• البداية
  • السابق
  • 323 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45885 / تحميل: 7729
الحجم الحجم الحجم
العمل وحقوق العامل في الإسلام

العمل وحقوق العامل في الإسلام

مؤلف:
العربية

فيها ويطلبونها »(1) .

وقصد معاذ بن كثير الامام الصادق، وعرض عليه أن يدع العمل، ويستغني بما عنده فنهاه الامام (ع) عن ذلك وقال له:

إذن يسقط رأيك ولا يستعان بك على شيء.

إن الاسلام يدعو الى الجد والنشاط، والى الانطلاق في ميادين العمل من أجل حياة حرة كريمة تعمها الرفاهية، ويسود فيها الخير، وزعم الشيوعيون أن الاسلام يعرقل سير العمل، ويقلل من قيمة الجهد، ويغري بالانحطاط والكآبة(2) .

كيف الاسلام يغري بالانحطاط، وقد تركزت تعاليمه على رفع مستوى الناس خلقياً واقتصادياً ؟!!!

هل الاسلام يقلل من قيمة الحياة وقد جاء ليضيء جوانبها وينفي عنها كابوس الكآبة والخزن ؟!!.

كيف يقلل الاسلام من قيمة الجهد الخلاق، وقد ميز كل جهد، ودعا الناس الى الابداع والتقدم، وحفزهم الى العمل بمفهومه الواسع، وجعل الهم والاهتمام به كفارة عن الذنب،

____________________

1 - من لا يحضره الفقيه.

2 - الاسلام اصله وجوهره.

١٤١

وطهارة للنفس فقد جاء في الحديث: « من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة».

كما صب اللعن على من ترك العمل، والقى كله على الناس فقد روى الامام الصادق عليه السلام أن رسول اللّه (ص) قال: ملعون ملعون من القى كله على الناس(1) .

لقد حث الاسلام على العمل، ونعت العمال بأنهم أحباء اللّه وأوداؤه فقد جاء في الحديث: «إن اللّه يحب العبد يتخذ المهنة ليستغني عن الناس» وفي حديث آخر «إن اللّه يحب المؤمن المحترف، ويكره المكفي الفارغ» الى غير ذلك من الأخبار التي تظافرت بها كتب الحديث وقد دلت بوضوح على الأمر بالعمل والنهي عن البطالة والكسل.

إن اتهام الشيوعيين الاسلام من أنه يدعو الى البطالة ما هو إلا لون من ألوان أكاذيبهم ومفترياتهم، فهم لا يبالون بالكذب ولا يرون أي حريجة في ارتكاب المنكر، فان التنكر للقيم ونبذ المقاييس إنما عنصر أساسي تركزت عليه أخلاقهم وطبائعهم، وقد ذكرنا - فيما تقدم - بأنهم لا يؤمنون بأي مقياس من مقياس الفضيلة، فان الأخلاق الرفيعة والمثل

____________________

1 - تهذيب الاحكام.

١٤٢

الكاملة عندهم لون من ألوان الرجعية وضرب من ضروب الخرافة التي يجب إزالتها من واقع الحياة.

3 - احكامه

العمل في الشريعة الاسلامية تارة يكون موضوعاً للوجوب - على اختلاف أنواعه - وأخرى يكون موضوعاً للحرمة، كما يكون موضوعاً لغيرهما من الأحكام الخمسة، ونقدم عرضاً موجزاً لبعض تلك الأنواع.

1 - العمل الواجب

وأوجب الاسلام بعض الاعمال على المكلفين، وهي تارة تكون موضوعاً للوجوب العيني، وأخرى تكون موضوعاً للوجوب الكفائي، أما (الواجب العيني) من الاعمال فهو ما كان واجباً عينياً على المكلف لا يسقط عنه بحال، وذلك كالعمل لاعاشة الانسان نفسه، ومن يعول به فانه يجب على كل مكلف أن يقوم بذلك، وقد تظافرت الاخبار بذلك فقد أثر عن النبي (ص) انه قال « ملعون ملعون من ترك من يعول به »(1) .

____________________

1 - تهذيب الاحكام.

١٤٣

وقال الامام زين العابدين (ع) « كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول به » الى غير ذلك من الأخبار التي دلت على وجوبه وجوباً عينياً لا يمكن التخلف عنه بحال.

وأما (الواجب الكفائي) فهو ما كان التكليف فيه لجميع المسلمين، فان قام به بعضهم سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يقم به أحد وأهمل من قبلهم أثم الجميع، وهو تارة مما لا يتوقف عليه النظام العام كانقاذ الغرقى وتجهيز الأموات وأخرى مما يتوقف عليه النظام كالصناعات والحرف ومنه تعلم بعض العلوم النافعة كالطب، وبعض العلوم الحديثة خصوصاً التي تحفظ كيان المسلمين، وتمنع عنهم عدوهم كالصناعة الدفاعية التي تحفظ عز البلد وتقيه من الاخطار، ان هذه الاعمال تجب على عموم المسلمين فان قام بها بعضهم سقط الوجوب عن الآخرين.

2 - الاعمال المحرمة

وحرم الشارع بعض الاعمال التي تعود بالضرر والفساد وتوجب هلاك المجتمع ودماره، والى القراء بعضها:

(أ) صنع آلات القمار

حرم الاسلام صنع آلات القمار، فلا يجوز للمسلم أن

١٤٤

يعملها، كما لا يجوز له أن يقامر بها، وقد صرح القرآن الكريم بذلك قال اللّه تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ‌ وَالْمَيْسِرُ‌ وَالْأَنصَابُ (1) وَالْأَزْلَامُ (2) رِ‌جْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿90﴾ إِنَّمَا يُرِ‌يدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ‌ وَالْمَيْسِرِ‌ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (3) .

والمراد بالميسر هو القمار، فعن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: وأما الميسر - الذي ورد في الآية - فالنرد(4) ، والشطرنج، وكل قمار ميسر، وأضاف الامام (ع) يقول: وكل هذا بيعه وشراؤه، والانتفاع بشيء منه حرام محرم(5) .

____________________

1 - الانصاب: حجارة او صنم كان العرب يذبحون قرابينهم عندها، وروي انهم كانوا يعبدونها.

2 - الأزلام: قطع رقيقة من الخشب بهيئة السهام كانوا يستقسمون بها في الجاهلية لأجل التفاؤل او التشاؤم بها.

3 - سورة المائدة: آية 90 - 91.

4 - النرد: جوالق واسع الاسفل مخروط الاعلى يتخذ من خوص النخل لعبة وضعها احد ملوك الفرس، وتعرفها العامة بلعب الطاولة.

5 - تفسير القمي.

١٤٥

وقد يسمى القمار بالآية الكريمة بالرجس، وهو ما يكون في نهاية القبح والخبث، وذلك لما ينشأ منه من الشرور والآثام وقد الزم الشارع المسلمين باجتنابه، ورتب على ذلك الفلاح والنجاح في الدنيا، كما مزاولته مثار للعداوة والشحناء بين الناس، وانه مما يصرف ويصد عن ذكر اللّه وعن الصلاة.

إن الاسلام إنما حرم القمار لأنه آفة على الأخلاق فهو يصد المقامرين عن الطريق القويم لكسب العيش، ويعودهم الكسل وانتظار الرزق من السبل الوهمية، وإضعاف القوى العقلية بترك الاعمال المفيدة كالزراعة والتجارة، والصناعة التي تترقى بها الأمة، كما انه في نفس الوقت تضييع للعمر واشغال الوقت من دون فائدة تجنى من ورائه.

إن في القمار تخريباً للبيوت فجأة بالانتقال من الغنى الى الفقر فكم من عائلة نشأت في الغنى والعز وانحصرت ثروتها في رجل أضاعها في ليلة واحدة فصارت فقيرة لا قدرة لها على أن تعيش عيشة الكفاف والاستغناء عن الناس(1) .

إن القمار يجلب الشحناء والبغضاء بين الناس وذلك لأن ربح المقامر لا يقوم إلا على خسران الغير، فالمقامر غاصب

____________________

1 - روح الدين الاسلامي: ص 302 - 303.

١٤٦

لمال الغير على مرأى منه، وكلما أوغل الانسان في الخسارة اشتد حنقه على الرابح الذي يسلبه ماله في لحظات قليلة، هذا المال الذي بذل في جمعه عصارة جهده، وعقله، وكثيراً ما يتمادى لاعب القمار في الخسران حتى يفقد كل ماله، فيؤدي به ذلك الى عدم السيطرة على نفسه فيتعرض للرابح بالشتم ويضمر له كل شر وربما ينتهي الأمر الى وقوع الجريمة بينهما(1) .

إن القمار من أعظم الآفات الخلقية التي يجب القضاء عليها لأنها مدعاة الى الفسق والخنوع، وسلب الكرامة، ومن ظريف ما يؤيد ذلك ان أبا لهب قامر العاصي بن هشام فقمره حتى أخرجه من ماله، ثم عرض عليه العاصي أن يقامره فايهما قمر كان عبداً لصاحبه(2) .

إن الطمع والجشع الذي يصيب الرابح لا ينتهيان الى حد فانه يحاول بعد سلب ثروة صاحبه أن يجعله رقاً وعبداً له.

إن القمار من الرذائل والموبقات التي حرمها الاسلام، وحكم بأن الأموال التي يأخذها الشخص من هذا السبيل باقية

____________________

1 - روح الدين الاسلامي: 196.

2 - الاغاني 3 - 100.

١٤٧

على ملك صاحبها، كما الزم الشارع تحطيم آلاته دفعاً لمادة الفساد في الأرض.

ومن الغريب حقاً أن تنتشر الرذيلة في البلاد الاسلامية التي يؤمن مجتمعها بالقرآن وشريعة الاسلام ولم يكن عند حكامها تفكير جدي للتمسك بأحكام دينهم ليخلصوا مجتمعهم من اضرارها الخطرة الفتاكة.

(ب) آلات اللهو

وحرم الاسلام صنع آلات اللهو على اختلاف أنواعها كالمزامير والعيدان والبرابط وغيرها لأنها مدعاة الى فساد الاخلاق ونشر الدعارة والمجون، وكما يحرم صنعها كذلك تحرم اجارتها وشراؤها، وسائر وجوه التقلب فيها، ويجب تحطيمها وتغيير هيئتها لئلا تنتشر في المجتمع هذه الصور الهزيلة التي تؤدي الى انحطاطه وصرفه عن مهام الأمور.

(ج) عمل الخمر

ونهى الاسلام عن صنع الخمر فلا يجوز للمسلم أن يدخل في معامل تقطيره أو يؤجر نفسه في سائر الاعمال التي يتوقف عليها كالشحن والكتابة في المعمل، وغيرها من الأعمال.

١٤٨

ونظراً لخطورة هذه الجريمة فقد حرم الاسلام بيع العنب والتمر على من يعملهما خمراً بقصد ذلك، وكذا حرم إجارة المحل على من يعمل فيه الخمر أو يبيعه فيه.

لقد حرم الاسلام الخمر وجعله من كبائر الذنوب وسماه في القرآن رجساً قال اللّه تعالى: (إنما الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) ان الخمر منبع الفساد ومصدر الجرائم وأساس الرذائل وبالاضافة الى ذلك فانه آفة على الصحة وقد أحصت كتب الطب أربعاً وعشرين ضرراً مترتباً على شربه، والى القراء بعضها:

1 - ضرره على النسل

لقد ثبت في الطب الحديث ان تأثير المسكر ينتقل بالوراثة الى الأولاد، قال الدكتور (بوجونوس): أما الخمرة فالادمان عليها من مسببات العقم، قال: وقد كتب (رمانيوس دنكان) عن العقم في محاضرته قصة فتاة مدمنة ظلت أعواماً بلا حمل مع انه لم يكن في جسمها ما يدعو الى هذه العاهة ولما عولجت بالامتناع عن الخمر مدة عام حملت، ولا يفرق في ذلك بين الرجل والمرأة ويعود السبب في ذلك الى تضعف

١٤٩

مركز الصلب وتنبه مركز المخ، والشخص المتسمم به تنتقل سمومه وعلله الى ذريته، فهو خطر عليه وعلى ذريته وعائلته، وعلى الأمة والنوع الانساني بالتالي، وذكر ايضاً أن من يولد من أبوين مدمنين فانه يحمل آثار الضعف البنى ويكون عرضة للاصابة باضطرابات خطيرة قد تنتهي بالعته أو الشلل العام أو العقم، ثم ذكر عن تأثير الوراثة ان تأثيرها قاتل للجنين والطفل بعد ولادته حتى انه قد تلاشت عائلات باجمعها في عقبين أو ثلاثة أعقاب، وزيادة على ذلك فان ذرية المدمنين قد تصاب بتشوهات مؤلمة كعدم تساوي الجمجمة، أو قصر القامة، أو استسقاء الدماغ، أو بتاخير وانحراف في نمو القوى العقلية كضعف الذاكرة أو تحفظ الحالة الصبيانية أو البله أو الهستريا وغير ذلك من العلل النفسية، وقد حرم هذا النطاسي وغيره من أئمة الطب تزويج المدمن نظراً لهذه الاخطار الفظيعة المترتبة على زواجه.

2 - تأثيره على الدم والقلب

ذهب المحللون للخمرة الى أن العنصر الفعال في الخمرة هي الكحول أو السبيرتو، والكحول تتسرب الى الدم بكل سهولة

١٥٠

من غير أن تنحل، وقد يدخل ما انحل معه في المعدة الى « الدهيد » ويتوزع بواسطته الى جميع الانسجة والاعضاء، وقليل منه يكون حامضاً كربونياً وحاماً خلياً، واستدلوا على ذلك انك لو أخذت قدراً من دم سكران وأدنيته الى النار لالتهب كما تلتهب الخمر والسبيرتو.

وأما تأثيره على « القلب » فان نبضه يشتد ويسرع وذكروا ان ذلك مسبب عن نشاط العضلات القلبية، ثم انه بعد ما تنقص تلك الحركة الحماسية في القلب يصيبه الذبول والانحطاط، ثم إنه يسبب ضعط الدم على جدران الأوعية الدموية ونتيجة ذلك هو نضح الجلد عرقاً، وذكر بعض الأطباء ان الادمان على الخمر إحدى العوامل الثلاثة المسببة لتصلب الشرايين وهو مرض شديد يسبب عطباً في القلب كما يسبب انفجاراً في شرايين الدماغ فيحدث ذلك فالجاً أو شللاً لا برأ له.

3 - خطره على الكبد والكليتين

وذكر الاطباء ايضاً ان الجسم بعدما يمتص من الكحول يمر في الكبد من طريق التيار الدموي وبذلك يخرب الخليات الكبدية، ويحدث التهاباً فيها، وإذا أدمن عليها فيزمن هذا

١٥١

الالتهاب ويحدث تضخماً في الكبد كما يسبب تشمعاً فيه، ذكر هذا كل من (هيل هوات) و (دوث هو هوات) في (الاقر بذين) وأما تأثيره على الكليتين فانه يسبب إدراراً في البول قليلاً وذلك بسبب تمدد الأوعية الدموية الكلوية ويخرج جانب كبير من الكحل عن طريق الكليتين ويقضي أخيراً الى التهاب خطير فيهما.

4 - تأثيره على المعدة:

وذكر أئمة الطب ان الخمر متى امتزج بمحتويات المعدة ينحل بعضه الى الدهيد، والحامض الخلي، ويرسب الببسين ومختلفات البرثون والبرتاييد، ومن المعلوم إن أهم العناصر الموجبة لهضم الطعام هو الببسين فانه متى رسب تعذر الهضم، كما انه يهيج غشاء المعدة المخاطي حتى يوجب تمدداً في الأوعية الدموية ويسبب تدفق غدد العصارة المعدية، والادمان عليه يتلف فاعلية العصارة المعدية ويحث إفرازه المخاط القلوي، وهو يسبب الابتلاء بسوء الهضم المزمن وان العاكفين على شرب الخمر دائماً يشكون الآلام الموجعة من معدهم، هذه بعض أضراره وقد تكفلت كتب الطب ببيان أضرارها بالتفصيل

١٥٢

ومضافاً الى هذه الأًضرار الخطرة فقد ذكروا ان الادمان يسبب عواقباً فظيعة غيرها وهي كما يلي:

1 - تضخم في الكبد يؤدي بالآخرة الى الاستسقاء.

2 - التهاب في الكليتين يحدث تسمماً عاماً في الجسم.

3 - الصرع

4 - الفالج

5 - الهستريا

6 - اضطراب عصبي عام

7 - ضعف الرئتين يعرضهما لداء السل الوبيل

8 - عدم استطاعة المدمن لمقاومة الأمراض الفتاكة مثل التيفو والالتهاب السمائي، فان جسم المدمن اذا انتابته إحدى هذه الأمراض قضت عليه لا محالة ولا تنفع معه الأدوية الحديثة كالبنسلين وأشباهه. هذه بعض الأخطار الناجمة من الادمان وقد أحصاها بعض أعلام الطب الى ثمانية عشر كلها تؤدي الى القضاء على المدمن.

ومضافاً الى هذه الأخطار الفتاكة الاضرار الاقتصادية الفظيعة فان السكير مهما كان بخيلاً لا بد وان ينجر الى الاسراف والتبذير ومضافاً الى ذلك الانغماس في الرذائل كالقمار والدعارة

١٥٣

والمجون وفقدان الشرف والاتزان فان منتديات الخمارين ومجتمعاتهم لا تضم إلا الرذائل والقبائح والتعرض لاعراض الناس، ومن المؤسف تغافل الحكومات الاسلامية عن هذا الوباء الخطير، بل وسماحها وإجازتها الى صنعه وتقطيره وبيعه في بلادها غير معتنية بتحريم الاسلام له فنشأ من ذلك انعكاف بعض الشباب عليه، وقد أدى ذلك الى إقبار مواهبهم وسلب الانسانية والشرف من نفوسهم ووقوعهم في هوة سحيقة من مجاهل هذه الحياة، وانا لنهيب برجال الحكم ممن يهمهم أمر الاصلاح ورفع مستوى بلادهم وأمتهم أن يعملوا مجدين في القضاء على هذه الآفة القاضية على العقل والأخلاق.

(د) السرقة:

من الأعمال التي حرمها الاسلام السرقة لأنها تضعف المجتمع وتشل الحركة الاقتصادية، وتؤدي بالمجاعة الشاملة ونشر الفقر بين الناس، وقد رتب الاسلام عليها عقوبة قطع اليد وعقاب كهذا ليست به شائبة قسوة ما دام القصد من تنفيذه تأمين الحقوق، وصيانة الجهود، وتوجيه الناس الى العيش من كسبهم الحلال لا السطو على كسب غيرهم والعيش به

١٥٤

من حرام(1) وما دام الاسلام قد وفر كل الطرق الوقائية التي تقي الانسان من ارتكاب هذه الجريمة من اقتصاد وفير ومن أخلاق فاضلة ومن نظام عادل.

(ه‍) اعانة الظالم

وحرم الاسلام معونة الظالم على ظلمه بل على كل حرام فقد ورد عن النبي (ص) « من مشى الى ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج عن الاسلام » وروى ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه (ع) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: أصلحك اللّه انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى الى البناء أو للنهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد اللّه (ع):

ما أحب اني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء الى أن قال ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد(2) وقال الامام موسى (ع) لزياد بن أبي سلمة:

«يا زياد لئن اسقط من شاهق فانقطع قطعة قطعة أحب

____________________

1 - الاسلام والاوضاع الاقتصادية ص 43.

2 - تهذيب الاحكام كتاب المكاسب.

١٥٥

الى من أن أتولى لهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم»(1) .

وإنما نهى الاسلام عن العمل مع الظالمين والتعاون معهم لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض والقضاء على جميع ضروب الظلم والطغيان، وقد أعرب عن ذلك الامام الصادق عليه السلام بقوله:

لولا أن أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم الفيء، ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم لما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم(2) .

وقد استجابت الطبقة الاخيرة في العصور الاسلامية الأولى الى نداء أئمة أهل البيت (ع) فلم تتصل بالجهاز الرسمي القائم آنذاك ولم تتعامل معه، وكان كل من يتصل بهم قوبل بالاستهانة والتحقير، فهذا اسماعيل بن ابراهيم القرشي لما ولي القضاء كتب اليه ابن المبارك هذه الأبيات:

يا جاعل العلم به بازياً

يصطاد أموال المساكين

تحتال للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

فصرت مجنوناً بها بعدما

كنت دواء للمجانين

____________________

1 - حياة الامام موسى بن جعفر: 2 - 145.

2 - تهذيب الاحكام.

١٥٦

أين رواياتك فيما مضى

عن ابن عون وابن سيرين

أين رواياتك في سردها

في ترك أبواب السلاطين

ان قلت اكرهت فذا باطل

زل حمار العلم في الطين(1)

لقد منع الاسلام منعاً باتاً من التعامل مع الظالمين والمستبدين فلم يسمح للمسلمين القيام باي عمل لهم يؤدي الى تدعيم الظلم والجور، والى ذلك يشير الغزالي بقوله:

« ولا تكن قطباً تدور عليك رحى ظلمهم، وجسراً يعبرون بك الى بلائهم، وسلماً يصعدون منه الى ضلالاتهم ».

ولو ان المسلمين تظافرت جهودهم على عدم التعاون مع الظالمين لما وقعت البلاد في الفتن والخطوب، وما انتهكت الحرمات، ولا أصيب الاسلام بمثل هذه النكبات التي أذاقت المسلمين ألواناً قاسية من الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي.

(و) الغش

من الاعمال التي حرمها الاسلام، ومنع منها منعاً باتاً الغش في المعاملة كخلط الجيد بالرديء وكمزج اللبن بالماء وما شاكل ذلك من الأعمال التي يقوم بها من لا دين له، ولا مروءة عنده ونسوق الى القراء بعض الأخبار التي وردت في

____________________

1 - تهذيب التهذيب 1 - 278.

١٥٧

النهي عنه، فقد أثر عن النبي (ص)، انه قال: « ليس منا من عش مسلماً أو ضره أو ماكره » وعنه (ص) « من غش مسلماً في بيع أو شراء فليس منا ويحشر مع اليهود يوم القيامة لأن من غش الناس فليس بمسلم الى أن قال: ومن غشنا فليس منا قالها ثلاثاً، ومن غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله الى نفسه » وفي مرسلة هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال لرجل يبيع الدقيق: « إياك والغش، فمن غش غش ماله، فان لم يكن له مال غش في أهله » ورواية موسى بن بكير عن أبي الحسن موسى (ع) انه أخذ ديناراً من الدنانير المصبوبة بين يديه فقطعها نصفين، ثم قال لي: القه في البالوعة حتى لا يباع بشيء فيه غش(1) الى غير ذلك من الأخبار الدالة بوضوح على حرمته والنهي عنه، وقد حكم الفقهاء بثبوت الخيار في الفسخ والامضاء لمن غش في معاملة، أما لو كان الغش باظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المموه على انه ذهب أو فضة ونحو ذلك فسدت المعاملة ولا مجال للحكم بصحتها(2) .

____________________

1 - المكاسب.

2 - وسيلة النجاة 2 - 6 - 7.

١٥٨

(ز) الشعبذة

من الاعمال التي حرمتها الشريعة الاسلامية الشعبذة وهي الحركة السريعة بحيث يلتبس على من يراها الانتقال من الشيء الى شبهه، وهي في الواقع ليست كذلك، وقد أجمع علماء المسلمين على تحريمها وتحريم عمل السحر وتعلمه لأنها من الأمور التي لا فائدة فيها ولا جدوى وفيها مضيعة للوقت، والاسلام حريص على أن لا يضيع المسلم وقته في مثل هذه الترهات المجافية للكرامة الانسانية.

(ح) السمسرة

وهي من أعظم الموبقات الموجبة لنشر الدعارة والفساد والمدمرة للاخلاق والاعراض، وقد حرمها الاسلام وشدد في العقوبة على مرتكبها ففي صحيحة ابن سنان يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطاً، وينفي من المصر الذي هو فيه(1) .

هذه بعض الأعمال التي حرمها الاسلام لأنه ليس فيها نفع للامة، ولا فائدة للمجتمع، وانما تعود بالخسارة والضرر الشامل للبلاد والعباد.

____________________

1 - المكاسب.

١٥٩

إن الطريق الذي رسمه الشارع للعمل إنما هو الطريق الصحيح الذي تستقيم به الحياة، فان الاسلام قد نظر الى العمل بعين الحكمة فما وجده صالحاً أقره، وما وجد فيه من عوج أو ضرر نبه عليه ونهى عنه، وقد حرم الاسلام تلك الأعمال السالفة التي تؤدي الى الغبن الاجتماعي، وتؤدي الى شل الحركة الاقتصادية كما ان بعضها في نفس الوقت مدعاة الى فساد الأخلاق وذيوع الدعارة والمجون.

وذكر الفقهاء أنواعاً أخرى من المحرمات التي لا يجوز فيها الكسب والعمل والتعرض لذكرها يستدعي الاطالة فلذا نكتفي بما ذكرناه من الاشارة لبعضها.

3 - الأعمال المندوبة

لقد ندب الاسلام الى بعض الأعمال وحث عليها كاعمال الخير والمبرات الاجتماعية التي ينتفع بها المجتمع كنصب النقاط واصلاح الطرق، وانشاء المستشفيات، وحماية الاطفال، وما ضارع ذلك من الاعمال الجليلة، كاعانة الضعيف، واغاثة الملهوف وغير ذلك من أعمال الخير. وأما اذا توقف عليها النظام والمصلحة العامة فانها واجبة.

4 - الاعمال المكروهة

وكره الاسلام بعض الاعمال، وطلب من المسلم أن يترفع

١٦٠