موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ١٠

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 175

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 175
المشاهدات: 78351
تحميل: 4123


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 175 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78351 / تحميل: 4123
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 10

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

وأقام الإمام عليه‌السلام ولاته وعمّاله على بعض المناطق والأقاليم الإسلامية ، وقد عهد إليهم بتقوى الله وطاعته ، والسهر على خدمة المواطنين ، مسلمين وغير مسلمين ، وأن يشيعوا بينهم روح المودّة والالفة ، والأمن والرخاء ، ليكونوا أمثلة مشرقة للحكم الصالح الذي يسعد المجتمع في ظلاله وفيما يلي بعض ولاته :

واليه على مكّة قثم

استعمل الإمام عليه‌السلام على مكّة ابن عمّه قثم بن العباس ، وامّه لبابة بنت الحارث الهلالية ، روي أنّها أوّل امرأة أسلمت بعد أمّ المؤمنين خديجة ، وكان أثيرا عند الإمام عليه‌السلام وذلك لورعه وتقواه ، وقد سأله عبد الرحمن بن خالد فقال له :

ما شأن عليّ ، هل كانت له منزلة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن للعباس؟ فأجابه إنّه كان أوّلنا لحوقا ، وأشدّنا لزوقا (1) ، وقد استعمله على مكّة وبقي فيها حتى استشهد الإمام عليه‌السلام .

رسالة الإمام إلى قثم :

كتب الإمام عليه‌السلام إلى قثم هذه الرسالة حينما علم أنّ معاوية دسّ إلى مكّة بعض عملائه يخذّلون الناس عن نصرة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويشيعون بينهم أنّ الإمام

__________________

(1) اسد الغابة 3 : 373.

٨١

إمّا قاتل لعثمان ، أو خاذل له ، وهو لا يصلح للإمامة ، وأنّ الصالح للإمامة معاوية بن أبي سفيان (1) ، فكتب إليه الإمام يحذّره من معاوية وأذنابه :

أمّا بعد ، فإنّ عيني ـ بالمغرب (2) ـ كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه على الموسم اناس من أهل الشّام العمي القلوب ، الصمّ الأسماع ، الكمه الأبصار (3) ، الّذين يلتمسون الحق بالباطل ، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق ، ويحتلبون الدّنيا درّها بالدّين ، ويشترون عاجلها بآجل الأبرار والمتّقين ؛ ولن يفوز بالخير إلاّ عامله ، ولا يجزى جزاء الشّرّ إلاّ فاعله. فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصّليب ، والنّاصح اللّبيب ، والتّابع لسلطانه ، المطيع لإمامه.

وإيّاك وما يعتذر منه ، ولا تكن عند النّعماء بطرا (4) ، ولا عند البأساء فشلا ، والسّلام (5) .

وحكت هذه الرسالة الصفات البارزة لأذناب معاوية وعملائه ، وهي :

1 ـ أنّهم عمي القلوب.

2 ـ صمّ الأسماع.

3 ـ كمه الأبصار.

4 ـ يلتمسون الباطل باسم الحقّ.

5 ـ يطيعون المخلوق بمعصية الخالق.

__________________

(1) شرح ابن أبي الحديد. شرح ابن ميثم على الرسالة التالية.

(2) أراد بـ « المغرب » : الشام ، وسمّي مغربا لأنّه من الأقاليم الغربية.

(3) الكمه : جمع أكمه ، وهو من ولد أعمى.

(4) البطر : شدّة الفرح.

(5) مصادر نهج البلاغة وأسانيده ـ قسم الرسائل والعهود 3 : 318.

٨٢

هذه بعض الصفات السيّئة الماثلة فيهم ، وهي ـ من دون شكّ ـ تخرجهم عن اطار المؤمنين.

رسالة اخرى إلى قثم :

أمّا بعد ، فأقم للنّاس الحجّ ، وذكّرهم بأيّام الله ، واجلس لهم العصرين ، فأفت المستفتي ، وعلّم الجاهل ، وذاكر العالم. ولا يكن لك إلى النّاس سفير إلاّ لسانك ، ولا حاجب إلاّ وجهك. ولا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها ، فإنّها إن ذيدت (1) عن أبوابك في أوّل وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها.

وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا.

ومر أهل مكّة ألاّ يأخذوا من ساكن أجرا ، فإنّ الله سبحانه يقول : ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) فالعاكف : المقيم به ، والبادي : الّذي يحجّ إليه من غير أهله.

وفّقنا الله وإيّاكم لمحابّه والسّلام » (2) .

وحفلت هذه الرسالة بجميع مقوّمات الإنسانية ، فقد حفلت بما يلي :

1 ـ أن يجلس للناس مجلسا عامّا يعظهم ، ويرشدهم للتي هي أقوم ، يجلس لهم صباحا ومساء ، ويقوم في مجلسه بإفتاء المستفتي ، وتعليم الجاهل

__________________

(1) ذيدت : أي منعت.

(2) مصادر نهج البلاغة وأسانيده ـ قسم الرسائل والعهود : 307.

٨٣

ومذاكرة العالم.

2 ـ أن لا يكون بينه وبين الناس سفير ولا حاجب ولا شرطي ولا بوّاب وأن يقوم بدوره بقضاء حوائج المحتاجين.

3 ـ أن ينفق ما عنده من أموال على مكافحة الفقر ، وإزالة البؤس وما فضل من ذلك فيحمله إلى الإمام عليه‌السلام ليتولّى صرفه في مواضعه.

4 ـ أن يشيع بين أهل مكّة أن لا يأخذوا أجرا على ساكن لأنّ الله تعالى يقول : ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) .

٨٤

واليه على المدينة سهل بن حنيف

ولمّا نزح الإمام عليه‌السلام إلى حرب الجمل أقام على يثرب واليا ، سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي ، وكان من أعلام الصحابة وخيارهم ، ومن السابقين لاعتناق الإسلام ، شهد بدرا ، وثبت يوم احد حين انكشف الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبايع النبيّ على الموت ، وكان ينفح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبل فيقول : نبلوا سهلا فإنّه سهل.

كما شهد الخندق والمشاهد كلّها ، وقد ولاّه الإمام بعد ذلك على البصرة.

يقال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بينه وبين الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (1) .

وحينما كان واليا على المدينة بلغ الإمام عليه‌السلام أنّ عصابة من أهل المدينة التحقوا بمعاوية ، فكتب إليه الإمام عليه‌السلام هذه الرسالة :

أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ رجالا ممّن قبلك يتسلّلون إلى معاوية ، فلا تأسّف على ما يفوتك من عددهم ، ويذهب عنك من مددهم ، فكفى لهم غيّا ، ولك منهم شافيا ، فرارهم من الهدى والحقّ ، وإيضاعهم (2) إلى العمى والجهل ؛ وإنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها ، ومهطعون

__________________

(1) الاصابة 2 : 86.

(2) الايضاع : الاسراع.

٨٥

إليها (1) ، وقد عرفوا العدل ورأوه ، وسمعوه ووعوه ، وعلموا أنّ النّاس عندنا في الحقّ أسوة ، فهربوا إلى الأثرة فبعدا لهم وسحقا!! (2)

وحفلت هذه الرسالة بعدم الحزن والتأثّر على من ولّى إلى معاوية فإنّهم إنّما فرّوا من العدل إلى الجور والظلم ، وقد آثروا العمى على الهدى والباطل على الحقّ فبعدا لهم وسحقا.

وعلى أي حال فإنّ سهل بن حنيف من خيرة الأنصار ، ومن طلائع المجاهدين في نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان أثيرا عند الإمام عليه‌السلام ، توفّي سنة ( 38 ه‍ ) ، وذلك بعد رجوع الإمام من صفّين ، فوجد عليه وقال : « لو أحبّني جبل لتهافت ».

__________________

(1) مهطعون : أي مسرعون.

(2) نهج البلاغة 2 : 192.

٨٦

واليه على اليمن عبيد الله بن العباس

واستعمل الإمام عليه‌السلام على اليمن عبيد الله بن العبّاس ، وكان الوالي عليها من قبل عثمان يعلى بن منبّه ، ونهب جميع ما جمع من الجبابة ، وخرج به إلى مكّة (1) ، وقد جهّز بالأموال جيش عائشة ، وأمدّه بما يحتاج إليه من النفقات ، وكان أعظم عون قدّمه للمتمرّدين على حكومة الإمام عليه‌السلام .

وبقي عبيد الله بن العباس واليا على اليمن ، فجهّز معاوية جيشا بقيادة المجرم الأثيم بسر بن أبي أرطاة لاحتلال اليمن ، وحينما علم عبيد الله بذلك هرب من اليمن إلى الكوفة ، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الحارثي ، فألقى عليه القبض بسر ، وقتله وعمد إلى طفلين لعبيد الله وهما عبد الرحمن وقثم فقتلهما ، وقد انبرى إليه رجل من كنانة فقال له :

لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما ، فقتله ثمّ قتلهما.

وبادرت إليه نسوة من بني كنانة فقالت له إحداهن :

يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين ، والله! ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام ، والله! يا ابن أبي ارطاة إنّ سلطانا لا يقوم إلاّ بقتل الصبي الصغير والشيخ

__________________

(1) الكامل لابن الأثير 3 : 103.

٨٧

الكبير ، ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء (1) .

إنّ سلطان معاوية « كسرى العرب » قام على قتل الأطفال والشيوخ وإشاعة الرعب والخوف بين الناس ، وهو سلطان شرّ.

وكانت أمّ الطفلين وهي عائشة بنت عبد الله المدان قد هامت على وجهها لا تعقل وكانت تنشد في المواسم هذه الأبيات التي مثّلت أساها ، وهي :

يا من أحسّ بنيّ اللّذين هما

كالدّرّتين تشظّى عنهما الصّدف

يا من أحسّ بنيّ اللّذين هما

مخّ العظام فمخّي اليوم مزدهف

يا من أحسّ بنيّ اللّذين هما

قلبي وسمعي ، فقلبي اليوم مختطف

من ذلّ والهة حيرى مدلّهة

على صبيّين ذلاّ إذ غدا السّلف؟

نبّئت بسرا وما صدّقت ما زعموا

من إفكهم ومن القول الذي اقترفوا

أحنى على ودجي ابنيّ مرهفة

من الشّفار كذاك الإثم يقترف

ولمّا سمع الإمام عليه‌السلام بقتل الصبيّين جزع جزعا شديدا ودعا على بسر ، فقال : « اسلبه دينه وعقله » ، واستجاب الله دعاء الإمام فقد فقد عقله ، فكان يهذي ويطلب السيف فيؤتى بسيف من خشب ، ويجعل بين يديه زقّ منفوخ فلا يزال يضربه حتى مات (2) .

لقد واجه المسلمون في عهد معاوية ألوانا من الجور والارهاب لم ير المسلمون له نظيرا ، فقد أمعن في الظلم وارغام الناس على ما يكرهون.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 : 192.

(2) المصدر السابق : 193 ، وغيره.

٨٨

ولاته على البحرين

واستعمل الإمام على البحرين كوكبة من الولاة ، وهم كما يلي :

عمر بن أبي سلمة

واستعمل الإمام عليه‌السلام على البحرين عمر بن أبي سلمة المخزومي ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، امّه أمّ المؤمنين السيّدة أمّ سلمة ، يكنّى أبا جعفر ، ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة ، وكان على جانب كبير من الإخلاص والولاء للإمام عليه‌السلام ، وقد أرسلته امّه لمساعدة الإمام عليه‌السلام في حرب الجمل ، وقد بعثت معه رسالة إلى الإمام عليه‌السلام جاء فيها :

لو لا أنّ الجهاد موضوع عن النساء لجئت فجاهدت بين يديك ، هذا ابني عديل النفس فاستوص به خيرا يا أمير المؤمنين! وشهد معه حرب الجمل ، توفّي بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان سنة ( 83 ه‍ ) (1) .

وقد عزله الإمام عليه‌السلام عن ولاية البحرين ، وكتب إليه هذه الرسالة :

أمّا بعد ، فإنّي قد ولّيت نعمان بن عجلان الزّرقيّ على البحرين ، ونزعت

__________________

(1) اسد الغابة ـ باب العين 2 : 169 ـ 170.

٨٩

يدك بلا ذمّ لك ، ولا تثريب عليك (1) ؛ فلقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة ، فأقبل غير ظنين (2) ، ولا ملوم ، ولا متّهم ، ولا مأثوم ، فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشّام ، وأحببت أن تشهد معي ، فإنّك ممّن أستظهر به على جهاد العدوّ ، وإقامة عمود الدّين ، إن شاء الله (3) .

وحكت هذه الرسالة توثيق الإمام لعمر ، وقيامه بإدارة البلاد بأحسن ما يرام ، وأنّه إنّما عزله ليستعين بآرائه في محاربة معاوية.

__________________

(1) التثريب : الاستقصاء في اللوم.

(2) ظنين : أي غير متّهم.

(3) تاريخ ابن واضح 2 : 190.

٩٠

النعمان بن عجلان

النعمان بن عجلان من سادات الأنصار ، وكان لسانهم وشاعرهم ، وهو القائل يوم السقيفة في تمجيد الأنصار ، وذكر الخلافة بعد النبي :

فقل لقريش نحن أصحاب مكّة

ويوم حنين والفوارس في بدر

وأصحاب احد والنّضير وخيبر

ونحن رجعنا من قريظة بالذّكر

ويوم بأرض الشّام إذ قتل جعفر

وزيد وعبد الله في علق نجري

وفي كلّ يوم ينكر الكلب أهله

نطاعن فيه بالمثقّفة السّمر

نصرنا وآوينا النّبيّ ولم نخف

صروف اللّيالي والعظيم من الأمر

وقلنا لقوم هاجروا قبل : مرحبا

وأهلا وسهلا قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أموالنا وبيوتنا

كقسمة أيسار الجزور على الشّطر

ونكفيكم الأمر الّذي تكرهونه

وكنّا اناسا نذهب العسر باليسر

وقلتم : حرام نصب سعد ونصبكم

عتيق بن عثمان حلال أبا بكر؟!

وكان هوانا في عليّ وإنّه

لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

وصيّ النّبيّ المصطفى وابن عمّه

وقاتل فرسان الضّلالة والكفر (1)

وحكت هذه اللوحة كثيرا من الأحداث التاريخية ، والتي منها جهاد الأنصار

__________________

(1) مصادر نهج البلاغة ـ قسم الرسائل 3 : 345 ـ 346.

٩١

ومساهمتهم في بناء الإسلام ، وقيامهم بإعانة الفقراء من المهاجرين ، فقد شاطروهم بأموالهم ومنازلهم ، وهذا من عظيم المواساة ، كما حكت هذه الأبيات ما قاله المهاجرون في سعد بن عبادة زعيم الأنصار أنّه لا يصلح للخلافة ، وأنّها حرام عليه ، واستعملوا أبا بكر ، وصرفوا الأمر عن وصيّ النبيّ وابن عمّه والمجاهد الأوّل في الإسلام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام .

وعلى أي حال فقد استعمل الإمام على البحرين النعمان ، فجعل يهب الأموال الكثيرة إلى اسرته ، وفيه يقول أبو الأسود الدؤلي :

أرى فتنة قد ألهت النّاس عنكم

فندلا زريق المال ندل الثّعالب (1)

فإنّ ابن عجلان الّذي قد علمتم

يبدّد مال الله فعل المناهب (2)

ولمّا علم الإمام عليه‌السلام ذلك عزله ، وولّى منهزما إلى معاوية (3) .

__________________

(1) زريق : قبيلة. الندل : أن تجذبه جذبا. الثعالب : يريد سرعة الثعالب.

(2) الإصابة 3 : 532.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 : 201.

٩٢

ولاته على

اصبهان ـ اردشيرخرّه

هيت ـ اذربيجان

٩٣
٩٤

استعمل الإمام عليه‌السلام ولاة على بعض مناطق ايران وغيرها ، وزوّدهم بنصائحه القيّمة ، ووصاياه الجليلة ، كما طلب من بعضهم الالتحاق به لجهاد عدوّه الباغي معاوية بن أبي سفيان وهذا عرض لبعضهم :

مخنف بن سليم واليه على اصبهان

مخنف بن سليم الأزدي الغامدي له صحبة ، وكان من أصحاب الإمام عليه‌السلام ، استعمله على اصبهان ، وشهد معه صفّين ، وقد زوّده بهذه الرسالة :

أمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيّات عمله ، حيث لا شاهد غيره ، ولا وكيل دونه.

وأمره ألاّ يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ ، ومن لم يختلف سرّه وعلانيته ، وفعله ومقالته ، فقد أدّى الأمانة ، وأخلص العبادة.

وأمره ألاّ يجبههم ولا يعضههم ، ولا يرغب عنهم تفضّلا بالإمارة عليهم ، فإنّهم الإخوان في الدّين ، والأعوان على استخراج الحقوق.

وإنّ لك في هذه الصّدقة نصيبا مفروضا ، وحقّا معلوما ، وشركاء أهل مسكنة ، وضعفاء ذوي فاقة ، وإنّا موفّوك حقّك ، فوفّهم حقوقهم ،

٩٥

وإلاّ تفعل فإنّك من أكثر النّاس خصوما يوم القيامة ، وبؤسى لمن خصمه ـ عند الله ـ الفقراء والمساكين والسّائلون والمدفوعون ، والغارمون وابن السّبيل! ومن استهان بالأمانة ، ورتع في الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها ، فقد أحلّ بنفسه الذّلّ والخزي في الدّنيا ، وهو في الآخرة أذلّ وأخزى.

وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأفظع الغشّ غشّ الأئمّة ، والسّلام (1) .

وأنت ترى أنّ هذه الرسالة قد حوت جميع مقوّمات الأمانة والإخلاص للرعية ، والعطف على البؤساء والمحرومين ومراعاة حقوقهم ، ولم يرع هذه القيم إلاّ رائد العدالة الاجتماعية في الإسلام إمام المتّقين وسيّد الموحّدين.

ولمّا عزم الإمام عليه‌السلام على حرب معاوية أرسل إلى مخنف بن سليم الرسالة التالية يطلب منه أن يكون معه لمناجزة طاغية الأمويّين وهذا نصّها :

سلام عليك ، فإنّي أحمد الله إليك الّذي لا إله إلاّ هو.

أمّا بعد فإنّ جهاد من صدف عن الحقّ رغبة عنه ، وهبّ في نعاس العمى والضّلال اختيارا له ، فريضة على العارفين.

إنّ الله يرضى عمّن أرضاه ، ويسخط على من عصاه ، وإنّا قد هممنا بالسّير إلى هؤلاء القوم الّذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله واستأثروا بالفيء ، وعطّلوا الحدود ، وأماتوا الحقّ وأظهروا في الأرض الفساد ، واتّخذوا الفاسقين وليجة (2) من دون المؤمنين ، فإذا وليّ الله أعظم

__________________

(1) نصّ على ذلك السيّد عبد الزهرة الحسيني ، نقلا عن دعائم الإسلام 1 : 252.

(2) الوليجة : البطانة.

٩٦

أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه ، وإذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبّوه وأدنوه وبرّوه ، فقد أصرّوا على الظّلم وأجمعوا على الخلاف ، وقديما ما صدّوا عن الحقّ وتعاونوا على الإثم وكانوا ظالمين.

فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك ، وأقبل إلينا لعلّك تلقى معنا هذا العدوّ المحلّ (1) ، فتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتجامع المحقّ وتباين المبطل ، فإنّه لا غنى بنا ولا بك عن أجر الجهاد ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

كتب هذه الرسالة عبيد الله بن رافع في سنة ( 37 ه‍ ) ، ونفر مخنف للجهاد ، واستعمل على اصبهان الحارث بن أبي الحارث ومعه سعيد بن وهب ، وأقبل يجدّ في السير حتى شهد مع الإمام صفّين (2) .

وحكت هذه الرسالة الخطر الذي داهم المسلمين من معاوية وبطانته الذين جهدوا على محق دين الله تعالى ، ونهب ثروات المسلمين وإذلالهم ، وإرغامهم على ما يكرهون.

__________________

(1) المحلّ : الذي أحلّ ما حرّم الله تعالى.

(2) كتاب صفّين : 104.

٩٧

كتابه إلى واليه على أردشيرخرّة

أردشيرخرّة من أجلّ كور فارس ومنها مدينة شيراز (1) ، وقد استعمل عليها مصقلة بن هبيرة الشيباني ، وقد بلغه أنّه يهب أموال المسلمين ويفرّقها بين الشعراء وعشيرته ، ومن يقصده من السائلين ، فكتب الإمام عليه‌السلام هذه الرسالة :

أمّا بعد ، فقد بلغني عنك أمر أكبرت أن أصدّقه ، بلغني أنّك تقسم في المسلمين في قومك ومن اعتراك (2) من السّألة والأحزاب ، وأهل الكذب من الشّعراء ، كما تقسّم الجوز.

فو الّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة! لأفتّشنّ عن ذلك تفتيشا شافيا ، فإن وجدته حقّا لتجدنّ بنفسك عليّ هوانا ، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالا ، الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا ، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.

حكت هذه الرسالة مدى احتياط الإمام عليه‌السلام على أموال الدولة وسهره على الفحص عن سيرة عمّاله وولاته خوفا من أن يكونوا قد فرّطوا في أموال المسلمين التي يجب أن تنفق على تطوير حياتهم ، وإنقاذهم من غائلة الفقر والجوع.

__________________

(1) معجم البلدان 1 : 184.

(2) اعتراك : أي قصدك.

٩٨

ولمّا انتهت الرسالة إلى مصقلة أجاب الإمام عليه‌السلام بما يلي :

أمّا بعد فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين فليسأل إن كان حقّا فليعجّل عزلي بعد نكال ، فكلّ مملوك لي حرّ.

وعليّ آثام ربيعة ومضر إن كنت رزأت (1) من عملي دينارا ولا درهما منذ ولّيته إلى أن ورد عليّ كتاب أمير المؤمنين ، ولتعلمنّ أنّ العزل أهون عليّ من التهمة.

ولمّا انتهى الكتاب إلى الإمام عليه‌السلام وقرأه قال :

« ما أظنّ أبا الفضل إلاّ صادقا » (2) .

هرب مصقلة لمعاوية :

من المؤسف أنّ مصقلة قد هرب إلى معاوية.

وقد روى المؤرّخون قصّة هربه ، فقد حدّثوا أنّ الخريت بن راشد الناجي ، وهو من أعلام الخوارج المفسدين في الأرض ، قد نقم على الإمام قصّة التحكيم ، وخرج يفسد الناس ، وقد انضمّ إليه جماعة من قومه ، وكانوا نصارى ، فأخلّوا بشروط الذمّة ، كما ارتدّ بنو ناجية عن الإسلام ، وأخذوا يشيعون الرعب والفساد بين الناس.

فبعث إليهم الإمام عليه‌السلام فرقة من جيشه لقتال الخريت وعصابته فأدركتهم في سيف البحر بفارس ، فقتل الخريت وقتل معه جمهرة من أتباعه ، وسبوا من أدرك في رحالهم من النساء والصبيان ، وكانوا خمسمائة أسير ، فارتفعت أصواتهم بالبكاء واستغاثوا بمصقلة فرقّ ، فاشتراهم من معقل قائد جيش الإمام بخمسمائة ألف درهم ثمّ أعتقهم ، وأدّى ثلث ثمنهم ، وأشهد على نفسه بالباقي ، ثمّ امتنع عن أدائه ،

__________________

(1) رزأت : أي أخذت.

(2) الكامل في التاريخ 3 : 420.

٩٩

ولما ثقلت عليه المطالبة هرب تحت جنح الظلام إلى معاوية (1) .

ولمّا انتهى خبره إلى الإمام عليه‌السلام قال :

قبّح الله مصقلة ، فعل فعل السّادة ، وفرّ فرار العبيد ، فما أنطق مادحه حتّى أسكته ، ولا صدّق واصفه حتّى بكّته ، ولو أقام لأخذنا ميسوره ، وانتظرنا بماله وفوره (2) .

وأسف مصقلة كأشدّ ما يكون الأسف ، وقد أعرب عن أساه بأبيات من الشعر كان منها :

تركت نساء الحيّ بكر بن وائل

وأعتقت سبيا من لؤيّ بن غالب

وفارقت خير النّاس بعد محمّد

لمال قليل لا محالة ذاهب

__________________

(1) تاريخ الطبري 6 : 65 ـ 77.

(2) شرح نهج البلاغة 1 : 264 ـ 271.

١٠٠