الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام0%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف: الشيخ علي الكوراني
تصنيف:

الصفحات: 477
المشاهدات: 144488
تحميل: 5821

توضيحات:

الإمام علي الهادي عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144488 / تحميل: 5821
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين، ثم دعا بالطعام وحضر الندماء وسائر المغنين والملهين، وأكل الناس. ورام النوم فما تهيأ له، فقال له الفتح: يا مولاي، ليس هذا يوم نوم، فجلس للشرب. فما كان الليل رامَ النوم، فما أمكنه فدعا بدهن بنفسج، فجعل منه شيئاً على رأسه وتنشقه فلم ينفعه.

فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم، ثم حُمَّ حُمَّى حَادَّة، فانتقل إلى الهاروني قصر أخيه الواثق، فأقام به ستة أشهر عليلاً، وأمر بهدم البرج ».

ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً!

عملت الحكومات على نسج هالة كاذبة على شخصية الخليفة، واخترعت له صفات ومناقب، لتتناسب شخصيته مع لقبه الرسمي: خليفة رسول الله (ص).

بل جعلوه خليفة الله تعالى، وفضلوه على رسول الله (ص)! فقد سمى معاوية نفسه « خليفة الله » وقال: « الأرض لله وأنا خليفة الله، فما أخذت من مال الله فهولي، وما تركت منه كان جائزاً لي! فقال صعصعة:

تُمَنِّيكَ نفسُكَ ما لا يكونُ

جهلاً معاويَ لا تأثمِ ».

« مروج الذهب: 3 / 52، وجمهرة خطب العرب: 1 / 445 ».

وفي أنساب الأشراف للبلاذري / 1109: « فقال صعصعة بن صوحان: ما أنت وأقصى الأمة في ذلك إلا سواء، ولكن من ملك استأثر! فغضب معاوية وقال: لهممتُ! قال صعصعة: ما كل من هَمَّ فعل! قال: ومن يَحُولُ بيني وبين ذلك؟! قال: الذي يحول بين المرء وقلبه، وخرج »!

٤١

وفَضَّلَ علماء البلاط والرواة الخليفة الأموي على الرسول الهاشمي (ص)!

ففي سنن أبي داود « 2 / 400 »: « عن الربيع بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله عليَّ ألا أصلي خلفك صلاة أبداً وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنك معهم »! « والنهاية: 9 / 151، وتاريخ دمشق: 12 / 158 ».

وقال ابن حزم في الإحكام « 4 / 581 »: « أوَليس ابن عباس يقول: أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض! أقول لكم قال رسول الله (ص)، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وكان إسحاق بن راهويه يقول: من صح عنده حديث عن النبي (ص) ثم خالفه يعني باعتقاده، فهوكافر ».

أقول: المتوكل نموذجٌ للحاكم القرشي الذين عظَّموه وضخَّموه! وقد كان متجاهراً بالفحشاء، غارقاً في الدُّون من قرنه الى قدمه، ومن أصله الى فصله.

كانت عقيدة المتوكل وسياسته مضادةً لآبائه!

كان الخلفاء العباسيون الى الواثق مُنَزِّهِين لله تعالى، يرفضون أفكار التجسيم وأحاديثه الموضوعة. ومنها مقولة أن القرآن قديمٌ لأنه كلام الله تعالى وجزءٌ منه!

فقد أجاب المنزهة على هذه المقولة بأن الله تعالى وجودٌ غير مركب، والقرآن كلامه المخلوقٌ، وكل شئ ما عداه عز وجل فهومخلوق.

وأمر المأمون بتأديب من يقول بقدم القرآن لأنه يجعله إلهاً مع الله تعالى!

٤٢

ونهى أن يعطى منصباً في الدولة. وتابع المعتصم سياسة أخيه المأمون، فكان يمتحن العلماء في القول بقدم القرآن. وواصل الواثق سياسة أبيه المعتصم.

لكن المتوكل خالفهم فجمع العلماء المشبِّهين والمجسمين، وشجعهم وأغدق عليهم، وقمع العلماء المنزهين وأهملهم!

من جهة أخرى، قامت حركة العباسيين والحسنيين على الدعوة الى الرضا من آل محمد (ص) أي بني هاشم، والبراءة من بني تَيْمٍ وعَدِيٍّ وأمية.

لكن المنصور بعد أن ثار عليه الحسنيون، أمر المحدثين والفقهاء والولاة أن لا يَرْوُوا شيئاً في فضائل علي (ع)، ولا شيئاً يطعن بأبي بكر وعمر، وأن يفضلوهما عليه، وأن يضيفوا مدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال: « والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي ». « منهاج الكرامة / 69 ».

واستمرت سياسته حتى جاء المأمون، فأعلن فضائل علي وأبنائه (ع).

ولما جاء المتوكل خالف أسلافه المأمون والمعتصم والواثق، ورفع راية العداوة لعلي وأبنائه (ع)، واضطهدهم، وهدم قبر الحسين (ع) ومنع زيارته، ومنع زيارة قبر أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وقيل هدمه. ومنع زيارة قبر موسى بن جعفر (ع) في بغداد. وقَرَّبَ النواصب ودعمهم مادياً ومعنوياً.

٤٣

وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم

فقد نفذ سياسةً متشددة لإحياء النصب الأموي والتجسيم، وقامت سياسته على تبني علماء النصب والتجسيم وإغداق المال والجوائز عليهم، وإعطائهم المناصب الكبيرة، ليؤثروا في ثقافة الناس.

وقام بتكوين حركة باسم أهل الحديث بقيادة الشاب ابن صاعد، وهي أشبه بميليشا مسلحة، تقوم بقمع الشيعة في بغداد!

ثم قام باختيار أحد العلماء الشَّيَبَة المعروفين، وهو أحمد بن حنبل، ليكون مرجعاً دينياً للدولة، وغطاءً شرعياً للمتوكل وأتباعه.

كما تَبَنَّي كُتب النصب والتجسيم وعممها على الناس، فقد تبنى مسند أحمد، ثم ارتضى أحمد صحيح محمد بن إسماعيل البخاري فصار الكتاب الرسمي للدولة!

كما قمعَ الأشعرية والمعتزلة، وحرم إعطاءهم المناصب، وضيَّق عليهم.

ثم تفنن في قمع الشيعة، ففرض الإقامة الجبرية على إمامهم الهادي (ع) في سامراء، وعمل لقتله.

واضطهد العلويين قاطبة وأفقرهم وشردهم وسجنهم. واضطهد شيعتهم، ومنعهم من زيارة المشاهد المشرفة لأئمتهم (ع)، خاصة زيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء، وقبر أمير المؤمنين (ع) في النجف، وقبرالكاظم (ع) ببغداد، وضيق على جامع بُراثا، وهوالجامع المركزي للشيعة في بغداد.

٤٤

كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب (ع)

قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 »: « وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم! وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمغنون يغنون:

قد أقبل الأصلع البدين، خليفة المسلمين، يحكي بذلك علياً!

والمتوكل يشرب ويضحك! ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفاً منه، فقال المتوكل ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هوابن عمك، وشيخ أهل بيتك وبه فخرك! فكل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه! فقال المتوكل للمغنين: غنوا جميعاً:

غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ

رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ »!

وقال النويري في نهاية الأرب « 22 / 282 »: « في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأمر أن يسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى في الناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثالثة حبسناه في المِطبق « سجن مظلم تحت الأرض » فهرب الناس وتركوا زيارته، وحُرث وزُرع!

٤٥

وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته، وكان يقصد من يتولى علياً وأهل بيته بأخذ المال والروح! وكان من جملة ندمائه عبَّادة المخنث، وكان أصلع فيشد تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه ويرقص والمغنون يغنون ».

وروى ذلك عمر بن الوردي في تاريخه « 1 / 216 »، وقال: « وكان يجالس من اشتهر ببغض علي، كابن الجهم الشاعر، وأبي السمط، وكان من أحسن الخلفاء سيرةً، ومنع القول بخلق القرآن، فغطى ذمه لعليٍّ على حسناته. قلت:

وكم قد مُحِي خيرٌ كما انمحتْ

ببغض علي سيرة المتوكل

تعمق في عدلٍ ولما جنى على

جناب عليٍّ حطه السيلُ من علِ »

ولا ندري ماذا رأى ابن الوردي من « عدالة » المتوكل! وقد روى بغضه لعلي (ع) عامة المؤرخين، فهوشهادةٌ متواترةٌ بأنه ناصبيٌّ منافق، وقد قال ابن حجر في فتح الباري « 1 / 60 »: « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (ص) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ».

وقال في فتح الباري « 7 / 57 »: « وفي الحديث تلميحٌ بقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الإتباع لرسول الله (ص) حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق ». كما رووا أن من يبغض علياً (ع) لا يكون ابن أبيه! ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال رسول الله (ص): « بَوِّروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب أي اختبروا طيب ولادتهم بحبه. وقال جابر: كنا نُبَوِّرُ أولادنا بحب علي ».

٤٦

« غريب الحديث لابن الجوزي: 1 / 90، والنهاية لابن الأثير: 1 / 161، ولسان العرب: 4 / 87، وتاج العروس: 10 / 257، وتهذيب اللغة: 15 / 191 ».

وروى المسعودي في مروج الذهب « 2 / 65 » قصة دُلف بن أبي دلف في بغض علي (ع) وقال: « وجمعتُ طرق الحديث: لاينتقصُ عليّاً أحد إلا كان لغير رَشْدَةٍ، الوارد فيها، فرواه من نيف وستين طريقاً ». وتاريخ بغداد: 12 / 418، وتاريخ دمشق: 49 / 150.

وقد روى ذلك عن أبي دلف ابن كثير، فقال في النهاية « 10 / 323 »: « وكان يقول: من لم يكن متغالياً في التشيع فهو ولد زنا. فقال له ابنه دلف: لستُ على مذهبك يا أبة. فقال: والله لقد وطأت أمك قبل أن أشتريها، فهذا من ذاك »!

وفي مناقب آل أبي طالب « 2 / 10 »: « عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك: ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض علي بن أبي طالب كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، فإذا نظر إليه أومى بإصبعه: يا بنيَّ تُحِبُّ هذا الرجل؟فإن قال نعم، قبله، وإن قال لا قال له: إلحق بأمك »!

وفي تاريخ دمشق « 42 / 287 »: « عن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال: كنا نُبَوِّرُ « نمتحن » أولادنا بحب علي بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحب علي بن أبي طالب، علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رَشْدَة ».

أقول: كفى بذلك حكماً من النبي (ص) بأصل المتوكل، الذي زعموا أنه خليفة رسول الله (ص)، ومحيي سنته، وجعلوه قطب أولياء الله المتقين، معاذ الله!

٤٧

قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم

قال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 147 »: « عن محمد بن يحيى الصولي قال: في سنة أربع وثلاثين ومائتين، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سر من رأى، منهم القاضي التيمي البصري، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وابنا أبي شيبة، ومصعب الزبيري ووصلهم ».

وقال في تاريخ بغداد « 10 / 67 »: « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين، فكان فيهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان، وهما من بني عبس، وكانا من حفاظ الناس، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور، ووضع له منبر واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً من الناس. فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة. وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان، واجتمع عليه نحومن ثلاثين ألفاً ».

وقال الذهبي في سيره « 12 / 34 »: « وفي سنة 234 ، أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الأمصار، واستقدم المحدثين إلى سامراء، وأجزل صلاتهم، ورووا أحاديث الرؤية والصفات ».

٤٨

وفي كتاب العلل لأحمد بن حنبل « 1 / 80 »: « استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء وأجزل عطاياهم وأكرمهم، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية! وتوفر دعاء الخلق للمتوكل، وبالغوا في الثناء عليه، والتعظيم له، حتى قال قائلهم: الخلفاء ثلاثة: أبوبكر الصديق في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم ».

وقال ابن تميم التميمي في المحن / 271: « ونفى كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله به، فكان يبعث إلى الآفاق فيؤتى إليه بالفقهاء والمحدثين، فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية، وغير ذلك من السنن، فتعلمها الناس حتى كثرت السنن وفشَت ونمَت، وطُغيت البدعة وذلَّت ».

أقول: هذه النصوص صريحةٌ في أن لقب « محيي السنة » الذي أعطوه للمتوكل، معناه إحياء أحاديث التجسيم التي يسمونها أحاديث الصفات والرؤية، وإحياء البغض الأموي لأهل البيت (ع) ونصب العداوة لهم.

لاحظ قول الراوي: فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر، وثلاثين حديثاً في الرؤية! فمن أين جاؤوا بها؟!

لعل أصلها حديثان، ثم نسجوا عليهما! قال الذهبي في سيره « 8 / 103 »: « قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم

٤٩

حتى يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات ».

ومعنى كلامه أن الراوي الأصلي لهذا الحديث أبو الزناد وهو متهم، لأنه كان عاملاً عند بني أمية، فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم لكعب الأحبار وغيره من اليهود! وهو نص على أن الدولة الأموية تبنت تجسيم اليهود من القرن الأول ودسته في أحاديث النبي (ص) ووظفت رواة ينشرونه في المسلمين!

وكلُّ واحدٍ من الرواة والفقهاء الذين جمعهم المتوكل من البلدان، داعيةٌ من دعاة التجسيم والنصب! فمصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار، مؤلفان معروفان بتعصبهما ونصبهما لأهل البيت (ع). وعثمان بن أبي شيبة صاحب المسند الذي أكثر فيه من أحاديث النصب والتجسيم الخ. وابن أبي الشوارب: أموي من بني العاص جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء وفي نفس الوقت قاضياً في بغداد، وهو أستاذ الشاب ابن صاعد الذي جعله المتوكل شيخ أهل الحديث في بغداد.

وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام، وعظَّمَهُ المتوكل، كان يبيع الحديث بالصفحة! ورووا عنه أحاديث التجسيم، ورووا عنه وقاحته، وسيأتي ذكره.

٥٠

أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية

أسس المتوكل مجموعة في بغداد من العوام الخشنين وسماهم: أهل الحديث، والمحدثين، وأهل السنة. وسماهم المسلمون: مجسمة الحنابلة، والنواصب.

وروى الذهبي سخرية البغوي الإمام المعروف، من إسم أهل الحديث، ومن رئيسهم ابن صاعد، فقال في سير أعلام النبلاء: « 14 / 449 »: « اجتاز أبوالقاسم البغوي بنهر طابَق على باب مسجد، فسمع صوت مُسْتَمْلٍ فقال: من هذا؟ فقالوا: ابنُ صاعد. قال: ذاك الصبي! قالوا: نعم. قال: والله لا أبرحُ حتى أُملي هاهنا! فصعد دكةً وجلس، ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد. ثم قال: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا طالوت قبل أن يولد المحدثون! وحدثنا أبونصر التمار فأملى ستة عشر حديثاً عن ستة عشر شيخاً، ما بقي من يروي عنهم سواه »!

يقول البغوي: أن هؤلاء الصبيان الذين سمَّوْهم المحدثين، إنما هم أحداث، لا علم عندهم، وقد جمعهم المتوكل حول أحمد بن حنبل، وجعله إماماً لهم!

ومعنى قوله: حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون! أن الحديث والمحدثين كانوا قبل هذه الفئة الذين سموا أنفسهم أهل الحديث، وأحمد بن حنبل نفسه كان محدثاً، ولم يكن إمام فئة تسمى أهل الحديث.

فالمتوكل هوالذي حَنْبَلهم، وجعل ابن حنبل إماماً لهم، فصارالإمام أحمد.

٥١

والمتوكل هوالذي بَخَّرهم، فقد تبنى أحمد ومسنده، وتبنى أحمد البخاري، فصار كتابه الصحيح الرسمي مع مسند أحمد.

وابن صاعد الذي سخر منه البغوي هو: يحيى بن محمد بن صاعد. وهو غلامٌ عباسي معرق، فجده من غلمان أبي جعفر المنصور. « كتاب العرش لابن أبي شيبة / 26 ».

وتعرف طريقة تفكير ابن صاعد وحزبه المتطرف، من قصته مع الحافظ الإمام ابن عقدة، المشهود له عند جميع المسلمين!

ففي تاريخ بغداد « 5 / 221 »: « روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، وحبس بن عقدة فقال الوزير: من يَسأل « ابن صاعد » ويَرجع إليه؟ فقال: ابن أبي حاتم، قال فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك فنظر وتأمل، فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.

سمعت بن الجعابي يقول: دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات، فسمع في الدفعة الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه، ودخل الثانية في حياة ابن منيع وطلب مني شيئاً من حديث يحيى بن صاعد لينظر فيه، فجئت إلى ابن صاعد وسألته أن يدفع إليَّ شيئاً من حديثه لأحمله إلى ابن عقدة، فدفع إليَّ مسند علي بن أبي طالب فتعجبت من ذلك، وقلت في نفسي كيف دفع إلي هذا وابن عقدة أعرف الناس به مع اتساعه في حديث الكوفيين، وحملته إلى ابن عقدة فنظر فيه

٥٢

ثم رده عليَّ فقلت: أيها الشيخ هل فيه شئ يستغرب؟ فقال: نعم فيه حديث خطأ فقلت: أخبرني به، فقال: والله لا أعرفنك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية، وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد!

فطالت عليَّ الأيام انتظاراً لوعده، فلما خرج إلى الكوفة سرت معه، فلما أردت مفارقته قلت: وعدك؟ قال: نعم، الحديث عن أبي سعيد الأشج، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. ومتى سمع منه؟! وإنما ولد أبوسعيد في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة!

فودعته وجئت إلى ابن صاعد فقلت له: ولد أبوسعيد الأشج في الليلة التي مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة! فقال: كذا يقولون، فقلت له: في كتابك حديث عن الأشج عنه، فما حاله؟فقال لي: عَرَّفك ذلك ابن عقدة؟ فقلت: نعم فقال: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً!

ثم رجع يحيى إلى الأصول، فوجد الحديث عنده عن شيخ غير أبي سعيد، عن ابن أبي زائدة، وقد أخطأ في نقله، فجعله على الصواب ».

فقد كان ابن عقدة من كبار علماء الشيعة، وكان حفظه عجيباً، وقد خضع له المحدثون، وألَّف الذهبي في ترجمته كتاباً، وقال عنه في سيرأعلام النبلاء: « 15 / 340 »: « الحافظ العلامة، أحد أعلام الحديث، ونادرة الزمان، وصاحب التصانيف، وهوالمعروف بالحافظ ابن عقدة. وكَتب عنه ما لا يُحد ولا يُوصف من خلقٍ كثير بالكوفة وبغداد ومكة، وجمع التراجم والأبواب والمشيخة، وانتشر حديثه وبعد

٥٣

صيته ». وقال عنه في تذكرة الحفاظ « 3 / 389 »: « حافظ العصر، والمحدث البحر، أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي. كان إليه المنتهى في قوة الحفظ، وكثرة الحديث، وصنَّف وجمع وألَّف، في الأبواب والتراجم ».

وكان ابن عقدة (رحمه الله) يسكن الكوفة، ويأتي الى بغداد ويحدث في مسجد براثا، فصحَّح خطأً لابن صاعد، فحرك ابن صاعد مجسمة الحنابلة، فألزموا حاكم بغداد بحبسه! ولا بد أن ابن عقدة أقنع الوزير أن يسأل أستاذ ابن صاعد عن المسألة، فسأله فظهر الحق مع ابن عقدة، فأطلقه وارتفعت مكانته.

ثم نقل عن الجعابي أنه جاء الى ابن عقدة ببعض أحاديث ابن صاعد، فوجد فيها خطأ، فطلب الجعابي أن يخبره به، فامتنع ابن عقدة لأن ذلك يحرك عليه ابن صاعد وسفهاءه، وقال له سأعطيك خطأه عندما أغادر بغداد الى الكوفة، وأصل الى قنطرة الياسرية، خارج بغداد!

ولما أخبر الجعابي ابن صاعد بخطئه الواضح، فبدل أن يشكره ويشكر ابن عقدة تأسف لأنه أفلت منه، ثم توعده بقوله: لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً ! وهذا يدل على طبيعة ابن صاعد العدوانية هو وجماعته، وأنهم أهل شر لا علم! فقد كانوا مجموعة متخصصة بالمشاكل، ولهم أدوار في مهاجمة مجالس الشيعة في بغداد خاصة في جامع براثا والكرخ، ثم في هدم قبر الحسين (ع).

٥٤

وقد تحولوا الى مذهب متطرف، وتسموا بالصاعدية! قال المقدسي في البدء والتاريخ « 5 / 149 »: « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد، يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، لأنه روى: لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله »!

الصاعدية أجداد الوهابية!

قال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه « 1 / 104 »: « ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح، وانتدب للتصنيف ثلاثة: أبوعبد الله بن حامد، وصاحبه القاضي، وابن الزاغوني، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب!

ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحمَلوا الصفات على مقتضى الحسّ، فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورةً ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات، ويديْن وأصابع وكفاً، وخنصراً وإبهاماً، وصدراً وفخذاً، وساقين ورجلين. وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس. وقالوا يجوز أن يَمُسَّ ويُمَس، ويدني العبد من ذاته!

وقال بعضهم: ويتنفس! ثم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل، وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسميةً مبتدعة، لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا صفة ذات.

ثم، لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ومجئ وإتيان على معنى بر ولطف، وساق على شدة، بل قالوا نحملها على

٥٥

ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشئ إنما يحمل على حقيقته، إذا أمكن.

ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة! وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلقٌ من العوام!

فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل، وإمامكم الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهوتحت السياط: كيف أقول ما لم يُقل! فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه.

ثم قلتم في الأحاديث: تحمل على ظاهرها، وظاهر القدم الجارحة، فإنه لما قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روحٌ ولجت في مريم! ومن قال استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات!

وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهوالعقل، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم، فلوأنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت، ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها على الظاهر قبيحٌ، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه.

ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً، حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم!

ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية، ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته، وقد كان أبومحمد التميمي يقول في بعض أئمتكم: لقد شان المذهب شيناً قبيحاً، لا يغسل إلى يوم القيامة »!

ويقصد بأئمتكم أبا يعلى الموصلي، قال أبو الفداء « 2 / 186 »: « وكان ابن التميمي الحنبلي يقول: لقد خريَ أبويعلي بن الفراء على الحنابلة خريةً لا يغسلها الماء »!

٥٦

أعطوا المتوكل لقب محي السنة، وقطب الظاهر والباطن!

ذكرت مرةً لأحد علماء الوهابية أن المتوكل كان ناصبياً يبغض علياً (ع) وكان خماراً، فاستنكر وقال: كلا، إنه عندنا محي السنة، ومذل النصارى والزنادقة!

وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 387 »: « وكان المتوكل محبباً إلى رعيته، قائماً في نصرة أهل السنة، وقد شبهه بعضهم بالصدِّيق في قتله أهل الردة، لأنه نصر الحق ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين، وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية. وقد أظهر السنة بعد البدعة، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها واشتهارها فرحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهوجالس في نور، قال فقلت: المتوكل؟ قال: المتوكل. قلت: فما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بقليل من السنة أحييتها »!

وقد اشتهر لقبه محيي السنة وتفاخر به العوام المجسمة، وتقرب اليهم الصوفية فأعطاه ابن عربي أعلى لقب في التصوف والعرفان وهو: القطب الرباني والغوث!

قال في فتوحاته المكية: 2 / 6، وفي الطبعة الجديد: 11 / 275: « وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً من غير إضافة، لا يكون منهم في الزمان إلا واحد، وهوالغوث أيضاً وهو من المقربين، وهوسيد الجماعة في زمانه. ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، ومعاوية بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز، والمتوكل! ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في

٥٧

الظاهر، كأحمد بن هارون الرشيد السبتي، وكأبي يزيد البسطامي. وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر »!

أقول: لا بد أن ابن عربي قرأ سيرة المتوكل من تاريخ الطبري وأمثاله، وقرأ عن فسقه وخمره، وقرأ عن تخنثه ونصبه، لكنه أصيب بعمى التقرب لمحبيه، فجعله كبير أولياء الله تعالى! وكفى بذلك طعناً في مبدئية ابن عربي وفكره!

كيف كان المتوكل يدير الدولة؟

كان النمط السائد للإدارة في العالم: أن الملك هوالمقاول الأكبر، فيختار وزيره الأول لينفذ أوامره، ويجبي الماليات من الحكام. ثم يختار حكام الولايات، ويتفق مع الواحد منهم على المبلغ السنوي عن المنطقة التي تحت يده.

فالمسألة الأولى في الحكم هي الماليات التي تصل الى الحاكم الصغير ثم الكبير. قال الطبري « 7 / 384 »: « كان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو وزير المتوكل، وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما به، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع، وموسى على ديوان الخراج، فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى، يذكر أنهما قد خانا وقصرا فيما هما بسبيله، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم!

فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال: يا نجاح، خذل الله من يخذلك فبكر إليَّ غداً حتى أدفعهما إليك، فغدا وقد رتب أصحابه وقال: يا فلان خذ أنت الحسن، ويا فلان خذ أنت موسى، فغدا نجاح إلى المتوكل فلقي عبيد الله وقد

٥٨

أمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل، فقال له: يا أبا الفضل إنصرف حتى ننظر وتنظر في هذا الأمر، وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح. قال: وما هو؟ قال: أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شارباً، وأنك تكلمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين! فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به فأدخلها على المتوكل وقال: يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما كتبا، فتأخذ ما ضمنا عنه، ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريباً مما ضمن لك عنهما، فَسُرَّ المتوكل وطمع فيما قال له عبيد الله، فقال: إدفعه إليهما، فانصرفا به وأمرا بأخذ قلنسوته عن رأسه وكانت خزاً، فوجد البرد فقال: ويحك يا حسن قد وجدت البرد، فأمر بوضع قلنسوته على رأسه وصار به موسى إلى ديوان الخراج، ووجها إلى ابنيه أبي الفرج وأبي محمد، فأُخذ أبوالفرج وهرب أبومحمد ابن بنت حسن بن شنيف، وأخذ كاتبه إسحاق بن سعد بن مسعود القطربلي وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب، وكان انقطاعه إلى نجاح، فأقر لهما نجاح وابنه بنحومن مائة وأربعين ألف دينار، سوى قيمة قصورهما وفرشهما ومستغلاتهما، بسامرا وبغداد، وسوى ضياع لهما كثيرة!

فأمر بقبض ذلك كله، وضرب مراراً بالمقارع في غير موضع الضرب، نحواً من مائتي مقرعة، وغُمز وخُنق، خنقه موسى الفرانق والمعلوف.

٥٩

فأما الحارث فإنه قال: عَصَرَ خصيتيه حتى مات، فأصبح ميتاً يوم الإثنين لثمان بقين من ذي القعدة من هذه السنة، فأمر بغسله ودفنه فدفن ليلاً.

وضرب ابنه محمد وعبد الله بن مخلد، وإسحاق بن سعد نحواً من خمسين خمسين، فأقر إسحاق بخمسين ألف دينار، وأقر عبد الله بن مخلد بخمسة عشر ألف دينار، وقيل عشرين ألف دينار، وكان ابنه أحمد بن بنت حسن قد هرب فظفر به بعد موت نجاح، فحبس في الديوان وأخذ جميع ما في دار نجاح وابنه أبي الفرج من متاع، وقبضت دورهما وضياعهما حيث كانت وأخرجت عيالهما. وأخذ وكيله بناحية السواد وهوابن عياش، فأقر بعشرين ألف دينار.

وبعث إلى مكة في طلب الحسن بن سهل بن نوح الأهوازي، وحسن بن يعقوب البغدادي، وأُخذ بسببه قوم فحُبسوا. وقد ذكر في سبب هلاكه غير ما قد ذكرناه: ذُكر أنه كان يضاد عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وكان عبيد الله متمكناً من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله، وإلى نجاح توقيع العامة، فلما عزم المتوكل على بناء الجعفري، قال له نجاح وكان في الندماء وقال: يا أمير المؤمنين أسمي لك قوماً تدفعهم إليَّ حتى أستخرج لك منهم أموالاً تبني بها مدينتك هذه، فإنه يلزمك من الأموال في بنائها ما يعظم قدره ويجل ذكره؟

فقال له: سمهم، فرفع رقعة يذكر فيها موسى بن عبد الملك، وعيسى بن فرخانشاه، خليفة الحسن بن مخلد، والحسن بن مخلد، وزيدان بن إبراهيم خليفة موسى بن عبد الملك، وعبيد الله بن يحيى وأخويه عبد الله بن يحيى

٦٠