.

وإسم أخيه أبوعبد الله جعفر الملقب بالكذاب، لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن، ويدعى أبا كرين « أبا البنين خ. ل » لأنه أولد مائة وعشرين ولداً، ويقال لولده الرضويون نسبة إلى جده الرضا.

وأعقب من جماعة، انتشر منهم عقب ستة ما بين مقل ومكثر، وهم إسماعيل حريفا، وطاهر، ويحيى الصوفي، وهارون، وعلي، وإدريس ».

أقول: اتفقت مصادر الأنساب على أن أبناء الإمام الهادي (ع) ثلاثة غير الإمام الحسن العسكري (ع): وهم محمد وحسين وجعفر، المعروف بجعفر الكذاب:

محمد بن الإمام الهادي، المعروف بالسيد محمد

ويعرف بالسيد محمد، وقبره قرب بلد، يزار وله كرامات. ويسمونه: سبع الدجيل. وكان أكبرأولاد الإمام الهادي، وتوفي في حياة أبيه،فصارالحسن أكبرهم (ع).

٤٥٥

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « ١٠ / ٥ »: « السيد أبو جعفر محمد بن الإمام علي أبي الحسن الهادي (ع). توفي في حدود سنة ٢٥٢. جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه (ع)، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الحسن الزكي (ع). وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتي به إلى العراق ثم قدم عليه في سامراء. ثم أراد الرجوع إلى الحجاز، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها، ومشهده هناك معروف. ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه، وقال في جواب من لامَهُ على ذلك: قد شقَّ موسى على أخيه هارون (ع) ».

وفي كتاب المصطفى والعترة للشاكري « ١٤ / ٢١ »: « الحسين بن الإمام الهادي (ع): نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء: أن الحسين كان زاهداً عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري (ع)، وكان صوت الإمام المهدي (ع) يشبه صوت عمه الحسين. وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين، تشبيهاً لهما بالإمامين الحسن والحسين (ع).

وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من بلاد فارس في إيران، فقتلوا بعد وصولهم إليها ».

٤٥٦

الحسين بن الإمام الهادي (ع)

ورد تشبيه صوت الإمام المهدي (ع) بصوته. « أمالي الطوسي / ٢٨٨ ».

وفي مستدركات الشيخ النمازي « ٣ / ١٧١ »: « الحسين بن علي بن محمد الإمام الهادي (ع): هو أخو الحسن العسكري (ع) يسميان بالسبطين، تشبيهاً لهما بجدهما الحسن والحسين صلوات الله عليهما. كان جليل القدر عظيم الشأن ».

وفي مسند الإمام العسكري « ١ / ٥٢ »: « أولاد الإمام أبي الحسن الهادي (ع) وهم جعفر ومحمد والحسين. أما محمد بن الإمام الهادي: هو صاحب الروضة المعروفة والقبة المشهورة في بلد بين بغداد وسامراء، تقصده الزوار من شتى النواحي. أما الحسين فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله، تابعاً لأخيه الحسن (ع) معتقداً بإمامته، ودفن في حرم العسكريين (ع) تحت قدميهما، كما ورد في هامش بحار الأنوار في باب أحوال أولاد الإمام الهادي (ع) ».

جعفر الكذاب

ادعى جعفر الكذاب الإمامة بعد وفاة أبيه، ثم بعد وفاة أخيه الإمام الحسن العسكري (ع). ويعرف بأبي كرين لكثرة أولاده، وقيل إن أبناءه بلغوا مئة وعشر ـ ين ابناً غير الإناث. وذريته كثيرة وفيهم صالحون أجلاء. ولم أجد ضبطاً لكلمة كرين أومعنى يربطها بكثرة الأولاد. ولعل أصلها « أبو الكُرَّيْن » مثنى كُر، ويقال كُرُّ حنطة أو كُرُّ ماء. وسيأتي موقفه في سيرة الإمام العسكري (ع). والذي يهون الخطب أنه أعرض عن ادعاء الإمامة، وقيل تاب وأناب. قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف

٤٥٧

« ١ / ٣٧٢ »: « لكن إرادة الله غالبة، إذ سرعان ما انكشف زيف أمره، ثم ندم على ما فعل، وتاب على ما قيل ولذا سمي بجعفر الكذاب، ثم جعفر التواب. علماً بأنه من الناس العاديين الذين يجوز عليم الكذب والخطأ والنسيان والعصيان، وادعاء الباطل والحسد. وهذا ليس بغريب في الكون وقد سبقه قابيل بقتل أخيه هابيل، وإخوة يوسف عند ما ألقوا يوسف في الجب ».

وقال الشيخ مُغنية في الشيعة في الميزان / ٢٥٠: « كان للإمام العسكري أخ يسمى جعفراً، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء، وقد لحق بالموالين الأذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته، وادعى الإمامة بعد أخيه، ولذلك قيل له الكذاب.

وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قُبض أخوه الإمام وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي، وأعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار. فنهره الوزير وقال له: يا أحمق إن السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك وأخاك ليردهم عن ذلك فلم يقدر، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى إمام يرتبك مراتبهم، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها، وإن ساندك السلطان وغيره. ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر ولا يؤذن له عليه بالدخول.

٤٥٨

وصدق ابن خاقان، فإن منصب الإمامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بإرادة الحكام، ولا ينال بالشفاعات والوساطات، كما هوالشأن في تعيين المشيخات والقضاة والمفتين. إن الرياسة عند الإمامية تعود إلى إرادة الله سبحانه ».

وروى الصدوق في كمال الدين / ٣١٩، عن فاطمة بنت محمد بن الهيثم، قالت: « كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري في الوقت الذي ولد فيه جعفر، فرأيت أهل الدار قد سُرُّوا به، فصرت إلى أبي الحسن (ع) فلم أره مسروراً بذلك فقلت له: يا سيدي، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟ فقال (ع): هَوِّني عليك أمره، إنه سيُضَلُّ خلقاً كثيراً ». ورواه المسعودي في إثبات الوصية ٢٣٩، عن جماعة.

وروى في الكافي « ١ / ٥٠٣ » حديثاً بليغاً يعطي صورة واضحة عن الإمام العسكري (ع) وأخيه جعفر، قال: « كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم، وكان شديد النصب فقال: ما رأيتُ ولا عرفتُ بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه، عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس. فإني كنت يوماً قائماً على رأس أبي « كان أبوه رئيس وزراء » وهو يوم مجلسه للناس، إذ دخل عليه حجابه فقالوا: أبو محمد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى! فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطىً ولا أعلمه فعل

٤٥٩

هذا بأحد من بني هاشم والقواد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويفديه بنفسه، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال: الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي، تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، قال حينئذ: إذا شئت جعلني الله فداك، ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفق، فقام وقام أبي وعانقه ومضى.

فقلت لحُجَّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي، وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوي يقال له الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا فازددت تعجباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه، حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات « أي المشاورات » وما يرفعه إلى السلطان، فلما صلى وجلس، جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال لي: يا أحمد لك حاجة؟ قلت: نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت، قلت: يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا، فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه. ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً! فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه، واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال، فلم يكن

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477