الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام12%

الإمام علي الهادي عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 477

الإمام علي الهادي عليه السلام
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 154531 / تحميل: 6633
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي عليه السلام

الإمام علي الهادي عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

سعة، لا ترى مثله! فسقط المتوكل لوجهه، وسقط السيف من يده، وأنا أسمعه يقول: يا مولاي ويا ابن عمي، أقلني أقالك الله، وأنا أشهد أنك على كل شئ قدير! فأشار مولاي بيده إلى الثعبان فغاب، ونهض وقال: ويلك ذلك الله رب العالمين. فحمدنا الله وشكرناه ».

٩. لقد فاخرتنا من قريش عصابةٌ:

« دخل (ع) يوماً على المتوكل فقال: يا أبا الحسن من أشعر الناس، وكان قد سأل قبله ابن الجهم فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام، فلما سأل الإمام (ع) قال: فلان بن فلان العلوي. قال ابن الفحام: وأحسبه الحماني قال: حيث يقول:

لقد فَاخَرَتْنَا من قريشٍ عُصَابَةٌ

بِمَطِّ خُدُودٍ وامتدادِ أصابعِ

فلما تنازعنا القضاءَ قضى لنا

عليهم بما نهوى نداءُ الصوامع

قال: وما نداء الصوامع، يا أبا الحسن؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، جدي أم جدك؟فضحك المتوكل ثم قال: هوجدك لاندفعك عنه ».

« أمالي الطوسي / ٢٨٧، ومناقب آل أبي طالب: ٣ / ٥١٠، والمحاسن والمساوئ للبيهقي: ١ / ٤٦، وفي طبعة / ٧٨، والمحاسن والأضداد للجاحظ: ١ / ١٤٧، ومصادر أخرى ».

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « ١ / ١٨٥ »: « وَالحِمَّاني: علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (ع) الذي كان يقول: أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر إلى أبي طالب. والذي شهد له الهادي (ع) أمام المتوكل بأنه أشعر الناس لقوله من أبيات فلما تنازعنا الحديث قضى لنا ...

٨١

وقال في أعيان الشيعة « ٨ / ٣١٦ »: « علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين (ع) المعروف بالحِمَّاني، نسبة إلى حِمَّان بكسر الحاء وتشديد الميم قبيلة بالكوفة نزلها. توفي سنة ٢٦٠، كما قال ابن الأثير، كان فاضلاً أديباً شاعراً وشهد له الإمام أبوالحسن (ع) الثالث في التفضيل في الشعر. وذكر تتمة البيتين:

وإنا سكوتٌ والشهيدُ بفضلنا

عليهم جهيرُ الصوت في كل جامع

فإنَّ رسولَ الله أحمدُ جدُّنا

ونحنُ بنوهُ كالنجوم الطوالع

وقال: قوله وأنشد له المرتضى في الفصول المختارة من كتاب المجالس، وكتاب العيون والمحاسن للمفيد:

يا آلَ حم الذين بحبهمْ

حَكَمَ الكتابُ مُنزلاً تنزيلا

كان المديحُ حُلَى الملوك وكنتمُ

حُلَلَ المدائح عِزَّةً وجُمولا

بيتٌ إذا عَدَّ المآثرَ أهلُها

عَدُّوا النبيَّ وثانياً جبريلا

قومٌ إذا اعتدلوا الحمايلَ أصبحوا

متقسمين خَلَيفةً ورسولا

نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا

حتى صدرنَ كُهولةً وكُهولا

ثقلانِ لن يتفرقا أو يُطْفِيَا

بالحوض من ظمإِ الصدورِ غليلا

وخليفتان على الأنام بقوله

بالحق أصدقُ من تكلم قيلا

فاقوا أكفَّ الآيسين فأصبحوا

لايعدلون سوى الكتاب عديلا ».

ورواها في مناقب آل أبي طالب « ٢ / ٣٣٩ » وأنشد له ابن عنبة في عمدة الطالب / ٣٠١:

« لنا من هاشمٍ هَضَبَاتُ عِزٍّ

مُطَنَّبَةٌ بأبراجِ السماءِ

تُطيفُ بنا الملائكُ كلَّ يَوْمٍ

ونُكفَلُ في حُجُورِ الأنبياء

ويَهتزُّ المقامُ لنا ارتياحاً

ويلقانا صَفَاهُ بالصَّفاء ».

٨٢

١٠ . هيأ له المعتز علوجاً ليقتلوه فهابوه وسجدوا له:

روى في الثاقب في المناقب / ٥٥٦: « عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب قال: كنا مع المعتز، وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلم المعتز ووقف ووقف خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحب به وأمره بالقعود، ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي يقول فيه ما يقول، ويرد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهوالذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي.

ثم قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون، فجئ بهم ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبوالحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهويقول: والله لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائمٌ خلفه من وراء الستر، فما علمت إلا بأبي الحسن (ع) قد دخل، وقد بادر الناس قدامه فقالوا: جاء! والتفتُّ ورائي وهوغير مكترث ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكب عليه يقبل بين عينيه، واحتمل يده بيده وهويقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي، يا أبا الحسن، وأبوالحسن يقول: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا! فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك، فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، إرجع يا سيدي من حيث جئت.

٨٣

يا فتح، يا عبد الله، يا معتز، شيعوا سيدي وسيدكم. فلما بصر به الخزر خروا سجداً مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عما أمرنا به، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه وقال: الحمد لله الذي بيض وجهه، وأنار حجته ».

رووا أن الإمام (ع) مدح العباس:

قال الذهبي في سيره « ١٢ / ٣٨ »: « قال المبرد: قال المتوكل لعلي بن محمد بن الرضا: ما يقول ولد أبيك في العباس؟ قال: ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله طاعته على نبيه (ص) وذكر حكاية طويلة، وبكى المتوكل، وقال له: يا أبا الحسن لينت منا قلوباً قاسية، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر له بها ».

أقول: إذا صح ذلك فهو تقية جائزة للتخلص من قرار المتوكل بقتله (ع)، ويكون معنى: فرض طاعته على نبيه (ص)، أي طاعة الله تعالى لا طاعة العباس.

٨٤

الفصل الرابع:

إحضار المتوكل للإمام الهادي (ع) الى سامراء

أحضر المتوكل الإمام (ع) الى سامراء ثلاث مرات

١. حكم المتوكل أربع عشرة سنة « ٢٣٢ ـ ٢٤٧ » وحكم بعده ابنه المنتصر نحو سبعة أشهر، ثم حكم المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم، سنتين وتسعة أشهر، ثم حكم المعتز وهوالزبير بن المتوكل، ثماني سنين وستة أشهر، وهو الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الهادي (ع).

وكان المتوكل على خط أسلافه خلفاء بني عباس في عدائهم للأئمة من عترة النبي (ص)، لأنهم يعرفون أنهم أئمة ربانيون ينجذب اليهم الناس، ويقيسون بهم الخليفة العباسي. فهم برأي الخلفاء خطرٌ على حكمهم.

وبسبب هذا العداء أرسل المتوكل القائد عَتَّاب بن أبي عتاب في أول خلافته لإحضار الإمام الهادي (ع)، ثم أرسل القائد يحيى بن هرثمة أكثر من مرة. وروت المصادر نص رسالة المتوكل الى الإمام (ع) مع ابن هرثمة سنة ٢٤٣ . كما روت أنه حبسه في إحدى إحضاراته وحفر له قبراً في السجن! ويظهر أن ذلك كان في مطلع خلافته سنة ٢٣٣، فبقي الإمام (ع) مدة في سامراء، ثم تخلص ورجع الى المدينة، أو رجع في موسم الحج وبقي في المدينة.

٨٥

ثم أحضره ثانية قبل سنة ٢٣٥ ، فتخلص أيضاً وعاد الى المدينة، ثم أحضره سنة ٢٤٣، وألزمه بالبقاء في سامراء.

وقلنا ثلاث مرات على الأقل، لأنهم رووا أن المتوكل مرض في أول خلافته، ونذر إن عوفي أن يتصدق بدنانير كثيرة، ولم يعرف الفقهاء مقدارها، وأرسل الى الإمام الهادي (ع) وكان في سامراء، فسأله.

ورووا أن يحيى بن هرثمة مرَّ به في مجيئه على بغداد، وزاره القائد إسحاق بن إبراهيم الطاهري، وقد توفي الطاهري سنة ٢٣٥ ، فلا بد أن يكون ذلك غير إحضاره مع القائد عَتَّاب بن أبي عتاب.

كما أن المتوكل حبس الإمام (ع) في هذا الإحضار، وأراد قتله. أما في الإحضار الأخير فلم يحبسه وأظهر احترامه وألزمه بالإقامة في سامراء، فاشترى الإمام داراً من نصراني وسكن فيها، ثم أضاف اليها داراً أو دوراً أخرى.

أما محاولة المتوكل إهانة الإمام (ع) وإنزاله في خان الصعاليك، وتأخير مقابلته له يوماً، فلا يبعد أن تكون في إحضاره الأخير.

٢. وبهذا تعرف أن سبب تفاوت كلام المؤرخين في أن الإمام الهادي (ع) أقام في سامراء عشرين سنة، أوعشر سنين، هوالإحضارات المتعددة له، والتي ختمت بفرض الإقامة الجبرية عليه حتى هلاك المتوكل.

ثم جاء المستعين والمعتز فواصلا فرض الإقامة الجبرية عليه، حتى ارتكب المعتز وهو الزبير بن المتوكل، جريمة قتله (ع).

٨٦

الإحضار الأول للإمام (ع) الى سامراء

قال في مناقب آل أبي طالب « ٣ / ٥١٥ »: « وَجَّهَ المتوكل عَتَّابَ بن أبي عتاب إلى المدينة ليحمل علي بن محمد (ع) إلى سر من رأى، وكان الشيعة يتحدثون أنه يعلم الغيب، فكان في نفس عتاب من هذا شئ، فلما فصل من المدينة رآه وقد لبس لَبَّادة والسماء صاحية، فما كان أسرع من أن تغيمت وأمطرت، فقال عتاب: هذا واحد. ثم لما وافى شط القاطون رآه مُقْلَقَ القلب فقال له: مالك يا أبا أحمد؟ فقال: قلبي مُقلق بحوايج التمستها من أمير المؤمنين. قال له: فإن حوائجك قد قضيت، فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه. قال: الناس يقولون إنك تعلم الغيب. وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين ».

عتَّاب بن أبي عتاب قائد عباسي فارسي

قال في تاريخ دمشق « ٣٨ / ٢٢٦ »: « عتَّاب بن عتاب بن سالم بن سليمان النسائي، أحد قواد المتوكل، قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين، فيما قرأته بخط أبي محمد عبد الله بن محمد الخطابي، ثم ولاه حجابته مع الحسين بن إسماعيل ».

وذكره الطبري في مواضع وهو مطيعٌ لخلفاء بني عباس.

منها « ٧ / ٣٧٣ » لما وثب أهل حمص على واليهم فأرسل لهم المتوكل عتَّاباً: « وأمره أن يقول لهم إن أمير المؤمنين قد أبدلكم رجلاً مكان رجل فرضوا بمحمد بن عبدويه فولاه عليهم، فعمل فيهم الأعاجيب ».

٨٧

ومنها: أن المعتز ظفر جيشه بعلوي ثار عليه في الكوفة، « الطبري: ٧ / ٥١١ » : « فورد الكتاب بحمله مع عتاب بن عتاب، وحمل هؤلاء الطالبيين فحملوا جميعاً ».

ومنها: دور عَتَّاب بعد المتوكل حتى قتل مع المهتدي سنة ٢٥٦ ، وذلك لما اختلف المهتدي مع القادة الأتراك، فخدعه القائد التركي بايكباك بأنه معه ضد موسى بن بغا، ودخل قصر المهتدي ومهد لدخول ابن بغا لقتله. ولما اكتشف المهتدي مؤامرة بايكباك، قَتَلَهُ وأمر عتاب بن عتاب أن يرميهم برأسه فرماههم به، فأطبقوا على المهتدي وجيشه: « شد رجل منهم على عتاب فقتله فحمل عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حَرَّان موتور، فنقض تعبيتهم وهزمهم وأكثر فيهم القتل وولوا منهزمين، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور وهوينادي: يا معشر الناس أنصروا خليفتكم! حتى صار إلى دار ابن جميل فبادرهم ليصعد فرُمِي بسهم وبُعِج بالسيف، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أوبغل وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي « الأثاث » فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار، ودفعوه إلى رجل فوطئ على خصييه حتى قتله ». « الطبري « ٧ / ٥٨٢ »

ثم وصف الطبري انتخاب الأتراك للخليفة الجديد فقال « ٧ / ٥٨٧ »: « كان يارجوخ بعد انهزام الناس صار إلى الدار، فأخرج من ولد المتوكل جماعة فصار بهم إلى داره، فبايعوا أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان، يوم الثلاثاء لثلاث عشرة

٨٨

خلت من رجب وسميَ المعتمد على الله، وأشهد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب على وفاة المهتدى محمد بن الواثق، وأنه سليم ما به إلا الجراحتان اللتان نالتاه يوم الأحد في الوقعة ».

وهذا يدل على أن عتاباً كان فارسياً وليس تركياً، وأنه قتل مع المهتدي. ومن المستبعد أن يكون استبصر لما رأى معجزات الإمام (ع) في مرافقته من المدينة، رغم أنه اقتنع بأنه ولي الله، وأن الله تعالى يظهره على بعض غيبه.

فقد بقي عتاب مخلصاً للمتوكل، والخلفاء من بعده، وكانوا يكلفونه بمهمات قذرة، من القمع والقتل، حتى قُتل في سبيلهم!

إحضار الإمام الى سامراء بعد هدم قبر الحسين (ع)

ارتكب المتوكل جريمة هدم قبر الحسين (ع) سنة ٢٣٦، واتفق المؤرخون على أنه أثار على نفسه نقمةً عامة من كل الفئات، حتى كتب المسلمون شعار شتمه على جدران بغداد، ولم يرووا أن أحداً كان يمحوه!

وقد رافق ذلك تزايد تعاطف المسلمين مع الإمام الهادي (ع) خاصة في بغداد والحجاز، وقد وصل هذا التعاطف الى بعض وزراء الخليفة، وأفراد أسرته!

ويظهر أن بعض الأوساط لهجوا بالثورة على المتوكل.

وفي ذلك الظرف كتب اليه والي مكة والمدينة: إن كانت لك حاجة في الحجاز، فأخرج منه علي بن محمد. أي قبل أن يدعوهم للثورة عليك فيستجيبون له!

٨٩

قال المسعودي في إثبات الوصية « ١ / ٢٣٢ »: « وكتب بُرَيْحَة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين الى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة، فأخرج علي بن محمد منهما فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير. وتابع بُريحة الكتب في هذا المعنى، فوجه المتوكل بيحيى بن هرثمة وكتب معه الى أبي الحسن (ع) كتاباً جميلاً يعرفه أنه قد اشتاقه، ويسأله القدوم عليه. وأمر يحيى بالمسير معه كما يحبُّ، وكتب الى بريحة يعرفه ذلك. فقدم يحيى بن هرثمة المدينة فأوصل الكتاب الى بريحة، وركبا جميعاً الى أبي الحسن (ع) فأوصلا إليه كتاب المتوكل، فاستأجلهما ثلاثاً.

فلما كان بعد ثلاث عاد الى داره فوجد الدواب مُسْرَجة، والأثقال مشدودة قد فُرغ منها. وخرج صلى الله عليه متوجهاً نحوالعراق، واتَّبعه بريحة مشيعاً، فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة: قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك، وعليَّ حلفٌ بأيمان مغلظة لئن شكوتني الى أمير المؤمنين، أوالى أحد من خاصته وأبنائه، لَأُجَمِّرَنَّ نخلك، ولأقتلن مواليك، ولأُعُوِّرَنَّ عيون ضيعتك، ولأفعلن ولأصنعن. فالتفت إليه أبوالحسن (ع) فقال له: إن أقرب عَرْضِي إياك على الله البارحة. وما كنت لأعرضنك عليه، ثم أشكونك الى غيره من خلقه. قال: فانكب عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له: قد عفوت عنك ».

ملاحظة

بريحة هو تُرُنْجَة، وقد يكون تصحيفاً له، ففي شفاء الغرام للفاسي « ٢ / ٢١٩ »: « ثم وليها « مكة » محمد بن داود عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن

٩٠

عباس العباسي، الملقب تُرُنْجَة، في سنة اثنين وعشرين ومائتين، ولعل ولايته دامت إلى أثناء خلافة المتوكل ».

وقال في صبح الأعشى « ٤ / ٢٧١ »: « ثم وليها محمد بن عيسى، ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وولَّى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل. ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور، ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولَّى مكانه عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى. ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين، وولَّى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام. ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس ».

وفي رسالة المتوكل الى الإمام الهادي (ع) أنه عزل بريحة لأنه أساء اليه، وذلك سنة ٢٤٣. ومعناه أنه عزل ثم نصب على الصلاة في الحرمين.

وسماه في الإرشاد « ٢ / ٣٢٥ »: تُرنجة، وقال في هامشه: وهوعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي بن أترجة من ندماء المتوكل، والمشهور بالنصب والبغض لعلي بن أبي طالب (ع)، وقد قتل بيد عيسى بن جعفر، وعلي بن زيد الحسنيين بالكوفة قبل موت المعتز بأيام. أنظر: الكامل لابن الأثير: ٧ / ٥٦، تاريخ الطبري: ٩ / ٣٨٨ .

وورد خبر قتله في الكافي « ١ / ٥٠٦ »: « قال: كتب أبومحمد (ع) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحوعشرين يوماً: إلزم بيتك حتى يحدث الحادث، فلما قتل بُريحة كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني؟ فكتب: ليس هذا الحادث، الحادث الآخر. فكان من أمر المعتز ما كان.

٩١

وعنه قال: كتبت (ع) إلى رجل آخر: يُقتل ابن محمد بن داود عبد الله قبل قتله « المعتز » بعشرة أيام، فلما كان في اليوم العاشر، قُتل ».

وكان قَتل المعتز سنة ٢٥٥ « الثقات لابن حبان: ٢ / ٣٣١ » بعد شهادة الإمام (ع) كما يأتي.

أمر المتوكل قائده أن يفتش بيت الإمام (ع)

وقد نص على ذلك المحدثون والمؤرخون، وقالوا إن بريحة العباسي كتب الى المتوكل أن الإمام الهادي (ع) يجمع السلاح، وأن شيعته من قم أمَدُّوهُ بالأموال.

قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٨٤ »: « حدثني يحيى بن هرثمة، قال: وَجَّهني المتوكل الى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشئ بلغه عنه، فلما صرت إليها ضجَّ أهلها وعَجُّوا ضجيجاً وعجيجاً ما سمعتُ مثله، فجعلت أُسَكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته فلم أجد فيه إلا مصحفاً ودعاءً، وما أشبه ذلك، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت عشرته. فبينا أنا نائم يوماً من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة، إذ ركب وعليه مِمْطَرٌ، وقد عقد ذَنَب دابته، فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزَاليَها، ونالنا من المطر أمرٌ عظيم جداً. فالتفت إليَّ، وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيتَ، وتوهمتَ أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننتَ، ولكن نشأتُ بالبادية، فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما اصبحت هبَّتْ ريح لا تخلف وشممت منها رائحة المطر، فتأهبتُ لذلك!

٩٢

فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق ابن إبراهيم الطاهري، وكان على بغداد فقال لي: يا يحيى، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، وإن حَرَّضته على قتله كان رسول الله خصمك! فقلت: والله ما وقفت له إلا على كل أمر جميل. فصرت الى سامرا، فبدأتُ بوصيف التركي وكنت من أصحابه فقال: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري! فعجبت من قولهما، وعرَّفت المتوكل ما وقفت عليه، وما سمعته من الثناء عليه فأحسن جائزته، وأظهر بِرَّهُ وتكرمته ».

أقول: في هذا النص دلالات عديدة، منها شعبية الإمام الواسعة في المدينة، بحيث ضجَّ أهلها لما جاءت سرية المتوكل لأخذه!

أما إسحاق بن إبراهيم الطاهري فهومنسوبٌ إلى عمه طاهر بن الحسين، قائد جيش المأمون الذي دخل إلى بغداد وقتل الأمين. وكان إسحاق حاكم بغداد من قبل المتوكل، ويدل كلامه على أن عامة أهل بغداد كانوا ينظرون الى الإمام الهادي (ع) نظرة تقديس، فكان يخاف من غضب الناس إذا قتلته السلطة.

وكذلك وصيف التركي، وهومن كبار قادة الجيش التركي في سامراء، وكان كفيل المستعين، الذي صار خليفة. « تاريخ الطبري: ٧ / ٤٣٣ ».

أما قول الإمام الهادي (ع): نشأتُ بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فهو صحيح، لكنه عن مصدر واحد لعلمه بالمطر (ع)، ومصادر علمه أوسع .

٩٣

نص كتاب المتوكل الى الإمام الهادي (ع)

قال المفيد في الإرشاد « ٢ / ٣٠٩ »: « وكان سبب شخوص أبي الحسن (ع) إلى سُرَّ من رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول، فسعى بأبي الحسن (ع) إلى المتوكل، وكان يقصده بالأذى، وبلغ أبا الحسن سعايته به، فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد، ويكذبه فيما سعى به، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر، على جميل من الفعل والقول، فخرجت نسخة الكتاب وهي:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن أمير المؤمنين عارفٌ بقدرك، راعٍ لقرابتك موجبٌ لحقك، مؤثرٌ من الأمور فيك وفي أهل بيتك، ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزَّك وعزهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربه، وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم.

وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي علم أمير المؤمنين براءتك منه، وصدق نيتك في برك وقولك، وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه.

وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك، والإنتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك.

٩٤

وأمير المؤمنين مشتاقٌ إليك، يُحب إحداث العهد بك والنظر إليك، فإن نشطتَ لزيارته والمقام قبله ما أحببت، شخصتَ ومن اخترتَ من أهل بيتك ومواليك وحشمك، على مُهْلَةٍ وطُمأنينة، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت، وتسير كيف شئت. وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند، يرتحلون برحيلك ويسيرون بسيرك، فالأمر في ذلك إليك، وقد تقدمنا إليه بطاعتك، فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة، ولا أحمد له أثرةً، ولا هولهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبرُّ، وإليهم أسكن منه إليك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب إبراهيم بن العباس، في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومائتين .

فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن (ع) تجهز للرحيل، وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى. فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحُجب عنه في يومه! فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك، وأقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل إليها.

ثم روى المفيد (رحمه الله): عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن (ع) يوم وروده فقلت له: جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك. فقال: هاهنا أنت يا ابن سعيد! ثم أوما بيده فإذا بروضات أنفات، وأنهار جاريات، وجنان فيها خيرات

٩٥

عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري وكثر تعجبي، فقال لي: حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك!

وأقام أبوالحسن (ع) مدة مقامه بسر من رأى، مكرماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به، فلا يتمكن من ذلك.

وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له وبينات، إن قصدنا لإيراد ذلك خرجنا عن الغرض فيما نَحَوْنَاه ». راجع الكافي: ١ / ٤٩٨ .

وقال راوي الرسالة كما في الكافي « ١ / ٥٠١ »: « أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث (ع) من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين ».

وفي الإرشاد « ٢ / ٣١٠ » وروضة الواعظين / ٢٤٥، وغيرهما: « وكتب إبراهيم بن العباس في شهر كذا، من سنة ثلاث وأربعين ومئتين ».

وفي الفصول المهمة لابن الصباغ / ٢٦٥، والبحار « ٥٠ / ٢٠١ » وغيرهما: « وكان المتوكل قد أشخصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى مع يحيى بن هرثمة بن أعيَن، في جمادى الأخرى سنة ثلاث وأربعين ومائتين ».

لكن قال الطبري « ٧ / ٣٤٨ »: « وفيها « سنة ٢٣٣ » قدم يحيى بن هرثمة، وهووالي طريق مكة، بعلي بن محمد بن علي الرضا، بن موسى بن جعفر من المدينة ».

ونحوه في النجوم الزاهرة « ٢ / ٢٧١ »، وفيه: « وكان قد بلغ المتوكل عنه شئ ».

وفي فرق الشيعة للنوبختي « ١ / ٩١ »: « وكان المتوكل أشخصه من المدينة مع يحيى بن هرثمة بن أعين وكان قدومه إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من

٩٦

شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومأتين. وكان مولده يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب، سنة أربع عشرة ومأتين، وأقام بسر من رأى داره إلى أن توفي: عشرين سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام. وكانت إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة وسبعة أشهر ».

وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي « ١ / ٣٢٢ »: « وكنيته أبوالحسن العسكري وإنما نسب الى العسكري، لأن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة الى بغداد الى سر من رأى، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. قال علماء السير: وإنما أشخصه المتوكل من مدينة رسول الله الى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته، فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: إذهب الى المدينة وانظر في حاله وأشخصه الينا.

قال يحيى: فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سَمِع الناس بمثله خوفاً على عليٍّ، وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسناً اليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل الى الدنيا.

قال يحيى: فجعلت أسكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته. فلما قدمت به بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تَعلم، فإن حرضته عليه قتله وكان

٩٧

رسول الله خصمك يوم القيامة! فقلت له: والله ما وقعت منه إلا على كل أمر جميل، ثم صرت به الى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك. « وهو من جند وصيف ».

قال: فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق! فلما دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته، وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وأن أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل وأحسن جايزته، وأجزل بره، وأنزله معه سر من رأى.

قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة، فنذر إن عوفي ليتصدقن بدراهم كثيرة، فعوفي فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً فبعث الى علي فسأله فقال: يتصدق بثلاثة وثمانين ديناراً. فقال المتوكل: من أين لك هذا؟ فقال من قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ . والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة، وذلك لأن النبي (ص) غزى سبعاً وعشرين غزاة، وبعث خمساً وستين سرية، وآخر غزواته يوم حنين.

فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب، وبعث اليه بمال كثير فقال: علي هذا الواجب، فتصدق أنت بما أحببت ».

ملاحظات

١. يتضح بما تقدم أن إحضار المتوكل للإمام (ع) كان بإرساله القائد عتاب بن أبي عتاب في أول خلافته سنة ٢٣٣، وأن الإمام (ع) بقي فترة في سامراء، ثم عاد

٩٨

الى المدينة وبقي فيها. أما إرسال المتوكل ليحيى بن هرثمة فكان بعد بضع سنوات، فأحضره وألزمه بالبقاء حتى استشهد (ع) على يد المعتمد.

٢. يظهر من نص رسالة المتوكل الى الإمام (ع) أنه يخاطب شخصية له نفوذه في المسلمين، وله قداسة عندهم، فالمتوكل النمرود يراعي الأدب معه، وفي نفس الوقت يحتم عليه الحضور الى سامراء، لأنه اشتاق اليه!

وكل هدفه أن يكون في قبضته في سامراء، ويأمن من ثورته عليه، لأنه إذا دعا المسلمين الى بيعته، استجاب له منهم قسم كبير.

٣. يدل تعمد المتوكل تأخير استقباله يوماً، وإنزاله في خان ينزل فيه عادة الصعاليك وسواد الناس، أن المقصود إهانته ليذل في نفسه ويخضع للمتوكل كغيره من الشخصيات الذين يُحضرهم، لكن الإمام الهادي شخصيةٌ ربانيةٌ لايقاس بها الأرضيون، ومن بيت لا يقاس بهم أحد، صلوات الله عليهم!

خافت السلطة من ثورة البغداديين!

في تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٤٨٤ »: « وكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد، في الشخوص من المدينة، وكان عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام، فشخص عن المدينة، وشخص يحيى بن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقيه، فرأى تشوق الناس إليه

٩٩

واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نفذ إلى سر من رأى ».

أقول: هذا النص يدل على الشعبية العميقة للإمام (ع) في بغداد والعراق، وأن السلطة خافت أن يدخل الى بغداد، فأنزلوه خارجها في الياسرية، وهي على بعد ميلين من بغداد، على ضفة نهر عيسى، وتقع اليوم قرب مطار بغداد القديم.

لكن شيعة الإمام (ع) ومحبيه كانوا يتتبعون حركته، وعرفوا بموعد وصوله الى بغداد، فخرجوا الى ضاحيتها لملاقاته، وازدحموا عليه حتى أن والي بغداد أراد أن يزوره فوجد ازدحام الناس، فانتظر الى الليل فزاره!

ويدلك على تعاظم شعبيته أنهم خافوا من بقائه في ضاحية بغداد ولو ليلة واحدة، فقرروا أن يمضوا به الى سامراء في الليل!

كما يدلك على شعبيته وصية والي بغداد ليحيى به، وتخوفه أن يقتله المتوكل فيفتح باب الثورة على السلطة!

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477