أدب الطف الجزء ٩

أدب الطف0%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 363

أدب الطف

مؤلف: العلامة السيد جواد شبر
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 363
المشاهدات: 121625
تحميل: 6601


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 121625 / تحميل: 6601
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

تحمل بالرغم على وجهها

عقاربا ليست بلساعه

جاهلة بالوقت كم عرّفت

أثلاثه الوقت وأرباعه

وان تكن تحملها ساعة

يسألك الناس عن الساعه

وله مساجلات شعرية ومراسلات أدبية مع الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي والشيخ جواد الشبيبي والسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم ومن روائعه وبدائع غزله قوله:

قلبي بشرع الهوى تنصر

شوقاً إلى خصره المزنر

كنيسة تلك أم كناس

وغلمة أم قطيع جؤدر

وكم بهم من مليك حسن

جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنود

تظفر بالفتح حين تكسر

ورب وعد بلثم خد

جاد به بعدما تعذر

سقاه ماء الشباب حتى

أينع نبت العذار وأخضر

عرّفه لام عارضيه

عليّ لم بعدها تنكّر

هويت أحوى اللثاث ألمي

أهيف ساجي الجفون أحور

كالليث والظبي حين يسطو

وحين يعطو وحين ينظر

عناي منه ومن عذولٍ

يهجر هذا وذاك يهجر

هل ريقه الشهد قلت أحلى

أو وجهه البدر قلت أنور

صغّره عاذلي ولما

شاهد ذاك الجمال كبّر

والقصيدة كلها على هذا الروي والرقة. وقال في فتاة اسمها ( شريعة ).

هذي شريعة في تدللها

ظنّت على العشاق في قُبله

يا ليت شعري أين قولهم

إن الشريعة سمحة سهله

وله مداعباً بعض الشيوخ:

تزوج الشيخ على سنّة

جاريةً عذراء تحكي الهلال

قلت له دعني افتضّها

ما يفتح الباب سوى ابن الحلال

٢٦١

وقال ملغزاً باسم أمين:

وبمهجتي من قد تسلّم مهجتي

نقداً وألوى بالوصال ديوني

عجباً لقلبي كيف ضاع وإنني

أودعته في الحب عند ( أمين )

ومن نوادره:

تولّى أصفهان أمير جور

ولم يعزله إكثار الشكاية

فأظهر في الولاية كل جور

إلهي لا تمته على الولايه

وله غير هذا كثير وقد كتب بقلمه ترجمته بطلب من العلامة الشيخ محمد علي الأورد بادي وفصّل فيها مراحل حياته بصورة مقتضبة وذكر فيها أنه سيفرد كتاب عن حياته وذكرياته بعنوان: أنا والأيام.

٢٦٢

الشيخ عبد الله معتوق

المتوفى 1362

غليل فؤادي لا يبردُ

ونار الجوى منه لا تخمدُ

وقلبي من الوجد لا يستريح

وعيشي ما عشت لا يرغد

لذكرى مصاب رمى العالمين

بحزن مدى الدهر لا ينفد

مصاب الحسين ابن بنت النبي

ومن هو في العالم المرشد

مصاب اصيبت به المكرمات

أصيب به المجد والسؤدد

أصيب به الدين دين الاله

اصيب به المصطفى أحمد

اصيب به المرتضى حيدر

وفاطم والحسن والامجد

اصيب به الأنبياء الكرام

قديماً فحزنهم سرمد

فمن سائل دمعه بغتة

ومن واجدٍ قلبه مكمد

الشيخ عبدالله بن معتوق القطيفي، هو العلامة الحجة المتولد في بلاد آبائه وأجداده ( تاروت ) حدود سنة 1274 ه‍. من قرى القطيف. تتلمذ على والده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1295 ه‍. فدرس على فطاحل العلم حتى حصل على اجازة اجتهاد من الحجة السيد الكبير السيد أبو تراب وهناك اجازات من علماء آخرين.

كانت بلاد القطيف طوال رحلته إلى النجف تنتظره بفارغ الصبر ليكون المرشد والموجّه فطلع عليها كطلعة الهلال فساسها بخلقه وسماحة نفسه وأصبح

٢٦٣

الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل وعلى يده تنتهي المنازعات ثم هو القدوة لهم في الأخلاق والآداب والكمالات وعلى درجة عالية من العبادة والتقوى. ترجم له في شعراء القطيف وذكر نماذج من أشعاره.

آثاره العلمية، كتب في الفقه حاشية على العروة الوثقى، ورسالة في علم الهيئة. كانت وفاته غرة جمادى الاولى ليلة الخميس سنة الثانية والستين بعد الثلثمائة والألف من الهجرة عن عمر قارب التسعين عاماً. اقيمت له الفواتح وأبّنه الشعراء والخطباء.

جاء في أنوار البدرين: ومن شعراء القطيف العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبدالله ابن المرحوم معتوق التاروتي، من الأتقياء الورعين الأزكياء، زاهداً عابداً تقياً ذكياً، قرأ رحمه الله في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب علمي النحو والصرف، كما قرأ عند شيخنا العلامة ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان ثم انتقل إلى كربلاء واستقل بها وهو من العلوم ملآن إلى هذا الآن، له بعض التصانيف، على ما سمعت - ومن جملتها رسالة في الشك اسمها ( سفينة المساكين ) وهو كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن، وقد اجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم، أدام الله توفيقه وسلامته وأفاض عليه أمداده ورعايته، ومن شعره في الرثاء:

لا مرحباً بك يا محرم مقبلا

بك يا محرم مقبلا لا مرحبا

فلقد فجعت المصطفى وأسأت

قلب المرتضى والمجتبى بالمجتبى

وتركت في قلب الزكية فاطم

ناراً تزيد مدى الزمان تلهبا

لله يومك يا محرم أنه

أبكى الملائك في السماء وأرعبا

وأماط أثواب الهنا من آدم

فغدا بابراد الأسى متجلببا

حيث الحسين به استقل بكربلا

فرداً تناهبه الأسنة والظبا

من عصبة قدماً دعته لنصره

فعدت عليه عداوة وتعصبا

فهناك جاد بفتية جادت بأ

نفسها وجالدت العدى لن تذهبا

٢٦٤

فترى إذا حمى الوطيس قلوبها

أقسى من الصخر الأصم وأصلبا

فالوعد أعرب عن طراد عرابها

والبرق عن لمع البوارق أعربا

وغدت تنثر من امية أرؤساً

ولها السما رعباً تنثر أشهبا

وتعانق البيض الصفاح ولم ترد

منها سوى ورد المنية مطلبا

حتى إذا حان القضاء وغودرت

صرعى على تلك المفاوز والربى

أمسى الحسين بلا نصير بعدها

والقوم قد سدوا عليه المذهبا

ساموه ان يرد المنية او بأن

يعطي الدنية والابي بذا ابى

فغدا يريهم في النزال مواقفاً

من حيدر بمهند ماضي الشبا

لله صارمه لعمرك أنه

ما كل يوماً في الكفاح ولا نبا

من ضربه عجبت ملائكة السماء

من فوقه ويحق أن تتعجبا

بالله لو بالشم همّ تهايلت

دكاً وصيرها بهمته هبا(1)

ومن شعره في الرثاء:

يا ذوي العزم والحمية حزما

لخطوب دهاكم أدهاها

فلقد أصبحت أميمة سوء

ثوبها البغي والرداء رداها

جدعت منكم الانوف جهاراً

فاشتفت إذ بذاك كان شفاها

فانهضوا من ثراكم واملأوا الأر

ض جياد العتاق تطوي فلاها

وأبعثوا السابحات تسحب ذيلا

من دلاصٍ لكم برحب فضاها

وامتطوا قُبّها ليوم نزال

وانتضوا من سيوفكم أمضاها

لستُ أدري لمَ القعود وبالطف

حسينٌ أقام في مثواها

ألجبنِ عراكم أم لذلٍ

أم لخوفٍ من الحروب لقاها

لا وحاشاكم وأنتم إذا ما

ازدحمت في النزال قطب رحاها

إن زجرتم بأرضها العرب غضباً

أعربت عن زجير رعد سماها

أو تشاؤن خسفها لجعلتم

بالمواضي علوّها أدناها

__________________

1 - عن الديوان المطبوع في النجف الأشرف.

٢٦٥

أفيهنا الرقاد يوماً اليكم

وامي أتت بظلم تناها

فلعمر الورى لقد جرّعتكم

كربلا كأس كربها وبلاها

يوم أمسى زعيمكم مستضاماً

يصفق الكف حائراً بفلاها

حوله فتية تخال المنايا

دونه كالرحيق أُذبلّ فاها

وترى الحرب حين تدعى عروساً

خطبتها الصفاح ممن دعاها

ولها الروس إذ تناثر مهر

وخضاب الأكف سيل دماها

ما ثنت عطفها مخافة موت

لا ولا استسلمت إلى أعداها

لم تزل هكذا إلى أن دعتها

حكمة شاء ربّها أمضاها

فثوت كالبدور يتبع بعضاً

بعضها أُفلا فغاب ضياها

وبقي مفرداً يكابد ضرباً

بعدها من أمية شبل طاها

بأبي علة الوجود وحيداً

يصطلي في الحروب نار لظاها

إن غدا في العدا يكر تخال

الموت يسعى أمامه ووراها

حالف المشرفيّ أن لا يراه

في سوى الروس مغمداً إذ يراها

وحمى دينه فلما أتته

دعوة الحق طائعاً لبّاها

فرماه الضلال سهماً ولكن

حل في أعين الهدى فعماها

فهوت مذ هوى سماء المعالي

وجبال المهاد هدّ ذراها

أد لهمّ النهار وانخسف البدر

ونال الكسوف شمس ضحاها

بأبي ثاويا على الأرض قد ظلّ

لهيب الفؤاد في رمضاها

ما له ساتر سوى الريح منها

قد كساه دبورها وصباها

وبنفسي حرائراً ادهشت من

هجمة الخيل بعد فقد حماها

برزت والفؤاد يخفق شجواً

حسرها بعد خدرها وخباها

بيدٍ وجهها تغطيّه صوناً

وبأخرى تروم دفع عداها(1)

__________________

1 - رياض المدح والرثاء.

٢٦٦

الشيخ جواد الشبيبي

المتوفى 1363

قال يرثي الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء:

أما آن أن تجري الجياد السوابق

فتندك منها الراسيات الشواهق

بعيدات مهوى اللجم يحملن فتية

عليهم لواء النصر بالفتح خافق

تطلّع فيها قائم بشروطها

إذا عارضتها بالوشيج الفيالق

ثوابت يجريها شوارق بالدما

وكيف تسير الثابتات الشوارق

جرى الأمر أن تبقى لأمر حبائساً

إلى أمدٍ إن يقض فهي طلائق

حرام عليها السبق إن هي أزمنت

رباطاً وصدر الدهر بالجور ضائق

خفاءً وليّ الأمر ما إن موقف

تسلّ به منك السيوف البوارق

دع البيض تُنشي الموت اسود في الوغى

بها من دم القتلى المراق طرائق

ذوابح إلا أنهن أهلّة

صوائح إلا أنهن صواعق

رقاق تعلّقن الطلى فكأنما

لها عند أعناق الكماة علائق

زهت ظلمات الحرب منها بأنجم

يشق بها فجر من الضرب صادق

سقت شفق الهيجاء أحمر أمرعت

به من رؤوس الناكثين شقائق

٢٦٧

شقائقها في منبر الهام أفصحت

وما أفصحت عند الهدير الشقاشق

صِل النصل بالنصل المذرب مدركاً

تراثٍ لها بيضاً تعود المفارق

ضحى وقعة بالطف جلّت ودكدكت

مغاربها من هولها والمشارق

طوائحها قد طوّحت بملمةٍ

على مثلها تقذى العيون الروامق

ظلام مثار النقع فيها سحابة

دجت وحراب السمهريات بارق

عفت صاحب الخطب الطروق منازلاً

لآل عليٍّ لم تطأها الطوارق

غدت ابن حرب شبّ حرباً تسجّرت

به حرمات الوحي وهي حدائق

فجاء بها تستمطر الصخر عبرة

ومن وقعها يلوي الشباب الغرانق

قضى ظمأ فيها الحسين وسيفه

بدا بارق منه وأرسل وادق

كفى الطير أن ترتاد طعماً وكفّها

بأسرابها أنى استدار خوافق

له الصعدة السمرا فقل قلم القض‍

جرى بالمنايا والصدور المهارق

مضى ومضى أصحابه عاطري الثنا

ومصرعهم بالحمد لا الندّ عابق

نحو وجهة الموت الزؤام بأوجه

وضاحٍ لها تصبو النبال الرواشق

هموا مذ قضوا عادت بنات محمد

قلائدها مبتزّةً والمناطق

ينُحنَ ولا حامٍ ويعطفن هتّفاً

بكل محام فيه تحمى الحقائق

الشيخ جواد الشبيبي شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد، الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر البطايحي الشهير بالشبيبي الكبير من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته.

ولد ببغداد في شهر شعبان عام 1284 هـ(1) وتوفي أبوه وعمره اسبوع وكان والده من الشخصيات المرموقة ببغداد، فانتقلت امه بمولودها إلى النجف بجنب الاسرة وهي بنت الشيخ صادق أطيمش وهو من المشهورين بالفضل والعلم وله ضياع في قضاء الشطرة ويقضي أكثر أيامه هناك فكان ينتقل بسبطه

__________________

1 - ويقول الشيخ السماوي في الطليعة انه ولد سنة 1280 ه‍. كما أخبره المترجم له نفسه.

٢٦٨

إلى هناك في كل سفراته ويحدب عليه ويغذيه، وساعدته مواهبه الفياظة فبرع بالشعر والأدب ومختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أن توفي جده عام 1296 ه‍. وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره قال عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال: قبلة الأدب التي تحج وريحانته التي تشم ولا تزج، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم، عاشرته فوجدته حسن العِشرة مليح النادرة صافي النية حلو الفكاهة قوي العارضة مع تمسك بالدين والتزام بالشرع، وذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال: عالم فاضل وأديب كامل، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه ( اللؤلؤ المنثور ) وديوان شعره، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين: التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول، وقد داعب جماعة من أعضاء ندوته منهم الشيخ ابراهيم أطيمش لما تزوج زوجة بالإضافة إلى زوجاته السالفات وكان في السبعين من عمره، بعث الشيخ له قصيدة أولها:

صواهل ما بلغن مدى الرهان

فدى لك أولٌ منها وثان

وتلاه الحجة الكبرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الموسوي حيث قد تزوج وهو ابن السبعين وتلاهما زعيم النجف الديني الشيخ جواد الجواهري ثم الشيخ جواد عليوي وكلهم قد تجاوزوا السبعين في أعمارهم فكتب المترجم له إلى الأخير منهم وقال:

٢٦٩

( جوادك ) من بعد الثمانين صاهل

فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول

وسائلة ماذا تحاول نفسه

فقلتُ لها فتح الحصون تحاول

فقالت أبا السيف الذي هو حامل

وما سيفه في الروع إلا حمائل

ثقيل حديد العضب تبكى لضعفه

حراب العوالي والحداد المناصل

ومن عجب أن الصياقل لم تكن

تعالجه بل عالجته الصيادل

وعند اقتران الثاني من هؤلاء الاعلام كتب لسماحة الشيخ عبد الرضا آل راضي:

أتاك الصاهل الثاني

يباري الصاهل الأول

كلا الطِرفين لم يعثر

وإن خبّ على الجندل

ولكن طرفنا استعصى

على السائس فاسترسل

أردنا منه إمهالاً

عن الوثبة فاستعجل

وقال يداعب الآخر منهم:

أُهنّي الشرع والشارع

بهذا الصاهل الرابع

ثلاثون لتسعين

فأين القدر الجامع

ومن مداعباته لأحد زملائه وكان في رأسه قرع وهو الشيخ عبد الحسين الجواهري والد محمد مهدي الجواهري قال:

لك رأس مرضع ومدبّج

دوحة الجسم أنبتت فيه بستج

روضة تنبت الشقائق فيها

جلناراً وسوسناً وبنفسج

قد قرأنا حديثه من قديم

فوجدناه عن جعود مخرّج

خطّ ياقوت فيه جدول تبر

نقطوه من قيحه بزبردج

فوق كافوره من الشعر مسك

كل من شمّ نشره يتبنّج

فيه بحر للقار من ظلمات

ضرب الشف يمّة فتموج

أرضه عسجد وحصباه درٌ

لو أُزيلت أصدافه لتدحرج

٢٧٠

كم بموسى الحجام عاد كليما

صعقاً خرّ بالدماء مضرج

لو على ابن الهموم ضاق خناق

وكشفنا عنه لقلنا تفرج

عمموه بلؤلؤ وعقيق

فهو ملك معمم ومتوّج

وهو وادي العقيق كم جمرات

عنه ترمى معصومة ساعة الحج

موقد شعلة كعلوة عمرو

من سناها نار البروق تأجج

ذو بيان لو خاصم الجمر فيه

لانطفا حرّه وباخ وأثلج

وأديب لا بابلي ولكن

فمه في فم المقبّل قد مج

أنا ضام ولم أرد نهر فيه

حيث فيه من العوارض كوسج

وسمعت الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء يتحدث عن شاعرية الشبيبي الكبير ويقول كنا بصحبة والدي الهادي في شريعة الكوفة واتخذنا المسجد مقراً لنا فزارنا الشيخ الجواد وكان نازلاً على النهر فشكونا عدم وجود حليب البقر، والطبيب يوصي باستعماله فقال الشيخ: إنه متوفر بالقرب منا وأخذ يرسل لنا كل يوم زجاجة مملوءة وكان يختم رأسها ببطاقة فيها قصيدة من نظمه.

وكتب للعالم الجليل الشيخ أحمد كاشف الغطاء على سبيل المداعبة:

يمن لذاتك بيت من علاً سمكا

صيّر غداي غداة الاربعا سمكا

وخصّني فيه فرداً لا يشاركني

سواك، فالنفس تأبى الشرك والشُركا

أما اعتبرتَ بهم يوم الهريسة مذ

ألقوا أناملهم من فوقها شَبَكا

قالوا لنا سرر البُنيّ نقسمها

ما بيننا والبقايا والجلود لكا

وسمك ( البُنيّ ) هو المفضّل من الأسماك في شط الفرات وموضع السُرّة منه أطيب المواضع.

وفي مجلس ضمّ نخبة من الادباء العلماء وهم الشيخ الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصبهاني والشيخ هادي آل كاشف الغطاء والسيد جعفر الحلي صاحب ديوان ( سحر بابل ) وفي يد أحدهم كتاب ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه إذ مرّت

٢٧١

فقرة من كلام العرب وهي: نظرت بعيني شادنٍ ظمأن. فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع في جعل هذه الفقرة مطلع قصيدة، فاستهلها لسماحة الشيخ الهادي بقوله:

نظرت بعيني شادن ظمأن

ظمياء بالتلعات من نعمان

فقال سماحة الشيخ الشبيبي:

وتمايلت أعطافها كغصونها

ما أشبه الأعطاف بالأغصان

وقال السيد جعفر الحلي:

وشدا بذاك الربع جرس حلّيها

فتمايلت طرباً غصون البان

وتبعهم سماحة الشيخ الأصفهاني بقوله:

هيفاء غانية لها من طرفها

أسياف غنج فقن كل يمان

وإذا هي قصيدة عامرة في 56 بيتاً مثبتة بكاملها في ديوان سحر بابل.

وقال:

لا أكثر الله من قومي ولا عددي

إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي

لي قاتلٌ فوق خدّيه دمي وله

حُكمٌ يُخوّله أنّ القتيل يدي

وخادعٍ جاء فتّاناً بنغمته

حتى استقرّ فكانت زأرةُ الأسد

مُصفدي بقيود لا فكاكَ لها

واضيعةَ النفس بين القيد والصَفد

حسا البحارَ وفي أحشائه طمعٌ

إلى امتصاص بقايا النزرِ والثمد

واستوعبَ الماء لا من غُلةٍ وظماً

وصاحب الماء ظمآن الفؤاد صدي

* * *

البس لخصمك - إن لاقاك مفترساً-

مطروقةَ الصبر لا منسوجةَ الزرد

فها هي النثرةُ الحصداء تخرقها

يد القوي التي تعي عن الجلد

وقل لشعبك يجمع شمله لعلاً

فلا تُنال العلا في شمله البدد

٢٧٢

ولينتفض من غبار الموت متحداً

فالموتُ أولى بشعب غير متحد

سرّ التقدم أن القومَ سعيهم

لغاية وحدوها سعيَ منفرد

إجعل لنفسك من معقولها عُدداً

فعُدة العقل كم تأتي على العدد

قد ضعّف الحق مَن تُطوى طويته

على البغيضين، سوء الخُلق والحسد

ركّن مقرّك تأمن كل قارعة

إن العواصفَ لا تقوى على أحد

وذُمّ كل فرار من مبارزةٍ

إلا فرارك من غيٍّ إلى رشد

لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجلٌ

إن لم يكن لصلاح الشعب والبلد

أحلى الحديث حديثٌ قال سامعُه

لمجتليه اسقني مشمولَه وزِد

شتان بين خطيبي أمةٍ خَطبا

سارٍ على القصد أو ناءٍ على الصدد

هذا يجيء بزُبد القولِ ممتخضاً

وذاك يجمعُه من ذاهب الزَبَد

* * *

يا من يسودُ قبيلا وهو سؤدده

أسدد طريقَ العلا من هظمه وسُد

واختر رجال المساعي الغر مدخراً

منهم بيومك هذا معقِلا لغد

وارصُد بهم من كنوز السر أثمنها

فقد تباح إذا أمست بلا رصد

إن الرجال دنانيرٌ وأخلصها

من كذّب السبكُ فيه قول منتقد

ولا يغرنّك من تحت الردا جسدٌ

فالمرء قيمتُه بالروح لا الجسد

لا يكسب الطوق حسناً جيد لابسه

وإنما حسنه الذاتيّ بالجيد

والناس كالنبتِ منه عرفجٌ وكباً

والشعر كالناس منه جيّدٌ وردي

والشعر كالسحر في مهد الخيال معاً

تجاذباً حلمةً واستمسكا بثدي

لكنما السحر مطبوعٌ على عُقَد

والشعر مطبوعه الخالي عن العُقَد

* * *

كان الضعيف إذا مدّ القوي يداً

لظِلمه ردّها مدفوعةً بيد

واليوم ظلّ ضعيف القوم مضطهداً

وارحمتاه لمظلومٍ ومضطهد

كم شجّة أوضحته وهو معتدلٌ

كما تعاقبَ طُرّاق على وَتد

ببيت مضطرباً في موطن قلق

كأنه زئبقٌ في كفّ مرتعد

٢٧٣

وقال أيضاً:

بكّر على صيدك فالوقت فرص

ولا تجئ في أُخريات مَن قنص

وابتدع الآثار يُقفى نهجها

فخير آثار الفتى ما يُستقص

واجعل لهذي النفس منك قوةً

يمكنها الصبر على صاب الغصص

ولا تقل كان أبي فإنما

حديثه الماضي أساطير قصص

إعمل فما بعد الصبا من عمل

والبدر إما بلغ التمّ نقص

إذا تكاسلت فما تربح سوى

ما تترك الموسى بعارض الأحص

وطامع لم تكفه جفنته

وكم ذبيح في حواشيها فحص

تطاحنت محالك الدنيا له

وقسّمت من أجله تلك الحصص

فهل تراه قانعاً أم أنه

يثرد قرص الشمس مع تلك القرص

فلا يلومنّ سوى لهاته

من جاوز المقدار في المضغ فغص

ما أجهل الإنسان اما تستوي

بلاجة الوجه لديه والبرص

* * *

مَن لي من الفتيان بابن حرةٍ

ما نكّس البند ولا يوماً نكص

يفتح للقتام عينَ أجدل

كأنما العثير كحل للرمص

إن تدعه لبّاك منه ناشيء

قد نشر الوفرة بعد ما عقص

يقطع بالرأي وريد خصمه

وقوله في موقف الأحكام نص

يا ربة الفسطاط:

تسافل الصدق بأرقى العصور

واحتجب الحق بعهد السفور

وانتشر الرعب بهذا الفضا

فكل يوم هو يوم النشور

واشتمل الدهر حداد الأسى

مذ عوفي الحزن ومات السرور

فوادح عمّت فأضحت لها

جداول تعمى وعين تغور

وصوّحت أرياف هذي الدنا

فأين - لا أين - رياض الزهور

وانتبه الفاجرُ من نومه

إلى الدعارات ونام الغيور

٢٧٤

وباغت الخلق انعكاس ولا

يعتدل العيش بعكس الامور

صدور قوم أصبحت في القفا

وأظهر حلّت محلّ الصدور

لا يفخر الداني إذا ما علا

إن اللباب المحض تحت القشور

* * *

آلفة القبة أين الخبا،

وربة الفسطاط أين الخدور

طبعك طبع الريم لو أنه

دام على عادته في النفور

لكنما نسمةُ هذا الهوى

ما قويت إلا لرفع الستور

لا ترفعي الرُقع في موكب

وجهك فيه يا ابنة العرب ( نور )

ولا تزوري في الدجى جارة

ففي غواشي الليل إفك وزور

بلادك:

بلادك إنها خير البقاع

فقم ثبّت بها قدم الدفاع

بلادك أرضعتك العز فاحفظ

لها حق الامومة والرضاع

بلادك أصبحت لحماً غريضاً

تمطق فيه أشداق السباع

فقل للضاريات ألا اقذفيه

ففي أوصاله سمّ الأفاعي

أرى ضرماً وليس له لهيب

وهل نار تكون بلا شعاع

وأنسمة يسبل السمنُ منها

توزع بين أفواه جياع

وقطعانا تلاوذ وهي سغب

وتمنع عن مداناة المراعي

فما زالت على فزع ورعب

تفرّ من الذئاب إلى الضباع

نظرنا في السياسة فاجتهدنا

وخضنا في القياس وفي السماع

فألفينا بحيرتها سَراباً

يحوم الوهم منه على التماع

إذا كالت فقيراط بصاع

أو اكتالت فقنطار بصاع

٢٧٥

ومن روائعه قوله:

يا ما طل الوعد ما هذي الأساطيرُ

زادت على السمع هاتيك المعاذير

العدل منك سمعناه ولم نره

والجور منك أمام العين منظور

إن قلت عصري عصر النور مفتخراً

فظلمة الظلم ما في فجرها نور

وهل يفيد جمال الوجه ناظره

والبرقع الدكن فيه الحسن مستور

أفراد قومك عاشوا عيشة رغداً

وما دروا أنها ماتت جماهير

بيوتهم من بيوت الشعب مدخلها

ومن عمايره تلك المقاصير

تمسي سواءً لو أن الحال أنصفها

لكنما هي مهدوم ومعمور

أقول للغرف اللاتي ستائرها

لها بمسح جبين الشمس تأثير

تواضعي واعرفي قدر البُناة فمن

صنايع الشعب رصتك المقادير

فأين ما ثبت البانون من أُطم

وأين ما شاده كسرى وسابور

هذا الخورنق مطموس بلا أثر

وذي المدائن لا بهوٌ ولا سور

يا حارث الأرض والساقي وباذرها

قتّر إذا نفع المحروم تقتير

إذا أتاك رجال الخرص فألقهم

بطلعة برقت منها الأسارير

إن باغتوك بنار شبّها غضب

وسعّرتها من العسف الأعاصير

فأحفظ بقايا حبوب منهم سقطت

فللبقايا ببغداد مناقير

طارت من الغرب والأطماع أجنحة

والغاية الشرق واللقط الدنانير

ألا نكيرَ على أعلام حاضرة

قضت بتعريفهم تلك المناكير

كالعبد صبغته السوداء ثابتةٌ

على المسمى بها والاسم كافور

تقدموا فانتظر يوماً تأخرهم

والدهر يومان تقديم وتأخير

لا تعجبن إذا راجت لهم صور

فالعصر رائجة فيه التصاوير

ولا تخل أنهم حرّاس مملكة

فطالما تسرق الكرم النواطير

من الغرائب أن الهرّ في وطني

ليثٌ يدلُّ وان الليث سنّور

٢٧٦

جرياً على العكس كم وجه يكون قفاً

وكم قفاً وله وجهٌ وتصدير

يا لانقلابٍ به العصفور صقر ربى

والصقر ذو المخلب المعوج عصفور

تبدل الناس والأرض الفضاء على

أديمها لاح تبديل وتغيير

يا من رأى الدير والخابور من قدم

لا الدير ديرٌ ولا الخابور خابور

خوفي على الوطن المحبوب ألجمني

فلم يذع لي منظومٌ ومنثور

كأنني مذ غدا حتماً على شفتي

ليث يكظ على أشداقه الزير(1)

أفحص فؤادي يا دهر تجد حجراً

صلداً ولكنه بالخطب منقور

يُرمى البرئ نزيه النفس طاهرها

بالموبقات وذنب اللص مغفور

مثل البغية يطوي العهر رايتها

وبندُها فوق ذات الخدر منشور

فيا سيوفاً قيون الغدر تشهرها

ما هكذا تفعل البيض المشاهير

نحرتم وطعنتم قلبَ موطنكم

حتى يقال مطاعين مناحير

لا تستهينوا بضعف في جوارحنا

فكم دم قد أسالته الأظافير

كبرتم الأنفس اللاتي مشاعرها

لها وان طال فيها العمر تقصير

زجاجة الخط ان أمست تكبّرها

فالذرّ ليس له في العين تكبير

مطاول الفلك الأعلى قصرت يداً

فالآن أيسر ما حاولت ميسور

ما في يديك خسوف البدر مكتملاً

وليس فيها لقرص الشمس تكوير

انظر إلى القبة الزرقاء عالية

وسقفها بنجوم الزهر مسمور

واستغرق الفكر في مجرى مجرّتها

فذاك بحرٌ يفيض اللطف مسجور

موج من النور عال لا يسكّنه

إلا الذي من سناه ذلك النور

كأنه والنجوم الزهر طالعة

سجنجل نبتت فيها الأزاهير

يا طائرين على بيض مجنحة

حطوا على الوكنات الجوّ أو طيروا

__________________

1 - الزير: الدن.

٢٧٧

ما هذه الأرض تبقى وكر طيركم

ولا الوقوف لها في الجور مقدور

لقد أمنتم على خفّاقها خطراً

وكم تجيءُ من الأمن المخاطير

هوى من الجهة العليا لهوتها

والصور منحطمٌ والظهر مكسور

رحى تدور لهذا القطر طاحنة

ومن مطاعمها الديار والدور

الشرق يبكي وسنّ الغرب ضاحكة

لصوتها أهو رعد أم مزامير

يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي

إن الحجاب لمنصوصٌ ومأثور

وطهّر النفس بالأخلاق فاضلة

فانها لك تنزيه وتطهير

شُذّي أزارك ممدوداً فكم نظري

على الخيانة أضحى وهو مقصور

ومن شعره أيضاً:

هذه خيلنا الجياد الصفوافن

أنفت أن تقاد في يد راسن

لا تسسها فكم بها ذات متن

يدرك الحس من يمينك ماين

نفرت عن منابت الهون مرعىً

ويداها ما خاضتا الماء آجن

أن تفض في الرمال فهي سيول

أو تخض في الدماء فهي سفائن

تطحن الشوس في رحاها دقيقاً

والدم الماء والنسور العواجن

لست أدري مطاعم من كرام

الطير للوحش في الوغى أم مطاعن

كيف تظمى والبيض مثل السواقي

مائجات يفعمن غدر الجواشن

عبرت لجة المنايا وجازت

ساحليها مياسراً وميامن

ورأت من صنايع البيض فيها

بأكف الجرحى الرماح محاجن

يا له موقف اختلاط فسهم

في قراب وانصل في كنائن

ومخاليب أجدل في سييبٍ

ونواصي طمرةٍ في براثن

أين لا أينها أخافت فأمسى

سبّها في الوكون ليس بآمن

باعدت مشرع الفراتين طوعاً

وعلى الكره تحتسي النزر آسن

ما ظننا أن السوابق منها

ملحقات بما اقتناه المراهن

ما أراها هانت فذلّت ولكن

درست حال شعبها المتهاون

٢٧٨

فبكته الآمال دوح خلاف

لم يقم تحت ظله متضامن

أي دوح في أصله عذل لاحٍ

وعلى فرعه ترنّم لاحن

ضعفت أنفسٌ ترى في دواها

وهو الداء حفظها بمعاون

وإذا صارع المريض المنايتا

والطبيب العدو فالموت حاين

كيف يرجى إشفاق أعدى طبيب

حرّك الداء طبعه وهو ساكن

يصف الهدم للجسوم علاجاً

فكأن البناء نقض المساكن

ناعم البال ليس تزهو بشيء

نعمة لا يذبّ عنها مخاشن

إن من بات فوق لين الحشايا

غير موف عهداً عليه لخاين

قد يعين العِدا عليه برأي

وبسيف مصالح ومهادن

ظهرت للعيان منك خفايا

ومن الستر إن يكنّ كوامن

قلت اني للمحسنين مساو

والمساوي تقول أنت مباين

يا دريس الآثار جدد حديثاً

مرسلاً عنك لا حديث العناعن

أحزم الناس ناهض بعظام

من مساعيه لا عظام الدفائن

كم ركبنا ليستظل ابن فجّ

من هجير الضحى ويعصم راكن

كم صروح تبلّطت برخام

طحنتها رحى الخطوب الطواحن

قل لأهل السواد لا جاورتهم

في البوادي شقايق وسواسن

ضربتكم أيديكم فافترقتم

وخلا معبد وفارق سادن

وضيع قضي عليها ضياع

وكنوز تحوّلت لخزائن

فلقتكم فواحصٌ مذ رأتكم

هضباً قد ركدن فوق معادن

وبي ألمٌ:

طبيبي ما عرفتَ عياء دائي

وأنت معالج الداء العياء

أنا أدري بدائي فهو ضعف

السواعد عن صراع الأقوياء

وبي ألمٌ يؤرقني فتعي

يميني فيه عن جذب الرداء

وحمّى خالطت عرقاً بجسمي

فباتا مزمعين على اصطلائي

٢٧٩

وكنتُ خلقتُ من ماء وطين

فها أنا صرتُ من نارٍ وماء

مللت العائدين وقد أمالوا

إليّ رقابَ إخوان الصفاء

وقالوا: إن صحته ترقّت

فقلت: أرى انحطاطي بارتقائي

وقالوا: قد شفيت فقلت كفوا

فمن عللي تعاليل الشفاء

أرى شبحاً يسير أمامَ عيني

لغايته فأحسبه ورائي

وآخر عن مظالمه تنحّى

وأكره في مغادرة الشقاء

تبكّيه المواعظ لا اختياراً

فأين الضحك في زمن العناء

مشى في غير عادته الهوينى

ولكن لا يسابق بالرياء

وقد ألف السكينة لا صلاحاً

كلصٍ تاب أيام الوباء

فيا كبراء هذا العصر كونوا

يداً تطوي لباس الكبرياء

وسيروا في تواضعكم بشعب

تواضعكم له درج ارتقاء

وأنقى ربوة في الأرض قلب

أعدّ لغرس فسلان الأخاء

ولا مثل القناعة كنز عزٍ

يدوم وكل كنز للفناء

ويا عصر الحديد أوثق وصفّد

وكهرب يا زمان الكهرباء

ويا مطر القذائف كم شواظٍ

لو دقك في نفوس الأبرياء

وأذيال المعاسير الحيارى

بها كم لاذ أرباب الثراء

وعقبى الظلم ان حانت نزولاً

جرى منها العقاب على السواء

فلا الكاسي تحصّنه دروعٌ

ولا العاري يلاحظ للعراء

حياة المرء أطيبها حياء

فلا تطب الحياة بلا حياء

وأنفس ما يخلّف معجزات

يرتل آيها دانٍ ونائي

ومَن غالى وأغرق في مديح

وفرط حين أفرط في الثناء

كمدخرٍ جواهره الغوالي

لشدته فبيعت في الرخاء

وربّ ممدّح إفكاً وزوراً

أتاه المدح من باب الهجاء

وما بنت القوافي بيت مجد

لمن قد بات منقضّ البناء

وما أثر الفتى بالشعر يبقى

ولكن بالعفاف وبالاباء

٢٨٠