• البداية
  • السابق
  • 323 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45895 / تحميل: 7729
الحجم الحجم الحجم
العمل وحقوق العامل في الإسلام

العمل وحقوق العامل في الإسلام

مؤلف:
العربية

ولا بد من استيفاء تعويض الضرر من أمواله الخاصة، كما إنه اذا كان بقصد الاضرار والعدوان، فان الشارع توعده بالعقاب والعذاب في دار الآخرة.

إن الاسلام أوجب على كل شخص إحترام أموال الغير واجتناب ضرره، وان من يخل بهذا الواجب يعتبر عمله غير مشروع، ويعرض نفسه للمسؤلية، ولتحمل الاضرار الناجمة من اعتدائه.

وعلى أي حال فقبل الدخول في بيان أحكام العمل وأنواعه لا بد لنا من عرض ما ورد عن العمل في القرآن الكريم وفي السنة:

1 - العمل في القرآن

وردت في القرآن الكريم (360) آية تحدثت عن العمل ووردت (190) آية عن (الفعل) وهي تتضمن أحكاماً شاملة للعمل، وتقديره ومسؤلية العامل وعقوبته ومثوبته(1) ولا بد لنا من عرض بعض الآيات التي حثت على العمل الصالح الذي

____________________

1 - الاسلام: ص 154.

١٢١

يترتب عليه الثواب والمغفرة من اللّه كما لا بد من عرض الآيات الأخر التي حثت على لزوم السعي والكسب لتحصيل الرزق، والى القراء ذلك:

1 - العمل الصالح

إن العمل الصالح شعار الاسلام وهدفه الاسمى.

انه رمز عظمة هذا الدين الذي أقام العدل، وبسط الخير ونشر المحبة بين الناس.

انه عنوان الدعوة الاسلامية الخالدة التي أعلنها المنقذ الأعظم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم فجعل العمل الصالح جوهرها وحقيقتها التي لا تنفصل عنه.

إنه نشيد الابرار والعظماء والمصلحين من أبناء القرآن.

إنه صلاح القلوب، وسلامة النية، وطهارة النفس، وأصل التسامح والتعاون على البر والتقوى.

إنه أساس الامتياز بين الناس في نظر الاسلام، فليس التفوق بكثرة الأموال، ولا بالمتع الزائلة، وإنما هو بالتقوى وعمل الخير «إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم».

ولنستمع الى الآيات الكريمة التي أشادت بالعمل الصالح، ورفعت من كيان الصالحين.

١٢٢

قال اللّه تعالى:( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (1) .

وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْ‌دَوْسِ نُزُلًا ) (2) .

وقال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَ‌هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) .

وقال تعالى:( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً‌ا ) (4) .

وقال اللّه تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِ‌ي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّـهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا ) (5) .

وقال تعالى:( فَمَن كَانَ يَرْ‌جُو لِقَاءَ رَ‌بِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا

____________________

1 - سورة حم السجدة: آية 33.

2 - سورة الكهف: آية 107.

3 - سورة النحل: آية 97.

4 - سورة النساء: آية 124.

5 - سورة النساء: آية 122.

١٢٣

وَلَا يُشْرِ‌كْ بِعِبَادَةِ رَ‌بِّهِ أَحَدًا ) (1) .

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الرُّ‌سُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (2) .

وقال اللّه تعالى:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ‌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) (3) .

وقال تعالى:( الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرً‌ا كَبِيرً‌ا ) (4) .

وقال اللّه تعالى:( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِ‌ينَ ) (5) .

الى غير ذلك من الآيات الكريمة التي دعت الناس الى العمل الصالح وحفزتهم الى كسبه والتسابق اليه، وانه خير ما يكتسبه الانسان في حياته فانه ذخر له في آخرته وشرف له في دنياه.

____________________

1 - سورة الكهف: آية 110.

2 - سورة المؤمنون: آية 51.

3 - سورة طه: آية 82.

4 - سورة الاسراء: آية 9.

5 - سورة الروم: آية 45.

١٢٤

2 - الحث على الكسب

لقد أعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة على ضرورة العمل، وعلى الكسب، وبذل الجهد قال اللّه تعالى:( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَثِيرً‌ا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1) .

إن المنهج الاسلامي يتسم بالتوازن بين العمل لمقتضيات الحياة في الأرض، وبين العمل في تهذيب النفس، والاتصال باللّه تعالى وابتغاء رضوانه، والى ذلك يشير القرآن الكريم:( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ‌ الْآخِرَ‌ةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) (2) انه ليس من الاسلام في شيء أن يتجه المسلم بجميع قواه وطاقاته لتحصيل متع الحياة، والظفر بملاذها وينصرف عن اللّه، وكذا لا يتجه نحو عمل المثوبة فحسب بل عليه أن يعمل لدنياه وآخرته معاً.

إن القرآن الكريم قد دعا الناس الى العمل، وحثهم عليه وحتم عليهم أن يكونوا ايجابيين في حياتهم يتمتعون بالجد والنشاط ليفيدوا ويستفيدوا، وكره لهم الحياة السلبية، والانكماش

____________________

1 - سورة الجمعة: آية 10.

2 - سورة القصص: آية 77.

١٢٥

والانزواء عن العمل، قال تعالى:( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّ‌زْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ‌ ) (1) .

إن اللّه تعالى خلق الارض، وملأها بالنعم والخيرات لاجل أن يعيش الانسان في رفاهية وسعة قال تعالى:( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْ‌ضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَ‌جْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴿33﴾ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْ‌نَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿34﴾ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِ‌هِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُ‌ونَ ) (2) ولن يظفر الانسان بهذه النعم إلا بالعمل والجد والكسب.

2 - العمل في السنة

واستفاضت كتب الحديث والاخبار بالدعوة الى العمل والحث عليه كما أضفت عليه أسمى النعوت والاوصاف، ونقدم للقراء عرضاً موجزاً لذلك:

(أ) العمل شرف

إن العمل وان هان فانه شرف للانسان، وكرامة، وخير

____________________

1 - سورة الملك: آية 15.

2 - سورة يس: آية 33 و 34 و 35.

١٢٦

له من أن يسأل الناس ويعيش كلاً عليهم والى ذلك يشير الحديث الشريف.

(لئن يأخذ أحدكم حبله، فيذهب به الى الجبل فيحتطب ثم يأتي به فيحمله على ظهره خير له من أن يسأل الناس)(1) .

واجتاز الاصمعي على اسكافي يصلح للناس أحذيتهم وهو ينشد:

واكرم نفسي انني ان أهنتها

وحقك لم تكرم على أحد بعدي

فقال له الاصمعي:

كيف اكرمتها وهذا عملك ؟!!

فسدد له سهماً وقال له:

(لقد اكرمتها حين أغنيتها عن سؤال لئيم مثلك).

ويقول الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ان الاسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش عالة على الغير، ولا يسمح له أن يترك الكسب ويتكل على الدعاء ليرزقه اللّه من غير عمل، فقد جاء في الحديث الشريف: (ان اللّه يكره العبد فاغرا فاه يقول: يا رب ارزقني)(2) .

____________________

1 - صحيح البخاري.

2 - مجمع البحرين.

١٢٧

إن اللّه تعالى خلق الاشياء وربطها باسبابها الطبيعية، وليس للانسان أن يترك ذلك لأنه يلزم منه الاخلال بالنظام وعدم استقامة الحياة.

(ب) العمل جهاد

إن الاسلام يعتبر العمل جهاداً في سبيل اللّه، ويعتبر الجهد الذي يبذله المسلم في سبيل إعاشة عائلته من أفضل الطاعات والقربات فقد روى زكريا بن آدم عن الامام أبي الحسن الرضا (ع) انه قال:

(الذي يطلب من فضل اللّه ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل اللّه)(1) . واجتاز النبي (ص) ومعه جماعة من أصحابه برجل، فرأى الصحابة من جده ونشاطه ما اعجبهم فالتفتوا الى النبي (ص) فقالوا له:

يا رسول اللّه، لو كان هذا في سبيل اللّه ؟

فاجابهم (ص):

«إن كان خرج يسعى على ولده فهو في سبيل اللّه، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل اللّه

____________________

1 - الوسائل كتاب التجارة، التهذيب كتاب المكاسب.

١٢٨

وان كان خرج يسعى على نفسه فهو في سبيل اللّه».

إن السعي للانفاق على النفس، وعلى الابوين وعلى الاولاد من العمل في سبيل اللّه، بل من أفضل أنواع العبادات والطاعات.

إن الاسلام يعتبر العمال أعظم أجراً من المجاهدين، وقد قدمهم القرآن الكريم في الذكر على المجاهدين قال اللّه تعالى:( فَاقْرَ‌ءُوا مَا تَيَسَّرَ‌ مِنَ الْقُرْ‌آنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْ‌ضَىٰ وَآخَرُ‌ونَ يَضْرِ‌بُونَ فِي الْأَرْ‌ضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَآخَرُ‌ونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (1) .

وكم في هذا التقديم من معاني التكريم والتبجيل والتقدير، لقد اعتنى الاسلام بالعمل عناية بالغة فاعتبره جهاداً في سبيل اللّه، لانه أراد للمسلمين أن يعيشوا عيشة هانئة يسودها الخير والرفاهية، ولن يظفروا بذلك إلا اذا عملوا في حقل هذه الحياة.

(ج) العمل عبادة

وأضاف الاسلام الى العمل اكرم النعوت والاوصاف فجعله عبادة وطاعة للّه ليتسابق المسلمون الى ميادين العمل والانتاج فقد ورد ان صحابيين جاءا الى رسول اللّه (ص)

____________________

1 - سورة المزمل: آية 20.

١٢٩

وهما يحملان أخاً لهما، فسألهما النبي (ص) عنه فقالا: انه لا ينتهي من صلاة إلا الى صلاة، ولا يخلص من صيام إلا الى صيام حتى أدركه من الجهد ما ترى.

فقال (ص): فمن يرعى ابله، ويسعى على ولده ؟

فقالا: نحن

فقال (ص): أنتم أعبد منه.

إنه ليس من الاسلام في شيء أن نزهد في الدنيا، وندع متع الحياة، ونقبل على الصلاة والصيام، فقد نعى اللّه على الذين انصرفوا عن الدنيا فقال تعالى:( وَرَ‌هْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِ‌ضْوَانِ اللَّـهِ فَمَا رَ‌عَوْهَا حَقَّ رِ‌عَايَتِهَا ) (1) .

ويقول تعالى:( قُلْ مَنْ حَرَّ‌مَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَ‌جَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّ‌زْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (2) .

إن الاسلام دعانا الى أن نمزج بين الدنيا والآخرة مزجاً كريماً، فليس من الاسلام أن تكون الدنيا وحدها هي همنا

____________________

1 - سورة الحديد: آية 27.

2 - سورة الاعراف: آية 31.

١٣٠

وغايتنا، وليس من الاسلام أن نقبل على الاخرة فنضيع دنيانا، والى ذلك يشير الحديث:

«إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً» وبهذه الدعوة الأصيلة التي تجمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة امتاز الاسلام عن بقية الأديان الداعية بعضها الى القداسة والتجرد عن المادة، والداعية بعضها الى الاقتصار على مطالب الجسد والغاء الروح.

لقد أعرب الرسول (ص) في غير موقف من مواقفه ان رسالته الخالدة تدعو الى الوئام بين الروح والبدن، فقد ورد ان ثلاثة رهط جاؤا الى بيوت أزواج النبي (ص) يسألون عن عبادته فلما أخبروا بها قالوا: وأين نحن من النبي، وقد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فانبرى أحدهم فقال لصاحبيه:

«أنا اصلي الليل أبداً».

وانطلق الثاني يقول:

«وأنا أصوم الدهر أبداً».

فقال الثالث:

«وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً».

١٣١

فبلغ ذلك النبي (ص) فقام وهو مغيظ الى المسجد فاعتلى أعواد المنبر وأخذ يبين للمسلمين بُعد هؤلاء عن الصواب وعدم التقاء خطتهم بواقع الاسلام، فقال (ص): بعد حمد اللّه والثناء عليه «ما بال أقوام، قالوا كذا وكذا، أما واللّه اني لأخشاكم للّه وأتقاكم لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء وتلك سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني»(1) .

وسأل الامام الصادق (ع) عن رجل، فقيل أصابته الحاجة، فقال (ع):

- فما يصنع اليوم ؟

- في البيت يعبد ربه عز وجل.

- فمن أين قوته ؟

- من عند بعض إخوانه ؟

- واللّه الذي يقوته أشد عبادة منه(2) .

هذا هو رأي الاسلام وهو صريح واضح يقضي بأن يعمل المسلم لدنياه وآخرته، وليس له أن يتجرد من الدنيا ويقبل على الآخرة كما ليس له أن يقبل على الدنيا ويتجرد عن الآخرة.

____________________

1 - صحيح البخاري.

2 - تذكرة الفقهاء.

١٣٢

(د) العمل سيرة الانبياء

إن العمل من سيرة النبيين والمصلحين، ويكفي العامل فخرا وشرفاً أنه ما بعث نبي إلا كان عاملاً كادحاً فقد روى الامام الصادق عليه السلام عن جده أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: « إن اللّه أوحى الى داود (ع) يا داود إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داود أربعين صباحاً فأوحى اللّه الى الحديد أن لِنْ لعبدي داود فلان له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعاً »(1) .

لقد كره اللّه لعبده ونبيه داود أن يكون عاطلاً ويأكل من بيت المال من دون أن يكدح ويأكل من ثمرة أتعابه فألانَ له الحديد فكان يعمل فيه ويقتات من عمله، وكان سيد النبيين محمد (ص)، قبل البعثة يرعى الأغنام ويتجر في أموال خديجة، وبعد البعثة كان يعمل مع أصحابه ويشاركهم في أتعابهم وأعمالهم، فلم يكن له تفوق وتميز عليهم فقد عمل معهم في بناء مسجده الأعظم، وكان الانصار يرددون:

لئن قعدنا والنبي يعمل

لذاك منا العمل المضلل

ولما رجع (ص) من بعض غزواته كانت معه شاة فقال

____________________

1 - التهذيب كتاب المكاسب.

١٣٣

بعض أصحابه: علي ذبحها، وقال ثان: علي سلخها، وقال ثالث وعلي طبخها، فقال (ص) وعلي جمع الحطب، وقام (ص) يجمع الحطب من تلك الصحراء(1) .

وهكذا كان النبي (ص) يعمل ويشارك أصحابه في أتعابهم ويتعاون معهم في شؤون هذه الدنيا، وكان الامام أمير المؤمنين علي (ع) يعمل بيده فقد روى حفيده الامام الصادق عليه السلام ان أمير المؤمنين اعتق الف مملوك من ماله وكد يده(2) وقد اقتدى أبناؤه بسيرته فكان الامام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام يعمل بنفسه، فقد حدث محمد بن المنذر قال: خرجت الى بعض نواحي المدينة، فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (ع) وكان بادناً ثقيلاً، وهو متكئ على غلامين أسودين، وموليين، فقلت في نفسي: سبحان اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا!! أما اني لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه، وهو يتصاب عرقاً، فقلت له:

أصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة في طلب الدنيا!! أرأيت لو جاء أجلك على هذه الحالة ما كنت

____________________

1 - البخاري.

2 - التهذيب، الوسائل.

١٣٤

تصنع ؟ فأجابه الامام (ع) بمنطق الاسلام وروحه قائلاً:

«لو جاءني الموت وأنا في طاعة من طاعات اللّه عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي اللّه».

فخجل محمد، ولم يجد منفذاً يسلك فيه للجواب، وانبرى يقول: «صدقت يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني»(1) .

إن العمل طاعة من طاعات اللّه - على حد تعبير الامام (ع) - لأن به كف النفس وكف من يعول بها عما في أيدي الناس.

إن الاسلام يتطلب الرفاهية للمسلمين ولا تحصل إلا بالعمل والاستغناء عن الناس.

وحرض أئمة أهل البيت (ع) المسلمين على العمل فكانوا يعملون بأنفسهم ليقتدي بهم المسلمون فهذا الامام جعفر الصادق (ع) زعيم النهضة العلمية في العالم الاسلامي كان يعمل في بعض بساتينه، وحدث أبو عمر الشيباني قال: رأيت أبا عبد اللّه (ع) وبيده مسحاة وعليه أزار غليظ والعرق يتصاب منه، فقلت له: جعلت فداك اعطني اكفك، فقال (ع) له:

____________________

1 - التهذيب.

١٣٥

إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة(1) .

وروى أبو بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «إني لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق، وان لي من يكفيني ليعلم اللّه عز وجل اني أطلب الرزق الحلال»(2) .

إن أئمة أهل البيت (ع) بقيامهم بالعمل لاعاشة عوائلهم مع وجود من يغنيهم عن ذلك إنما كان الغرض منه أن يعطوا للمسلمين دروساً عن الاسلام من أنه يأمر بالعمل وينهى عن الكسل والخمول، وان الشخص مهما عظم شأنه وعلت منزلته فهو مأمور بالعمل ليكف نفسه ومن يعول به عما في أيدي الناس.

(ه‍) رد دعاء تارك العمل

ونظراً لخطورة العمل وأهميته في الاسلام فقد ذمّ تارك العمل وتوعده بعدم استجابة دعائه في طلب الرزق، فقد أثر عن النبي (ص) انه قال: « إن أصنافاً من أمتي لا يستجاب لهم دعاء، وهم: رجل يدعو على غريم له ذهب بماله فلم يكتب له ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل اللّه تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته، ويقول: يا رب

____________________

1 - التهذيب.

2 - نفس المصدر.

١٣٦

ولا يخرج، ولا يطلب الرزق، فيقول اللّه عز وجل عبدي أجعل لك السبيل الى الطلب والتصرف في الأرض بجوارح صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا تكون كّلا على أهلك فان شئت رزقتك، وان شئت قترت عليك وأنت معذور عندي »(1) .

إن اللّه قد منح الانسان من الطاقات والقوى وأمره، بأن يستعملها لطلب معيشته، وأما ترك الكسب والاتكال على الدعاء فانه ليس من الاسلام في شيء، وقد حذر أئمة أهل البيت (ع) شيعتهم من ذلك فقد روى علي بن عبد العزيز ان الامام الصادق عليه السلام قال له ما فعل عمر بن مسلم ؟

جعلت فداك، أقبل على العبادة، وترك التجارة.

فتألم الامام (ع) وأزعجه ذلك، واندفع يقول:

ويحه أما علم ان تارك الطلب لا تستجاب له دعوة، إن قوماً من أصحاب رسول اللّه (ص) لما نزلت الآية: « ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب » اغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا الطلب، فبلغ ذلك النبي (ص) فارسل اليهم فلما مثلوا عنده قال لهم:

____________________

1 - الوسائل كتاب التجارة.

١٣٧

ما حملكم على ما صنعتم ؟

فقالوا: يا رسول اللّه، تكفل اللّه لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة.

فنهرهم (ص) وقال لهم: « إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب »(1) .

وقد دل هذا الحديث الشريف على مدى الأهمية البالغة للعمل في الإسلام، وإنه لا يصح من المسلم أن يتركه وينصرف الى العبادة، أو يلتجئ الى الدعاء وسأل عمر بن يزيد الامام الصادق (ع) قال له ان رجلاً قال « لأقعدن في بيتي، ولأصلينّ ولأصومن، ولأعبدن ربي عز وجل فأما رزقي فسيأتيني ».

فقال الامام (ع): « هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم »(2) .

وسأل العلاء بن كامل الامام الصادق (ع) أن يدعو له اللّه في أن يرزقه، ويوسع عليه.

فقال له الامام (ع):

____________________

1 - التهذيب كتاب المكاسب.

2 - تذكرة الفقهاء.

١٣٨

« لا أدعو لك اطلب كما أمرك اللّه »(1) .

ويقول الامام أبو جعفر محمد الباقر (ع):

« إني اجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب، فيستلقي على قفاه، ويقول اللهم ارزقني، ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل اللّه، والذرة(2) تخرج من جحرها تلتمس رزقها(3) .

وبهذا المعنى وردت أخبار كثيرة من أهل البيت (ع) تدعو المسلمين الى العمل في حقل هذه الحياة، وذم تاركه والمعول على العبادة والمنصرف الى الدعاء لأنه بذلك يكون كّلا على المجتمع وعالة على الغير.

(و) النهي عن الكسل

ونهى الاسلام عن الكسل لأنه موجب لشل الحركة الاقتصادية وتجميد طاقات الانسان وفساد المجتمع، ويعود بالخسارة الكبرى على الناس وقد ورد في الأدعية المأثورة عن أئمة الهدى بالتعوذ منه فقد جاء في الدعاء « اللهم اني أعوذ بك

____________________

1 - تذكرة الفقهاء.

2 - الذرة النملة الصغيرة.

3 - من لا يحضره الفقيه - 3 - 95.

١٣٩

من الكسل والسأم والفترة والملل » ووردت أخبار كثيرة تنهى عنه فقد قال الامام الصادق (ع) لبعض أصحابه:

« إياك والكسل والضجر، فانهما مفتاح كل سوء انه من كسل لم يؤد حقاً، ومن ضجر لم يصبر على حق »(1) .

وقال الامام موسى بن جعفر (ع) لبعض ولده:

إياك والكسل والضجر فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة(2) .

إن الاسلام يكره الكسل ويحرم البطالة، ويمقت صاحبها لأنها تؤدي الى فقره وسقوطه، وذهاب مروءته، واستخفاف الناس به فان من يتصف بها يكون في حكم الموتى لا تفكير له ولا تدبر، وكان السلف الصالح لا يألفون الراحة، ولا يخلدون الى السكون والبطالة، قد أقبلوا على العمل والتجارة، وقد عرض الامام الصادق (ع) على أصحابه سيرتهم وجهدهم في العمل وإقبالهم عليه قائلاً:

« لا تكسلوا في طلب معائسكم فان آباءنا كانوا يركضون

____________________

1 - من لا يحضره الفقيه.

2 - حياة الامام موسى بن جعفر.

١٤٠