انصار الحسين عليه السلام

انصار الحسين عليه السلام0%

انصار الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 238

انصار الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ محمد مهدي شمس الدين
تصنيف:

الصفحات: 238
المشاهدات: 24720
تحميل: 3841

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 238 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24720 / تحميل: 3841
الحجم الحجم الحجم
انصار الحسين عليه السلام

انصار الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

عملها. ولقد وجدت روح الخوف وروح التواكل أرضية نفسية صالحة لهما فأثرتا أثرهما بسرعة قياسية.

ومن أدلة هذا الشلل النفسي في البصرة ، ما يصوره النص التالي عن عيسى بن يزيد الكناني ، قال :

(لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد (بشأن ولايته على الكوفة) انتخب من أهل البصرة خمسمائة فيهم : عبد الله بن الحارث بن نوفل ، وشريك بن الاعور ـ وكان شيعة لعلي ـ فكان أول من سقط بالناس شريك ، يقال : إنه تساقط غمرة ، ومعه ناس. ثم سقط عبد الله بن الحارث وسقط معه ناس ، ورجوا أن يلوي عليهم عبيد الله ويسبقه الحسين إلى الكوفة)(1) .

فهؤلاء الذين أظهروا العجز عن متابعة السير الحثيث ، رجاء أن يتأخر بسببهم عبيد الله بن زياد ، فيسبقه الحسين إلى الكوفة ، فيتم أمره ، فلا يتمكن عبيد الله من استثمار حالة الفراغ في السلطة وغياب القائد الاعلى للثورة ، هؤلاء كانوا ، ولا شك في حالة شلل نفسي : إنهم راغبون في التغيير ساخطون على وضعهم ، ولكنهم لا يريدون أن يغيروا بأنفسهم وإنما يريدون أن يتم التغيير بجهد غيرهم. وإلا فلماذا هذا الاسلوب الملتوي في الاحتيال لتأخير عبيد الله بن زياد عن متابعة سيره الحثيث إلى الكوفة؟ لقد كانوا ، وهم زعماء البصرة ، قادرين على أن يؤخروا عبيد الله أياما في البصرة بإثارة شغب خفيف فيها ، بل كانوا قادرين على قتله إذا أرادوا لو أن روحهم الثورية كانت في جهاز نفسي سليم.

___________________

(1) الطبري : 5 / 359.

٢٢١

ولكنهم كانوا ـ كما قلنا ـ يعانون من شلل نفسي يعطل ثوريتهم عن العمل.

ومن أدلة هذا الشلل النفسي الذي يدفع إلى الالتواء في مواجهة الاحداث ، ويمنع عن الحزم والحسم في إنجاز المهمات محاولة شريك بن الاعور ـ الزعيم البصري الشيعي الكبير ـ أن يحمل مسلما على اغتيال عبيد الله بن زياد عندما يعود شريكا في مرضه واعدا مسلما بقوله : (فإن برئت من وجعي هذا أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها)(1) ، كأن نجاح الثورات ينتظر شفاء قادتها من أمراضهم ـ ومسلم في مركزه المعنوي هو الزعيم والقائد ـ وقد كان شريك يستطيع أن يوكل هذه المهمة إلى أي رجل آخر.

ومن أدلة هذا الشلل النفسي في الحجاز وغيره هذه النصائح الكثيرة التي تلقاها الحسين بألا يخرج ، وهي تجمع على أن خروجه مشروع ، ولكنها تنهاه عن مواجهة بني أمية ، وتنصحه بالتوجه إلى مكان غير بؤرة الثورة في العراق.

ونضيف هنا إلى النصائح التي قدمناها في فصل سابق نصيحة عبد الله بن مطيع العدوي له بألا يعرض لبني أمية : (أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام أن تنتهك ، أنشدك الله في حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحد أبدا. والله إنها لحرمة الاسلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ، ولا تأت الكوفة ، ولا تعرض لبني أمية)(2) هذا الكلام المشحون بالانفعال والتوتر والخوف

___________________

(1) الطبري : 5 / 363.

(2) الطبري : 5 / 395 ـ 396.

٢٢٢

يكشف عن إيمان بعدالة القضية وخوف من عواقب الالتزام بها والعمل من أجلها ، ويبدو أن عبد الله بن مطيع كان قد لقي الحسين قبل ذلك حين خرج من المدينة ، فنصحه قائلا : (الزم الحرم ، فإنك سيد العرب لا يعدل بك والله أهل الحجاز أحدا ، ويتداعى إليك الناس من كل جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك)(1) إن هذه النصيحة ـ كسابقتها ـ تكشف عن إيمانه بضرورة التغيير دون التزام بأعبائه ، وإلا فلماذا الخوف من أن يسترقوا بعده؟

* * *

لقد كانت الحالة الثورية موجودة ، ولكنها كانت في درجة متدنية بسبب الشلل النفسي الذي كان سائدا لدى الناس الراغبين في التغيير المدركين لبؤس الواقع ، ولذلك فقد كانت الحالة الثورية بحاجة إلى محرض كبير وعنيف ينقلها من كونها حالة عقلية تأملية إلى درجة عالية من التوتر تجعلها حالة نفسية شعورية قادرة على تحريك الانسان نحو العمل من أجل تغيير واقعه بالنضال لا بالتمنيات وانتظار أفعال الآخرين ، وقد تحققت هذه النقلة بثورة الحسين ، فتحولت الجماهير المترددة والمشلولة إلى جماهير ثائرة بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، بحيث دفعت بالكثير إلى أعمال إنتحارية كالذي حدث بالنسبة إلى التوابين في معركة عين الوردة(2) .

___________________

(1) 351.

(2) معركة عين الوردة (رأس العين) قام بها (التوابون) بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وكان عددهم أربعة آلاف ، ضد عبيد الله بن زياد الذي قدم بجيش كبير من أهل الشام ليعيد العراق إلى السلطة الاموية التي نصبت مروان بن الحكم خليفة. وقد ابتدأت المعركة في يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 65 ه‍ (يوم الاربعاء 4 كانون الثاني سنة 685 م).

٢٢٣

ويصور لنا حديث أيوب بن مشرح الخيواني مع أبي الوداك روح الندم العميق الاليم الذي كان يعمر القلوب والنفوس لدى الطبقات الشعبية بعد ثورة كربلاء (لاحظ الطبري : 5 / 437).

كما أن الروح الثورية الجديدة بلغت حدا من التوتر بحيث وضعت كل من شارك في كربلاء خارج المجتمع ، وخارج حماية الاعراف والقوانين ، وكانت دائما ملهما وحافزا على القيام بالثورات.

٢٢٤

الدلالة السياسية لقطع الرؤوس

قطع رأس الميت ، قتيلا كان أو ميتا حتف أنفه ، من المثلة.

ومن الثابت في الشريعة الاسلامية النهي عن التمثيل بالمسلم ، وتحريمه ، لا نعرف مخالفا في ذلك على الاطلاق.

بل إن من الثابت النهي عن المثلة حتى بالنسبة إلى الكافر وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله النهي عن ذلك. ولم يحدث في حياته صلى الله عليه وآله ، على كثرة ما خاض من حروب ضد المشركين ، أنه أذن أو رضي بشئ من ذلك ، ولم يعرف عن الخلفاء من بعده أنه حدث في عهودهم شئ من ذلك على كثرة ما خاض المسلمون من حروب ضد الفرس وضد الروم ، إلا ما كان في عهد أبي بكر حين عدا خالد بن الوليد على مالك بن نويرة وقومه فقتلهم بزعم أنهم مرتدون فقد قطعت رؤوس القتلى(1) وقد أثار

___________________

(1) كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعرا ، وإن أهل العسكر (عسكر خالد بن الوليد) أثفوا برؤوسهم القدور (جعلوا رؤوسهم أثا في للقدور وأشعلوا تحتها النار للطبخ) فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكا ، فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره) الطبري : 3 / 279.

٢٢٥

تصرف خالد بن الوليد استنكارا واسع النطاق في صفوف المسلمين.

ولم يحدث بالنسبة إلى الامام علي بن أبي طالب في حروبه كلها أن حمل إليه رأس أو أمر بقطع رأس أحد ، أو رضي فعل ذلك.

نعم حدث في حروراء حين أوقع الامام بالخوارج أنه أمر بقطع يد المخدج (نافع المخدج) ، وقال : (سيماه أن يده كالثدي ، فيها شعرات كشارب السنور ، إيتوني بيده المخدجة ، فأتوه بها فنصبها)(1) .

وهذه الواقعة من دلائل النبوة ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن الخوارج وأن (آيتهم رجل إحدى يديه ـ أو قال ثدييه ـ مثل ثدي المرأة ...) وقد روى الحديث في شأنهم وممن روى ذلك البخاري في كتابه(2) ، ويبدو أن الامام عليا أمر بنصب يده لاظهار صدق خبر النبي صلى الله عليه وآله ولينزع الريب من قلوب بعض أصحابه الذين تساءلوا عن سلامة موقفهم ، وقد قتلوا قوما يظهرون الاسلام فأراهم بنصب يد المخدج لهم أنهم قاتلوا القوم الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقراره بنصب يد المخدج قرار سياسي لتأكيد معنى ديني يتصل بصدق رسول الله صلى الله عليه وآله.

* * *

___________________

(1) (... فلما كان يوم النهر قال علي : اطلبوا المخدج ، فطلبوه فلم يجدوه حتى ساء ذلك عليا ، وحتى قال رجل لا والله يا أمير المؤمنين ما هو فيهم. فقال علي : والله ما كذبت ولا كذبت ، فجاء رجال فقال : قد أصبناه يا أمير المؤمنين فخر علي ساجدا ، وكان إذا أتاه ما يسر به من الفتوح سجد ، وقال لو أعلم شيئا أفضل منه لفعلته ، ثم قال : سيماه أن يده كالثدي فيها شعرات كشعرات السنور ، إيتوني بيده المخدجة ، فأتوه بها. فنصبها) المبرد : الكامل 3 / 221 ، والطبري : 5 / 91 ـ 92.

(2) ذكر ذلك في باب من ترك قتال الخوارج للتألف. من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم. وذكره غيره.

٢٢٦

يظهر مما تقدم أن الاسلام لا يشجع على قطع رأس العدو الكافر المحارب ، فضلا عن قطع رأس المسلم ونقله من بدل إلى بلد.

وقد انتهك الامويون هذا الحكم الشرعي الواضح ، ولا نعرف من أين اقتبس الامويون هذا الاسلوب في معاملة قتلاهم فلعله من آثار عقليتهم الجاهلية التي لم تزايلهم في يوم من الايام ، أو لعلهم اقتبسوه من الامم الاجنبية وخاصة الروم الذين قلدوهم في طريقة حياتهم.

وأول انتهاك نعرفه مارسه عامل معاوية بن أبي سفيان على الموصل وهو عبد الرحمان بن عبد الله بن عثمان الثقفي ، الذي ألقى القبض على عمرو بن الحمق الخزاعي(1) ـ بعد مطاردة طويلة ـ وقتله ، وقطع رأسه ، وبعث به إلى معاوية (فكان رأسه أول رأس حمل في الاسلام)(2) وسنرى أن هذه الاولية ستذكر صفة لرأس الحسين أيضا مما يدل على أن خبر قطع رأس عمرو وقتله لم ينتشر بين المسلمين على نطاق واسع.

وفي ثورة الحسين ارتكب الامويون وأعوانهم جريمة قطع الرؤوس ونقلها على نطاق واسع.

فقد أمر عبيد الله بن زياد بقطع رأس مسلم بن عقيل ورأس هاني بن

___________________

(1) من خزاعة (اليمن ، عرب الجنوب) بايع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ، وصحبه ، وروي عنه. سكن في الكوفة ، وكان من أشرافها البارزين ، كان من شيعة الامام علي بن أبي طالب وشهد معه حروبه. وكان من أبرز أصحاب حجر بن عدي الكندي ، استشهد في سنة 51 ه‍

(2) أبو الفرج الاصفهاني. الاغاني ج 17 / ص 144 (طبعة الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر) تحقيق : محمد علي البجاوي بإشراف محمد أبو الفضل إبراهيم ـ 1389 ه‍ ـ 1970 م. وطبقات ابن سعد (ط ليدن ـ أوفست) ج 6 / 15 ، والمعارف لابن قتيبة : 291 ـ 292 وقال : إن رأس عمرو بن الحمق حمل من الموصل إلى زياد بن سمية وبعثه زياد إلى معاوية. ولاحظ أيضا ص : 554.

٢٢٧

عروة بعد قتلهما ، وبعث بهما إلى يزيد بن معاوية في الشام ، وكتب إليه : (... وأمكن الله منهما ، فقد متهما فضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برؤوسهما)(1) .

وكان ابن زياد قد قتل في الكوفة من رجال الثورة : قيس بن مسهر الصيداوي(2) وعبد الله بن بقطر(3) ، وعبد الاعلى الكلبي ، وعمارة بن صلخب الازدي(4) ، فلم يبعث إلى يزيد بن معاوية من بين من قتلهم إلا رأسي هاني بن عروة ومسلم بن عقيل.

* * *

بعد القضاء على الثائرين في كربلاء قطعت رؤوس عدد كبير من الشهداء ، وحملت إلى الكوفة إلى عبيد الله بن زياد ، ثم أرسلها إلى الشام إلى يزيد بن معاوية ، وكان نقلها يتم بصورة استعراضية لتتاح مشاهدتها لاكبر عدد من الناس في الطرق والمدن التي يمر بها حملة الرؤوس.

وهنا نلاحظ أن ما قطع وحمل من الرؤوس لا يتجاوز الثماني وسبعين رأسا ، وربما لم يزد على سبعين رأسا ، مع أن عدد الشهداء يتجاوز عشرين ومئة شهيد.

وهنا نتسأل :

___________________

(1) الطبري : 5 / 380.

(2) الطبري : 5 / 395.

(3) الطبري : 5 / 398.

(4) الطبري : 5 / 379.

٢٢٨

لماذا قطعت الرؤوس؟ وهل تم ذلك بمبادرة من عمربن سعد وضباطه أو أنه تم بناء على أوامر من ابن زياد؟ وما المبدأ الذي اتبع في قطعها؟ ولماذا لم تقطع جميع الرؤوس ، فلم يقطع إلا رأسا مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة ، ولم يقطع إلا سبعون رأسا أو ما يزيد قليلا على هذا العدد من رؤوس الشهداء في كربلاء؟ هل قطع الرؤوس إجراء إنتقامي محض أو أنه عمل سياسي ذو صفة إنتقامية؟

يمكن أن يكون عمر بن سعد قد أقدم على اتخاذ هذا القرار بقطع رؤوس الشهداء من عند نفسه رجاء أن يزيد خطوة عند عبيد الله بن زياد بعد أن فهم بوضوح الرغبة الشريرة عند عبيد الله بالمضي في الانتقام إلى آخر ما يمكن تصوره من إجراءات ، ولكننا نرجح ـ إستنادا إلى ما نعرفه من شخصية عمر بن سعد الذليلة الحقيرة المهتزة ـ أن هذا الاجراء لم يتم بمبادرة منه ، ونرجح أنه قد تلقى أمرا بذلك من عبيد الله بن زياد. ويعزز هذا الرأي أن قطع رؤوس القتلى من المسلمين كان في ذلك الحين عنصرا جديدا تماما في الثقافة الاسلامية ، ولم يمارس قبل كربلاء إلا من قبل والي معاوية بن أبي سفيان على الموصل حين قطع رأس عمرو بن الحمق الخزاعي كما قدمنا آنفا ، ومما يشعر بجدة هذا العنصر في الثقافة الاسلامية في ذلك الحين ما ورد في أحد نصوص الطبري عن زر بن حبيش : (أول رأس رفع على خشبة رأس الحسين رضي الله عنه وصلى الله على روحه)(1) .

ما تقدم يرجح أن عمر بن سعد نفذ أمرا تلقاه ، ولم يقطع الرؤوس بمبادرة منه ، وإن كنا لا نجد في نصوص الموضوع نصا بهذا الشأن.

___________________

(1) الطبري : 5 / 394.

٢٢٩

فالكتاب الذي وجهه عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد مع شمر بن ذي الجوشن يتضمن أمره لعمر بأن يدعو الحسين وأصحابه إلى الاستسلام ، فأن أبوا : (فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فإنه عاق مشاق ، قاطع ظلوم ، وليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ، ولكن علي قول : لو قد قتلته فعلت به هذا ...)(1) .

فالكتاب يتضمن الامر بالتمثيل ، ويتضمن الامر برض صدر الحسين وظهره بحوافر الخيل.

وقد نفذ الامر الثاني بدقة بناء على أوامره مباشرة وصريحة من عمر بن سعد ، وقام بالمهمة البشعة عشرة رجال سمى الطبري منهم رجلين حضرميين(2) .

وأما التمثيل بالقتلى ، فهل المقصود به قطع الرؤوس؟ إذا كان ذلك فقد نفذ أيضا ، ولكنه لم ينفذ بدقة ، فلم تقطع رؤوس الجميع ، إلا أننا نشك في أن المراد بالتمثيل قطع الرؤوس ، ونرجح أن هذا الاجراء قد نفذ استنادا إلى أمر لم تصل إلينا صورة عنه.

هل هو إجراء إنتقامي؟ لا نشك في أنه إجراء إنتقامي بعث عليه

___________________

(1) الطبري : 5 / 415.

(2) الطبري : 5 / 454 ـ 455 ، والرجلان هما (اسحاق بن حيوة الحضرمي ـ وهو الذي سلب قميص الحسين ـ فبرص بعد ـ وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي ...) وبقية العشرة هم : (هاني بن ثبيت الحضرمي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وصالح بن وهب الجعفي ، وحكيم بن الطفيل السنبسي الطائي) وهؤلاء الستة من اليمن ، من عرب الجنوب (وعمرو بن صبيح الصيداوي الاسدي ، ورجاء بن منقذ العبدي) وهذان من عرب الشمال (وواخط بن غانم وأسيد بن مالك) وهذا إن لم نعرف انتماءهما القبلي ـ ونلاحظ غلبة العنصر اليمني في هؤلاء الرجال.

٢٣٠

الحقد كما هو الشأن في رض الاجساد بحوافر الخيل والتمثيل بها ، ولكننا نرجح أنه ليس إنتقاميا فقط لا غاية له إلا الانتقام وإرواء غليل الحقد ، إنه فيما نرى إجراء انتقامي له غاية سياسية أيضا.

فإن رجال النظام الاموي. وعلى رأسهم يزيد بن معاوية ، كانوا يرون أن ثورة الحسين يمكن أن تقوض النظام كله ، وكانوا يقدرون أن ما نسميه الآن (الحالة الثورية) حالة منتشرة في مجتمع العراق بصورة خطيرة ، وإن كانت بحاجة إلى تحريض لتتحرك وتعبر عن نفسها في حركات ومواقف ، ولذا فإن أي تحرك تقوم به قوة ذات نفوذ إسلامي يمكن أن يجمع الطاقات الثورية ، ويعطيها قوة الحركة نحو إنجاز ثوري كبير الحجم ، ولذا فإن ثورة الحسين ، ولقائدها مركز معنوي كبيرا جدا في المجتمع الاسلامي ، تشكل بالنسبة إلى النظام الاموي خطرا بما يمكن أن تؤدي إليه من تفاعلات ينشأ منها تصعيد الروح الثورية وإعطاء جماعات الثوريين في المجتمع الاسلامي أملا كبيرا في الانتصار بوجود قيادة ذات رصيد معنوي كبير لدى المسلمين. كما أننا نقدر أن رجال النظام الاموي قد عملوا أن الجماعة الثائرة مع الحسين تمثل في غالبيتها رجالا قياديين يتبوؤن مراكز زعامة في المجموعات القبلية الجنوبية والشمالية ، وأن لهؤلاء أتباعا يتأثرون بمواقفهم.

لهذا أراد رجال النظام أن يقضوا على كل أمل. عند الجماهير بنجاح أي محاولة ثورية ، وذلك بجعل أبطال هذه المحاولة عبرة للآخرين.

فحشدوا للقضاء على القوة الصغيرة في كربلاء أضخم قوة عسكرية استطاعوا توفيرها في هذا الزمن القصير ، وقد تقدم منا أننا نرجح أن عدد

٢٣١

الجيش الاموي يتراوح بين عشرين وثلاثين ألفا ، وذلك من أجل أن تضع الثائرين في حصار محكم ، يحول دون إفلات أي واحد منهم ، ويحول دون وصول أي أحد إليهم ، ويضمن القضاء عليهم في وقت قصير جدا لئلا يتأثر الجيش الاموي نفسه إذا طال الوقت.

ثم بتنفيذ إجراءات إنتقامية فيها إهانة للشهداء ونسائهم ، مثل رض الاجساد بحوافر الخيل ، والتمثيل بها ، وحمل النساء سبايا يستعرضهن الناس في الامصار.

وهدف النظام الاموي من هذا كله تبديد الهالة القدسية التي تحيط بالحسين وأهل البيت ، وإفهام الثائرين الذين لم يتح لهم أن يشاركوا في ثورة كربلاء أن إجراءات السلطة في حماية نفسها لا تتوقف عند حد ، ولا تحترم أية قداسة وأي مقدس وأي عرف ديني أو اجتماعي.

ويأتي قطع الرؤوس ، وحملها من بلد إلى بلد ، والطواف بها في المدن ـ وخاصة الكوفة ـ جزء من هذه الخطة العامة ، ولتبديد إمكانات الثورة وتحطيم المناعة النفسية لدى المعارضة ، وإفهامها بأن الثورة قد انتهت بالقضاء عليها ، ولقطع الطريق على الشائعات بالادلة المادية الملموسة وهي رؤوس الثائرين وفي مقدمتها رأس الحسين.

وإذن فقد كان ثمة هدف سياسي لقطع الرؤوس بالاضافة إلى كونه عملا انتقاميا ، وهذا يفسر لنا لماذا لم تقطع جميع الرؤوس في الكوفة وكربلاء. ففي الكوفة قطع ابن زياد رأس مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة فقط من بين من قتلهم في الكوفة من الثوار ، وفي كربلاء كانت الرؤوس التي قطعت وأرسلت إلى الكوفة والشام على النصف تقريبا من عدد الشهداء.

٢٣٢

لقد خضع قطع الرؤوس لعملية انتقاء ، فقطعت رؤوس الشخصيات البارزة التي تحظى بولاء شعبي في نطاق قبائلها أو مدنها ، والتي يحطم قتلها قاعدتها الشعبية ويشتت جمهورها ، ويفقده فاعليته.

إن هاني بن عروة ومسلم بن عقيل هما أقوى شخصيتين في التحرك الذي حدث في الكوفة ، فلذا قطع ابن زياد رأسيهما وأرسلهما إلى يزيد ابن معاوية برهانا ماديا على قمع الثورة ، أما الباقون ، وهم رجال عاديون ، لقد خضع قطع الرؤوس لعملية انتقاء ، فقطعت رؤوس الشخصيات البارزة التي تحظى بولاء شعبي في نطاق قبائلها أو مدنها ، والتي يحطم قتلها قاعدتها الشعبية ويشتت جمهورها ، ويفقده فاعليته. إن هاني بن عروة ومسلم بن عقيل هما أقوى شخصيتين في التحرك الذي حدث في الكوفة ، فلذا قطع ابن زياد رأسيهما وأرسلهما إلى يزيد ابن معاوية برهانا ماديا على قمع الثورة ، أما الباقون ، وهم رجال عاديون ، فإن رؤوسهم لا تعني شيئا ، لان قتلهم مع وجود القادة ، لا يؤثر على الثورة ، ولذا فلم يكن ابن زياد بحاجة إلى قطع أكثر من رأسين.

وكذلك الحال في رؤوس شهداء كربلاء ، فإن الموالي والرجال العاديين لم تكن رؤوسهم تعني شيئا بالنسبة إلى المناقمين على الحكم الاموي. إن الذي يشل القدرة الثورية ويسبب الهزيمة النفسية لدى الجماهير هو أن ترى زعماءها وقادتها قد قتلوا ، ورفع الدليل المادي على قتلهم ، وهو رؤوسهم ، على أطراف الرماح.

من هنا نفهم لماذا طيف برأس الحسين في أزقة الكوفة : (... ثم أن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة ، فجعل يدار به في الكوفة)(1) .

ونحن نرجح ـ وإن لم نملك نصا ـ أن القبائل التي توزعت الرؤوس لم تتوزعها بصورة عشوائية ، وإنما أخذت كل قبيلة رؤوس ، الرجال البارزين من أبنائها ، وذلك لتعزيز مركزها السياسي عند السلطة ، وليزداد مركز زعيمها الموالي للسلطة قوة ومناعة.

___________________

(1) الطبري : 5 / 459.

٢٣٣
٢٣٤

كتب للمؤلف

1 ـ نظام الحكم والإِدارة في الإِسلام

2 ـ دراسات في نهج البلاغة

3 ـ ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الانسانية ترجم إلى الفارسية والانكليزية

4 ـ محاضرات في التاريخ الاسلامي

5 ـ دراسة عن موسوعة الفقه الاسلامي

6 ـ بين الجاهلية والاسلام

7 ـ مطارحات

8 ـ الإِسلام وتنظيم الأسرة (مع آخرين)

9 ـ العلمانية (تحليل ونقد محتوى وتاريخا)

10 ـ ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : تحليل للمواقف والدوافع والأهداف)

11 ـ السلم وقضايا الحرب عند الإِمام علي (ع).

12 ـ حركة التاريخ عند الإِمام علي (ع)

13 ـ منشورات أصدرها باسم الجمعية الخيرية الثقافية :

1 ـ الحسين : قصة حياته وثورته

2 ـ شرح عهد الأشتر

3 ـ عقائد الشيعة الإِمامية

٢٣٥
٢٣٦

فهرس

مقدمة الطبعة الثانية5

تقديم 15

مقدمات أغراض البحث ، المصادر ، كتب المقاتل19

القسم الاول 35

مقدمة37

كم هم؟43

من هم؟71

الجدول الثاني 113

ملحق بأسماء الذين استشهدوا في الكوفة122

شهداء كربلاء من بني هاشم 126

أسماء شهداء كربلاء من بني هاشم 129

قبور الشهداء الهاشميين وغير الهاشميين 138

ملحق 145

الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدسة147

بيان 154

النص المشتمل على أسماء الشهداء156

الاسماء المشتركة بين الزيارتين 159

الاسماء التي وردت في الرجبية163

دراسة عن الزيارة المنسوبة166

٢٣٧

القسم الثاني 183

النخبة185

العرب والموالي 190

عرب الشمال وعرب الجنوب 196

هاشميون طالبيون وعباسيون 205

الشبان والشيوخ 211

الكوفة والبصرة والحجاز214

درجة الحالة الثورية219

الدلالة السياسية لقطع الرؤوس 225

كتب للمؤلف 235

فهرس 237

٢٣٨