• البداية
  • السابق
  • 69 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22246 / تحميل: 5888
الحجم الحجم الحجم
دليل النصّ بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام

دليل النصّ بخبر الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام

مؤلف:
العربية

من طعنه في كتاب العثمانية (8) فيه، فليس بقادح في الإجماع الحاصل على صحّته، لأن القول الشاذّ لو أثّر في الإجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدّم الاتّفاق، لم يصحّ الاحتجاج بأجماع ولا ثبت التعويل على اتّفاق، على أن السجستاني قد تنصل من نفي الخبر (9) .

فأمّا الجاحظ، فطريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة، وأقواله المتضادّة المتناقضة، وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة، وأنواع السخف والمجانة، الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة، يمنع من الالتفات إلى ما يحكيه، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه.

وأما الخوارج الّذين هم أعظم الناس عداوة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فليس يحكي عنهم صادق دفعا للخبر (10) ، والظاهر من حالهم حملهم له على وجه من التفضيل،

__________________

الجاحظ المتكلّم المعتزلي، وإليه تنسب الفرقةالجاحظية لجحوظ عينيه، كان شنيع المنظر سيء المخبر، رديء الاعتقاد، ينسب إلى البدع والضلالات، وربّما جاز به بعضهم إلى الانحلال، حتى قيل في مثل: يا ويح من كفره الجاحظ » إنتهى.

(8) رسالة من رسائل الجاحظ طرح فيها جملة من الآراء والمعتقدات الشاذة، نقضها أبو جعفر محمّد بن عبدالله الإسكافي ( ت 240 ه‍ ) وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلّميهم حيث يندر أن تخلو كتبهم من آرائه، ويقال: أنّه صيف سبعين كتاباً في الكلام منها: « المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام » و « نقض العثمانية ».

وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي جوانب متعدّدة من هذه الرسالة ونقضها.

اُنظر: شرح نهج البلاغة 7: 36، 13: 215 - 294، 16: 264.

(9) قيل: إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خُمّ متقدّماً، وقد حكي عنه تنصّله من ذلك والتبرئ ممّا قذفه به محمّد بن جرير الطبري.

انظر: الشافي في الإمامة 2: 264.

(10) قال السيّد المرتضى - رفع الله في الخلد مقامه -: « امّا الخوارج فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعاً لهذا الخبر، أو امتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة، وهي خالية ممّا ادعي، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفضيل وما جرى مجراه من ضروب تأويل مخالفي الشيعة، وإنّما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر منهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فظنّ أن رجوعهم عن ولايته

٤١

ولم يزل القوم يقرّون لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالفضائل، ويسلّمون له المناقب، وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه، وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين، فزعموا أنّه خرج عن جميع ما كان يستحقّه من الفضائل بالتحكيم، وقد قال شاعرهم:

كان علي قبل تحكيمه

جلدة بين العين والحاجب

ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحاً لم يحتج به أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى، حيث قال للقوم في ذلك المقام: «أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، غيري؟ ».

قالوا: اللهم لا، فأقر القوم به ولم ينكروه، واعترفوا بصحته ولم يجحدوه (11) .

فان قال قائل: فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس على أنّه أولى بهم منهم بأنفسهم؟ ولم اقتصر على ما ذكر، وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدّم؟؟

وما جوابكم لم قال: إنّ المقدّمة لم تصحّ، وليس لها أصل، وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها، فما قولكم فيها؟؟

قيل له: إنّ خلوّ انشاد أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذكر المقدمة لا يدلّ على نفيها أو الشكّ في صحّتها، لأنّه قرّرهم من بعض الخبر على ما يقتضي الإقرار، بجميعه، اختصاراً في كلامه، وغنىً معرفتهم بالحال عن إيراده على كماله، وهذه عادة الناس فيما يقرّرون به.

وقد قرّرهم عليه‌السلام في ذلك المقام بخبر الطائر (12) فقال: « أفيكم رجل قال

__________________

يقتضي أن يكونوا جاحدين بفضائله ومناقبه ».

انظر: الشافي في الإمامة 2: 264.

(11) اُنظر المناقب - للخوارزمي -: 222، وشرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد المعتزلي - 6: 167، ومناقب الإمام علي عليه‌السلام - للمغازلي -: 112 / 155.

(12) حديث الطائر وقصته من الشهرة والتصديق بشكل لا يخفى وقد نقلته كثير من مصادر الحديث بأسانيد

٤٢

له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم آبعث إلى بأحب خلقك إليك يأكل معي، غيري؟» ولم يذكر هذا الطائر.

وكذلك لما قررهم بقول النبي عليهم‌السلام فيه يوم ندبه لفتح خيبر وذكر لهم بعض الكلام دون جميعه اتكالا منه على ظهوره بينهم واشتهاره. (13)

فأما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله، ولا سطروه في كتبهم إلا بالتقرير الذي في أوله، وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد، وإن كان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدمة، فيحمل أن يكون ذلك تعويلا منهم على العلم بالخبر، فذكروا بعضه لأنه عندهم مشتهر، فإن ( أصحاب الحديث ) (14) كثيراً ما يقولون: فلان يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر كذا، ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصاراً.

وفي الجملة: فالآحاد المتفرّدون بنقل بعضة لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله.

__________________

وطرق مختلفة، وفي كلّها إقرار بأفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام دون غيره من الصحابة.

انظر: سنن الترمزي 5: 636 / 3721، تأريخ بغداد 3: 171 و 9: 369، حلية الأولياء 6: 339، الرياض النضرة 3: 114، مستدرك الحاكم 3: 130، المناقب - للمغازلي -: 156 - 174، ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تأريخ دمشق 2: 151، تذكرة الخواص: 44.

(13) هاتان المناشدتان بحديث الطائر وندبه عليه‌السلام لفتح خيبر وردتا في سلسلة مناشداته لأصحاب الشورى بعد إصابة عمر بن الخطّاب وطرحه جملة من الأصحاب قبالة أمير المؤمنين عليه‌السلام بما يسمى بأصحاب الشورى.

انظر: مناقب الإمام عليّ - للمغازلي -: 112 / 155، المناقب - للخوارزمي -: 222، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد المعتزلي - 6: 167.

(14) في نسخة « ف » الأصحاب.

٤٣

الجواب عن السؤال الثاني:

وأمّا الحجّة على أن لفظة « مولى » تحتمل « أولى » وانها احد أقسامها، فليس يطالب بها أيضاً منصف كان له أدنى الاطلاع في اللغة، وبعض الاختلاط بأهلها، لأنّ ذلك مستفيض بينهم، غير مختلف عندهم، وجميعهم يطلقون القول فيمن كان أوْلى بشيء أنّه مولاه.

وانا أوضّح لك أقسام « مولى » في اللسان لتعلمها على بيان.

اعلم أنّ لفظة « مولى » في اللغة تحتمل عشرة أقسام:

أوّلها: « الأوْلى »، وهو الاصل الذي ترجع إليه جميع الأقسام، قال الله تعالى: ( فاليَومَ لا يُؤخَذُ مِنكُم فِديَةٌ وَلا مِنَ الّذينَ كَفَروُا مأواكُمُ النارُ هِيَ مَولاكُم وَبئسَ المَصِيرُ ) (15) .

يريد سبحانه هي أوْلى بكم على ما جاء في التفسير (16) وذكره أهل اللغة (17) .

وقد فسّره على هذا الوجه أبوعبيدة معمّر بن المثنّى (18) في كتابه المعروف

__________________

(15) الحديد 57: 15.

(16) تفسير الطبري 27: 131، الكشّاف 4: 64، زاد المسير الكبير للرازي - 29: 227.

(17) معاني القرآن - للفرّاء - 3: 134، معاني القرآن - للزجاج - 5: 125، الصحاح - ولي - 6: 2528.

(18) معمّر بن المثنّى التيمي، تيم قريش، أو تيم بني مرّة على خلاف بينهم، وهو على القولين معاً مولى لتيم، وقد اختلفوا في مولده، ولعلّ الأقرب إلى الصحّة أنّه ولد سنة 110 ه‍، ولم تذكر المراجع اين ولد، إلا أنّها تصفه في عداد علماء البصرة، ارتحل إلى بغداد سنة ثمانية وثمانين ومائة حيث جالس الفضل بن الربيع وجعفر ابن يحيى وسمعا منه، وتكاد تتفق كلمات أصحاب المراجع على أنّه كان من الخوارج، وأنه كان يكتم ذلك ولا يعلنه، ولكن يبدو أنّهم اختلفوا في الفرقة التي ينتمي إليها، فمنهم من يقول: أنّه كان صفريا، في حين يذهب الآخرون إلى أنّه كان من الإباظية.

عاصر من علماء اللغة: الأصمعي وأبا زيد، وله معهم مناظرات متعدّدة، كان يرجّحه الباحثون في كثير منها عليهما.

توفّي نحو سنة 210 ه‍، وقيل: لم يحضر جنازته أحد لأنّه كان شديد النقد لمعاصريه.

اُنظر: فهرست النديم: 59، تأريخ بغداد 13: 254، معجم الاُدباء 9: 154 تذكرة الحفّاظ 1: 371. ‎

٤٤

بالمجاز في القرآن (19) ، ومنزلته في العلم بالعربية معروفة، وقد استشهد على صحّة تأويله ببيت لبيد (20) :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وامامها (21)

يريد أولى المخافة، ولم ينكر على أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.

وثانيها: مالك الرق، قال الله سبحانه: ( ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبداً مملُوكاً لا يَقدِرُ عَلى شيءٍ ) [ إلى قوله تعالى ] ( وَهُوَ كَل على مَولاهُ ) (22) .

يريد مالكه، واشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.

وثالثها: المُعتِق (23) .

ورابعها: المُعتَق (24) ، وذلك أيضاً مشهور معلوم.

وخامسها: ابن العمّ (25) قال الشاعر (26) :

__________________

(19) مجاز القرآن 2: 254.

(20) لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء المعلّقات، أدرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم وحسن إسلامه، يصفه المؤرخون بأنه ذو مروءة وكرم مشهود، عاش بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى زمن عثمان بن عفّان، يقال: إن عمر بن الخطّاب كتب إلى واليه في الكوفة المغيرة إن يستنشد من بالكوفة من الشعراء بعض ما قالوه في الاسلام، فلمّا سأل لبيداً قال له: إن شئت من أشهار الجاهلية، فقال: لا فذهب فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال: أبدلني الله هذه في الاسلام مكان الشعر.

انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري.

(21) من معلّقته التي يقال أنّه انشدها النابعة فقال له: اذهب فأنت أشعر العرب، ومطلعها:

عفت الديار محلها فمقامها

بمنى تابد غولاها فرجامها

اُنظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 163 / 51.

(22) النحل 16: 75 - 76.

(23) أحكام القرآن - للقرطبي - 5: 166، الصحاح - ولي - 6: 2529، وفي الحديث: نهى عن بيع الولاء وعنه هبته.

(24) أحكام القرآن - للقرطبي - 5: 166، الصحاح - ولي - 6: 2529.

(25) مجاز القرآن - 1: 125، أحكام القران - للجصّاص - 2: 184، تفسير الطبري 5: 32.

(26) هو الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم، وكان شديد الأدمة، ولذلك قال: وأنا الأخضر من يعرفني؛ كان معاصراً للخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، وله أشهار متناثرة في بطون الكتب.

اُنظر: الأغاني - لأبي الفرج - 16: 175.

٤٥

مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا

( لاتنشروا بيننا ) (27) ما كان مدفونا (28)

وسادسها: الناصر، قال الله عزوجل ( ذَلِكَ بِأنَّ الله مَولَى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكَافِرينَ لا مَولَى لَهُم ) (29) .

يريد لا ناصر لهم (30) .

وسابعها: المتولّي لضمان الجريرة ومن يحوز الميراث (31) .

قال الله عز وجل: ( وَلِكُلّ جَعَلنَا مَوالَي ممّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأقرَبُونَ والَّذِينَ عَقَدت أيْمانُكُم فآتُوهُم نَصِيبَهُم إنّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيداً ) (32) .

وقد أجمع المفسرون على أن المراد بالموالي ها هنا من كان أملك بالميراث، وأوْلى بحيازته (33) .

قال الأخطل:

فأصبحت مولاها من الناس بعده

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا (34)

__________________

(27) في المصادر: لا تظهرنّ لنا.

(28) اُنظر: مجاز القرآن 1: 125، أحكام القرآن - للجصّاص - 2: 184، تفسير الطبري 5: 32.

(29) محمد (ص) 47: 11.

(30) تفسير الطبري 25: 30، زاد المسير 7: 400، التفسير الكبير- للرازي - 28: 50، أحكام القرآن - للقرطبي - 5: 166.

(31) في نسخة « ه‍ » الميزان.

(32) النساء 4: 33.

(33) معاني القرآن - للزجاج - 2: 46، تفسير الطبري 5: 32، مجاز القرآن 1: 124، تفسير الرازي 10: 84، أحكام القرآن - للقرطبي - 5: 167، تفسير ابن جزي: 118، زاد المسير 2: 71.

(34) من قصيدة له في مدح عبد الملك بن مروان الاموي، يقول فيها:

فما وجدت فيها قريش لأمرها

أعفّ وأوْلى من أبيك وأمجدا!!

واورى بزنديه ولو كان غيره

غداة اختلاف الناس ألوى وأصلد!!

والأخطل هو: غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، ويقال: ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن تغلب، ويكنّى أبا مالك، والأخطل لقب غلب عليه، ذكر أن السبب فيه أنّه هجا رجلاً من قومه، فقال له: يا غلام أنّك لأخطل؛ إن عتبة بن الزغل حمل حمالة فأتى قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام، فقال عتبة: من الغلام الأخطل، فلُقِّب به، وقيل غير ذلك.

٤٦

وثامنها: الحليف (35) .

وتاسعها: الجار (36) .

وهذان القسمان أيضاً معروفان.

وعاشرها: الإمام السيّد المطاع (37) ، وسيأتي الدليل عليه في الجواب عن السؤال الرابع إن شاء الله تعالى.

فقد اتّضح لك بهذا البيان ما تحتمله لفظة « مولى » من الأقسام، وأنّ « أولى » أحد محتملاتها في معاني الكلام، بل هي الأصل وإليها يرجع معنى كلّ قسم، لأنّ مالك الرقّ لمّا كان أوْلى بتدبير عبده من غيره كان لذلك مولاه.

والمعتِق لمّا كان أولى بميراث المعتَق من غيره كان مولاه.

والمعتِق لما كان أولى بمعتَقه في تحمله لجريرته، وألصَقُ به من غيره كان مولاه.

وابن العمّ لمّا كان أوْلى بالميراث ممّن هو أبعد منه في نسبه، وأولى أيضاً من الأجنبي بنصرة ابن عمّه، كان مولىً.

والناصر لمّا اختصّ بالنصرة وصار بها أولى، كان لذلك مولىً.

__________________

كان نصرانيّاً من أهل الجزيرة، برع في الشعر حتى عدوّه هو وجرير والفرزدق طبقة واحدة، وهو كما يعدّونه من شعراء بني اُميّة.

اُنظر: الأغاني 8: 280.

(35) قال النابغة الجعدي:

موالي حلف لا موالي قرابة

ولكن قطينا يسألون الأتاويا

يقول: هم حلفاء لا أبناء عم.

وقول الفرزدق:

فلو كان عبد الله مولى هجرته

ولكن عبد الله مولى مواليا

لأنّ عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف، والحليف عند العرب مولى.

اُنظر: الصحاح - ولي - 2529: 6.

(36) الصحاح 2529: 6.

(37) الصحاح 2530: 6.

٤٧

واذا تأمّلت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجرى، وعائدة بمعناها إلى « الأولى »، وهذا يشهد بفساد قول من زعم أنّه متى اُريد بمولى « أولى » كان ذلك مجازاً، وكيف يكون مجازاً وكل قسم من أقسام « مولى » عائد إلى معنى الأولى؟! وقد قال الفراء (38) في كتاب « معاني القرآن » أنّ الولي والمولى في كلام العرب واحد (39) .

* * *

__________________

(38) يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، المعروف بالفرّاء، أبو زكريا، أخذ عن أبي الحسن الكسائي، وكان فقيهاً عالماً بالخلاف وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها، عارفاً بالطبّ والنجوم، متكلّماً يميل إلى الاعتزال، وكان يتفلسف في تصانيفه ويستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة، وقيل: أنّه لُقّب بالفرّاء لأنّه كان يفري الكلام، توفّي في طريق مكّة سنة سبع ومائتين، وقد بلغ ثلاثاً وستين سنة، وقيل: مات ببغداد. من تصانيفه: كتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف، معاني القرآن، المصادر في القرآن، اللغات، الوقف والابتداء، وغيرها.

اُنظر: معجم الاُدباء 20: 9 /2، الانساب 247: 9، شذرات الذهب 19: 2.

(39) معاني القرآن 59: 3.

٤٨

الجواب عن السؤال الثالث:

فأمّا الحجّة على أنّ المراد بلفظة « مولى » في خبر الغدير « الأولى » فهي أنّ من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرّحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لِما تقدّم به التصريح ولغيره، فإنّهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرّحوا به من الخطاب المتقدِّم.

مثال ذلك: أنّ رجلاً لو أقبل على جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلاناً الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميّزه عنهم بنعتٍ يخصّه صرّح به، فإذا قالوا: بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدّم: فاشهدوا أن عبدي حرٌّ لوجه الله عزّوجلّ، فأنّه لا يجوز ان يريد بذلك ألا العبد الذي سماه وصرّح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلاناً حرّ، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.

واذا كان الأمر كما وصفناه، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل مجتهداً في البيان، غير مقصّر فيه عن الإمكان، وكان قد أتى في أوّل كلامه يوم الغدير بأمر صرّح به، وقرر أمّته عليه، وهو أنّه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: ( النَّبِيُّ أوْلَى بِالمُؤمِنيِنَ مِن أنفُسِهِم ) (40) ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: « فمن كنت مولاه فعلي مولاه » وكانت « مولاه » (41) تحتمل ما صرّح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرّح به في كلامه الذي قدّمه، وأخذ إقرار أمّته به دون سائر أقسام « مولى »، وكان هذا قائماً مقام قوله « فمن كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه »، وحاشى لله أن لا يكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد هذا بعينه.

__________________

(40) الأحزاب 6: 33.

(41) في نسخة « ه‍ » مولى.

٤٩

ووجه آخر:

وهو أن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فمن كنت مولاه فَعَليّ مولاه » لا يخلو من حالين: إمّا أن يكون أراد « بمولى » ما تقدّم به التقرير من « الاولى »، أو يكون أراد قسماً غير ذلك من أحد محتملات « مولى ».

فإنْ كان أراد الأول، فهو ما ذهبنا عليه واعتمدنا عليه، وإن كان أراد وجهاً غير ما قدّمه من أحد محتملات « مولى » فقد خاطب الناس بخطاب يحتمل خلاف مراده، ولم يكشف فهم فيه عن قصده، ولا في العقل دليل عليه يغني عن التصريح بمعنى ما نحا إليه، وهذا لا يجيزه على رسول الله عليه وآله إلاّ جاهل لا عقل له.

٥٠

الجواب عن السؤال الرابع

وأمّا الحجّة على أن لفظة « أوْلى » تفيد معنى الإمامة والرئاسة على الاُمّة، وفهو انا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلا من كان يملك تدبير ما وصف بأنّه أولى به، وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه. ألا تراهم يقولون: إنّ السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة، والمولى أوْلى بعبده، والزوج أولى بأمرأته، وولد الميّت أولى بميراثه من جميع أقاربه، وقصدهم بذلك ما ذكرناه دون غيره.

وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله سبحانه: ( النَّبِيُّ أولى بِالمُؤمنِينَ مِن أنفُسِهِم ) (42) أنّه أولى بتدبيرهم والقيام باُمورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم (43) .

وليس يشكّ أحد من العقلاء في أنّ من كان أوْلى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كلّ أحد منهم، فهو امامهم المفترض الطاعة عليهم.

ووجه آخر:

ومما يوضّح أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يوجب لأمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك منزلة الرئاسة والإمامة والتقدّم على الكافّة فيما يقتضيه فرض الطاعة، أنّه قررهم بلفظة « أوْلى » على أمر يستحقّه عليهم من معناها، ويستوجبه من مقتضاها، وقد ثبت أنّه يستحقّ في كونه أولى بالخلق من أنفسهم أنّه الرئيس عليهم، والنافذ الأمر فيهم، والذي طاعته مفترضة على جميعهم، فوجب أن يستحقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مثل ذلك بعينة، لأنّه جعل له منه مثل ما هو واجب له، فكأنّه قد قال: من كنت أولى به من نفسه في كذا وكذا فعليّ أولى به من نفسه فيه.

__________________

(42) الأحزاب 6: 33.

(43) تفسير الطبري 77: 21، الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي - 122: 14، التفسير الكبير - للفخر الرازي - 195: 25، زاد المسير - لابن الجوزي - 352: 6.

٥١

ووجه آخر:

وهو أنّا إذا اعتبرنا ما تحتمله لفظة « مولى » من الأقسام، لم نر فيها ما يصحّ أن يكون مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ما اقتضاه الإمامة والرئاسة على الأنام، وذلك أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن مالكاً لرقّ كلّ من ملك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقّه، ولا معتِقاً لكلّ من أعتقه، فيصحّ أن يكون أحد هذين القسمين المراد، ولا يصحّ أن يريد المعتِق لاستحالة هذا القسم فيها على كل حال.

ولا يجوز أن يريد ابن العمّ والناصر، فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام ويقول لهم: من كنت ابن عمّه فعلي ابن عمّه!! أو: من كنت ناصره فعليّ ناصره!! لعلمهم ضرورة بذلك قبل هذا المقام، ومن ذا الذي يشكّ في أنّ كلّ من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن عمّه فإنّ عليّاً عليه‌السلام كذلك ابن عمّه، ومَن ذا الذي لم يعلم أنّ المسلمين كلّهم أنصار من نصره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك دون غيره.

ولا يجوز أن يريد ضمان الجرائر واستحقاق الميراث، للاتّفاق على أنّ ذلك لم يكن واجباً في شيء من الأزمان.

وكذلك لا يجوز أن يريد الحليف، لأنّ عليّاً عليه‌السلام لم يكن حليفاً لجميع حلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولا يصحّ أيضاً أن يريد: من كنت جاره فعليّ جاره!! لأنّ ذلك لا فائدة فيه، وليس هو أيضاً صحيحاً في كل حال.

فاذا بطل أنْ يكون مراده عليه‌السلام شيئاً من هذه الأقسام، لم يبق إلا أن يكون قصد ما كان حاصلاً له من تدبير الأنام، وفرض الطاعة على الخاصّ والعامّ، وهذه هي رتبة الإمام، وفيما ذكرناه كفاية لذوي الأفهام.

٥٢

فصل وزيادة

فأمّا الّذين ادّعوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قصد بما قاله في أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير أن يؤكّد ولاءه في الدين، ويوجب نصرته على المسلمين، وأنّ ذلك على معنى قوله سبحانه: ( والمُؤمنينَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أوْلياءُ بَعضٍ ) (44) وإنّ الذي أوردناه من البيان على أنّ بلفظة « مولى » يجب أن تطابق معنى ما تقدّم به التقرير في الكلام، وأنه لا يسوغ حملها على غير ما يقتضي الإمامة من الأقسام، يدلّ على بطلان ما ادّعوه في هذا الباب، ولم يكن أمير المؤمنين عليه‌السلام بخامل الذكر فيحتاج إلى أن يقف به في ذلك المقام يؤكّد ولاءه على الناس، بل قد كان مشهورا، وفضائله ومناقبه وظهور علوّ مرتبته وجلالته قاطعاً للعذر في العلم بحاله عند الخاصّ والعامّ (45) .

على أنّ من ذهب في تأويل الخبر إلى معنى الولاء في الدين والنصرة، فقوله داخل في قول من حمله على الإمامة والرئاسة، لأنّ إمام العالمين تجب موالاته في الدين، وتتعيّن نصرته على كافّة المسلمين، وليس من حمله على الموالاة في الدين والنصرة يدخل في قوله ما ذهبنا إليه من وجوب الإمامة، فكان المصير إلى قولنا أوْلى.

__________________

(44) التوبة 71: 9.

(45) ذكر ابن حجر في إصابته 2: 507 - بعد سرده لجانب من فضائله ومناقبه عليه‌السلام -: « ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم يُنقل لأحد من الصحابة ما نُقل لعليّ ».

وليت شعري أنى يذهب البغض بذوي الرؤوس الخاوية لينهجوا هذا النهج من المطل والمماراة والالتفاف حول كلمة الحقّ، ألا رجعوا إلى أنفسهم فسألوها وماذا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك وقد جمع له الحجيج من بقاع الأرض المختلفة بهذا الجوّ اللاهب والشوق العارم للعودة إلى الأهل والخلان بعد أداء فرض الله تعالى وبعد وعثاء السفر، ألا لا مناص من الإجابة بأن الأمرأعظم وأشد مما ذهبوا إليه، بل وهل هي إلا الوصيّة والخلافة التي يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ولكنّهم ينكرون حتى تكون حجّة عليهم يوم القيامة حين يحقّ الحقّ ويبطل الباطل، وعندئذ يخسر المبطلون.

٥٣

وأمّا الّذين غلطوا فقالوا: إنّ السبب في ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير إنّما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وبين زيد بن حارثة، فقال علي عليه‌السلام لزيد: أتقول هذا وأنا مولاك؟! فقال له زيد: لست مولاي، إنّما مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوقف يوم الغدير فقال: من كنت مولاه فَعَليّ مولاه، إنكاراً على زيد، واعلاماً له أنّ عليّاً مولاه (46) !

فإنّهم قد فضحهم العلم بأنّ زيداً قُتل مع جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في أرض مؤتة (47) من بلاد الشام قبل يوم غدير خُمّ بمدّة طويلة من الزمان (48) ، وغدير خُمّ إنّما كان قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحو الثمانين يوماً، وما حملهم على هذا الدعوى إلا عدم معرفتهم بالسّير والأخبار (49) .

ولما رأت الناصبة غلطها في هذه الدعوى رجعت عنها، وزعمت أنّ الكلام كان

__________________

(46) اُنظر: العقد الفريد 5: 357.

(47) مؤتة - بالضمّ ثم واو مهموزة ساكنة، وتاء مثنّاة من فوقها، وبعضهم لا يهمزه - قريه من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل: مؤتة من مشارف الشام، وبها كانت تطبع السيوف وإليها تنسب المشرفية في السيوف.

انظر: معجم البلدان 5: 219.

(48) نقلت كافة كتب التاريخ والسير والحديث بلا أيّ خلاف بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث بعثة إلى مؤتة في جمادى الاولى من سنة ثمان للهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله ابن رواحة، واستشهدوا هناك في تلك السنة واحد بعد الآخر.

اُنظر: تأريخ الاُمم والملوك - للطبري - 3: 36، الكامل في التأريخ - لابن الأثير - مروج الذهب - للمسعودي - 3: 30 / 1493، المغازي - للواقدي - 2: 755، السيرة النبوية - لابن هشام - 4: 15، السيرة النبوية - لابن كثير - 3: 455، معجم البلدان - للحموي - 5: 219.

(49) إنّه لأمر غريب فعلاً أن يحدث هذا الخط الفاضح، الذي يبدو مستهجناً ممن يملك أدنى معرفة بشيء من التأريخ، ناهيك بمن يتجرّأ ليكتب التأريخ، ويسطر فيه الوقائع والحقائق.

ولا أجد لذلك تفسيرا إلا أنّ الله تعالى شاء أن يفضح اُولئك الّذين أعماهم الحقد عن رؤية شمس الحقّ.

وتالله إن الأمر ليبدو أوضح من أن يلتبس به أحد، فكتب الحديث والسنن التي نقلت هذه الواقعة تشير نصّاً إلى أنّها كانت في حجّة الوداع.

كما ان كل كتب التأريخ نذكر أن هذه الحجّة كانت في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، وهي لا تختلف أيضاً في أن وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في السنة الحادية عشر، فأين هذه من تلك؟!

٥٤

بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين اُسامة بن زيد (50) ، والذي قدّمناه من الحجج يبطل ما زعموه ويكذّبهم فيما ادّعوه، ويبطله أيضاً ما نقله الفريقان من أنّ عمر بن الخطّاب قام في يوم الغدير فقال: بخ بخ لك يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (51) ، ثم مدح حسّان بن ثابت في الحال بالشعر المتضمّن رئاسته وإمامته على الأنام، وتصويب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في ذلك (52) .

ثم احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام به في يوم الشورى، فلو كان ما ادّعاه المنتحلون حقّاً، لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى، وكان لهم أن يقولوا: أيّ فضل لك بهذا علينا؟! وإنّما سببه كذا وكذا.

وقد احتجّ له أمير المؤمنين عليه‌السلام دفعات، واعتدّه في مناقبه الشرّاف وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي سفيان في قوله:

وأوجب لي الولاء معاً عليكم

خليلي يوم دوح غدير خُمّ (53)

__________________

(50) النهاية - لابن الأثير - 5: 228، السيرة الحلبية 3: 277.

(51) انظر: مسند أحمد 4: 281، الفضائل - لأحمد بن حنبل -: 111 / 164، مصنف ابن أبي شيبة 12: 78 / 12167، تأريخ بغداد 8: 290، البداية والنهاية 5: 210، المناقب - للخوارزمي - 94، كفاية الطالب: 62، فرائد السمطين 1: 71 / 38.

(52) انشد حسّان بعد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم وال من والاه ..:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا

فقال: فمن مولاكم ووليكم؟

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فأنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا حسان، لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك.

انظر: كفاية الطالب: 64، المناقب - للخوارزمي -: 80 و 94، فرائد السمطين 1: 72 / 39.

(53) ذكر العلامة سبط ابن الجوزي ( ت 654 ه‍ ) في تذكرة الخواص: 102 - بعد ذكره كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام مفاخرا عليه ببعض العبارات - قال عليه‌السلام : أعَلَيَّ يفخر ابن آكلة الأكباد؟! ثم أمر عبيدالله بن أبي رافع أن يكتب جوابه من إملائه فكتب:

٥٥

وهذا الأمر لا لبس فيه.

واما الّذين اعتمدوا على أنّ خبر الغدير لو كان موجبا للامامة لأوجبها لأمير المؤمنين عليه‌السلام في كل حال، إذ لم يخصصها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحال دون حال، وقولهم: أنّه كان يجب أن يكون مستحقا لذلك في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّهم جهلوا معنى الاستخلاف والعادة المعهودة في هذا الباب.

وجوابنا ان نقول لهم: قد أوضحنا الحجّة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف عليّاً عليه‌السلام في ذلك المقام، والعادة جارية فيمن يستخلف أن يخصّص له الاستحقاق في الحال، والتصرّف بعد الحال، ألا ترون أن الإمام إذا نص على حال له قوم بالامر بعد، أنّ الأمر يجري في استحقاقه وتصرّفه على ما ذكرناه؟!

ولو قلنا: إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام يستحقّ بهذا النصّ التصرّف والأمر والنهي في جميع الأوقات على العموم والاستيعاب إلا ما استثناه الدليل - وقد استثنت الأدلة في زمان حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا يجوز أن يكون فيه متصرف في الأمة [ غيره ] (54) ولا آمرناه لهم سواه - لكان هذا أيضاً من صحيح الجواب.

فإنْ قال الخصم: إذا جاز أن تخصّصوا بذلك زمانا دون زمان، فما أنكرتم أن يكون إنّما يستحقّها بعد عثمان؟

__________________

محمد النبي اخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يمسي ويضحي

بخم فأسمع بالرسول مناديا

وبنت محمّد سكني وعرسي

يطير مع الملائكة ابن أمي

وسبطا أحمد ولداي منها

مسوط لحمها بدمي ولحمي

سبقتكم إلى الإسلام طرّاً

فمن منكم له سهم كسهمي

فأوصاني النبي لدى اختيار

رضىً منه لأمته بحكمي

وأوجب لي الولاء معاً عليكم

خليلي يوم دوح غدير خُمّ

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ

لمن يَرِدُ القيامة وهو خصمي

فلما وقف معاوية على الكتاب قال: اخفوه لئلا يسمع أهل الشام.

(54) في نسخة « ف » أمره، وفي نسخة « ه‍ » غير مقروءة، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.

٥٦

قلنا له: أنكرنا ذلك من قِبَل أنّ القائلين بأنّه استحقّها بعد عثمان مجمِعون على أنّها لم تحصل له في ذلك الوقت بيوم الغدير ولا بغيره من وجوه النصّ عليه، وإنما حصلت له بالاختيار، وكلّ من أوجب له الإمامة بالنص أوجبها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير تراخ في الزمان، والحمدلله.

حدّثني القاضي أبو الحسن اُسد بن ابراهيم السلمي الحرّاني رحمه‌الله قال: أخبرني أبو حفص عمر بن عليّ العتكي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن هارون الحنبلي، قال: حدّثنا حسين بن الحكم، قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثنا أبو داود الطهوي، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قام علي عليه‌السلام خطيباً في الرحبة وهو يقول: « أنشد الله امرأ ً شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً يديّ ورفعهما إلى السماء وهو يقول: يا معشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فلمّا قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، إلا قام فشهد بها ».

فقام بضعة عشر بدريّاً فشهدوا بها (55) ، وكتم أقوام فدعا عليهم، فمنهم من برص، ومنهم من عمي، ومنهم من نزلت به بلية في الدنيا، فعُرفوا بذلك حتى فارقوا الدنيا (56) .

__________________

(55) حديث المناشدة تناقلته كتب الحديث والتأريخ وأرسلته أرسال المسلّمات، ولست ادري ماذا يحاول أن يكتم البعض عندما يريد أن يصرف اذهان الناس عن يوم الغدير ويشير بكل صراحة إلى أنّ هذا اليوم هو من نتاج عقول الشيعة وتخرّصاتهم! وليت شعري ماذا يفعلون أمام هذا السيل العارم من الأحاديث الصحاح التي تحفل بها العديد من المراجع.

انظر: مسند أحمد 1: 84 و 88 و 119 , 5: 336، اُسد الغابة 2: 233 و 3: 93 و 307 و 5: 276 حلية الأولياء 5: 26، أنساب الاشراف 1: 156 / 169، البداية والنهاية 5: 210 - 211، كفاية الطالب: 63، فرائد السمطين 1: 68 / 34، المناقب - للخوارزمي -: 95، شرح نهج البلاغة - لابن أبي لحديد - 19: 217.

(56) المشهور - كما تنقله المصادر - أن ستة من الصحابة اصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه‌السلام عند إعراضهم وامتناعهم عن الشهادة له بما شهدوه وسمعوه يوم الغدير.. وهم: (1) أنس بن مالك (2) البراء بن عازب (3) جرير بن عبدالله البحلي (4) زيد بن أرقم (5) عبدالرحمن (6) يزيد بن وديعة.

اُنظر: أنساب الأشراف 2: 156 / 169، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد المعتزلي - 19: 217، السيرة الحليبة 3: 274.

٥٧

وممّا حفظ عن قيس بن سعد بن عبادة أنّه كان يقول وهو بين يدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله بصفين ومعه الراية، في قطعة له أولها:

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

حسبنا ربنا الذي فتح البص‍

‍رة بالامس والحديث يطول

وعلي إمامنا وأمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي: من كنت مو

لاه فهذا مولاه خطب جليل

إنما قاله النبي على الأًم‍

‍ة حتم ما فيه قال وقيل (57)

* * *

__________________

(57) الفصول المختارة: 236.

٥٨

فهرس الأعلام

ابن أبي داود السجستاني

40، 41

أبو داود الطهوي

57

أحمد بن محمّد بن هارون

57

الاخطل

46

اسامة بن زيد

55

أسد بن إبراهيم السلمي

57

الجاحظ

40، 41

جعفر بن أبي طالب

54

حسان بن ثابت

55

حسن بن حسين

57

حسين بن الحكم

57

زيد بن حارثة

54

عبد الأعلى الثعلبي

57

عثمان بن عفان

56، 57

عمر بن الخطاب

55

عمر بن علي العتكي

57

الفراء

48

قيس بن سعد بن عبادة

58

لبيد

45

٥٩

معاوية بن أبي سفيان

55

معمر بن المثنى

44، 45

* * * * *

٦٠