أدب الطف الجزء ١٠

أدب الطف0%

أدب الطف مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 320

أدب الطف

مؤلف: العلامة السيد جواد شبر
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 320
المشاهدات: 120568
تحميل: 8995


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 120568 / تحميل: 8995
الحجم الحجم الحجم
أدب الطف

أدب الطف الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

عددها الاول في 14 تشرين الثاني 1911 واستمرت تصدر بانتظام حتى قامت الحرب العالمية الاولى فعطلتها الحكومة ونفت صاحبها الى الانضول. وفي سنة 1343 اصدر مجلة (الاصلاح) شهرية صدر عددها الاول في غرة محرم الموافق ثاني آب 1924 وكان نادي الاصلاح في بغداد يتولى ادارتها والانفاق عليها، وقد توقفت بعد صدور العدد الثاني على الرغم من اقبال الناس عليها.

ولد الحاج عبد الحسين في بغداد سنة 1298 ه‍ وترعرع في زمن كثرت فيه الانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد البالية، من أجل ذاك نشأ وهو ثورة ادبية اجتماعية سياسية وعندما تقرأ ديوانه يرتفع بك الى جو مواج بهذه الالوان، وفي سنة 1911 م اصدر جريدة المصباح ثم عطلتها شؤون الحرب العامة الاولى، وحيث أن الادب الافرنسي واسع الخيال وكان الشاعر يتقن الافرنسية فكان محلقا في خياله ومبدعا في أسلوبه القصصي كتب الشيخ علي الشرقي عنه فقال(1) : كنت أنا والفقيد الغالي نختلف على تلعة من تلعات بلد النجوم لبنان، وذلك في صيف 1951 وكنا ننعم باستجلاء اجمل صور الماضي الاجتماعية والادبية. وفي يوم من أيام هذه الندوة ونحن نتناشد المختار من الشعر واذا بالشيخ يضع بين يدي ديوانا من شعره لا اشذ اذا قلت اني وجدته المختار من المختار، وليس للاستاذ الازري ديوان واحد ولكن هذا المجموع كان الحبيب اليه من شعره. لم يبهرني ذلك الديوان بديباجته المشرقة ولا لانه مجموعة صور رسمتها ريشة خلاق بل لاني وجدته وعاء انيقا في قراراته روح الشاعر الشاعر، وفي جنباته قلبه المشع وعاطفته الملتهبة، وقال ثلاثة اجيال وآل الازري يطلعون في أفق الادب العراقي ثلاثة نوابغ: أولهم الشيخ كاظم الازري، وآخرهم ولا أقول أخيرهم الاستاذ الفقيد، وواسطة العقد هو الشيخ محمد رضا(2) اما الشيخ كاظم فلم يكن في بغداد اشهر

__________________

1 - في مقال تحت عنوان: الاستاذ الازري الكبير نشر في مجلة العرفان ج 42 / 534.

2 - ترجمنا لهم في هذه الموسوعة.

٨١

منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي، كما انه كان في الطليعة من شعراء النجف ونوابغها على كثرة ما في تلك المدينة من النوابغ يومذاك مثل آل الفحام وآل النحوي وآل محيي الدين وآل الاعسم وبيت زوين ووو.

يتخيل البعض انه من أسرة الحاج كاظم الازري الشاعر الشهير والذي تقدمت ترجمته - وليس بين الاسرتين علاقة الا علاقة الادب دون النسب، حدثني الصديق الاستاذ جعفر الخليلي أنه سمع من الحاج عبد الحسين الازري نفسه انه ينفي هذه النسبة عن طريق الآباء والامهات وليس في ذلك غرابة فلقب الازري نسبة الى بيع الازر وقد يشترك الآلاف من الناس بهذه المهنة دون أن تكون بينهم قرابة أو يكون هنالك نسب.

وكتب عنه الاستاذ الكبير جعفر الخليلي في موسوعة (العتبات المقدسة) فقال الحاج عبد الحسين الازري من شعراء العراق اللامعين، حر التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير. وقد اصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد، كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم، وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول، ولم يكن أحد يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد، وكان من المجلين في تلك الحلبة ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة.

له ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث اذ انه هو الجامع لديوانه والناظم عقوده بيده.

ولد ببغداد سنة 1298 للهجرة وترعرع في زمن كثرت فيه الثورات والانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد. والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية. فمن نوادره قوله:

٨٢

ان العراق وكان في

زمن من الازمان بحرا

حكم الوراثة موجب

في طبعه مدا وجزرا

متقلب كرياحه

ما بين آونة وأخرى

وقوله:

ليت السما تقوى فتنقذني

حتى افوز بمدفن عطر

فتراب هذي الارض قاطبة

قد دنسته جرائم البشر

ومن روائعه قصيدته في تأبين محمد جعفر ابو التمن.

تحولت بعدك الارياف والمدن

مآتما والمعزى فيهما الوطن

لو أن للموت عقل لافتداك بمن

أعمالهم دفنتهم قبلما دفنوا

ورائعته في فيصل الاول وأولها:

نعوا للعروبة عنوانها

ومن عين هاشم انسانها

وأخرى عنوانها (في السينما) أولها:

خلطاء من كل فج حضور

وصفوف كما تصف السطور

فكأني بهم قصيدة شعر

راق فيها التجنيس والتشطير

ومن روائعه ونوادره قوله:

في سغبي موتي فهل بعده

عندك ما يرهب أو يفزع

وانما يخشى على نفسه

عواقب الاحداث من يشبع

وقال:

ومن الذل أن تعيش بدار

كل يوم منها على الحر عام

عبث حبك البقاء طويلا

ان تعش مثلما تعيش السوام

٨٣

آثاره:

1 - بطل الحلة رواية عصرية.

2 - البوران رواية عصرية.

3 - قصر التاج.

4 - ديوان شعر.

توفي رحمه الله في بغداد يوم الاحد 21 ربيع الثاني 1374 ه‍ ونقل جثمانه الى النجف الاشرف بتشييع مهيب فدفن في وادي السلام ونعته الصحف العراقية والعربية ورثاه عارفوه وأبنوه.

يقول الازري في قصيدته (ردوا).

ردوا الى اريافكم ردوا

لا الكاس شأنكم ولا (النرد)

لا تلهكم صور مزيفة

عنه كما يتزيف النقد

فالسم قد يبدو لشاربه

حلو المذاق كأنه الشهد

لا تحسبوا ان الحضارة في

سبط الشعور وشعركم جعد

ان النفوس على بداوتها

لكن تحضر دونها الجلد

خلوا الكهوف الى عناكبها

فلهن في حشراتها حشد

في كل زاوية لها شرك

متعدد الاشكال ممتد

تضدي ولا تنفك جائعة

مهما تكاثر حولها الصيد

لم تبلغ الاطماع حاجتها

منها وليس لحاجها حد

عاد الهواء بجوها نتنا

لا الطيب يخفيه ولا الند

شر الحواضر ما بتربتها

تشقى الجموع ويسعد الفرد

وفي قصيدته زوجوها... ايماءات اجتماعية دالة بادر الى توضيحها الازري عقب قيام أحد معارفه بالزواج من فتاة تصغره بمراحل وقد أثارته هذه الحادثة بشكل عجيب فأوحت اليه هذه الصور الحادة:

قدر أم بلاهة في أبيك

ضيعت رشده فطوح فيك

٨٤

لست أدري كيف ارتضاك لعات

عابث كل ليلة بفتاة

قد تراءى له بزي ثقات

رب ذئب يبدو بصورة شاة

وابن آوى مقلد صوت ديك

يا لخود كزهرة من بنفسج

تملأ الصبح بهجة ما تبلج

بينما قد تفتحت وهي تأرج

غالها آثم ولم يتحرج

فتوارت فالشمس بعد الدلوك

نمت والهر يا حمامة كامن

يرقب الفتك بالطيور الدواجن

انما الشرع قد حماك ولكن

مدع فيه من لصوص المدائن

أغفل النائمين من أهليك

ومنها..

طوقتها يداه بالرغم عنها

والتوت مذ رأته بالقرب منها

كيف تأبى وحظها لم يعنها

تركته يرعى بها دون منهى

كحمار في روضة متروك

لم تجد وهي دونه من مفر

ينقذ الصيد من براثن هر

أرجعته الدنيا لارذل عمر

غرقت في لعابه وهو يجري

جري ماء من محقن مفكوك

سائلي الليل كم به من سرير

لف جذعا بغصن بان نضير

سائليه ويا له من خبير

أنعوش قد كللت بزهور

أم نطوع الى ضحايا النوك

٨٥

سمحوا للنفوس أن تتصبى

تسترق الحسان لهوا ولعبا

ومذ استيقنوا الشريعة تأبى

أن يتم الزواج قسرا وغصبا

قتلوها وباسمها قتلوك

ولعوا في تعدد الازواج

ولع الذئب بافتراس النعاج

والملذات ما لها من سياج

أطلقتهم من قيد كل زواج

واستخفت بآية العدل فيك

حكموك بالرق دون اعتراض

وهوى النفس حكمه فيك ماضي

هو في الوقت مدع وهو قاضي

وعلى حكمه وعقد التراضي

باعك المالكون من مشتريك

ليت شعري والحق كان جليا

لك مثل الذي عليك سويا

أهو العصر لم يزل جاهليا

أم هو الوأد قد تغير زيا

ليكف العقاب عن وائديك

قال قوم ما أنت الا متاع

تارة يشترى وطورا يباع

كل حق عند القوي مضاع

وجدوك ضعيفة فاستطاعوا

أن يسومونك ذلة المملوك

ومن قصيدته « صوني جمالك » هذا المقطع..

كيف الحفاظ وأنت زدت

بريحك النار التهابا

وطلعت ثائرة على

الدنيا فأحدثت انقلابا

حتى ظفرت بما حلا

لك من مفاتنها وطابا

ورأيت أجمل من وشاحك

قامة غضت اهابا

فكشفت منها الجانبين

وعفت للوسط النقابا

٨٦

عبث حبك البقاء

ليس يجدي من الضعيف الكلام

يسمع الناس ما يقول الحسام

انما الحق سلوة العاجز الاعز

ل فيما لو جارت الاحكام

يتسلى به كما يتسلى

بحديث الصبابة المستهام

كل عيش يمر في ساحة العز

حلال وما سواه حرام

ومن الذل أن تعيش بدار

كل يوم منها على الحر عام

قل لثاو طوى على الذل كشحا

ما وراء الذي تحملت ذام

عبث حبك البقاء طويلا

ان تعش مثل ما تعيش السوام

أو يكن حظك الحثالة منها

انما حصة الكلاب العظام

وسواء اطال أم قصر الليل

اذا لازم النهار الظلام

ان اردت الحياة فاطلب بها العز

وان رمت غيره فالحمام

أرهفت نفسك الهواجس حتى

كثرت في سباتك الاحلام

كم تقاسي في كل يوم شقاء

لك يبقى وتذهب الايام

خاب من راح واثقا بالاماني

ما وراء السراب الا الاوام

يتمنى للداء منها علاجا

رب داء دواؤه الصمصام

وعجيب ممن يعيش خليا

ليس يدري ما الضيم وهو مضام

لم ينم في الهواء من كان يدري

أن للعز أعينا لا تنام

يا نداماي حسبكم ما شربتم

فرغ الكاس واستشف المدام

عظم الله أجركم بالحميا

والمسرات ما لهن دوام

اتركوا لي كأس الاسى ولغيري

ما حوى الكاس من طلى والجام

ان صفوي ما كدرته الاعادي

وصلاحي ما أفسد النمام

ليت أني علمت ما خبأ الدهر

لقومي وقدر العلام

أمل يبعث النفوس ولولا

ه تساوى الاقدام والاحجام

وبقايا مني يطاردها اليأس

فلا منعة ولا استسلام

أدلج الركب والطريق مخوف

حف فيه الغموض والابهام

خبريني عن الغمائم يا ريح

فعهدي بالخطب عهد قدام

جف ماء الوادي وكان جماما

وذوى فيه رنده والبشام

قطع الله ايديا منه جذت

خير نبت والنبت بعد تمام

٨٧

فرصة في زمانها اغتنمتها

واطمأنت اذ الرفاق نيام

انما آفة الورى طمع النفس

وداء الاطماع داء عقام

رب صعب القياد ذللّه المال

كما ذلل البعير الخطام

واذا لم ير العقوبة جان

فمن السهل عنده الاجرام

من حبته الفوضى بكاس دهاق

فمناه أن لا يسود النظام

كثر القانصون حولك فاحذر

وابتعد عن شراكهم يا حمام

ما عسى أن يؤثر الشعر فيمن

لم تؤثر به الخطوب الجسام

٨٨

الدخان

ظن الدخان بعرض الجو أن له

من المواهب ما للعارض الغادي

وليس صعبا عليه أن يباريه

فيما يفيض لرواد ووراد

اذا تمدد سد الافق صيبه

مزمز ما بين ابراق وارعاد

أو شاء أغدق من أطرافه مطرا

كالسيل يغمر سطح البلقع الصادي

وظل يختال تيها من تسنمه

متن الرياح على أرجاء بغداد

حتى تخيل كل القوم منتظرا

نداه من حاضر في الارض اوباد

و ما النسيم له الا كراحلة

تطوي الفضا بين اتهام وانجاد

وهكذا قد تناسى أن منشأه

من جوف حراضة أو كور حداد

ضاقت به فرمته من مداخنها

فراح يحدوه من ريح الصبا حادي

وبينما هو نحو الافق متجه

على جناح نسيم راكد هادي

هبت من الافق ريح صرصر عرضا

فشتته وأجلته عن الوادي

الحق أيقظه في صوت عاصفة

ايقاظه مجرما في سيف جلاد

من ظن أن له الايام خاضعة

فان أحداثها منه بمرصاد

ومن يطر بجناحي وهمه نصبت

له الحقيقة منها فخ صياد

٨٩

أوظار

تأتي الحياة فترتدينا برهة

وترد تخلعنا كثوب يسمل

وبحكم ألفتها ظننا أننا

هدف لها وكذا الظنون تعلل

ما نحن الا للحياة وسيلة

فبنا لاجل بقائها تتوسل

كل لاهداف الحياة مسخر

وبكل جارحة اليها يعمل

من ناطق فوق البسيطة عاقل

وبهيمة خرساء ليست تعقل

قد هيأت للنسل من شهواتهم

فيهم معامل ثم قالت: أنسلوا

فاذا تعطل عامل من بينهم

نبذته اذ لم يجدها المتعطل

كالنخل يبقى منه ما هو حامل

رطبا ويقلع منه ما لا يحمل

واذا أتم النحل لقح اناثه

لم يبق يصلح للحياة فيقتل

كمنت بزهرة كل نبت حاضر

لتهيئ النبت الذي هو مقبل

وتعود تكمن في خلايا بذرة

وتعاف من ثمراته ما يؤكل

تنميه حتى تستغل نشاطه

ما تستطيع وبعد ذلك يهمل

غرض البقاء يسوقها فلذاك من

جيل لآخر جهدها يتحول

غطت رحاب الارض في أوظارها

حتى اختفى منها الاديم الاول

تتعاقب الاجيال فوق خشاشها

والموت يكنس والحياة تزبل

لولا العلاقة بالحياة غريزة

لم يبق من لشقائها يتحمل

والمرء عبد للغريزة ما له

من رقها ما دام حيا موئل

٩٠

الكتاب والحجاب

نظمها الازري معارضا لقصيدة (المرأة في الشرق) التي أنشدها الاستاذ معروف الرصافي على أحد مسارح بغداد.

أمنازل الخفرات بالزوراء

لا زعزعتك عواصف الاهواء

قري فانك للفتاة أريكة

ضربت سرادقها على النجباء

لا تحزني مما رماك به الهوى

ظلما وظنك معقل الاسراء

أين الاسارة من عفاف طاهر

أين المعاقل من كناس ظباء

أكريمة الزوراء لا يذهب بك ال‍

‍نهتج المخالف بيئة الزوراء

أو يخدعنك شاعر بخياله

ان الخيال مطية الشعراء

حصروا علاجك بالسفور وما دروا

ان الذي حصروه عين الداء

أو لم يروا ان الفتاة بطبعها

كالماء لم يحفظ بغير اناء

من يكفل الفتيات بعد ظهورها

مما يجيش بخاطر السفهاء

ومن الذي ينهى الفتى بشبابه

عن خدع كل خريدة حسناء

ليس الحجاب بمانع تهذيبها

فالعلم لم يرفع على الازياء

أولم يسغ تعليمهن بدون أن

يملأن بالاعطاف عين الرائي

ويجلن ما بين الرجال سوافرا

بتجاذب الارداف والاثداء

فكأنما التهذيب ليس بممكن

الا اذا برزت بدون غطاء

وكأنما الاصلاح عز بناؤه

ما لم يشيد مسرح بنساء

ان المسارح لا تدير شؤونها

من كلفت برعاية الابناء

مثل بها دور الفضيلة انها

تغنيك عن تمثيل دور اباء

وانظر الى شأن المحيط وأهله

كيلا تفوتك حكمة الحكماء

نص الكتاب على الحجاب ولم يبح

للمسلمين تبرج العذراء

قل لي فماذا يصنع العلماء لو

نزهتهم من سيرة الجهلاء

ماذا يريبك من حجاب ساتر

جيد المهاة وطلعة الذلفاء

ماذا يريبك من ازار مانع

وزر الفؤاد وضلة الاهواء

ما في الحجاب سوى الحياء فهل من

التهذيب أن يهتكن ستر حياء

هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى

لو أصدقتك ضمائرالجلساء

شيد مدارسهن وارفع مستوى

أخلاقهن لصالح الابناء

وافحص عن الاخلاق قبل حجابها

أو ما سمعت بطائر العنقاء

هلا اختبرت الاقوياء خلاقهم

لو كنت تأمن عفة الضعفاء

أسفينة الوطن العزيز تبصري

بالقعر لا يغررك سطح الماء

وحديقة الثمر الجني ترصدي

عبث اللصوص بليلة ليلاء

٩١

الانانية

غمر السرورفؤادها بزواجه

وأعاد شاحب وجهها متهللا

قد كان من أقصى الاماني عندها

يوم ترى فيه ابنها متأهلا

حتى اذا نعمت بليلة عرسه

وتفيأ الضيف الجديد المنزلا

نظرتهما مسرورة وتجاهلت

قلقا افاق بنفسها فتململا

لم تدر ما هو؟ غير أن فؤادها

قد عاد لا يجد السرور الاولا

ظنته وهما عارضا فاذا به

داء على مر الليالي استفحلا

وطغت عليها وحشة من بيتها

فكأنه بعد العشي تبدلا

وكأنها ندمت وودت لو أبى

ليعيش معها راهبا متبتلا

كان ابنها ملكا اليها خالصا

واليوم ها هو للغريب تحولا

وتوهمت شبحا يحاول فصلها

عنه ويطلب منه أن يتنصلا

* * *

رجعت لعزلتها تناجي نفسها

وتود عما نالها أن تسألا

فأجابها القلق الذي شعرت به

مهلا فاني لم اجئ متطفلا

أنا ذلك الغرض الاناني الذي

في كل نفس لم أزل متأصلا

حب الامومة لابنها حب لها

فاذا تلمست العقوق تسللا

نار الحروب توقدت من لذعتي

والحرص يختلق الذنوب تعللا

لو لم اكن لم تشهدي متظلما

من جائريه ولا بطاغ مبتلى

لا يستطيع العلم جذم أواصري

ولو أنه بلغ السموات العلى

بل كلما ارتقت الحضارة في الورى

اشتدت قوادحها وزادتني صلى

* * *

أنا كاللظى والناس في غليانهم

كالماء والدنيا استحالت مرجلا

٩٢

فترة

أضحكتنا ورب ضحك بكاء

فترة من زماننا رعناء

فترة ضاعت المقاييس بين

الناس فيها وسادت الاهواء

خلقت من خشارة الناس رهطا

عرفت بعد خلقه الآباء

لمة من بني الشوارع عاشت

حيث عاش الاعيار واللقطاء

حشرات طلعن من طبقات

الارض لما استتبت الظلماء

وجراثيم حين لاءمها الماء

تفشى من سمهن الوباء

رفعتها من الحضيض ولم تر

فع نهاها فمسها الخيلاء

وكذاك اعتلاء من ليس اهلا

للمعالي مصيبة وبلاء

* * *

يا لها فترة من الدهر فوضى

يستوي الهدم عندها والبناء

كثر الانتحال فيها وباتت

تستغل الانساب والاسماء

كيف لا ترقبن كل عثار

من قصير عليه طال الرداء

غره المرتقى فظن بأن

الناس - حاشاه - اعبدو اماء

وله وحده الكرامة، والعزة

والمجد، والنهى، والعلاء

تقرأ العجب فيه من نظرات

ملؤها الاحتقار والازدراء

مطرق ان مشى كمن اشغلته

لحلول المشاكل الآراء

لو تصفحته وجدت ثيابا

فوق جسم كأنه المومياء(1)

مجدبا كالسباخ من كل خير

جل ما في جرابه الكبرياء

ان تسل منه فالجواب اقتضاب

أو تسلم فرده ايماء

* * *

واذا ما استنسبته قال انا

من أياد وغيرنا الادعياء

نحن من حاملي اللواء بذي (قار)

أبونا، وأمنا البرشاء

__________________

1 - المومياء دواء يحنط به الاجسام كالهياكل القديمة.

٩٣

وبنو عمنا الاراقم من تغلب

والاعشيان والخنساء

دارنا الغور، والعذيب، ووادي

الجزع، والابرقان، والدهناء

وجبل السراة تشهد أنا

عرب ليس غيرنا عرباء

هكذا تفعل المهازل في الدنيا

وتقضي الغباوة العمياء

وكذا يبطر الرخاء خفيف الوزن

من حيث لم يسعه الاناء

* * *

تتغنى به البلاهة والطيش

وبعض من الغناء رثاء

لا تلمه فقد رأى فوق ما لم

يتصور، وانجاب عنه الشقاء

من رياش تحفه في المقاصير

وكانت تلفه القرفصاء

* * *

وتخب السيارة اليوم فيه

بعد ما خد أخمصيه الحفاء

يوجد الخير حيث يوجد في المرء

ضمير يشع منه الضياء

* * *

أيها الفترة اقترفت ذنوبا

قد تلقى عقابها النبلاء

ليس هذا الزمان الا كتابا

انت منه الصحيفة السوداء

فيك راح الهوى يخط ويملي

لم تقيده ذمة أو حياء

طالما غرت الظواهر عيني

وغطى على الظنون الرياء

ثم دارت رحى الزمان فأبدت

لي ما ينطوي عليه الخفاء

رب داء ترى من العار شكواه

وشكوى يثنيك عنها الاباء

٩٤

الشيخ عبد الحسين الحلّي

المتوفى 1374 ه‍

يا ليالي بأعلى الكرخ عودي

عله يخضر في عودك عودي

ان أيامي كانت خدمي

فيه لما كنت من بعض عبيدي

فزت فيه بجنان جمعت

بين قضبان غصون وقدود

كلما هبت صبا قلت لها

يا غصون اعتنقي عطفا وميدي

بيد الناهد من رمانها

واليد الاخرى برمان النهود

أحسب الطلع نضيدا مثلما

طلع اللؤلؤ في الثغر النضيد

انشق التفاح فيها خجلا

لم لا أرشف تفاح الخدود

وأخد الروض أبغي ورده

أفلا تغني خدود عن ورود

كلما في الكون فيه لذة

لك ان متعت بالعيش الرغيد

وأقم ان شئت في كوخ بلا

كدر أو شئت في قصر مشيد

وادرع طمرا اذا كنت به

وادعا تستغن عن وشي البرود

الى أن يقول:

بهدى آل الهدى استمسك فقد

جمعوا الفائت للفضل العتيد

عترة الوحي الذين ابتهجت

لهم الدنيا بأنوار الوجود

قد كفاهم انهم من نوره

خلقوا والناس طرا من صعيد

وكفى عن مدح الناس لهم

مدحهم في محكم الذكر المجيد

فقضوا بين سميم وقتيل

ومضوا بين شريد وطريد

٩٥

يا بني الزهراء انتم عدتي

وبكم يكثر ان قل عديدي

بيتكم قصدي ومدحي لكم

هو في نظم الثنا بيت قصيدي

انتم المحور من دائرة

أكملت قوسي نزولي وصعودي

انتم حبل اعتصامي ان تكن

بلغت نفسي الى حبل الوريد

ليس لي الا ولاكم عمل

آمن الهول به يوم الوعيد

ما لنقصي جابر غيركم

يوم تدعو سقر هل من مزيد

لكم مني الهنا ممتزجا

بالاسى في مولد السبط الشهيد

هزه في مهده الروح ومن

هزه الروح به خير وليد

فرحت اهل السماوات به

وغدت تزهر جنات الخلود

وبه الله عفا عن فطرس

فأميطت عنه اغلال القيود

واصل الله به البشرى وما

تنفع البشرى بمقطوع الوريد

قتلوه ظامئا دون الروى

ثم ساقوا أهله سوق العبيد

تتراماها النواحي في الفلا

حسرا لابن زياد ويزيد

أزعجت من خدرها حاسرة

كالقطا روع من بعد هجود

فقدت كل عماد فدعت

من بني عمرو العلى كل عميد

لبدور بدماها شرقت

وبها اشرق مغبر الصعيد

قد تواروا بقنا الخط أهل

قصد الخطي غاب للاسود

يا أبا الصيد الميامين وهل

ينجب الاصيد ولدا غير صيد

أنت لي ركن شديد يوم لا

يلتجى الا الى ركن شديد

هذه مني يد مدت فخذ

بيدي منك الى ظل مديد

أنا في حشري عليكم وافد

طالبا حق ولائي ووفودي

لا أكن بين عداكم ضائعا

في غد ضيعة عيسى في اليهود

الشيخ عبد الحسين الحلي علم الاعلام له المكانة المرموقة في الكمال والتضلع في العلوم وقد هجر الحلة مهبط رأسه ومحل أسرته وهو في الثالث عشر من سنه وقصد النجف حيث العلم والمعارف، وحيث الدرس والتدريس فقرأ ما شاء أن يقرأ من العلوم العربية والمنطق والفقه وأصوله والكلام والحكمة والتفسير والحديث وغير ذلك وأصبح استاذا يشار اليه بالبنان وحصلت له ملكة نحت الشعر وقرضه عندما كان في أيام شبابه يتردد على الحلقات الادبية والنوادي الشعرية، ولا ابالغ اذا قلت ان العلامة الحلي قليل النظير

٩٦

في النجف من الوجهتين العلمية والادبية فهو الاستاذ الذي تحضر لديه جملة من طلاب العلم ورواده، وهو الاديب الذي تتبارى أمامه الشعراء والحكم الذي تذعن لحكمه الادباء، خفيف الروح حسن المعشر لا يظهر بمظاهر العظمة والرفعة ومن هنا يأنس به كل واحد، تعرض عليه شعرك فيعيرك أذنا صاغية أما اذا اراد أن ينبهك على خطأ من بيت غير موزون أو قافية لا تلائم اخواتها تزداد ابتساماته ويلتفت اليك قائلاً: أيقال هكذا وللشيخ الحلي مؤلفات كثيرة في مواضيع شتى منها (نصرة المظلوم ونقد التنزيه، ترجمة الشريف الرضي) دراسة قيمة كانت مقدمة لكتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل للسيد الرضي الى غير ذلك.

ولد في الحلة عام 1301 ه‍ ولما ابتدأ بدراسة العلوم العربية هاجر للنجف كما تقدم يقول صاحب الحصون: كانت هجرة الشيخ عبد الحسين عام 1314 وعند وصوله النجف ارتجل هذه الابيات في مدح الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

يا علي الفخار فيك هدانا

الله بعد العمى سواء السبيل

كن مقيلي من العثار فإني

جاعل في ثرى حماك مقيلي

لا أبالي وقد تخذتك كهفا

عاصما لي من كل خطب جليل

أنت من لاعج الحميم مجيري

والى نافح النعيم دليلي

أنت من خير معشر وقبيل

بحماهم يحمى ذمار النزيل

والمترجم له قد درس على الشيخ محمود ذهب الفقه والاصول ولازم شيخ الشريعة ملازمة الظل فأخذ عنه كثيرا من العلوم منها علمي الدراية والرجال وكثيرا من الحديث والحكمة والكلام والهيئة والحساب وقد أجازه في الاجتهاد ولكن الظروف القاسية اضطرته الى قبول القضاء في البحرين كمميز لاحكام المحاكم الشرعية فاستفاد منه الخليج. هذا ولم يفتر عن نشراته وبحوثه في المجلات فقد واصل في نشر موضوع الشعوبية والشعوبيين وبين فترة واخرى يتحف الادب والادباء برائعة من روائعه امثال رائعته التي اولها.

لولا هوى وطني وحسن وفائي

ما كان فيه ولا يكون ثوائي

٩٧

حب له ما انفك حشو حشاشتي

أبدا وتلك سجية الامناء

حلت به ايدي الشباب تمائمي

وعلى الكمال عقدت فيه ردائي

وقوله في الغزل قصيدته التي مطلعها:

أطلع لي قده وخده

فخلت غصنا عليه ورده

وفي قصيدته اسرار الهوى يقول:

ما للظبا نظرات من هوى فيها

لكن لعينيك تمثيلا وتشبيها

ولست الثم ثغر الكاس عن شغف

لكن لريقة ثغر منك تحكيها

وارقب الشمس في الآفاق أرمقها

لان من خدك الاسنى تلاليها

يا ويح نفسي من نفس معذبة

منها عليها غدا في الحب واشيها

يا من جلت لي معنى البدر طلعته

ممثلا وهوبعض من معانيها

كم لي بها نظر جلت مظاهره

من بعده فكر دقت معانيها

اني لاصبو الى اغصان مائسة

لما غدا عنك مرويا تثنيها

وأعشق الوردة الحمراء احسبها

خدا فألثمه افكا وتمويها

* * *

يجلو السلافة لي في خده رشأ

تحكيه في رقة المعنى ويحكيها

وردية لم أخلها في زجاجتها

- استغفر الله - الا خد ساقيها

حمراء في فلك الاقداح مطلعها

وفي العقول اذا سارت مجاريها

رقت فلم أدر في كاساتها جليت

ام كاسها لصفاء او دعت فيها

عذراء باتت وبات القس يحرسها

والصلب من حولها في الدير تحميها

ما زوجت بسوى ابن المزن والدها

حكم المجوس بها القسيس يفتيها

شعت فقامت لها الحرباء ترمقها

كأنها الشمس في أبهى تجليها

شمس تفوق شموس الافق ان بها

كمثل ايامها ضوءا لياليها

كان الشيخ عبد الحسين رحمها لله زميلا لوالدي وبينهما صداقة ومودة وتبادل الزيارة والمذاكرات العلمية متصلة فلا يمر اسبوع الا

٩٨

وارى والدي في دار الشيخ الحلي وارى الحلي في دارنا أيضا وكان الوالد يقول لي: اعرض ما يعسر عليك فهمه على الشيخ عبد الحسين فكنت اثناء ذلك اسمع منه النكتة المستملحة والنادرة الادبية ولعهدي بجماعات من المشغولين بالتأليف والمعنيين بالبحوث التاريخية والادبية ومرجعهم الشيخ بكل ما يكتبون ولعهدي بشاعر من المتدرجين على نظم الشعر كان يقرأ على الشيخ شعره وشعوره وكثيرا ما كان الشيخ يداعبه فتستحيل الجلسة الى فكاهة ومرح اذ أن الشيخ يقرض ذلك الشعر بقطعة تكون على الوزن والقافية وحسبك ان تقرأ جريدة الهاتف النجفية ومجلة الاعتدال لتقف على منثور المترجم له ومنظومه انه يقول في رائعته (عالم الغد).

أيصدقني يومي الاحاديث في غد

فيغدو على برحاء قلبي مسعدي

سقاني على التبريح كاسا مريرة

أهل بعدها يصفو ويعذب موردي

وروت لنا جريدة الهاتف من شعره تحت عنوان (البلبل السجين):

أيها البلبل حيتك الغوادي والروائح وتعطرت من الزهر بأصناف الروائح مرة غنيت في دهري فردتني الصوائح وتغني أنت دوما ثم لا تزجر مرة ما الذي مازك لولا أن تغريدك فطره ومن بدائعه المرتجلة ان زار فضيلة الشيخ عبد الحسين شرع الاسلام عند رجوعه من السفر وكان في المجلس طبقة من علماء النجف فطالبوا زميلهم بهدية منه بمناسبة زيارته للامام الرضاعليه‌السلام بخراسان فقام الشيخ وجاء بجملة من الخواتيم الفيروزجية وقال ليختر كل واحد خاتما، فارتجل الشيخ الحلي.

ألقى الخواتيم لنا فانتثرت

حتى تزاحمنا عليها معه

فلا تسل عنا فكل واحد

أدخل في خاتمة اصبعه

لقد كانت حياة الشيخ الحلي مدرسة وكان امة في فرد لذلك عز

٩٩

نعيه وتهافتت الوفود على ولده الدكتور علي تعزيه والحق انها هي الثكلى ثم اقيمت له حفلة تأبين في منتدى النشر والقى ولده كلمة ملتهبة لوعة وحسرة وانا لله وانا اليه راجعون. ومما هو جدير بالذكر ان سبط الشيخ المغفور له وهو صديقنا الاستاذ مجيد حميد ناجي قد اتحفنا بجملة من أشعار جده وروائع من منظومه احتفظنا بها في مخطوطاتنا من الاطالة.

١٠٠