السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام0%

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 293

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ علي ربّاني الخلخالي
تصنيف:

الصفحات: 293
المشاهدات: 227515
تحميل: 6570

توضيحات:

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 293 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 227515 / تحميل: 6570
الحجم الحجم الحجم
السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

السيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

الأربعاء ، فلماذا تصلّي صلاة الجمعة(1) ؟!

كفر بني أُميّة

عندما آلت الخلافة إلى بني أُميّة أخذوا يتلاعبون بها تلاعب الصبيان في الكرة وعمدوا إلى تضليل أهل الشام واقصائهم عن أهل البيت عليهم السلام فابتدعوا قضيّة لعن وسبّ أميرالمؤمنين عليه السلام على المنابر ما يقارب ثمانين عاماً حتّى شبّ على ذلك الصغار وشاب عليها الكبار فصار الشاميون لا يميّزون بين الحقّ والباطل.

وقد بلغ من شدّة الحرب الإعلامية ضدّ أهل البيت عليهم السلام في الشام أنّ الكثير من الناس آنذاك لم يكونوا يسمعوا باسم الحسنين عليهما السلام بل ولم يطّلعوا على الواحد من الألف من فضائل أهل البيت عليهم السلام.

بل إنّهم لم يسمعوا بفضائل آل الرسول صلى الله عليه واله إلّا في مجلس يزيد الطاغية عندما ارتقى سيّد الساجدين عليه السلام الأعواد وأخذ يعدّد فضائل أميرالمؤمنين وسائر أهل البيت عليهم السلام وكشف للشاميين رذائل بني أُميّة وآل مروان ، وكيف أنّهم تجاسروا على الله تعالى وقتلوا ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام والصفوة المختارة من أهله وصحابته.

وعلى كلّ فقد بلغ تأثير الحرب الإعلامية التي شنّها بنو أُميّة ضدّ أهل البيت عليهم السلام أنّهم لمّا سمعوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد استشهد في المحراب تساءلوا بكلّ تعجّب وقالوا : وهل كان علي يصلّي حتّى يقتل في المحراب(2) ؟!

__________________

(1) بررسى تاريخ عاشوراء ص 48 للمرحوم الدكتور محمّد إبراهيم آيتي بيرجندي.

(2) بررسي تاريخ عاشوراء دكتور محمّد إبراهيم بيرجندي ص 48.

٦١

الخلافة الموروثة

بعد أن استشهد أميرالمؤمنين عليه السلام رجع الناس حسب وصيّته إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبايعوه ، وقد تصدّى الإمام عليه السلام للخلافة ونهض بأعباءها إلّا أنّ معاوية السوء لم يجلس مكتوف اليدين وبقي يجيّش الجيوش ويجنّد الرجال إلى أن خرج بجيش جرّار متّجها نحو العراق لمقاتلته عليه السلام.

وليس ذلك فحسب ، وإنّما أخذ معاوية يدبّر المؤامرات الشيطانية وينفق الأموال الطائلة فاشترى العديد من أنصار من الإمام الحسن عليه السلام وأغرى الكثير منهم حتّى اضطرّ سبط رسول الله عليه السلام أن يصالحه ويتنازل عن حقّه في الخلافة ولكن بشرط أن تعود إليه بعد موت معاوية اللعين(1) .

وفي عام 40 ه وبعد أن استولى معاوية على الخلافة جاء إلى العراق وخطب في الناس وكشف لهم مدى خباثته وحماقته فقال : ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا وإنّما قاتلتكم لأتولّى عليكم وقد مكّنني الله من ذلك(2) .

وقال أيضاً : كنت قد عاهدت الحسن بن علي بأُمور ، وها أنا ذا أضعها تحت أقدامي(3) .

وفي واقع الأمر أنّ معاوية عبر كلامه هذا كشف للناس أنّ سياسته لا ربط لها بالدين أصلاً ، وأنّه غير حاضر للالتزام بكلّ العهود والمواثيق التي عاهد الإمام الحسن عليه السلام والناس عليها ، ولذلك عكف على تسخير كلّ القوى للمحافظة على حكومته وسلطنته في البلاد. ولا يخفى أنّ هكذا طريقة في الحكم لا يمكن أن تسمّى خلافة وإنّما هي ملكية

__________________

(1) نفس المصدر ص 43.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 160 ، تاريخ الطبري ج 4 ص 124 ، تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 203.

(3) نفس المصدر.

٦٢

وفرض للسلطنة ، ولذا فإنّ بعض من ذهبوا لملاقاته كانوا يسلّمون عليه بالملوكية(1) بل إنّه شخصياً عبّر في بعض مجالسه الخاصّة عن حكومته بالملكية وإن كان يتظاهر أمام الملأ بالخلافة(2) .

كما سعى معاوية السوء أن يصير ملكه الذي شيّده على الظلم والطغيان والاستيلاء على رقاب العباد وراثة يتداول بين ذرّيته وجماعته من بني أُميّة.

وبالفعل فقد عيّن معاوية ابنه يزيد كخليفة من بعده رغم تجاهره بالفسق واطلاع الناس على فساده وانحرافه.

من جانب آخر فإنّ معاوية لكي يصل إلى ما أذاع به أمام الناس من نقضه لمعاهدته مع الإمام الحسن عليه السلام وإدلائه بالخلافة لابنه يزيد شارب الخمور دبّر مخطّطاً شيطانياً آخراً للإمام الحسن عليه السلام ودسّ إليه السمّ الفتّاك فاستشهد مسموماً مظلوماً صلوات الله عليه وخلى الجو لابنه يزيد.

ولا يخفى أنّ معاوية بالغائه المعاهدة مع الإمام الحسن عليه السلام صرّح عمليّاً أنّه لن يترك شيعة أهل البيت عليه السلام آمنين يتّصلون بأئمّتهم ويستفيدون من إرشاداتهم القيّمة ومواعظهم المفيدة ، وهذا ما حصل فعلاً.

فقد أعلن أمام الملأ أنّ كلّ من ينقل حديثاً أو منقبة من مناقب أهل البيت عليهم السلام لا حرمة لنفسه وماله وعرضه ، كما أكّد اللعين على نشر الفضائل المبتدعة لبعض من يسمّونهم بالصحابة والخلفاء. وبالمقابل ابتدع معاوية المسألة لعن أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر وبقي ذلك حتّى زمان الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز.

وبالاضافة إلى ذلك فقد بعث إلى عمّاله في كلّ البلاد وأمرهم بقتل ومطاردة صحابة أمير المؤمنين عليه السلام وخواصّه فضلاً عن الجاء الشيعة عامّة إلى التبرّي من الإمام

__________________

(1) راجع تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 193.

(2) راجع تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 202.

٦٣

علي عليه السلام ولعنه علانية ومن يأبي منهم فلا يتردّدون في قتله(1) .

التشديد على الشيعة

من أشدّ الأزمنة التي مرّت على الشيعة في تاريخهم الطويل هو زمان معاوية بن أبي سفيان الذي حكم عشرين عاماً وأذاقهم فيها أشدّ المعاناة والمحن ، علماً أنّ إمامين من أئمّة الهدى ـ الحسن والحسين عليهما السلام ـ كانا في ذلك العهد يشاهدان ويعايشان الأحداث المأساوية التي تمرّ على شيعتهم ومحبّيهم إلّا أنّهما لا يستطيعان دفع هذه المآسي عنهم.

وحتّى سيّد الشهداء عليه السلام الذي ثار ضدّ يزيد الطاغية خلال الستّة أشهر الأُولى من حكومته واستشهد هو وأنصاره الخلّص لم يستطيع أن يصنع شيئاً أيّام معاوية.

الملفت للانتباه أنّ أكثر أهل السنّة يوجّهون قتل من يسمّونهم بالصحابة للشيعة المظلومين وتنكيلهم بهم ـ خاصّة معاوية الذي أخذ الكثير من علماء السنّة يوجّهون أفعاله ويحملونها على المحامل الحسنة كأن يقولوا : هؤلاء من صحابة الرسول صلى الله عليه واله وقد ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه واله أنّ الصحابة مجتهدون ومعذورون ، وأنّ الله تعالى راضٍ عنهم وأنّ كلّ ما يفعلونه من جرائم وجنايات سيغفرها الله لهم. مقابل توجيهات السنّة البعيدة عن الإنصاف رفض الشيعة مثل هذه الإعذار والتوجيهات وذلك لـ :

1 ـ ليس من المعقول أنّ مثل الرسول صلى الله عليه واله الذي بعث لإحياء الحقّ وتطبيق العدالة ونشر الحرّية بعد أن ضحّى التضحيات العظيمة وعانى هو وأتباعه أمرّ الويلات والمصائب يترك الأُمّة سدى دون راعي أو قائد يقودها من بعده.

2 ـ إنّ الروايات المجعولة الدالّة على عدالة مطلق الصحابة مهما كانوا إنّما وردتنا من نفس الصحابة الذين وضعوا مثل هذه الروايات ليغطّوا بها فضائحهم وزلّاتهم.

وممّا يشهد على ذلك أنّ نفس الصحابة لم يعملوا بمثل هذه الروايات وكانوا ينالون

__________________

(1) النصائح الكافية ص 58 ، 64 ، 77 ، 78.

٦٤

من بعضهم البعض ويتهجّمون على غيرهم حتّى قتل بعضهم بعضاً ولعن كلّ منهم البقيّة.

وعليه فإنّ نفس عمل الصحابة يكذب مثل هذه الروايات الموضوعة ، وإذا سلّمنا بصحّتها فلابدّ من حملها على معنى آخر غير المعنى الخاطئ الذي يفسّره البعض من تقديس البعض ممّن يسمّونهم بالصحابة.

وعلى فرض أنّ الله تعالى دعا إلى تقديس الصحابة واحترامهم فإنّ ذلك مقتصراً على المواضع الخاصّة التي مدحهم الله تعالى(1) ولا تبقى هذه القداسة لهم على مرّ الزمان حتّى لو سوّدوا بأفعالهم صفحات التاريخ.

استقرار سلطنة بني أُميّة

بعد أن توفّي معاوية بن أبي سفيان عام 60 ه تولّى ابنه يزيد الطاغية زمام الحكومة الإسلامية وذلك طبق البيعة التي أخذها له والده زوراً من الناس.

وكما قلنا سابقاً فإنّ يزيد بشهادة التاريخ لم يكن متديّناً أصلاً ، بل كان شاباً لا أُبالياً حتّى في زمان والده المشؤوم لم يكن يعتني بالقوانين الإسلامية ولم يكن له همّ سوى اللهو والفساد.

وقد ارتكب يزيد خلال السنين التي حكم فيها المسلمين مخازي وفجائع لم يسمع بها التاريخ من قبله. ومن يعد يزيد استلم بنو مروان الخلافة ووصلت إلى أيديهم ، وكما ينقل المؤرخون أنّ الحكومة الإسلامية بقيت بيد بني مروان ما يقارب سبعين عاماً ولم يمرّ على الإسلام والمسلمين مثل هذه السنين العجاف حتّى بلغ الأمر أنّ أحدهم ممّن يسمّونهم بخلفاء الرسول وحماة الدين صمّم أن يتّخذ لنفسه غرفة فوق الكعبة المقدّسة

__________________

(1) هذه إشارة إلى قوله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) سورة التوبة : 100.

٦٥

يقضي فيها أوقات اللهو وساعات المجون أيّام الحجّ(1) .

كما أنّ أحدهم تفأّل بالقرآن الكريم وإذا به يقرأ قوله تعالى :( وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (2) ، فوضع القرآن ورماه بسهامه وقال :

تهدّدني بجبّار عنيد

فها آنذا جبّار عنيد

فإذا ما جئنا يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد(3)

بالطبع فإنّ الشيعة لهم اختلاف أساسي مع السنّة في مسألتين وهما : الخلافة والمرجعية الدينية.

وحيث إنّ الحكومات الجائرة على مرّ التاريخ كانت تطارد الشيعة وتضيّق عليهم الخناق في معتقداتهم فإنّ الكثير منهم حرم من نعمة جوار الأئمّة عليهم السلام ونزلوا البلاد النائية.

وبالرغم أنّ المضايقات الشديدة التي لاقاها الشيعة الموالون لا تكاد تعدّ أو تحصى إلّا أنّهم كانوا يوماً بعد الآخر يزدادون اعتقاداً بأئمّتهم خاصّة سيّد الشهداء عليه السلام الذي قتل جوراً بيد الطاغية يزيد وأعوانه الطغاة.

ولعلّ خير شاهد على هذا الكلام أنّ الشيعة لمّا أحسّوا بالفرج أيّام الإمام الباقر عليه السلام حيث كانت الحكومة الأموية مشغولة بنفسها أخذوا يتقاطرون عليه من كلّ حدب وصوب وبقوا ينهلون ويستفيدون من علومه المباركة.

وقد بلغت هذه الحالة حدّاً بحيث إنّ القرن الأوّل للهجرة لم ينته إلّا والشيعة قد نزلوا قم وعمّروها(4) .

ومع أنّ الشيعة كانوا يعملون بالتقيّة كما أوصاهم الأئمّة الأطهار عليهم السلام إلّا أنّ الكثير

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 73.

(2) سورة إبراهيم : 15.

(3) مروج الذهب ج 3 ص 228.

(4) معجم البلدان مادّة قم.

٦٦

من العلويين ثاروا ضدّ الحكومات الفاسدة آنذاك لشدّة المضايقات المفروضة عليهم وعادة ما كان هؤلاء العلويين يحوزون على الشهادة.

وكانت الحكومات الجائرة تتفنّن في التمثيل بمثل هؤلاء السادة والشواهد على ذلك كثيرة منها ما صنعوه بزيد بن الإمام السجّاد عليه السلام حيث أخرجوا جسده من قبره وصلبوه ثلاث سنين ثمّ أنزلوه وحرقوه وذروا رماد جسده في الهواء(1) .

الشيعة في القرن الثاني للهجرة

في أواخر الثلث الأوّل من القرن الثاني للهجرة توالت العديد من الانقلابات والحروب الدامية التي جاءت على أثر ظلم بني أُميّة وسوء تعاملهم مع الناس في مختلف المناطق الإسلامية في العالم.

من جانب آخر فقد ظهرت في خراسان حركة جديدة باسم أهل البيت عليهم السلام وكان المتصدّي لها هو أبو مسلم المروزي القائد الايراني الذي ثار ضدّ بني أُميّة وقاوم حكّامها إلى أن أطاح بدولتهم(2) .

وعلى الرغم أنّ هذا الانقلاب الجديد أخذ يدّعي التبليغ للتشيّع كثيراً ويطالب بالدماء الزاكية لشهداء أهل البيت عليهم السلام علّ الناس يبايعوا أبو مسلم الخراساني الذي يدّعي أنّه مرضي من قبل أهل البيت عليهم السلام إلّا أنّ مثل هذا الانقلاب لم يكن مقبولاً عند الشيعة بدليل أنّ نفس أبو مسلم عرضه بيعته على الإمام الصادق في المدينة فرفضها عليه السلام وقال : «أنت لست من رجالنا ولا الزمان زماننا»(3) .

__________________

(1) مروج الذهب ج 3 ص 217 ـ 219 ، تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 66.

(2) الشيعة في الإسلام العلّامة الطباطبائي ص 26.

(3) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 86 ، مروج الذهب ج 3 ص 268.

٦٧

ولمّا استولى بنو العبّاس على الخلافة باسم أهل البيت عليهم السلام(1) تلاطفوا في بداية الأمر مع الناس والعلويين خاصّة وأذاعوا بني الملأ أنّهم سينتقمون لشهداء العلويين وأعربوا عن سخطهم الكامل على بني أُميّة واهداروا دمائهم بحيث إنّهم كلّما وجدوا قبر أحد أُمرائهم أحرقوه(2) إلّا أنّهم بعد ذلك كشفوا عن حقيقتهم السيّئة وأعادوا تاريخ بني أُميّة كاملاً بل وتجاوزوا الحدّ وأنسوا الناس ظلم بني أُميّة.

على كلّ فقد تجاوز الأمويون على الإمام السجّاد عليه السلام ودسّوا إليه السمّ الفتّاك فمات عليه السلام شهيداً مسموماً(3) .

ناهيك عن قتلهم لريحانتي رسول الله صلى الله عليه واله وسيّدا شباب أهل الجنّة حيث دسّوا للإمام الحسن عليه السلام السمّ وقتلوا سيّد الشهداء عليه السلام بتلك الصورة البشعة.

وقد بلغت فضائح بني أُميّة حدّاً أنّ أهل الذين يعتبرون مطلق الخلفاء مفترضي قسّموا الخلفاء إلى :

1 ـ الخلفاء الأربعة الأوائل بعد رسول الله صلى الله عليه واله وهم : أبوبكر وعمر وعثمان والإمام علي عليه السلام.

2 ـ الخلفاء الغاصبون : ويبدأون من معاوية بن أبي سفيان وينتهون إلى بني مروان.

وعلى أثر شدّة ظلم الأمويين وإعاثتهم الفساد في البلاد سخط الناس عليهم وتفاعلوا مع العبّاسيين ضدّهم وأطاحوا بدولتهم وذلك في عهد آخرهم وهو مروان الحمّار.

وكما ينقل المؤرخون : أنّ العبّاسيين عندما ثاروا ضدّ الأمويين فرّ أبناء مروان وعياله على وجوههم وطرقوا أبواب الكثير من الناس علّهم يؤونهم ويحمونهم إلّا أنّ

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 86 ، مروج الذهب ج 3 ص 268.

(2) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 91 ـ 96 ، تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 212.

(3) بحارالأنوار ج 12.

٦٨

أحداً لم يقبل ذلك فبقوا في صحراء «النوبة» حيارى مدّة وقد مات الكثير منهم من شدّة الجوع والعطش ، أمّا البقيّة فقد لجأوا إلى اليمن بزي الحمّالين ومنها ذهبوا إلى مكّة واختفوا فيها(1) .

خلاصة القول إنّ بني العبّاس لم يبقوا لبني أُميّة في الظلم شيئاً حتّى صار الناس يترحّمون على أيّام الأمويين من شدّة ما عاثوا في الأرض الفساد.

ففي التاريخ أنّ أحد الغنّين أنشد للأمين العبّاسي بيتين من الشعر حرّك فيهما شهوته فوهب له ثلاثة ملايين درهماً ، وإذا بالمغنّي يسقط على قدمي الأمين يقبّلهما من شدّة الفرح وهو يقول : يا أميرالمؤمنين أكلّ هذه الأموال لي؟ فأجابه الأمين قائلاً : لا يهمّ ، سأُعوّضها من إحدى البلاد(2) .

يزيد والسرور الذي لم يدم

لقد بلغت بني اُميّة ضدّ أمير المؤمنين في الشام حدّاً بحيث إنّ الناس في ذلك البلد كانوا يعتقدون أنّ بني أُميّة أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه واله.

ولكن وبعد أن قدم أهل البيت عليهم السلام إلى الشام أُسارى ، وعلى أثر خطابات الإمام السجّاد عليه السلام فوق منابر دمشق وفي شوارعها فضلاً عن خطابات السيّدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد وبعد أن اتصّل الناس بالإمام زين العابدين عليه السلام وحقّقوا عنه انكشفت لهم الحقيقة وافتضح يزيد اللعين ، ولذا فإنّه بعد تلك الخطابات لم يستطع ابقاء أهل البيت عليهم السلام في الشام خشية أن ينقلب الناس عليه.

فقد كان الأمويون يوصلون الحقائق إلى الناس في الشام معكوسة ضدّ أهل البيت عليهم السلام بحيث إنّ هذه التبليغات السيّئة أخذت مأخذها عند أهل الشام حتّى أنّ مشايخ دمشق حسب نقل «تجارب السلف» تأثّروا بمثل هذه الدعايات الضالّة ، ولو أنّ

__________________

(1) الشيعة في الإسلام العلّامة الطباطبائي ص 26.

(2) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

٦٩

أهل البيت عليهم السلام لم يدخلوا الشام أُسارى لما انكشفت لهم الحقيقة ولبقوا مخدوعين حتّى اليوم.

وعلى أيّة حال ، فقد ظنّ يزيد اللعين أنّه ـ وحسب الظاهر ـ انتصر على سيّد الشهداء عليه السلام بعد قتله إيّاه وسبي ذرّيته إلى الشام وأنّ الأُمور ستسقرّ له ويصفو له الجو بحيث يبقى هو وأحفاده رغيدي العيش مرتاحين البال يتنعّمون في ملكهم.

ولم يعلم ذلك الطاغية أنّ المنتصر الحقيقي هو سيّد الشهداء عليه السلام ، ولذا فإنّه لم تنقض مدّة بسيطة حتّى ذهب ملكه وضاع سلطانه وبقي لعنه في التاريخ حتّى أنّ ابنه معاوية ارتقى المنبر يوماً في نفس الشام وتبّرأ من أفعاله السيّئة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

نعم ، فقد استرّ يزيد في بادئ الأمر بقتل سيّد الشهداء عليه السلام وبعث خلف ابن زياد اللعين وأكرمه بالهدايا والعطايا الجزيلة إلّا أنّ هذه الفرحة لم تدم طويلاً حتّى انقلبت إلى أحزان وآهات.

فقد نقل المحدّث القمّي في كتابه نفس المهموم فقال : أقول : يظهر لمن تأمّل أفعال يزيد وأقواله أنّه لما جيء برأس الحسين عليه السلام وأهل بيته سرّ بذلك غاية السرور ، ففعل ما فعل مع الرأس الشريف وقال ما قال وحبس علياً بن الحسين عليه السلام وسائر أهل بيته في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشّرت وجوههم(1) ، فلمّا عرفهم الناس واطّلعوا على جلالتهم وأنّهم مظلومون ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله كرهوا فعل يزيد بل لعنوه وسبّوه وأقبلوا على أهل البيت عليهم السلام ، فلمّا اطّلع يزيد على ذلك أراد أن يفرغ ذمّته من دم الحسين عليه السلام ، فنسب قتله إلى ابن زياد ولعنه بفعله ذلك وأظهر الندم على قتله عليه السلام وغيّر

__________________

(1) ربما يتصوّر البعض من هذه العبارة أنّ أهل البيت عليهم السلام بقوا مدّة طويلة في خرابة الشام حتّى تقشّرت جلودهم ، والحال أنّ هذا ليس بصحيح إذ أنّ جلودهم تقشّرت على أثر السير تحت الهجير في الصحاري عندما ساقوهم أُسارى في الصحاري بحيث أنّهم لمّا أُودعوا في خرابة الشام تساقطت جلودهم.

٧٠

حاله مع علي بن الحسين وسائر أهل بيته ، فأنزلهم في داره الخاصّة حفظاً للملك والسلطنة وجلباً لقلوب العامّة لا أنّه ندم على قتل الحسين عليه السلام وساءه ما فعل ابن زياد بحسب الواقع ونفس الأمر ، والذي يدلّ على هذا ما نقله السبط ابن الجوزي في التذكرة : أنّه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرّب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه ، وسكر ليلة وقال للمغنّي غنّ ثمّ قال يزيد بديهاً :

اسقني شربة تروي مشاشي

ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومبيد الأعداء والحسّاد(1)

وفي الكامل لابن الأثير : أنّ ابن زياد التقى بمسافر بن شريح في طريق الشام وقال له : لقد قتلت الحسين بن علي بأمر يزيد ، فهو الذي أمرني بذلك وقال : إمّا تقتل الحسين أو أقتلك ، فاخترت قتله.

ومن هنا يعلم أن تظاهر يزيد اللعين بالندامة بعد قتل سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن إلّا من باب الحيلة والخدعة والغدر ليبرّء نفسه أمام الناس الذين سخطوا عليه ليجلب رضاهم وودّهم أمّا في الواقع والحقيقة فهو كان مسروراً بقتل الحسين عليه السلام.

ولعلّ خير شاهد على ذلك هو أنّ شمر بن ذي الجوشن اللعين كان يصلّي ويقول بعد صلاته(2) :

__________________

(1) نفس المهموم ص 421 ، تذكرة الخواص ص 164.

(2) ينبغي لمن يعتقدون بمثل معاوية ويزيد أنّهم من أُولى الأمر ويجب طاعتهم وأن يحكّموا عقولهم ويرجعوا إلى ضمائرهم ويرون هل من الممكن أن يكون أمثال هؤلاء من أُولي الأمر؟!

وهل يمكن أن يكون أمثال هؤلاء الذين حكموا بخلاف أحكام الله وقتلوا ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله من أُولي الأمر؟!

بالطبع إنّ الحكم بأنّ أمثال هؤلاء الأوباش من أُولي الأمر هو من التناقض العجيب ، ومن المعروف أنّ الله

٧١

إلهي إنّ طاعة أُولي الأمر هو الذي حداني لقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله(1) .

من هم أُولوا الأمر؟

قال الله تعالى في كتابه الكريم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (2) فقد تظافرت الروايات بين الفريقين أنّ المراد بأولي الأمر هو أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة المعصومين عليهم السلام من ذرّيته ، فعن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام(3) .

وفي حديث آخر عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) قال عليه السلام : «الأئمّة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام إلى أن تقوم الساعة».

فنفس رسول الله صلى الله عليه واله الذي صرّح قائلاً : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ـ وفي ذلك كناية بأن لا طاعة لمخلوق إطلاقاً لأنّهم غير معصومين وبالتالي فربما يأمرون بمعصية الخالق ـ ينصّ على طاعة الإمام علي وذرّيته المعصومين عليهم السلام طاعة مطلقة وهذا خير دليل على عصمتهم إذ أنّهم لو لم يكونوا معصومين لأمكن أن يأمروا بمعصية الخالق

__________________

تعالى لا يصدر منه التناقض أبداً.

وكما أنّ الله تعالى لا يصدر عنه التناقض ، كذلك القرآن الكريم فهو كلام الله ومن المحال أن يدعوا إلى التناقض؟!

إذن لابدّ من الرجوع إلى العقول السليمة والاعتراف أنّ أُولي الأمر يجب أن يكونوا من المعصومين حتّى لا يلزم التناقض.

(1) راجع ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 280.

(2) سورة النساء : 59.

(3) الكافي ج 1 ص 286 ح 1.

٧٢

والحال أنّ الرسول ينفيها مطلقاً فلابدّ من القول بعصمتهم مطلقاً.

وممّا يدلّ على أنّ المراد بأُولي الأمر هم الأئمّة الأطهار عليهم السلام هو ما نقله المفسّرون من الروايات الكثيرة التي فسّر رسول الله صلى الله عليه واله فيها المراد الحقيقي من الآية ونصّ فيها على أسماء الأئمّة المعصومين عليهم السلام واحداً بعد الآخر إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام.

ومن هنا يتّضح أنّ ولي أمر شمر بن ذي الجوشن هو يزيد بن معاوية ، وأنّ العزاء الذي أقامه هذا الطاغية على سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن إلّا حيلة ومحاولة لاشغال الناس عن جرائمه البشعة التي سوّد بها صفحات التاريخ.

فمن كان للمحدّث القمّي في كتاب «نفس المهموم» نقلاً عن كامل البهائي : أنّ السيّدة زينب عليها السلام أرسلت إلى يزيد تسأله الإذن أن يقمن المأتم على الحسين عليه السلام ، فأجاز ذلك وأنزلهنّ في دار للحجارة ، فأقمن المأتم هناك سبعة أيّام ويجتمع عندهنّ في كلّ يوم جماعة كثيرة لا تحصي من النساء. فقصد الناس أن يهجموا على يزيد في داره ويقتلوه ، فاطّلع على ذلك مروان وقال ليزيد : لا يصلح لك أن توقف أهل بيت الحسين في الشام فأعدّ لهم الجهاز وابعث بهم إلى الحجاز. فهيّأ لهم المسير وبعث بهم إلى المدينة(1) .

وعلى كلّ ، فقد سعى يزيد اللعين وبذل جهده على تزييف الحقائق علّه يخمّد من ثورة الناس وسخطهم عليه وكان مروان مطّلعاً أيضاً على غضب الناس ولذا فإنّه اضطرّ إلى إخراج أهل البيت عليهم السلام من الشام. وعليه فمن البعيد أن يسمح يزيد لأهل البيت عليهم السلام كي يقيموا العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام سبعة أيّام إذ أنّه مع تلك الأوضاع العصبية وهيجان الناس واضطرابهم عليه كيف يمكن أن يسمح لأهل البيت عليهم السلام أن يبقوا في الشام أكثر ويبقي رأس سيّد الشهداء عليه السلام معلّقاً على القنا في مسجد الجامع؟ بل إنّ كلّ من يلاحظ سياسة يزيد الشيطانية وحيله الخبيثة التي كان يجلب من خلالها القلوب الضعيفة ويخدع بها العقول البسيطة يثق تماماً أنّ يزيد لم يبق الرأس الشريف وإنّما بعثه مع أهل

__________________

(1) نفس المهموم ص 411 ـ 412.

٧٣

البيت عليهم السلام خشية أن تضطرب عليه الأوضاع أكثر فيذهب سلطانه.

فمن كلام للطبري قال فيه : إنّ يزيد أبقى أهل البيت عليهم السلام ثلاثة أيّام أقاموا فيها العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام بداية ورودهم إلى الشام وذلك في خرابة من خرابات الشام.

ونقل عن الإمام الصادق في بصائر الدرجات وغيره أنّه لمّا أُتي بعلي بن الحسين عليهما السلام يزيد بن معاوية ـ عليهما لعائن الله ـ ومن معه جعلوه في بيت فقال بعضهم : إنّما جُعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا ، فراطن الحرس فقالوا : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت وإنّما يخرجون غداً فيقتلون. فقال علي بن الحسين : لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري والرِّطانة عند أهل المدينة الرومية(1) .

ومع الالتفات إلى جميع هذه الأُمور يتّضح لماذا لم يبق يزيد أهل البيت عليهم السلام في الشام؟ ولماذا انصرف عن نيّته في قتلهم؟ ولماذا انهار عرشه وذهب سلطانه بعد هذه الأحداث بقليل حتّى أنّ ابنه معاوية صعد المنبر وتبّرأ من أفعاله البشعة؟

ويتضّح أيضاً أنّ يزيد أجبر قادة السجون على التكلّم باللغة الرومية وربما أنّهم لم يكونوا من أصل رومي وإنّما لوجود العلاقات الوثيقة بين الأمويين والروم ، ولنفوذ الروم بين الحكّام الأمويين خاصّة معاوية ويزيد اللذين اتّخذوا سرجون الرومي ككاتب ومستشار إلى زمان عبدالملك بن مروان. فإنّ هذا اللعين هو الذي أشار على يزيد أن يأمر ابن زياد بقتل سيّد الشهداء عليه السلام.

وبإشارة من سرجون الرومي أيضاً أولى يزيد ابن زياد حكومة الكوفة والبصرة ثمّ أمره بالخروج لمقاتلة ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله(2) .

__________________

(1) بصائر الدرجات ص 338.

(2) من أراد مزيد الإطّلاع على سيرة هذا اللعين الرومي فليراجع كتاب «التدوين في أحوال جبال شروين» تأليف محمّد حسن خان اعتماد السلطنة وزير علوم ايران في أيّام القاجار. وراجع الإرشاد حول سيّد الشهداء ص 96.

٧٤

ولا يخفى أنّ علاقة بني أُميّة مع الروم كانت عريقة جدّاً ، إذ أنّ بني أُميّة لم يكونوا من أصل عربي أصلاً وإنّما كانوا من الروم.

كما يستفاد من الرواية السابقة أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام يعرفون اللغة الرومية جيّداً ، علماً أنّ مع معتقدات الشيعة الإمامية في الأئمّة عليهم السلام أنّهم يعرفون جميع اللغات بل ويحسنون التكلّم بها إذ أنّه لا يمكن أن يكون حجّة الله على الخلق جاهلاً بلغة ما لأنّ ذلك يستوجب النقص النافي لحجّيته على العباد.

من جانب آخر تدلّ الرواية أنّ يزيد في بادئ الأمر بعد دخول أهل البيت عليهم السلام الشام وحبسهم في دمشق كان ينوي قتلهم ومحو آثارهم تماماً وهذا ما يظهر من حديث ابن عساكر إلّا أنّه وبعد مدّة انصرف عن هذه الفكرة الشيطانية(1) .

أيّها الظالمون اعتبروا

انظر عزيزي القارئ بعين الاعتبار كيف أنّ معاوية ويزيد اللذين كانا يبلّغان لأنفسهما ويدّعون أمام أهل الشام أنّهما من المقرّبين عند الرسول صلى الله عليه واله أنّ ذلك لم يدم طويلاً حيث انكشفت هذه الأُلعوبة وعرف الناس خداعهما حتّى أنّ معاوية بن يزيد أقرب الناس إليهما ارتقى المنبر أمام الملأ العام وأقرّ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وأحفاده عليهم السلام أحقّ بالخلافة من بني أُميّة(2) .

فقد شاءت إرادة السماء أن تجري الحقائق على لسان أقرب الناس إلى بني أُميّة ويبقى هذا الحديث علامة بارزة في جبين التاريخ لتعتبر منه الأجيال عبر العصور المختلفة.

__________________

(1) راجع تحقيق حول يوم أربعين سيّد الشهداء عليه السلام فارسي للشهيد آية الله سيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي التبريزي رحمه الله ص 458 ـ 466.

(2) أشرنا إلى بعض المقتطفات من خطبته فليراجع.

٧٥

الملفت للانتباه أنّ التاريخ أثنى على معاوية بن يزيد لقوله الحقّ ونبذه للتعصّب الجاهلي وأشاد بموقفه العظيم مقابل جرائم والحده إلّا أنّ ابن تيمية الحراني ذلك المعصّب وبعد مضي أكثر من الف عام جاء ليعلن عن ملكيته أكثر من نفس الملك وأنكر الواضحات ورفض ضروريات التاريخ ولذا أصبح من أعلام الضلالة المنبوذين الذين يتشاءم الناس من ذكر أسمائهم جرّاء تعصّبه الجاهلي ليزيد بن معاوية وأمثاله(1) .

ومن المتعصّبين الضالّين أيضاً هو القهستاني الذي قال : إذا أراد الإنسان أن يقرأ مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام فمن الأفضل أن يقرأ مصائب الصحابة أولاً كي لا يتشبّه بالروافض.

ولا يخفى أن مراده من ذلك أن يذكر القارئ مصيبة عثمان بن عفّان الأموي ، الذي أجمع الصحابة على كفره وحكموا بوجوب قتله إلى أن قتل ودفن في مزبلة من مزابل اليهود(2) ، فهل يمكن القياس بين سيّد الشهداء عليه السلام الذي قتل مظلوماً ونصر بدمه الإسلام وبين من أجمع الصحابة بكفره ووجوب قتله؟!

العجيب أنّ حجّة الإسلام لأهل السنّة الغزالي قال : يحرم على الواعظ قراءة مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام وينبغي له أن يمرّ على النزاعات والخلافات التي حدثت بين الصحابة وكأنّه لم يسمعها بل عليه أن يغضّ الطرف عن هكذا أحداث حتّى لا يقع بعض الصحابة الذين نصّ القرآن الكريم على نفاقهم في قفص الاتّهام.

بالطبع أنّه قال هذا الكلام كي تنطلي الحقائق على الناس وينخدعوا بأمثال أبي سفيان وابنه معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم من المنافقين الذين أصبحوا زوراً من

__________________

(1) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام لآية الله القاضي التبريزي ص 468.

(2) فقد قتلوا عثمان ورموا جنازته في مزبلة وبقي ثلاثة أيّام إلى أن جاء مروان وبعض رفاقه فحملوا الجنازة ودفنوها إلّا أنّ قوماً من بني مازن تعهّدوا وقالوا : في أي مكان تدفنوه فإنّنا سنخبر الناس عن مكانه ولذا فإنّهم أخذوه إلى مقبرة من مقابر اليهود.

٧٦

أعلام الدين وخلفاء المسلمين(1) .

وفي عصرنا الراهن هناك الكثير ممّن ارتضوا مقولة الغزالي إلّا أنّهم لا يتمكّنون من منع الناس عن فهم حقائق التاريخ ، ولذا فقد لجأوا إلى ترويج الأفكار السطحية المستوردة من الغرب وخرافات الفلسفة علّهم عبر هذه السفسطات الفلسفية والفتاوى البعيدة عن الدليل يخدعوا الناس ويقنعوهم بخلفاء بني أُميّة الذين ادّعوا ظلماً وعدواناً أنّهم أولياء الأمر.

وبالرغم من كلّ هذه الخطابات والكتابات الضالّة الرامية لاقصاء الشعوب عن العقائد الحقّة إلّا أنّ الناس عامّة خاصّة الشباب الواعي كانوا لهم بالمرصاد حيث ردّوا مثل هذه الادّعاءات الخاوية ولم يعتقدوا بهم طرفة عين أبداً بل وبقوا ينظرون إليهم كملوك جبابرة حكموا البلاد ظلماً ونشروا فيها الفساد.

وعلى كلّ ، فإنّ أمثال فتاوي الغزالي والقهستاني ليس لها قيمة أبداً إذ أنّه من ضروريات مذهب الشيعة التابعين لأهل البيت عليهم السلام هو إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام وإحياء مأساته ومصابه طيلة السنة ، وقد أكّد أهل البيت عليهم السلام على ذلك بشدّة وأشاروا إلى قداسنة هذه الشعائر في رواياتهم الشريفة بشكل متظافر حتّى أصبحت عند الشيعة من أفضل المقدّسات المجمع عليها.

من جانب آخر فإنّ زيارة مراقد أهل البيت عليهم السلام والبكاء عليهم وإقامة مأتمهم وإحياء شعائرهم هي من أفضل المستحبّات بل ومن ألزم الأُمور التي يجب على عموم الشيعة حفظها والالتزام بها خاصّة البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام وزيارته. وقد صنّف العلّامة المتبحّر أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي كتاباً قيّماً باسم «كامل الزيارات» جمع فيه أصحّ الروايات وأسدّها حول هذه المسألة علماً أنّ الكتاب قد طبع بهمّة العلّامة الكبير الشيخ عبدالحسين الأميني صاحب الموسوعة النفيسة المسمّاة

__________________

(1) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام ص 174.

٧٧

بالغدير.

بطبيعة الحال أنّه مع وجود وصايا كهذه من قبل أهل البيت عليهم السلام على إقامة الشعائر لا تبقي قيمة لفتاوى النواصب والخوارج من أعداء الأئمّة الأطهار عليهم السلام الذين أفتوا وفق عقولهم الناقصة وآرائهم الفاسدة بحرمتها خاصّة مع الالتفات أنّ مثل هذه الوصايا من أئمّة الهدى عليهم السلام تناقلت إليهم واحداً بعد الآخر عن جدّهم الأطهر صلى الله عليه واله الذي هو سيّد العارفين بأحكام الشريعة.

ولذا فمن المفترض أن نسأل الغزالي نفسه ونقول له : بأي دليل أفتيت بحرمة إقامة العزاء لسيّد الشهداء عليه السلام؟ فهل وصلك خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه واله أمّ أنّك تنقل عن بعض من يسمّون بالصحابة أمثالك ممّن لم يعصمهم الله تعالى؟

وهل إنّنا نتّبع آراؤك الضالّة أم نلتزم بأقوال الإمام الصادق عليه السلام حفيد رسول الله صلى الله عليه واله؟

بلا شكّ إنّ كلّ من عنده أدنى قدر من الإيمان يرجّح أتباع أهل بيت عليهم السلام الذين نصّ القرآن الكريم على عصمتهم في آية التطهير ويترك فتاواك الضالّة التي عبّر الإمام الصادق عليه السلام من أمثالها : لمثل هذا تمنع السماء قطرها(1) .

__________________

(1) تحقيق حول أربعين سيّد الشهداء عليه السلام ص 278.

٧٨

الفصل الرابع

بعد أن تعرّفنا على الشجرة الملعونة ومدى خباثة معاوية ونجله النجس يزيد ، ومن باب أنّ الأشياء تعرف بأضدادها ، فلا بأس أن نتعرّف أيضاً على الشجرة الطيّبة لأهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين.

وحتّى لا يطول بنا المقام ونخرج عن أصل البحث ، ومراعاة للاختصار فقد قدّمنا بعض المقتطفات السريعة حول أفضل شخصية في هذه الأُسرة الطيّبة ألا وهو ابن عمّ النبي صلى الله عليه واله وزوج الزهراء البتول عليها السلام ووالد السبطين الحسن والحسين عليهما السلام وأبو الأئمّة الأطهار عليهم السلام أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه أفضل صلوات الله وسلامه.

فقد اخترنا بعض مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ليدرك العالم عمق الخسارة وعظم المصيبة التي ارتكبها أرباب الشجرة الملعونة في حقّ هذا البيت الطاهر ، ولنعرف الشيء القليل من مقامات هذا البيت الطاهر الذي اصطفى الله تعالى أهله وجعلهم مضرب للخير والبركة فقال عزّ من قائل :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) (1) .

أمّا هذه المناقب فهي :

علي عليه السلام ركن التوحيد

روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : «ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ،

__________________

(1) سورة إبراهيم : 24 ـ 27.

٧٩

ولن يبعث الله نبيّاً إلّا بنبوّة محمّد صلى الله عليه واله وولاية وصيّه علي عليه السلام»(1) .

وعن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن أبيه محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله تعالى :( فِطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (2) قال : «هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أمير المؤمنين ولي الله ، إلى هاهنا التوحيد»(3) .

مكتوب على أبواب الجنّة

عن جابر الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : ليلة أُسرى بي إلى السماء أُمر بعرض الجنّة والنار عليّ ، فرأيتهما جميعاً ، رأيت الجنّة وألوان نعيمها ، ورأيت النار وألوان عذابها ، وعلى كلّ باب من أبواب الجنّة الثمانية : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله(4) .

مكتوب على العرش

عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «مسطور بخطّ جليل حول العرش : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي أمير المؤمنين»(5) .

الشاكّ في ولاية علي عليه السلام

عن عطاء قال : سألت عائشة عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت : «ذاك خير البشر ولا يشكّ فيه إلّا كافر»(6) .

حرب الجمل من أين؟

قيل إنّ عائشة بعد أن نقلت حديث رسول الله صلى الله عليه واله : «علي خبر البشر فمن أبى فقد

__________________

(1) الصراط المستقيم ص 10 نقلاً عن بصائر الدرجات ص 72 ح 1.

(2) سورة الروم : 3.

(3) الصراط المستقيم ص 19 نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم القمّي ج 2 ص 155.

(4) بحار الأنوار ج 27 ح 24.

(5) بحار الأنوار ج 27 ص 11 ـ 12 ح 27.

(6) بحار الأنوار ج 38 ص 5 ح 7.

٨٠