الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام16%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154374 / تحميل: 6629
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

١

٢

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا

محمد وآله الطيبين الطاهرين.

هل يكون الطفل نبياً! حدثَ ذلك عندما جاءت مريم (ع) تحمل طفلها، فثارت في وجهها نساء بني إسرائيل ورجالهم، واتهموها ووبخوها: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً . فأنطقه الله تعالى بلسان فصيح وقول بليغ، فبُهِتَ المفترون وأسقط في أيديهم!

وبعد عيسى (ع) بمدة وجيزة، صار طفلٌ آخر نبياً، هويحيى بن زكريا (ع)!

وقبل عيسى ويحيى (ع) جعل الله سليمان نبياً ورسولاً، وحاكماً بعد أبيه داود (ع) وهوابن عشر سنين! فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .

ثم حدث ذلك في عترة النبي (ص) فكان محمدُ الجواد بن الإمام الرضا (ع) طفلاً وظهرت منه علائم الإمامة، فآمن به المأمون وتحدى بشخصيته وعلمه العباسيين وفقهاء الخلافة! قال لهم المأمون: « ويحكم إن أهل هذا البيت خِلْوٌ من هذا الخلق! أوَمَا علمتم أن رسول الله بايع الحسن والحسين وهما صبيَّان غير بالغين، ولم يبايع طفلاً غيرهما! أَوَمَا علمتم أن علياً آمن بالنبي وهوابن عشر سنين، فقبل الله ورسوله منه إيمانه، ولم يقبل من طفل غيره، ولادعا النبي طفلاً

٣

غيره إلى الإيمان! أوَمَا علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم »! « الإختصاص / ٩٨ ».

فكان الإمام الجواد أول إمام من أهل البيت يتحمل أعباء الإمامة في السابعة، أما علي والحسنان (ع) فكانوا أئمة وهم صغار، لكنهم كانوا في ظل النبي (ص).

وبعد الإمام الجواد تحمل الإمامة ابنه علي الهادي (ع) وكان عمره نحوسبع سنين أيضاً، فكان الإمام الثاني صغير السن.

أما الثالث فهوالإمام المهدي الموعود (ع) الذي توفي أبوه وعمره خمس سنين، فكان أصغر الأئمة سناً، ولكنه سيكون أكبرهم أثراً في الحياة، كما أخبر جده المصطفى (ص) فقال: يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً !

وهذا الكتاب في سيرة الإمام علي الهادي (ع)، الطفل المعجزة، والإمام الرباني، وسترى فيه تصديق قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ.

كتبه بقم المشرفة جمادى الأولى ١٤٣٤

علي الكَوْراني العاملي عامله الله بلطفه

٤

الفصل الأول:

الإمام الهادي (ع) في عهد المأمون والمعتصم والواثق

الطفل المعجزة افتخر به المأمون وأنكره المعتصم!

كان المأمون معجباً بالإمام الجواد (ع) فعقد زواجه على ابنته أم الفضل وكان عمره (ع) تسع سنين. ثم تركه يعود الى المدينة، وكانت الشيعة ترجع اليه من أنحاء البلاد، كما شرحنا ذلك في سيرته (ع).

وعاش الإمام الجواد (ع) في المدينة، وفي سن الثامنة عشرة تزوج جارية مغربية مؤمنة، هي السيدة سمانة رضي الله عنها، متناسياً زوجته بنت المأمون.

وبعد سنة أي سنة ٢١٢، رزقه الله منها ابنه علياً الهادي (ع)، ثم ابنه موسى، وثلاث بنات: خديجة، وحكيمة، وأم كلثوم. « دلائل الإمامة / ٣٩٧ ».

روى الطبري في دلائل الإمامة / ٤١٠، عن محمد بن الفرج، عن السيد (ع) أنه قال: « أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة، لايقربها شيطانٌ مارد ٌ، ولا ينالها كيدُ جبارٍ عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين ».

ومات المأمون في آخر سنة ٢١٨، وحكم بعده أخوه المعتصم ثمان سنوات، الى سنة ٢٢٧. وكان القاضي أحمد بن أبي دؤاد مستشار المعتصم ومدبِّر أموره،

٥

فهوالذي دَبَّر له الخلافة أصلاً، وأجبر العباس بن المأمون على خلع نفسه وبيعة عمه المعتصم، ثم سجنه القاضي وقتله!

وقد أقنع ابن دؤاد المعتصمَ بأن لا يقع في خطأ المأمون في الإمام الجواد فيعترف بإمامة ابنه الهادي (ع)، بل عليه أن ينكر إمامته ويعمل للتخلص منه!

الإمام الهادي (ع) عرف بشهادة أبيه في بغداد

أحضر المعتصم الإمام الجواد (ع) سنة ٢٢٠، الى بغداد، وسَمَّهُ بواسطة زوجته بنت المأمون! وكان الإمام الهادي في المدينة، فَعَرَفَ بقتل أبيه وعمره سبع سنين وأخبر أهله وأمرهم بإقامة المأتم، وذهب بنحوالإعجاز الرباني الى بغداد لتجهيز جنازة أبيه والصلاة عليه، ورجع الى المدينة في ذلك اليوم!

روى في الكافي « ١ / ٣٨١ »: « عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوجعفر (ع) فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى أبو جعفر! فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لأنه تداخلني ذِلَّةٌ للهِ لم أكن أعرفها ».

وفي إثبات الإمامة / ٢٢١: « بينا أبوالحسن جالسٌ مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا، وأبوجعفر عندنا أنه ببغداد، وأبوالحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه، إذ بكى بكاءً شديداً فسأله المؤدب: ممَّ بكاؤك؟ فلم يجبه. فقال: إئذن لي بالدخول فأذن له، فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء، فقال: إن أبي قد توفي الساعة! فقلنا: بما علمت؟ قال: دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنه قد مضى.

٦

فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر، فإذا هوقد مضى في ذلك الوقت ».

وفي عيون المعجزات / ١١٩: « عن الحسن بن علي الوشاء قال: جاء المولى أبوالحسن علي بن محمد (ع) مذعوراً حتى جلس عند أم موسى عمة أبيه فقالت له: مالك؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هووالله كما أقول لك، فكتب الوقت واليوم، فجاء بعد أيام خبر وفاته (ع) وكان كما قال (ع) ».

وانتشر خبر شهادة الإمام الجواد (ع) في المدينة، وكان كثيرٌ من أهلها يحبونه لمكانته من رسول الله (ص)، وإحسانه اليهم.

فرضوا عليه الإقامة الجبرية وهوطفل!

بعد قتله الإمام الجواد (ع) نفذ المعتصم سياسته مع ابنه الهادي (ع) فأنكر أن يكون إماماً أوتيَ العلم صبياً كأبيه، وقرر أن يعامله على أنه صبيٌّ صغير، حتى لا يُفْتَن به الناس كما فُتنوا بأبيه. وأوفد وزيره عمر بن الفرج الرخجي الى المدينة ليرتب حبس الإمام الهادي (ع) عن الناس، بحجة كفالته وتعليمه!

وقام الرُّخَّجي بالمهمة، وحبس الهادي (ع) في بيت جده الكاظم (ع)، الذي يقع خارج المدينة، ليمنعه من الإتصال بشيعته، وعين له الجنيدي « ليعلمه » العربية والأدب بزعمه، وأمر والي المدينة أن ينفذ أوامره، ويقدم له كل ما يحتاج!

روى المسعودي في دلائل الإمامة / ٢٣٠، عن محمد بن سعيد، قال: « قدم عمر بن الفرج الرُّخَّجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد (ع) فأحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله (ص) فقال لهم: أُبْغُوا لي

٧

رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه!

فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة « لأهل البيت »! فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد وعرفه أن السلطان « المعتصم » أمره باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام.

قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن (ع) في القصر بِصِرْيَا « بيت الإمام في مزرعة صريا بضاحية المدينة » فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه! فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الإستماع منه والقراءة عليه.

ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً عليَّ: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي! أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أُعلمه، وأنا والله أتعلم منه!

قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟ فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له: تَنَظَّرْ حتى تقرأ عُشْرَك فيقول لي: أيَّ السور تحب أن أقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي (ع)، التي بها من قراءته

٨

يضرب المثل! قال ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق وهوصغيرٌ بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين عَلِمَ هذا؟ قال: ثم ما مرَّت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته، وعرف الحق وقال به »!

دلالة فرض الإقامة الجبرية على الإمام (ع)؟

يعطينا النص المتقدم أضواءً كافية على خطة المعتصم ضد الإمام الهادي (ع) وكيف كانت متقنةً، لكنها فشلت من أساسها، لأن الشخص الذي انتدبه لهذه المهمة انبهر بالإمام (ع) وآمن به!

كما يدل النص على أن شخصية الإمام (ع) وشعبيته، كانت في نظر المعتصم خطراً على خلافته. ومن حقه أن يفكر كذلك، لأن القوة الحقيقية كانت بيد قادة الجيش الأتراك، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، فهم الذين خلعوا ابن أخيه العباس بن المأمون وبايعوه، فصار خليفة. فمن الممكن أن يقتنعوا يوماً بالإمام الهادي (ع) ويبايعوه ويخلعوا المعتصم ويفرضوا ذلك على بني العباس وغيرهم،خاصة أن العلويين أبناء فاطمة الزهراء (ع) أقرب الى النبي (ص) من بني العباس. فهم عترة النبي (ص) الذين شهد لهم وأوصى الأمة باتباعهم.

كان المعتصم يرى أن أخاه المأمون أخطأ في إظهار اعتقاده بإمامة الرضا والجواد وإعلانه للناس أن علياً وأبناءه (ع) مميزون بأن علمهم من الله، فلا يحتاجون الى تعليم معلم، وأن صغارهم كبار.

فقد أعطاهم بذلك مقاماً فوق مقام بني العباس، بل نزع الشرعية عن بني العباس ودعواهم أنهم يستحقون الخلافة بقرابتهم بالنبي (ص) بعمه العباس، وأنهم أولى من أولاد علي وفاطمة (ع).

٩

ولذلك اختار المعتصم سياسة أبيه الرشيد، فقتل الإمام الجواد (ع) وأنكر أن يكون ابنه الهادي (ع) مثله، أوتي العلم والحكمة صبياً.

وفي نفس الوقت أظهر أنه يحفظ حق الرحم مع النبي (ص) في عترته، فأمر أن يكون الإمام الهادي (ع) في بيتهم خارج المدينة، ووكل به والي المدينة، واختار له الجنيدي كمعلم في الظاهر، وأعطاه المفتاح ليغلق الباب يومياً على الإمام (ع) فلا يصل اليه شيعته القائلون بإمامته!

استبصر « معلمه » الجنيدي وثبت على الإيمان

راوي خبر الجنيدي، هومحمد بن سعيد، وهوابن غزوان الأزدي، روى عنه الكليني والصدوق والمسعودي وغيرهم، وذكره النجاشي / ٣٧٢ في مصنفي الشيعة، قال: « محمد بن سعيد بن غزوان: له كتاب. قال ابن نوح: أخبرنا محمد بن أحمد بن داود قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عثمان الآجري، عن غزوان بن محمد الأزدي، عن أبيه محمد بن سعيد بن غزوان بكتابه ».

وهذا كاف في توثيقه، كما قال الميرزا جواد التبريزي « تنقيح مباني العروة: ٧ / ٢٦٢ ».

وأبوعبد الله الجنيدي الذي عينه المعتصم معلماً للإمام الهادي (ع) غيرالفقيه المعروف محمد بن أحمد بن الجنيد، وغير الجنيد بن محمد البغدادي الصوفي المشهور، وغير الجنيدي الذي ترجم له السمعاني « ٢ / ٩٩ »، فقال: « وأبوعبد الله بن الجنيد الإسكاف كان يتكلم بكلام الجنيد بن محمد البغدادي كثيراً فلقب به ». فالجنيد والجنيدي متعددٌ في مصادر التاريخ والرواة.

والظاهر أن الجنيدي هذا قد تشيع على يد الإمام الهادي (ع)، وثبت على تشيعه وسكن بغداد، وأنه هوالذي ذكره الصدوق في كمال الدين / ٤٤٢، فيمن رأى

١٠

الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه )، قال: « ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الري: البسامي والأسدي يعني نفسه. ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبوالقاسم بن أبي حليس، وأبوعبد الله الكندي، وأبوعبد الله الجنيدي، وهارون القزاز الخ. ».

صَرْيا مزرعة الإمام موسى بن جعفر (ع)

صَرْيَا: إسم مصدر بمعنى الفصل في الحكم. وهو إسم قرية قرب المدينة أنشأها الإمام موسى بن جعفر (ع).

قال الخليل « ٤ / ٤٠٢ »: « يوم بِغَاث: وقعة كانت بين الأوس والخزرج. ويقال: هو بِغاث على ميل من المدينة، قريب من صَرْيَا. وهوموضع اتخذه موسى بن جعفر أبوالرضا. وصَرْيا معمورة بهم اليوم ».

وقال ابن السكيت / ٣١٠: « يقال: اختصمنا إلى الحاكم فقطع ما بيننا وفصل ما بيننا، وصرى ما بيننا وهو يصري صَرْياً ».

وقال ابن منظور « ١٤ / ٤٥٧ »: « وصَرَى ما بينَنا يَصْري صَرْياً: أَصْلَحَ ».

ويظهر من أخبارها أن مساحتها واسعة وفيها زرع ونخيل.

١١

وكان يتواجد فيها الأئمة من أبناء الكاظم وهم الرضا والجواد والهادي (ع)، وقد ولد فيها الإمام الهادي (ع) سنة ٢١٢، وعاش فيها مدةً من عمره الشريف.

لذلك رأى الرُّخجي مبعوث المعتصم أنها مكانٌ مناسبٌ لفرض الإقامة الجبرية على الإمام الهادي (ع) لحفظ احترامه في الظاهر، وقطعه عن جمهوره من البلاد.

فشلت خطة المعتصم في محاصرة الإمام (ع)

الأخبار قليلة عن المرحلة التي كان فيها الإمام الهادي (ع) تحت الإقامة الجبرية وماذا جرى بينه وبين الجنيدي، وكم طالت مدتها، وكيف كان برنامج الإمام في زيارة قبر جده النبي (ص)، ولقاء شيعته؟ لكن المؤكد أن التغيرات السياسية وتسديد الله تعالى لوليه (ع)، قد أفشلا خطة المعتصم.

ويدل عليه أن الجنيدي المسؤول عن حصاره، انبهر بعلمه (ع) وشخصيته، وآمن بأنه حجة الله على أرضه. فمن الطبيعي أن يُسهِّلَ ذلك على شيعته وعامة الناس، أن يكسروا محاصرته، خاصةً في موسم الحج.

١٢

كان الواثق ليناً مع العلويين ومعجباً بالإمام الهادي (ع)

لما مات المأمون كان الإمام الهادي (ع) طفلاً في السادسة من عمره في ظل أبيه الإمام الجواد (ع). ولما مات المعتصم سنة ٢٢٧، انتهى قراره بمحاصرة الإمام الهادي (ع) وكان الإمام يومها في السادسة عشرة. ثم حكم الواثق نحو ست سنين ومات سنة ٢٣٢، وكان عمر الإمام (ع) يومها نحو ٢١ سنة.

وقد ترجمنا للواثق في سيرة الإمام الجواد (ع)، وذكرنا أنه رغم استغراقه في شهواته، كان ليناً مع الطالبيين فلم يقتل منهم أحداً، مع أن كبار شخصياتهم كانوا عنده في سامراء، تحت الإقامة الجبرية.

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / ٣٩٤: « لا نعلم أحداً قُتل في أيامه « يقصد من الطالبيين » إلا أن علي بن محمد بن حمزة، ذكر أن عمرو بن منيع قتل علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين، ولم يذكر السبب في ذلك، فحكيناه عنه على ما ذكره، فقتل في الواقعة التي كانت بين محمد بن مكيال ومحمد بن جعفر. هذا بالري. وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه، تُدَرُّ الأرزاق عليهم، حتى تفرقوا في أيام المتوكل ».

وكان الواثق معجباً بالإمام الهادي (ع) وربما أظهر ذلك، بخلاف أبيه المعتصم، فقد طَرَحَ يوماً سؤالاً على الفقهاء فعجزوا عنه، فقال لهم: أنا آتيكم بمن يعرف الجواب، وأحضر الإمام الهادي (ع)!

١٣

روى في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٦ »: « قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء بحضرته: مَن حَلَقَ رأسَ آدم حين حجَّ؟ فتعايى القوم عن الجواب فقال الواثق: أنا أحضركم من ينبؤكم بالخبر! فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأحضر فقال: يا أبا الحسن، مَن حلق رأس آدم؟ فقال: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني. قال: أقسمت عليك لتقولن. قال: أما إذا أبيت فإن أبي حدثني عن جدي، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله (ص): أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً ».

وكان هذا السؤال مطروحاً قبل الواثق، وعجز علماء السلطة عن جوابه، ففي تاريخ بغداد « ١٣ / ١٦٧ »: « قال مقاتل بن سليمان بمكة: سلوني ما دون العرش! فقام قيس القيَّاس فقال: من حلق رأس آدم في حجته؟ فبقي! ».

والظاهر أن هذه القصة كانت في موسم الحج، في مكة أوالمدينة، لأن الإمام الهادي (ع) لم يذهب الى سامراء في زمن الواثق. وقد حج الواثق مرة واحدة قبل وفاته سنة ٢٣١، ومعناه أن الإمام الهادي (ع) كان يومها في سن العشرين.

قال ابن تغري في مورد اللطافة « ١ / ١٥٣ »: « وحج الواثق مرة، ففرق بالحرمين أموالاً عظيمة، حتى لم يبق بالحرمين فقير ». واليعقوبي: ٢ / ٤٨٣.

١٤

المتوكل يضطهد الإمام الهادي (ع)

عاش الإمام الهادي (ع) في خلافة المتوكل وابنه المنتصر، ثم في خلافة المستعين والمعتز، الذي ارتكب جريمة قَتْل الإمام (ع) بالسم، وذلك في الثالث من رجب سنة ٢٥٤، هجرية.

وقد ضيق المعتصم على الإمام (ع)، ثم شدَّد عليه المتوكل في أول خلافته وأحضره الى سامراء، وحاول قتله فلم يجد حجة، فعاد الإمام (ع) الى المدينة.

ثم أحضره المتوكل ثانيةً، وفرض عليه الإقامة في سامراء، واضطهد كل بني هاشم، وأفقرهم، وقتلهم، وشردهم. وهدم قبر الحسين (ع) ومنع من زيارته. فنقم عليه المسلمون، حتى كتبوا شتمه على جدران البيوت في بغداد. وثار عليه الأتراك وقتلوه، وولوا ابنه المنتصر فحكم شهوراً، ثم قتله الأتراك.

ومن يومها صار الأتراك القوة الأولى التي تنصب الخليفة وتعزله! حتى جاء البويهوين الفرس بعد نحو قرن، وحلوا محلهم!

قال اليعقوبي في البلدان « ١ / ١٦ » يصف حكم خمسة خلفاء عباسيين في بضع سنوات: « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين. ووليَ المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم، فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة، والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي. ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين

١٥

وسبعة أشهر بعد خلع المستعين، وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتن، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قُتل.

وولي أحمد المعتمد بن المتوكل فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد، ثم إلى المدائن ».

أقول: في هذه المرحلة غضب الله تعالى على العباسيين، فاضطرب نظام الخلافة.

فقد قتل المتوكل وقصرت أعمار الخلفاء، ووقع الصراع بينهم، وبينهم وبين قادة جيشهم الأتراك، وبين الأتراك أنفسهم.

وفي هذه الصراعات كانوا يقتلون الخليفة الذي لا يعجبهم، ويختارون عباسياً غيره. وكانت طريقة قتل الخليفة غالباً بعصر خصيتيه!

١٦

الفصل الثاني:

من مفردات صحيفة المتوكل

الهوية الشخصية

هو جعفر بن المعتصم، بن هارون، بن المهدي، بن المنصور العباسي. ولد سنة ٢٠٥ ، وحكم سنة ٢٣٢ ، وقتل سنة ٤٧، فمدة حكمه نحوخمسة عشرة سنة.

قالوا في صفته: « كان أسمرَ، جميلاً، مليح العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، مربوعاً، وأمه أمةٌ قفقازية إسمها شجاع. وكانت له جُمَّةٌ إلى شحمة أذنيه ». « سير الذهبي: ١٢ / ٣٠، ومآثر الإنافة: ١ / ٢٢٨ ».

وقال محمد بن أبي الدنيا: « رأيت المتوكل أسمر حسن العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين وكان إلى القِصر أقرب، ويكنى أبا الفضل ». « تاريخ بغداد « ٧ / ١٨١ ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٣ »: « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي دؤاد: المتوكل على الله. وذلك في اليوم الذي مات فيه الواثق أخوه، وهويوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ويكنى بأبي الفضل، وبويع له وهو ابن سبع وعشرين سنة وأشهر، وقتل وهو ابن إحدى وأربعين سنة، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسع ليال، وأمه أم ولد خوَارزمية يقال لها شجاع، وقتل ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ».

١٧

وفي المحبر لابن حبيب / ٤٤: « قال أبو العباس بن الواثق: أم المتوكل تركية، وهي خالة موسى بن بغا، ويقال لها شجاع. وإسم أختها أم موسى بن بغا: حُسْن ».

كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال!

قال الطبري « ٧ / ٣٤٣ »: « وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل لبعض الأمور، فوكل عليه عمر بن فرج الرخجي، ومحمد بن العلاء الخادم، فكانا يحفظانه « من التخنث » ويكتبان بأخباره في كل وقت!

فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم له أخاه الواثق ليرضى عنه، فلما دخل عليه مكث واقفاً بين يديه ملياً لا يكلمه، ثم أشار إليه أن يقعد فقعد، فلما فرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتسأل أمير المؤمنين الرضا عني. فقال لمن حوله: أنظروا إلى هذا يُغضب أخاه، ويسألني أن أسترضيه له! إذهب فإنك إذا صلحتَ « تركت التخنث » رضي عنك.

فقام جعفر كئيباً حزيناً لما لقيه به من قبح اللقاء والتقصير به، فخرج من عنده فأتى عمر بن فرج ليسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه، فلقيه عمر بن فرج بالخيبة، وأخذ الصك فرمى به إلى صحن المسجد، وكان عمر يجلس في مسجد وكان أبو الوزير أحمد بن خالد حاضراً، فقام لينصرف فقام معه جعفر فقال: يا أبا الوزير، أرأيت ما صنع بي عمر بن فرج! قال: جعلت فداك، أنا زمامٌ عليه وليس يختم صكي بأرزاق إلا بالطلب والترفق به، فابعث إلى بوكيلك فبعث جعفر بوكيله فدفع إليه عشرين ألفاً، وقال: أنفق هذا حتى يهيئ الله أمرك

١٨

فأخذها، ثم أعاد إلى أبي الوزير رسوله بعد شهر يسأله إعانته، فبعث إليه بعشرة آلاف درهم. ثم صار جعفر من فوره حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي دؤاد، فدخل عليه فقام له أحمد واستقبله على باب البيت وقبَّله والتزمه، وقال: ما جاء بك جعلت فداك؟ قال: قد جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين. قال: أفعلُ ونِعْمَةُ عَيْنٍ وكرامة، فكلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق فيه فوعده ولم يرض عنه، فلما كان يوم الحلبة كلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق، وقال معروفُ المعتصمِ عندي معروفٌ، وجعفرُ ابنه، فقد كلمتك فيه ووعدتَ الرضا، فبحق المعتصم يا أمير المؤمنين إلا رضيتَ عنه، فرضي عنه من ساعته وكساه. وانصر ـ ف الواثق وقد قلد أحمد بن أبي دؤاد جعفراً بكلامه حتى رضيَ عنه أخوه شكراً، فأحظاه ذلك عنده حين مَلَك.

وذكر أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده: يا أمير المؤمنين، أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه، في زي المخنثين له شَعْرُ قَفَا! فكتب إليه الواثق: إبعث إليه فأحضره ومُرْ من يَجُزُّ شعر قفاه، ثم مُرْ من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه، واصرفه إلى منزله!

فذُكِرَ عن المتوكل أنه قال: لما أتاني رسوله لبست سواداً لي جديداً وأتيته رجاءَ أن يكون قد أتاه الرضا عني، فأتيته فقال: يا غلام أدع لي حَجَّاماً فدعا به، فقال: خذ شعره واجمعه، فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل، فأخذ شعره وشعر قفاه وضرب به وجهه!

١٩

قال المتوكل: فما دخلني من الجزع على شئ مثل ما دخلني حين أخذني على السواد الجديد، وقد جئته فيه طامعاً في الرضا. فأخذ شعري عليه ».

أقول: يتضح بذلك أن سبب غضب الواثق على المتوكل أنه كان مخنثاً شاذاً، أطال شعره كما يفعل المخنثون، الذين يتشبهون بالنساء، ويطلبون الرجال!

وكان على المخنث الغني أن يعطي الشاب التركي أجرة لواطه به، كما فعل عبَّادة المخنث! « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك فأعطاه عشرة دراهم وقال: إقطع أمر عمك »!

وأتوا به من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة!

أوصى الواثق بالخلافة الى ابنه محمد، لكن كبار أركان الدولة استصغروه، فجاؤوا بالمتوكل من سجنه، ونصبوه خليفة.

قال الطبري « ٧ / ٢٤١ »: « لما توفيَ حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد، وإيتاخ، ووصيف وعمر بن فرج، وابن الزيات، وأحمد بن خالد أبوالوزير، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق، وهوغلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية، فإذا هوقصير، فقال لهم وصيف « القائد التركي »: أما تتقون الله تولون مثل هذا الخلافة، وهولا يجوز معه الصلاة! قال فتناظروا فيمن يولونها فذكروا عدةً، فذُكر عن بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال: خرجت من الموضع الذي كنت فيه فمررت بجعفر المتوكل فإذا هوفي قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك، فقال لي: ما الخبر؟ فقلت: لم ينقطع أمرهم. ثم دعوا به، فأخبره بغا الشر ـ ابي الخبر،

٢٠

المضموم إلى ماله ، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صحّ العقد فيه(١) . ولأنّ الإجازة ببعضه تودّي إلى جهالة العوض. ولأنّه لو تلف جزء من المبيع في يد البائع وصار معيباً ، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الردّ ، كذا هنا.

وفسخ(٢) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغواً ، بل يسقط من الثمن ما قابله. ويمنع الجهالة. ويمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلّمنا ، لكنّ العقد لا يقع متقسّطاً على الأجزاء.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : موضع القولين أن يكون المبيع ممّا يتقسّط الثمن على قيمته ، فإن كان ممّا يتقسّط على أجزائه ، فالواجب قسط المملوك من الثمن قولاً واحداً. والفرق : أنّ التقسيط هنا لا يورث جهالة الثمن عند العقد ، بخلاف ما يتقسّط على القيمة.

ومنهم مَنْ طرد القولين ، وهو الأظهر ؛ لأنّ الشافعي ذكر قولين فيما لو باع الثمرة بعد وجوب العُشْر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أنّ الواجب جميع الثمن أو حصّته؟ فإن قلنا : الواجب جميع الثمن ، فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه(٣) . وإن قلنا : الواجب القسط ، فوجهان:

____________________

= كالتهذيب والعزيز - وكذا في الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥١ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٠ ، نُسب القول الأصحّ للشافعي إلى أبي حنيفة ، لا الثاني.

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) قوله : « وفسخ » إلى آخره ، كلام المصنّفقدس‌سره في الجواب عن استدلال الشافعي على قوله الثاني.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بما ابتعناه » وفي « س » : « ابتاعه ». وكلاهما تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من « ي » وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

٢١

أحدهما : أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا خيار له ؛ لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمنه(١) .

وإن كان المشتري عالماً بالحال ، فلا خيار له ، كما لو اشترى معيباً يعلم بعيبه(٢) .

وكم يلزمه من الثمن؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل ؛ لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع ، وهو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

وقطع جماعة منهم بوجوب الجميع ؛ لأنّه التزم بالثمن عالماً بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد(٤) .

ولو باع عبداً وحُرّاً ، أو خَلّاً وخمراً ، أو شاةً وخنزيراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، [ و ](٥) صحّ العقد فيما يقبله ، وكان المشتري جاهلاً بالحال فأجاز أو(٦) عالماً ، قسّط الثمن ، ولزمه بالنسبة. والتقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها ، وهو قول الشافعيّة(٧) .

ولهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) في « س ، ي » : « عيبَه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو » والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

٢٢

أحدهما : القطع بوجوب الجميع ؛ لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته.

وأصحّهما : طرد القولين.

فإن قلنا : الواجب قسط من الثمن ، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان :

أحدهما : كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحلّيه.

والثاني : أنّه يقدّر الخمر خَلّاً ، ويوزّع عليهما باعتبار الأجزاء ، وتقدّر الميتة مذكّاة ، والخنزير شاة ، ويوزّع عليهما باعتبار القيمة(١) .

وقال بعضهم : يقدّر الخمر عصيراً ، والخنزير بقرةً(٢) .

ولو نكح مسلمةً ومجوسيّةً في عقدٍ واحد وصحّحنا العقد في المسلمة ، لم يلزمه جميع المسمّى للمسلمة إجماعاً ؛ لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع - كما قاله الشافعي(٣) - أثبتنا الخيار أيضاً ، وهنا لا خيار ، فإيجاب الجميع إجحاف.

وقال بعض الشافعيّة : يلزم لها جميع المسمّى ، لكن له الخيار في ردّ المسمّى ، والرجوع إلى مهر المثل(٤) .

وهذا لا يدفع الضرر ؛ لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّى أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا ، فما الذي يلزمه؟ الأقوى عندي أنّه القسط من المسمّى إذا وزّع على مهر مثل المسلمة ومهر مثل المجوسيّة ، وهو أحد قولي الشافعي. وأظهرهما : أنّه يلزمه مهر المثل(٥) .

ولو اشترى عبدين وتلف قبل القبض أحدهما ، انفسخ العقد فيه ،

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

٢٣

ويثبت له الخيار في الباقي ، فإن أجاز ، فالواجب قسطه من الثمن ؛ لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء ، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.

وقال بعض الشافعيّة بطرد القولين(١) .

ولو باع شيئاً من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّاً وصحّحنا العقد في الباقي وأجاز ، فالواجب حصّته إجماعاً ؛ لأنّ الفضل بينهما حرام.

ولو باع معلوماً ومجهولاً ، لم يصحّ البيع في المجهول ، وأمّا في المعلوم فيصحّ ؛ لعدم المانع.

وعند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره ، إن قلنا :

لا يصحّ في ماله ، لم يصح هنا في المعلوم. وإن قلنا : يصحّ ، فقولان مبنيّان على أنّه كم يلزمه في الثمن؟ فإن قلنا : الجميع - كما هو قول بعض الشافعيّة - صحّ ، ولزم(٢) هنا جميع الثمن. وإن قلنا : حصّته من الثمن - كما اخترناه ، وذهب إليه بعض الشافعيّة - لم يصح ؛ لتعذّر التوزيع(٣) .

وحكى بعضهم قولا أنّه يصحّ ، وله الخيار ، فإن أجاز ، لزمه جميع الثمن(٤) . وليس شيئاً.

مسالة ٥٥٩ : لو كان الثمن يتوزّع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له والآخر لغيره وباعهما من شخص ، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره ، وهو قول الشافعي(٥) .

وكذا إذا رهن ما يجوز رهنه وما لا يجوز.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤.

(٢) في المصادر : « لزمه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

٢٤

وإذا وهب ما يجوز هبته وما لا يجوز ، أو تزوّج أخته وأجنبيّة ، أو مسلمة ومجوسيّة ، صحّ فيما يجوز قولاً واحداً عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ الرهن والهبة لا عوض لهما ، والنكاح لا يفسد بفساد العوض.

ويتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. وإذا أجاز بجميع الثمن ، فلا خيار للبائع قطعاً.

وإن أخذه بقسطه ، ففي خيار البائع للشافعي وجهان :

أحدهما : له الخيار ، لتبعّض الثمن عليه.

والثاني : لا خيار له ؛ لأنّ التبعّض(٢) من فعله حيث باع ما يجوز وما لا يجوز(٣) .

وهنا مسائل دوريّة لابُدَّ من التعرّض لها :

مسالة ٥٦٠ : لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة‌ ، ومات ولا مال سواه ، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ، وبطل في الثلث ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه يبطل البيع(٤) .

والأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت - كالهبة وسائر التبرّعات - في اعتبار الثلث ، فإن زادت عليه ولم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا شي‌ء له سواه - ردّ البيع في بعض العبد ، وفي الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بصحّة البيع فيه ، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهراً ، والردّ في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » : « التبعيض ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

٢٥

البعض تداركّ حادث ؛ لأنّ المحاباة في المرض وصيّة ، والوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : أنّه على قولي تفريق الصفقة.

وإذا قلنا : يصحّ البيع في الباقي ، ففي كيفيّته قولان :

أحدهما : أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي ، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة ، فوجب أن يجمع بينهما ، فعلى هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مِثْلا المحاباة وهي عشرة.

وهذا اختيار الشيخ(١) رحمه‌الله وجماعة من الشافعيّة وغيرهم ، ولا دور على هذا القول.

والثاني : أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع ، وجب أن يرتدّ إلى المشتري ما قابله من الثمن(٢) .

وهو الذي نختاره نحن ، فحينئذٍ يلزم الدور ؛ لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة ، وما يقابله من الثمن يدخل فيها ، وما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها ، فيزيد بحسب زيادة التركة ، وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ، ويزيد المقابل بحسب زيادة المبيع ، وهذا دور.

ويتوصّل إلى معرفة المقصود بطرق :

____________________

(١) أنظر : المبسوط - للطوسي - ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٩ - ٣٩٠.

٢٦

منها : أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة ، فنقول : ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصفها ، فيصحّ البيع في نصف العبد ، وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن ، وهو خمسة ، كأنّه اشترى سدسه بخمسة ، وثلثه وصيّة له ، يبقى مع الورثة نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن خمسة يبلغ عشرين ، وهو مِثْلا المحاباة.

ومنها : طريقة الجبر ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ؛ لأنّ الثمن مثل ثلث العبد ، وبقي في يد الورثة عبد إلّا شيئاً ، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشي‌ء العائد ، فالباقي عندهم عبد إلّا ثلثي شي‌ء ، فثلثا شي‌ء قدر المحاباة ، وعبد إلاّ ثلثي شي‌ء مثلاه ، وإذا كان عبد إلّا ثلثي شي‌ء مِثْلَي ثلثي شي‌ء ، كان عديلاً لشي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا العبد بثلثي شي‌ء وزِدْنا على عديله مثل ذلك ، كان العبد عديلاً لشيئين ، فعرفنا أنّ الشي‌ء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بقول الشيخ ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلافٍ ؛ لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث وهو ستّة وثلثان ، وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح(١) ، وهو نصفه ، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز ، وذلك ربا.

وعلى ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح ، ويبطل في الباقي.

وقطع بعض الشافعيّة بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلّا‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « قفيزاً بصحيح ». وذلك خطأ.

٢٧

يبطل غرض الميّت في الوصيّة(١) .

فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، وستّة وثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

وعلى طريقة الجبر نفذ البيع في شي‌ء وقابله من الثمن مثل نصفه ، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض ، وبقي في يد الورثة قفيز إلّا شي‌ء ، لكن حصل لهم نصف شي‌ء ، فالباقي عندهم قفيز إلّا نصف شي‌ء هو المحاباة ، وما في يدهم - وهو قفيز ناقص بنصف شي‌ء - مِثْلاه ، وإذا كان قفيز ناقص بنصف شي‌ء مثلَي(٢) نصف شي‌ء ، كان عديلاً للشي‌ء الكامل ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار قفيزُ كاملٍ عديلَ شي‌ء ونصف شي‌ء ، فعُرف أنّ الشي‌ء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لا خيار هنا للورثة ، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار ، لأبطلنا المحاباة أصلاً ورأساً بفسخ البيع ، ولا سبيل إليه ، لأنّ الشرع سلّطه على ثلث ماله.

ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن ، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

ولو كان قفيز المريض يساوي أربعين ، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ ، استوت المسائل كلّها ، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

ولو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات وفرّعنا على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مثل » والصحيح ما أثبتناه.

٢٨

الدور ، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه ، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر ، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه. وأمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه ، فينتقص قدر الغُرْم من ماله ، ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغُرْم أقلّ والمحاباة أكثر ، ومتى قلّت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقلّ.

مثاله : إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين ، وقيمة قفيز الصحيح عشرة ، وقد أتلفه المريض ، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله ، فيبقى عشرة كأنّها كلّ ماله ، والمحاباة عشرة ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فيصحّ البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مرّ.

وعلى طريقة الجبر صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل نصفه ، فعند ورثته عشرون إلّا نصف شي‌ء ، لكن قد أتلف عشرة ، فالباقي في أيديهم عشرة إلّا نصف شي‌ء ، وذلك مِثْلا نصف شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كانت عشرة مثل شي‌ء ونصف شي‌ء ، فالعشرة نصف القفيز ، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلث القفيز.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض ستّة وثلثان ، وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث ، فتكون المحاباة بثلاثة وثلث ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز ، وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان ، ويبقى في أيديهم ستّة وثلثان ، وهي مِثْلا المحاباة.

٢٩

ولو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين وباقي المسألة بحالها ، فعلى طريقة النسبة نقول : مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقى عشرون كأنّه كلّ ماله ، والمحاباة عشرون ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

وبالجبر نقول : صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل ثلثه ، فالباقي ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، لكنّه أتلف عشرة ، والباقي عشرون إلّا ثلثي شي‌ء ، وذلك مِثْلا ثلثي شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان عشرون مثل شيئين ، فعرفنا أن الشي‌ء عشرة ، وهي ثلث الثلاثين.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض عشرة ، وثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة وثلث ، فالمحاباة ستّة وثلثان ، وقد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز ، وهو عشرون يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث ، وهي مِثْلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه ، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الردي‌ء ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ، ففي الصورة الاُولى - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الآخر عشرة - يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد وقيمته عشرة ، ويحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الردي‌ء وقيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة ، ولهم نصفه الآخر غرامةً لما أتلف عليهم ، فيحصل لهم عشرة وهي مِثْلا المحاباة ، والباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد ، ولا تجوز المحاباة في شي‌ء إلّا بعد أن يحصل للورثة مِثْلاه.

وفي الصورة الثانية - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض‌

٣٠

الشافعيّة : يصحّ البيع في نصف الجيّد ، وهو خمسة عشر ، والمحاباة ثلثه ، وهو خمسة ، وقد حصل للورثة القفيز الردي‌ء وقيمته عشرة ، وهي ضٍعْف المحاباة ، فيبقى في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شي‌ء جازت المحاباة في مثل ثلثه(١) .

وغلّطه بعضهم ؛ لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد ، فإنّما نصحّحه بنصف الردي‌ء ، وهو خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة ، وإذا كانت المحاباة بعشرة ، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون ، وليس في أيديهم إلّا عشرة. فالصواب أن يقال : يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد ، وهو سبعة ونصف بربع الردي‌ء ، وهو درهمان ونصف ، فتكون المحاباة بخمسة وفي يد الورثة ضعفها عشرة(٢) .

مسالة ٥٦١ : كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث‌ ، كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث ، سواء قدّرت الإقالة فسخاً كما هو مذهبنا ، أو بيعاً جديداً كما هو مذهب الشافعي(٣) .

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا وماتا في المرض والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث ، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي(٤) - وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن ، فلا بيع ولا إقالة.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٩٢ - ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٣.

٣١

وإن قلنا بالتصحيح بالقسط ، فيدور كلّ واحد - ممّا نفذ فيه البيع والإقالة - على الآخَر ؛ لأنّ البيع لا ينفذ إلّا في الثلث ، وبالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع ، وإذا زاد ذلك ، زاد مال الثاني ، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من القفيز الجيّد ، ورجع إليه من الثمن نصف ذلك ، فبقي في يده عشرون إلّا نصف شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة ونصف شي‌ء ، ثمّ إذا تقايلا ، فالإقالة فيهما(١) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلثَ عشرة و [ ثلث ](٢) نصف شي‌ء وهو ثلاثة وثلث وسدس شي‌ء ، فيضمّه إلى مال الأوّل ، وهو عشرون إلّا نصف شي‌ء يصير ثلاثة وعشرين وثلثاً إلّا ثلث شي‌ء ، وهذا يجب أن يكون مثلَي المحاباة أوّلاً ، وهو نصف شي‌ء ، فيكون ذلك كلّه مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شي‌ء وثلث شي‌ء يبسط الشي‌ء والثلث أثلاثاً يكون أربعة والشي‌ء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشي‌ء من ثلاثة وعشرين وثلث ، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ؛ لأنّ الزائد على العشرين ثلاثة وثلث ، وهو ثلث العشرة ، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم ، صار عشرون وثلاثة وثلث سبعة أسهم ، فتزيد قسمتها على الأربعة ، والسبعة لا تنقسم على الأربعة ، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية وعشرين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعها ، وهي أحد وعشرون. فإذا عرفنا ذلك ، رجعنا إلى الأصل وقلنا : العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعةً وعشرين ؛ لأنّا ضربنا كلّ ثلاثة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « إنّما » بدل « فيهما ».

(٢) أضفناها لأجل السياق.

٣٢

- وهي سهام العشرة - في أربعة ، فصارت اثني عشر ، فتكون العشرون أربعةً وعشرين وقد صحّ البيع في أحد وعشرين ، وذلك سبعة أثمان أربعة وعشرين.

وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر ، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر ، والقفيز الردي‌ء ثمانية ، وقلنا : صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد - وهي أربعة عشر - بسبعة أثمان الردي‌ء ، وهي سبعة ، فتكون المحاباة سبعة ، ويبقى في يد بائع الجيّد [ تسعة ](١) : سهمان بقيا عنده ، وسبعة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر خمسة عشر ، لأنّه أخذ أربعة عشر وكان قد بقي في يده سهم ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - وهي خمسة أثمان القفيز الجيّد - بخمسة أثمان القفيز الردي‌ء وهي خمسة ، فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة ، فالمحاباة بخمسة. والحاصل من ذلك كلّه : المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة ، وفي يد الثاني عشرة مِثْلا محاباته خمسة.

ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيّد يساوي ثلاثين ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء منه ، ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ، فبقي في يده ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة وثلثا شي‌ء ، فإذا تقايلا ، أخذنا ثلث عشرة وثلثي شي‌ء ، وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتُسْعا شي‌ء يضمّ إلى مال الأوّل ، فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا إلّا أربعة أتساع شي‌ء ، وهو مِثْلا المحاباة ، وهي ثلثا شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فعلمنا أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

٣٣

ثلاثة وثلاثين وثلثاً يجب أن تقسّم على شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فيبسط هذا المبلغ أتساعاً يكون ستّة عشر الشي‌ء منه تسعة ، والعدد المذكور لا ينقسم على ستّة عشر ، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ، لأنّ الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث ، وذلك ثلث العشرة ، فإذا فعلنا ذلك ، صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرةَ أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستّة عشر ، وعشرة لا تنقسم على ستّة عشر ، لكن بينهما توافق بالنصف ، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين ، فنرجع إلى الأصل ونقول : الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين ، والشي‌ء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة ، وهو خمسة صارت خمسة وأربعين ، وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين ، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر ، جُعل القفيز الجيّد أربعةً وعشرين ليكون للقفيز الردي‌ء - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح ، فنقول : صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد - وهي خمسة عشر - بخمسة أثمان الردي‌ء ، وهي خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة ، ويبقى في يد بائع الجيّد أربعة عشر : تسعة بقيت عنده ، وخمسة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر ثمانية عشر ؛ لأنّه أخذ خمسة عشر ، وكان قد بقي عنده ثلاثة ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة ، وهي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الردي‌ء ، وهي ثلاثة ، فقد أعطى تسعة وأخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة ، ويستقرّ في يد الأوّل عشرون : تسعة أخذها بحكم الإقالة ، وأحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة ، وذلك مثلا محاباته عشرة ، وفي يد الثاني اثنا عشر : ثلاثة أخذها بحكم الإقالة ، وتسعة بقيت عنده من ثمانية‌

٣٤

عشر بعد ردّ التسعة ، وذلك مِثْلا محاباته.

وهنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة على أصول ظاهرة :

منها : أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان ، فيقدّر ثمانية أسهم ، وينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

ومنها : أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبداً ولا تنقص عن ثلاثة أثمان أبداً ، بل تكون بينهما ، فإذا أردت أن تعرف قدرها ، فانسب القفيز الردي‌ء إلى الجيّد ، وخُذْ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز ، فانسب الردي‌ء إلى المحاباة في الأصل وزِدْ مثل تلك النسبة على التبرّع ، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل ، فانظر إلى تبرّع بائع الجيّد واضربه في ثلاثة أبداً وقابِل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد ، فما زاد على القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة ، فزِدْ على تبرّعه بمثل نسبة زيادتك على تبرّع صاحبه ، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الاُولى : نقول : القفيز الجيّد ثمانية والردي‌ء أربعة ، فالردي‌ء نصف الجيّد ، فالتبرّع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، وإذا نسبنا الردي‌ء إلى أصل المحاباة ، وجدناه مثله ؛ لأنّ المحاباة عشرة من عشرين ، فنزيد على المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان ، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل ، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة ونصفا ، وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف ، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين ونصف.

٣٥

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة ، زِدْنا على الثمنين والنصف مثله يكون خمسة أثمان.

ولا يخفى تخريج الصورة الاُخرى ونحوها على هذه الطريقة.

مسالة ٥٦٢ : إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين ، فإمّا أن يكون في عقدٍ واحد ، وقد تقدّم(١) حكمه. وإمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم ، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة وسَلَم ، أو نكاح وبيع ، أو إجارة وبيع.

وهو عندنا جائز ، للأصل ، وقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) .

ولأنّهما عقدان يصحّان منفردين ، فجاز جمعهما في عقدٍ واحد ، كما لو تماثلا ، ويقسّط المسمّى على اُجرة المثل وثمن المثل ، أو مهر المثل وثمن المثل ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : أنّ العقدين معاً يبطلان ، لأنّهما مختلفا الحكم ، فإنّ الإجارة والسّلم يختلفان(٤) في أسباب الفسخ والانفساخ. وكذا النكاح والبيع ، والإجارة والبيع يختلفان في الحكم أيضاً ، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة ويبطل البيع ، وكمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلّا بانقضاء المدّة ؛ لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ ، بخلاف البيع ، وإذا اختلفت الأحكام ، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التوزيع ، وتلزم الجهالة(٥) .

____________________

(١) في ص ٥ ، المسألة ٥٥٠.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٦.

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : مختلفان.

(٥) نفس المصدر في الهامش (٣).

٣٦

وهو غلط ؛ فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له ، كما لو باع شقص دار وثوباً ، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع فيه(١) .

وصورة الإجارة والسَّلَم أن يقول : آجرتك هذه الدار سنة ، وبعتك العبد سَلَماً بكذا. والإجارة والبيع : أن يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك داري سنة بكذا. والنكاح والبيع : بعتك هذه الجارية وزوّجتك ابنتي بكذا.

وعلى قولي الشافعي ما إذا جمع بين [ بيع ](٢) عين وسَلَم ، أو بيع صرف وغيره بأن باع ديناراً وثوباً بدراهم ؛ لاختلاف الحكم ، فإنّ قبض رأس المال شرط في السَّلَم ، والتقابض شرط في الصرف ، ولا يشترط ذلك في سائر البيوع(٣) .

ولو قال : زوّجتك ابنتي وبعتك عبدها بكذا ، فهو جمع بين بيع ونكاح ، ولا خلاف في صحّة النكاح ، أمّا البيع والمسمّى في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضاً.

وللشافعي القولان : إن صحّ ، وزّع المسمّى على قيمة المبيع ومهر مثل المرأة ، وإلّا وجب في النكاح مهر المثل عنده(٤) .

ولو جمع بين بيع وكتابة بأن قال لعبده : كاتبتك على نجمين ، وبعتك عبدي بألف ، صحّا عندنا.

وأمّا الشافعي : فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح ، فهنا أولى ، وإلّا فالبيع باطل ؛ إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. وفي الكتابة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بسببه » بدل « فيه ».

(٢) إضافة من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

٣٧

قولان(١) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا لا يعدّ من صُور تفريق الصفقة ؛ لأنّا في قولٍ نُبطل العقدين جميعاً ، وفي قولٍ نصحّحهما جميعاً ، فلا تفريق(٢) .

مسالة ٥٦٣ : إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة‌ ، أمّا إذا تعدّدت ، فلا ، بل يصحّ الصحيح ، ويبطل الباطل ، فلو باع مالَه في صفقةٍ ومالَ غيره في اُخرى ، صحّت الاُولى إجماعاً ، ويتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شي‌ء ثمنا مفصّلاً ، فيقول : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فيقول المشتري : قبلت ذلك على التفصيل.

ولو جمع المشتري بينهما في القبول ، فقال : قبلت فيهما ، فكذلك - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ القبول ترتّب على الإيجاب ، فإذا وقع مفرّقاً ، فكذا القبول.

وقال بعض الشافعيّة : إن لم نجوّز تفريق الصفقة ، لم يجز الجمع في القبول(٤) .

ولو تعدّد البائع ، تعدّدت الصفقة أيضاً وإن اتّحد المشتري والمعقود عليه ، كما لو باع اثنان عبداً من رجل صفقةً واحدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة ، كما لو اشترى اثنان عبداً من رجل؟ المشهور عند علمائنا : عدم التعدّد ، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب وعدمه ؛ لأنّ المشتري بأنٍ على الإيجاب السابق ، فالنظر إلى مَنْ صدر منه الإيجاب ، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحّهما عنده : التعدّد ، كما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧.

(٥-٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

٣٨

في طرف البائع(١) .

مسالة ٥٦٤ : من فوائد التعدّد والاتّحاد : أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّى أحد المشتريين نصيبه من الثمن ، وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع ، كما يسلّم المشاع. وإن حكمنا بالاتّحاد ، لم يجب تسليم شي‌ء إلى أحدهما وإن وفّى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر ؛ لثبوت حقّ الحبس للبائع ، كما لو اتّحد المشتري ووفّى بعض الثمن ، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

وفيه وجه للشافعيّة : أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة(٢) .

ومنها : أنّا إذا قلنا بالتعدّد ، فلو خاطب واحد رجلين ، فقال : بعت منكما هذا العبد بألف ، فقَبِل أحدهما نصفه بخمسمائة ، ففي صحّته للشافعيّة وجهان : الصحّة ، لأنّه في حكم صفقتين. وأصحّهما : البطلان ، لأنّ الإيجاب وقع عليهما ، وأنّه يقتضي جوابهما جميعاً(٣) .

ويجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبدٍ لرجلٍ : بِعْنا منك هذا العبد بألف ، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة(٤) .

ولو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان ، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شي‌ء من الثمن؟ وجهان للشافعيّة ، أحدهما : لا. والثاني : نعم(٥) .

والأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسالة ٥٦٥ : هل الاعتبار في الوحدة والتعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل‌ ، كما لو وكّل رجلان رجلاً بالبيع أو بالشراء وقلنا : إنّ الصفقة‌

____________________

(٤-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨.

٣٩

تتعدّد بتعدّد المشتري ، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه :

أحدها : أنّ الاعتبار بالعاقد ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، ولهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل ، وخيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

والثاني : أنّ الاعتبار بالمعقود له ؛ لأنّ الملك يثبت له.

والثالث : أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له ، وفي طرف الشراء بالعاقد.

والفرق : أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ، وفي جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن ، بطل البيع.

وهذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة ، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن ، فهو كالوكيل بالبيع.

والرابع : أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل ، وفي البيع بهما جميعاً ، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد ، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع ، ولا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصاً لاثنين ، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما ، وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحدٍ ، لم يجز للشفيع أخذ بعضه ، وفي جانب البيع حكم تعدّد الوكيل والموكّل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصاً من رجل ، ليس للشفيع أخذ بعضه ، وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة ، فكذا في سائر الأحكام(١) .

ويتفرّع على هذه الوجوهفروع :

أ - لو اشترى شيئاً بوكالة رجلين ، فخرج معيباً ، وقلنا : الاعتبار‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨ - ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ - ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٥ - ٣٨٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477