• البداية
  • السابق
  • 323 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45897 / تحميل: 7729
الحجم الحجم الحجم
العمل وحقوق العامل في الإسلام

العمل وحقوق العامل في الإسلام

مؤلف:
العربية

هو أبعد ما يكون عن النظم الانسانية السامية، فانه نظام ديكتاتوري تتمثل فيه القسوة والعذاب، وتلغى فيه شخصية العامل، ويغدو مجرد آلة دقيقة تعمل في كيان كبير وليس ثمة في وسعه أن يقول أو يطالب بحقوقه العادلة.

وظلت الطبقة العامة تعاني في ظل هذين النظامين من ويلات الاستعباد والاستغلال ما يفوق الوصف دون أن تصل الى شيء من حقوقها رغم أن مجهودها هو الأساس المركزي الذي تبتني عليه المدنية والحضارة.

وهكذا الحال في المبادئ الأخرى الملفقة من هذين النظامين والتي لم تكن لها فلسفة محددة وواضحة يقول (الآن تدرز - و - رينا هسندن) في كتابهما إشتراكية القرن العشرين فالنظريون لا يزالون يستخدمون مصوراً جغرافياً فات أوانه والتجريبيون لم يعودوا يملكون (بوصلة) ترشدهم سواء السبيل إن كليهما يكابد من انهيار فكرة النظامين المطبوعين على التناقض ومن عدم وجود أي بديل فلسفي يلائم روح منتصف القرن العشرين(1) .

____________________

1 - راجع كتاب اشتراكية القرن العشرين ترجمة محمود فتحي عمر.

٤١

وكان من الطبيعي بعد افلاس تلك الأنظمة وانهيارها وعدم استطاعتها على منح العامل حقوقه الكاملة، وعدم ضمانها لما يبتغيه من الرفاهية والكرامة، أن تتوق النفوس الى الاطلاع على نظر الاسلام تجاه العمال ومدى معالجته لمشاكلهم، ومعرفة الحقوق التي منحها لهم، إن الاسلام شرع لهم من الحقوق العادلة على رب العمل وسن لهم الضمان الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي فيما اذا لم تف أجورهم بما يحتاجون اليه. وهي توفر لهم العيش الرغيد وتزيل عنهم كابوس الفقر ولا تبقي أي ظل للبؤس في حياتهم.

ومرت على المجتمع أحداث رهيبة وموجات عارمة وكان أشدها خطراً وأعظمها محنة وبلاء حينما رفع الشيوعيون شعاراتهم وهي تدعو الى أن « المعمل ملك للعامل » وان « الأرض ملك للفلاح » وقد رسموا هذه الشعارات على الجدران في الأزقة والشوارع، وقد استجاب لهذه الدعايات المضللة جمهور من الناس في طليعتهم السذج من العمال، والبسطاء من الفلاحين، والمغرر بهم من التلاميذ والأحداث الذين تلونهم الدعاية حيث شاءت، وأنا على ثقة انهم لا يعرفون التكتيك الشيوعي، ولا يعلمون مدى ما يتذرع به من الخداع والاضاليل.

٤٢

إن هذه الشعارات التي رفعوها لا تمت الى واقع الشيوعية بصلة، ولا تلتقي معها بطريق فان (المعمل ملك الدولة) «والأرض ملك الدولة» والفرد قن مستعبد وملك للمعمل وملك للارض لا يملك من أمره قليلاً ولا كثيراً وليس له إلا الخضوع والانصياع للاوامر التي يتلقاها من الحزب، فان فاه بالمعارضة، أو أبدى التذمر فساحة الاعدام، ولغة الحبل هي التي تواجهه بعد ما ينعت بالتآمر، ويوصف بالقذارة.

ولكن سرعان ما انهار كيانهم، وتحطمت دعاياتهم وظهرت حقيقتهم واضحة لا لبس فيها، ولا غموض ولم يسر في ركابهم إلا من تنكر لدينه ووطنه.

وها نحن نقدم الى القراء دراسة عن العمل، وما جاء في تحديده وتعريفه في اللغة، وفي علم الاقتصاد، كما بينا النظرية الماركسية في تحديد العمل للقيمة، وذكرنا ما يرد عليها من النقوض والاشكالات، وعرضنا بعد ذلك رأي الاسلام الناصع عن العمل وما له من الأهمية البالغة عنده وبينا عرضاً موجزاً لأنواعه التي ذكرتها كتب الفقه الاسلامي، وبعد ذلك ذكرنا حالة العامل في ظل النظامين الرأسمالي، والشيوعي كما بسطنا الكلام في بيان الحقوق الوافرة التي منحها الاسلام للعمال

٤٣

وينبغي ونحن في نهاية التمهيد أن نلفت نظر القارئ الكريم الى أن التشريع الاسلامي كل لا يتجزأ أو وحدة كاملة لا تتبعض فما لم يتحقق كاملاً لا يمكن لنا أن نحقق الازدهار المنشود كما لا يمكن لنا بحال أن نحمل بعض التشريعات على الدين الاسلامي اذا اتفقت معه في بعض الجهات البسيطة واصطدمت معه في النقاط المهمة. وقد توخينا في بحثنا هذا الوصول الى الواقع وخدمة المجتمع، وقد بحثت عن ذلك كله ببحث حر جهد ما توصل اليه تتبعي راجياً من العلي القدير أن يثيبنا على ذلك أنه تعالى ولي التوفيق.

المؤلف

٤٤

٤٥

العمل تحديده وأنواعه

1 - في اللغة

2 - في علم الاقتصاد

3 - النظرية الماركسية

٤٦

إن العمل هو المصدر الوحيد لعمران الأرض واستخراج كنوزها، والوسيلة الأولى لضمان معيشة الانسان، واستقرار حياته فلولا عمله وسعيه في تحصيل معيشته لما أمكن أن يبقى حياً على الكرة الأرضية.

إن الانسان منذ وجد انطلق يعمل كادحاً في تحصيل قوته وسد رمقه حتى الحيوانات تشعر شعوراً ذاتياً بضرورة العمل لعيشها فتراها دائبة مجدة على تحصيل قوتها فلننظر الى أصغر المخلوقات وأعجبها وهي النملة، يقول الامام أمير المؤمنين (ع) في وصفها «وصبت على رزقها تنقل الحبة الى جحرها، وتعدها في مستقرها تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدورها»(1) .

وهكذا ألهم اللّه سبحانه كل ما دب ودرج على هذه الأرض بضرورة العمل لتستقيم الحياة ويتم النظام، ولولاه لما قامت سنة في الكون ولا وجدت معالم الحضارة، ولا حصل الرقي والابداع، وما نهضت الشعوب.

____________________

1 - نهج البلاغة محمد عبده 2 / 139.

٤٧

لقد جعل اللّه الخيرات في سطح الأرض وفي باطنها، وطلب من الانسان أن يسعى لتحصيلها قال اللّه تعالى:( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّ‌زْقِهِ ) وقد قرر علماء الاقتصاد ان الأرض إذا تركت وشأنها أجدبت وأمحلت، ولا تعطي أي ثمرة أو نتاج.

ومهما يكن من أمر فلا بد لنا من شرح حقيقة العمل وبيان ماهيته، فقد عرف بمعان مختلفة، فله في العرف اللغوي معنى، وله في الانظمة الحديثة معنى آخر ولا بد من ذكرها لنتوصل الى نظر الاسلام فيه والى القراء ذلك:

1 - المعنى اللغوي

العمل في اللغة - بالتحريك - المهنة، ويطلق ويراد به الفعل، وزعم بعض أئمتهم أن العمل أخص من الفعل، لأنه الفعل مع المشقة، وقالوا إنه لا ينسب الى اللّه، وقال الراغب العمل كل فعل يصدر من الحيوان بقصده فهو أخص من الفعل لأن الفعل قد ينسب الى الحيوانات التي يقع الفعل منها بغير قصد، والعمل قلما ينسب الى ذلك، ولم يستعمل في الحيوانات إلا في قولهم: «الابل والبقر والعوامل» وقال شيخنا: العمل

٤٨

حركة البدن بكله أو بعضه، وربما اطلق على حركة النفس فهو إحداث أمر قولا كان أو فعلاً بالجارحة أو القلب لكن الأسبق للفهم اختصاصه بالجارحة، وخصه البعض بما لا يكون قولاً، ونوقش بأن تخصيص الفعل به أولى من حيث استعمالهما متقابلين فيقال الأقوال والافعال، وقيل القول لا يسمى عملا عرفاً، ولذا يعطف عليه فمن حلف أن لا يعمل فقال: لم يحنث وقيل التحقيق أنه لا يدخل في العمل والفعل إلا مجازاً(1) .

وذكرت لهذه المادة معان كثيرة واستعمالات متعددة توجد في قواميس اللغة ومعاجمها، والمهم أن العمل موضوع للمهنة، واطلاقه على غيرها أما مجاز أو حقيقة من باب الاشتراك اللفظي ولايهمنا تحقيق ذلك إذ لا يترتب عليه أثر مهم.

2 - في علم الاقتصاد

ولا بد لنا من التحدث عن تحديد العمل وبيان أنواعه في العرف الاقتصادي لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً فيما نحن بصدده عندما نعرض التشريعات الاسلامية في مجال العمل والعاملين والى القراء ذلك:

____________________

1 - تاج العروس 8 - 34.

٤٩

1 - تحديده:

حدد العمل في علم الاقتصاد بأنه العنصر الثاني للانتاج، وهو أثر من آثار الحباة البشرية ومظهر من مظاهر قوتها ومضائها(1) وحدده بعضهم بأنه «كل نشاط يبذله الانسان عن وعي وقصد، ويحس بالألم حين يبذله، وهدفه من ذلك خلق الأموال أي الاشياء التي تشبع الحاجات مباشرة أو بطريق غير مباشر»(2) .

ويتضح من هذا التعريف أن العمل في العرف الاقتصادي يمتاز بخواص ثلاث:

«الأول» أنه مجهود يبذل عن وعي وإرادة «الثاني» أنه يسبب ألماً لمن يبذله «الثالث» انه يهدف الى خلق الأموال ولا بد من بيان هذه الجهات الثلاثة لتتضح لنا حقيقة العمل عندهم.

«الجهة الأولى» الغرض منها - أولاً - أن يكون الجهد المبذول بدافع الوعي والقصد لا بدافع الغريزة فجهد النمل الذي يدأب على الدوام لجمع قوته، وعمل العنكبوت الذي ينسج

____________________

1 - الموجز في علم الاقتصاد 1 - 48 علم الاقتصاد 2 - 41.

2 - دروس في الاقتصاد السياسي: ص 79.

٥٠

بيوته لا يسمى عملاً اقتصادياً لأن هذه الدويبات تبذل جهودها بدافع غريزي - وثانياً - تميز العمل عن الحركات التي يأتي بها الانسان دون أن يسبق قيامه بها تفكير، فالانسان حينما يتنفس مثلاً تقوم أعضاؤه بحركات معينة ينفق الجسم فيها بعض الجهد، وكذلك الشأن في عملية الهضم وغيرها من العمليات الفسيولوجية التي لا إرادة له فيها ولا تفكير وهذا كله لا مدخلية له في مدلول العمل كعنصر من عناصر الانتاج، فالعمل لا بد أن يصدر عن تفكير ووعي وإرادة.

«الجهة الثانية» ان العمل يسبب ألماً ومشقة لمن يقوم به والألم تارة يكون مادياً وأخرى يكون أدبياً وميز الاقتصاديون المتأخرون بينهما (فالألم المادي) هو الاعياء الجسماني والجهد العصبي الذي يحس به الانسان حينما يعمل، فالعامل في المصنع يبذل جهداً عضلياً لانه يأتي بحركات معينة منتظمة طوال مدة العمل، وقد يضطر الى الانتقال من مكان الى آخر وكل هذا يسبب له إعياء جسمياً كما انه قد يقوم بعمل خاص كمراقبة الآلات التي يستخدمها وفحص أجزائها، وكل ذلك الانفاق يسبب أعياء عصبياً كبيراً، هذا هو العنصر المادي للألم، وأما « العنصر الادبي » فالمقصود منه كون

٥١

العامل مضطراً للقيام بالعمل فمن يسوق سيارته الخاصة ليتنزه على ساحل البحر لا يحس بالألم الذي يحسه سائق سيارة الاجرة لان سياقته تعتبر عملاً بخلاف الاول فانها لا تعتبر عملاً وإنما هي رياضة.

ونفى بعض الاقتصاديين دخالة المشقة في حقيقة العمل وذكر أن كثيراً من الاعمال تمارس بنشاط وارتياح كاعمال المخترعين والمولعين بالفنون الجميلة ولكن لا مجال للاذعان لهذا القول فانه مصادم للوجدان، لان كون العمل مشوب بشيء من الكلفة والمشقة أمر محسوس لا يقبل الجدل والانكار.

«الجهة الثالثة» ان الغرض من العمل هو انتاج الاموال ومعنى ذلك أن كل مجهود لا يستهدف هذه الجهة لا يعتبر عملاً بالمعنى الاقتصادي مثلاً الشخص الذي يقضي أوقات فراغه في اصلاح حديقته وترتيبها وغرس أشجارها، لا بداعي انتاج الاموال فان ذلك لا يسمى عملاً عندهم، ولكن لو فرضنا أن عمله هذا يرمي الى قصد الربح والكسب من بيع ما يغرسه في حديقته فان وجه المسألة يتغير، فيكون جهده عملاً لانه ينوي بيع مجهوده وإنفاق ثمنه على إشباع حاجاته.

فالعمل بهذا المعنى لا بد أن يؤدي إلى انتاج الأموال،

٥٢

ومن ثم ذهب علماء الاقتصاد إلى أن الانتاجية أحدى الخواص الاساسية للعمل.

وقد اتضح من بيان هذه الجهات حقيقة العمل وانه منوط بتحققها وتماميتها فان تحققت كان عملاً بالمعنى الاقتصادي وإلا فلا.

2 - أنواعه

ينقسم العمل عند الاقتصاديين إلى أنواع ونظراً لما فيها من مزيد الفائدة، فلا بد من التعرض لها - ولو إجمالاً والى القراء ذلك:

(أ) العقلي

الاعمال العقلية وهي التي يكون المجهود الاساسي فيها تفكيرياً كاعمال العلماء والمخترعين والمهندسين، وقد أصبح من الثابت ان الاعمال العقلية قد تكون لها من النتائج في تطوير الحياة اكثر مما تكون للاعمال العضلية، وانها تنتشر بمقدار ما تنتشر الحضارة بل هي المصدر الاساسي في تقدم الحياة وتطوير شؤونها فقد عملت المخترعات الحديثة لخدمة الانسان وقللت من مجهوده العضلي، واراحته من الارهاق والعناء الذي ألم به منذ أقدم العصور كما فتحت له آفاقاً بعيدة في ميادين

٥٣

الانتاج والتطور.

(ب) العضلي.

الاعمال العضلية هي التي تكون علاقة الجسم فيها اكثر من علاقة الفكر وليست منفصلة عن الفكر تماماً إذ من المستحيل أن تكون الاعمال عضلية صرفة لا إشراف للعقل عليها لان حركات الجسم لا تحصل من نفسها بل تحتاج الى ادارة العقل واشرافه عليها، وهي تارة تحتاج الى تعلم وممارسة لاجل تحصيل القابلية عليها كالسياقة والاعمال الميكانيكية، وأخرى لا تحتاج الى ذلك كقطف الازهار وما شابهه من الاعمال الاخرى.

والعمل العضلي متشعب الانواع مختلف الالوان، قد مارس الناس كل صنف منه، ولولا ذلك لما استقامت الحياة وما أمكن أن يعيش الانسان وعلينا أن نشير اليها.

1 - الصناعة الاستخراجية:

وتعنى هذه الصناعة باستخراج المواد اللازمة للبشر من خزائن الطبيعة، وهي تتحرى المواقع والمحال التي توجد فيها المواد التي أعدتها الطبيعة - بنتيجة التحولات والتبدلات التي طرأت على الكائنات منذ قديم العصور حيث تعمل على استخراجها

٥٤

سالكة في ذلك أسهل السبل وأهون الوسائل مع بذل أقل النفقات.

ويقف عمل هذه الصناعة عند هذا الحد ولا يتجاوزه، فهي لا تضيف ذرة الى المواد الموجودة في الطبيعة، ولا تزيد عليها مهما اتسعت دائرة علومهم ومعارفهم، ومهما تعاظمت مقدرتهم في التغلب على نواميس الطبيعة، وتختص هذه الصناعة باستغلال الغابات والمناجم، وصيد السمك والطير وأمثال ذلك من المواد.

2 - الزراعة.

وتعنى الزراعة بالحصول على المواد الأولية والغذائية من الأرض، وعمل الانسان فيها هو حراثته للارض، وتقويتها بانواع الاسمدة الطبيعية أو الكيمياوية، ونثر البذور، وإجراء الماء في السواقي وغير ذلك إلا أن التأثير في ذلك للّه تعالى فالانسان مهما أوتي من قوة لا يتمكن أن يتغلب على الآفات والطوارئ التي تعترض المزروعات.

وكانت الزراعة في العصور الأولى تجري تبعاً للقواعد المكتسبة من التجارب والاختبارات البسيطة ولكنها أصبحت في هذا العصر من العلوم الواسعة التي لها النصيب الوافر في

٥٥

تطوير الحياة.

3 - الصناعة التحويلية.

وتعنى هذه الصناعة بتحويل المواد الأولية الى أشكال متنوعة نافعة للانسان وسادة لحاجته، ويدخل في عداد هذه الصناعة انشاء المباني لأن الاعمال المبذولة في هذا الشأن تعود الى جمع المواد الأولية الكثيرة وتأليف بعضها مع بعض.

إن مجال العمل في الصناعات التحويلية واسع جداً، فان جميع الاشياء التي نشاهدها حولنا هي من محصول هذه الصناعة، ويندر جداً استعمال المواد على حالتها الساذجة التي كانت عليها وهي في جوف الطبيعة بل يحول جلها الى اشكال أخرى غير الشكل الذي كانت عليه في حالها الطبيعي.

لقد كان لهذه الصناعة أعظم التأثير في حياة الانسان خصوصاً في هذا العصر فقد أخرجت هذه الصناعة من الامتعة ما لا يعد ولا يحصى، وأخذت في تشغيل العدد الوافر من العمال الأمر الذي نجم منه اضطراب حياة العمال وتفاقم مشاكلهم مما اضطر رجال الفكر الى وضع القوانين وسن المناهج لاصلاح حياة العامل والمطالبة بحقوقه.

٥٦

4 - الصناعة النقلية:

تقوم الصناعة النقلية باعمال جسيمة في بناء الحياة العامة فهي التي توجد الأسواق والمنافذ اللازمة لتحصيل الصناعات ومنتجاتها كما انها تساعد على نشرها وتوزيعها في جميع أنحاء المعمورة وتعميمها بين أجناس البشر وطبقات الناس، ولولاها لظلت منافع الصناعات التحويلية والزراعية محصورة في محال صنعها ولكن الصناعة أعانت على نقلها الى انحاء البلاد الامر الذي أوجب زيادة الانتاج وتوسيع نطاقه.

والمهام الرئيسية التي تقوم بها هذه الصناعة - أولاً - نقل المواد المستخرجة أو المستغلة من المحال التي استخرجت منها أو استغلت فيها الى المحال التي تصنع فيها أي تحولها الى اشكال نافعة - ثانياً - نقل المصنوعات والمنتجات الى الانحاء التي تروج فيها تلك البضاعة - ثالثاً - نقل الاشخاص والاموال والمراسلات وغير ذلك. وتقوم باعباء هذه الاعمال وسائط النقل كالسيارات والبواخر والقطارات وغيرها.

5 - الصناعة التجارية:

وتعنى هذه الصناعة بجمع المحاصيل والمنتجات في المنطقة التي تكثر فيها وترسلها الى الانحاء التي تقل فيها كما انها في

٥٧

نفس الوقت تعمل على حفظها وادخالها في إبان وفرتها، ثم تخرجها الى الاسواق في أوان ندرتها، وتيسر بذلك تناولها على الراغبين فيها.

ويقوم أصحاب هذه الصناعة بمهام لا تقل عناء عن بقية الأعمال الأخرى فانهم لا يتمكنون على نيل الارباح إلا ببذل المزيد من الجهود والمشاق. فهم في سعي متصل في البحث والاستقراء عن أسعار المحاصيل والمنتجات في جميع الاسواق، والوقوف على الوسائل التي يستخدمها المنافسون لهم.

إن الذين يقومون بصناعة التجارة لا يألون جهداً في التنقيب عن المصادر المختلفة التي تنتج المحصولات والمصنوعات وجلبها لعرضها في الأسواق، فان المنتج للسلعة لا يعلم أين تروج منتجاته كما ان المستهلك لها لا يظفر بما يحتاج اليه إلا بعد جلبها الى الأسواق وبذلك فقد قام أصحاب هذه المهنة بخدمة المنتج والمستهلك حيث ان المنتج يهمه تصريف منتجاته باسرع وقت ليتمكن من المواظبة على أعماله الانتاجية بانتظام، وعلى المستهلك مؤنة الانتظار لانه يجد حاجته جاهزة حين الطلب فيتناولها من دون كلفة أو عناء، ولا يتكبد في سبيلها سوى ما يضيفه التاجر من الربح القليل.

٥٨

ومن المعلوم أن هذه الجهود الشاقة التي تبذل في هذه الصناعة لا تقل عن الجهود المبذولة في صنع العمل وانتاجه فكيف يصح ان تعد أصحاب هذه الصناعة متطفلين على المجتمع وسارقين لأموال العامل كما يدعي ذلك كارل ماركس وزمرته من الشيوعيين والمذاهب المتطفلة الأخرى الذين اعتبروا أن أصحاب هذه المهنة أعداء الشعب ويجب القضاء على ثرواتهم ونهب أمتعتهم والتنكيل بهم وإرهاقهم في جميع المجالات، ان الذي يدفعهم الى ذلك هو الحقد البالغ على جميع الطبقات.

6 - المهن الحرة:

وتعنى هذه المهن بخدمة الانسان والمصلحة العامة، وهم كالمهندسين والاطباء والمحامين والمعلمين وأرباب الفنون فانهم يقومون بأسمى الخدمات العامة للانسان فالاطباء والصيادلة يقومون بالمحافظة على المصلحة العامة، ومداواة العلل والامراض وازالة العاهات ومقاومة الاوبئة الفتاكة، والحيلولة دون سرايتها وفتكها بالمجتمع، كما يقوم المحامون باحقاق العدل وإنقاذ الحق، وفصل الخصومة، ولا تقل أعمالهم من أعمال الاطباء من حيث النفع والفائدة للمجتمع، وكذلك يقوم المخترعون بخدمة الحياة العامة فان القيمة المادية لمخترعاتهم تضاهي نتاج أعمال المئات من أصحاب

٥٩

الصناعات، فان جميع ما نشاهده اليوم من آثار الرقي والتقدم إنما هو من آثار المكتشفين والمخترعين، وقد عد بعض علماء الاقتصاد أن اعمال هؤلاء من جملة العوامل الاصيلة في الانتاج.

7 - الخدمات الشخصية:

ويعنى أرباب هذه المهنة بالقيام بكل ما يلزم من الاعمال لمعاونة أرباب الصناعات والمهن الذين مر ذكرهم في إدارة شؤونهم الشخصية والمنزلية، وما تقتضيه تكاليف حياتهم، وهم كالفراشين وسائقي السيارات الخاصة، وخدم المنزل وغيرهم فان خدماتهم توفر على أرباب الصناعات المختلفة وذوي المهن الحرة أوقاتهم الثمينة من أن تبذل في مثل هذه الاعمال البسيطة.

هذا مجموع ما ذكره الاقتصاديون من أنواع الاعمال والصناعات(1) .

وقد تعرض للبحث عنها على نحو التفصيل أحد مؤسسي المدرسة التقليدية في علم الاقتصاد، وذكر النتائج الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك، كما تعرض لها آدم سميث وغيره ممن تقدمه(2) .

____________________

1 - علم الاقتصاد 2 - 53 - 84.

2 - دروس في الإقتصاد السياسي: ص 96.

٦٠