حديث الغدير

حديث الغدير0%

حديث الغدير مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 43

  • البداية
  • السابق
  • 43 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16344 / تحميل: 5491
الحجم الحجم الحجم
حديث الغدير

حديث الغدير

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

١

٢

دليل الكتاب

مقدّمة المركز: 4

تمهيد: 6

نصّ حديث الغدير 10

الجهة الأولى: 16

الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث 16

رواة حديث الغدير: 20

دواعي عدم نقل الحديث: 23

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير: 26

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام : 28

الجهة الثانية: 32

الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث 32

مسألة أن علياً عليه‌السلام لم يكن في حجة الوداع: 32

مسألة عدم التسليم بصحة حديث الغدير: 34

مسألة عدم تواتر حديث الغدير: 35

مسألة مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » 36

مسألة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه‌السلام بعد عثمان: 39

مسألة دلالة حديث الغدير على الإمامة الباطنية: 42

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لا زلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني - مدّ ظلّه - إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائديّة المختصّة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٤

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها، ثم يخضع ذلك الموضوع - بطبيعة الحال - للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.

وأخيراً، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

كلامنا في هذه الليلة حول حديث الغدير، هذا الحديث العظيم الذي اهتمّ به الله سبحانه وتعالى، واهتمّ به رسوله، والأئمّة الأطهار، وكبار الصحابة، والعلماء عبر القرون، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (1) هذه الآية المباركة من الآيات المتعلقة بيوم الغدير، إلاّ أنّها وردت في القرآن الكريم في سياق آيات يخاطب بها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ

__________________

(1) سورة المائدة: 67.

٦

النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) (1) ، ثمّ بعد الآية أيضاً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (2) .

المخاطب في هذه الآيات وإنْ كان أهل الكتاب، لكنّ الآيات هذه منطبقة على أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً تمام الانطباق، إذ يجوز أن يقال: ولو أنّ الاُمّة الإسلاميّة آمنت، ولو أنّهم آمنوا واتّقوا، لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولادخلناهم جنّات النعيم، ولو أنّهم أقاموا الكتاب والسنّة، وما أُنزل إليهم من ربّهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، والاُمّة الإسلاميّة أيضاً منهم أُمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.

مرّة أُخرى يعود ويقول: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ، فقبل ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) كانت الآية ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ،

__________________

(1) سورة المائدة: 65 - 66.

(2) سورة المائدة: 68.

٧

وبعدها أيضاً ( لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) ومع ذلك ( لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ) من هذه الاُمّة ( مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

كما أنّ أهل الكتاب أُمروا بالعمل بكتبهم، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة، والنصارى مأمورون بالعمل بالإنجيل، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنّة، فإذا عملوا بالكتاب والسنّة وما أُنزل إليهم من ربّهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنْ ليزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً.

وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أُنزل إلى رسول الله، وأتمّ به الله سبحانه وتعالى الحجّة على الاُمّة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) .

وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الانذار: إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « أمرني ربّي بأنْ أُبلّغ القوم ما أُمرت به، فضقت بذلك ذرعاً حتّى نزل جبرئيل وقال: إن لم تفعل لم تبلّغ ما اُرسلت به ».

فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا عليه‌السلام من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة، وإلى

٨

أواخر أيّام حياته الشريفة المباركة، لأنّ هذه الآية في سورة المائدة، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين.

أتذكّر في تفسير القرطبي يذكر الإجماع بصراحة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن، كما أنّا في رواياتنا أيضاً يوجد عندنا نصّ على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن.

فكان النبي مبلِّغاً خلافة علي من بعده وداعياً الناس إلى الإيمان بها إلى جنب الإيمان بالله والرسول في جميع أدوار رسالته المباركة.

وحديث الغدير حديث عظيم جليل لجهات عديدة:

منها: تلك الظروف الخاصة التي خطب فيها رسول الله هذه الخطبة.

ومنها: كون اللفظ الوارد عن رسول الله في هذه الخطبة لفظاً لا مرية فيه ولا ارتياب في دلالته على إمامة أمير المؤمنين.

ومنها: نزول الآيات من القرآن الكريم.

ولقد بذلت جهود كثيرة في إبقاء هذا الحديث ونقله ونشره، كما بذلت جهود في ردّه وكتمانه والتعتيم عليه.

٩

نصّ حديث الغدير

وقبل الورود في البحث، لابدّ من ذكر نصّ أو نصّين من حديث الغدير عن بعض المصادر المعتبرة:

أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال:

نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول الله: « ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ » قالوا: بلى، قال: « فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه » (1) .

وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:

لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر

__________________

(1) مسند أحمد 5 / 501 رقم 18838 - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1414 ه‍.

١٠

بدوحات فقممن - أي فكنسن - ثمّ قال: « كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض »، ثمّ قال: « إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن »، ثمّ إنّه أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه وقال: « من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».

يقول أبو الطفيل: فقلت لزيد: سمعته من رسول الله؟ فقال: إنّه - وفي بعض الألفاظ: والله، بدل إنّه - ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه (1) .

فهذان لفظان بسندين معتبرين عن زيد بن أرقم.

وهنا ملاحظات لابدّ من الاشارة إليها:

الملاحظة الأولى:

في حديث الغدير في صحيح مسلم (2) ، وفي المسند (3) ، وفي

__________________

(1) فضائل الصحابة: 15 رقم 45 - دار الكتب العلمية - بيروت.

خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : 96 رقم 79 - مكتبة المعلاّ - الكويت - 1406 ه‍.

(2) صحيح مسلم 4 / 1873 رقم 36 - دار الفكر - بيروت - 1398 ه‍.

(3) مسند أحمد 5 / 498 رقم 18815.

١١

غيرهما يقول الراوي: فخطبنا أو يقول قام فينا خطيباً، لكنْ في المستدرك (1) : فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول، وفي مجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي الحافظ (2) : فوالله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلاّ قد أخبرنا به يومئذ.

أليس من حقّنا أن نسأل الرواة، أن نسأل المحدّثين، أن نسأل الاُمناء على سنّة رسول الله: أين هذه الخطبة، خطبة الغدير التي لم يترك رسول الله يوم الغدير شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلاّ قد أخبرنا به؟ لماذا لم ينقلوه؟

إنّه أثنى على الله، وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول، أين وعظ رسول الله يوم الغدير؟ وأين ما ذكّر به رسول الله في يوم الغدير؟ وأين تلك الخطبة؟ لماذا لم يرووها؟ أليسوا هؤلاء حفّاظ سنّة رسول الله؟ أليس من وظيفتهم أن ينقلوا لنا ما قال رسول الله كما قال؟ لماذا لم ينقلوا؟

هذه هي الملاحظة الأولى، ألهم جواب على هذا؟

__________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 533 - دار الفكر - بيروت - 1398 ه‍.

(2) مجمع الزوائد 9 / 104 - 105 - دار الكتاب العربي - بيروت - 1402 ه‍.

١٢

الملاحظة الثانية:

هناك قاعدة في علم الحديث يعبّرون عنها بقاعدة الحديث يفسّر بعضه بعضاً، إنّ الحديث كالقرآن يفسّر بعضه بعضاً، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين، نرى أحدهما يقول: « من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه »، والآخر يقول: « من كنت وليّه فهذا وليّه »، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الولي، ومجيء هذه الكلمة بمعنى الأولى، لو كان هناك إبهام، فإنّ اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الأوّل.

وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سنداً تأتي مفسرة للفظ المولى لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة.

الملاحظة الثالثة:

إنّ مسلم بن الحجّاج يروي هذا الحديث في صحيحه إلى حدّ حديث الثقلين، وذلك لأنّه كان عندنا في لفظ النسائي أنّه قال: « كأنّي دعيت فأجبت وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي » إلى آخر هذا الحديث، ثمّ قال: « إنّ الله

١٣

مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » إلى آخره (1) .

ومسلم يروي هذا الحديث إلى حدّ الحديث الأوّل وهو حديث إنّي تارك فيكم الثقلين، مع تغيير في الألفاظ، ولا يروي بقية الحديث ممّا يتعلّق ب‍ « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه »، ونحن مع ذلك شاكرون لمسلم، حيث روى هذا الحديث بهذا المقدار، لأنّ البخاري لم يرو منه شيئاً أبداً، نشكر مسلم على أمانته بهذا المقدار.

وربّ قائل يقول: بأنّ مشايخ مسلم ورواة الحديث لم يرووا له أكثر من هذا، أو أنّ مسلماً على أساس الضوابط والشروط التي تبنّاها في صحيحه لم يجد سنداً آخر من أسانيد هذا الحديث متوفرة فيه تلك الشروط إلاّ هذا الحديث الذي نقله وأورده بهذا الشكل المبتور.

ولكن كلّ هذا لا يمكننا قبوله، مع ذلك نشكره على نقله بهذا المقدار.

انتهت الملاحظات.

نحن لو أردنا أن نبحث عن حديث الغدير، أنتم جميعاً أهل

__________________

(1) خصائص أمير المؤمنين: 93، ط الغري.

١٤

الفضل والفضيلة والاطّلاع، خاصّةً على مثل حديث الغدير، هذا الحديث المهم الذي اهتمّ به الكل من مخالفين وموافقين.

إنّه ليس عندي شيء جديد أُبيّنه لكم في هذه الليلة حول حديث الغدير، والليلة الواحدة لا تكفي بل الليلتان أيضاً، لكنّي أذكر لكم رؤوس المطالب والنقاط المهمّة التي سجّلتها مع شيء من التوضيح وإبداء بعض الملاحظات فقط.

نحن عندما نريد أن نجعل لبحثنا منهجاً فلابدّ وأن يكون المنهج على الشكل التالي، أنْ نبحث عن حديث الغدير في جهتين.

الجهة الأولى في الجهود التي بذلت في سبيل هذا الحديث إثباتاً وروايةً وتصحيحاً ونشراً، وإلى آخره.

والجهة الثانية: الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث، في سبيل ردّ هذا الحديث، وكتم هذا الحديث والتعتيم عليه، وتحريفه بأيّ شكل من الأشكال.

١٥

الجهة الأولى:

الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث

وهذه الجهة تشتمل على نقاط:

النقطة الأولى:

لقد نزلت في قضية الغدير، وفي يوم الغدير، آيات من القرآن الكريم، نزلت آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) إلى آخر الآية، ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) (1) ونزل قوله تعالى: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (2) عندما اعترض ذلك الأعرابي على ما قاله

__________________

(1) سورة المائدة: 3.

(2) سورة المعارج: 1.

١٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سائلاً النبي بأنّك أمرتنا بالصلاة فصلّينا، أمرتنا بالزكاة فأدّينا، وإلى آخره، واليوم جئت وأخذت بعضد ابن عمّك ونصبته علينا وليّاً، أهذا أمر من الله أو شيء من عندك؟ تقريباً بهذا اللفظ، فنزل قوله تعالى: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) إلى آخره.

فهذه آيات متعلّقة بقضية الغدير، ولكلّ آية بحث مستقل، أي لو أردنا أنْ نذكر الروايات في شأن نزول هذه الآيات لاحتجنا إلى مجال أكثر، وكما أشرت من قبل، فالليلة الواحدة لا تكفي للإحاطة بجميع جوانب قضية الغدير.

إذن، نكتفي بهذا المقدار، وعليكم أن تراجعوا المصادر.

النقطة الثانية:

الرواة لحديث الغدير من الصحابة، يبلغ عددهم أكثر من مائة وعشرين رجل وامرأة، هؤلاء يروون حديث الغدير، وطرق أهل السنّة إلى هؤلاء الصحابة موجودة في الكتب، والروايات الواردة عن هؤلاء أو الرواية الواردة عن كلّ واحد من هؤلاء تلك الرواية موجودة في الكتب المعنيّة بحديث الغدير.

واختلف القوم في عدد الحاضرين في يوم الغدير عند خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهناك قول بأنّهم كانوا مائة وعشرين ألف شخص، فإذا كان كذلك فقد وصلنا حديث الغدير من 1 / 1000 من الحاضرين.

١٧

النقطة الثالثة:

الرواة لحديث الغدير من التابعين عددهم أضعاف عدد الصحابة، وهذا واضح، لأنّ كلاًّ من الصحابة قد سمع الحديث منه أكثر من تابعي، والتابعون أيضاً نقلوا الحديث إلى أصحابهم وهكذا.

فكان العلماء الرواة لحديث الغدير من أعلام السنّة في القرون المختلفة يبلغ عددهم المئات.

النقطة الرابعة:

الأسانيد التي نروي بها حديث الغدير لا تحصى كثرة، وهي فوق حد التواتر بكثير، ويشهد بذلك:

أوّلاً: كثرة الكتب المؤلفة في جمع طرق حديث الغدير وأسانيده، وهذا لو أردنا أن نشرحه لاحتاج إلى وقت إضافي، أي أسامي المؤلفين في حديث الغدير من كبار العلماء السابقين.

ثانياً: ذكر حديث الغدير في الكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة:

فللسيوطي أكثر من كتاب ألّفه في الأحاديث المتواترة وأدرج فيها حديث الغدير.

والزبيدي صاحب تاج العروس له كتاب خاص بالأحاديث

١٨

المتواترة وفيه حديث الغدير.

والكتّاني له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

والشيخ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمّال له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.

والشيخ علي القاري الهروي له أيضاً كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

فالكتب المختصة بالأحاديث المتواترة مشتملة على حديث الغدير.

ثالثاً: وجدنا تنصيص عدّة كبيرة من أعلام الحفّاظ والمحدّثين على تواتر هذا الحديث:

كالذهبي مثلاً يقول هذا الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله قاله. والقائل من؟ الذهبي، والذهبي متشدّد ومتعصّب.

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن كثير الدمشقي (1) .

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن الجزري شمس الدين (2) ، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم.

__________________

(1) البداية والنهاية 5 / 213.

(2) أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 3 - 4.

١٩

فهذه نقاط، وكلّ نقطة، وكلّ واحدة من هذه الأمور تحتاج إلى بحث مستقل، ونحن ليس عندنا ذلك المجال الكافي للتفصيل في هذه الأمور.

رواة حديث الغدير :

ولا بأس الآن بأنْ نذكر أسامي أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون المختلفة، فأشهر مشاهيرهم في القرون المختلفة هم:

1 - محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة.

2 - معمر بن راشد.

3 - محمّد بن إدريس الشافعي، إمام الشافعية.

4 - عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، شيخ البخاري.

5 - سعيد بن منصور، صاحب المسند.

6 - أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، صاحب المسند.

7 - ابن ماجة القزويني، صاحب أحد الصحاح الستة.

8 - الترمذي، صاحب الصحيح.

9 - أبو بكر البزّار، صاحب المسند.

10 - النسائي، صاحب الصحيح.

٢٠