انصار الحسين عليه السلام

انصار الحسين عليه السلام0%

انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 238

انصار الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ محمد مهدي شمس الدين
تصنيف:

الصفحات: 238
المشاهدات: 24739
تحميل: 3841

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24739 / تحميل: 3841
الحجم الحجم الحجم
انصار الحسين عليه السلام

انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثانية

الشهادة ..

ونهوض الامة

تمثل الشهادة في تاريخ نمو الشخصية الانسانية إحدى المعالم الكبرى في مسيرة هذا النمو نحو الاكتمال ، كالحب والوفاء والايثار ، وما إليها من أخلاق تتجاوز بالانسان ذاته نحو محيط الانسانية الاوسع.

بل إن الشهادة تمثل في رأينا ذروة هذه المعالم ، وأقصى ما يمكن أن يصل إليه إنسان في نموه الروحي وتكامله الانساني ، لانها تعني هبة كل شئ شخصي ، وكل متعة ذاتية للاخرين ومن أجلهم ، مع ما يصاحبها في الغالب من عذاب جسدي بينما أخلاق الحب والوفاء والايثار ، يمكن للانسان أن يحتفظ معها بجانب كبير من ذاتيانه ومصالحه الشخصية

ومن هنا كانت الشهادة ذروة العطاء الانساني.

ومن هنا فهي لا تتاح لكل إنسان ، لان تحقيقها يتوقف على توفر شروط موضوعية لا يكون الموت شهادة بدونها.

* * *

٥

الشهادة في مدلولها القضائي ، هي إظهار الحقيقة لاجل إثباتها في صراع وخصومة بين شخصين أو جماعتين يختلفان ويتنازعان على حق من الحقوق يدعيه كل واحد منهما لنفسه ، فيأتي الشاهد ليظهر حقيقة الموقف.

ومن هنا فلابد أن يكون هذا الشاهد منفصلا عن الطرف المبطل الظالم ، أو المبطل المخطئ ، انفصالا تاما ، ومتحدا مع الطرف المحق اتحادا تاما ، لامن موقع ذاتي أو مصلحي ، وإنما من موقع موضوعي خالص ، لا مجال فيه لاية نزعة ذاتية ، إلا نزعة الانتصار للحق.

أما الشهادة في مدلولها الايماني الحضاري الاجتماعي في الصراع بين الحق والباطل ، وبين العدل والطغيان ، فإنها تحتوي المفهوم السابق للشهادة وتزيد عليه وتتجاوزه.

فمفهوم الشهادة هذا لا يمكن أن يحمله أي إنسان كما قلنا ، وإنما يمكن أن يبلغه فريق خاص من الناس.

ذلك لان الناس صنفان : فمن الناس من تكون حياته (فكره ذكاؤه شبكة علاقاته الاجتماعية ـ ثروته ـ قدرته الجسدية ـ حواسه). مسخرة لخدمة مصالحه الذاتية ، الشخصية والعائلية ، ويكون كل فعل من أفعاله مسخرا لخدمة ذاتية ، دون أن تكون ثمة أية رؤية للحياة وللمجتمع تتجاوز هذا الهدف ، وهذا الانسان هو ما اصطلحنا على تسميته في بعض أحاديثنا بالانسان «المسطح».

الانسان الذي تشغل حياته مساحة واسعة أو ضيقة من حياة الناس

٦

حوله ، دون أن يكون لها أي عمق ، ودون أن يكون لها أية أبعاد أخرى في حياة الآخرين ، إنه يبادلهم المنافع ويبادلهم الخدمات ، ولكن من منطلق ذاتي محض ، لا ينظر إلى مصالحهم وإلى سعادتهم أو شقائهم ، وإنما ينظر فقط إلى مصلحته الخاصة.

قد يكون هذا الانسان صالحا بمقدار ما يكون عادلا ، وبمقدار ما يكون ملتزما بالقوانين ، ولكنه بالتأكيد ليس إنسانا رساليا ، ويستحيل عليه أن يكون شهيدا.

ومن الناس من يشارك الآخرين في حياته ، لا من منطلق ذاته ومصلحته ، وإنما من منطلق مصالح الآخرين وهمومهم ومصائرهم ، أي أنه يتجاوز ذاته نحو الآخرين ، ويجعل من حياته مشروعا عاما يخدم من خلاله الآخرين ، على خلاف الصنف الاول ، الذي لا تعدو حياته أن تكون مؤسسة خاصة مغلقة ، وهذا الانسان هو ما اصطلحنا على تسميته في بعض أحاديثنا بالانسان «المكعب».

إنه الانسان الذي تشغل حياته مساحة كبيرة أو صغيرة من حياة الآخرين ، ولكن لا من منطلق ذاتي ونفعي ، وإنما من منطلق غيري وتضحوي يجعل حياته مشاعا ، يعود بالنفع والخير على الآخرين ، الذين لا يرجو منهم نفعا ، ولاجزاء ولاشكورا.

إن حياته ذات أبعاد ، وأبعادها هي الآخرون. هذا الانسان ، هو إنسان صاحب قضية ، فحياته ذات بعد معنوي تشكله القضية ، وحياته غنية بمقدار ما في قضيته من غنى ، ونبيلة بمقدار ما في قضيته من صوابية

٧

وصدق ، وهو قادر على أن يكون صالحا بمقدار ما يكون منسجما مع قضيته العادلة ، ورسالي بمقدار ما يعطي من حياته لهذه القضية ، وهو إنسان يمكن أن يكون شهيدا. هذا الصنف من الناس ، هم الذين قال الله عزوجل فيهم :( والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) الحشر / 9

الصنف الاول ، إنسان محدود يبدأ في الرحم وتنتهي حياته الدنيا في القبر ، ولا يترك في حياة الناس وراءه أي خير ، هذا إذا لم يترك في حياتهم ألوانا من الشر ، والصنف الثاني إنسان غير محدود ، يبدأ في الرحم ، وتنتهي حياته الدنيا في القبر ولكنه يترك في حياة الناس ألوانا من الخير والسعادة ، وتبقى حياته نابضة فيهم ، وتضحياته سعادة وتقدما في حياتهم ، وذكراه قدوة لهم تزيد من أمثاله الذين ينسجون على منواله.

إن إمكانية الشهادة لهذا الصنف من الناس ، تزيد باطراد بمقدار ما تكون قضيته شاملة وعادلة ومستقبلية وبمقدار ما يعطي من حياته لهذه القضية ، وأولئك الذين تكون قضيتهم شاملة للبشرية جمعاء ، عادلة ومستقبلية ، ويتحدون بها اتحادا كاملا ، فيعطونها كل حياتهم ووجودهم ومستقبلهم ، هم المؤهلون للشهادة تأهيلا كاملا ، إنهم الذين تقل عندهم فرص الموت وتكثر لديهم فرص الشهادة.

إن حياتهم تكون في هذه الحالة استشهادا مستمرا ، إنهم الشهداء الاحياء الذين ينتظرون قضاء نحبهم في سبيل الله وهذه النوعية من الناس

٨

ينطبق عليها قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) . الاحزاب / 23.

ومن هنا فلا شهادة بدون قضية تجعل من حياة الانسان مشروعا لخدمة الآخرين ، وتجعل حياته عاملا إيجابيا ومباركا في حياتهم.

هذا الانسان حين يتحد مع قضية إنسانية عادلة مستقبلية ، وينفصل انفصالا تاما عن الظلم والطغيان ورموزهما وأنظمتهما ، يكون شاهدا ويسير في درب الشهادة يكون شاهدا على ظلم الظالم ، وطغيان الطاغي ، ويستمر في هذه الشهادة لا بالكلمات ، وإنما بالحياة بحيث تتحول حياته [فكره ـ ذكاؤه ـ شبكة علاقاته الاجتماعية ـ ثروته ـ قدرته الجسدية ـ حواسه.] إلى شهادة مستمرة من أجل القضية وجمهورها ، وضد الطغيان ورموزه ، وتستمر شهادته في التصاعد وتستمر شهادته في الاتساع ، وتستمر شهادته في الوضوح والنصاعة إلى أن تبلغ ذروتها بتقديم حياته نفسها ، في سبيل القضية ومن أجل جمهورها ، تقديمها لا عن إكراه وإنما بحب وشوق ، ومن خلال عذاباته الجسدية والنفسية ، في سبيل القضية ومن أجل أهلها ، يبلغ سعادته الكبرى بالشهادة.

نتذكر هنا لايضاح هذا المفهوم قول أبي الشهداء الامام الحسين (ع) في خطبته في المدينة حين أزمع التوجه نحو الاستشهاد «... خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملان مني أكراشا

٩

جوفا وأجرية سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى».

إن الوله هو أسمى وأعلى مراتب الحب والعشق ، إنه الذروة التي تستقطب كل وعي الانسان وإمكاناته نحو مركزها ، ونلمس هذه الظاهرة الروحية في جميع النصوص التي تحدثنا عن الحالة الكيانية للشهداء في ذروة اندفاعهم نحو الشهادة.

إننا نلمس من خلال النصوص التي تحاول أن تصور هذه الظاهرة الروحية ، وهي بالتأكيد عاجزة عن تقديمها إلينا بشكل كامل ، نلمس أن هؤلاء الشهداء كانوا يستشعرون ذروة السعادة في هذه الذروة من الاندفاع نحو الشهادة نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة.

* * *

ومن هنا فثمة بون شاسع ، وفرق نوعي أساسي بين الموت وبين الشهادة.

الموت نهاية طبيعية لكل حي ، ولكن الشهادة ليست نهاية لكل حياة.

الموت قدر إلهي ثابت ، والشهادة نعمة نادرة ليست مجانية كسائر النعم الالهية. وإنما هي نعمة تقتضي شروطا لابد من تحقيقها ، وهي

١٠

القضية العادلة المستقبلية ، والاتحاد بالقضية ، وبيع النفس لله من خلال هذه القضية.

ولان الشهادة نعمة غير مجانية فإن الله تعالى هو الذي يختار الشهداء وليست الصدفة هي التي تصنع الشهداء. يقول الله عزوجل في كتابه العزيز :( .. وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) آل عمران / 140

فالشهاة اتخاذ واصطفاء واختيار من الله ومن هنا قلنا أنها نعمة غير مجانية.

ويؤكد هذا المعنى ما حفلت به السنة الشريفة ، وخاصة ما يتعلق منها بالحقل التربوي والتوجيهي من التعبير عن الشهادة بأنها رزق ومن اشتمال كثير من نصوص الادعية التربوية الشريفة على نصوص تتضمن التوجه إلى الله بالدعاء طلبا لرزق الشهادة.

* * *

وتتناسب حيوية كل أمة وروح الانبعاث في كل جماعة طردا وعكسا مع انتشار روح الشهادة ، وتصوراتها بين أفراد تلك الامة والجماعة ومع كثرة الشهداء الاحياء وندرتهم في تلك الامة والجماعة. فكلما نما في الامة عدد هؤلاء الشهداء الاحياء كلما كانت الامة أقدر على النهوض وأقرب إلى تحقيق أهدافها من خلال تحقيق قضيتها ، وكلما ندر في الامة عدد هؤلاء الشهداء الاحياء كانت الامة أعجز عن النهوض ، وأقرب إلى أن تكون منالا سهلا لاعدائها والمتربصين بها ، وهذا قانون حياتي تاريخي

١١

ينطبق على كل الامم في كل العهود وفي جميع الحضارات. ويمكن أن تقدم مثالا له من حياة الاسلام بين عهد الرسول صلى الله عليه وآله وبين عهد الامام الحسين (ع) الذي يسجل هذا الكتاب دراسة عن شهداء ثورته.

ففي عهد الرسول كانت روح الشهادة بين أصحابه شائعة كالهواء والنور ، فحقق الاسلام والمسلمون انتصارات تجاوزت كل القوانين العادية للتاريخ ، لان عاملا نوعيا هو عامل الشهادة ، غير المعطيات العادية لحركة التاريخ ، واستمرت هذه الاندفاعة بفضل هذه الروح حتى حققت للاسلام في عهد الخلفاء الاولين انتشاره الاعظم.

أما في عهد الامام الحسين (ع) مع انتشار الاسلام وانتشار ثقافته ونمو مجتمعه فقد كانت روح الشهادة ضئيلة تشبه النجوم في ظلمات الليل بحيث لم يستطع كل الظلم الاموي ، وكل التحدي الحسيني العلوي الاسلامي ، أن يولد إلا عددا محدودا من الشهداء تمثل نخبتهم شهداء كربلاء ، مما اقتضى من الامام الحسين (ع) وقد أدرك هذه الحقيقة المرعية ، أن يقوم بثورته العظيمة والانتحارية من أجل أن يفجر في الامة الاسلامية روح الشهادة من جديد. لتغدو كالنور والهواء كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولتستأنف الامة بهذه الروح جهادها من أجل العدالة والكرامة الانسانية للمستضعفين ، كل المستضعفين في الارض ، ومن هذا المنظور يمثل أنصار الحسين (ع) شهداء كربلاء ، أعلى ذروة نوعية في سجل الشهادة والشهداء في تاريخ الاسلام كله ، لانهم صمموا على نيل الشهادة التي رزقهم الله إياها في حالة من الهزيمة للامة ، أمام قوى الطغيان ، وهذا ما يميزهم عن شهداء العهد النبوي الذى صمموا على نيل

١٢

الشهادة التي رزقهم الله إياها ، في حالة من إندفاع الامة نحو مواجهة قوى الطغيان وفي حالة كانت الشهادة في حياة الامة كالنور والهواء.

إن التضحية العظمى التي جعلت شهداء كربلاء ، يتجاوزون حياتهم من أجل الآخرين ونحو الآخرين ، الذين كان موقفهم في الغالب موقف الخذلان وفي النادر موقف الاسى السلبي المتفرج ، يختلف بالتأكيد عن التضحية العظمى التي جعلت شهداء العهد النبوي يتجاوزون حياتهم نحو الآخرين ومن أجل الآخرين ، الذين كان موقفهم موقف المشارك المتعاطف :( ولا تحسبن إلذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل * وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) آل عمران / 169 ـ 171.

إني لم أكتب هذه الدراسة عن شهداء كربلاء الابرار إحياء لذكرهم (فهم أحياء عند ربهم يرزقون). وإنما كتبتها لاصل حياتي بحياتهم ، فأتعلم منها وأستشعر بها روح الشهادة ، ونشرت هذا الكتاب في الناس ليستذكر قراؤه روح الشهادة هذه في زمن طغت فيه على الامة الاسلامية روح الترف ، وضمرت فيه روح الشهادة ، وطغت فيه مثل الحياة المادية التي تجرد الانسان من أية قضية تجعل من حياته مشروعا يتجاوز ذاته نحو الآخرين ومن أجل الآخرين. وانحسرت فيه روح الاسلام التي هي قضية الامة الاسلامية التي تستطيع أن تحرر بها نفسها ، وتحرر بها الآخرين من أغلال الاستعمار الجديد في العالم الثالث والعالم الاسلامي ، ومن أغلال اسرائيل ووجودها العدواني الرجعي في العالم العربي. فلم

١٣

تستطع الامة الاسلامية أن تتجاوز أغلال عبوديتها وتخلفها ، ولن تستطيع أن تستعيد دورها الحضاري والسياسي في العالم بدون أن تنمو في فكرها وعلقها وجميع وجوه حياتها روح الشهادة التي تولد الشهداء الاحياء الذين يستطيعون أن يقودوا خطى الامة نحو النصر في طريقهم نحو ختم حياتهم بالشهادة.

إن هذا هو الطريق الوحيد للخروج بالامة مما هي فيه ، وهذا هو الشرط التغييري الوحيد الذي يجب أن يتوفر في معظم أفراد الامة لتستطيع أن تغير ما يحيط بها ويحل فيها من بلاء ، بعد أن تغير ما بنفسها من عوامل التخلف والضعف والهزيمة( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد / 11.

وسيبقي الحسين (ع) وأنصاره معلمين كبارا ، وروادا عظاما في عملية التغيير التي يمثل النبي وآل بيته الاطهار (ع) روادها في كل عصر ولكل جيل.

والحمد لله رب العالمين.

محمد مهدي شمس الدين

21 جمادي الثانية 1401 ه‍

26 نيسان 1981 م

١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد رسوله وآله الطاهرين

تقديم

ثمة بعد من أبعاد الثورة الحسينية ـ وهو البعد البشري باتجاه العمق ـ لم يدرس من قبل على الاطلاق.

وهو كما تكشف لي من خلال بحثي ، بعد عميق الاغوار ، واسع الارجاء متراحب الآفاق.

ولا أستطيع أن أقول إن ما كتبته قد نفذ إلى جميع أعماقه ، وامتد إلى أوسع آفاقه ، فطموح كهذا يقتضي دراسة متأنية صبورة تعتمد على جميع ما يمكن الحصول عليه من مصادر ، ربما يكون بعضها غير تقليدي لمثل هذه الدراسات ككتب الانساب. وتقوم على تتبع علاقات القبائل في مجموعتيها الكبيرتين : عرب الشمال ، وعرب الجنوب ، ثم تتبع علاقات القبائل في داخل كل مجموعة من هاتين المجموعتين ، ثم تتبع الصلات بين الافخاذ والبطون في كل قبيلة ، وعلاقاتها الداخلية ، ثم يأتي من بعد ربط ذلك كله بالمواطن الجغرافية لهذه القبائل في العراق والحجاز وسورية ، وربما تعدينا ، في الدائرة الكبرى ، إلى مصر وشمال أفريقيا.

١٥

كما يقتضي طموح كهذا دراسة أكثر اتساعا وشمولا لمواقف الموالي في ذلك العهد المبكر. لقد كانت النتيجة التي توصلنا إليها هنا هي أن الموالي لم يكن لهم دور في هذه الثورة ، وهي نتيجة نثق بصحتها ، ولكن ما مدى مساهمة هذه الثورة في إيقاظ شعور الموالي بأهميتهم ، وبالظلم النازل بهم ، وبقدرتهم على التغيير؟

كما يقتضي إجابة عن كثير من المسائل الهامة ، والتي منها : درجة تماسك البناء القبلي في المجتمع الاسلامي في ذلك الحين؟ موقف العباسيين الحقيقي الخفي من العلويين في غمرة النشاط السياسي والثوري الذي احتدم في الثلث الاخير من القرن الهجري الاول وبدايات القرن الثاني؟ حقيقة علاقة العباسيين ودعاتهم بذوي النحل والاهواء من الجماعات غير الاسلامية أو المتسترة بالاسلام في مراحل ما قبل القضاء على الامويين وبعد إقامة الدولة العباسية؟ وغير ذلك.

إن الاجابات التي وردت في هذا البحث على بعض هذه المسائل. وعلى غيرها من المسائل التي لم نذكرها في هذا التقديم ، غير كافية ، وهذا لا يعني أنها غير صحيحة ، ولكنها مع ذلك تحتاج إلى تفصيل أكثر.

* * *

لقد بدأت بكتابة هذا البحث ليكون ملحقا للطبعة الثالثة من كتابي (ثورة الحسين : ظروفها الاجتماعية وآثارها الانسانية) ولكن المسائل التي كان يثيرها كانت تستدرجني للتوسع فيها حتى تكونت هذه الفصول التي هي أكبر من أن تكون ملحقا لكتاب ، فرأيت نشرها في كتاب مستقل.

١٦

إن هذا البحث يتكون من ثلاثة أقسام :

1 ـ مقدمات : عن أبعاد الفكرة وأهدافها ، ومصادر البحث.

2 ـ كم هم ومن هم؟ عن شهداء الثورة الحسينية من الهاشميين وغيرهم في كربلاء والكوفة ، والتعريف بكل واحد منهم في حدود المعلومات المتاحة عنه ، مع ملحق أثبتنا فيه نص الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدسة والزيارة الرجبية. وفصل مهم في تحقيق حال الزيارتين من حيث كونهما مصدرين لهذا البحث رجحنا فيه الاخذ بالزيارة المنسوبة إلى الناحية ، واعتبرنا الزيارة الرجبية مصدرا ثانويا غير مهم.

3 ـ الدلالات التي تستفاد من المعلومات المتعلقة بأشخاص لشهداء ، ووضع الدولة والمجتمع ، وظروف المعركة وما سبقها وما تلاها.

* * *

يبدو لي أن هذا البحث يمثل طريقة جديدة في التعامل مع النص التاريخي واستنطاقه ، خاصة فيما يعود إلى حقل دراسة الثورات وجماهيرها في التاريخ الاسلامي ، فإن تاريخ الثورات ، كما نعلم قد تعرض للتهشيم والتمزيق من قبل الرواة والمؤرخين الذين كانوا يتملقون السلطة أو يخافون منها ، ولذا فإن مهمة المؤرخ بالغة الصعوبة في هذا الحقل ، وربما كانت هذه الطريقة أفضل الطرق التي تمكن الباحث من الوصول إلى قدر كبير من الحقيقة.

* * *

١٧

إذا استطاع هذا البحث بطريقته التي بني عليها ، والمسائل التي أثارها وأجاب عليها أولم يوفق للاجابة عليها ـ إذا استطاع أن يثير الرغبة في البحث عن مزيد من الحقيقة فإنه يكون قد أدى إلى أعظم أغراضه.

أسأل الله تعالى أن يجعله عملا مقبولا ، وأن ينفع به ، والحمد لله رب العالمين.

محمد مهدي شمس الدين

21 جمادي الاول 1394 ه‍.

11 حزيران 1974 م.

١٨

مقدمات

أغراض البحث ، المصادر ،

كتب المقاتل

١٩
٢٠